ﰡ
قوله: ﴿مِن دِيَارِهِمْ﴾ متعلق ب «أَخْرَجَ» ومعناها ابتداءُ الغايةِ. وصَحَّتْ إضافةُ الديارِ إليهم لأنهم أَنْشَؤُوها.
قوله: ﴿لأَوَّلِ الحشر﴾ هذه/ اللامُ تتعلقُ ب «أَخْرَجَ» وهي لامُ التوقيتِ كقولِه: ﴿لِدُلُوكِ الشمس﴾ [الإسراء: ٧٨]، أي: عند أول الحشر. قال الزمخشري: «وهي اللامُ في قولِه تعالى: ﴿ياليتني قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾ [الفجر: ٢٤] وقولِك» جئتُ لوقْتِ كذا «. قلت: سيأتي الكلامُ على هذه اللامِ في الفجرِ، إنْ شاءَ الله تعالى.
قوله: ﴿مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم﴾ فيه وجهان، أحدهما: أَنْ يكونَ» حصونُهم «مبتدأً، و» مانِعَتُهم «خبرٌ مقدمٌ. والجملةُ خبر» أنهم «لا يُقال: لم لا يُقال:» مانِعَتُهم «مبتدأٌ؛ لأنه معرفةٌ و» حصونُهم «خبرُه. ولا حاجةَ
وقال الزمخشري: «فإنْ قلتَ: أيُّ فَرْقٍ بين قولِك» وظنُّوا أنَّ حصونَهم تمنعُهم، أو مانِعَتُهم، وبين النظم الذي جاء عليه؟ قلت: [في] تقديمِ الخبرِ على المبتدأ دليلٌ على فَرْطِ وُثوقِهم بحَصانتِها ومَنْعِها إياهم، وفي تصييرِ ضميرِهم اسماً ل «أنَّ» وإسناد الجملةِ إليه دليلٌ على اعتقادِهم في أنفسِهم أنَّهم في عِزَّةٍ ومَنَعَة لا يُبالى معها بأحد يَتَعرَّضُ لَهم، وليس ذلك في قولك «حُصُونهم تَمْنعهم» انتهى. وهذا الذي ذكره إنما يَتأتَّى على الإِعرابِ الأولِ، وقد تقدَّم أنه مَرْجوحٌ، وتَسَلَّطَ الظنُّ هنا على «أنَّ» المشددةِ، والقاعدةُ أنه لا يعملُ فيها ولا في المخففةِ منها إلاَّ فعلُ عِلْمٍ ويقينٍ، إجراءً له مُجْرى اليقين لشدَّتِه وقوتِه وأنَّه بمنزلةِ العلم.
قوله: ﴿يُخْرِبُونَ﴾ يجوزُ أَنْ يكونَ مستأنفاً للإِخبار به، وأن يكونَ حالاً مِنْ ضميرِ «قلوبِهم» وليس بذاك. وقرأ أبو عمرو «يُخَرِّبون»
وقرأ الحسن وعلي ابنا صالح «الجَلا» بألفٍ فقط. وطلحة مهموزاً من غيرِ ألفٍ كالنبأ. وقرأ طلحة «ومَنْ يُشاقِقْ» بالفكِّ كالمتفق عليه في الأنفال.
٤٢٤٤ - كأن قُتودي فوقها عُشُّ طائرٍ | على لِيْنَةٍ سَوْقاءَ تَهْفوا جُنوبها |
٤٢٤٥ - طِراقُ الخوافِي واقعٌ فوقَ لِينة | نَدَى لَيْلهِ في ريشه يَتَرَقْرَقُ |
٤٢٤٦ - غَرَسوا لينةً بمَجرى مَعِيْنِ | ثم حُفَّ النخيلُ بالآجامِ |
٤٢٤٧ - قد جَفاني الأَحْبابُ حين تَغَنَّوا | بفراقِ الأحبابِ مِنْ فوقِ ليْنَهْ |
وفي عين «لِينة» قولان، أحدهما: أنها واوٌ لأنه من اللون، وإنما قُلِبَتْ ياءً لسكونِها وانكسارِ ما قبلَها كدِيْمة وقيمة. الثاني: أنها ياءٌ لأنها من اللِّين. وجَمْعُ اللِّينة لِيْن لأنه من بابِ اسم الجنس كتَمْرة وتَمْر. وقد كُسِّر على «لِيان» وهو شاذٌّ؛ لأنَّ تكسيرَ ما يُفَرَّقُ بتاءِ التأنيث شاذٌّ كرُطَبَة ورُطَب وأَرْطاب. وأُنْشد:
٤٢٤٨ - وسالفةٌ كسَحُوْقِ اللِّيا | ن أَضْرَمَ فيه الغَوِيُّ السُّعُرْ |
٤٢٤٩ - ناجٍ طواه الأَيْنُ مِمَّا وَجَفا... وقال نُصَيب:
٤٢٥٠ - ألا رُبَّ رَكْبٍ قد قَطَعْتُ وجيفَهم | إليك ولولا أنت لم تُوجِفِ الرَّكْبُ |
الثاني: أنه بيانٌ لقولِه ﴿والمساكين وابن السبيل﴾ وكُرِّرتُ لامُ الجر لَمَّا كانت الأُولى مجرورةً باللام؛ ليُبَيِّنَ أنَّ البدلَ إنما هو منها، قاله ابنُ عطية، وهي عبارةٌ قَلِقَةٌ جداً. الثالث: أن «للفقراء» خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ، أي: ولكنَّ الفَيْءَ للفقراء. وقيل: تقديرُه: ولكن يكونُ «للفقراء». وقيل: تقديرُه: اعجَبوا للفقراء.
قوله: ﴿يَبْتَغُونَ﴾ يجوزُ أَنْ يكونَ حالاً. في صاحبِها قولان، أحدهما: للفقراء. والثاني: واو «أُخْرِجوا» قالهما مكي.
قوله: ﴿والإيمان﴾ فيه أوجهٌ، أحدُها: أنه ضُمِّنَ «تَبَوَّؤوا» معنى لزِموا، فيَصِحُّ عَطْفُ الإِيمان عليه؛ إذ الإيمانُ لا يُتَبَوَّأ. والثاني: أنه منصوبٌ بمقدرٍ، أي: واعتقدوا، أو وأَلِفوا، أو وأحَبُّوا. الثالث: أن يُتَجَوَّز في الإِيمان فيُجْعَلَ لاختلاطِه بهم وثباتِهم عليه كالمكانِ المُحيطِ بهم، فكأنَّهم نَزَلوه، وعلى هذا فيكونُ جَمَعَ بين الحقيقةِ والمجازِ في كلمةٍ واحدةٍ، وفيه خلافٌ مشهورٌ. الرابع: أَنْ يكونَ الأصلُ: / دارَ الهجرة ودارَ الإِيمان، فأقامَ لامَ التعريفِ في الدار مُقام المضافِ إليه، وحَذَفَ المضافَ مِنْ دار الإِيمان، ووَضَعَ المضافَ إليه مَقامه. الخامسُ. أَنْ يكونَ سَمَّى المدينة لأنَّها دارُ الهجرة ومكانُ ظهورِ الإِيمان بالإِيمان، قال هذين الوجهَيْنِ الزمخشريُّ، وليس فيه إلاَّ قيامُ أل مَقامَ المضافِ إليه، وهو مَحَلُّ نَظَر، وإنما يُعْرَفُ الخلافُ: هل تقوم أل مَقامَ الضميرِ المضاف إليه؟ الكوفيون يُجيزونه كقولِه تعالى: ﴿فَإِنَّ الجنة هِيَ المأوى﴾ [النازعات: ٣٩]، أي: مَأْواه، والبصريون يمنعونه ويقولون: الضميرُ محذوفٌ، أي: المَأْوى له وقد تقدَّمَ تحريرُ هذا. أمَّا كونُها عِوَضاً من المضاف إليه فلا نَعْرِفُ فيه خلافاً.
السادس: أنَّه مصنوبٌ على المفعولِ معه، أي: مع الإِيمان معاً، قاله ابن عطية، وقال: «وبهذا الاقترانِ يَصِحُّ معنى قولِه» مِنْ قبلهم «
قوله: ﴿حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ﴾ فيه وجهان، أحدُهما: أنَّ الحاجةَ هنا على بابِها من الاحتياج، إلاَّ أنها واقعةٌ مَوْقعَ المحتاجِ إليه، والمعنَى: ولا يجدون طَلَبَ محتاجٍ إليه ممَّا أُوْتي المهاجرون من الفيء وغيِره، والمُحتاج إليه يُسَمَّى حاجةً تقول: خُذْ منه حاجتَك، وأعطاه مِنْ مالِه حاجتَه، قاله الزمشخري. فعلى هذا يكون الضميرُ الأول للجائين مِنْ بعدِ المهاجرين، وفي «أُوْتوا» للمهاجرين. والثاني: أنَّ الحاجةَ هنا مِنْ الحَسَدِ، قاله بعضُهم، والضميران على ما تقدَّم قبل. وقال أبو البقاء: مَسَّ حاجةٍ، أي: إنه حُذِف المضافُ للعلم به، وعلى هذا فالضميران للذين تبوَّؤوا الدارَ والإِيمان.
قوله: ﴿وَلَوْ كَانَ بِهِمْ﴾ واوُ الحال وقد تقدَّم الكلامُ عليها.
قوله: ﴿وَمَن يُوقَ﴾ العامَّةُ على سكون الواو وتخفيفِ القافِ مِنْ الوِقاية. وابنُ أبي عبلة وأبو حيوة بفتحِ الواو وشدِّ القافِ. والعامَّةُ بضمِّ الشينِ مِنْ «شُحَّ» وابنُ أبي عبلة وابنُ عمر بكسرها.
وقوله: ﴿وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ﴾ أُجيب القسمُ المقدرُ لأنَّ قبل «إنْ» لاماً موطِّئة حُذِفَتْ للعِلْم بمكانِها، فإنَّ الأكثرَ الإِتيانُ بها. ومثلُه قولُه: ﴿وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ﴾ [المائدة: ٧٣] وقد تقدَّم.
٤٢٥١ - وإن أتاه خليلٌ يومَ مَسْأَلَةٍ | يقولُ لا غائبٌ مالي ولا حَرِمُ |
مِنْ ضَيْغَمٍ بثَراءِ الأرضِ مُخْدَرُه | ببَطْنِ عَثَّر غِيْلٌ دونَه غِيْلُ |
وقوله: ﴿جُدُرٍ﴾ قرأ ابنُ كثير وأبو عمرو «جدار» بالإِفرادِ. وفيه أوجهٌ، أحدُها: أنه أرادَ به السُّوْرَ، والسُّوْرُ الواحد يَعُمُّ الجميعَ من المقاتِلةِ ويَسْتُرهم. والثاني: أنه واحدٌ في معنى الجمع لدلالة السِّياقِ عليه. والثالث: أنَّ كلَّ فِرْقة منهم وراءَ جدار، لا أنَّهم كلَّهم وراءَ جدار. والباقون قَرَؤُوا جُدُر بضمتين/ اعتباراً بأنَّ كلَّ فِرْقةٍ وراءَ جدار، فجُمِعَ لذلك. وقرأ الحسن وأبو رجاء وابن وثاب والأعمش، ويُرْوى عن ابن كثير وعاصمٍ بضمةٍ وسكونٍ، وهي تخفيفُ الأُولى. وقرأ ابن كثير أيضاً في وراية هارونَ عنه، وهي قراءةُ كثيرٍ من المكيين «جَدْرٍ» بفتحة وسكون فقيل: هي لغةٌ في الجِدار. وقال ابن عطية: «معناه أصلُ بنيانٍ كالسُّور ونحوه» قال: «ويُحتمل أَنْ يكونَ مِنْ جَدْر النخيل، أي: أو مِنْ
قوله: ﴿بَيْنَهُمْ﴾ متعلِّقٌ بشديد و» جميعاً «مفعولٌ ثانٍ، أي: مجتمعين و» قلوبُهم شَتَّى «جملةٌ حاليةٌ أو مستأنفةٌ للإِخبار بذلك. والعامَّةُ على» شتى «بلا تنوينٍ لأنَّها ألفُ تأنيثٍ. ومِنْ كلامهم:» شتى تَؤُوب الحَلَبةُ «، أي: متفرِّقين. وقال آخر:
٤٢٥٣ - إلى اللهِ أَشْكو فِتْنَةً شَقَّت العِصا | هي اليومَ شَتَّى وهْي أَمْسِ جميعُ |
قوله: ﴿خَالِدَينَ﴾ العامَّةُ على نَصْبِه حالاً من الضمير المستكنِّ في الجارِّ لوقوعِه خبراً. وعبد الله وزيد بن علي والأعمش وابن أبي عبلة برفعِه خبراً، والظرفُ مُلْغَى فيتعلَّق بالخبر، وعلى هذا فيكون تأكيداً لفظياً للحرفِ وأُعيد معه ضميرُ ما دَلَّ عليه كقولِه: ﴿فَفِي الجنة خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [هود: ١٠٨] وهذا على مذهب سيبويه فإنه يُجيز إلغاءَ الظرفِ وإنْ أُكِّدَ، والكوفيون يَمْنَعونَه وهذا حُجَّةٌ عليهم. وقد يُجيبون: بأنَّا لا نُسَلِّمُ أَنَّ الظرفَ في هذه القراءةِ مُلْغَى، بل نجعلُه خبراً ل «أنَّ» وخالدان خبرٌ ثانٍ، وهو مُحْتمِلٌ لِما قالوه إلاَّ أنَّ الظاهرَ خلافُه.
وقوله: ﴿واتقوا الله﴾ تأكيدٌ: وقيل: كُرِّر لتغايُرِ متعلَّق التَّقْوَيَيْنِ فمتعلَّقُ الأولى أداءُ الفرائضِ لاقترانِه بالعمل، والثانيةِ تَرْكُ المعاصي لاقترانِه بالتهديد والوعيدِ، قال معناه الزمخشري.
وأبو ذر وأبو السَّمَّال «القَدُّوس» بفتح القاف. وقرأ العامَّةُ «
٤٢٥٤ - سَوامِقُ جَبَّارٍ أثيثٍ فُروعُه | وعالَيْنَ قِنْواناً مِن البُسْر أَحْمرا |