تفسير سورة الكهف

أسباب نزول القرآن - الواحدي

تفسير سورة سورة الكهف من كتاب أسباب نزول القرآن - الواحدي
لمؤلفه .

قوله تعالى: ﴿وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ...﴾ الآية. [٢٨].
حدثنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، إملاء في "دار السُّنة" يوم الجمعة بعد الصلاة، في شهور سنة عشر وأربعمائة، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن عيسى بن عَبْدَوَيْه الحِيرِي قال: حدثنا محمد بن إبراهيم البُوشَنْجي، قال: حدثنا الوليد بن عبد الملك بن مسرح الحرّاني، قال: حدثنا سليمان بن عطاء الحراني، عن مسلمة بن عبد الله الجُهني، عن عمه ابن مشجعة بن ربعي الجهني، عن سلمانَ الفارسيَ، قال:
جاءت المؤلفة قلوبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: عُيَيْنَة بن حِصْن، والأقرَع بن حابِس، وذَوُوهم، فقالوا: يا رسول الله، إنك لو جلست في صدر المجلس ونحيّت عنا هؤلاء وأرْوَاحَ جِبَابِهم - يعنون سَلْمَان، وأبا ذَرْ، وفقراء المسلمين، وكانت عليهم جِبَاب الصوف ولم يكن عليهم غيرها - جَلَسْنا إليك وحادثناك وأخذنا عنك! فأنزل الله تعالى: ﴿وَٱتْلُ مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً * وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ حتى بلغ، ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً﴾ يتهددهم بالنار، فقام النبي صلى الله عليه وسلم، يلتمسهم حتى إذا أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله تعالى قال: الحمد لله الذي لم يُمتِنْي حتى أمرني أن أصْبِرَ نفسي مع رجال من أمتي، معكم المحيا، ومعكم الممات.
قوله تعالى: ﴿وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا﴾ الآية. [٢٨].
أخبرنا أبو بكر الحارثي، قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، قال: حدثنا أبو يحيى الرازي، قال: حدثنا سهل بن عثمان، قال: حدثنا أبو مالك، عن جويبر عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا﴾ قال:
نزلت في أمية بن خلف الجُمَحِي، وذلك أنه دعا النبي صلى الله عليه وسلم أمر كَرِهَهُ: من طرد الفقراء عنه، وتقريب صَنَادِيدِ أهل مكة، فأنزل الله تعالى: ﴿وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا﴾ يعني مَن خَتَمْنَا على قلبه عن التوحيد، ﴿وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ﴾ يعني الشركَ.
قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ﴾ الآية. [٨٣].
قال قتادة: إن اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين، فأنزل الله تعالى هذه الآيات.
قوله تعالى: ﴿قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي﴾. [١٠٩].
قال ابن عباس: قالت اليهود لما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ كيف وقد أوتينا التوراة، ومن أوتي التوراة فقد أوتِيَ خيراً كثيراً؟ فنزلت: ﴿قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي...﴾ الآية.
قوله تعالى: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ...﴾ الآية. [١١٠].
قال ابن عباس: نزلت في جُنْدُب بن زهير العامري، وذلك أنه قال: إني أعمل العمل لله، فإذا اطلع عليه سرني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى طيّب لا يقبل إلا الطيب ولا يقبل ما شورِك، فيه. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال طاوس: قال رجل: يا نبي الله، إن أحب الجهاد في سبيل الله، وأحب أن يرى مكاني! فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال مجاهد: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أتصدق، وأصل الرَّحم، ولا أصنع ذلك إلا لله سبحانه وتعالى، فيذكر ذلك مني وأُحمد عليه، فيسرني ذلك وأُعجب به. فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل شيئاً، فأنزل الله تعالى: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً﴾.
سورة الكهف
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الكهف) من السُّوَر المكية العظيمة التي اهتمت بالعقيدةِ، والاعتصامِ بحبل الله المتين، وأنْ لا ملجأَ من اللهِ إلا إليه، وقد أصَّلتِ السورةُ لفكرة التمسك بالعقيدة والتوحيد من خلالِ ضربِ الأمثلة، وقَصِّ القَصص، واشتملت السورةُ على أربعِ قِصَصٍ: قصةِ (فِتْيةِ الكهف)، وقصةِ (صاحب الجنَّتَينِ)، وقصةِ (موسى والخَضِرِ عليهما السلام)، وقصةِ (ذي القَرْنَينِ)، وتدعو كلُّ هذه القِصص إلى الاعتصام بالكتاب والسُّنة وأمرِ الله عز وجل، وقد احتوت السورةُ على الكثير من العِبَر والعظات، وحاجةُ المسلم إليها في زمن الفِتَن كبيرة؛ لتُثبِّتَه على هذا الدِّين وتُصبِّرَه، وقد ثبَت فضلُها وفضل قراءتها في كلِّ جمعة، وكذا فإن مَن حَفِظ أوَّلَ عَشْرِ آياتٍ منها عُصِم من فتنة الدَّجَّال؛ كما صح في الخبر.

ترتيبها المصحفي
18
نوعها
مكية
ألفاظها
1584
ترتيب نزولها
69
العد المدني الأول
105
العد المدني الأخير
105
العد البصري
111
العد الكوفي
110
العد الشامي
106

* سورةُ (الكهف):

سُمِّيتْ سورةُ (الكهف) بذلك؛ لاحتوائها على قصَّةِ (أصحاب الكهف)، وهي أبرَزُ ما ورَد في هذه السورة.

مما جاء في فضلِ سورة (الكهف):

* نزولُ الملائكةِ مستمِعةً لها:

عن البَراءِ بن عازبٍ رضي الله عنهما، قال: «قرَأَ رجُلٌ الكهفَ وفي الدَّارِ الدَّابَّةُ، فجعَلتْ تَنفِرُ، فسلَّمَ، فإذا ضَبابةٌ أو سحابةٌ غَشِيَتْهُ، فذكَرَه للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: «اقرَأْ فلانُ؛ فإنَّها السَّكينةُ نزَلتْ للقرآنِ، أو تنزَّلتْ للقرآنِ»». أخرجه البخاري (3614)، ومسلم (795).

* مَن حَفِظ أوَّلَ عَشْرِ آياتٍ منها عُصِم من فتنة الدَّجَّال:

عن النَّوَّاسِ بن سَمْعانَ الأنصاريِّ رضي الله عنه، قال: «ذكَرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ ذاتَ غَداةٍ، فخفَّضَ فيه ورفَّعَ، حتى ظنَنَّاه في طائفةِ النَّخلِ، فلمَّا رُحْنا إليه عرَفَ ذلك فينا، فقال: ما شأنُكم؟ قُلْنا: يا رسولَ اللهِ، ذكَرْتَ الدَّجَّالَ غَداةً، فخفَّضْتَ فيه ورفَّعْتَ، حتى ظنَنَّاه في طائفةِ النَّخلِ، فقال: غيرُ الدَّجَّالِ أخوَفُني عليكم، إن يخرُجْ وأنا فيكم فأنا حَجِيجُه دُونَكم، وإن يخرُجْ ولستُ فيكم فامرؤٌ حَجِيجُ نفسِه، واللهُ خليفتي على كلِّ مسلِمٍ، إنَّه شابٌّ قَطَطٌ، عَيْنُه طافئةٌ، كأنِّي أُشبِّهُه بعبدِ العُزَّى بنِ قَطَنٍ، فمَن أدرَكَه منكم فَلْيَقرأْ عليه فواتحَ سورةِ الكهفِ ...». أخرجه مسلم (٢٩٣٧).

وقريبٌ منه ما صحَّ عن أبي الدَّرْداءِ رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَن حَفِظَ عَشْرَ آياتٍ مِن أوَّلِ سورةِ الكهفِ، عُصِمَ مِن الدَّجَّالِ». أخرجه مسلم (٨٠٩).

* مَن قرَأها يوم الجمعة أضاءت له ما بين الجمعتَينِ:

عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «مَن قرَأَ سورةَ الكهفِ يومَ الجُمُعةِ، أضاءَ له مِن النُّورِ ما بين الجُمُعتَينِ». أخرجه البيهقي (6209).

جاءت موضوعاتُ سورة (الكهف) على الترتيب الآتي:

1. الحمد الله /التبشير والإنذار (١-٨).

2. قصة أصحاب الكهف (٩-٣١).

3. قصة صاحب الجنَّتَينِ (٣٢-٤٤).

4. تعقيب على صاحب القصة (٣٢-٤٤).

5. من مشاهد يوم القيامة (٤٥-٤٩).

6. فتنة إبليس (٥٠-٥٣).

7. الاعتصام بالكتاب والسُّنة (٥٤-٥٩).

8. رحلة موسى والخَضِر (٦٠-٨٢).

9. قصة ذي القَرْنَينِ (٨٣-٩٨).

10. جزاءُ مَن غَرِق في الفِتَن ومَن نجا منها (٩٩-١١٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /289).

افتُتِحت السورة بمقصدٍ عظيم؛ وهو وصفُ الكتاب بأنه قيِّمٌ؛ لكونه زاجرًا عن الشريك الذي هو خلافُ ما قام عليه الدليلُ في سورةِ (سُبْحانَ).

ومِن المقاصد العظيمة لهذه السورةِ: الاعتصامُ بحبلِ الله المتين، وبالاعتقادِ الصحيح في زمنِ الفتن؛ وقد وصَّلتِ السورةُ هذا المقصدَ عن طريقِ قَصِّ مجموعةٍ من القِصَص، على رأسها قصةُ (فتية الكهف).

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /243).