تفسير سورة الإنسان

تفسير ابن عباس

تفسير سورة سورة الإنسان من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس.
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَان﴾ يَقُول أَتَى على آدم ﴿حِينٌ مِّنَ الدَّهْر﴾ أَرْبَعُونَ سنة مخلوقاً مصوراً ﴿لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً﴾ يذكر وَلَا يدرى مَا هُوَ وَمَا اسْمه وَمَا يُرَاد بِهِ إِلَّا الله
﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَان﴾ يَعْنِي ولد آدم ﴿مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ﴾ من نُطْفَة آدم وحواء وَيُقَال أمشاج يَعْنِي الألوان مختلطاً مَاء الرجل أَبيض غليظ وَمَاء الْمَرْأَة أصفر رَقِيق فَالْوَلَد يكون مِنْهُمَا ﴿نَّبْتَلِيهِ﴾ نختبره بالشدة والرخاء وَيُقَال نختبره بِالْخَيرِ وَالشَّر ﴿فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً﴾ فَجعلنَا لَهُ السّمع لكَي يسمع بِهِ الْحق وَالْهدى وَالْبَصَر لكَي يبصر بِهِ الْحق وَالْهدى وَيُقَال نبتليه نختبره بِالْخَيرِ وَالشَّر وَالْكفْر وَالْإِيمَان مقدم ومؤخر
﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيل﴾ بَينا لَهُ طَرِيق الْإِيمَان وَالْكفْر وَالْخَيْر وَالشَّر ﴿إِمَّا شَاكِراً﴾ مُؤمنا ﴿وَإِمَّا كَفُوراً﴾ كَافِرًا وَيُقَال إِنَّا هديناه السَّبِيل إِمَّا شاكرا وَإِمَّا كفورا
﴿إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ﴾ أبي جهل وَأَصْحَابه ﴿سَلاَسِلَ وَأَغْلاَلاً﴾ فِي النَّار ﴿وَسَعِيراً﴾ نَارا وقوداً
﴿إِنَّ الْأَبْرَار﴾ المصدقين فِي إِيمَانهم المطيعين لله ﴿يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ﴾ يشربون فِي الْجنَّة من خمر ﴿كَانَ مِزَاجُهَا﴾ خلطها ﴿كَافُوراً﴾
﴿عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا﴾ مِنْهَا ﴿عِبَادُ الله﴾ أَوْلِيَاء الله ﴿يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً﴾ يمزجونها تمزيجاً وَيُقَال يفجرون عين الكافور حَيْثُمَا يشاءون فِي الْجنَّة إِلَى مَنَازِلهمْ وقصورهم
ثمَّ وصف نعتهم إِذا كَانُوا فِي الدُّنْيَا فَقَالَ الله ﴿يُوفُونَ بِالنذرِ﴾ بالعهد وَالْحلف بِاللَّه وَيُقَال يتمون الْفَرَائِض ﴿وَيَخَافُونَ يَوْماً﴾ عَذَاب يَوْم ﴿كَانَ شَرُّهُ﴾ عَذَابه ﴿مُسْتَطِيراً﴾ فاشياً
﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَام على حُبِّهِ﴾ على قلته وشهوته ﴿مِسْكِيناً وَيَتِيماً﴾ من الْمُسلمين ﴿وَأَسِيراً﴾ من الْمُسلمين فِي أَيدي الْمُشْركين وَيُقَال أهل السجْن
﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله﴾ فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم وَلم يتكلموا بِهِ وَلَكِن أخبر الله عَن صدق قُلُوبهم فَقَالَ إِنَّمَا نطعمكم لوجه الله لثواب الله وكرامته ﴿لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً﴾ مُكَافَأَة تجازوننا بِهِ ﴿وَلاَ شُكُوراً﴾ محمدة تحمدوننا بِهِ
﴿إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا﴾ من عَذَاب رَبنَا ﴿يَوْماً عَبُوساً﴾ كلوحاً ﴿قَمْطَرِيراً﴾ شَدِيدا يَقُول شَدِيد عَذَاب ذَلِك الْيَوْم وهوله وَيُقَال هُوَ تعبس الْوَجْه
﴿فَوَقَاهُمُ الله﴾ دفع عَنْهُم ﴿شَرَّ ذَلِك الْيَوْم﴾ عَذَاب ذَلِك الْيَوْم ﴿وَلَقَّاهُمْ﴾ أَعْطَاهُم ﴿نَضْرَةً﴾ حسن الْوُجُوه والبهاء ﴿وَسُرُوراً﴾ فَرحا فِي الْقلب
﴿وَجَزَاهُمْ﴾ أَعْطَاهُم ﴿بِمَا صَبَرُواْ﴾ فِي الدُّنْيَا على الْفقر والمرازي ﴿جَنَّةً وَحَرِيراً﴾
﴿مُّتَّكِئِينَ فِيهَا﴾ جالسين ناعمين فِي الْجنَّة ﴿على الأرائك﴾ على السرر فِي الحجال فَلَا تكون أريكة إِلَّا إِذا اجْتمعَا فَإِذا تفَرقا فَلَيْسَ بأريكة ﴿لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً﴾ يَقُول لَا يصيبهم حر الشَّمْس وَلَا برد الزَّمْهَرِير
﴿وَدَانِيَةً﴾ قريبَة ﴿عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا﴾ ظلال الشّجر ﴿وَذُلِّلَتْ﴾ سخرت وَقربت ﴿قُطُوفُهَا﴾ ثَمَرهَا ﴿تَذْلِيلاً﴾ تسخيراً
﴿وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ﴾ فِي الْخدمَة ﴿بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ﴾ كيزان بِلَا آذان وَلَا عرا ﴿كَانَتْ قواريرا﴾
﴿قَوَارِير مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا﴾ على أكف الغلمان ﴿تَقْدِيراً﴾ وَيُقَال قدرُوا الشَّرَاب فِيهَا تَقْديرا لَا يفضل وَلَا يعجز
﴿وَيُسْقَوْنَ فِيهَا﴾ فِي الْجنَّة ﴿كَأْساً﴾ خمرًا ﴿كَانَ مِزَاجُهَا﴾ خلطها ﴿زَنجَبِيلاً﴾
﴿عَيْناً فِيهَا﴾ فِي الْجنَّة ﴿تسمى﴾ تِلْكَ الْعين ﴿سَلْسَبِيلاً﴾ وَيُقَال سل الله إِلَيْهَا سَبِيلا
﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ﴾ فِي الْخدمَة ﴿وِلْدَانٌ﴾ وصفاء ﴿مُّخَلَّدُونَ﴾ فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون وَيُقَال محلون ﴿إِذَا رَأَيْتَهُمْ﴾ لَو رَأَيْتهمْ يَا مُحَمَّد ﴿حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً﴾ فِي الصفاء وَيُقَال كثيرا قد نثر عَلَيْهِم
﴿وَإِذَا رَأَيْتَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿ثَمَّ﴾ فِي الْجنَّة ﴿رَأَيْتَ﴾ لأَهْلهَا ﴿نَعِيماً﴾ دَائِما ﴿وَمُلْكاً كَبِيراً﴾ لَا يدْخل عَلَيْهِم أحد إِلَّا بِالسَّلَامِ والاستئذان
﴿عَالِيَهُمْ﴾ على أكتافهم إِن قَرَأت بِالْألف ﴿ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ﴾ مَا لطف من الديباج ﴿وَإِسْتَبْرَقٌ﴾ مَا ثخن من الديباج ﴿وحلوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ﴾ ألبسوا أقبية من فضَّة ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً﴾ من الدنس وَيُقَال يطهرهم من الغل والغش والعداوة
﴿إِنَّ هَذَا﴾ الَّذِي وصفت من الطَّعَام وَالشرَاب واللباس ﴿كَانَ لَكُمْ جَزَآءً﴾ ثَوابًا من الله ﴿وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً﴾ عَمَلكُمْ مَقْبُولًا فِي الزِّيَادَة
﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآن﴾ جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ ﴿تَنزِيلاً﴾ مُتَفَرقًا آيَة وآيتين وَسورَة
﴿فاصبر لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ على قَضَاء رَبك وَيُقَال على تَبْلِيغ رِسَالَة رَبك ﴿وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ﴾ من كفار قُرَيْش ﴿آثِماً﴾ فَاجِرًا كذابا يَعْنِي الْوَلِيد بن الْمُغيرَة ﴿أَو كفورا﴾ كَافِر بِاللَّه وَهُوَ عتبَة بن ربيعَة
﴿وَاذْكُر اسْم رَبِّكَ﴾ صل بِأَمْر رَبك ﴿بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ غدْوَة وعشياً يَعْنِي صَلَاة الْفجْر وَالظّهْر وَالْعصر
﴿وَمِنَ اللَّيْل فاسجد لَهُ﴾ فصل صَلَاة الْمغرب وَالْعشَاء ﴿وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً﴾ صل لَهُ فِي اللَّيْل وَهُوَ التَّطَوُّع وَيُقَال كَانَ خَاصَّة عَلَيْهِ دون أَصْحَابه صَلَاة اللَّيْل
﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ﴾ أهل مَكَّة ﴿يُحِبُّونَ العاجلة﴾ الْعَمَل للدنيا ﴿وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ﴾ يتركون الْعَمَل لما أمامهم ﴿يَوْمًا ثقيلا﴾ شَدِيدا هُوَ لَهُ وعذابه
﴿نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ﴾ يَعْنِي أهل مَكَّة ﴿وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ﴾ قوينا خلقهمْ ﴿وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَآ أَمْثَالَهُمْ﴾ يَعْنِي أهلكناهم ﴿تبديلا﴾ إهلاكا يَقُول لوشئنا لأهلكنا هَؤُلَاءِ الْكَفَرَة الفجرة وبدلنا خيرا مِنْهُم وأطوع لله
﴿إِنَّ هَذِه﴾ السُّورَة ﴿تَذْكِرَةٌ﴾ عظة من الله ﴿فَمَن شَآءَ اتخذ إِلَى رَبِّهِ﴾ فَمن شَاءَ وحد وَاتخذ بذلك إِلَى ربه ﴿سَبِيلا﴾ مرجعا
﴿وَمَا تشاؤون﴾ من الْخَيْر وَالشَّر وَالْكفْر وَالْإِيمَان ﴿إِلاَّ أَن يَشَاء الله﴾ لكم أَن تشاءوا ذَلِك ﴿إِن الله كَانَ عليما﴾ بِمَا تشاءون من الْخَيْر وَالشَّر ﴿حَكِيماً﴾ حكم أَن لَا تشاءوا من الْخَيْر وَالشَّر إِلَّا مَا يَشَاء
﴿يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ﴾ يكرم من يَشَاء بدين الْإِسْلَام من كَانَ أَهلا لذَلِك ﴿والظالمين﴾ الْكَافرين الْمُشْركين ﴿أَعَدَّ لَهُمْ﴾ عذَابا قَرِيبا فِي الْآخِرَة ﴿عَذَاباً أَلِيماً﴾ وجيعاً يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم
496
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا المرسلات وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها خَمْسُونَ وكلماتها مائَة وَإِحْدَى وَثَمَانُونَ وحروفها ثَمَانمِائَة وَسِتَّة عشر حرفا
﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾
497
سورة الإنسان
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الإنسان) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الرحمن)، وقد ذكَّرتِ الإنسانَ بأصل خِلْقته، وقدرة الله عليه؛ ليتواضعَ لأمر الله ويستجيب له؛ فاللهُ هو الذي جعل هذا الإنسانَ سميعًا بصيرًا؛ فالواجب المتحتم عليه أن تُجعَلَ هذه الجوارحُ كما أراد لها خالقها وبارئها؛ ليكونَ بذلك حسَنَ الجزاء يوم القيامة، ومَن كفر فمشيئة الله نافذةٌ في عذابه إياه، وقد كان صلى الله عليه وسلم يَقرؤها في فجرِ الجمعة.

ترتيبها المصحفي
76
نوعها
مكية
ألفاظها
243
ترتيب نزولها
98
العد المدني الأول
31
العد المدني الأخير
31
العد البصري
31
العد الكوفي
31
العد الشامي
31

* سورة (الإنسان):

سُمِّيت سورة (الإنسان) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بذكرِ الإنسان وخَلْقِه من عدمٍ.

* سورة {هَلْ أَتَىٰ} أو {هَلْ أَتَىٰ عَلَى اْلْإِنسَٰنِ}:

سُمِّيت بذلك؛ لافتتاحها به.

كان صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة (الإنسان) في فجرِ الجمعة:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قرَأَ في صلاةِ الغداةِ يومَ الجمعةِ: {الٓمٓ ١ تَنزِيلُ} السَّجْدةَ، و{هَلْ أَتَىٰ عَلَى اْلْإِنسَٰنِ}». أخرجه مسلم (٨٧٩).

1. نعمة الخَلْق والهداية (١-٣).

2. مصير الكفار (٤).

3. جزاء الأبرار (٥-٢٢).

4. توجيهٌ للنبي عليه السلام (٢٣-٢٦).

5. وعيدٌ للمشركين (٢٧-٢٨).

6. مشيئة الله تعالى نافذة (٢٩-٣١).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /511).

مقصود السورة الأعظمُ تذكيرُ الناس بأصل خِلْقَتِهم، وأنَّ الله أوجَدهم من عدم، وبَعْثُهم بعد أن أوجَدهم أسهَلُ من إيجادهم؛ ففي ذلك أكبَرُ دلالةٍ على قدرة الله على إحياء الناس وحسابهم.
وفي ذلك يقول ابن عاشور رحمه الله: «محورها التذكيرُ بأنَّ كل إنسان كُوِّنَ بعد أن لم يكُنْ، فكيف يَقضي باستحالة إعادة تكوينه بعد عدمه؟

وإثبات أن الإنسان محقوقٌ بإفراد الله بالعبادة؛ شكرًا لخالقه، ومُحذَّرٌ من الإشراك به.

وإثبات الجزاء على الحالينِ، مع شيءٍ من وصفِ ذلك الجزاء بحالتيه، والإطنابِ في وصفِ جزاء الشاكرين». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (29 /371).