تفسير سورة الحشر

أحكام القرآن للجصاص

تفسير سورة سورة الحشر من كتاب أحكام القرآن المعروف بـأحكام القرآن للجصاص.
لمؤلفه الجصَّاص . المتوفي سنة 370 هـ

الْمُسْلِمُونَ عَنْ مُقَاوِمَتِهِمْ فِي إدْخَالِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ الذِّمَّةِ جَازَ لَهُمْ مُصَالَحَتُهُمْ عَلَى الْجَلَاءِ عَنْ بِلَادِهِمْ وَالْمَعْنَى الثَّانِي جَوَازُ مُصَالَحَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى مَجْهُولٍ مِنْ الْمَالِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَهُمْ عَلَى أَرَاضِيِهِمْ وَعَلَى الْحَلْقَةِ وَتَرَكَ لَهُمْ مَا أَقَلَّتْ الْإِبِلُ وَذَلِكَ مَجْهُولٌ وقَوْله تَعَالَى فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصارِ فِيهِ أَمْرٌ بِالِاعْتِبَارِ وَالْقِيَاسُ فِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ ضَرْبٌ مِنْ الِاعْتِبَارِ فَوَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ بِظَاهِرِ الْآيَةِ وقوله تعالى ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ كُلُّ نَخْلَةٍ لِينَةٌ سِوَى الْعَجْوَةِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ كُلُّ نَخْلَةٍ لِينَةٌ وَقِيلَ اللِّينَةُ كِرَامُ النَّخْلِ وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ النَّخْلَةِ نَهَى بَعْضُ الْمُهَاجِرِينَ عَنْ قَطْعِ النَّخْلِ وَقَالَ إنَّمَا هِيَ مَغَانِمُ الْمُسْلِمِينَ فَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِتَصْدِيقِ مِنْ نَهَى وَبِتَحْلِيلِ مَنْ قَطَعَهَا مِنْ الْإِثْمِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ صَوَّبَ اللَّهُ الَّذِينَ قَطَعُوا وَاَلَّذِينَ أَبَوْا وَكَانُوا فَعَلُوا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَغِرْ عَلَى أُبْنَى صَبَاحًا وَحَرِّقْ
وَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ لَمَّا قَاتَلَ أَبُو بَكْرٍ أَهْلَ الرِّدَّةِ قَتَلَ وَسَبَى وَحَرَّقَ
وَرَوَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ حَزْمٍ قَالَ لَمَّا تَحَصَّنَ بَنُو النَّضِيرِ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقطع نخلهم وَتَحْرِيقِهِ فَقَالُوا يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا كُنْت تَرْضَى بِالْفَسَادِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ
الْآيَةَ وَرَوَى عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمَّا وَجَّهَ أَبُو بَكْرٍ الْجَيْشَ إلَى الشَّامِ كَانَ فِيمَا أَوْصَاهُمْ بِهِ وَلَا تُقْطَعُ شَجَرَةٌ مُثْمِرَةٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ تَأَوَّلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا أَنَّ الله سيغنمهم إياها وتصير للمسلمين بوعد النبي صلّى الله عليه وسلّم لهم بفتح الشام فأراد عليهم أن تبقى للمسلمين وأما جيش المسلمين إذَا غَزَوْا أَرْضَ الْحَرْبِ وَأَرَادُوا الْخُرُوجَ فَإِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُحَرِّقُوا شَجَرَهُمْ وَزُرُوعَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا فِي مَوَاشِيهِمْ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُمْ إخْرَاجُهَا ذُبِحَتْ ثُمَّ أُحْرِقَتْ وَأَمَّا مَا رَجَوْا أن يصير فيأ لِلْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ إنْ تَرَكُوهُ لِيَصِيرَ لِلْمُسْلِمِينَ جَازَ وَإِنْ أَحْرَقُوهُ غَيْظًا لِلْمُشْرِكِينَ جَازَ اسْتِدْلَالًا بِالْآيَةِ وَبِمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ
وقَوْله تَعَالَى وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ الْآيَةَ الْفَيْءُ الرُّجُوعُ وَمِنْهُ الْفَيْءُ فِي الْإِيلَاءِ في قوله فَإِنْ فاؤُ وأفاءه عَلَيْهِ إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ وَالْفَيْءُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ مَا صَارَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ فَالْغَنِيمَةُ فَيْءٌ وَالْجِزْيَةُ فَيْءٌ وَالْخَرَاجُ فَيْءٌ لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مِمَّا مَلَّكَهُ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْغَنِيمَةُ وإن كانت فيأ فَإِنَّهَا تَخْتَصُّ بِمَعْنًى لَا يُشَارِكُهَا فِيهِ
سَائِرُ وُجُوهِ الْفَيْءِ لِأَنَّهَا مَا أُخِذَ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ عَنْوَةً بِالْقِتَالِ فَمِنْهَا مَا يَجْرِي فِيهِ سِهَامُ الْغَانِمِينَ بَعْدَ إخْرَاجِ الْخُمُسِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ فَيْئًا مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفْ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً وَكَانَ يُنْفِقُ مِنْهَا عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ وَمَا بَقِيَ جَعَلَهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عِدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَهَذَا مِنْ الْفَيْءِ الَّذِي جُعِلَ الْأَمْرُ فِيهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ فِيهِ حَقٌّ إلَّا مَنْ جَعَلَهُ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْفِقُ مِنْهَا عَلَى أَهْلِهِ وَيَجْعَلُ الْبَاقِيَ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ وَذَلِكَ لِمَا بَيَّنَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَهُوَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يوجفوا عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَمْ يَأْخُذُوهُ عَنْوَةً وَإِنَّمَا أَخَذُوهُ صُلْحًا وَكَذَلِكَ كَانَ حُكْمُ فَدَكَ وَقُرَى عرينة فِيمَا ذَكَرَهُ الزُّهْرِيُّ وَقَدْ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْغَنِيمَةِ الصَّفِيُّ وَهُوَ مَا كَانَ يَصْطَفِيهِ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ الْمَالُ وَكَانَ لَهُ أَيْضًا سَهْمٌ مِنْ الْخُمُسِ فَكَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْفَيْءِ هَذِهِ الْحُقُوقُ يَصْرِفُهَا فِي نَفَقَةِ عِيَالِهِ وَالْبَاقِي فِي نَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ فِيهَا حَقٌّ إلَّا مَنْ يَخْتَارُ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْطِيَهُ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَالٍ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ عَنْوَةً وَإِنَّمَا أُخِذَ صُلْحًا أَنَّهُ لَا يُوضَعُ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَيُصْرَفُ عَلَى الْوُجُوهِ الَّتِي يُصْرَفُ فِيهَا الْخَرَاجُ وَالْجِزْيَةُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا صَارَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ حِينَ لَمْ يُوجِفْ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ
وقَوْله تَعَالَى مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ الْآيَةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ بَيَّنَ اللَّهُ حُكْمَ مَا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْفَيْءِ فَجَعَلَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا قَدَّمْنَا مِنْ بَيَانِهِ ثُمَّ ذَكَرَ حُكْمَ الْفَيْءِ الَّذِي أَوْجَفَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ فَجَعَلَهُ لِهَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ وَهُمْ الْأَصْنَافُ الْخَمْسُ الْمَذْكُورُونَ فِي غَيْرِهَا وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ لِلْغَانِمَيْنِ شَيْءٌ مِنْهُ إلَّا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ وَقَالَ قَتَادَةُ كَانَتْ الْغَنَائِمُ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ لِهَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَمَّا فَتَحَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْعِرَاقَ سَأَلَهُ قَوْمٌ مِنْ الصَّحَابَةِ قِسْمَتَهُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ مِنْهُمْ الزُّبَيْرُ وَبِلَالٌ وَغَيْرُهُمَا فَقَالَ إنْ قَسَمْتهَا بَيْنَهُمْ بَقِيَ آخِرُ النَّاسِ لَا شَيْءَ لَهُمْ وَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ إلى قوله وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَشَاوَرَ عَلِيًّا وَجَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ فَأَشَارُوا عَلَيْهِ بِتَرْكِ الْقِسْمَةِ وَأَنْ يُقِرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا وَيَضَعَ عَلَيْهَا الْخَرَاجَ فَفَعَلَ ذَلِكَ وَوَافَقَتْهُ الْجَمَاعَةُ عِنْدَ احْتِجَاجِهِ بِالْآيَةِ وَهَذَا
318
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ وَأَنَّهَا مَضْمُومَةٌ إلَى آيَةِ الْغَنِيمَةِ فِي الْأَرْضِينَ الْمُفْتَتَحَةِ فَإِنْ رَأَى قِسْمَتَهَا أَصْلَحَ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَرَدَّ عَلَيْهِمْ قَسَمَ وَإِنْ رَأَى إقْرَارَ أَهْلِهَا عَلَيْهَا وَأَخْذَ الْخَرَاجِ مِنْهُمْ فِيهَا فَعَلَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْآيَةُ ثَابِتَةَ الْحُكْمِ فِي جَوَازِ أَخْذِ الْخَرَاجِ مِنْهَا حَتَّى يَسْتَوِيَ الْآخَرُ وَالْأَوَّلُ فِيهَا لَذَكَرُوهُ لَهُ وَأَخْبَرُوهُ بِنَسْخِهَا فَلَمَّا لَمْ يُحَاجُّوهُ بِالنَّسْخِ دَلَّ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِهَا عِنْدَهُمْ وَصِحَّةِ دَلَالَتِهَا لَدَيْهِمْ عَلَى مَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْآيَتَيْنِ بِمَجْمُوعِهِمَا وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ فِي الْأَمْوَالِ سِوَى الْأَرْضِينَ وَفِي الْأَرْضِينَ إذَا اخْتَارَ الْإِمَامُ ذَلِكَ وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ الْأَرْضِينَ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إنْ اخْتَارَ تَرْكَهَا عَلَى مِلْكِ أَهْلِهَا وَيَكُونُ ذِكْرُ الرسول هاهنا لِتَفْوِيضِ الْأَمْرِ عَلَيْهِ فِي صَرْفِهِ إلَى مَنْ رَأَى فَاسْتَدَلَّ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وقوله وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَقَالَ لَوْ قَسَمْتهَا بَيْنَهُمْ لَصَارَتْ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَلَمْ يَكُنْ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ شَيْءٌ وَقَدْ جَعَلَ لَهُمْ فِيهَا الحق بقوله وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَلَمَّا اسْتَقَرَّ عِنْدَهُ حُكْمُ دَلَالَةِ الْآيَةِ وَمُوَافَقَةُ كُلِّ الصَّحَابَةِ عَلَى إقْرَارِ أَهْلِهَا عَلَيْهَا وَوَضْعِ الْخَرَاجِ بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ وَحُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ فَمَسَحَا الْأَرْضِينَ وَوَضَعَا الْخَرَاجَ عَلَى الْأَوْضَاعِ الْمَعْلُومَةِ وَوَضَعَا الْجِزْيَةَ عَلَى الرِّقَابِ وَجَعَلَاهُمْ ثَلَاثَ طَبَقَاتٍ اثْنِي عَشَرَ وَأَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ ثُمَّ لَمْ يَتَعَقَّبْ فِعْلَهُ هَذَا أَحَدٌ مِمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ بِالْفَسْخِ فَصَارَ ذَلِكَ اتِّفَاقًا وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَحْكَامِ الْأَرْضِينَ المفتتحة عنوة فقال أصحابنا والئورى إذَا افْتَتَحَهَا الْإِمَامُ عَنْوَةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَسَمَهَا وَأَهْلَهَا وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ بَعْدَ إخْرَاجِ الْخُمُسِ وَإِنْ شَاءَ أَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا وَجَعَلَ عَلَيْهَا وَعَلَيْهِمْ الْخَرَاجُ وَيَكُونُ مِلْكًا لَهُمْ وَيَجُوزُ بَيْعُهُمْ وَشِرَاؤُهُمْ لَهَا وَقَالَ مَالِكٌ مَا بَاعَ أَهْلُ الصُّلْحِ مِنْ أَرْضِهِمْ فَهُوَ جَائِزٌ وَمَا افْتَتَحَ عَنْوَةً فَإِنَّهُ لَا يَشْتَرِي مِنْهُمْ أَحَدٌ لِأَنَّ أَهْلَ الصُّلْحِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ كَانَ أَحَقَّ بِأَرْضِهِ وَمَالِهِ وَأَمَّا أَهْلُ الْعَنْوَةِ الَّذِينَ أُخِذُوا عَنْوَةً فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ أَحْرَزَ لَهُ إسْلَامُهُ نَفْسَهُ وَأَرْضَهُ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ بِلَادَهُمْ قد صارت فيأ لِلْمُسْلِمِينَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَا كَانَ عَنْوَةً فَخُمُسُهَا لِأَهْلِهِ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِلْغَانِمَيْنِ فَمَنْ طَابَ نَفْسًا عَنْ حَقِّهِ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَهَا وَقْفًا عَلَيْهِمْ ومن لم يطب نفسا فهو أحق بما له قال أبو بكر لا تخلوا الْأَرْضُ الْمُفْتَتَحَةُ عَنْوَةً مِنْ أَنْ تَكُونَ لِلْغَانِمَيْنِ لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ صَرْفُهَا عَنْهُمْ بِحَالٍ إلَّا بِطِيبَةٍ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَوْ أَنْ
319
يَكُونَ الْإِمَامُ مُخَيَّرًا بَيْنَ إقْرَارِ أَهْلِهَا عَلَى أَمْلَاكِهِمْ فِيهَا وَوَضْعِ الْخَرَاجِ عَلَيْهَا وَعَلَى رِقَابِ أهلها على ما فعله عمر رضى الله عنه فِي أَرْضِ السَّوَادِ فَلَمَّا اتَّفَقَ الْجَمِيعُ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى تَصْوِيبِ عُمَرَ فِيمَا فَعَلَهُ فِي أَرْضِ السَّوَادِ بَعْدَ خِلَافٍ مِنْ بَعْضِهِمْ عَلَيْهِ عَلَى إسْقَاطِ حَقِّ الْغَانِمِينَ عَنْ رِقَابِهَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْغَانِمِينَ لَا يَسْتَحِقُّونَ مِلْكَ الْأَرْضِينَ وَلَا رِقَابَ أَهْلِهَا إلَّا بِأَنْ يَخْتَارَ الْإِمَامُ ذَلِكَ لَهُمْ لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مِلْكًا لَهُمْ لَمَا عَدَلَ عَنْهُمْ بِهَا إلَى غَيْرِهِمْ وَلَنَازَعُوهُ فِي احْتِجَاجِهِ بِالْآيَةِ فِي قَوْلِهِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وقوله وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَلَمَّا سَلَّمَ لَهُ الْجَمِيعُ رَأْيَهُ عِنْدَ احْتِجَاجِهِ بِالْآيَةِ دَلَّ
عَلَى أَنَّ الْغَانِمِينَ لَا يَسْتَحِقُّونَ مِلْكَ الْأَرْضِينَ إلَّا بِاخْتِيَارِ الْإِمَامِ ذَلِكَ لَهُمْ وَأَيْضًا لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَ الْأَسْرَى مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَلَا يَسْتَبْقِيَهُمْ وَلَوْ كَانَ مِلْكُ الْغَانِمِينَ قَدْ ثَبَتَ فِيهِمْ لَمَا كَانَ لَهُ إتْلَافُهُ عَلَيْهِمْ كَمَا لَا يُتْلِفُ عَلَيْهِمْ سَائِرَ أَمْوَالِهِمْ فَلَمَّا كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ الْأَسْرَى وَلَهُ أَنْ يَسْتَبْقِيَهُمْ فَيَقْسِمَهُمْ بَيْنَهُمْ ثَبَتَ أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَحْصُلُ لِلْغَانِمَيْنِ بِإِحْرَازِ الْغَنِيمَةِ فِي الرِّقَابِ وَالْأَرْضِينَ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهَا الْإِمَامُ لَهُمْ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَا
رَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ نِصْفَيْنِ نِصْفًا لِنَوَائِبِهِ وَحَاجَتِهِ وَنِصْفًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ قَسَمَهَا بَيْنَهُمْ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا
فَلَوْ كَانَ الْجَمِيعُ مِلْكًا لِلْغَانِمَيْنِ لَمَا جَعَلَ نِصْفَهُ لِنَوَائِبِهِ وَحَاجَتِهِ وَقَدْ فَتَحَهَا عَنْوَةً وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَحَ مَكَّةَ عَنْوَةً وَمَنَّ عَلَى أَهْلِهَا فَأَقَرَّهُمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ فَقَدْ حَصَلَ بِدَلَالَةِ الْآيَةِ وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ وَالسُّنَّةِ تَخْيِيرُ الْإِمَامِ فِي قِسْمَةِ الْأَرْضِينَ أَوْ تَرْكِهَا مِلْكًا لِأَهْلِهَا وَوَضْعِ الْخَرَاجِ عَلَيْهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ
حَدِيثُ سَهْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَعَتْ الْعِرَاقُ قفيزها ودرهمها ومنعت الشام مداها وَدِينَارَهَا وَمَنَعَتْ مِصْرُ أَرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا وَعُدْتُمْ كَمَا بَدَأْتُمْ شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ لَحْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ ودمه
فأخبر صلّى الله عليه وسلّم عَنْ مَنْعِ النَّاسِ لَهَذِهِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْأَرْضِينَ وَأَنَّهُمْ يَعُودُونَ إلَى حَالِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي مَنْعِهَا وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى صحة قول عمر رضى الله عنه فِي السَّوَادِ وَأَنَّ مَا وَضَعَهُ هُوَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي يَجِبُ أَدَاؤُهَا فَإِنْ قِيلَ لَيْسَ فِيمَا ذَكَرْت مِنْ فِعْلِ عُمَرَ فِي السَّوَادِ إجْمَاعٌ لِأَنَّ
حَبِيبَ بْنَ أَبِي ثَابِتٍ وَغَيْرَهُ قَدْ رَوَوْا عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنَ يزيد الحماني قال دخلنا على على رضى الله عنه بِالرَّحْبَةِ فَقَالَ لَوْلَا أَنْ يَضْرِبَ بَعْضُكُمْ وُجُوهَ بَعْضٍ لَقَسَمْت السَّوَادَ بَيْنَكُمْ
قِيلَ لَهُ الصَّحِيحُ عن على رضى الله عنه أنه أشار على عمر
320
رضى الله عنه بِتَرْكِ قِسْمَةِ السَّوَادِ وَإِقْرَارِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ
وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَصِحَّ عَنْ عَلِيٍّ مَا ذَكَرْتَ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مَنْ خَاطَبَهُمْ عَلِيٌّ بِذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونُوا هُمْ الَّذِينَ فَتَحُوا السَّوَادَ فَاسْتَحَقُّوا مِلْكَهُ وَقِسْمَتَهُ بَيْنَهُمْ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ لِلْإِمَامِ فِيهِ أَوْ أَنْ يَكُونَ الْمُخَاطَبُونَ بِهِ غَيْرَ الَّذِينَ فَتَحُوهُ أَوْ خَاطَبَ بِهِ الْجَيْشَ وَهُمْ أَخْلَاطٌ مِنْهُمْ مَنْ شَهِدَ فَتْحَ السَّوَادِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَشْهَدْهُ وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ لِمَنْ لَمْ يَشْهَدْ فَتْحَهُ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَقُولُ إنَّ الْغَنِيمَةَ تُصْرَفُ إلَى غَيْرِ الْغَانِمِينَ وَيَخْرُجُ مِنْهَا الْغَانِمُونَ وَأَنْ يَكُونُوا أَخْلَاطًا فِيهِمْ مَنْ شَهِدَ الْفَتْحَ وَاسْتَحَقَّ الْغَنِيمَةَ وَفِيهِمْ مَنْ لَمْ يَشْهَدْهُ وَهَذَا مِثْلُ الْأَوَّلِ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْفَتْحَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْهَمَ لَهُ وَتُقْسَمُ الْغَنِيمَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الَّذِينَ شَهِدُوهُ أَوْ أَنْ يَكُونَ خَاطَبَ بِهِ مَنْ شَهِدَ الْفَتْحَ دُونَ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ وَكَانُوا هُمْ الْمُسْتَحَقِّينَ لَهُ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ لِلْإِمَامِ فِيهِ فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَجْعَلَ حَقَّهُمْ لِغَيْرِهِمْ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يَضْرِبُ وُجُوهَ بَعْضٍ إذْ كَانَ أَتْقَى لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَتْرُكَ حَقًّا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِهِ إلَى غَيْرِهِ لِمَا وَصَفْت وَعَلَى أَنَّهُ لَمْ يُخَصِّصْ بِهَذَا الْخِطَابِ الَّذِينَ فَتَحُوهُ دُونَ غَيْرِهِمْ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ بَعْدَ ثُبُوتِ هَذَا الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَصِحَّةِ الرِّوَايَةِ عَنْ عُمَرَ فِي كَافَّةِ الصَّحَابَةِ عَلَى تَرْكِ قِسْمَةِ السَّوَادِ وَإِقْرَارِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ فَقَالَ قَائِلُونَ أَقَرَّهُمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ وَتَرْكِ أَمْوَالِهِمْ فِي أَيْدِيهِمْ وَلَمْ يَسْتَرِقَّهُمْ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا وَقَالَ آخَرُونَ إنَّمَا أَقَرَّهُمْ عَلَى أَرْضِهِمْ عَلَى أَنَّهُمْ وَأَرْضُهُمْ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهُمْ غَيْرُ مُلَّاكٍ لَهَا وَقَالَ آخَرُونَ أَقَرَّهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ أجرار وَالْأَرْضُونَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ كَانَ حُرًّا وَأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أن يسترقه
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ دِهْقَانًا أَسْلَمَ عَلَى عَهْدِهِ فَقَالَ لَهُ إنْ أَقَمْت فِي أَرْضِك رَفَعْنَا الْجِزْيَةَ عَنْ رَأْسِك وَأَخَذْنَاهَا مِنْ أَرْضِك وَإِنْ تَحَوَّلْتَ عَنْهَا فَنَحْنُ أَحَقُّ بِهَا
وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي دِهْقَانَةِ نَهْرِ الْمُلْكِ حِينَ أَسْلَمَتْ فَلَوْ كَانُوا عَبِيدًا لَمَا زَالَ عَنْهُمْ الرِّقُّ بِالْإِسْلَامِ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ قَالَا إنْ تَحَوَّلْتَ عَنْهَا فَنَحْنُ أَحَقُّ بِهَا قِيلَ له إنما أراد بِذَلِكَ أَنَّك إنْ عَجَزْت عَنْ عِمَارَتِهَا عَمَّرْنَاهَا نَحْنُ وَزَرَعْنَاهَا لِئَلَّا تَبْطُلَ الْحُقُوقُ الَّتِي قَدْ وَجَبَتْ لِلْمُسْلِمِينَ فِي رِقَابِهَا وَهُوَ الْخَرَاجُ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ الْإِمَامُ عِنْدَنَا بِأَرَاضِي الْعَاجِزِينَ عَنْ عِمَارَتِهَا وَلَمَّا ثَبَتَ بِمَا وَصَفْنَا أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ فَهُوَ حُرٌّ ثَبَتَ أَنَّ أَرَاضِيَهُمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ كَمَا كَانَتْ رِقَابُهُمْ مُبَقَّاةً عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ وَمِنْ حَيْثُ جَازَ لِلْإِمَامِ عند مخالفينا أن يقطع حق «٢١- أحكام مس»
321
الْغَانِمِينَ عَنْ رِقَابِهَا وَيَجْعَلَهَا مَوْقُوفَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِصَرْفِ خَرَاجِهَا إلَيْهِمْ جَازَ إقْرَارُهَا عَلَى أَمْلَاكِ أَهْلهَا وَيُصْرَفُ خَرَاجُهَا إلَى الْمُسْلِمِينَ إذْ لَا حَقِّ لِلْمُسْلِمِينَ فِي نَفْيِ مِلْكِ مُلَّاكِهَا عَنْهَا بَعْدَ أَنْ لَا يَحْصُلَ لِلْمُسْلِمِينَ مِلْكُهَا وَإِنَّمَا حَقُّهُمْ فِي الْحَالَيْنِ فِي خَرَاجِهَا لَا فِي رِقَابِهَا بِأَنْ يَتَمَلَّكُوهَا وَذَكَرَ يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ قَالَ سَمِعْنَا أَنَّ الْغَنِيمَةَ مَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَأْخُذُوهُ عَنْوَةً بِالْقِتَالِ وَأَنَّ الْفَيْءَ مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ قَالَ الْحَسَنُ فَأَمَّا سَوَادُنَا هَذَا فَإِنَّا سَمِعْنَا أَنَّهُ كَانَ فِي أَيْدِي النِّبْطِ فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ أَهْلُ فَارِسٍ فَكَانُوا يُؤَدُّونَ إلَيْهِمْ الْخَرَاجَ فَلَمَّا ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَهْلِ فَارِسٍ تَرَكُوا السَّوَادَ وَمَنْ لَمْ يُقَاتِلْهُمْ مِنْ الدَّهَاقِينِ عَلَى حَالِهِمْ ووضعوا الجزية على رموس الرِّجَالِ وَمَسَحُوا مَا كَانَ فِي أَيْدِيهمْ مِنْ الْأَرْضِينَ وَوَضَعُوا عَلَيْهِمْ الْخَرَاجَ وَقَبَضُوا عَلَى كُلِّ أَرْضٍ لَيْسَتْ فِي يَدِ أَحَدٍ فَكَانَتْ صَوَافِيَ لِلْإِمَامِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ كَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ النِّبْطَ لَمَّا كَانُوا أَحْرَارًا فِي مَمْلَكَةِ أَهْلِ فَارِسٍ فَكَانَتْ أَمْلَاكُهُمْ ثَابِتَةً فِي أَرَاضِيِهِمْ ثُمَّ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَهْلِ فَارِسٍ وَهُمْ الَّذِينَ قَاتَلُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُقَاتِلْهُمْ النِّبْطُ كَانَتْ أَرَاضِيُهُمْ وَرِقَابُهُمْ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي أَيَّامِ الْفُرْسِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُقَاتِلُوا الْمُسْلِمِينَ فَكَانَتْ أَرْضُوهُمْ وَرِقَابُهُمْ فِي مَعْنَى مَا صُولِحَ عَلَيْهِ وَأَنَّهُمْ إنَّمَا كَانُوا يَمْلِكُونَ أَرَاضِيَهُمْ وَرِقَابَهُمْ لَوْ قَاتَلُوهُمْ وَهَذَا وَجْهٌ كَانَ يَحْتَمِلُهُ الْحَالُ لَوْلَا أَنَّ مُحَاجَّةَ عُمَرَ لِأَصْحَابِهِ الَّذِينَ سَأَلُوهُ قِسْمَةَ السَّوَادِ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَإِنَّمَا احْتَجَّ بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ دُونَ مَا ذَكَرَهُ الْحَسَنُ فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا دَفَعَ عُمَرُ السَّوَادَ إلَى أَهْلِهِ بِطِيبَةٍ مِنْ نُفُوسِ الْغَانِمِينَ عَلَى وَجْهِ الْإِجَارَةِ وَالْأُجْرَةُ تُسَمَّى خَرَاجًا
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ
وَمُرَادُهُ أُجْرَةُ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى إذَا رُدَّ بِالْعَيْبِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ هَذَا غَلَطٌ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَسْتَطِبْ نُفُوسَ الْقَوْمِ فِي وَضْعِ الْخَرَاجِ وَتَرْكِ الْقِسْمَةِ وَإِنَّمَا شَاوَرَ الصَّحَابَةَ وَحَاجَّ مَنْ طَلَبَ الْقِسْمَةَ بِمَا أَوْضَحَ بِهِ قَوْلَهُ وَلَوْ كَانَ قَدْ اسْتَطَابَ نُفُوسَهُمْ لَنُقِلَ كَمَا نُقِلَ مَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مِنْ الْمُرَاجَعَةِ وَالْمُحَاجَّةِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ نُقِلَ ذَلِكَ وَذَكَرَ مَا رَوَاهُ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ كُنَّا رُبُعَ الناس فأعطنا عمر ربع السواد فأخذناه ثلاث سنين ثم وقد جرير إلى عمر بعد ذلك فقال عمرو الله لَوْلَا أَنِّي قَاسِمٌ مَسْئُولٌ لَكُنْتُمْ عَلَى مَا قُسِمَ لَكُمْ فَأَرَى أَنْ تَرُدُّوهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ففعل فأجازه عمر ثمانين دِينَارًا فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ قَوْمِي صَالَحُوك عَلَى أَمْرٍ وَلَسْتُ أَرْضَى حَتَّى تَمْلَأَ كَفِي ذَهَبًا وَتَحْمِلَنِي عَلَى جَمَلٍ ذَلُولٍ وَتُعْطِيَنِي قَطِيفَةً حَمْرَاءَ قَالَ فَفَعَلَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى
322
أَنَّهُ كَانَ مَلَّكَهُمْ رِقَابَ الْأَرْضِينَ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ أَعْطَاهُمْ رُبُعَ الْخَرَاجِ ثُمَّ رَأَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَقْتَصِرَ بِهِمْ عَلَى أُعْطِيَّاتِهِمْ دُونَ الْخَرَاجِ لِيَكُونُوا أُسْوَةً لِسَائِرِ النَّاسِ وَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ بِاسْتِطَابَةٍ مِنْهُ لِنُفُوسِهِمْ وَقَدْ أَخْبَرَ عُمَرُ أَنَّهُ رَأَى رَدَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَظْهَرَ أَنَّهُ لَا يَسَعُهُ غَيْرُهُ لَمَّا كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ صلح لِلْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا أَمْرُ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ أَعْطَاهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ جَائِزًا لَهُ أن يفعله من أَخْذِ مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ السَّوَادِ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الْخَرَاجَ أُجْرَةٌ فَفَاسِدٌ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْإِجَارَاتِ لَا تَجُوزُ إلَّا عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ إذَا وَقَعَتْ عَلَى الْمُدَّةِ وَأَيْضًا فَإِنَّ أَهْلَهَا لَمْ يَخْلُوا مِنْ أَنْ يَكُونُوا عَبِيدًا أَوْ أَحْرَارًا فَإِنْ كَانُوا عَبِيدًا فَإِنَّ إجَارَةَ الْمَوْلَى مِنْ عَبْدِهِ لَا تَجُوزُ وَإِنْ كَانُوا أَحْرَارًا فَكَيْفَ جَازَ أَنْ تُتْرَكَ رِقَابُهُمْ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ ولا نترك أَرَاضِيهِمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ وَأَيْضًا لَوْ كَانُوا عَبِيدًا لَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْ رِقَابِهِمْ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْعَبِيدَ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمْ وَأَيْضًا لَا خِلَافَ أَنَّ إجَارَةَ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ غَيْرُ جَائِزَةٍ وَقَدْ أَخَذَ عُمَرُ الْخَرَاجَ مِنْ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِأُجْرَةٍ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي شِرَى أَرْضِ الْخَرَاجِ وَاسْتِئْجَارِهَا فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَقَالَ مَالِكٌ أَكْرَهُ اسْتِئْجَارَ أَرْضِ الْخَرَاجِ وَكَرِهَ شَرِيكٌ شِرَى أَرْضِ الْخَرَاجِ وَقَالَ لَا تَجْعَلْ فِي عُنُقِك صَغَارًا وَذَكَرَ الطحاوي عن بن أَبِي عِمْرَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِكَارٍ قَالَ سَأَلَ رِجْلٌ الْمُعَافَى بْنَ عِمْرَانَ عَنْ الزَّرْعِ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ فَإِنَّك تَزْرَعُ أَنْتَ فِيهَا فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي لَيْسَ فِي الشَّرِّ قُدْوَةٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَكْتَرِيَ الْمُسْلِمُ أَرْضَ خَرَاجٍ كَمَا يَكْتَرِيَ دَوَابَّهُمْ قَالَ
وَالْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يُؤَدِّيَ الْخَرَاجَ وَلَا لِمُشْرِكٍ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ
إنَّمَا هُوَ خَرَاجُ الْجِزْيَةِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ اشْتَرَى أَرْضَ خَرَاجٍ
وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَا تَتَّخِذُوا الضَّيْعَةَ فَتَرْغَبُوا فِي الدُّنْيَا
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وبراذان مَا براذان وَبِالْمَدِينَةِ مَا بِالْمَدِينَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ ضَيْعَةُ براذان وَرَاذَانُ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ وَرُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ ابْنَيْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ اشْتَرَوْا مِنْ أَرْضِ السَّوَادِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أنهما أملاك لأهلها والثاني أنه غير مكره للمسلم شراها
وروى عن على وعمر رضى الله عنهما فِيمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ أَنَّهُ إنْ أَقَامَ عَلَى أَرْضِهِ أُخِذَ مِنْهُ الْخَرَاجُ
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَرِهَ شِرَى أَرْضِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَقَالَ لَا تَجْعَلْ مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي عُنُقِ هَذَا الْكَافِرِ فِي عُنُقِك وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ مِثْلَ ذَلِكَ
323
وَقَالَ لَا تَجْعَلْ فِي عُنُقِك الصَّغَارَ قَالَ أبو بكر وخراج الأرض ليس بصغار لأنا لَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ السَّلَفِ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا كَانَتْ لَهُ أَرْضُ خَرَاجٍ فَأَسْلَمَ أَنَّهُ يُؤْخَذُ الْخَرَاجُ مِنْ أَرْضِهِ وَيَسْقُطُ عَنْ رَأْسِهِ فَلَوْ كَانَ صَغَارًا لَسَقَطَ بِالْإِسْلَامِ
وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَعَتْ الْعِرَاقُ قَفِيزَهَا وَدِرْهَمَهَا
يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا يَمْنَعُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ
قَالَ وَعُدْتُمْ كَمَا بَدَأْتُمْ
وَالصَّغَارُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْكُفَّارِ لِلْمُسْلِمِينَ
وقَوْله تعالى وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وللذين تبوؤا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يَعْنِي الْأَنْصَارَ وَقَدْ كَانَ إسْلَامُ الْمُهَاجِرِينَ قَبْلَ إسْلَامِ الْأَنْصَارِ وَلَكِنَّهُ أراد الذين تبوؤا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِ هِجْرَةِ الْمُهَاجِرِينَ وقَوْله تَعَالَى وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا قَالَ الْحَسَنُ يَعْنِي أَنَّهُمْ لَا يَحْسُدُونَ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى فَضْلٍ آتَاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَقِيلَ لَا يَجِدُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ضِيقًا لِمَا يُنْفِقُونَهُ عَلَيْهِمْ وقَوْله تَعَالَى وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ الخصاصة الحاجة فأثنى عَلَيْهِمْ بِإِيثَارِهِمْ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِيمَا يُنْفِقُونَهُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانُوا هُمْ مُحْتَاجِينَ إلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ
رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ مَعِي دِينَارٌ فَقَالَ أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِك فَقَالَ مَعِي دِينَارٌ آخَرُ فَقَالَ أَنْفِقْهُ عَلَى عِيَالِك فَقَالَ مَعِي دِينَارٌ آخَرُ قَالَ تَصَدَّقْ بِهِ وَأَنَّ رَجُلًا جَاءَ بِبَيْضَةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَصَدَّقْ بِهَذِهِ فَإِنِّي مَا أَمْلِكُ غَيْرَهَا فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ مِنْ الشِّقِّ الْآخَرِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ إلَى أَنْ أَعَادَ الْقَوْلَ فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَمَاهُ بِهَا فَلَوْ أصابته لعقرته ثم قَالَ يَأْتِينِي أَحَدُهُمْ بِجَمِيعِ مَا يَمْلِكُ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ ثُمَّ يَقْعُدُ يَتَكَفَّفُ النَّاسَ إنَّمَا الصَّدَقَةُ عَنْ ظَهْرِ غِنًى
وَأَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ وَالرَّجُلُ بِحَالِ بَذَاذَةٍ فَحَثَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّدَقَةِ فطرح قوم ثيابا ودراهم فَأَعْطَاهُ ثَوْبَيْنِ ثُمَّ حَثَّهُمْ عَلَى الصَّدَقَةِ فَطَرَحَ الرَّجُلُ أَحَدَ ثَوْبَيْهِ فَأَنْكَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَفِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ كَرَاهَةُ الْإِيثَارِ عَلَى النَّفْسِ وَالْأَمْرُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى النَّفْسِ ثُمَّ الصدقة بالفضل قبل لَهُ إنَّمَا كَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَثِقْ مِنْهُ بِالصَّبْرِ عَلَى الْفَقْرِ وَخَشِيَ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلْمَسْأَلَةِ إذَا فَقَدَ مَا يُنْفِقُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ يَأْتِينِي أَحَدُهُمْ بِجَمِيعِ مَا يَمْلِكُ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ ثُمَّ يَقْعُدُ يَتَكَفَّفُ النَّاسَ فَإِنَّمَا كَرِهَ الْإِيثَارَ لِمَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالُهُ فَأَمَّا الْأَنْصَارُ الَّذِينَ أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِالْإِيثَارِ عَلَى النَّفْسِ فَلَمْ يكونوا بهذه
الْآيَةَ فَوَسَّعَ لَهُمْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ دَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى أَحْكَامٍ ثَلَاثَةٍ أَحَدُهَا تَقْدِيمُ الصَّدَقَةِ أَمَامَ مُنَاجَاتِهِمْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ يَجِدُ وَالثَّانِي الرُّخْصَةُ فِي الْمُنَاجَاةِ لِمَنْ لَا يَجِدُ الصَّدَقَةَ بِقَوْلِهِ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ كَانَتْ مُبَاحَةً لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الصَّدَقَةَ وَالثَّالِثُ وُجُوبُ الصَّدَقَةِ أَمَامَ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً الآية
قال على رضى الله عنه مَا عَمِلَ بِهَا أَحَدٌ غَيْرِي
حَتَّى نُسِخَتْ وما كانت إلا ساعة
وقوله تَعَالَى لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْمُحَادَّةُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي حَدٍّ وَحَيِّزٍ غَيْرِ حَدِّ صَاحِبِهِ وَحَيِّزِهِ فَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَهْلِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُمْ فِي حَدٍّ غَيْرِ حَدِّنَا فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ مُنَاكَحَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَإِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّ الْمُنَاكَحَةَ تُوجِبُ الْمَوَدَّةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً آخر سورة المجادلة.
سُورَةِ الْحَشْرِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قَوْله تَعَالَى هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ أَوَّلُ الْحَشْرِ جَلَاءُ بَنِي النَّضِيرِ مِنْ الْيَهُودِ فَمِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ إلَى خَيْبَرَ وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ إلَى الشَّامِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ قَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَالَحَهُمْ عَلَى الْجَلَاءِ فَأَجْلَاهُمْ إلَى الشَّامِ وَعَلَى أَنَّ لَهُمْ مَا أَقَلَّتْ الْإِبِلُ مِنْ شَيْءٍ إلَّا الْحَلْقَةَ وَالْحَلْقَةُ السِّلَاحُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ انْتَظَمَ ذَلِكَ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا مُصَالَحَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى الْجَلَاءِ عَنْ دِيَارِهِمْ مِنْ غَيْرِ سَبْيٍ وَلَا اسْتِرْقَاقٍ وَلَا دُخُولٍ فِي الذِّمَّةِ وَلَا أَخْذَ جِزْيَةٍ وَهَذَا الْحُكْمُ مَنْسُوخٌ عِنْدَنَا إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ عَلَى قِتَالِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ أَوْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَ بِقِتَالِ الْكُفَّارِ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ قَالَ اللَّهُ تعالى قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ- إلَى قَوْلِهِ- حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ وقال فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ فَغَيْرُ جَائِزٍ إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ عَلَى قتالهم وإدخالهم في الذمة أو الْإِسْلَامِ أَنْ يُجْلُوهُمْ وَلَكِنَّهُ لَوْ عَجَزَ
سورة الحشر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الحشر) من السُّوَر المدنية، من (المسبِّحات)، وهي التي تبدأ بـ {سَبَّحَ}، نزلت بعد سورة (البيِّنة)، وقد نزلت في إجلاء يهودِ (بني النَّضير)، وأشارت إلى تاريخِ اليهود المليء بالخيانات، وعدم الالتزام بالمواثيق والعهود، وتعرَّضت لحُكْمِ (الفَيْء)، وقد افتُتحت بمقصدٍ عظيم؛ وهو تنزيهُ الله عزَّ وجلَّ عن كل نقص، وإثبات كلِّ كمال له سبحانه؛ فهو المستحِقُّ لصفات الألوهيَّة والربوبيَّة.

ترتيبها المصحفي
59
نوعها
مدنية
ألفاظها
447
ترتيب نزولها
101
العد المدني الأول
24
العد المدني الأخير
24
العد البصري
24
العد الكوفي
24
العد الشامي
24

* نزَلتْ سورة (الحشر) في يهودِ (بني النَّضير):

عن سعيدِ بن جُبَيرٍ رحمه الله، قال: «قلتُ لابنِ عباسٍ: سورةُ التَّوْبةِ؟ قال: التَّوْبةُ هي الفاضحةُ، ما زالت تَنزِلُ: {وَمِنْهُمْ} {وَمِنْهُمْ} حتى ظَنُّوا أنَّها لن تُبقِيَ أحدًا منهم إلا ذُكِرَ فيها، قال: قلتُ: سورةُ الأنفالِ؟ قال: نزَلتْ في بَدْرٍ، قال: قلتُ: سورةُ الحَشْرِ؟ قال: نزَلتْ في بني النَّضِيرِ». أخرجه البخاري (٤٨٨٢).

* قوله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي اْلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي اْلْأَرْضِۖ وَهُوَ اْلْعَزِيزُ اْلْحَكِيمُ ١ هُوَ اْلَّذِيٓ أَخْرَجَ اْلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ اْلْكِتَٰبِ مِن دِيَٰرِهِمْ لِأَوَّلِ اْلْحَشْرِۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْۖ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اْللَّهِ فَأَتَىٰهُمُ اْللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ اْلرُّعْبَۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي اْلْمُؤْمِنِينَ فَاْعْتَبِرُواْ يَٰٓأُوْلِي اْلْأَبْصَٰرِ} [الحشر: 1-2]:

عن عائشةَ رضي الله عنها، قالت: «كانت غَزْوةُ بني النَّضِيرِ - وهم طائفةٌ مِن اليهودِ - على رأسِ ستَّةِ أشهُرٍ مِن وَقْعةِ بَدْرٍ، وكان مَنزِلُهم ونَخْلُهم بناحيةِ المدينةِ، فحاصَرَهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حتى نزَلوا على الجَلاءِ، وعلى أنَّ لهم ما أقَلَّتِ الإبلُ مِن الأمتعةِ والأموالِ، إلا الحَلَقةَ؛ يَعني: السِّلاحَ؛ فأنزَلَ اللهُ فيهم: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي اْلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي اْلْأَرْضِۖ} [الحشر: 1] إلى قولِه: {لِأَوَّلِ اْلْحَشْرِۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْۖ} [الحشر: 2]، فقاتَلَهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم حتى صالَحَهم على الجَلاءِ، فأَجْلاهم إلى الشَّامِ، وكانوا مِن سِبْطٍ لم يُصِبْهم جَلاءٌ فيما خلا، وكان اللهُ قد كتَبَ عليهم ذلك، ولولا ذلك لعذَّبَهم في الدُّنيا بالقتلِ والسَّبْيِ، وأمَّا قولُه: {لِأَوَّلِ اْلْحَشْرِۚ} [الحشر: 2]، فكان جَلاؤُهم ذلك أوَّلَ حَشْرٍ في الدُّنيا إلى الشَّامِ». أخرجه الحاكم (3850).

* قوله تعالى: {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اْللَّهِ وَلِيُخْزِيَ اْلْفَٰسِقِينَ} [الحشر: 5]:

عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: «حرَّقَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَخْلَ بني النَّضِيرِ وقطَعَ، وهي البُوَيرةُ؛ فنزَلتْ: {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اْللَّهِ} [الحشر: 5]». أخرجه البخاري (٤٠٣١).

* قوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٞۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]:

عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه: «أنَّ رجُلًا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فبعَثَ إلى نسائِه، فقُلْنَ: ما معنا إلا الماءُ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَن يضُمُّ أو يُضِيفُ هذا؟»، فقال رجُلٌ مِن الأنصارِ: أنا، فانطلَقَ به إلى امرأتِه، فقال: أكرِمي ضيفَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما عندنا إلا قُوتُ صِبْياني، فقال: هَيِّئي طعامَكِ، وأصبِحي سِراجَكِ، ونَوِّمي صِبْيانَكِ إذا أرادوا عَشاءً، فهيَّأتْ طعامَها، وأصبَحتْ سِراجَها، ونوَّمتْ صِبْيانَها، ثم قامت كأنَّها تُصلِحُ سِراجَها فأطفأته، فجعَلَا يُرِيانِه أنَّهما يأكُلانِ، فبَاتَا طاوِيَينِ، فلمَّا أصبَحَ غَدَا إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: «ضَحِكَ اللهُ اللَّيلةَ - أو عَجِبَ - مِن فَعالِكما»؛ فأنزَلَ اللهُ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٞۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]». أخرجه البخاري (٣٧٩٨).

* سورةُ (الحَشْر):

سُمِّيت سورةُ (الحَشْر) بذلك؛ لوقوع لفظِ (الحشر) فيها؛ قال تعالى: {هُوَ اْلَّذِيٓ أَخْرَجَ اْلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ اْلْكِتَٰبِ مِن دِيَٰرِهِمْ لِأَوَّلِ اْلْحَشْرِۚ} [الحشر: 2].

والمراد بـ(الحَشْر) هنا: إخراجُ (بني النَّضِير)، لا يومُ القيامة.

* سورة (بني النَّضِير):

وسُمِّيت بذلك؛ لاشتمالها على قِصَّة إجلاء يهودِ (بني النَّضير).

1. إجلاء بني النَّضير (١-٥).

2. حُكْمُ الفَيء (٦-١٧).

3. التقوى، قوة القرآن، أسماء الله الحسنى (١٨-٢٤).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /60).

مقصودُ سورة (الحشر) تنزيهُ الله عز وجل عن كلِّ النقائص، وإثباتُ الكمال المطلق له؛ فهو الإله المستحِقُّ للعبادة؛ لكمال اتصافه بالقدرة الشاملة والحِكْمة البالغة، وهذه دعوةٌ لتوحيد الرُّبوبية والألوهية له سبحانه.

ويذكُرُ ابنُ عاشور أنَّ السورة جاءت لبيان: «حُكْم أموال بني النَّضير بعد الانتصار عليهم»، ثم يقول في بيان مقاصدها: «وقد اشتملت على أن ما في السموات وما في الأرض دالٌّ على تنزيه الله، وكونِ ما في السموات والأرض مِلْكَه، وأنه الغالب المدبِّر.

وعلى ذِكْرِ نعمة الله على ما يسَّر من إجلاء بني النَّضير مع ما كانوا عليه من المَنَعةِ والحصون والعُدَّة؛ وتلك آيةٌ من آيات تأييد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغَلَبَتِه على أعدائه.

وذِكْرِ ما أجراه المسلمون من إتلافِ أموال بني النَّضير، وأحكام ذلك في أموالهم، وتعيين مستحِقِّيه من المسلمين». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (28 /63).

وينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /72).