تفسير سورة الكهف

أحكام القرآن

تفسير سورة سورة الكهف من كتاب أحكام القرآن
لمؤلفه إلكيا الهراسي . المتوفي سنة 504 هـ

قوله تعالى :﴿ إنّا جَعَلْنَا مَا عَلى الأَرْضِ زِينةً لَها لِنَبْلُوَهُم أَيَهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾، الآية :[ ٧ ] :
وذلك يدل على أن ما جعله على وجه الأرض، جعله لطفاً لعباده، الذين أراد بهم الخير في اختيار الطاعات.
قوله تعالى :﴿ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُم هَذِهِ إلَى المَدِينَةِ ﴾، الآية :[ ١٩ ] :
يدل ذلك على جواز خلط دراهم الجماعة والشراء بها، والأكل من الطعام الذي بينهم بالشركة، وإن كان فيهم من يأكل أكثر ومن يأكل أقل، وهو الذي يسميه الناس المناهدة، ويفعلونه في الأسفار، وذلك أنه قال :﴿ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُم هَذِهِ إلَى المَدِينَة ﴾ فأضاف الورق إلى الجميع، ومثله قوله تعالى :﴿ وإنْ تُخَالِطُوهُم فَإخْوَانُكُم١.
وفي الآية دليل على جواز الوكالة بالشراء، لأن الذي بعثوا به كان وكيلاً.
١ - سورة البقرة، آية ٢٢٠..
قوله تعالى :﴿ ولاَ تَقُولَنَّ لِشَيءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ ﴾، الآية :[ ٢٣ ] :
لأن المقصود بذلك ألا يكون محققاً لحكم المخبر عنه، فإنه إذا قال لأفعلن ذلك فلم يفعل كان كاذباً، وإن قال لأفعلن ذلك إن شاء الله، خرج عن كونه محققاً للمخبر عنه.
فإن قال قائل : أي معنى في ذلك، ولا يتصور أن يفعل فاعل فعلاً إلا أن يشاء الله، هل ذكرت ذلك وعدم ذكره إلا بمثابة واحدة، وهل هذا إلا بمثابة من يقول لأفعلن ذلك إن كنت فاعلاً وإن كنت قادراً وإن شئت، وأي أثر لذكر شرط للفعل لا محالة في العقل، والجواب : أن الأمر وإن كان على ما ذكرتم، غير أنه إذا قال القائل لأفعلن في وقت كذا، فقد أوهم أنه يفعل لا محالة، وأبان أن شرط الفعل يوجد، فإذا لم يفعل لعدم الشرط وهو مشيئة الله تعالى، أو عائق آخر، كان كاذباً في قوله عرفاً، وإذا قال لأفعلن كذا إن شاء الله، أو إن شاء زيد، فلم يقطع بأنه يفعل، بل ردد وميل القول، فكأنه قال : لا أدري هل أفعل أم لا، فهذا هو المعنى فيه، وكأن الله سبحانه أدب رسوله صلى الله عليه وسلم فقال :﴿ ولاَ تَقُولَنَّ لشيءٍ إني فاعلٌ ذلكَ غداً إلا أن يشاءَ اللهُ ﴾، أي كن متذكراً للعوائق، وناظراً في العواقب، ولعل عائقاً يعترض دون مرامك، فردد القول فيما لا يعلمه، لئلا يجري ما ينسب فيه إلى خلف في القول عرفاً.
ومن أجله قال علماؤنا : إذا حلف واستثنى لم يحنث إذا كان موصولاً، وإن انفصل يؤثر الاستثناء.
وروي عن معاذ بن جبل، عن رسول الله أنه قال :" إذا قال الرجل لعبده : أنت حر إن شاء الله، فهو حر، وإذا قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله فليس بطالق١ "، وهذا حديث ضعيف، واهي السند مخالف للإجماع.
وقيل للمعتزلة : عندكم أن فعل الفاعل لا يتعلق بمشيئة الله تعالى، فما معنى قوله عندكم لأفعلن إن شاء الله تعالى، وهو يفعل وإن لم يشأ الله.
فأجابوا بأن معناه : إلا أن يشاء الله ألا يلجئني إليه، أو يقطعني عنه باخترام أو موت، فيخرج عن كونه قاطعاً على الخبر، فيحسن منه الخبر٢.
وقال آخرون منهم : الغرض بالاستثناء، إخراج الخبر عن أن يكون قطعاً وخبراً تاماً من غير إرادة ما يجرى مجرى الشرط، فكأنه وضع في اللغة لهذه الطريقة التي تقتضى التوقف في الخبر، وهذا أقرب، لأن الاستثناء يؤثر في هذا الخبر، سواء وقع ممن له قصد إلى ما ذكرناه أ ومن لا قصد له فحمله على هذا الوجه الثاني أولى.
ومما قيل للمعتزلة : إذا قال قائل عبدي حر إن شاء الله فلا يعتق، وقياس قولكم أنه يعتق، لأن الله تعالى قد شاء ذلك تعبداً، وجوابهم عنه على ما قاله أبو علي الجبائي، أنه لم يخصص المستثنى المشيئة بطريق التعبد، ولو خصصه بذلك لصار حراً بأن ينوي بالاستثناء، مشيئة التعبد فقط.
نعم إذا أطلق الاستثناء فلا حرية، فأما إذا قيل الاستثناء، صار كأنه قال للمملوك : أنت حر إن أراد الله مني إعتاقك، وقد علم أن الله تعالى أراد ذلك مع سلامة الأحوال، وإنما تصح هذه الطريقة متى قيل لا بد في الاستثناء من تقييد، حتى يصير كالشرط، ويجري مجرى قول القائل : أنت حر إن دخل زيد الدار، وإن شاء زيد، فيمكن عند ذلك ادعاء مخالفة الإجماع على المعتزلة، فأما إذا قيل بالوجه الآخر، وهو أن الاستثناء يخرج الخبر عن كونه خبراً، إلى أن يكون مشكوكاً فيه موقوفاً فليس فيه دلالة٣.
١ - أخرجه الطبراني في معجمه الكبير..
٢ - انظر تفسير الفخر الرازي، وتفسير القرطبي والدر المنثور للسيوطي..
٣ - انظر سبب نزول الآية في أسباب النزول للواحدي النيسابوري..
قوله تعالى :﴿ واذْكُرْ رَبّكَ إذَا نَسِيتَ ﴾، الآية :[ ٢٤ ] :
قال ابن عباس : إنه إن نسي الاستثناء ثم ذكر ولو بعد سنة، لم يحنث إن كان حالفاً. وذكر إسماعيل بن اسحاق ذلك عن أبي العالية في قوله :﴿ واذْكُرْ رَبّكَ إذَا نَسِيتَ ﴾، قال يستثنى إذا ذكر.
والأصح أن قوله :﴿ واذْكُرْ رَبّكَ إذَا نَسِيتَ ﴾ ابتداء كلام.
قوله تعالى :﴿ هل نُنَبِّئُكُمْ بالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً ﴾، الآية :[ ١٠٣ ] :
فيه دليل على أن من الناس من يعمل العمل وهو يظن أنه محسن فيه، وقد حبط سعيه، الذي يوجب إحباط السعي إما فساد الاعتقاد أو المراءاة.
والمراد به ها هنا الكفر، فإن الله تعالى قال بعد ذكر هؤلاء :﴿ أُولئِكَ الّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِم ولِقَائِهِ ﴾، أبان عن كفرهم وأنه سبب ضياع أعمالهم.
قوله تعالى :﴿ ولاَ يُشْرِكْ بِعبَادَةِ ربّهِ أَحَداً ﴾، الآية :[ ١١٠ ] :
دل على أن من عمل لغير الله تعالى مراءاة ومباهاة وطلباً للنجاة، فلا نصيب له في الآخرة، وقد مضى شرحه غير مرة.
سورة الكهف
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الكهف) من السُّوَر المكية العظيمة التي اهتمت بالعقيدةِ، والاعتصامِ بحبل الله المتين، وأنْ لا ملجأَ من اللهِ إلا إليه، وقد أصَّلتِ السورةُ لفكرة التمسك بالعقيدة والتوحيد من خلالِ ضربِ الأمثلة، وقَصِّ القَصص، واشتملت السورةُ على أربعِ قِصَصٍ: قصةِ (فِتْيةِ الكهف)، وقصةِ (صاحب الجنَّتَينِ)، وقصةِ (موسى والخَضِرِ عليهما السلام)، وقصةِ (ذي القَرْنَينِ)، وتدعو كلُّ هذه القِصص إلى الاعتصام بالكتاب والسُّنة وأمرِ الله عز وجل، وقد احتوت السورةُ على الكثير من العِبَر والعظات، وحاجةُ المسلم إليها في زمن الفِتَن كبيرة؛ لتُثبِّتَه على هذا الدِّين وتُصبِّرَه، وقد ثبَت فضلُها وفضل قراءتها في كلِّ جمعة، وكذا فإن مَن حَفِظ أوَّلَ عَشْرِ آياتٍ منها عُصِم من فتنة الدَّجَّال؛ كما صح في الخبر.

ترتيبها المصحفي
18
نوعها
مكية
ألفاظها
1584
ترتيب نزولها
69
العد المدني الأول
105
العد المدني الأخير
105
العد البصري
111
العد الكوفي
110
العد الشامي
106

* سورةُ (الكهف):

سُمِّيتْ سورةُ (الكهف) بذلك؛ لاحتوائها على قصَّةِ (أصحاب الكهف)، وهي أبرَزُ ما ورَد في هذه السورة.

مما جاء في فضلِ سورة (الكهف):

* نزولُ الملائكةِ مستمِعةً لها:

عن البَراءِ بن عازبٍ رضي الله عنهما، قال: «قرَأَ رجُلٌ الكهفَ وفي الدَّارِ الدَّابَّةُ، فجعَلتْ تَنفِرُ، فسلَّمَ، فإذا ضَبابةٌ أو سحابةٌ غَشِيَتْهُ، فذكَرَه للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: «اقرَأْ فلانُ؛ فإنَّها السَّكينةُ نزَلتْ للقرآنِ، أو تنزَّلتْ للقرآنِ»». أخرجه البخاري (3614)، ومسلم (795).

* مَن حَفِظ أوَّلَ عَشْرِ آياتٍ منها عُصِم من فتنة الدَّجَّال:

عن النَّوَّاسِ بن سَمْعانَ الأنصاريِّ رضي الله عنه، قال: «ذكَرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ ذاتَ غَداةٍ، فخفَّضَ فيه ورفَّعَ، حتى ظنَنَّاه في طائفةِ النَّخلِ، فلمَّا رُحْنا إليه عرَفَ ذلك فينا، فقال: ما شأنُكم؟ قُلْنا: يا رسولَ اللهِ، ذكَرْتَ الدَّجَّالَ غَداةً، فخفَّضْتَ فيه ورفَّعْتَ، حتى ظنَنَّاه في طائفةِ النَّخلِ، فقال: غيرُ الدَّجَّالِ أخوَفُني عليكم، إن يخرُجْ وأنا فيكم فأنا حَجِيجُه دُونَكم، وإن يخرُجْ ولستُ فيكم فامرؤٌ حَجِيجُ نفسِه، واللهُ خليفتي على كلِّ مسلِمٍ، إنَّه شابٌّ قَطَطٌ، عَيْنُه طافئةٌ، كأنِّي أُشبِّهُه بعبدِ العُزَّى بنِ قَطَنٍ، فمَن أدرَكَه منكم فَلْيَقرأْ عليه فواتحَ سورةِ الكهفِ ...». أخرجه مسلم (٢٩٣٧).

وقريبٌ منه ما صحَّ عن أبي الدَّرْداءِ رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَن حَفِظَ عَشْرَ آياتٍ مِن أوَّلِ سورةِ الكهفِ، عُصِمَ مِن الدَّجَّالِ». أخرجه مسلم (٨٠٩).

* مَن قرَأها يوم الجمعة أضاءت له ما بين الجمعتَينِ:

عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «مَن قرَأَ سورةَ الكهفِ يومَ الجُمُعةِ، أضاءَ له مِن النُّورِ ما بين الجُمُعتَينِ». أخرجه البيهقي (6209).

جاءت موضوعاتُ سورة (الكهف) على الترتيب الآتي:

1. الحمد الله /التبشير والإنذار (١-٨).

2. قصة أصحاب الكهف (٩-٣١).

3. قصة صاحب الجنَّتَينِ (٣٢-٤٤).

4. تعقيب على صاحب القصة (٣٢-٤٤).

5. من مشاهد يوم القيامة (٤٥-٤٩).

6. فتنة إبليس (٥٠-٥٣).

7. الاعتصام بالكتاب والسُّنة (٥٤-٥٩).

8. رحلة موسى والخَضِر (٦٠-٨٢).

9. قصة ذي القَرْنَينِ (٨٣-٩٨).

10. جزاءُ مَن غَرِق في الفِتَن ومَن نجا منها (٩٩-١١٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /289).

افتُتِحت السورة بمقصدٍ عظيم؛ وهو وصفُ الكتاب بأنه قيِّمٌ؛ لكونه زاجرًا عن الشريك الذي هو خلافُ ما قام عليه الدليلُ في سورةِ (سُبْحانَ).

ومِن المقاصد العظيمة لهذه السورةِ: الاعتصامُ بحبلِ الله المتين، وبالاعتقادِ الصحيح في زمنِ الفتن؛ وقد وصَّلتِ السورةُ هذا المقصدَ عن طريقِ قَصِّ مجموعةٍ من القِصَص، على رأسها قصةُ (فتية الكهف).

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /243).