ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
١ - ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (١) قَيِّمًا﴾.ذكرنا معنى العَوج والفرق بينه وبين العِوج في قوله: ﴿تَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ [آل عمران: ٩٩] (١). روى الوالبي عن ابن عباس في قوله: ﴿وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا﴾ قال: (ملتبسًا) (٢). ومعناه: التباس، أي: لم يجعل ملتبسًا لا يُفهم، ومعوجًا لا يستقيم.
وقال أبو إسحاق: (لم يجعل فيه اختلافًا) (٣). كما قال: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: ٨٢]. يدل على هذا قوله: ﴿قَيِّمًا﴾ قال ابن عباس: (يريد مستقيمًا عدلاً) (٤). وذكرنا الكلام في القيِّم
(٢) "جامع البيان" ١٦٩/ ١٢٧، و"الكشف والبيان" ٣/ ٣٨٥/ أ، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٨١ وعزاه لابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه من طريق علي عن ابن عباس.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٦٧.
(٤) "جامع البيان" ١٥/ ١٩٠، و"الكشف والبيان" ٣/ ٣٨٥ أ، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٤٣، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٨٨، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨٠، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٨١.
٢ - وقوله تعالى: ﴿لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا﴾ قال ابن عباس: (يريد: لينذر عذابًا شديدًا) (٢) [قال الفراء: (مع البأس أسماء مضمرة يقع عليها الفعل قبل أن يقع على البأس) (٣).
يعني أن] (٤) المفعول الأول للإنذار محذوف على تقدير: لينذر الكافرين بأسًا، كما قال في ضده: ﴿وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، فأظهر (٥). وفسر الزجاج فقال: (أي لينذرهم بالعذاب البئيس) (٦).
وقوله تعالى: ﴿مِنْ لَدُنْهُ﴾ قال ابن عباس: (يريد من عنده) (٧).
وقال الزجاج:- (من قِبَلِهِ) (٨). قال: (وفي لدن لغات يقال: لدُ،
(٢) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٥/ ١٩٢، و"تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٨٠، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٢٨، و"زاد المسير" ٥/ ١٠٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٥٢.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٣٣.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من نسخة (س).
(٥) انظر: "لكشاف" ٢/ ٣٧٩، و"الدر المصون" ٧/ ٤٣٧، و"البحر المحيط" ٦/ ٩٦.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ص ٣/ ٢٦٧.
(٧) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة "معالم التنزيل" ٥/ ١٤٣، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٢٨، و"زاد المسير" ٥/ ١٠٣.
(٨) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٦٧.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: (من لَدُنِهِ)، بشم الدال الضمة وبكسر النون والهاء (٥). وهي لغة الكلابيين (٦).
روى أبو زيد عنهم أجمعين: (هذا من لدُنِه، فتحوا اللام وضموا الدال وكسروا النون) (٧).
قال أبو علي الفارسي: (في لدُنْ لغات: لدن مثل سبعٍ، وتخفف
(٢) قوله: (ولا تقول: هو لدني صواب)، مكرر في نسخة (س).
(٣) (ويقول) في نسخة (س).
(٤) ذكره الزجاج مختصرًا في "معاني القرآن" ٣/ ٣٠٣، وأورده الأزهري في "تهذيب اللغة" (لدن) ٤/ ٣٢٥٦، والفارسي في "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٢٥.
(٥) انظر: "السبعة" ٣٨٨، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٢٤، و"المبسوط" ٢٣٣، و"التبصرة" ٢٤٧، و"الكشف عن وجوه القراءات" ٢/ ٥٤، و"العنوان في القراءات" ١٢٢.
(٦) الكلابيون: بطن عظيم من عامر بن صعصعة من العدنانية، وهو بنو كلاب بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن قيس بن عيلان، كانت ديارهم حمى ضرية، وهو حمى كليب، وحمى الربذة في جهات المدينة المنورة، وفدك والعوالي، ثم انتقلوا إلى الشام. انظر: "نهاية الأرب" ص ٣٦٥، و"معجم قبائل العرب" ٣/ ٩٨٩، و"التعريف في الأنساب" ص ٧٧.
(٧) "تهذيب اللغة" (لدن) ٤/ ٣٢٥٦، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٢٥.
(٢) من طريق شعبة عن عاصم.
انظر: "السبعة" (٣٨٨)، و"الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٢٤، و"التبصرة" (٢٤٧)، و"الكشف عن وجوه القراءات" ٢/ ٥٤.
(٣) الإشمام: إطباقك الشفين بعد الإسكان وتدع بينهما انفراجًا ليخرج النفس بغير صوت، وذلك إشارة للحركة التي ختصت بها الكلمة، ويكون في المرفوع والمضموم، ولا يعرف ذلك الأعمى؛ لأنه لرؤية العين. انظر: "التحديد في الإتقان والتجويد" ص ٩٨، و"البرهان في تجويد القرآن" ص ٦٦.
(٤) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٢٤، و"البحر المحيط" ٦/ ٩٦، و"الدر المصون" ٧/ ٤٣٨.
وقوله تعالى: ﴿أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا﴾ قال الزجاج: (المعنى بأن لهم أجرًا حسنًا) (٢).
قال ابن عباس: (يريد ثوابًا عظيمًا) (٣).
وقال السدي: (هو الجنة) (٤).
٣ - قوله تعالى: ﴿مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا﴾ بمعنى: خالدين (٥). وهو حال للمؤمنين من قوله: (أن لهم أجرًا) (٦).
٤ - وقوله تعالى: ﴿وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا﴾ قال ابن عباس: (يريد بعذاب الله ونقمته) (٧).
قال الكلبي، والسدي: (يعني اليهود والنصارى) (٨).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٢/ ٢٦٨.
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ١٩٢، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨٠ بمعناه بدون نسبة.
(٤) "معالم التنزيل" ٥/ ١٤٣ بدون نسبة، و"المحرر الوجيز" ٢٢٩/ ٩ بدون نسبة، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٨٢ وعزاه لابن أبي حاتم.
(٥) "جامع البيان" ١٥/ ١٩٢، و"القرطبي" ١٠/ ٣٤٨، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨٠.
(٦) "المحرر الوجيز" ٩/ ٢٢٩، و"البحر المحيط" ٦/ ٩٦، و"الدر المصون" ٧/ ٤٣٩، و"معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٦٨.
(٧) ذكره ابن جرير الطبري في "تفسيره" ١٥/ ١٩٣ بدون نسبة، وكذلك ابن الجوزي في "زاد المسير" ٥/ ١٠٤.
(٨) "المحرر الوجيز" ٩/ ٢٠٣: بدون نسبة، و"زاد المسير" ٥/ ١٠٤ بدون نسبة، و"الدر المنثور" ٧/ ٣٨٢ ونسبه لابن أبي حاتم.
قال الفراء: (من نصب أضمر الفاعل؛ كأنه قيل: كبرت تلك الكلمة كلمة، ومن رفع لم يضمر شيئًا، كما تقول: عظم قولك) (١).
وقال الزجاج: (المعنى: كبرت مقالتهم كلمة، و ﴿كلِمَةً﴾ منصوب على التمييز)؛ هذا كلامه (٢).
ومعنى التمييز في هذا: أنك إذا قلت: كبرت المقالة، أو الكلمة، جاز أن يتوهم أنها كبرت كذبًا، أو جهلاً، أو افتراء، فلما قلت: كلمة، ميزتها من محتمل فانتصب، كما تقول في باب التمييز.
قال أبو عبيد: (والنصب وجه القراءة؛ لأن الكلمة قد ذكرت قبل، وهي قوله: ﴿قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا﴾، فصارت مضمرة في (كبرت) (٣).
قال الأخفش: (هذه في النصب كقول الشاعر:
ولقد علمت إذا العشار ترَوَّحت.... هدج الرئال تكبهن شمالاً (٤)
قراءة النصب هي القراءة الصحيحة الثابتة، وقراءة الرفع قراءة شاذة قرأ بها: الحسن وابن محيصن. انظر: "معا ني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٦٨، و"إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٢٦٥، و"مشكل إعراب القرآن" ص ٤٣٧، و"القراءات الشاذة" ص ٨١.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٦٨.
(٣) ذكرته كتب التفسير بلا نسبة. انظر: "البحر المحيط" ٦/ ٩٧، و"الدر المصون" ٧/ ٤٤٠، و"التفسير الكبير" ٢١/ ٧٨، و"روح المعاني" ١٨/ ٢٠٤.
(٤) البيت للأخطل. انظر: "ديوان" ص٣٨٧، و"معاني القرآن" للأخفش ١/ ٦١٦، و"شرح القصائد السبع" لابن الأنباري ص ٥٨١.
﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾ [الكهف: ٦].
٦ - قوله تعالى: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ﴾ قال ابن عباس، ومجاهد: (قاتل نفسك) (٢). وهو قول المفسرين، وأهل المعاني (٣). قال الفراء في المصادر: (بَخَعَها، يبخَعُهَا، بخعًا، وبخوعًا) (٤). وقال الليث: (بَخَعَ الرجل نفسه إذا قتلها غيظًا من شدة وجده بالشيء) (٥).
وأنشد قول ذي الرمة (٦):
ألا أيُّهذا الباخعُ الوجد نفسه | لشيءٍ نحته عن يديه المقادر |
(٢) "جامع البيان" ١٥/ ١٩٤، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٨٢ وعزاه لابن المنذر.
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ١٩٤، و"بحر العلوم" ٢/ ٢٨٩، و"الكشاف" ٢/ ٣٨٠، و"زاد المسير" ٥/ ١٠٤، و"معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٦٨، و"مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٣٩٣.
(٤) لم أقف عليه. وذكره ابن منظور بلا نسبة في "لسان العرب" (بخع) ١/ ٢٢٢.
(٥) ذكرت نحوه كتب اللغة. انظر: "تهذيب اللغة" (بخع) ١/ ٢٨٥، "ومقاييس اللغة" (بخع) ١/ ٢٠٦، و"لسان العرب" (بخع) ١/ ٢٢٢، و"القاموس المحيط" (بخع) ص ٧٠٢.
(٦) البيت الذي الرمة. انظر: "ديوانه" (٢٥١)، و"مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٣٩٣، و"تهذيب اللغة" (بخع) ١/ ٢٨٦، و"مقاييس اللغة" (نجع) ١/ ٢٠٦، و"الصحاح" (نجع) ص ١٧، و"اللسان" (نجع) ١/ ٢٢٢، و"الدر المصون" ٧/ ٤٤٢.
(٧) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٣٩٣.
وأصل معنى البَخْع: الجهد، يقال: بَخَعْت لك نفسي، أي جهدتها، ذكره الفراء، والأخفش (٢). وفي حديث عائشة: (أنها ذكرت عمر فقالت: بَخَعَ الأرض) (٣). أي: جهدها حتى أخرج ما فيها من أموال الملوك.
وقال الكسائي: (بَخَعْتُ الأرض بالزراعة، إذا أنهكتها وتابعت (٤) حراثتها، ولم تجمَّها عامًا، وبَخَعَ الوجدُ نفسه إذا أنهكها، وأنشد بيت ذي الرمة) (٥). وعلى هذا معنى: ﴿بَاخِعٌ نَفْسَكَ﴾ أي: ناهكها، وجاهدها حتى تهلكها، ولكن أهل التأويل كلهم قالوا: قاتل نفسك ومهلكها؛ والأصل هو ما ذكرنا (٦).
وقوله تعالى: ﴿عَلَى آثَارِهِمْ﴾ قال الزجاج: (أي من بعدهم) (٧). وهذا كلام العرب يقولون: مات فلان واحدًا على أثر فلان، أي: بعده، وأصل هذا من التأثير، والأثر الذي هو العلامة، وذلك أنهم يقولون: خرجت في أثر فلان، وجئت على أثره، يعنون بعده، كأنهم يريدون أثر سلوكه
(٢)) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٣٤، و"تهذيب اللغة" (بخع) ١/ ٢٨٥.
(٣) انظر: "النهاية في غريب الحديث" ١/ ١٠٢، و"التفسير الكبير" ٢١/ ٧٩، و"تهذيب اللغة" (بخع) ١/ ٢٨٥.
(٤) في نسخة (ص): (بايعت)، وهو تصحيف.
(٥) "تهذيب اللغة" (بخع) ١/ ٢٨٥، و"الدر المصون" ٧/ ٤٤٢.
(٦) انظر: "تهذيب اللغة" (بخع) ١/ ٢٨٥، و"مقاييس اللغة"، (بخع) ١/ ٢٠٦، و"لسان العرب" (بخع) ١/ ٢٢٢، و"القاموس المحيط" (بخع) ص ٧٠٢، و"الصحاح" (بخع) ٣/ ١١٨٣، و"المفردات في غريب القرآن" (بخع) ص ٣٨.
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٦٨.
فأثر سيل الواديين بديمةٍ
أي: أتبعه بمطر.
ومعنى ﴿عَلَى آثَارِهِمْ﴾ هاهنا: من بعدهم، وتحقيقه ما بينَّا، وليس يريد من بعد موتهم، وإنما التأويل: من بعد توليهم وإعراضهم عنك (٣).
قوله تعالى: ﴿إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ﴾ قال ابن عباس وغيره: (يعني القرآن) (٤).
﴿أَسَفًا﴾ قال مجاهد: (جزعاً) (٥).
________
(١) انظر: "تهذيب اللغة" (أثر) ١/ ١١٩، و"مقاييس اللغة" (أثر) ١/ ٥٣، و"الصحاح" (أثر) ٢/ ٥٧٤، و"اللسان" (أثر) ١/ ٢٥، و"المفردات" (أثر) ص ٩.
(٢) هذا صدر بيت لمتمم يصف الغيث، وعجزه:
ترشِّح وسميًّا من النبت خروعا
والمعنى: أتبع مطرًا تقدم بديمة بعده انظر: "الشعر والشعراء" ص ٢١٩، و"الأغاني" ١٥/ ٢٩٨، و"المفضليات" ص ٢٦٨، و"خزانة الأدب" ١/ ٢٣٦، و"تهذيب اللغة" (أثر) ١/ ١١٩، و"لسان العرب" (أثر) ١/ ٢٥.
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ١٩٤، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٤٤، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٣٢ - ٢٣٣، و"زاد المسير" ٥/ ١٠٥.
(٤) "جامع البيان" ١٥/ ١٩٤، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٤٤، و"الكشاف" ٢/ ٢٨٠، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٨٢. ويشهد لهذا قوله سبحانه في سورة الزمر الآية رقم (٢٣): ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ﴾ الآية.
(٥) "جامع البيان" ١٥/ ١٩٥،"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٣٣ و"زاد المسير" ٥/ ١٠٥.
وجمع ابن عباس بينهما فقال: (يريد: غضبًا وحزنًا) (٣). وقال الزجاج: (والأسف: المبالغة في الحزن والغصب) (٤). وذكرنا الكلام في هذا عند قوله: (غضبان أسفًا) في سورة الأعراف. وانتصابه يجوز أن يكون على المصدر، ودل ما قبله من الكلام على أنه تأسف، ويجوز أن يكون مفعولاً له أي: للأسف، كقولهم: جئتك ابتغاء الخير (٥).
وقال الزجاج: (﴿أَسَفًا﴾ منصوب؛ لأنه مصدر في موضع الحال) (٦). وفي هذه الآية إشارة إلى نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن كثرة الحرص على إيمان قومه حتى يؤدي ذلك إلى هلاك نفسه بالأسف، والفاء في قوله: ﴿فَلَعَلَّكَ﴾ جواب الشرط، وهو قوله: ﴿إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا﴾ قدّم عليه، ومعناه التأخير.
٧ - قوله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا﴾ قال مجاهد: (ما عليها من شيء من البحار، والجبال، والأشجار، والنبات) (٧). والمعنى:
(٢) "معالم التنزيل" ٥/ ١٤٤، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٨٢، وعزاه لابن أبي حاتم، و"فتح القدير" ٣/ ٣٨٥ بدون نسبة.
(٣) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة انظر: "الكشف والبيان" ٣/ ٣٨٥ ب، و"المحرر الوجيز"، ٩/ ٢٣٣، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٤٤، و"زاد المسير" ٥/ ١٠٥، و"الكشاف" ٢/ ٤٧٣، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨١.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٦٩.
(٥) انظر: "الكشاف" ٣/ ٣٨٠، و"البحر المحيط" ٦/ ٩٨، و"الدر المصون" ٧/ ٤٤٣، و"إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٢٦٦، و"إملاء ما من به الرحمن" ١/ ٣٩٤.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٦٨.
(٧) "جامع البيان" ١٥/ ١٩٥، و"زاد المسير" ٥/ ١٠٥ - ١٠٦، و"الدر المنثور" =
وقوله تعالى: ﴿لِنَبْلُوَهُمْ﴾ قال ابن عباس: (يريد الاختبار في خلقه بما يفهمون) (١). ومضى الكلام في مثل هذا في مواضع (٢).
وقوله تعالى: ﴿أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ قال الحسن: (أيّهم أزهد في الدنيا زهدًا، وأترك لها تركًا) (٣). وهذا قول أبي إسحاق قال: (فالحسن العمل من زهد فيما زيِّن له من الدنيا) (٤).
وقال مقاتل: (أيهم أصلح فيما أوتي من المال) (٥).
وذكر قتادة في تفسير هذه الآية قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الدنيا خضرة حلوة،
(١) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٥/ ١٩٥، و"النكت والعيون" ٣/ ٢٨٥، و"زاد المسير" ٥/ ١٠٦، و"التسهيل لعلوم التنزيل" ص ٣٧٦، و"لباب التأويل" ٤/ ١٩٢.
(٢) نحو قوله تعالى في سورة هود الآية رقم (٧): ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [لملك: ٢]، وقال سبحانه في سورة الملك الآية رقم (٢) ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾.
(٣) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٥/ ١٩٥ - ١٩٦، و"بحر العلوم" ٢/ ٢٨٩، و"النكت والعيون" ٣/ ٢٨٥، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٤٤، و"الجامع لأحكام القرآن"١٠/ ٣٥٥.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٦٩.
(٥) ذكر نحوه البغوي في "تفسيره" ٥/ ١٤٤ بدون نسبة. وكذلك ابن الجوزي في "زاد المسير" ٥/ ١٠٦.
٨ - بقوله: ﴿وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا﴾ [الكهف: ٨].
قال أبو عبيد: (الصعيد: المستوي من الأرض) (٤). وقال الزجاج: (الصعيد: الطريق الذي لا نبات فيه) (٥). ومثله قال المفضل. وقد ذكرنا تفسير الصعيد في آية التيمم (٦).
وأما الجرز فقال الفراء: (الجُرُز: الأرض لا نبات فيها، يقال: جُرِزَت الأرض فهي مجروزة، وجَرَزَها الجرادُ أو النساء أو الإبل أكلت ما عليها) (٧).
وقال الزجاج: (الجرز: الأرض التي لا تنبت، كأنها تأكل النَّبْت
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٦٩.
(٣) في الأصل وجميع النسخ التي اطلعت عليها: (مبتدأ)، وما أثبته في الأصل هو الصواب عندي، وهو الذي يدل عليه السياق، وهو المثبت في تفسيره الوسيط.
(٤) "غريب الحديث" لأبي عبيد ١/ ٢٧٥، و"تهذيب اللغة" (صعد) ٢/ ٢٠١٤.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٦٩.
(٦) عند قوله سبحانه في سورة النساء الآية رقم (٤٣)، وفي سورة المائدة الآية رقم (٦): ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [النساء: ٤٣].
(٧) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٣٤.
وامرأة جَرُوز إذا كانت أكولا، وسيف جرَّاز إذا كان مستأصلاً (٢)، ونذكر شيئًا من هذا عند قوله: ﴿نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ﴾ [السجدة: ٢٧] إن شاء الله.
قال مجاهد في هذه الآية: (بلاقع ليس فيه نبات) (٣). وقال عطاء عن ابن عباس في هذه الآية: (يريد يوم القيامة يجعل الله الأرض جرزًا ليس فيها ماء ولا نبات) (٤).
٩ - قوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ﴾ الآية. ذكرنا سبب نزول قصة أصحاب الكهف عند قوله: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ﴾ [الإسراء: ٨٥]. وذكر محمد بن إسحاق سبب نزول هذه القصة مشروحًا، فقال: (كان النضر ابن الحارث من شياطين قريش، كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينصب له العداوة، وكان قدم الحيرة (٥) وتعلم بها أحاديث رستم (٦)،
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" (جرز) ١/ ٥٨٠، و"مقاييس اللغة" (جرز) ١/ ٤٤١، و"الصحاح" (جرز) ٣/ ٨٦٦، و"المفردات في غريب القرآن" (جرز) (٩١).
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ١٩٦، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨١، و"تفسير مجاهد" ١/ ٣٧٣.
(٤) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "المحرر الوجيز" ٩/ ٢٣٦، و"زاد المسير" ٥/ ١٠٦ - ١٠٧، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨١، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٥٦.
(٥) الحِيرة -بكسر الحاء وسكون الياء-: مدينة مشهورة على ثلاثة أميال من الكوفة، تقع على نهر يربطها بالفرات، وكانت مسكنًا لملوك العرب في المجاهلية التابعين لمملكة الفرس، وهى قريبة من النجف. انظر: "معجم البلدان" ٢/ ٣٢٨، و"معجم المعالم الجغرافية" ص ١٠٧.
(٦) رستم الشديد بن دستار بن بريمان، من ملوك الفرس. انظر: "تاريخ الطبري" =
(١) اسفنديار بن بشتاسب، من ملوك الفرس. انظر: "تاريخ الطبري" ١/ ٥٦٢، و"الروض الأنف" ٢/ ٥٢، و"الكامل في التاريخ" ١/ ١٥٤.
(٢) عقبة بن أبان بن ذكوان بن أمية بن عبد شمس بن أبي معيط، من مقدمي قريش في الجاهلية، كنيته أبو الوليد، وكنية أبيه أبو معيط، كان شديد الأذى للمسلمين عند ظهور الدعوة، أسر يوم بدر وقتل وصلب. انظر: "الروض الأنف" ٢/ ٧٦، و"ابن الأثير" ٢/ ٢٧، و"الأعلام" ٤/ ٢٤٠.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من نسخة (س).
وافتتح السورة تبارك وتعالى بحمده وذكر نبوة رسوله لما أنكروه عليه من ذلك وهو قول: ﴿أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾ [الكهف: ١]، فذكر أنه أنزل عليه القرآن للإنذار والتبشير إلى قوله: ﴿وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا﴾، يعني قريشًا في قولهم: الملائكة بنات الله (٢).
ثم عاتبه على حزنه عليهم حين فاته ما كان يرجو منهم من الإسلام بقوله: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ﴾ الآية. ثم قال: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ أيهم أتبعُ لأمري وأعمل بطاعتي، ﴿وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا﴾، يعني أنَّ ما على الأرض فانٍ زائل، وأن المرجع إلى فأجزي كلا بعمله، فلا يحزنك ما ترى وتسمع.
ثم أخبر عن ما سألوه عنه من شأن الفتية فقال: ﴿أَمْ حَسِبْتَ﴾ فقال أبو إسحاق: (معناه: بل حسبت) (٣). والكلام في ﴿أَمْ﴾ في مثل هذا
(٢) نحو قوله تعالى في سورة النحل الآية رقم (٥٧): ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ﴾، وقوله سبحانه في سورة الصافات الآية رقم (١٤٩): ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ﴾.
(٣) "معاني القرآن" ١/ ٢٨٥.
وقوله: ﴿أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ﴾ يعني أولئك الفتية الذين سئل عن قصتهم (٢).
و ﴿الْكَهْفِ﴾ قال الليث: (كالمغارة في الجبل) (٣). روى عكرمة عن ابن عباس أنه قال: (كل القرآن أعلمه إلا أربعة: غسلين (٤)، وحنان (٥)، والأواه (٦)، والرقيم) (٧).
وروى عكرمة أيضًا عن ابن عباس أنه سئل عن الرقيم فقال: (زعم كعب أنها القرية التي خرجوا منها) (٨)؛ ونحو هذا قال السدي (٩).
(٢) في نسخة: (س): (بعضهم)، وهو تصحيف.
(٣) "تهذيب اللغة" (كهف) ٤/ ٣١٩٩.
(٤) الواردة في قوله سبحانه: ﴿وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ﴾ [الحاقة: ٣٦].
(٥) في قوله تعالى: ﴿وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا﴾ [مريم: ١٣].
(٦) في قوله تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾. ومثلها قوله تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ﴾ [هود: ٧٥].
(٧) "تفسير القرآن" للصنعاني ٢/ ٣٩٧، و"جامع البيان" ١٥/ ١٩٨، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٣٧ - ٢٣٨، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨٢، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٨٤.
(٨) "تفسير القرآن" للصنعاني ٢/ ٣٩٧، و"جامع البيان" ١٥/ ١٩٨، و"بحر العلوم" ٢/ ٢٩٠، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨٣.
(٩) "المحرر الوجيز" ٩/ ٢٣٧، و"زاد المسير" ٥/ ١٠٨، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٨٤ وعزاه لابن أبي حاتم، و"التفسير الكبير" ١١/ ٨٢.
وهو قول مجاهد (٢). وسعيد بن جبير قال: ("الرَّقِيم": لوح من حجارة) (٣).
وقيل: (من رصاص كتب فيه أسماؤهم وقصتهم، وجعل في البناء على باب الكهف) (٤)، ونحو هذا قال عطاء عن ابن عباس (٥)، وهو قول جميع أهل المعاني والعربية قالوا: (الرقيم: الكتاب) (٦).
والأصل فيه المرقوم ثم حُول إلى فعيل، والرَّقْم: الكتابة، ومنه قوله -عز وجل-: ﴿كِتَابٌ مَرْقُومٌ﴾ [المطففين: ٩] أي: مكتوب، وأنشدوا (٧):
(٢) "جامع البيان" ١٥/ ٩٨٥ - ١٩٩، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨٢ عن ابن عباس، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٨٤ عزاه لابن أبي شيبة وابن المنذر.
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ١٩٩، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٤٥، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٨٣، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨٢، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٨٤.
(٤) "بحر العلوم" ٢/ ٢٩٠، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٤٤ - ١٤٥، و"الكشاف" ٢/ ٣٨١، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٨٣، و"البحر المحيط" ٦/ ١٠١.
(٥) "جامع البيان" ١٥/ ١٩٩، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٤٤ - ١٤٥، و"زاد المسير" ٥/ ١٠٧، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٨٤.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٦٩، و"معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٣٤، و"إملاء ما من به الرحمن" ١/ ٣٩٥، و"تهذيب اللغة" رقم ٢/ ١٤٥٤، و"مقاييس اللغة" رقم ٢/ ٤٢٥، و"المفردات في غريب القرآن" رقم (٢٠١).
(٧) لم أهتد إلى قائله، وذكرته كتب اللغة بدون نسبة. القَرَاح: الماء الذي لا يخالطه شيء يطيب به كالعسل والتمر والزبيب. انظر: "تهذيب اللغة" رقم ٢/ ١٤٥٤، و"مقاييس اللغة" مريم ٢/ ٤٢٥، و"لسان العرب" رقم ٣/ ١٧٠٩.
سأرقم في الماء القراح إليكم | على بعدكم إن كان في الماء راقمُ |
وقوله تعالى: ﴿كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا﴾ قال مجاهد، وسفيان: (لم يكونوا بأعجب آياتنا) (٤). قال المفضل: (أم حسبت أنهم كانوا عجبًا من آياتنا فقط، فلا يحسن ذلك، فإن آياتنا كلها عجيب) (٥). وقال أبو إسحاق: (أعلم الله أن قصة أصحاب الكهف ليست بعجيبة من آيات الله؛ لأن خلق السموات والأرض وما بينهما مما يشاهد أعجب من قصة أصحاب الكهف) (٦). والعجب هاهنا مصدر سمي المفعول به.
والتقدير: كانوا معجوبًا منهم، فسموا بالمصدر، والمفعول من هذا يستعمل باسم المصدر (٧).
(٢) في (ص): (من قومه)، وهو تصحيف.
(٣) وهذا القول هو الراجح، وهو الذي تعضده اللغة، ورجحه أكثر المفسرين. انظر: "جامع البيان" ١٥/ ١٩٩، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨٢، و"تهذيب اللغة" ٢/ ١٤٥٤، و"لسان العرب" رقم ٣/ ١٧١٠.
(٤) "جامع البيان" ١٥/ ١٩٧، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٤٤ بدون نسبة، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨٢، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٨٤.
(٥) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٥/ ١٩٧، و"الكشف والبيان" ٣/ ٣٨٥ ب، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٣٧، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٤٤، و"زاد المسير" ٥/ ١٠٨، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨٢.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧٠.
(٧) "الكشاف" ٢/ ٣٨١، و"الدر المصون" ٧/ ٤٤٦، و"البحر المحيط" ٦/ ١٠١، و"التفسير الكبير" ١١/ ٨٣.
قال ابن عباس: (يريد هربوا إلى الكهف) (٣). وذكرنا الكلام في الفتية عند قوله: ﴿وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ﴾ [يوسف: ٦٢] في سورة يوسف.
وقوله تعالى: ﴿فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً﴾ أخبر الله تعالى أنهم لما هربوا عمن يطلبهم اشتغلوا بالدعاء والتضرع إلى الله تعالى: ﴿فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً﴾ أي: أعطنا من عندك مغفرة ورزقًا (٤).
قال ابن عباس: (يريدون تغنينا بها عن جميع من سواك) (٥)، يعني أن قولهم: ﴿مِنْ لَدُنْكَ﴾ تتضمن هذا المعنى.
(٢) "زاد المسير" ٥/ ١٠٨، و"التفسير الكبير" ١١/ ٨٣، و"معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧٠.
(٣) ذكرته كتب التفسير بلا نسبة. انظر: "النكت والعيون" ٣/ ٢٨٧، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٣٩، و"زاد المسير" ٥/ ١٠٨.
(٤) "معالم التنزيل" ٥/ ١٥٥ بمعناه، و"الكشاف" ٢/ ٣٨١، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٤٥، و"زاد المسير" ٥/ ١٠٩.
(٥) ذكر نحوه ابن الجوزي بلا نسبة في "زاد المسير" ٥/ ١٠٩، والرازى في "التفسير الكبير" ٢١/ ٨٣، والألوسي في "روح المعاني" ١٥/ ٢١١.
قال أبو إسحاق: (أي أرشدنا إلى ما يقرب منك ويزلف عندك) (٢) وهذا معنى قول ابن عباس: (أرشد أفعالنا إلى محبتك) (٣). وقال أهل المعاني: (تقدير الآية: هيئ لنا من أمرنا ذا رشد) (٤). أي: أمر ذا رشد. فحذف الموصوف، ثم حذف المضاف أيضًا، كأنهم قالوا: هيئ لنا من أمرنا ما نصيب به الرشد.
١١ - قوله تعالى: ﴿فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ﴾ قال المفسرون: (معناه: أنمناهم) (٥).
قال أبو إسحاق: (أي منعناهم أن يسمعوا؛ لأن النائم إذا سمع انتبه) (٦). فالمعنى: أنمناهم ومنعناهم السمع. وهذا معنى قول ابن عباس: (فضربنا على آذانهم بالنوم) (٧). والمعنى: سددنا آذانهم بالنوم الغالب عن
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧٠.
(٣) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة.
انظر: "زاد المسير" ٥/ ١٠٩، و"التفسير الكبير" ٢١/ ٨٣، و"روح المعاني" ١٥/ ٢١١، و"أنوار التنزيل" ٣/ ٢١٧.
(٤) "التفسير الكبير" ١١/ ٨٣.
(٥) "جامع البيان" ١٥/ ٢٠٤، و"بحر العلوم" ٢/ ٢٩٠، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٥٥، و"الكشاف" ٢/ ٣٨١، و"المحرز الوجيز" ٩/ ٢٤٥، و"زاد المسير" ٥/ ١٠٩.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧١.
(٧) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٥/ ٢٠٦، و"المحرر =
ومن الحَوادِثِ لا أَبالَكِ أَنَّثِي | ضربَتْ عليَّ الأرضُ بالأسْدَادِ |
وقوله تعالى: ﴿فِي الْكَهْفِ﴾ بيان أن محل الضرب على آذانهم بالنوم كان في الكهف، فهو ظرف له بمنزلة المكان. ثم ذكر ظرف الزمان فقال: ﴿سِنِينَ عَدَدًا﴾، وذكر العدد هاهنا يفيد كثرة السنين (٢)، وكذلك كل شيء مما يعد إذا كثر فيه العدد ووصف به أريد كثرته؛ لأنه إذا قلَّ فُهِم مقداره فلم يحتج أن يعد، وإذا كثر احتيج إلى أن يُعد، فإذا قلت: أقمت أيامًا عددًا. أردت به الكثرة (٣). وفي انتصابه وجهان أحدهما: أنه نعت للسنين. المعنى: سنين ذات عدد، أي معدودة، هذا قول الفراء، والزجاج (٤).
وعلى هذا يجوز في الآية ضربان من التقدير أحدهما: حذف المضاف. والثاني: تسمية المفعول باسم المصدر. قال الزجاج: (ويجوز أن
(١) البيت للأسود بن يعفر النهشلي. الأسْدَاد: جمع سد، وهو الحاجز بين الشيئين، يشير هنا إلى ضعفه فقد عمي. انظر: "ديوانه" ص ٢٥، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٦٣، و"البحر المحيط" ٦/ ١٠٣، و"الدر المصون" ٧/ ٤٤٧، و"المفضليات" ص ٢١٦، و"اللامات" ص ١٠٣، و"لسان العرب" (سدد) ٤/ ١٩٦٩.
(٢) "معالم التنزيل" ٥/ ١٥٥، و"الكشاف" ٢/ ٢٨١، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٤٥، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٦٣، و"البحر المحيط" ٦/ ١٠٣.
(٣) "معاني القرآن" ٣/ ٢٧١، "التفسير الكبير" ١١/ ٨٣.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٣٥، و"معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧١.
١٢ - قوله تعالى: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ﴾ قال ابن عباس: (يريد من بعد نومهم) (٢)، يعني: أيقظناهم بعد نومهم، وقوله تعالى: ﴿لِنَعْلَمَ﴾ المفسرون يقولون في هذا: (لنرى) (٣).
وقد تكلمنا في مثل هذا عند قوله: ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ﴾ [البقرة: ١٤٣] في سورة البقرة، وقوله: ﴿وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ﴾ [آل عمران: ١٤٢] في سورة آل عمران.
وقوله تعالى: ﴿أَيُّ الْحِزْبَيْنِ﴾ الآية، ﴿أَيُّ﴾ رفع بأحصى على الابتداء والخبر، ولم يوقع العلم على شيء منهما في الظاهر، وهو في الباطن واقع على ما يتضمنان من القصة، كما تقول: اذهب فاعلم أيهم قام (٤). قال الله تعالى: ﴿سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ﴾ [القلم: ٤٠]. و ﴿أَيُّ﴾ من حروف الاستفهام فلا يعمل فيه ما قبله، سوى ما يجر، وذكرنا هذا.
(٢) ذكرته كتب التفسير بلا نسبة. انظر: "معالم التنزيل" ٥/ ١٥٥، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٢٦٤، و"البحر المحيط" ٦/ ١٠٣.
(٣) "معالم التنزيل" ٥/ ١٥٥ بمعناه، و"زاد المسير" ٥/ ١١٤، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٦٤ وعلمه سبحانه وتعالى كامل محيط بكل شيء جملة وتفصيلاً، فالله يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن أن لو كان كيف يكون، والعلم صفة من صفاته سبحانه نثبتها له من غير تحريف ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل.
قال الشنقيطي في "أضواء البيان" ٤/ ٢٤: (لنعلم أي الحزبين)، أي: لنعلم ذلك علمًا يظهر الحقيقة للناس، فلا ينافي أنه كان عالمًا به قبل ذلك دون خلقه. وانظر: "شرح العقيدة الطحاوية" ١/ ١٣٢، و"العقيدة الواسطية".
(٤) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧١، و"معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٣٥ و"إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٢٦٧، و"مشكل إعراب القرآن" ٢/ ٤٣٧.
واختلفوا في الحزبين، فقال عطاء عن ابن عباس: (الحزبين الملوك الذين تداولوا المدينة مَلِكًا بعد مَلِك، وأصحاب الكهف حزب والملوك حزب) (١). وقال مجاهد: (الحزبين من قوم الفتية) (٢). وقال الكلبي: (يعني المؤمنين والكافرين) (٣).
وحكى الفراء: (أن طائفتين من المسلمين في دهر أصحاب الكهف اختلفوا في مدة لبثهم) (٤). قال من اختار هذا القول: (تنازع المسلمون الأولون أصحاب الملك الذي أطلقه الله تعالى على أصحاب الكهف، والمسلمون الذين أسلموا حين رأوا أصحاب الكهف في قدر مدة لبثهم في الكهف) (٥). فهذا ما وجدته للمفسرين في هذه الآية، وهو غير مقنع، ولا كاف، إذ لم يفتح غلقا.
وقال صاحب النظم: [(هذا ما قصه ربنا] (٦) فيما بعد هذا الفصل في
(٢) "جامع البيان" ١٥/ ٢٠٦، و"النكت والعيون" ٣/ ٢٨٩، و"البحر المحيط" ٦/ ١٠٣، و"التفسير الكبير" ١١/ ٨٤، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٨٩ وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٣) "النكت والعيون" ٣/ ٢٨٩، و"زاد المسير" ٥/ ١١٤ ذكره بدون نسبة، و"روح المعاني" ١٥/ ٢١٢، وذكره السمرقندي في "بحر العلوم" ٢/ ٢٩٢ بلا نسبة.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٣٦.
(٥) "المحرر الوجيز" ١٠/ ٣٧١، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٦٤، و"البحر المحيط" ٦/ ١٠٤، و"روح المعاني" ١٥/ ٢١٢.
(٦) ما بين المعقوفين ورد في جميع النسخ بلفظ: (هذه مقتصة من بناجا)، وما أثبته هو الصواب إن شاء الله، والموافق للسياق.
قال: (والحزبان جميعًا من أصحاب الكهف، أنهم قالوا هذا القول منكرين على من قال: ﴿لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ [الكهف: ١٩]، فدل هذا على أن أصحاب الكهف كانوا حزبين) (٢)؛ هذا كلامه، وهو بعيد؛ لأنه يجعل معنى قوله: ﴿لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا﴾ [الكهف: ١٢] بمعنى: ليكون بينهم تساؤل وتنازع، وهذه العبارة التي في نظم الآية لا ينسى عن هذا المعنى الذي (٣) ذكره، وقد ارتكب في كتابه أشياء بعيدة لم أحكها لبعدها. ومعنى الآية على ما ذكره المفسرون: قتادة، ومجاهد، وغيرهما: (ليعلم أي الحزبين من المؤمنين والكافرين من قوم أصحاب الكهف عدّ أمد لبثهم وعلم ذلك، وكأنه وقع بينهم تنازع في مدة لبثهم في الكهف، وخروجهم من بيتهم، فبعثهم الله ليبين ذلك ويظهر) (٤).
(٢) ذكر نحوه الرازي في "التفسير الكبير" ٢١/ ٨٤.
(٣) قوله: (الذي)، ساقط من نسخة (ص).
(٤) "جامع البيان" ١٥/ ٢٠٦، و"بحر العلوم" ٢/ ٢٩٢، و"النكت والعيون" ٣/ ٢٨٩، و"معالم التنزيل" ٣/ ١٥٢، و"زاد المسير" ٥/ ١١٤، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٨٩.
وقال أبو إسحاق نحو هذا سواء فقال: (﴿أَمَدًا﴾ منصوب على نوعين: وهو على التمييز إن شئت كان على أحصى أمدا، فيكون العامل فيه أحصى، كأنه قيل: لنعلم أهؤلاء أحصى للأمد أم هؤلاء؟. والوجه الثاني: أن يكون منصوبًا بلبثوا، ويكون أحصى متعلقًا بلما، فيكون المعنى: أيّ الحزبين أحصى للبثهم في الأمد) (٢).
قال أبو علي الفارسي: (إن انتصاب الأمد بالتمييز عندي ممتنع غير مستقيم؛ وذلك أنه لا يخلو من أن يحمل أحصى على أن يكون فعلاً ماضيًا، أو أفعل نحو: أحسن وأعلم، فلا يجوز أن يكون أحصى أفعل، وغير مثال الماضي لأمرين أحدهما: أنه يقال: أحصى يحصى في التنزيل: ﴿أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ﴾ [المجادلة: ٦] وأفعل يفعل لا يقال منه: هو أفعل من كذا، فأما قولهم: ما أولاه للخير، وما أعطاه للدرهم، فمن الشاذ النادر الذي حكمه أن يحفظ لقلته، وسبيل ما كان كذلك أن لا يقاس عليه، ولا جوز أن يكون أحصى أفعل من كذا لهذا. والأمر الآخر: هو أن ما ينتصب على التمييز في نحو: هو أكثر منك مالاً، وأحسن وجهًا، وأغزر علمًا، هو في المعنى فاعل، وإن كان في اللفظ منتصبًا، ألا ترى أن الأمد ليس هو الذي أحصى، فهو خارج عن ما عليه (٣) الأسماء المنتصبة على التمييز،
(٢) "معانى القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧١.
(٣) في نسخة (ص). (عن حد ما عليه).
وهذا الذي ذكره أبو علي قول ثالث؛ لأن ﴿أَمَدًا﴾ عند الفراء وأبي إسحاق: ينتصب إما على التمييز، أو على الظرف، وعند أبي علي أنه مفعول به (٢). قال (٣): (ويجوز مع تأويل أحصى أفعل من كذا أن ينتصب الأمد بلبثوا، ويكون المعنى: للبثهم أمدا أي في الأمد، يتصل أحصى باللام، قال: وهذا القول مستكره؛ لأنك جعلت أحصى أفعل من كذا. قال: ومن قدّر أحصى فعلا وقدّر انتصاب الأمد بلبثوا دون أحصى فقد أساء، وعدل بالكلام عن وجهه، ألا ترى أن الكلام: أحصيت كذا، وفي التنزيل ﴿أَحْصَاهُ اللَّهُ﴾ [المجادلة: ٦]، و ﴿وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا﴾ [الجن: ٢٨]، فأوصل الفعل بلا حرف، وإذا كان تأويله انتصاب الأمد بلبثوا يؤدي إلى أن الفعل الذي هو أحصى المتعدي بلا حرف يتعدى بحرف استقبحنا هذا التأويل، وكرهناه، واستبعدناه) (٤).
١٤ - قوله تعالى: ﴿وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ قال المفسرون: (ألهمناها
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٣٦، و"معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧١، و"الإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني" ص ٩٣٢.
(٣) لفظ: (قال)، ساقط من نسخة (س).
(٤) "الاغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني" ص ٩٣٨.
وذكرنا معنى الربط على القلب في سورة الأنفال (٢).
وقوله تعالى: ﴿إِذْ قَامُوا﴾ قال عطاء ومقاتل: (يعني من النوم) (٣). وهذا يتعدّى من وجوه، أحدها: أن الله تعالى استأنف قصتهم بقوله: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ﴾ [الكهف: ١٣] الآية، فلأنه قال: ﴿إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ وكانوا قد قالوا هذا قبل نومهم في الكهف، ولكن الوجه تفسير ﴿قَامُوا﴾: (أنهم قاموا بين يدي ملكهم دقيانوس الجبار الذي كان يفتن أهل الإيمان عن دينهم، فربط الله على قلوبهم بالصبر واليقين حتى قالوا بين يديه: ﴿رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ الآية، وذلك أنه كان يدعو الناس إلى عبادة الأصنام، والذبح للطواغيت، فثبت الله هؤلاء الفتية وعصمهم، حتى عصوا ذلك الجبار وأقروا بربوبية الله -سبحانه وتعالى- ووحدانيته، وأنهم إن دعوا غيره وعبدوه كان ذلك شططا) (٤).
وفي تفسير شبل عن مجاهد قال: (إنهم أبناء عظماء مدينتهم، فخرجوا فاجتمعوا وراء المدينة من غير ميعاد، فقال رجل منهم هو أسن القوم: إني لأجد في نفسي شيئًا ما أظن أن أحدًا يجده. قالوا: ما تجد؟
(٢) عند قوله سبحانه: ﴿وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ﴾ [الأنفال: ١١].
(٣) "البحر المحيط" ٦/ ١٠٦، و"روح المعاني" ١٥/ ٢١٨، و"التفسير الكبير" ١١/ ٩٨ وقال: وهذا بعيد؛ لأن الله استأنف قصتهم بقوله: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ﴾ [آية ١٣].
(٤) هذا قول جمهور المفسرين. انظر: "جامع البيان" ١٥/ ٢٠٧، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٥٦، و "الكشاف" ٢/ ٣٨٣، و"زاد المسير" ٥/ ١١٥، و"ابن كثير" ٣/ ٨٣ - ٨٤.
وقوله تعالى: ﴿لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا﴾ أي: كذبًا وجورًا، قاله المفسرون (٢).
ومعنى الشطط في اللغة: مجاوزة القدر (٣). قال الفراء: (يقال: قد أشطّ في السَّوم، إذا جاوز القدر، ولم أسمع إلا أَشطَّ، يُشِطُّ، إِشطَاطًا، شَطَطًا) (٤). وحكى الزجاج وغيره: (شَطَّ الرجل وأَشَطَّ إذا جار) (٥). ومنه قوله: ﴿وَلَا تُشْطِطْ﴾ [ص: ٢٢]، ومثله أَشَطَّ، وأصل هذا من قولهم: بما شَطَّت الدار، إذا بعدت، فالشَّطَطُ في القول بعد عن الحق؛ وهو هاهنا منصوب على المصدر، والمعنى: لقد قلنا إذا قول شَطَط، قاله الزجاج (٦).
١٥ - وقوله تعالى: ﴿هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً﴾ هذا من قول أصحاب الكهف، ويعنون الذين كانوا في زمان دقيانوس عبدوا الأصنام ﴿لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ﴾ بحجة بينة.
(٢) "جامع البيان" ١٥/ ٢٠٨، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٥٦، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٥١، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨٤.
(٣) "مقاييس اللغة" (شط) ٣/ ١٦٥، و"القاموس المحيط" (شط) ص ٦٧٤، و"لسان العرب" (شطط) ٤/ ٢٢٦٣، و"المفردات في غريب القرآن" (شطط) (٢٦٠).
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٤٠٣.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧٢.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ١٧٢.
وقال صاحب النظم: (ظاهر قوله: ﴿لَوْلَا يَأْتُونَ﴾، حث وسؤال، وتأويله نفي وإبطال، على معنى: اتخذوا من دونه آلهة لا يأتون عليهم يسلطان؛ لأن في قولك: لولا فعلت كذا، دليل على أنه لم يفعله، وكان من حقه أن يفعل، وهذا من باب الإيماء إلى الشيء بالشيء)؛ انتهى كلامه (٣). وعلى قوله أيضًا يرجع حقيقة التأويل إلى تقدير حذف المضاف؛ لأن معنى ﴿لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ﴾ لا يأتون على عبادتهم، أي: على عبادة الآلهة، على هذا يحسن الكلام؛ لأن الحجة على الآلهة ضد الحجة لهم، فلابد من تقدير حذف المضاف، وإذا كان كذلك فالقول الأول أولى؛ لأنه لا يحتاج فيه إلى العدول عن ظاهر قوله: ﴿لَوْلَا يَأْتُونَ﴾، والكناية في قوله: ﴿عَلَيْهِمْ﴾ يجوز أن تكون عن القوم في قوله: ﴿هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا﴾ وهو الظاهر، ويجوز أن تكون عن الآلهة.
١٦ - وقوله تعالى: ﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ﴾ قال ابن عباس: (هذا من قول تمليخا، وهو رئيس أصحاب الكهف، قال لهم: وإذا اعتزلتموهم، أي: فارقتموهم وتنحيتم عنهم جانبًا، يعني عبدة الأصنام) (٤).
(٢) "الكشاف" ٢/ ٣٨٢، و"الدر المصون" ٧/ ٤٥٤، و"روح المعاني" ١٥/ ٢١٩.
(٣) ذكر نحوه الرازي في "التفسير الكبير" ٢١/ ٩٨، و"البحر المحيط" ٦/ ١٠٦، و"روح المعاني" ١٥/ ٢١٩.
(٤) "زاد المسير" ٥/ ١١٦، و"البحر المحيط" ١٥/ ١٠٧.
وروى عطاء عن ابن عباس في قوله: ﴿وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ﴾ قال: (يريد لم يعبد أصحاب الكهف إلا الله) (٣). وهذا يحمل على أن الله أخبر عنهم أنهم لم يعبدوا غيره، وعلى هذا لا يكون هذا حكايته قولهم؛ والقول ما قاله الفراء، والزجاج، وأهل التفسير (٤)، يدل على صحته ما روي أنه في مصحف عبد الله: (وما يعبدون من دون الله) (٥). وهذا يقطع يكون "ما" اسماً.
وقوله تعالى: ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ﴾ قال الفراء: (هذا جواب "إذ" كما تقول: إذ فعلت كذا فافعل كذا) (٦)، ومعناه: صيروا إليه واجعلوه مأواكم.
﴿يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ أي: يبسطها عليكم، ﴿وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا﴾ قال ابن عباس: (يسهل عليكم ما خوفكم من الملك وظلمه،
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٣٦.
(٣) ذكرت نحوه كتب التفسير بلا نسبة انظر: "المحرر الوجيز" ٩/ ٢٥٣، و"البحر المحيط" ٦/ ١٠٦، و"روح المعاني" ١٥/ ٢٢٠، و"فتح القدير" ٣/ ٢٧٣.
(٤) "جامع البيان" ٩٥/ ٢٠١، و"الكشاف" ٢/ ٣٨٢، و"زاد المسير" ٥/ ١١٦، و"معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٣٦، و"معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧٢.
(٥) "جامع البيان" ١٥/ ٢٠٩، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٥٦، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٥٣، و"زاد المسير" ٥/ ٨١، و "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٦٧.
(٦) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٣٦.
وقال الكلبي: (يعني غداء يأكلونه) (٢). ويقال: (مخرجا) (٣). وكل ما ارتفقت به فهو مِرْفَق، ويقال فيه أيضًا: مَرْفَق، ويقال فيه أيضًا: مَرْفِق بفتح الميم وكسر الفاء، كقراءة أهل المدينة (٤)، وهما لغتان في مِرْفَق اليد، والأمر، والمتكأ، قال أبو عبيدة: (المَرْفَق: ما ارتفقت به، وبعضهم يقول: المَرْفِق، فأما ما في اليدين فهو مِرْفَق) (٥).
وقال الأخفش: (﴿مِرْفَقًا﴾ أي: شيئًا يَرْتَفقُون به، مثل المِقْطَعِ) (٦).
ومن قرأ: مَرْفِقًا، جعله اسما مثل المسجد، ويكون لغة. قال أبو علي: (قوله: جعله اسما، أي: جعل المِرْفَقَ اسمًا ولم يجعله اسم المكان ولا المصدر من رَفَقَ يَرْفُقُ، كما أن المسجد ليس باسم الموضع من سَجَدَ يَسْجُدُ، وقوله: أو يكون لغة أي: لغة في اسم المصدر، كما جاء المَطْلِعُ ونحوه، ولو كان على القياس لفتحت اللام) (٧).
(٢) لم أقف عيه.
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ٢٠٩، و"بحر العلوم" ٢/ ٢٩٣.
(٤) قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي: (مِرْفَقًا) بكسر الميم وفتح الفاء. وقرأ نافع، وابن عامر، والكسائي عن أبي بكر عن عاصم: (مَرْفِقَا) بفتح الميم وكسر الفاء. انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٣٠، و"السبعة" ص ٣٨٨، و"الغاية" ص ٣٠٥، و"التبصرة" ص ٢٤٨، و"الكشف عن وجوه القراءات" ٢/ ٥٦، و"النشر في القراءات العشر" ٢/ ٣١٠.
(٥) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٣٩٥
(٦) "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦١٧.
(٧) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٣١.
وقال الأصمعي: (لا أعرف إلا الكسر فيهما) (٣)؛ يعني كسر الميم في الأمر واليد، وذكر قطرب اللغتين جميعًا فيهما (٤).
١٧ - قوله تعالى: ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ﴾ الآية، التاء في قوله: ﴿وَتَرَى﴾ لمخاطب، أي: ترى أنت أيها المخاطب الشمس عند طلوعها تميل عن كهفهم، وليس أن من خوطب بهذا يرى ذلك، ولكن العادة في المخاطبة تكون على هذا النحو، ومعناه: أنك لو رأيته على هذه الصورة (٥).
ومعنى ﴿تَزَاوَرُ﴾ قال ابن عباس: تتنحى (٦). وقال في رواية الوالبي: (تميل عنهم) (٧). ومعنى التَّزَاور: التمايل من الزَّوْر والأزور، فإن قيل: التَّزاور إنما يستعمل في زيارة بعض الناس بعضا، فكيف يحسن استعمال
(٢) "تهذيب اللغة" (رفق) ٢/ ١٤٤٤.
(٣) "معاني القرآن" للزحاج ٣/ ٢٧٢، و"إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٢٦٨.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧٣.
(٥) "زاد المسير" ٥/ ١١٧، و"القرطبي" ١٠/ ٣٦٨، و"التفسير الكبير" ١١/ ٩٩.
(٦) ذكرته كتب التفسير بلا نسبة. انظر: "القرطبي" ١٠/ ٣٦٨، و"إرشاد العقل السليم" ٥/ ٢١١، و"روح المعاني" ١٥/ ٢٢٢.
(٧) "جامع البيان" ١٥/ ٢١٠، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٩١ وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم.
كَلَون الحِصَان الأنبطِ البطن قائمًا | تمايل عنه الجلُّ واللونُ أشقرُ |
(٢) الزَّوْرُ: الميل في وسط الصدر، ويقال للقوس: زَوْرَاء لميلها. والازوار عن الشيء: العدول عنه. انظر: "تهذيب اللغة" (زار) ٢/ ١٤٩٩، و"اللسان" (زور) ٣/ ١٨٨٧.
(٣) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: (تَزَّاور) بثديد الزاي. وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: (تَزَاور) خفيفة. وقرأ ابن عامر: (تَزْور) بغير ألف، على وزن: تحمر. انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٣١، و"السبعة" ص ٣٨٨، و"الغاية" ص ٣٠٥، و"التبصرة" ص ٢٤٨، و"الكشف عن وجوه القراءات" ٢/ ٥٦.
(٤) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٣٢، و"الدر المصون" ٧/ ٤٥٧، و"روح المعاني" ١٥/ ٢٢٢.
(٥) هذا صدر بيت لعنترة، وعجزه:
وشكا إلى بعبرة وتحمحم
ازور من وقع القنا، أي: أعرض الفرس لما رأى الرماح تقع بنحوه. واللبان: الصدر، وقيل: ما بين الثديين ويكون للإنسان وغيره. والتحمحم: الصوت الخفي، فإن اشتد فهو الصهيل. انظر: "ديوانه" ص ١٨، و"الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٣٢، و"الجامع لآحكام القرآن" ١٠/ ٣٨٦.
أي: انقبض. والذي حسَّن القراءة به قول جرير (١):
وفي الأظعان عن طلح ازورار
فظاهر استعمال هذا في الأظعان مثل استعماله في الشمس (٢).
وقوله تعالى: ﴿ذَاتَ الْيَمِينِ﴾، أي: ناحية اليمين، فذات هاهنا صفة قامت مقام الموصوف، كأنه قيل: ناحية ذات اليمين. قال الأخفش: (وهو نصب على الظرف) (٣).
وقوله تعالى: ﴿تَقْرِضُهُمْ﴾ قال الوالبي عن ابن عباس: (تذرهم) (٤).
وقال قتادة: (تدعهم) (٥). وقال مقاتل: (تجاوزهم) (٦).
وقال الأخفش، والزجاج، وأبو عبيدة: (تعدل عنهم وتتركهم) (٧). وقال الكسائي: (قرضت المكان، أي: عدلت عنه) (٨).
عفن على الأماعز من حبي
عسفن: عدلن. والأماعز: الواحد أمعز: وهو المكان الصلب الكثير الحجارة والحصى. وطلح: مكان. انظر: "ديوانه" ص ١٨٢، و"الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٣٣.
(٢) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٣٣.
(٣) "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦١٧.
(٤) "جامع البيان" ١٥/ ٢١٢، و"الكشف والبيان" ٣/ ٣٨٨ أ.
(٥) "تفسير القرآن" للصنعاني ١/ ٣٣٦، و"جامع البيان" ١٥/ ٢١٢، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٦٩.
(٦) "الكشف والبيان" ٣/ ٣٨٨ أ، و"تفسير المشكل" لمكي بن أبي طالب ص ١٤٢.
(٧) "معالم التنزيل" ٥/ ١٥٧، و"زاد المسير" ٥/ ١١٧ بدون نسبة، و"معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧٣، و"مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٣٩٦.
(٨) "تهذيب اللغة" (قرض) ٣/ ٢٩٣٢، و"روح المعاني" ١٥/ ٢٢٢.
إلى ظُعُنٍ يَقْرضْن أقواز مشرفٍ | شمالا عن أيمانهن الفوارسُ |
قال أبو عبيدة: (تقول لصاحبك: هل وردت مكان كذا؟ فيقول المجيب: إنما قرضته ذات الشمال، إذا مرَّ به وتجاوز عنه وهو على شماله) (٣).
قال الكلبي: (يقول إذا طلعت الشمس مالت عن كهفهم ذات اليمين، يعني: يمين الكهف، وإذا غربت تمر بهم ذات الشمال، يعني: شمال الكهف لا تصيبه، وكان كهفهم نحو بنات نعش (٤) في أرض الروم) (٥).
القَوَز: كثيب الرمل المستدير. ومشرف، والفوارس: موضعان. انظر: "ديوانه" (٣١٣)، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٥٧، و"الكشاف" ٢/ ٣٨٨، و"البحر المحيط" ٦/ ٩٣، و"تهذيب اللغة" (قرض) ٣/ ٢٩٣٢، و"الدر المصون" ٧/ ٤٥٨، و"لسان العرب" (قرض) ٦/ ٣٥٩٠.
(٢) ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" (قرض) ٣/ ٢٩٣٢.
(٣) ذكره في "مجاز القرآن" ١/ ٣٩٦.
(٤) بنات نعش: سبعة كواكب، فأربعة منها نعش؛ لأنها مربعة، وثلاثة منها بنات، يقال للواحد منها: ابن نعش؛ لأن الكوكب مذكر. انظر: "تهذيب اللغة" (نعش) ٤/ ٣٦١١، و"مقاييس اللغة" (نعش) ٥/ ٤٥٠، و"لسان العرب" (نعش) ٧/ ٤٤٧٤، و"القاموس المحيط" (نعش) ص ٦٠٧.
(٥) "زاد المسير" ٥/ ١٥٧، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٦٩، وذكره "الكشف والبيان" ٣/ ٣٨٨ أبلا نسبة.
وقال أبو علي الفارسي: (إذا مالت الشمس عنهم إذا طلعت، وتجاوزتهم إذا غربت، دلَّ أن الشمس لا تصيبهم ألبتة، أو في أكثر الأمر، فتكون صورهم محفوظة) (٣).
هذا الذي ذكرنا قول المفسرين قالوا في سبب ميل الشمس عنهم: (إنهم كانوا في مَقْنَاة) (٤). وقال أبو إسحاق: (هذا التفسير ليس ببين، إنما جعل الله فيهم هذه الآية أن الشمس لا تقربهم في مطلعها ولا عند غروبها) (٥)، ودل عليه قوله: ﴿ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ﴾ يعني: أن الله تعالى بقدرته (٦) حبس عنهم ضوء الشمس وحرها عند طلوعها وغروبها، فلا تنالهم طالعة ولا غاربة، لا بكونهم في مكان لا تصيبه الشمس، ولكن
(٢) "الكشف والبيان" ٣/ ٣٨٨ أ، و"بحر العلوم" ٢/ ٢٩٣، و"النكت والعيون" ٣/ ٢٩٠، و"معالم التنزيل" ٥/ ١١٧، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٥٥.
(٣) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٣٤.
(٤) "معالم التنزيل" ٥/ ١٥٧، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٥٥، و"البحر المحيط" ٦/ ١٠٨، و"أضواء البيان" ٤/ ٤٣٥.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧٣.
(٦) قوله: (بقدرته)، ساقط من نسخة (س).
ثم أخبر أنهم كانوا في متسع من الكهف، ينالهم فيه برد الريح، ونسيم الهوى فقال: "وهم في فجوة منه" أي: من الكهف، والفجوة: متسع في مكان (٢).
قال أبو عبيدة: (وجمعها فَجَوات) (٣) وفِجَا، نحو: زَكوات وزِكَاء. ومنه الحديث: (فإذا وجد فجوة نصّ) (٤) (٥).
وقال الشوكاني في "تفسيره" ٣/ ٣٩٢: فإن صرف الشمس عنهم مع توجه الفجوة إلى مكان تصل إليه عادة أنسب بمعنى كونها آية، ويؤيده أيضًا إطلاق الفجوة وعدم تقيدها بكونها إلى جهة كذا. وانظر: "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧٣، و"التفسير الكبير" ١١/ ١٠٠.
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" (فج) ١٠/ ٥٠٧، و"مقاييس اللغة" (فجَّ) ٣/ ٢٧٤٢، و"القاموس المحيط" (فج) ص ٢٠٠، و"الصحاح" (فجَّ) ص ٢٠٦، و"المفردات في غريب القرآن" (فجج) ص ٣٧٣.
(٣) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٣٩٦.
(٤) النص: نصَّ الدابة ينصها نصًّا: رفعها في السير، قال أبو عبيد: النص التحريك حتى تستخرج من الناقة أقصى سيرها. وأصل النص أقصى الشيء وغايته، ثم سمي به ضرب من السير سريع. انظر: "تهذيب اللغة" (نصَّ) ٤/ ٣٥٨٥، و"لسان العرب" (نصص) ٧/ ٤٤٤١.
(٥) أخرجه البخاري "صحيحه" كتاب: الجهاد، باب: السرعة في السير ٣/ ١٠٩٣، =
١٨ - قوله تعالى: ﴿وَتَحْسَبُهُمْ﴾ معنى هذا الخطاب على ما ذكرنا في قوله: ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ﴾، أي: لو رأيتهم لحسبتهم أيقاظًا، هو جمع: أيقاظ، ويقظ، ويقظان، قا له الأخفمش، وأبو عبيدة، والزجاج (٤). وأنشدوا لرؤبة (٥):
(١) "جامع البيان" ١٥/ ١٤٥، و"تفسير مجاهد" ٤٤٦.
(٢) ذكرته كتب التفسير بلا نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٥/ ٢١٢ - ٢١٣ بمعناه، و"الكشف والبيان" ٣/ ٣٨٨ ب، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٥٧، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٩٥.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من نسخة (س).
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧٤، و "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٦١٧، و"مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٣٩٦.
(٥) هذا صدر بيت لرؤبة، وعجزه:
وسيف غيَّاظٍ لهم غِيَاظا
انظر: "ديوانه" ص ٨١، "مجاز القرآن" ١/ ٣٩٧، و"معاني القرآن"، للزجاج ٣/ ٢٧٤، و"جامع البيان" ١٥/ ٢١٣.
ومثله: نَجْدٌ، نُجد، وأَنْجاد.
وقوله تعالى: ﴿وَهُمْ رُقُودٌ﴾ أي: نائمون، وهو مصدر سمِّي به، كما يقال: قوم ركوع، وقعود، وسجود، يوصف الجميع بالمصدر (١)، ومن قال: إنه جمع راقد، فقد أبعد؛ لأنه لم يجمع فاعل على فعول (٢).
(وإنما يحسبون أيقاظًا؛ لأن أعينهم مفتحة وهم نيام) (٣)؛ قاله الكلبي. وحكى أبو إسحاق: (لكثرة تقلبهم، يظن أنهم غير نيام. قال: ويدل على هذا قوله: ﴿وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ﴾) (٤)، وعلى هذا يجب أن يكثر تقلبهم.
قال قتادة: (ذكر لنا أن أبا عياض (٥) قال: كان لهم في كل عام
(٢) "معالم التنزيل" ٥/ ١٥٧، و"الدر المصون" ٧/ ٤٦٠، وقال القاسمي في "تفسيره" ١٠/ ٤٠٣٢: وما قيل أنه مصدر أطلق على الفاعل واستوى فيه القليل والكثير كركوع وقعود؛ لأن فاعلا لا يجمع على فعول، مردود بما نص عليه النحاة كما صرح به في المفصل والتسهيل.
(٣) "النكت والعيون" ٣/ ٢٩١، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٥٨، و"الكشاف" ٢/ ٣٨٣، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٥٩، وقال الألوسي في "تفسيره" ١٥/ ٢٢٤: ولو صح فتح أعينهم بسند يقطع العذر كان أبين في هذا الحسبان.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧٤.
(٥) عمرو بن الأسود العنسي، الهمداني، الدمشقي، الدارني، أبو عياض، مخضرم، من كبار التابعين، أخرج له الستة، وكان من زهاد الشام الكبار، روى عن عمر وجماعة من الصحابة -رضي الله عنهم-، وروى عنه عدد من التابعين، توفى -رحمه الله- في خافة معاوية -رضي الله عنه-. انظر: "طبقات ابن سعد" ٧/ ١٥٣، و"الجرح والتعديل" ٣/ ٢٢٠، و"الحلية" لأبي نعيم ٥/ ١٥٥، و"تهذيب التهذيب" ٨/ ٤.
وهو قول أبي هريرة (٢). قال ابن عباس في رواية عطاء: (لئلا تأكل الأرض لحومهم، ولا تبليهم) (٣).
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: (يمكثون رقودًا على أيمانهم تسع سنين، ثم يقلبون على شمائلهم فيمكثون رقودًا تسع سنين) (٤). و ﴿ذَاتَ﴾ منصوبة على الظرف؛ لأن المعنى: نقلبهم في ناحية اليمين، كما قلنا في قوله: ﴿تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ﴾.
وقوله تعالى: ﴿وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ﴾ قال ابن عباس وأكثر المفسرين: (هربوا ليلاً من ملكهم، فمروا براع معه كلب، فتبعهم على دينهم ومعه كلبه) (٥). وقال كعب: (مروا بكلب فنبح عليهم فطردوه، فعاد ففعلوا ذلك مرارًا، فقال لهم الكلب: ما تريدون مني؟ لا تخشوا جانبي، أنا أحب أحباء الله، فناموا حتى أحرسكم) (٦).
(٢) "معالم التنزيل" ٥/ ١٥٨، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٧٠، و"التفسير الكبير" ١١/ ١٠١.
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ٢١٤، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٥٨، و"زاد المسير" ٥/ ١١٨، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨٥.
(٤) "روح المعاني" ١٥/ ٢٢٥، وذكره الرازي في "التفسير الكبير" ١١/ ١٠١ وقال: هذه التقديرات لا سبيل للعقل إليها، ولفظ القرآن لا يدل عليها، وما لم يأت فيه خبر صحيح فكيف يعرف؟
(٥) "المحرر الوجيز" ٩/ ٢٦١، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٧٠، و"التفسير الكبير" ١١/ ١٠١، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٨٨.
(٦) "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٧٠، و"التفسير الكبير" ١١/ ١٠١، و"روح المعاني" ١٥/ ٢٢٥.
ومعنى: ﴿بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ﴾ أي: يلقيهما على الأرض مبسوطتين غير مقبوضتين، ومنه الحديث في الصلاة: أنه نهى عن افتراش السبع، وقال: "لا تفترش ذراعيك افتراش السبع" (٢)، هو أن يضعهما على الأرض، والذراع: اسم جامع في كل ما يسمى يدًا من ذوي الأيدان.
قال الليث: (الذراع: من طرف المرفق إلى أطراف الأصبع الوسطى) (٣). قال ابن السكيت: (الذراع مؤنثة، تقول: هذه ذراع) (٤).
قال أبو علي: (لولا حكاية الحال لم يعمل اسم الفاعل في ذراعيه؛ لأنه إذا مضى اختص وصار معهودًا، فخرج بذلك من شبه الفعل، ألا ترى أن الفعل لا يكون معهودًا، فكما أن اسم الفاعل إذا وصف وحقر لم يعمل عمل الفعل لزوال شبهه عنه، كذلك إذا كان ماضيًا، ولكن المعنى على
(٢) أخرجه ابن ماجه في "سننه" كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها باب الاعتدال في السجود ٢/ ٢٨٨، وأبو داود في "سننه" كتاب الصلاة، باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود ١/ ٥٣٩، والنسائي في "سننه" كتاب التطبيق، باب النهي عن بسط الذراعين في السجود، وأحمد في "مسنده" ٥/ ٤٤٧، وأخرج نحوه الترمذي في "جامعه" كتاب الصلاة، باب ما جاء في الاعتدال في السجود حديث رقم (٢٧٥) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأورده ابن الأثير في "جامع الأصول" كتاب الصلة، باب هيئة الركوع والسجود ٥/ ٣٧٤.
(٣) "تهذيب اللغة" (ذرع) ٢/ ١٢٧٧، و"القاموس المحيط" (الذراع) ص ٧١٦، و"لسان العرب" (ذرع) ٣/ ١٤٩٥.
(٤) "تهذيب اللغة" (ذرع) ٢/ ١٢٧٧، و"القاموس المحيط" (الذراع) ص ٧١٦، و"الصحاح" (ذرع) ٣/ ١٢٠٩.
وقوله تعالى: ﴿بِالْوَصِيدِ﴾ قال ابن عباس في رواية على وعطاء: (بالفناء) (٢)، وهو قول أكثر المفسرين، قال مجاهد والضحاك: (يعني فناء الكهف) (٣)، وبه قال أكثر أهل اللغة.
روى أبو عبيد عن الأحمر (٤): (الوصيد: الفناء) (٥).
وقال الزجاج: (الوصيد: فناء البيت، وفناء الدار) (٦).
وقال أبو عبيدة: (الوصيد: الفناء، والجميع وصائد ووصدٌ) (٧).
وقال يونس والأخفش والفراء: (الوَصِيد والأصَيد لغتان، مثل:
(٢) "جامع البيان" ١٥/ ٢١٤، و"تفسير المشكل من غريب القرآن" ص ١٤٢، و"اللغات في القرآن" ص ٣٣، و"معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٣٧، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٥٨، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٢٤٣.
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ٢١٤، و"معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٣٧، و"تفسير كتاب الله العزيز" ٢/ ٤٥٣، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٥٨.
(٤) أبان بن عثمان بن يحيى بن زكريا اللؤلؤي البجلي بالولاء، أبو عبد الله المعروف بالأحمر، عالم بالأخبار والأنساب، أصله من الكوفة، وكان يسكنها تارة، ويسكن البصرة تارة أخرى، أخذ عنه أبو عبيدة معمر بن المثنى، وأبو عبد الله بن سلام وغيرهما، وله مصنفات وكتب. انظر: "بغية الوعاة" (١٧٧)، و"إنباه الرواة" ١/ ١٧٠، و"الأعلام" ١/ ٢٧.
(٥) "تهذيب اللغة" (وصد) ١/ ١٦٥.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧٤.
(٧) "مجاز القرآن" ٣/ ٢٧٤.
وقال الكسائي: (أهل تهامة (٣) يقولون: الوصيد، وهو الفناء، وأهل نجد (٤) يقولون: الأصيد، والقرآن بلغة تهامة نزل) (٥).
وقال السدي: (الوصيد: الباب، وهو رواية عكرمة عن ابن عباس) (٦). واختيار المبرد قال: (﴿بِالْوَصِيدِ﴾ عند أهل اللغة: بالباب، أي: بحضرة الباب، يقال: فلان بالباب، وإنما يراد بحضرة الباب).
وقال عطاء: (الوصيد: عتبة الباب) (٧). وهو اختيار ابن قتيبة قال: (لأنهم يقولون: أوصد بابك، أي: أغلقه، قال: وأصله أن تلصق الباب
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٣٧، و"تهذيب اللغة" (وصد) ١/ ١٦٥، و"التفسير الكبير" ١١/ ١٠١.
(٣) تِهَامة -بكسر التاء-: اسم لكل ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز ومكة من تهامة، وقي: تهامة إلى عرق اليمن إلى أسياف البحر إلى الجحفة وذات عرق. انظر: "معجم البلدان" ٢/ ٦٣، و"تهذيب الأسماء واللغات" ٣/ ٤٤.
(٤) نَجْد -بفتح أوله وسكون ثانيه-: اسم للأرض العريضة التي أعلاها تهامة واليمن، وأسفلها العراق والشام، فما ارتفع من بطن الرمة فهو نجد إلى ثنايا ذات عرق. انظر: "معجم البلدان" ٥/ ٢٦١، و"تهذيب الأسماء واللغات" ٣/ ١٧٥.
(٥) "جامع البيان" ١٥/ ٢١٥، و"زاد المسير" ٥/ ١١٩، و"تهذيب اللغة" (وصد) ١/ ١٦٥.
(٦) "معالم التنزيل" ٥/ ١٥٨، و"الكشاف" ٢/ ٣٨٣، و"زاد المسير" ٥/ ١١٩.
(٧) "تفسير المشكل من غريب القرآن" ص ١٤٢، و"النكت العيون" ٣/ ٢٩٢، و"معالم التنزيل" ٣/ ١٥٤، و"الكشاف" ٢/ ٣٨٣.
بأرض فضاءٍ لا يسدُّ وصيدها | عليَّ ومعروفي بها غير منكرِ |
(٢) "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ١/ ٢٦٥، و"النكت والعيون" ٣/ ٢٩٢.
(٣) البيت ينسب إلى عبيد بن وهب العبسي. انظر: "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ١/ ٢٦٥، و"النكت والعيون" ٣/ ٢٩٢، و"البحر المحيط" ٦/ ٩٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٥١، و"روح المعاني" ١٥/ ٢٢٦، و"الدر المصون" ٧/ ٤٦١.
(٤) قرأ ابن كثير، وابن عامر، وعاصم في رواية أبي بكر، والكسائي: (موصدة) بغير همز، وقرأ أبو عمرو، وحمزة، وحفص عن عاصم: (مؤصدة) بالهمز. انظر: "السبعة" ص ٦٨٦، و"التبصرة" ص ٣٨١، و"المبسوط في القراءات" ص ٤١٠، و"الكشف عن وجوه القراءات" ٢/ ٣٧٧.
وقوله تعالى: ﴿لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ﴾، أي: أشرفت عليهم، يقال: أطلعت فلانًا على الشيء فاطلع هو، قال الله تعالى: ﴿فَاطَّلَعَ فَرَآهُ﴾ [الصافات: ٥٥].
﴿لوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا﴾، أي: لأدبرت وانقلبت منهم فرارًا. قال الزجاج: (منصوب على المصدر؛ لأن معنى وليت منهم: فررت منهم) (٣). ﴿وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا﴾ أي: فزعًا وخوفًا، قال المفسرون: (هو أن الله تعالى منعهم بالرعب لئلا يراهم أحد) (٤).
وقال أبو إسحاق: (قيل في التفسير: إنهم طالت شعورهم جدًا، وأظفارهم، فلذلك كان الرائي لو رآهم لهرب مرعوبًا) (٥).
(٢) "جامع البيان" ١٥/ ٢١٤، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٦٣، و"زاد المسير" ٥/ ١١٩، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٩٢.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧٥.
(٤) "جامع البيان" ١٥/ ٢١٥، و"النكت والعيون" ٣/ ٢٩٣، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٥٩، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٦٤.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧٥. وهذا قول بعيد، ولو كانت حالهم هكذ لم يقولوا ﴿لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ [الكهف: ١٩]، وإذا الصحيح -والله أعلم- في آمرهم أن الله -عز وجل- حفظ لهم الحالة التى ناموا عليها لتكون لهم ولغيرهم آية. قال الشوكاني في "تفسيره" ٣/ ٣٩٣: ويدفعه قوله تعالى: ﴿لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ =
فيملأ بيتنا أقطًا وسمنًا
وقول الآخر (٥):
ومن مالئ من شيء غيره إذا | راح نحو الحمرة البيض بالدُّمى |
(١) قرأ ابن كثير، ونافع: (ولَمُلِّئْت) بالتشديد والهمز. وقرأ ابن عامر، وعاصم، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: (ولملئت) بالتخفيف والهمز. انظر: "السبعة" (٣٨٩)، و"الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٣٤، و"الغاية" ص ٣٠٥، و"التبصرة" ٢٤٨، و"النشر في القراءات العشر" ٢/ ٣١٠.
(٢) من هنا ساقط حتى قوله: (.. المختلفون في عدد) من نسخة (ص).
(٣) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٣٤، و"التفسير الكبير" ١١/ ١٠١.
(٤) هذا صدر بيت لامرئ القيس. وعجزه:
وحسبك من غنى شبع وريُّ
والأقطُ: شيء يتخذ من اللبن المخيض يطبخ ثم يترك ثم يمصل.
والسَّمنُ: سلاء الزبد. انظر: "ديوانه" ص ١٧١، و"الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٣٤، و"التفسير الكبير" ١١/ ١٠٢، و"لسان العرب" (سمن) ٤/ ٢١٠٤.
(٥) لم أهتد إلى قائله، وأورد أبو علي الفارسي الشطر الأول منه في كتابه "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٣٥ بدون نسبة، وكذلك الرازي في "التفسير الكبير" ١١/ ١٠٢.
(٦) هذا شطر بيت من الرجز. وبعده: =
وقول الآخر (١):
امتلأ الحوض وقال قطني
وامتلأ يدل على ملأ؛ لأنه مطاوعه، وقد جاء الثقيل أيضًا، أنشدوا للمُخبَّل السعدي (٢):
وإذا فتك النعمان بالنَّاس محرمًا | فملئ من كعب بن عوفٍ سلاسله |
١٩ - وقوله تعالى: ﴿لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ﴾ قال أبو علي الجرجاني: (ليكون بينهم تساؤل وتنازع واختلاف في مدة لبثهم) (٤).
عرِّق: عرِّق الدلو جعل فيها ماء قيلاً. انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٣٥، و"تهذيب اللغة" (عرق) ٥/ ٢٤٥٩، و"لسان العرب" (عرق) ٥/ ٢٩٠٥، و"التفسير الكبير" ١١/ ١٠٢، و"مجالس ثعلب" ص ٢٣٨.
(١) هذا شطر بيت من الرجز. وبعده:
مهلاً رويدًا قد ملأت بطني
قطني: بمعنى حسبي. وقد تقدم.
(٢) هذا البيت ضمن قصيدة قالها حينما بعث النعمان إلى كعب بن عوف جيشًا في الشهر الحرام وهم آمنون فقتل فيهم وسبى. انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٣٥، و"تهذيب اللغة" (فتك) ٣/ ٢٧٣٧، و"لسان العرب" (فتك) ٦/ ٣٣٤٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٧٤.
(٣) "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ١/ ٢٦٥
(٤) ذكر نحوه بلا نسبة الرازي "التفسير الكبير" ٢١/ ١٠٢، والطبرسي في "مجمع =
﴿قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ قال المفسرون: (إنهم دخلوا الكهف غدوة، وبعثهم الله في آخر النهار، لذلك قالوا: ﴿يَوْمًا﴾ فلما رأوا الشمس قالوا: ﴿أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾، وكان قد بقيت من النهار بقية) (٢).
﴿قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ﴾ قال ابن عباس: (يرد تمليخا رئيسهم رد علم ذلك إلى الله) (٣)، ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ﴾، الورق: اسم للدراهم.
وقال أبو عبيدة: (الفضة كانت مضروبة دراهم أو لا) (٤)؛ يدل على هذا ما روي: (أن عرفجة (٥) اتخذ أنفًا من ورق) (٦). وفيه لغات: وَرِق،
(١) ذكره "زاد المسير" ٥/ ١٢٠، و"التفسير الكبير" ١١/ ١٠٣ بدون نسبة.
(٢) "النكت والعيون" ٣/ ٢٩٣، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٥٩، و"زاد المسير" ٥/ ١٢٠، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٧٥.
(٣) "معالم التنزيل" ٥/ ١٥٩، و"زاد المسير" ٥/ ١٢٠، و"التفسير الكبير" ١١/ ١٠٣.
(٤) ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" (ورق) ٤/ ٣٨٧٤.
(٥) عرفجة بن أسعد بن كريب، وقيل: ابن صفوان التيمي، العطاردي، أحد أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، أصيب أنفه يوم الكلاب بالجاهلية، وكان من أهل البصرة، روى عنه ابنه طرفة، وابن ابنه عبد الِرحمن. انظر: "أسد الغابة" ٣/ ٥١٨، و"الاستيعاب" ٣/ ١٠٦٢، و"الإصابة" ٢/ ٤٦٧، و"تهذيب التهذيب" ٧/ ١٧٦.
(٦) أخرجه أبو داود في "سننه" كتاب: الخاتم، باب: ما جاء في ربط الأسنان =
ويقال أيضًا: للورق: الرِّقَة، قال الأزهري: (أصله: وِرْقَة، مثل: صِلَة وعِدَة) (٢). وإنما قال هذه؛ لأنه عني بالورق الدراهم أو الفضة.
قال ابن عباس: (وكانت معهم دراهم عليها صورة الملك الذي كان في زمانهم، فهربوا منه) (٣). ويعني بالمدينة: دقسوس، وهي مدينتهم، ويقال: هي اليوم طرسوس (٤).
وقوله تعالى: ﴿فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا﴾ قال عطاء عن ابن عباس: (يريد: أحل الذبائح) (٥).
(١) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٣٧، و"معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧٥.
(٢) "تهذيب اللغة" (ورق) ٤/ ٣٨٧٦، و"إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٢٧٠.
(٣) ذكرته كتب التفسير بلا نسبة انظر: "جامع البيان" ١٥/ ٢١٦، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٥/ ٣٧٥، و"التفسير الكبير" ١١/ ١٠٣.
(٤) طَرَسوس: بفتح أوله وثانيه وسينين مهملتين بينهما واو ساكنة: عجمية رومية، وهي في الإقليم الرابع، وقالوا: سميت بـ (طرسوس بن الروم بن اليفز بن سام بن نوح)، وقيل: إن مدينة طرسوس أحدثها سليمان كان خادمًا للرشيد في سنة نيف وتسعين ومائة، وهي مدينة بثغور الشام بين أنطاكية وحلب وبلاد الروم. انظر: "معجم البلدان" ٤/ ٢٨، و"تهذيب الأسماء واللغات" ٣/ ١٥٢.
(٥) "زاد المسير" ٥/ ١٢١، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٧٥، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٩٢، و"البحر المحيط" ٦/ ١١١.
وقال مجاهد: (أيها أحل، وكان لهم ملك غشوم يظلم الناس في طعامهم وأسواقهم، فقالوا لصاحبهم: لا تبتع طعامًا فيه ظلم ولا غصبًا) (٣).
وذكر أبو إسحاق القولين جميعًا وقال: (الآية من باب حذف المضاف؛ لأن المعنى: أي أهلها أزكى طعامًا، أي: أحل، إما من جهة أنه ذبيحة مؤمن، وإما من جهة أنه لا غصب فيه، هذا معنى قوله. قال: و ﴿أَيُّهَا﴾ رفع بالابتداء، و ﴿أَزْكَى﴾ خبره، و ﴿طَعَامًا﴾ منصوب على التمييز) (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ﴾ قال ابن عباس: (يريد يكون ذلك في ستر وكتمان) (٥)، يعني دخول المدينة وشراؤه الطعام، ومعنى ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ﴾: وليدقق النظر وليحتل حتى لا يطلع عليه.
وقوله تعالى: ﴿وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾ قال ابن عباس: (يريد لا يخبرن بكم، ولا بمكانكم أحدًا من أهل المدينة) (٦).
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٣٧.
(٣) "زاد المسير" ٥/ ١٢٢، و"البحر المحيط" ٦/ ١١، و"التفسير الكبير" ١١/ ١٠٣.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧٦.
(٥) ذكره البغوي في "معالم التنزيل" ٥/ ١٦٠ بدون نسبة.
(٦) ذكره "جامع البيان" بدون نسبة ١٥/ ٢٢٤، وكذلك "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٧٥، و"التفسير الكبير" ١١/ ١٠٣.
٢٠ - قوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ﴾، أي: يطلعوا ويشرفوا على مكانكم أو على أنفسكم، من قولهم: ظهرت على فلان إذا علوته، وظهرت على السطح إذا صرت فوقه، ومنه قوله: ﴿فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾ [الصف: ١٤]، أي: عالين (٣) غالبين، وكذلك قوله: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ [التوبة: ٣٣]، أي: ليعليه، وقد مر.
وقوله تعالى: ﴿يَرْجُمُوكُمْ﴾ قال ابن عباس: (يقتلوكم) (٤). والرجم بمعنى القتل قد ورد كثيرًا في التنزيل كقوله: ﴿وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ﴾ [هود: ٩١] وقوله: ﴿لَأَرْجُمَنَّكَ﴾ [مريم: ٤٦] وقوله: ﴿أَنْ تَرْجُمُونِ﴾ [الدخان: ٢٠]، وأصله: الرمي.
قال أبو إسحاق: (أي يقتلوكم بالرجم، والرجم من أخبث القتل) (٥).
(٢) ذكر نحوه الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٣٨٩ أ.
(٣) قوله: (عالين) ساقطة من نسخة (س).
(٤) ذكره "النكت والعيون" بدون نسبة ٣/ ٢٩٥، وكذلك "معالم التنزيل" ٥/ ١٦٠ بدون نسبة، و"زاد المسير" ٥/ ١٢٢، و"التفسير الكبير" ١١/ ١٠٣.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧٦.
وقوله تعالى: ﴿يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ﴾ قال ابن عباس: (يردوكم إلى دينهم) (٢)، ﴿وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا﴾ أي: إن رجعتم إلى دينهم لن تسعدوا في الدنيا ولا في الآخرة.
قال الزجاج: ("إذ" يدل على الشرط، أي: ولن تفلحوا إن رجعتم إلى ملتهم أبدًا) (٣).
٢١ - وقوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ﴾ الآية. قال العلماء بأخبار القدماء: (إن الفتية لما هربوا من ملكهم دقيانوس ودخلوا الكهف، أمر دقيانوس بالكهف أن يسد عليهم، ويدعوهم كما هم في الكهف يموتوا عطشًا وجوعًا، وليكن كهفهم الذي اختاروا قبرًا لهم، وهو يظن أنهم أيقاظ، وقد توفي الله تعالى أرواحهم وفاة النوم، ثم إن رجلين مؤمنين كتبا شأن الفتية وأنسابهم وأسماءهم وخبرهم في لوح من رصاص، وجعلاه في تابوت من نحاس، وجعلا التابوت في البنيان الذي بنوا على باب الكهف، وقالا: لعل الله يظهر على هؤلاء قومًا مؤمنين قبل يوم القيامة، فيعلم خبرهم حين يقرأ هذا الكتاب. ثم انقرض أهل ذلك الزمان وخلفت بعدهم قرون وملوك كثيرة، وملك أهل تلك
(٢) ذكره "زاد المسير" بدون نسبة ٥/ ١٢٢، و"التفسير الكبير" ١١/ ١٠٣.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧٦.
وقوله تعالى: ﴿لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ قال ابن عباس: (يريد الملك
(٢) في (س): (فيجنى)، وهو تصحيف.
(٣) انظر: "جامع البيان" ١٥/ ٢٢٥، و"الكشاف" ٢/ ٣٨٤، و "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨٧، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٧٨، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٨٨.
وقوله تعالى: ﴿إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ﴾ اختلفوا في هذا التنازع، فالأشبه ما قال عكرمة: (أن أهل ذلك الزمان تنازعوا بالبعث) (٢). كما ذكرنا في القصة.
والمراد بقوله: ﴿أَمْرَهُمْ﴾ ما تنازعوا فيه من أمر البعث. و ﴿إِذْ﴾ منصوب بقوله: ﴿أَعْثَرْنَا﴾، والمعنى: أطلعنا عليهم إذ وقعت المنازعة في أمرهم (٣). قال أبو إسحاق: (ويجوز أن يكون منصوبًا بقوله: ﴿لِيَعْلَمُوا﴾ أي: ليعلموا في وقت منازعتهم) (٤).
وقال ابن عباس في رواية عطاء في قوله: ﴿إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ﴾ (وذلك أن الرجل إذ خرج ليشتري لهم الطعام لما وقف يتنازع، نظروا إلى درهمه، فإذا عليه صورة دقيانوس)، وذكر القصة (٥). فعلى هذا التنازع: هو تنازع القوم مع هذا الواحد الذي كان يطلب لهم الطعام وتكذيبهم إياه فيما كان يخبر به.
وقال قوم: (يعني تنازعوا في قدر مكثهم ولبثهم) (٦). وقيل: (تنازعوا
(٢) "تفسير كتاب الله العزيز" ٢/ ٢١، و"معالم التنزيل" ٣/ ١٥٦، و"زاد المسير" ٥/ ١٢٣.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧٦، و"إملاء ما من به الرحمن" ص ٢٩٦.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧٦.
(٥) "النكت والعيون" ٣/ ٢٩٥، و"الكشاف" ٢/ ٣٨٤، و"زاد المسير" ٥/ ١٢٣، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨٧.
(٦) "معالم التنزيل" ٥/ ١٦١، و"التفسير الكبير" ١١/ ١٠٤.
وقوله تعالى: ﴿رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ﴾ يدل على أنه وقع تنازع في عدتهم، فمعنى: ﴿رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ﴾، أي: بعددهم كما قال: ﴿قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ﴾ [الكهف: ٢٢]، ويحتمل أن هذا من قول الله ابتداء، ويحتمل أنه من قول بعض الناس الذين تكلموا في عددهم (٤).
وقوله تعالى: ﴿قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ﴾ قال ابن عباس: (يريد المؤمنين الذين لم يشكوا في البعث). قال المفسرون: (هم تندوسيس الملك وأصحابه) (٥).
(٢) ذكرته كتب التفسير بلا نسبة. انظر: "النكت والعيون" ٣/ ٢٩٦، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٦١، و"زاد المسير" ٥/ ١٢٣، و"البحر المحيط" ٦/ ١١٣.
(٣) "الكشاف" ٢/ ٣٨٤، و"زاد المسير" ٥/ ١٢٣، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨٧، أي: سددوا عليم باب كهفهم، و"التفسير الكبير" ١١/ ١٠٥.
(٤) "البحر المحيط" ٦/ ١١٣، و"التفسير الكبير" ١١/ ١٠٥.
(٥) "معالم التنزيل" ٥/ ١٦١، و"الكشاف" ٢/ ١٨٤، و"زاد المسير" ٥/ ١٢٤، و"روح المعاني" ١٥/ ٢٣٦.
٢٢ - قوله تعالى: ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ الآية. قال المفسرون: (إن نصارى نجران (٣) كانوا عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، فجرى ذكر أصحاب الكهف، فقالت اليعقوبية (٤) منهم: كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم. وقالت النسطورية (٥): كانوا خمسة
(٢) ذكر نحوه البغوي في "معالم التنزيل" بلا نسبة ٥/ ١٦١، والسيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ٣٩٢ وعزاه لابن أبي حاتم.
(٣) نَجْرَان: بفتح النون وإسكان الجيم: بين مكة واليمن، قيل: أول من عمرها نجران بن زيدان بن سبأ بن قحطان، وكان أهلها يدينون بالنصرانية، حتى فتحت سنة عشر صلحًا، وهي الآن مدينة من مدن المملكة العربية السعودية. انظر: "معجم البلدان" ٥/ ٢٦٦، و"معجم ما استعجم" (١٢٩٨)، و"تهذيب الأسماء واللغات" ٣/ ١٧٦.
(٤) اليعقوبية: فرقة من النصارى، منسوبون إلى يعقوب البرذعاني وكان راهبًا بالقسطنطينية، قالوا: إن المسيح هو الله نفسه -تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا- وإنه تعالى مات، وإن العالم بقي ثلاثة أيام بلا مدبر، ثم قام ورجع كما كان، وإنه عاد محدثًا وأن المحدث عاد قديمًا. انظر: "الملل والنحل" ص ٢٢٦ - ٢٢٧، و"الفصل في الملل والأهواء والنحل" ١/ ٤٩.
(٥) النسطورية: فرقة من فرق النصارى، منسوبون إلى نسطور، وكان بالقسطنطينة، قالوا: إن مريم لم تلد الإله، وإنما ولدت الإنسان، وإن الله تعالى لم يلد الإنسان =
ونظم الآية يوجب أن يكون هذا التنازع بعد نزول الآية؛ لأن الله تعالى قال: ﴿سَيَقُولُونَ﴾، وهذه السين للتأخير، فالآية تكون نازلة قبل هذا التنازع، أخبر الله فيها أنه سيقع نزاع في عددهم، ثم وقع ذلك على ما في الآية، يدل على هذا أن السورة مكية ووفد نجران إنما أتوا النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد الهجرة.
واختلف النحويون في نظم هذه الآية وسقوط الواو من قولهم: رابعهم وسادسهم، ودخولها في ثامنهم، بعد اجتماعهم على أن قوله: ﴿ثَلَاثَةٌ﴾ مرفوع بالابتداء محذوف على تقدير: هم ثلاثة (٢).
فقال صاحب النظم: (﴿رَابِعُهُمْ﴾ ابتداء و ﴿كَلْبُهُمْ﴾ خبره، وهو جملة في موضع الحال لقوله: ﴿ثلاثةٌ﴾ (٣). وتأويله: سيقولون ثلاثة بهذه
(١) "الكشف والبيان" ٣/ ٣٨٩ ب، و"بحر العلوم" ٢/ ٢٩٥، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٦١، و"الكشاف" ٢/ ٣٨٥، و"زاد المسير" ٥/ ١٢٤، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٨٢.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧٧، و"إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٢٧١.
(٣) ذكر نحوه بلا نسبة "البحر المحيط" ٦/ ١١٤، و"الدر المصون" ٧/ ٤٦٦، و"روح المعاني" ١٥/ ٢٤٠.
وقال العكبري في "إملاء ما من به الرحمن" ص ٣٩٦: رابعهم مبتدأ وكلبهم خبره، ولا يعمل اسم الفاعل هنا لأنه ماض والجملة صفة لثلاثة وليس حالاً، إذ لا عامل لها؛ لأن التقدير: هم ثلاثة، وهم لا يعمل ولا يصح أن يقدر هؤلاء لأنها إشارة إلى حاضر ولم يشيروا إلى الحاضر.
وقال آخرون: (﴿رَابِعُهُمْ﴾ وصف لثلاثة، على أن يكون ﴿كَلْبُهُمْ﴾ رفع برابع، كما تقول: عندي غُلامٌ ضاربه زيد، فيرفع ضاربه؛ لأنه وهف لغلام، وترفع زيد بفعله، وهو الضرب) (٢).
قال أبو الفتح: (وهذا الوجه أيضًا غير جائز، من قبل أن رابعهم في هذا الموضع، وإن كان اسم فاعل، فإنه أراد به الماضي، وإذا كان اسم الفاعل ماضيًا في المعنى لم يجز أن يعمل عمل الأفعال، لا رفعًا ولا نصبًا؛ ألا ترى أنك لا تقول: هذا رجل غلام أخوه، فترفع الأخ بفعل، وتجعل الغلام فعلا له؛ لأن اسم الفاعل إذا أريد به الماضي جرى مجرى غلام ورجل وفرس وما لا معنى فعل فيه، فقد بطل إذن أن يرتفع ﴿كَلْبُهُمْ﴾ بما في ﴿رَابِعُهُمْ﴾ من معنى الفعل) (٣). وقد ذكرنا هذا الفصل عند قوله: ﴿وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ﴾ [الكهف: ١٨]، من كلام أبي علي.
وقال بعضهم: (﴿رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ مبتدأ وخبر، والجملة وصف لثلاثة، كما تقول: هؤلاء ثلاثة غُلامهم رابعهم) (٤).
قال أبو الفتح: (وهذا الوجه غير سائغ ولا مختار، وإن كان في غير هذا الموضع جائزًا. والذي منع من إجازته هاهنا وضعفها أن الجملة التي
ونحو هذا قال أبو علي في هذه الآية فقال: (قوله: ﴿رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ و ﴿سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾، جملتان استغني عن حرف العطف فيهما بما تضمنتا من ذكر الجملة الأولى، وهي قوله: ﴿ثلاثةٌ﴾، والتقدير: هم ثلاثة) (٣). وهذا الذي ذكره أبو علي وأبو الفتح في وجه نظم هذه الآية معنى قول أبي إسحاق: (دخول الواو في ﴿وَثَامِنُهُمْ﴾ وإخراجها من الأول واحد) (٤). وعلى ما قالوا قوله: ﴿رَابِعُهُمْ﴾ عطف على خبر الابتداء الذي هو ثلاثة، كما تقول: هو حلو وحامض. و ﴿كَلْبُهُمْ﴾ مرفوع على أنه نعت لقوله: ﴿رَابِعُهُمْ﴾.
(٢) "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٤٤.
(٣) "الحجة للقراء السبعة" ١/ ٢٨.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٢٧.
ومنه قول زهير (٢):
وما هو عنها بالحديث المرجَّم
وذلك أنه رمى الظن إلى ذلك الشيء. قال أبو إسحاق: (أي تقولون ذلك رجما، أي ظنًّا وتخرصًا) (٣). ومعنى قول المفسرين: ظنًّا من غير يقين.
وقوله تعالى: ﴿بِالْغَيْبِ﴾ الباء هاهنا ظرف للرجم، والتأويل: يرجمون القول فيهم بالغيبة عنهم، وتلخيصه: بالمكان الغائب عنهم، كما تقول: هو يحسن القول فيك بالغيب، ويظهر الغيب، والمعنى: أنهم يقولون هذا القول من غير مشاهدة.
وقوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ قال ابن عباس: (حين وقعت الواو وانقطعت العدة) (٤)؛ يريد أنهم سبعة وثامنهم كلبهم، وإلى هذا المعنى أشار أبو إسحاق فقال: (وقد يجوز أن يكون الواو
(٢) هذا عجز بيت لزهير بن أبي سلمى. وصدره:
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم
انظر: "ديوانه" ص ٨١، و"تهذيب اللغة" (رجم) ٢/ ١٣٧٥، و"شرح القصائد العشر" للتبريزي ص١٤٠، و"خزانة الأدب" ٣/ ١٠، و"لسان العرب" (رجم) ٣/ ١٦٠٢، و"همع الهوامع" ٢/ ٩٢، و"الدر المصون" ٧/ ٤٦٧.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧٧.
(٤) "الكشاف" ٢/ ٣٨٥، و"روح المعاني" ١٥/ ٢٤٢.
وروى السدي عن ابن عباس قال: (أرجو أن أكون من القليل، أظن القوم كانوا ثلاثة، يقول واحد منهم: كم لبثتم؟ فقال الثاني: لبثنا يومًا أو بعض يوم، قال الثالث: ربكم أعلم بما لبثتم) (٨).
وقوله تعالى: ﴿فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا﴾ قال السدي: (يقول بما
(٢) من قوله: (يعرفون ملأتني..) إلى هنا ساقط من نسخة (ص).
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ٢٢٦، و"تفسير القرآن" للصنعاني ١/ ٣٣٧، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٦٢، و"الكشاف" ٢/ ٣٨٥، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٩٣.
(٤) "معالم التنزيل" ٥/ ١٦٢، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٨٤، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٩٣.
(٥) "تفسير كتاب الله العزيز" ٢/ ٤٥٦، و"جامع البيان" ١٥/ ٢٢٦، و"النكت والعيون" ٣/ ٢٩٧، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٧٥.
(٦) ذكره الشنقيطي في "أضواء البيان" ٤/ ٧٥ ونسبه لابن جريج.
(٧) "جامع البيان" ٢٢٦/ ١٥، و"الكشف والبيان" ٣٨٩/ ٣، و"الكشاف" ٢/ ٣٨٥.
(٨) "بحر العلوم" ٣٩٥/ ٢، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٧٥، و"معالم التنزيل" ١٦٢/ ٥.
وقال سفيان: (إلا بما قصصنا عليك في القرآن) (٢).
وروي عن ابن عباس، وقتادة، والضحاك في قوله: ﴿إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا﴾ (حسبك ما قصصنا عليك من شأنهم) (٣). وقال ابن زيد: (المراء الظاهر: أن تقول لهم: ليس كما تقولون، ليس كما تعلمون عدتهم) (٤)؛ يعني إنما يعلمهم القليل. ومعنى المراء في اللغة: الجدال، يقال: مَارَى يُماري، مُمارَاة ومِراء، أي: جادل (٥).
قال أبو إسحاق: (أي لا تأت في أمرهم بغير ما أوحي إليك، أي: أفت في قصتهم بالظاهر الذي أنزل عليك) (٦). فعلى ما قالوا المراء الظاهر هو: أن يجادلهم بما أنزل إليه من أنه لا يعلم عددهم إلا القليل، كما قال ابن زيد.
(٢) ذكرت كتب التفسير نحوه بلا نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٥/ ٢٢٧، و"النكت والعيون" ٣/ ٢٣٨، و"زاد المسير" ٥/ ١٢٧، و"لباب التأويل" ٤/ ٢٠٧.
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ٢٢٧، و"تفسير القرآن" للصنعاني ١/ ٣٣٧، و"النكت والعيون" ٣/ ٢٩٨، و"زاد المسير" ٥/ ١٢٧، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٩٣.
(٤) "جامع البيان" ١٥/ ٢٢٧، و"زاد المسير" ٥/ ١٢٧.
(٥) المِرَاء: المماراة والجدل، وأصله في اللغة: الجدال وأن يستخرج الرجل من مناظرة كلامًا ومعاني الخصومة وغيرها. انظر: "تهذيب اللغة" (مرى) ٤/ ٣٣٨٣، و"مقاييس اللغة" (مرى) ٥/ ٣١٤، و"مختار الصحاح" (مرا) (٢٦٠)، و"المصباح المنير" (المرئ) ص ٢١٧.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٢٧٧/ ٣
٢٣ - قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا﴾ ذكرنا قبل هذا سبب نزول هذه الآية (٣). قال المفسرون: (هذا تأديب من الله تعالى لنبيه -عليه السلام-، وأمر له بالاستثناء فيما يعزم بمشيئة الله، إذا قلت لشيء: إني فاعله غدًا، فقل: إن شاء الله) (٤). قال الفراء في قوله: (إِلَّا أَن يَشَاء اللهُ}: إلا أن يريد الله) (٥).
قال أبو إسحاق: (موضع ﴿أَن﴾ نصب، المعنى: لا تقولن إني أفعل إلا بمشيئة الله) (٦). جعل أبو إسحاق ﴿أَن﴾ مع الفعل مصدرًا وأضمر الباء.
وقال الأخفش: (أي: إلا أن يقول: إن شاء الله. فأجزأ من ذلك
(٢) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٨٤.
(٣) عند قوله سبحانه في سورة الإسراء (٨٥) ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ﴾ الآية. وعند قوله سبحانه في سورة الكهف (٩) ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا﴾.
(٤) "جامع البيان" ١٥/ ٢٢٨، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٦٢، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٧٧، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨٨.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٣٨.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧٨.
٢٤ - وقوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ أكثر الناس على أن معناه: إذا نسيت الاستثناء بمشيئة الله تعالى فاذكره، وقله إذا ذكرت.
قال ابن عباس رواية عطاء: (يريد الاستثناء ولو بعد شهر) (٣). يعني أن من قال: أفعل غدًا كذا وكذا، ونسي أن يقول: إن شاء الله، فقد واقع ما نهى الله عنه، فإذا ذكر أنه كان قد نسي الاستثناء فقاله وضع عنه الحرج.
وقال سعيد بن جبير: (إذا قلت لشيء إنك فاعله غدًا، فنسيت أن تقول: إن شاء الله، ثم ذكرت، فقل: إن شاء الله، وإن كان بعد يوم أو شهر أو سنة) (٤).
وقال أبو العالية: (إذا ذكرت فاستثن) (٥).
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٣٨، و"إملاء ما من به الرحمن" ١/ ٣٩٧.
(٣) "زاد المسير" ٥/ ١٢٩، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨٩، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٨٦، و"التفسير الكبير" ١١/ ١١٠.
(٤) "الكشاف" ٢/ ٣٨٦، و"زاد المسير" ٥/ ١٢٨، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٩٤، و"التفسير الكبير" ١١/ ١١٠.
(٥) انظر: "جامع البيان" ١٥/ ٢٢٩، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٧٨، و"زاد المسير" ٥/ ١٢٩، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨٩، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٩٤.
وروى ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ حلف على يمين فقال: إن شاء الله، فهو بالخيار" (٣).
ولا خلاف في هذا بين الناس، وإنما الخلاف فيه إذا انقطع الاستثناء عن اليمين، روى قتادة عن الحسن في الرجل يحلف فيستثني في يمينه قال: (له ثنياه إذا اتصل كلامه، ولم يكن بين ذلك كلام) (٤).
(٢) أخرجه ابن ماجة في "سننه" كتاب: الكفارات، باب: الاستثناء في اليمين ١/ ٦٨٠، النسائي في "سننه" كتاب الأيمان والنذر باب: الاستثناء ٧/ ٢٣، والترمذي في "جامعه" كتاب: النذور والأيمان باب: ما جاء في الاستثناء في اليمين ٤/ ٩١ وقال: حديث حسن. والإمام أحمد في "مسنده" ٢/ ٢٧٥، والدارمي في "سننه" كتاب: النذور والأيمان باب: في الاستثناء في اليمين ٢/ ١٠٦، وابن الأثير في "جامع الأصول" كتاب: الأيمان، باب: في الاستثناء في اليمين ١١/ ٦٦٤.
(٣) أخرج نحوه الترمذي في "جامعه" كتاب: النذور والأيمان، باب: الاستثناء في اليمين ٤/ ٩١، والنسائي في "سننه" كتاب: الكفارات، باب: الاستثناء ٧/ ٢٣، وابن ماجة في "سنة" كتاب: الكفارات، باب: الاستثناء في اليمين ١/ ٦٨٠، والإمام أحمد في "مسنده" ٢/ ٦، ومالك في "الموطأ" كتاب: الأيمان، باب: ما لا تجب فيه الكفارة من اليمين ٢/ ٤٧٧ والدارمى في "سننه"، كتاب. النذور والأيمان باب: في الاستثناء في اليمين ٢/ ١٠٦، والسيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ٣٩٥.
(٤) "المحرر الوجيز" ٩/ ٢٧٨، و"زاد المسير" ٥/ ١٢٩، و"تفسير القرآن العظيم" =
وقال الحسن: (إذا حرك لسانه أجزأ عنه) (٤). ومذهب الشافعي -رحمه الله-: أن الحالف إذا نسي الاستثناء موصولاً بكلامه، فات وقته في الطلاق والعتاق وسائر الأيمان (٥). حتى قال بعض أصحابنا: (إنما ينفعه الاستثناء إذا أنشأ أول يمينه مع نية الاستثناء ثم وصله باليمين، فإن أنشأ اليمين ثم بدا له أن يستثني فوصل الاستثناء لم ينفعه) (٦).
والصحيح: أنه إذا اتصل نفع، ووقع موقعه (٧).
(١) "الكشاف" ٢/ ٣٨٦، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٧٨، و"التفسير الكبير" ١١/ ١١٠، و"روح المعاني" ١٥/ ٢٤٩، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٩٤.
(٢) حماد بن زيد بن درهم الأزدي، تقدمت ترجمته.
(٣) ذكرته كتب الفقه بلا نسبة. انظر: "أحكام القرآن" للجصاص ٥/ ٤١، و"المحلى" ٨/ ٤٠٦، و"بلغة السالك" ١/ ٧٠٠، و"المغني" لابن قدامة ٣/ ٤٨٥، كتاب: "الأيمان والنذور" لأبي فارس ص ٣٧.
(٤) ذكره القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" ٦/ ٢٨٣ بلا نسبة، وابن قدامة في "المغني" ١٣/ ٤٨٥.
(٥) انظر: "الأم" للشافعي ٧/ ٦٥، و"روضة الطالبين" ١١/ ٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ٦/ ٢٧٤.
(٦) انظر: "الأم" للشافعي ٧/ ٦٥، و"روضة الطالبين" ١١/ ٤، و"أحكام القرآن" للجصاص ٥/ ٤١، و"الجامع لأحكام القرآن" ٦/ ٢٨٣، و"المغني" لابن قدامة ١٣/ ٤٨٤.
(٧) وهذا ما عليه جمهور العلماء. قال الإمام الطبري -رحمه الله- في "تفسيره" ١٥/ ٢٢٩: فأما الكفارة فلا تسقط عنه بحال إلا أن يكون استثناؤه موصولاً بيمينه، وقال الشنقيطي في "أضواء البيان" ٤/ ٧٩: والتحقيق الذي لا شك فيه أن =
ولو كان يخرج بقوله: إن شاء الله عن الحنث، لقال: وليقل: إن شاء الله، وأيضًا فإن الإنسان إذا حلف من غير نية [فقد تمت يمينه واستقرت،
(١) ذكرت نحوه كتب التفسير. انظر: "جامع البيان" ١٥/ ٢٢٩، و"الكشف والبيان" ٣/ ٣٨٩ أ، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٧٨، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٦٢، و"زاد المسير" ٥/ ١٢٩، و"ابن كثير" ٣/ ٨٩.
(٢) أخرجه البخاري كتاب: الأيمان والنذور، باب: قول الله تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٥] ٨/ ٢٢٩، ومسلم، كتاب: الأيمان، باب: ندب من حلف يمينًا فرأى غيرها خيرًا منها ٣/ ١٢٦٨، والنسائي كتاب: الأيمان والنذور، باب: الكفارة قبل الحنث ٧/ ٩، وابن ماجة كتاب: الكفارات، باب: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها ١/ ٦٨١ ومالك في "الموطأ" كتاب: الأيمان، باب: ما جاء فيه الكفارة من الأيمان ٢/ ٤٧٨.
قال عكرمة: (﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ قال: إذا غضبت) (٢)
ومعناه أنه إنما يغضب لما يطرأ عليه من نسيان ذكر الله، فأمر بذكر الله ليزول غضبه. وروي عن السدي والضحاك أنهما قالا: (هذا فيمن نسي صلاة فعليه أن يصليها إذا ذكرها) (٣).
وقال المبرد: (إن ابن عباس أعلم من أن يسقط حكم الحنث بالاستثناء الذي لا يصله الحالف بيمينه، ولعله قال هذا في الاستثناء من غير يمين كما قال المفسرون، قال: إذا نسي أن يقول: إن شاء الله، ثم ذكر فليقله. فظن بعض الناس أنه يقول ذلك في اليمين، فروي عنه ذلك في اليمين) (٤).
قوله تعالى: ﴿وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ﴾ إلى آخرها، قال أبو إسحاق:
(٢) "جامع البيان" ١٥/ ٢٢٩، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٦٣، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٧٨، و"زاد المسير" ٥/ ١٢٩، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٩٥.
(٣) "معالم التنزيل" ٥/ ١٦٣، و"الكشاف" ٢/ ٣٨٧، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٨٦.
(٤) انظر: "جامع البيان" ١٥/ ٢٢٩. وقال الشنقيطي في "أضواء البيان" ٧٩/ ٤: والتحقيق الذي لا شك فيه أن الاستثناء لا يصح، إلا مقترنًا بالمستثى منه وأن المستثناء المتأخر لا أثر له ولا تحل به اليمين، ولو كان الاستثناء المتأخر يصح لما علم في الدنيا أن تقرر عقد ولا يمين ولا غير ذلك لاحتمال طرو الاستثناء بعد ذلك، وهذا في غاية البطلان كما تري.
قال المفسرون: (إن الله -عز وجل- فعل به ذلك حيث آتاه من علم غيوب المرسلين، وخبرهم ما كان أوضح في الحجة وأقرب إلى الرشد من خبر أصحاب الكهف) (٢).
وقال بعضهم: (هذا نبأ أمر أن يقوله مع الاستثناء إذا ذكر، وهو كفارة نسيان الاستثناء أن يقول: ﴿عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ﴾ إلى آخرها) (٣). والمعنى: عسى أن يهدين حتى لا أنسى الاستثناء بمشيئته، وهو أقرب رشدًا من أن ينسى ذلك.
وقال بعضهم: (هذا فيما ينساه النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر أن يذكر الله تعالى فسأله أو يذكره ما نسي، أو يهديه لما هو خير له من ذكر ما نسيه) (٤).
٢٥ - قوله تعالى: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ﴾ الآية، اختلفوا في معنى هذه الآية على قولين أحدهما: أن هذا إخبار عن أهل الكتاب أنهم قالوا ذلك (٥). وهذا قول ابن عباس في رواية الضحاك قال: (إن الرجل ليفسر الآية يرى أنها كذلك فيهوي أبعد مما بين السماء والأرض ثم تلا: {وَلَبِثُوا
(٢) "معالم التنزيل" ٥/ ١٦٣، و"الكشاف" ٢/ ٣٨٧، و"زاد المسير" ٥/ ١٢٩ و"التفسير الكبير" ١١/ ١١١.
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ٢٣٠، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٦٤، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٨١، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٩٥.
(٤) "معالم التنزيل" ٥/ ١٦٤، و"الكشاف" ٢/ ٣٨٧.
(٥) "تفسير كتاب الله العزيز" ٢/ ٤٥٨، و"جامع البيان" ١٥/ ٢٣٠، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٦، و"النكت والعيون" ٣/ ٣٠٠.
وقال قتادة: (هذا قول أهل الكتاب، فرد الله عليهم بقوله: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ قال: ويدل على صحة هذا قراءة ابن مسعود: قالوا لبثوا في كهفهم) (٢). ونحو هذا قال مطر الورّاق (٣) (٤).
القول الثاني: أن هذه الآية إخبار عن الله تعالى، أخبر عن قدر لبثهم في الكهف من يوم دخلوا إلى أن بعثهم الله وأطلع عليهم الخلق (٥)؛ وهذا قول مجاهد قال في هذه الآية: (هو عدد ما لبثوا) (٦)، ونحوه قال عبد الله بن عبيد بن عمير (٧)،
(٢) "جامع البيان" ١٥/ ٢٣٠، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٦٤، و"النكت والعيون" ٣/ ٣٠٠، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٨٢، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٩٥.
(٣) مطر بن طهمان الوراق، أبو رجاء الخراساني السلمي، مولى علي، من أهل البصرة، روى عن: أنس، وعكرمة، والحسن، وقتادة، وروى عنه: إبراهيم بن طهمان، ومعمر بن هشام، وشعبة، وغيرهم كثير، وكان من أكبر أصحاب قتادة، وثقه بعض العلماء، توفي سنة ١٢٥ هـ، وقيل غير ذلك. انظر: "الجرح والتعديل" ٨/ ٢٨٧، و"الكاشف" ٣/ ١٤٩، و"ميزان الاعتدال" ٤/ ١٢٦، و"تهذيب التهذيب" ١٠/ ١٥٢.
(٤) "جامع البيان" ١٥/ ٢٣١، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٨٢.
(٥) "جامع البيان" ١٥/ ٢٣١، و"عالم التنزيل" ٥/ ١٦٤، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨٩، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٨٦.
(٦) "جامع البيان" ١٥/ ٢٣١، و"الكشف والبيان" ٣/ ٣٨٩ أ.
(٧) عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي، المكي، أبو هاشم، إمام تابعي مشهور، عرف بالصلاح والتقوى، وثقة العلماء، وروى لي الأربعة، ومسلم في "صحيحه"، =
واختاره الزجاج وقال: (هو الأجود عندي) (٢)، وهو اختيار ابن قتيبة (٣). وعلى هذا القول معنى قوله: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ ما قاله القتبي: (وهو أنهم اختلفوا في لبثهم فقال الله: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ﴾ الآية، ثم قال: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ أي. وأنا أعلم بما لبثوا من المختلفين) (٤). وهذا معنى قول الزجاج، والكلبي: (قالت نصارى نجران: أما الثلاثمائة فقد عرفناها، وأما التسع فلا علم لنا بها، فنزلت: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ (٥).
وقال كثير من أهل التفسير: (معنى قوله: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ أن أهل الكتاب قالوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أن الفتية من لدن دخلوا الكهف إلى يومنا هذا ثلاثمائة وتسع سنين، فرد الله -عز وجل- عليهم وقال: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ بعد أن قبض أرواحهم المرة الثانية إلى يومنا هذا لا يعلم ذلك غير الله تعالى) (٦).
(١) "جامع البيان" ١٥/ ٢٣١، و"زاد المسير" ٥/ ١٣٠.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧٨.
(٣) "تفسير غريب القرآن" لابن قتية ١/ ٢٦٦.
(٤) "تفسير غريب القرآن" لابن قتية ١/ ٢٦٧.
(٥) "معالم التنزيل" ٥/ ١٦٥، و"زاد المسير" ٥/ ٩٢، و"معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧٩.
(٦) "جامع البيان" ١٥/ ٢٣١، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٦٥، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٨، و"زاد المسير" ٥/ ١٣٠.
(٢) ذكرت كتب التفسير نحوه. انظر: "جامع البيان" ١٥/ ٢٣١، و"الكشف والبيان" ٣/ ٣٨٩ أ، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٦٥، و"زاد المسير" ٥/ ١٣٠، و"لباب النقول في أسباب النزول" ١٤٤، و"جامع النقول في أسباب النزول" ٢/ ٢٠٩.
(٣) "الكشف والبيان" ٣/ ٣٨٩ أ.
(٤) ذكر نحوه بلا نسبة "المكتفى في الوقت والابتداء" ٣٦٨.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٣٨، و"إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٢٧٢، و"معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧٨.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧٨.
فيها اثنتان وأربعون حلوبةً | سودًا كخافية الغراب الأسحم |
وقال أبو إسحاق: (وجائز أن يكون ﴿سِنِينَ﴾ من نعت المائة، وهو راجع في المعنى إلى ثلاث، كما قال الشاعر، وأنشد البيت)] (٤) (٥). فجعل سودا نعتا للحلوبة، وهي في المعنى نعت لجملة العدد. وهذا القول أحسن من قول الفراء؛ لأنه جعل سودًا تفسيرًا للعدد، وليس كذلك تفسير العدد حلوبة، وسودًا نعت للحلوبة راجع إلى جملة العدد، كذلك قوله: ﴿سِنِينَ﴾ نعت المائة راجع إلى جملة العدد، وعلى هذا يكون ﴿سِنِينَ﴾ في محل الجر، غير أنه يفتح النعت بالسنين؛ لأنها اسم جامد فلا يحسن النعت بها.
(٢) البيت لعنترة. كَخَافِية الغُرَاب: أواخر الريش من الجناح مما يلي الظهر، وسميت بذلك لخفائها.
والأسْحم: الأسود. والشاهد فيه قوله: (سودا) وهو حال من النكرة (حلوبة) في بعض التخريجات، وفيه دليل على مجيء صاحب الحال نكرة واستشهد به أبو حيان على نعت التمييز المفرد بالجمع مراعاة للمعنى. انظر: "ديوانه" ص ١٣، و"الحيوان" ٣/ ٤٢٥، و"خزانة الأدب" ٧/ ٣٩٠، و"شرح شذور الذهب" ص ٣١١، و"شرح القصائد السبع" لابن الأنباري ٣٠٥، و"شرح القصائد العشر" ٢١٧، و"المقاصد النحوية" ٤/ ٤٨٧.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٣٨.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧٨.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل ومثبت في بقية النسخ.
قال أبو الحسن: (لا يحسن إضافة المائة إلى السنين، لا تكاد العرب تقول: مائة سنين) (٣).
وقال صاحب النظم: (من أضاف وأظهر العدد اعتسف) (٤). إلا أن أبا الحسن قال: (هو جائز، وقد يقوله بعض العرب) (٥).
(٢) قول المؤلف -غفر الله له- هذه قراءة غير جيدة. غير جيد؛ لأنها قراءة سبعية صحيحة ثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا يجوز الطعن فيها.
قال ابن عطية في "تفسيره" ٩/ ٢٨٥: وهي قراءتنا معشر المغاربة ولا يقوم فيها مخالفة قانون النحاة المشار إليه بقول الخلاصة: ومائة والألف للفرد أضف. لأن القرآن برواية أهل السبع عن رسول -صلى الله عليه وسلم- حجة على النحاة لا العكس، لا سيما وأبو علي الفارسي يرى أن قاعدة إضافة المائة إلى الفرد، أغلبية لا كلية مطردة، وبهذا يرد على من أنكر هذه القراءة.
وقال أبو حيان في "البحر المحيط" ٦/ ١١٧: وقرأ حمزة والكسائي مائة بغير تنوين مضافًا إلى سنين أوقع الجمع موقع المفرد، وأنحى أبو حاتم على هذه القراءة ولا يجوز له ذلك.
(٣) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٣٧، و"مجمع البيان" ٣/ ٧١٦.
(٤) ذكر نحوه الفارسي في "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٣٧ بلا نسبة.
(٥) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٣٧.
وقوله تعالى: ﴿وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾ قال أبو إسحاق: (لا يكون على معنى تسع ليال، ولا تسع ساعات؛ لأن العدد يعرف تفسيره، فإذا تقدم تفسيره استغنى بما تقدم عن إعادة ذكر التفسير، تقول: عندي مائة درهم وخمسة، فتكون الخمسة قد دل عليها ذكر الدراهم) (٣).
وقال أبو علي: (﴿وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾ أي: ازدادوا لُبث تسع، فحذف المصدر وأقيم المضاف إليه مقامه، وانتصاب تسع انتصاب المفعول به لا انتصاب الظرف، كما أن المضاف لو ظهر وأضيف إلى التسع كان كذلك) (٤).
٢٦ - قوله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ ذكرنا تفسيره في الآية المتقدمة.
وقوله تعالى: ﴿لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ذكرنا تفسيره في آخر سورة هود (٥).
﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ قال الأخفش: (أي ما أبصره وأسمعه! كما تقول: أكرم به! أي ما أكرمه! قال: ويدلك على ذلك أن العرب تقول: يا
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٣٨.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧٩.
(٤) "الحجة للقراء السبعة" ١/ ٣٢٣.
(٥) عند قوله سبحانه في سورة هود الآية رقم (١٢٣): ﴿ولله غيب السموات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون﴾.
وقال الفراء: (﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ يريد الله، كقولك: أكرم بعبد الله! ومعناه: ما أكرم عبد الله! وكذلك قوله: ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ﴾ [مريم: ٣٨] ما أسمعهم وما أبصرهم!) (٢).
وقال أبو إسحاق: قوله: (﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ أجمع العلماء أن معناه: ما أسمعه وأبصره! أي: هو عالم بقصة أصحاب الكهف وغيرهم) (٣).
وقال أبو علي: (العرب تتسع فتقيم المثال الذي يختص بالأمر مقام الخبر، والمثل المختص بالخبر موقع الدعاء والأمر مما أقيم من أمثلة الأمر موقع الخبر قولهم: أكرم يزيد! وقوله تعالى: ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ﴾ [مريم: ٣٨]، ومعنى هذا ما أكرم زيدًا، واسمعوا وأبصروا، أي: صار زيد ذا كرم، وصار هؤلاء ذوي أسماع وأبصار. قال: وموضع الباء مع ما بعده من المنجر رفع، كما أن الباء في: ﴿كَفَى بِاللَّهِ﴾ [العنكبوت: ٥٢] كذلك فوقع مثال الأمر هاهنا موقع الخبر، كما وقع مثال الخبر موقع الأمر في الدعاء في مثل: غفر الله لزيد، وقطع الله يد فلان، وجاء في التنزيل: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا﴾ [مريم: ٧٥] فهذا لفظه كلفظ أمثلة الأمر، ومعناه الخبر، ألا ترى أنه لا وجه للأمر هاهنا وأن المعنى مده الرحمن مدا، ويدلك على أن المراد بقوله: أكرم يزيد! أن معناه أنه قد
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٣٩.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٨٠.
هذا الذي ذكره أبو علي أصل هذا الكلام، وشرح وضعه، ثم صار من ألفاظ التعجب حتى لا فصل بين قولك: ما أحسن زيدًا! وقولك: أحسن بزيد، وإذا كان كذلك فقدله تعالى: ﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ قال المفسرون: (ما أبصر الله بكل موجود، وأسمعه بكل مسموع) (٢).
وقال ابن زيد: (معناه أنه يرى أعمال أهل السموات والأرض، ويسمع منهم) (٣). هذا الذي ذكرنا إجماع من أهل العلم أن قوله: ﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ معناه ما أبصره وأسمعه!.
وروى عطاء عن ابن عباس أنه قال: (معناه أبصر أوليائي بعجائب القرآن، وأسمع به أوليائي) (٤). وعلى هذا ﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ المراد به
(٢) "جامع البيان" ١٥/ ٢٣٢، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٦٥، و"النكت والعيون" ٣/ ٣٠٠.
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ٢٣٢، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨٩.
(٤) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "زاد المسير" ٥/ ١٣١، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٨٨، و"روح المعاني" ١٥/ ١٥٥.
وقوله تعالى: ﴿مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ﴾ قال المفسرون: (أي ليس لأهل السموات والأرض من دون الله) (٢). والكناية تعود إلى أهل السموات والأرض، وقد سبق ذكرهم في قوله: ﴿غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، وهم من غيبها، أي: مما غابوا فيها. وقال عطاء عن ابن عباس: (﴿مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ﴾ يريد قد عرفوا عظمتي وربوبيتي فلم يتخذوا من دوني وليًّا) (٣). وعلى هذا الكناية في قوله تعود إلى المؤمنين خاصة من أهل السموات والأرض (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا﴾ قال أبو إسحاق: (هذا على معنيين أحدهما: أنه جرى ذكر علمه وقدرته، فأعلم أنه لا يشرك في حكمه بما يخبر به من الغيب أحدًا كما قال: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا﴾ [الجن: ٢٦]. ويكون على معنى: أنه لا يجوز أن يحكم حاكم
(٢) "جامع البيان" ١٥/ ٢٣٢، و"معالم التنزيل" ٥٣/ ١٦٥، و"الكشاف" ٢/ ٣٨٧، و"زاد المسير" ٥/ ١٣١.
(٣) ذكره الطبري في "جامع البيان" ١٥/ ٢٣٢ بدون نسبة.
(٤) "البحر المحيط" ٦/ ١١٧، و"روح المعاني" ١٥/ ٢٥٦.
٢٧ - قوله تعالى: ﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ﴾ قال المفسرون: (معناه: أَتبع القرآن) (٤).
وقوله تعالى: ﴿لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ﴾ قال ابن عباس: (يريد لمواعيده) (٥).
وإلي هذا أشار الزجاج فقال: (أي ما أخبر الله به، وما أخبر به فلا مبدل له) (٦). وعلى هذا المعنى: لا مبدل لحكم كلماته مما وعد به وأمر،
(٢) قرأ ابن عامر الشامي: (ولا تشرك) بالتاء جزمًا. وقرأ نافع، وأبو عمرو، وابن كثير، وحمزة، وعاصم، والكسائي: (ولا يشرك) بالياء والرفع. انظر: "السبعة" (٣٩٠)، و"الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٤١، و"الغاية في القراءات العشر" (٣٠٦)، و"العنوان في القراءات السبع" ص ١٢٢، و"النشر في القراءات العشر" ٢/ ٣١٠.
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ٢٣٣، و"النكت والعيون" ٣/ ٣٠٠، و"زاد المسير" ٥/ ١٣١.
(٤) "جامع البيان" ١٥/ ٢٣٣، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٦٥، و"المحرر الوجيز" ١٠/ ٣٩٢، و"زاد المسير" ٥/ ٩٣.
(٥) "معالم التنزيل" ٥/ ١٦٥، و"روح المعاني" ١٥/ ٢٥٧.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٨٠. ويشهد لهذا قوله سبحانه في سورة الأنعام: =
وقوله تعالى: ﴿وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ قال مجاهد: (ملجأ) (٢) وقال الفراء: (الملتحد: الملجأ) (٣). وقال أبو عبيدة: (معدلا) (٤).
وقال الزجاج: (أي لن تجد معدلا عن أمره ونهيه) (٥). وأصل هذا الحرف: من الميل، ومن قال: ملجأ، فهو يؤول إلى هذا المعنى أيضًا؛ لأنك إذا لجأت إلى شيء فليس يكون إلا بالميل منك إليه، وذكرنا هذا الحرف عند قوله: ﴿لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ﴾ [النحل: ١٠٣].
وقال ابن زيد في هذه الآية: (لا تجدون من دونه ملجأ ولا أحدا يمنعكم) (٦).
٢٨ - قوله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ مفسرا بما فيه من النزول، واختلاف القراءة في سورة الأنعام (٧).
(١) "الكشف والبيان" ٣/ ٣٨٩/ ب، و"معالم التنزيل" ٣/ ١٥٨.
(٢) "جامع البيان" ١٥/ ٢٣٣، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٦٦، و"النكت والعيون" ٣/ ٣٠١، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٩٠.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٣٩٨.
(٤) "مجاز القرآن" ١/ ٣٩٨.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٨٠.
(٦) "جامع البيان" ١٥/ ١٥٤.
(٧) عند قوله سبحانه في سورة الأنعام: ٥٢: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾.
وقال الفراء: (لا تصرف عيناك عنهم) (٣).
وقال الزجاج: (لا تصرف بصرك إلى غيرهم من ذوي الهيئات والزينة) (٤). والنهي في الظاهر واقع على العينين، والمراد منه صاحب العينين، وهو النبي -صلى الله عليه وسلم-.
قوله تعالى: ﴿تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ قال المفسرون: (يعني مجالسة أهل الشرف والغنى) (٥).
وقال أهل المعاني: (قوله: ﴿تُرِيدُ﴾ هاهنا في موضع الحال) (٦)، أي: مريدًا، نهي أن يرفع بصره عن ضعفاء المؤمنين مريدًا مجالسة الأشراف. وكان -صلى الله عليه وسلم- حريصًا على إيمان الرؤساء طمعًا في إيمان أتباعهم، ولم ينسب إلى إرادة زينة الحياة الدنيا؛ لأنه لم يمل إلى الدنيا قط ولا إلى أهلها، وإنما كان يلين في بعض الأحيان للرؤساء طمعًا في إيمانهم،
(٢) ذكرت نحوه كتب التفسير بلا نسبة انظر: "جامع البيان" ١٥/ ٢٣٤، و"بحر العلوم" ٢/ ٢٩٧، و"النكت والعيون" ٣/ ٣٠٢، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٩٣، و"زاد المسير" ٥/ ١٣٢.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٤٠.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٨١.
(٥) "جامع البيان" ١٥/ ٢٣٥، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٦٦، و"النكت والعيون" ٣/ ٣٠٢، و"زاد المسير" ٥/ ١٣٣.
(٦) "الكشاف" ٢/ ٣٨٨، و"البحر المحيط" ٦/ ١١٩، و"الدر المصون" ٧/ ٤٧٤.
وقوله تعالى: ﴿لَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا﴾ قال ابن عباس: (يريد عيينة وأباهه) (١)، أي: لا تطعهم في تنحية الفقراء عنك ليجلسوا إليك.
وسئل أبو العباس عن قوله: ﴿لَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا﴾ فقال: (من جعلناه غافلاً. قال: ويكون في الكلام أغفلته سميته غافلاً، ووجدته غافلاً) (٢)، وتأويل ﴿أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا﴾ تركناه غُفْلا عن الذكر، كالأرض الغُفْل التي لا علامة بها، والكتاب الغُفْل الذي لا شكل عليه.
وقوله تعالى: ﴿وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ قال مجاهد: (ضياعا) (٣). وقال قتادة: (ضاع أكبر الضيعة) (٤). وقال السدي: (هلاكا) (٥).
وقال أبو الهيثم: (أمر فرط، أي: متهاون به) (٦). وشبه أن يكون أصل هذا من التفريط، وهو تقديم العجز، وهذا بمعنى قول أبي إسحاق (٧). ومن قدم العجز في أمره أضاعه وأهلكه، ومعنى هذا أنه ترك الإيمان
(٢) "تهذيب اللغة" (غفل) ٣/ ٢٦٨١.
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ٢٣٦، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٦٧، و"زاد المسير" ٥/ ١٣٣، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٩٩.
(٤) "معالم التنزيل" ٥/ ١٦٧.
(٥) "جامع البيان" ١٥/ ٢٣٦، و"بحر العلوم" ٢/ ٢٩٧.
(٦) "تهذيب اللغة" (فرط) ٣/ ٢٧٧٣.
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٨١.
الليث: (الفَرَطُ: الأمر الذي يُفَرَّط فيه، تقول: كل أمر فلان فَرَط) (١)، ونحو هذا قال الفراء: (فُرُطا: متروكًا قد ترك فيه الطاعة) (٢).
وقال ابن عباس في رواية عطاء: (يريد أنه أفرط في مسألته، وأحب أن يرتفع عند الله بغير تقوى) (٣)، يعني حين أراد مجالسة النبي -صلى الله عليه وسلم- والقرب منه، والتقدم على أهل الإيمان من غير طاعة وتقى. وعلى هذا الفَرَط اسم من الإفراط وهو مجاوزة الحد، ونحو هذا روي عن مقاتل أنه قال في قوله: ﴿فُرُطًا﴾ قال: (سرفا) (٤). فيحتمل أنه يريد بالمسرف ما ذكرنا عن ابن عباس، ويحتمل أن يريد ما ذكره الكلبي والفراء.
قال الكلبي: (قال عيينة: إنا رؤوس مضر (٥) وأشرافها، فإن نسلم يسلم الناس بعدنا) (٦).
وقال الفراء: (إنه أفرط في القول فقال: نحن رؤوس مضر وأشرافها،
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٤٠.
(٣) ذكر نحوه بلا نسبة الألوسي في "روح المعاني" ١٥/ ٢٦٥.
(٤) "معالم التنزيل" ١٥/ ١٦٧، و"النكت والعيون" ٣/ ٣٠٢، و"البحر المحيط" ٦/ ١٢٠، و"روح المعاني" ١٥/ ٢٦٥.
(٥) مضر: نسبة إلى مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وهو جد جاهلي تنتسب إليه كثير من القبائك العدنانية، وهو أخو ربيعة بن نزار. انظر: "سير ابن هشام" ١/ ٧٣، و"الأنساب" ٥/ ٣١٨، و"الإيناس بعلم الإنساب" ص ٢٩، و"المنتخب في ذكر أنساب قبائل العرب" ص ٤٠٣.
(٦) ذكر نحوه البغوي في "معالم التنزيل" ٥/ ١٦٧، و"زاد المسير" ٥/ ١٣٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٩٢.
ومنه قوله تعالى: ﴿إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا﴾ [طه: ٤٥]، ومنه يقال: فرس فُرُط، أي: سريعة، قال لبيد (٤):
فُرُط وشاحي إذ غدوتُ لجامها
٢٩ - قوله تعالى: ﴿وقُلِ﴾ قال عطاء عن ابن عباس: (وقيل يا محمد
(٢) ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" بلا نسبة (فرط) ٣/ ٢٧٧٣، و"لسان العرب" (فرط) ٦/ ٣٣٩١.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" (فرط) ٣/ ٢٧٧٣، و"مقاييس اللغة" (فرط) ٤/ ٤٩٠، و"القاموس المحيط" (فرط) ص (٦٨١)، و"لسان العرب" ٦/ ٣٣٩١، و"الصحاح" (فرط) ٣/ ١١٤٨. وقال الطبري -رحمه الله- في "تفسيره" ١٥/ ٢٣٦: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال معناه ضياعًا وهلاكًا من قولهم: أفرط فلان في هذا الأمر إفراطًا، إذا أسرف فيه وتجاوز قدره. وكذلك قوله ﴿وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: ٢٨]، معناه وكان أمر هذا الذي أغفلنا قلبه عن ذكرنا في الرياء والكبر واحتقار أهل الإيمان سرفًا قد تجاوز حده فضيع بذلك الحق وهلك.
(٤) هذا عجز بيت لبيد، وصدره:
ولقد حميتُ الخيل تحمل سكَّتى
والفرَطُ: الفرس السريعة التي تتفرط الخيل أي تتقدمها. وشاحي، لجامها: أن الفرسان كان أحدهم يتوشح اللجام، وتوشحه إياه أن يلقيه على عاتقه ويخرج يده منه. انظر: "ديوانه" ٣١٥، و"تهذيب اللغة" (فرط) ٣/ ٢٧٧٣، و"لسان العرب" (فرط) ٦/ ٣٣٩١، و"شرح القصائد العشر" للتبريزي ١٩٥.
وقوله تعالى: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ قال الكسائي: (يعني هو الحق من ربكم، وهو الإسلام) (٢).
وقال الأخفش: (أي قل: هو الحق) (٣).
قال أبو إسحاق: (أي الذي أتيتكم به الحق من ربكم) (٤). وهذا معنى قول قتادة: (﴿الْحَقُّ﴾ هذا القرآن) (٥).
وقوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ قال السدي: (هذا على وجه الوعيد) (٦). وقال قتادة: (إن ربكم بين ثم خير) (٧)؛ يعني التخيير
(٢) ذكره الألوسي في "روح المعاني" ١٥/ ٢٦٦ ونسبه للكرماني.
(٣) "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٦١٨.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٨١.
(٥) ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٣٨٩ ب بلا نسبة، والسمرقندي في "بحر العلوم" ٢/ ٢٩٧، والسيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ٣٩٩ وعزاه لابن أبي حاتم.
(٦) ذكره القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٢٥ بدون نسبة.
(٧) لم أقف على القول. وقال الشنقيطي -رحمه الله- عند هذه الآية ٤/ ٩٢: المراد من الآية الكريمة ليس هو التخيير وإنما المراد بها التهديد والتخويف، والتهديد بمثل هذه الصيغة التي ظاهرها التخيير أسلوب من أساليب اللغة العربية، والدليل من القرآن العظيم على أن المراد في الآية التهديد والتخويف أنه أتبع ذلك بقوله: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ [الكهف: ٢٩] الآية، وهذا أصرح دليل على أن المراد التهديد والتخويف، إذ لو كان التخيير على بابه لما توعد فاعل أحد الطرفين المخير بينهما بهذا العذاب الأليم، وهذا أوضح كما ترى. وقال ابن =
وروى الوالبي عن ابن عباس والضحاك في هذه الآية يقول: (من يشاء الله له الإيمان آمن، ومن شاء الله له الكفر كفر) (٣). وهو كقوله: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [التكوير: ٢٩]، فعلى هذا القول قوله: ﴿فَمَن شَآءَ﴾، أي: من شاء الله، فالمشيئة مسندة إلى الله.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا﴾ أي: هيأنا وأعددنا. ومضى الكلام في معنى الإعتاد (٤). ﴿لِلظَّالِمِينَ﴾ الذين عبدوا غير الله تعالى (٥).
﴿نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ معنى السرادق في اللغة: كل ما أحاط
(١) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٨١.
(٢) "جامع البيان" ١٥/ ٢٣٧، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٦٧، و "المحرر الوجيز" ٩/ ٢٩٤.
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ٢٣٨، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٦٧، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٩٩.
(٤) عند قوله سبحانه في سورة النساء: ١٨: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾.
(٥) ويشهد لهذا قوله تعالى في سورة لقمان (١٣): ﴿يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾.
قال الليث: (السرادق: كالحجرة المحوطة من غزل غليظ منسوج مضرب الأسفار للملوك، والجمع: سرادقات) (١).
قال رؤبة (٢):
سرادق المجد عليك ممدود
قال الأزهري: (ويقال للغبار الساطع، والدخان الشاخص المحيط بالشيء: سرادق) (٣).
قال لبيد يذكر الإبل (٤):
رفعن سرادقًا في يوم ريح | يصفق بين ميل واعتدال |
(٢) هذا عجز بيت لرؤبة، وصدره:
يا حكم بن المنذر بن الجارود
انظر: "ديوانه" ص ١٧٢، و"الكتاب" ١/ ٣١٣، و"المفصل" ٢/ ٥، و"الدر المصون" ٧/ ٤٧٨، و"لسان العرب" (سردق) ٤/ ١٩٨٨.
(٣) "تهذيب اللغة" (سردق) ٢/ ١٦٦٩.
(٤) البيت للبيد بن ربيعة العامري. السرادق هنا: الغبار الساطع، والدخان الشاخص المحيط بالشيء. انظر: "ديوانه" ص ١٠٨، و"تهذيب اللغة" (سردق) ٢/ ١٦٦٩ - ١٦٧٠، و"المخصص" ١٠/ ٦٦، و"لسان العرب" (سردق) ٤/ ١٩٨٩.
(٥) السرادق هو: كل ما أحاط بشيء نحو الشقة في المضرب، أو الحائط المشتمل على الشيء.
انظر: "تهذيب اللغة" (سردق) ٢/ ١٦٦٩، و"الصحاح" (سردق) ٤/ ١٤٩٦، و"القاموس المحيط" (السرادق) ص ٨٩٣.
وقال الكلبي: (هو دخان يحيط بالكفار يوم القيامة) (٢). وبهذا فسِّر قوله تعالى: ﴿وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ﴾ [الواقعة: ٤٣]، وقوله: ﴿انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ﴾ [المرسلات: ٣٠] الآية؛ وهذا اختيار أبي عبيدة، وابن قتيبة (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا﴾ قال المفسرون: أي مما هم فيه من العذاب وشدة العطش.
﴿يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ﴾ قال أبو عبيد: (المهل: كل فِلِزٍّ (٤) أذيب) (٥).
وروي في حديث أبي بكر -رضي الله عنه- أنه أوصى في موضعه فقال "ادفنوني
(٢) "جامع البيان" ١٥/ ٢٣٩، و"تفسير القرآن" للصنعاني ١/ ٣٣٨، و"زاد المسير" ٥/ ١٣٤.
(٣) "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ١/ ٢٦٧، و"مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٣٩٨.
(٤) الفِلِزّ بكسر الفاء واللام وتشديد الزاي: نحاس أبيض تجعل منه القدور المفرغة، أو خبت الحديد، أو الحجارة، أو جواهر الأرض كلها، أو ما ينفيه الكير من كل ما يذاب منها. انظر: "تهذيب اللغة" (فلز) ٣/ ٢٨٢٨، و"مقاييس اللغة" (فلز) ٤/ ٤٥١، و"القاموس المحيط" (الفلز) ص (٥٢٠)، و"لسان العرب" (فلز) ٦/ ٣٤٦٠.
(٥) "غريب الحديث" لأبي عبيد ٣/ ٢١٧، و"تهذيب اللغة" (مهل) ٤/ ٣٤٦٤.
قال أبو عبيدة: (المهل في هذا الحديث: الصديد والقيح) (٢).
وقال أبو عمرو: (المهل في شيئين: هو في حديث أبي بكر: القيح والصديد، وفي غيره: دردي الزيت) (٣).
وقال اليث: (المهل: ضرب من القطران، يقال: مَهَلْتُ البعير فهو مَمْهُول) (٤).
وروى شمر عن ابن شميل: (المهل عندهم الملَّة إذا حميت جدًّا رأيتها تموج) (٥).
وقالت العامرية: (المهل عندنا السُّمّ) (٦). هذا معنى المهل في اللغة، وهو على ستة معان. روى أبو سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: "بماء كالمهل" قال: "كعكر الزيت" (٧).
(٢) "تهذيب اللغة" (مهل) ٤/ ٣٤٦٤.
(٣) "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٩٥، و"تهذيب اللغة" (مهل) ٤/ ٣٤٦٤.
(٤) "تهذيب اللغة" (مهل) ٤/ ٣٤٦٥.
(٥) "تهذيب اللغة" (مهل) ٤/ ٣٤٦٥.
(٦) "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٩٤ بلا نسبة، و"أضواء البيان" ٤/ ٩٥، و"تهذيب اللغة" مهل ٤/ ٣٤٦٥.
(٧) أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" ١/ ٢٢٢، والترمذي في "جامعه" كتاب: جهنم، باب: في صفة شراب أهل النار ٤/ ٦٠٨ قال: هذا حديث إنما نعرفة من حديث رشدين بن سعد، وفي رشدين مقال، وقد تكلم فيه من قبل حفظه. وأخرجه ابن حبان في "صحيحه"، باب: صفة النار وأهلها ٩/ ٢٧٩، والطبري في "جامع =
وقال عطاء عن ابن عباس: (هو عكر القطران) (٤).
وروى قتادة والحسن عن ابن مسعود: (أنه سئل عن المهل، فدعا بذهب وفضة فخلطهما، فأذيبا حتى إذا أزبدا وانماعا قال: هذا أشبه شيء في الدنيا بالمهل الذي هو شراب أهل النار) (٥). وإلى هذا القول ذهب من قال في تفسير المهل: هو الذي قد انتهى حره؛ لأنه لا شيء أشد حرارة من هذه الجواهر إذا أذيبت. وهذا القول هو اختيار الزجاج فقال: (يعني أنهم
(١) "جامع البيان" ١٥/ ١٥٨، و"بحر العلوم" ٣/ ٢٩٧، و"معالم التنزيل" ٣/ ١٦٠، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨٤، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٩٤.
(٢) "النكت والعيون" ٣/ ٣٠٣، و"زاد المسير" ٥/ ٩٥.
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ١٥٨، و"معالم التنزيل" ٣/ ١٦٠، و"النكت والعيون" ٣/ ٣٠٣، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨٤.
(٤) "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٩٤، و"البحر المحيط" ٦/ ١٢١.
(٥) "جامع البيان" ١٥/ ١٥٨، و "الكشف والبيان" ٣/ ٣٨٩، ٧ب، و"معالم التنزيل" ٣/ ١٦٠، و"المحرر الوجيز" ١٠/ ٣٩٦، و"زاد المسير" ٥/ ٩٥، و"الدر المنثور" ٤/ ٤٠٠.
وقوله تعالى: ﴿يَشْوِي الْوُجُوهَ﴾ يقال: شويتُ اللحم أشويه شيًّا، فإذا شويته لنفسك خاصة قلت: أشويت. قال لبيد (٢):
فاشتوى ليلة ريحٍ واجتمل
وانشوى اللحم انشواء، ويقال: اشتوى أيضًا بهذا المعنى (٣).
روى الخدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه الآية قال: "فإذا قربه إليه سقط فروة وجهه فيه" (٤).
وقال ابن عباس: (يشويه حتى يسقط لحم وجهه) (٥). ثم ذمه فقال:
(٢) هذا عجز بيت للبيد، وصدره:
أو نهته فأتاه رزقه
اجتمل: انتفع بالشحم، والشحم يسمى الجميل. انظر: "ديوان لبيد" ص ١٤٠، و"مقاييس اللغة" (شوى) ٣/ ٢٢٥، و"لسان العرب" (شوا) ٤/ ٢٣٦٧.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" (شوى) ٢/ ١٩٥٠، و"مقاييس اللغة" (شوى) ٣/ ٢٢٤، و"لسان العرب" (شوا) ٤/ ٢٣٦٧، و"مختار الصحاح" (شوى) ص (١٤٨).
(٤) أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" ١/ ٢٢٢، والترمذي في "جامعه" كتاب: جهنم، باب: ما جاء في صفة شراب أهل النار ٤/ ٦٠٨، وقال: هذا حديث إنما نعرفه من حديث رشدين بن سعد، وفي رشدين مقال، وقد تكلم فيه من قبل حفظه. وأخرجه ابن حبان في "صحيحه"، باب: صفة النار وأهلها ٩/ ٢٧٩، وأخرج نحوه الحاكم في "مستدركه" كتاب: التفسير، سورة الكهف ٢/ ٣٦٨، والطبري في "جامع البيان" ١٥/ ٢٤١، وابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٩٢، والسيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ٤٠٠.
(٥) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة.
قال ابن عباس: (يريد وبئس ما ارتفقوا به) (٣). واختلفت العبارات عن المفسرين في هذا، فقال مجاهد: (مجتمعا) (٤).
وقال عطاء: (مقرًّا) (٥). وقال الزجاج: (منزلا) (٦).
وقال ابن قتيبة: (مجلسا) (٧). ومعنى هذه الألفاظ واحد، وهي كلها ترجع إلى أصل واحد، فيجوز أن ترجع إلى ما ذكرنا، وذلك أن المنزل والدار مما يرتفق به، ويجوز أن يكون أصلها من الارتفاق وهو الاتكاء على المرفق، ومنه قول الهذلي (٨):
(٢) انظر: "القاموس المحيط" (الرفق) ص ٨٨٧، و"الصحاح" (رفق) ٤/ ١٤٨٢، و"لسان العرب" (رفق) ٣/ ١٦٩٦.
(٣) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٥/ ٢٤١، و"بحر العلوم" ٢/ ٢٩٨، و"زاد المسير" ٥/ ١٣٦، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٩٢.
(٤) "جامع البيان" ١٥/ ١٥٨، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٦٨، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٩٩، و"النكت والعيون" ٣/ ٣٠٣.
(٥) "معالم التنزيل" ٥/ ١٦٨، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٩٥، و"البحر المحيط" ٦/ ١٢١، و"روح المعاني" ١٥/ ٢٦٩.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٨٢.
(٧) "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ١/ ٢٦٧.
(٨) هذا صدر بيت لأبي ذؤيب الهذلي، ورد برواية:
نام الخلي وبت مشتجرا | كأن عيني فيها الصاب مذبوح |
وهذا قول ابن السكيت في قوله: ﴿مُرْتَفَقًا﴾ قال: (متكأ) (١). وكل موضع نزلته وقعدت فيه فهو مرتفق لك ومتكأ.
٣٠ - ثم ذكر ما وعد المؤمنين فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ الآية. واختلف النحويون في جواب ﴿إِنَّ﴾ الأولى، فذكر أبو إسحاق وأبو علي فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن خبره قوله: ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ على إضمار منهم، فحذف الراجع من الخبر؛ لأنه معلوم أن الله إنما لا يضيع أجر من أحسن عملاً من المؤمنين، فأما من أحسن عملاً من غير المؤمنين فإن الله يحبط عمله.
الوجه الثاني: أن المعنى إنا لا نضيع أجرهم، إلا أنه وقع المظهر موقع المضمر؛ لأن من أحسن عملاً في المعنى الذين آمنوا وعملوا الصالحات.
الوجه الثالث: أن الخبر قوله: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ ويكون قوله: ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ﴾ اعتراضًا بين الاسم والخبر، وجاز ذلك؛ لأن من أحسن عملاً بمنزلة الذين آمنوا (٢). وذكر الفراء وجهين آخرين أحدهما: (أن قوله: ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ﴾ من عمل صالحًا، فترك الكلام الأول واعتمد على
(١) "تهذيب اللغة" (رفق) ٢/ ١٤٤٤.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٨٣، و"الجحة" للقراء السبعة ٣/ ٦٣.
إنَّ الخليفة إنَّ الله سربله | سربال ملك به تزجى الخواتيم |
٣١ - قوله تعالى: ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ﴾ قال أبو إسحاق: (أساور جمع أسورة، وأسورة جمع سوار، يقال: سوار في اليد بالكسر، وقد حُكي: سوار، وحكى قطرب: إسوار، وذكر أن أساور جمع إسوار)؛ انتهى كلامه (٤). وقال أبو زيد: (هو سوار المرأة، وسوار المرأة، وأسورة لجماعتها، وهما قلبان يكونان في يدها) (٥).
قال أبو علي: (قول من قال: سوار صحيح، يدل عليه قوله (٦):
يكفي الخليفة أن الله سربله
انظر: "ديوان جرير" ص ٤٣١، و"معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٤٠، و"خزانة الأدب" ٤/ ٣٤٤، و"البحر المحيط" ٦/ ١٢١، و"الدر المصون" ٧/ ٤٨١، و"معجم الشواهد النحوية" ص ٥٩٥، و"المعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية" ٢/ ٨٨٣، و"أبيات النحو في تفسير البحر المحيط" ص ٣١٣.
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٤٠.
(٣) انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٢٧٣، و"إملاء ما من به الرحمن" ١/ ٣٩٨، و"البحر المحيط" ٦/ ١٢١، و"الدر المصون" ٧/ ٤٨١.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٨٣.
(٥) ذكر نحوه "تهذيب اللغة" (سار) ٢/ ١٥٩٤ بلا نسبة، وكذلك الصحاح (سور) ٢/ ٦٩٠.
(٦) البيت لعدى بن زيد العبادي، وصدره:
عن مبرقات بالبرين وتبدو
ففعل يجمع به هذا النحو، فأما من حكى أسوار فهذا الضرب من الأسماء قليل جدًّا، إلا أن الثقة إذا حكى شيئًا لزم قبوله، ونظيره قولهم: الإعصار، والإسكان، ولا يجوز عندي أن يكون الجمع الذي جاء في التنزيل مكسرا على هذا الواحد، ألا ترى أنه لو كان كذلك لوجب ثبات الياء في التكسير ليكون على زنة: دنانير؛ لأن حرف اللين إذا كان رابعًا في الواحد، ثبت أنه الآخر الذي هو سوار جمع على أسورة، ثم جمع أسورة على أساور، كما حكى سيبويه من جمعهم أسقية على: أساق (١). ولو كان أساور التي في التنزيل جمع: أسوار، لكان يجب أن يكون أساوير، فلما كانت بغير الياء كانت جمع: سِوَار، كما أن أسقية جمع: سقاء، ثم جمع على: (أساق) (٢).
قال سعيد بن جبير: (على كل واحد منهم ثلاثة من الأساور، واحد من فضة، وواحد من ذهب، وواحد من لؤلؤ ويواقيت) (٣). وقال أهل المعاني: (السوار: زينة تلبس في الزند من اليد، وهو من زينة الملوك تسور
(١) "الكتاب" لسيبويه ٣/ ٢٣٠
(٢) "الإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني" لأبي علي الفارسي ص ٩٤٠.
(٣) "معالم التنزيل" ٥/ ١٦٩، و"زاد المسير" ٥/ ١٣٧، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٩٦.
ويروى: (أن كسرى كان له تاج وسواران، فأتي بها عمر -رضي الله عنه-) (٢).
وقوله تعالى: ﴿مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ﴾ قال الزجاج: (هما نوعان من الحرير) (٣).
وقال المفسرون: (السندس: ما رقَّ من الديباج، والإستبرق: مما غلظ منه) (٤) قال المرقش (٥) (٦):
تراهنَّ يلبسن المشاعر مرَّةً | وإستبرق الديباج طورًا لباسها |
قال أبو علي: (الإستبرق لا تخلو حروفه من أن تكون أصولًا كلها أو
(٢) ذكره ابن حجر في الإصابة في "تمييز الصحابة" ٣/ ٦٩ عند ترجمة سراقة بن مالك -رضي الله عنه-، و"أسد الغابة" ٢/ ١٨٠ ترجمة سراقة بن مالك.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٨٤.
(٤) "جامع البيان" ١٥/ ٢٤٣، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٦٩، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٣٠٢.
(٥) ربيعة بن سعد بن مالك، ويقال هو: عمرو بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة، أحد المتيمين، كان يهوى ابنة عمه أسماء بنت عوف بن مالك، وهو شاعر جاهلي، عرف بالشجاعة والقوة، والمرقش لقب غلب عليه، بسبب قوله بيت من الشعر فلقب به. انظر: "الشعر والشعراء" ص ١١٩، و"خزانة الأدب" ٨/ ٣١٣.
(٦) البيت للمرقش ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٥/ ٢٤٣، و"النكت والعيون" ٣/ ٣٠٥، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٩٧، و"الدر المصون" ٧/ ٤٨٤، و"فتح القدير" ٣/ ٤٠٤.
(٧) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل.
وروي عن ابن محيصن (٢) أنه كان يقرأ: واستبرق، موصولة الألف
(٢) محمد بن عبد الرحمن بن محيصن السهمي، إمام فاضل، علم بالقراءات، ثقة محدث، قرأ القرآن على عدد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقرأ عليه عدد من التابعين، توفي -رحمه الله- في مكة سنة ١٢٣ هـ. انظر: "الوافي بالوفيات" ٣/ ٢٢٣، =
(١) "المحتسب" لابن جني ٢/ ٢٩، و"القراءات الشاذة" للقاضي ص ٦٣، و"إتحاف فضلاء البشر" ٢/ ٢١٣.
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل ومثبت في بقية النسخ.
(٣) الخَزُّ: نوع منه الثياب معروف مشتق منه، عربي صحيح، وهو من الجواهر المصوف بها. انظر: "القاموس المحيط" (الخز) ص ٥١٠، و"الصحاح" (خزز) ٣/ ٨٧٧، و"لسان العرب" (خزز) ٢/ ١١٤٩، و"مختار الصحاح" (خزز) ص (٧٣).
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل ومثبت في بقية النسخ.
(٥) الفِرِنْدُ: دخيل معرب وهو اسم للثوب. ويطلق على السيف. انظر: "تهذيب اللغة" (فرند) ٣/ ٢٧٨٣، و"القاموس المحيط" (الفرند) ص ٣٠٦، و"الصحاح" (فرند) ٢/ ٥١٩، و"لسان العرب" (فرند) ٦/ ٣٤٠٥.
(٦) البَرِيْمُ: ثوب فيه قز وكتان. وقيل: خيط ينظم فيه خرز فتشده المرأة على حقويها. انظر: "تهذيب اللغة" (برم) ١/ ٣٢١، و"معجم مقاييس اللغة" (برم) ١/ ٢٣١، و"الصحاح" (برم) ٥/ ١٨٦٩.
وقوله تعالى: ﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا﴾ يقال: اتكأ الرجل، وأصله: اوتكا، مثل: اتزن من الوزن، والتُكأة أصلها: وُكأة، ومنه التَّوكؤ، وهو: التحامل على الشيء، قال الله تعالى: ﴿قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا﴾ [طه: ١٨]؛ ورجل تُكأة إذا كان كثير الاتِّكاءِ، وهو في الأصل وكأة، فقلبت الواو تاء كما قالوا: تكلة في موضع وكلة ويقال: تكأ الرجل يتكئ مثل اتكأ، وأوكأت فلانًا إذا نصبت له متكأ (١).
وقوله: ﴿عَلَى الْأَرَائِكِ﴾ جمع أريكة. قال الليث: (وهي سرير حجلة، فالحجلة والسرير أريكة، وجمعها: أرائك) (٢). وهو قول المفسرين؛ قال ابن عباس ومجاهد: ﴿الْأَرَائِكِ﴾ هو: السُّرر في الحجال) (٣). ولا يكون أريكة حتى يكون السرير في الحجلة.
وقال أبو إسحاق: (﴿الْأَرَائِكِ﴾: الفرش في الحجال) (٤).
(٢) ذكرته كتب اللغة بدون نسبة. انظر: "تهذيب اللغة" (أرك) ١/ ١٤٩، و"تاج العروس" (أرك) ١٣/ ٥٠٤، و"القاموس المحيط" (الأراك) ص ٩٣١، و"لسان العرب" (أرك) ١/ ٦٤ وقال: هي الأسرة، وهي في الحقيقة الفرش، كانت في الحجال أو في غير الحجال، وقِل: الأريكة لسرير منجد مزين في قبة أو بيت فإذا لم يكن فيه سرير فهو حجلة.
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ٢٤٣، و"تفسير القرآن" ٣/ ٩٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٩٨، و"الدر المنثور" ٤/ ٤٠٣.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٨٤.
(٢) صنعاء: موضعان أحدهما: باليمن وهي العظمى، وأخرى: قرية بالغوطة من دمشق، وصنعاء اليمن: اسمها قديمًا أزال، وبينها وبين عدن ثمانية وستون ميلاً، وهي قصبة اليمن، وأحسن بلادها، وقيل: سميت بصنعاء بن أزال بن يقطن بن عابر وهو الذي بناها، وأثنى عليها العلماء ومدحوها ونسب إليها خلق كثير.
وصنعاء دمشق: قرية كانت في جانبها الغربي على باب دمشق دون المزة، مقابل مسجد خاتون خريت، وهي اليوم مزرعة وبساتين وقد خربت من العمران، وينسب إليها جماعة من المحدثين والعلماء. انظر: "معجم البلدان" ٣/ ٤٢٥، و"تهذيب الأسماء واللغات" ٣/ ١٨٢، و"معجم ما استعجم" ص ٨٤٣.
(٣) أيلة: بالفتح مدينة على ساحل بحر القلزم، مما يلي الشام، وقيل: هي مدينة عامرة في بلاد الشام بين الفسطاط ومكة على شاطى بحر القلزم، وقيل: سميت بأيلة بنت مدين بن إبراهيم -عليه السلام-. انظر: "معجم البلدان" ١/ ٢٩٢، و"تهذيب الأسماء واللغات" ٣/ ١٩.
(٤) عدن بالتحريك وآخره نون، وهو من قولهم: عدن بالمكان إذا أقام به، وبذلك سميت عدن، وهي مدينة مشهورة على ساحل بحر الهند من ناحية اليمن، وهذا الموضع هو مرفأ مراكب الهند والتجار يجتمعون إليه، لأجل ذلك فإنها بلدة تجارة وعدن جنوبية تهامة وهو أقدم أسواق العرب، وقيل: سميت عدن: بعدن بن سينان بن نفيشان بن إبراهيم. وقيل غير ذلك. انظر: "معجم البلدان" ٤/ ٨٩، و"معجم ما استعجم" ٣/ ٩٢٤، و"تهذيب الأسماء واللغات" ٣/ ٥٥.
(٥) الجابية: قرية من أعمال دمشق، ثم من أعمال الجيدور من ناحية الجولان قرب مرج الصقر في شمالي حوران، وهي قرية معروفة بجنب نوى على ثلاثة أميال منها من جانب الشمال، وإلى هذه القرية ينسب باب الجابية أحد أبواب دمشق، وسميت الجابية تشبيهًا بما يجبى فيه الماء، فإن الجابية اسم للحوض، فسميت =
(١) ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" بلا نسبة (رفق) ٢/ ١٤٤٤، وابن منظور في "لسان العرب" (رفق) ٣/ ١٦٩٥.
وزارة التعليم العالي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
عمادة البحث العلمي
التَّفْسِيرُ البَسِيْط
لأبى الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
من آية (٣٢) من سورة الكهف إلى آخر سورة طه
تحقيق
د. عبد العزيز بن محمد اليحيى
أشرف على طباعته وإخراجه
د. عبد العزيز بن سطام آل سعود | أ. د. تركى بن سهو العتيبى |
وزارة التعليم العالي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
عمادة البحث العلمي
التَّفْسِيرُ البَسِيْط
لأبى الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
من آية (٣٢) من سورة الكهف إلى آخر سورة طه
تحقيق
د. عبد العزيز بن محمد اليحيى
أشرف على طباعته وإخراجه
د. عبد العزيز بن سطام آل سعود | أ. د. تركى بن سهو العتيبى |
فهرسة مكتبة الملك فهد اثناء النشر
الواحدى، على بن أحمد
التفسير البسيط لأبى الحسن على بن أحمد بن محمد
الواحدى (ت ٤٦٨ هـ)./عبد العزيز بن محمد اليحيى، الرياض
١٤٣٠ هـ.
٢٥ مج. (سلسلة الرسائل الجامعية)
ردمك: ٤ - ٨٥٧ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ - (مجموعة)
٠ - ٨٧١ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (ج ١٤)
١ - القرآن الكريم... ٢ - الواحدى، على بن أحمد
أ-العنوان... ب-السلسلة
ديوي ٢٢٧. ٣... ٨٦٨/ ١٤٣٠
رقم الإيداع: ٨٦٨/ ١٤٣٠ هـ
ردمك: ٤ - ٨٥٧ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (مجموعة)
٠ - ٨٧١ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (ج ١٤)
لأبى الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
[١٤]
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وقال الكلبي: (هما أخوان من بني مخزوم (٢): أحدهما مؤمن وهو: أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد (٣) زوج أم سلمة. والآخر: كافر وهو: الأسود (٤).
(٢) بني مخزوم: هذه النسبة ترجع إلى قبيلتين: إحداهما تنسب إلى بني مخزوم بن عمرو، ومخزوم قريش هو: مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، وقد نسب إلى هذه القبيلة خلق كثير، وأما مخزوم بن المغيرة فقد نسب إليه عدد كبير.
انظر: "الأنساب" ٥/ ٢٢٥، "اللباب" ٤/ ١٧٩، "نهاية الأرَب" (٢٨١)، "الاشتقاق" ٢/ ٢٦٩.
(٣) عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي، أبو سلمة المكي، أمه برة بنت عبد المطلب، وكان أخًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- من الرضاعة، هاجر الهجرتين، وشهد بدرًا مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، توفي -رضي الله عنه- بالمدينة في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- في السنة الرابعة من الهجرة، فتزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- بزوجته أم سلمة -رضي الله عنه-.
انظر: "أسد الغابة" ٣/ ١٩٠، "الإصابة في تمييز الصحابة"، "سيرة ابن هشام" ١/ ٢٥٢، "تهذيب التهذيب" ٥/ ٢٥١.
(٤) "الكشف والبيان" ٣/ ٣٨٩ ب، "بحر العلوم" ٢/ ٢٩٨، "معالم التنزيل" ٥/ ١٦٩ - ١٧٠، "الكشاف" ٢/ ٣٨٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٩٩.
وقوله تعالي: ﴿وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ﴾ الحفُّ: الإطافة بالشيء، يقال: حفَّ القوم بسيدهم يَحُفُّون بضم الحاء إذا أطافوا به وعكفوا (٣)، ومنه قوله: ﴿حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ﴾ [الزمر: ٧٥]. والمعنى: جعلنا النخل مطبقًا بها ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا﴾ أي: بين الجنتين ﴿زَرْعًا﴾ ثم أخبر أنهما كاملتان في مادة حملهما وأعنابهما، والزرع الذي بينهما.
٣٣ - فقال: ﴿كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا﴾ ذكرنا الكلام في (كلا) عند قوله: ﴿أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا﴾ [الإسراء: ٢٣]، وأما ﴿كِلْتَا﴾ فذهب سيبويه إلى أنها فعلى بمنزلة الذكرى، وأصلها كلوى، فأبدلت الواو تاء كما أبدلت في أنحت وبنت (٤). والذي يدل على أن لام "كلتا" معتلة قولهم في مذكرها: كِلَى، وكِلَى فِعَل، ولامه معتلة بمنزلة لام حِجَى وَرِضَى، وهما من الواو لقولهم: حَجَى يَحْجُو، والرضوان، ولذلك مثلها سيبويه بما اغتسلت لامه فقال: (هي بمنزلة شروى) (٥).
(٢) في (ص): (رجلين منصوب).
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" (حف) ١/ ٨٦٩، "الصحاح" (حف) ٤/ ١٣٤٤، "القاموس المحيط" (حف) ص ٨٠١، "لسان العرب" (حفف) ٢/ ٩٣٠.
(٤) "الكتاب" لسيبويه ٣/ ٣٦٤.
(٥) "الكتاب" لسيبويه ٣/ ٣٦٤.
وقوله تعالى: ﴿آتَتْ أُكُلَهَا﴾ قال الأخفش: (جعل الفعل واحدًا ولم يقل: آتتا، لأنه جعل ذلك لقوله: ﴿كِلْتَا﴾ هو في اللفظ، ولو جعله على معنى قولك: كلتا، لقال: آتتا) (٣). ونحو هذا قال الزجاج (٤). ومعنى ﴿آتَتْ أُكُلَهَا﴾ صاحبها أكلها أي: أدت إليه ريعها تامًا من غير نقصان، وهو قوله: ﴿وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا﴾ قال ابن عباس والمفسرون: (لم تنقص منه شيئًا) (٥).
(٢) انظر: "البحر المحيط" ٦/ ١٢٣، "الدر المصون" ٧/ ٣٣٦، "روح المعاني" ١٥/ ٢٧٤.
(٣) "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٦١٩.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٨٥.
(٥) "جامع البيان" ١٥/ ٢٤٤، "معالم التنزيل" ٥/ ١٧١، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٩٣، "الدر المنثور" ٤/ ٤٠٣.
قوله تعالى: ﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ﴾ أي: كان للأخ الكافر أموال كثيرة، قال ابن عباس في رواية علي بن أبي طلحة في قوله: ﴿ثَمَرٌ﴾ يقول: (مال) (٣). وقال مجاهد: (ذهب وفضة) (٤). وقال قتادة: (يقول ومن كل المال) (٥).
واختلف القراء في قوله: ﴿ثَمَرٌ﴾ علي ثلاثة أوجه: ثُمُر بضم الثاء والميم وهو قراءة أكثر القراء، وقرأ أبو عمرو: بضم الثاء وسكون الميم، وقرأ عاصم: بفتحهما (٦).
(٢) عند قوله تعالى في سورة الإسراء الآية: (٩٠، ٩١): ﴿وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا﴾.
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ٢٤٥، "النكت والعيون" ٣/ ٣٠٦، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٠٨، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٩٣.
(٤) "جامع البيان" ١٥/ ٢٤٥، "معالم التنزيل" ٥/ ١٧١، "الكشاف" ٢/ ٣٩٠، " الدر المنثور" ٤/ ٤٠٣.
(٥) "جامع البيان" ١٥/ ٢٤٥، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٥٨، "النكت والعيون" ٣/ ٣٠٦، "البحر المحيط" ٦/ ١٢٥.
(٦) قرأ أبو عمرو البصري: (ثُمْر) بضم الثاء وسكون الميم. وقرأ عاصم: (ثَمَر) بفتح الثاء والميم. وقرأ الباقون (ثُمُر) بضم الثاء والميم. انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٤٢، "السبعة" ص ٣٩، "المبسوط في القراءات" ص ٢٣٤، "التبصرة" ص ٢٤٨، "النشر في القراءات العشر" ٢/ ٣١٠.
وقال ابن زيد: (الثُّمُر الأصل، والثَّمَرة ما يجتنى من ذي الثمر) (٣). ويجمع ثَمَرَات مثل: رَقَبَة ورَقَبات، قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ﴾ [النحل: ٦٧]، وثِمَار أيضًا مثل: رِقَاب في جمع رَقَبَة، ويجوز أن يُكسَّر ثَمَار على ثُمُر ككِتَاب وكُتُب، ويجوز في جمع ثَمَرَة وجهان آخران: ثَمَر مثل: بَقَرة وبَقَر، وثُمْر أيضًا كبَدَنة وبُدْن وخَشَبَة وخُشْب.
فقراءة أبي عمرو بالتخفيف تحتمل ثلاثة أوجه أحدها: أن يكون جمع ثِمَار، فخفِّف نحو كتُب في جمع (٤) كِتَاب. الثاني: أن يكون جمع ثمرة مخفف نحو خُشْب جمع في (٥) خَشَبَة. الثالث: أن يكون ثُمُر واحد مثل ثَمَر فخفف نحو (٦) عَنُق وطُنُب. فعلى أي: هذه الوجوه كان، جاز إسكان العين (٧) وساغ (٨).
وأما قراءة العامة بضمتين، فلأن أهل اللغة فرقوا بين الثُمر والثمَر
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٤٤.
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ٢٤٦، "النكت والعيون" ٣/ ٣٠٦، "البحر المحيط" ٦/ ١٢٥.
(٤) قوله: (في جميع) ساقط من الأصل، ومثبت في بقية النسخ.
(٥) كلمة: (في) ساقط من الأصل، ومثبت في بقية النسخ.
(٦) كلمة: (نحو) ساقط من الأصل، ومثبت في بقية النسخ.
(٧) في (س): (العنق).
(٨) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٤٣.
وحكي عن أبي عمرو أنه قال: (الثَمَر والثُمُر أنواع المال) (٣). وهو المراد في هذه الآية، لا الثمرة التي تُجنى، دل على هذا قوله: "وأحيط بثَمَره" أي: أهلك جنته وماله وأصول نخله وشجره، وإذا كان كذلك فمن قرأ: بثُمْره وثُمُره كان قوله أبين، وأما قراءة عاصم في قوله: "وكان له ثَمَر" يعني ثَمَر (٤) نخله وكرمه، فليس بالجيد (٥)، لأن هذا قد فُهم من قوله: ﴿آتَتْ أُكُلَهَا﴾ وفي قوله: "وأحيط بثمره" كأنه أخبر عن بعض ما أصيب وأمسك عن بعض، وقراءة الباقين في قوله: "وأحيط بثمرة" جيدة عامة في الثَمَرة والأصول، لأنه لا يكون أن يصاب الأصل ولا يصاب الثمرة.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٨٥.
(٣) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٤٣، "البحر المحيط" ٦/ ١٢٥، "التفسير الكبير" ٢١/ ١٢٥.
(٤) قوله: (ثمر) ساقط من الأصل.
(٥) قول المؤلف -غفر الله له-: (فليس بجيد). ليس بجيد، فإن أراد القراءة، فهي سبعية ثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا يجوز ردها ولا تضعيفها. وإن أراد المعنى، فقد وافقت وجهًا صحيحًا من أوجه اللغة العربية.
وهذا على أنه جعل الثُمْر جمع ثَمَرة، كما ذكرنا في خَشَبَة وخُشب، والصحيح الفرق بين القراءتين على ما ذكرنا.
والثمّر في جمع الثَّمَرة صحيح، غير أن الثُّمُر هاهنا الأولى أن يحمل على الأموال كما بينا (٣).
٣٤ - وقوله تعالى: ﴿فَقَالَ لِصَاحِبِهِ﴾ قال ابن عباس: (يريد لأخيه) (٤). ﴿وَهُوَ يُحَاوِرُهُ﴾ أي: يراجعه في الكلام ويجاوبه.
قال ابن عباس: (وذلك أنه سأله عن ماله فيما أنفقه؟ فقال: قدمته بين يدي لأقدم عليه) (٥). فقال: ﴿أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ روى أبو عبيد عن أبي زيد: (النفر والرهط ما دون العشرة من الرجال) (٦).
(٢) "تهذيب اللغة" (ثمر) ١/ ٤٩٨.
(٣) وعلى هذا قول أكثر المفسرين. انظر: "جامع البيان" ١٥/ ٢٤٥، "إرشاد العقل السليم" ٥/ ٢٢١، "الدر المصون" ٧/ ٨٠.
(٤) ذكره الماوردي في "النكت والعيون" ٣/ ٣٠٦ بدون نسبة.
(٥) "معالم التنزيل" ٥/ ١٧١، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٠٩، "النكت والعيون" ٣/ ٣٠٦.
(٦) "تهذيب اللغة" (نفر) ٤/ ٣٦٢٧، "لسان العرب" (نفر) ٨/ ٤٤٩٨.
وقال الليث: (يقال: هؤلاء عشرة نفر أي: عشرة رجال، ولا يقال: عشرون نفرًا، ولا ما فوق العشرة) (٢).
قال ابن عباس: (يريد كثرة العبيد وعزة فيهم) (٣).
وقال الزجاج: (أخبر أن ناصره كثير) (٤). وقال قتادة في هذه الآية: تلك والله أمنية الفاجر كثرة المال وعزة النفر، وهم الخدم والحشم) (٥). مقاتل: (يعني ولدًا) (٦). دليله قوله: ﴿إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا﴾ وقال المفسرون: (يعني عشيرة ورهطًا) (٧). ومنه قول امرئ القيس (٨):
ماله لا عدَّ من نفره
أي: من رهطه وعشيرته.
(٢) "تهذيب اللغة" (نفر) ٤/ ٣٦٢٧.
(٣) ذكرت نحوه كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٥/ ٢٤٦، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٠٩، "زاد المسير" ٥/ ١٤٢، "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٤٠٣.
(٤): معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٨٥.
(٥) "جامع البيان" ١٥/ ٢٤٦، "معالم التنزيل" ٥/ ١٧١، "ابن كثير" ٣/ ٩٣.
(٦) "الكشف والبيان" ٣/ ٣٨٩ ب، "البغوي" ٥/ ١٧١، "روح المعاني" ١٥/ ٢٧٥.
(٧) "معالم التنزيل" ٥/ ١٧١، "البحر المحيط" ٦/ ١٢٥، "روح المعاني" ١٥/ ٢٧٥، "التفسير الكبير" ٢١/ ١٢٥.
(٨) هذا عجز بيت لامرئ القيس يصف رجلاً بجودة الرمي. وصدره:
فهو لا تنمي رميتة
لا عد من نفره: دعاء له يوهم الدعاء عليه وهو كقولهم: ماله قاتله الله. انظر: "ديوان امرئ القيس" ص ٧٦، "لسان العرب" (نفر) ٨/ ٤٤٩٩.
قال الزجاج: (وكل من كفر بالله فنفسه ظلم، لأنه يولجها النار، وأي ظلم للنفس فوق هذا) (٤).
وقوله تعالى: ﴿قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا﴾ أنكر أن الله تعالى يفني الدنيا، لما رأى ما راقه وكبر في نفسه، وتوهم بجهله أنه يدوم، وأن مثله لا يبيد ولا يفنى.
٣٦ - قوله تعالى: ﴿وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً﴾ قال ابن عباس: (أنكر البعث والثواب والعقاب) (٥).
وقال أبو إسحاق: (أخبر أخاه بكفره بالساعة، وبكفره بفناء الدنيا) (٦).
(٢) "معالم التنزيل" ٥/ ١٧١، "الكشاف" ٢/ ٣٩٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٤٠٤.
(٣) ذكرت كتب التفسير نحوه بلا نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٥/ ٢٤٦، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣١٠، "معالم التنزيل" ٥/ ١٧١، "الكشاف" ٢/ ٤٨٤، "زاد المسير" ٥/ ١٤٢. ويشهد لهذا قوله تعالى في سورة لقمان الآية رقم (١٣): ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٨٥.
(٥) ذكرته كتب التفسير بلا نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٥/ ٢٤٦، "تفسير كتاب الله العزيز" ٢/ ٤٦٣، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣١٢ - ٣١٣، "معالم التنزيل" ٥/ ١٧١، "زاد المسير" ٥/ ١٤٢ - ١٤٣.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٨٥.
وقال أهل المعاني: (هذا يدل على أن صاحبه المؤمن قد أعلمه أن الساعة تقوم، وأنه يبعث، فأجابه بأن قاله له: إن كان الأمر على ما أعلمتني أني أبعث، ليعطيني في الآخرة خيرًا مما أعطاني في الدنيا؛ لأنه لم يعطني هذا في الدنيا إلا وهو يريدني) (٣).
وقال ابن زيد: (شك، ثم قال على شكه في الرجوع إلى ربه: ما أعطاني هذا إلا ولي عنده خير منه) (٤). تهكما سولته له نفسه.
واختلفوا في قوله: ﴿مِنْهَا﴾ فقرؤا بالإفراد والتثنية (٥). والإفراد أولى من حيث كان أقرب إلى الجنة المفردة في قوله: ﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ﴾، والتثنية لا تمتنع لتقدم ذكر الجنتين.
٣٧ - فأجابه صاحبه مكفرًا له بهذا القول فقال: ﴿أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ
(٢) وما تضمنته هذه الآية من جهل الكفار واغترارهم بالحياة الدنيا جاء مبينًا في آيات أخر ومنها في سورة فصلت الآية رقم (٥٠): {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى﴾.
(٣) "معالم التنزيل" ٥/ ١٧٢، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٨٦.
(٤) "جامع البيان" ٢٤٧/ ١٥.
(٥) قرأ أبو عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي: (خيرًا منها) بالإفراد. وقرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر. (خيرًا منهما) بالتثنية. انظر: "السبعة" ص ٣٩٠، "الحجة" ٥/ ١٤٤، "المبسوط في القراءات" ٢٣٤، "التبصرة" ص ٢٤٨، "العنوان" ص ١٢٣.
قال الأزهري: (والعرب تقول للماء القليل والكثير: نطفة) (٣). وسمى الله عز وجل المني نطفة قال: ﴿أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى﴾ [القيامة: ٣٧].
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا﴾ قال الكلبي: (جعلك معتد الخلق والقامة، صحيح اليدين، والرجلين، والعينين) (٤). والتسوية: جعل الشيء على المقدار.
وقال الزجاج: (أي: ثم أكملك) (٥). وهذا الجيد في تفسير سواك هاهنا، لأن العرب تقول للغلام إذا تم شبابه: قد استوى، ومنه قوله: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى﴾ [القصص: ١٤] أي: تم شبابه واجتمع، فالتسوية هاهنا: واقع الاستواء بالمعنى الذي ذكرنا، يقال: سواه الله رجلاً فاستوى.
٣٨ - ثم أعلمه صاحبه أنه موحد لله فقال: ﴿لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي﴾
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" (نطف) ٤/ ٣٦٠، "مقاييس اللغة" (نطف) ٥/ ٤٤٠، "الصحاح" (نطف) ٤/ ١٤٣٤، "لسان العرب" (نطف) ٧/ ٤٤٦٢.
(٣) "تهذيب اللغة" (نطف) ٤/ ٣٦٠١.
(٤) ذكرت نحوه كتب التفسير بلا نسبة. انظر: "إرشاد العقل السليم" ٥/ ٢٢٢، "البحر المحيط" ٦/ ١٢٧، "روح البيان" ٥/ ٢٤٧، "فتح القدير" ٣/ ٤٠٩.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٨٦.
ومثل هذه القراءة في الإدغام ما حكاه أبو زيد في قول من سمعه يقرأ: ﴿وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [الحج: ٦٥] (يريد: على الأرض، لكنه خفف الهمزة، وألقى حركتها على لام المعرفة فصار: (على الرض)، فاجتمع لامان مثلان فأدغم الأول في الثاني) (٤). وهذا كله في إجراء المنفصل مجرى المتصل في نحو: شدَّ، وحلَّ.
وقرأ ابن عامر، ونافع في رواية المسيبي (٥): ﴿لَكِنَّا﴾ بإثبات الألف
(٢) في الأصل: (ليس) وهو تصحيف.
(٣) قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي: (لكنا هو الله) بإسقاط الألف في الوصل، وإثباتها في الوقف. انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٤٥، "العنوان في القراءات" ص ٣٠٧، "الكشف عن وجوه القراءات" ٢/ ٦١، "النشر في القراءات العشر" ٢/ ٣١١.
(٤) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٤٥.
(٥) هو: إسحاق بن محمد بن عبد الرحمن المسيبي، عالم بالقراءات، تقدمت ترجمته.
وقال أبو إسحاق في توجيه هذه القراءة: (أثبت الألف في الوصل، كما كان يثبتها في الوقف، وهذا على لغة (٤) من قال: أنا قمت، فأثبت الألف، قال الشاعر (٥):
(٢) قرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمر، وابن عامر، والكسائي، وعاصم: (ومكر السيئ) بكسر الهمزة.
وقرأ حمزة: (ومكر السيئ) ساكنة الهمزة انظر: "السبعة" ص ٥٣٥، " الكشف عن وجوه القراءات" ٢/ ٢١٢، "المبسوط في القراءات" ص ٣٠٩، "النشر في القراءات" ٣/ ٣٥٢.
(٣) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٤٦، "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٢٧٥ - ٢٧٦.
(٤) في الأصل: (لون) وهو تصحيف.
(٥) البيت لحميد بن ثور. قد تذريت السنا: أي علوت ذروته، وبلغت غاية المجد. والشاهد فيه. ثبوت ألف أنا في الوصل. انظر: "ديوانه" ص ١٣٣، "أساس =
أنَا سيف العشيرة فاعرفوني | حميد قد تذريت السناما |
ورد ذلك عليه أبو علي فيما استدرك عليه فقال: (لا أرى ما قاله كما قال، وذلك أن هذه الألف تلحق للوقوف، ولا يسوغ أن تلحق في الوصل، ألا ترى أن الهمزة في: ذيل أمه قد حذفت حذفًا على غير الحذف الذي توجه قياس التخفيف، ولم يعوض منها، فأن لا يعوض منها في التخفيف القياسي أجدر؛ لأنها في هذا الوجه في تقدير الثبات، ولولا ذلك لم يحرك حرف اللين، كقولهم: جيل في تخفيف جيال، فلما كانت في تقدير الثبات لم يلزم منها بدل. ومما يؤكد أن العوض لا يجب أن (أنا) علامة ضمير، وعلامات الضمير لا ينكر كونها على حرف أو حرفين، بل ذلك الأغلب من أحوالها والأكثر، وأيضًا فلو جاز أن تثبت الألف التي حكمها أن تلحق في الوقف دون الوصل للحذف اللاحق للحرف، للزم أن تثبت الهاء التي تلحق في الوقف [أيضًا إذا لحق كلمة محذوفة منها نحو: عه، وشه، وارمه،
(١) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٨٦.
(٢) قال الزجاج في "معانيه" ٣/ ٢٨٨: والأجود إتباع القراء، ولزوم الرواية، فإن القراءة سنة، وكلما كثرت الرواية في الحرف وكثرت به القراءة فهو المتبع، وما جاز في العربية ولم يقرأ به قارئ فلا تقرأن به فإن القراءة به بدعة، وكل ما قلت فيه الرواية وضعف عند أهل العربية فهو داخل في الشذوذ ولا ينبغي أن تقرأ به.
وقوله تعالى: ﴿هُوَ﴾ من ﴿هُوَ اللَّهُ رَبِّي﴾ ضمير علامة الحديث والقصة، كما أنه قوله: ﴿فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الأنبياء: ٩٧] وقوله: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ١] كذلك، ويسمى هذا الضمير على شريطة التفسير، وقد مضت هذه المسألة مشروحة عند قوله: ﴿فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ﴾ [يوسف: ٧٧]. وهذا الضمير يدخل على المبتدأ والخبر، فيصير المبتدأ والخبر في موضع خبره.
وقوله تعالى: ﴿وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا﴾ قال أبو إسحاق: (دل خطابه على أن صاحب الجنتين مشرك عابد مع الله غيره) (٣). وهذا من أبي إسحاق قول بمفهوم الخطاب.
٣٩ - ثم أقبل على أخيه يلومه فقال: ﴿وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ﴾ بمعنى: هلا، وتأويله التوبيخ. ﴿قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ﴾ ذكر الفراء والزجاج في ﴿مَا﴾ وجهين:
أحدهما: أنه في موضع رفع على معنى: الأمر ما شاء الله، أو: هو ما شاء الله. والمعنى: أن الأمر بمشيئة الله، وفي هذا رد على الأخ الكافر، حيث قال حين دخل جنته: ﴿مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا﴾ فرد عليه الأخ المؤمن وقال: هلا قلت حين دخلتها: الأمر بمشيئة الله وما شاء الله كان.
الوجه الثاني: أن ﴿مَا﴾ في موضع نصب بـ (شاء) على معنى الشرط
(٢) "الإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني" ص ٩٥٩.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٨٦.
وقوله تعالى: ﴿لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾ قال أبو إسحاق: (أي لا يقوى أحد على ما في يديه من ملك ونعمة إلا بالله، ولا يكون له إلا ما شاء الله) (٢). قال ابن عباس: (ثم رجع إلى نفسه) (٣). فقال: ﴿إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا﴾. قال الفراء: (﴿أَنَا﴾ إذا نصبت ﴿أَقَلَّ﴾ عماد، وإذا رفعت ﴿أَقَلَّ﴾ فهي اسم، والقراءة بهما جائزة) (٤)، هذا كلامه (٥).
وقال أبو إسحاق بيانًا فقال: (﴿أَنَا﴾ يصلح لشيئين: إن شئت كانت توكيدًا للنون والياء، وإن شئت كانت فصلاً، كما تقول: كنت أنت القائم) (٦). و ﴿أَقَلَّ﴾ هو منصوب مفعول ثان لترن، ويجوز رفعه على أن يكون ﴿أَنَا﴾ ابتداء، و ﴿أَقَلَّ﴾ خبره، والجملة في موضع المفعول الثاني لترن) (٧).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٩٠.
(٣) ذكر نحوه السمرقندي بلا نسبة في "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٠، والرازي ٢١/ ١٢٧.
(٤) قراءة النصب للجمهور. وقراءة الرفع لعيسى بن دينار، وهي قراءة شاذة لا يقرأ بها. انظر: "الكشاف" ٢/ ٣٩١، "البحر المحيط" ٦/ ١٢٩، "الدر المصون" ٧/ ٤٩٦.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٤٥.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٨٨.
(٧) "إملاء ما من به الرحمن" ١/ ٤٩٩، "مشكل إعراب القرآن" ٢/ ٤٤٢، "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٢٧٦ - ٢٧٧.
قال الزجاج: (وجائز أن يكون أراد في الدنيا) (٢).
﴿وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ قال ابن عباس في رواية عطاء: (نارًا من السماء) (٣). وهو قول الكلبي (٤).
وقال قتادة والضحاك: (عذابًا) (٥). وقال ابن زيد: (قضاء من أمر الله يقضيه) (٦). هذا كلام المفسرين في تفسير الحسبان، [وذلك كله معنى، وليس بتفسير. وتفسيره ما ذكره أهل اللغة، قال الأخفش: (الحُسْبَان)] (٧) المرامي، واحدتها حُسْبَانة) (٨).
وقال ابن الأعرابي مما روى عنه ثعلب من رواية أبي عمرو: (أراد بالحسبان المرامي، قال: والحُسْبَانة: السحابة، والحُسْبَانة: الصاعقة) (٩).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٩٠.
(٣) "معالم التنزيل" ٥/ ١٧٣، "النكت والعيون" ٣/ ٣٠٧، "الدر المنثور" ٤/ ٤٠٦.
(٤) "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٠، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٩٤، "الدر المنثور" ٤/ ٤٠٦، "البحر المحيط" ٦/ ١٢٩.
(٥) "جامع البيان" ١٥/ ٢٤٩، "معالم التنزيل" ٥/ ١٧٣، "النكت والعيون" ٣/ ٣٠٧، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٩٤.
(٦) "جامع البيان" ٢٤٩/ ١٥، "الكشف والبيان" ٣٨٩/ ٣/ ب، "البحر المحيط" ٦/ ١٢٩.
(٧) ما بين المعقوفين ساقط من نسخة (س).
(٨) "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٤٩٨، "تهذيب اللغة" (حسب) ١/ ٨١١.
(٩) "تهذيب اللغة" (حسب) ١/ ٨١١، "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٤٠٨.
وقال أهل المعاني: (إنما سُمِّي المرامي حُسبَانا، لأنها تكثر كثرة الحسبان) (٥).
وذكرنا الحسبان بمعنى الحساب في تفسير قوله تعالى: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا﴾ [الأنعام: ٩٦].
(٢) "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ١/ ٢٦٧، "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٤٠٣، "تفسير المشكل من غريب القرآن" ص ١٤٣.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٢/ ٢٩٥، "القرطبي" ١٥/ ٤٥٨، "البحر المحيط" ٦/ ١٢٩.
(٤) "تهذيب اللغة" (حسب) ١/ ٨١١.
(٥) "تهذيب اللغة" (حسب) ١/ ٨١١، "لسان العرب" (حسب) ٢/ ٨٦٧.
فمن علا زلقا عن غرة زلقا
والذي في الآية ليس من هذا؛ لأنه ليس أنها تفسير مزلقة، ولكن معناه: أنها تفسير جرداء لا نبات بها، من قولهم: زَلَقَ رأسه، وأَزْلَقه، وزَلَقه إذا حلقه، والزَّلْق: الحَلْق، والزَّلق: المحلوق، كالنَّقْض والنَّقَض فشبه الصعيد الذي لا نبات فيه بالرأس المحلوق (٣). قال الفراء: (الزَّلَق التراب الذي لا نبات فيه) (٤). وقال قتادة: وفي قوله: ﴿صَعِيدًا زَلَقًا﴾ يقول: (قد حصد ما فيها فلم يُتْرَك فيها شيءٌ) (٥). وذهب ابن قتيبة إلى الإملاس فقال: (الزَّلق: الإملاس الذي تزل عليه الأقدام) (٦). وهذا الذي ذكره هو الأصل، من أن المراد: ذهاب النبات لا الإملاس. والمعنى: أن هذا العذاب يهلكها ويبطل غلتها.
(٢) هذا عجز بيت لابن يسير. وصدره:
اقدر لرجلك قبل الخطو منزلها
انظر: "الكامل في اللغة" للمبرد ٤/ ١٢٧.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" (زلق) ٢/ ١٥٥٠، "مقاييس اللغة" (زلق) ٣/ ٢١، "القاموس المحيط" (زلق) ص ٨٩١، "الصحاح" (زلق) ٤/ ١٤٩١.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٤٥.
(٥) "جامع البيان" ١٥/ ٢٤٩، "الكشف والبيان" ٣/ ٣٨٩ ب، "الدر المنثور" ٤/ ٤٠٧.
(٦) "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ١/ ٢٦٧.
وفي قوله: ﴿أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا﴾ وجهان أحدهما: ذا غور فحذف المضاف (٤). والثاني: وهو قول جميع أهل المعاني: أن الغور هاهنا بمعنى: الغائر أقيم المصدر مقام الصفة للمبالغة، كما يقال: وجه فلان نور ساطع، وعلى هذا يقال: ماء غَوْرٌ، ومياه غُورٌ، كما يقال: رجل عدل (٥). قال الشاعر (٦):
(٢) ذكرته كتب التفسير بلا نسبة. انظر: "النكت والعيون" ٣/ ٣٠٧، "البحر المحيط" ٦/ ١٢٩، "فتح القدير" ٣/ ٢٦٢٠.
(٣) "تهذيب اللغة" (غار) ٨/ ١٨٤، "القاموس المحيط" (الغور) ٤٥٢، "الصحاح" (غور) ٢/ ٧٧٤، "لسان العرب" (غور) ٦/ ٣٣١٢.
(٤) "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٤٠٩، "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٢٧٧.
(٥) "جامع البيان" ١٥/ ٢٤٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٤٠٩، "البحر المحيط" ٦/ ١٢٩، "إرشاد العقل السليم" ٥/ ٢٢٣، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٩٠، "غريب القرآن" لابن قتيبة ١/ ٢٦٧.
(٦) هذا جزء من عجز بيت ذكرته كتب التفسير بلا نسبة. والبيت:
هريقي من دموعهما سجاما | ضياع وجاؤوني نوحا قياما |
يريد (١): نساء نائحات قائمات، فوصفهن بالمصدر. وقال قتادة في قوله: ﴿غَوْرًا﴾ يقول: (ذاهبا قد غار في الأرض) (٢).
وقوله تعالى: ﴿فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا﴾ أي: لا يبقى له أثر يطلبه به. وقال الكلبي: (لن تستطيع له حيلة) (٣).
٤٢ - قوله تعالى ﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ﴾ معنى "أحيط" هاهنا: أهلك، أى أحاط العذاب بثمره، كما يحيط القوم بعدوهم فيهلكونهم عن آخرهم (٤). وذكرنا الكلام في هذا عند قوله: ﴿وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ﴾ [البقرة: ٨١].
وقوله تعالى: ﴿بِثَمَرِهِ﴾ قال ابن عباس: (بأشجار الثمر والنخل) (٥). وذكرنا الكلام واختلاف القراء في هذا عند قوله: ﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ﴾ [الكهف: ٣٤].
وقوله تعالى: ﴿فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ﴾ قال ابن عباس: (يضرب يديه واحدة على الأخرى ندامة) (٦). وقال الكلبي: (يصفق بالواحدة على
(٢) "جامع البيان" ١٥/ ٢٥٠، وذكر نحوه الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٣٨٩ ب.
(٣) ذكره السمرقندي في "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٠ بلا نسبة، والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٤٠٩.
(٤) "جامع البيان" ١٥/ ٢٥٠، "معالم التنزيل" ٥/ ١٧٣، "الكشاف" ٢/ ٣٩١، "البحر المحيط" ٦/ ١٣٠.
(٥) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "معالم التنزيل" ٥/ ١٧٣، "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٤٠٩، "التفسير الكبير" ٢١/ ١٠٩.
(٦) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "الكشف والبيان" ٣٨٩/ ٣/ ب، "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٠، "معالم التنزيل" ٥/ ١٧٣.
وقال أبو عبيدة، والزجاج، والمفضل، وابن قتيبة: (يقال: فلان يقلب كفيه على ما فاته، وتقليب الكفين يفعله النادم كثيرًا، والعرب تقول للرجل إذا ندم على الشيء وجعل يفكر فيه: يقلب يديه وكفيه؛ لأن ذلك يكثر من فعله. فصار تقليب الكف عبارة عن الندم كعض اليد) (٢). قال الشاعر (٣):
سمعن بموته فظهرن نوحا | قياما ما يحل لهن عود |
كمغبون يعض على يديه | يُقلب كفَّه بعد السباع |
وقوله تعالى: ﴿وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا﴾ ومضى الكلام في هذا مستقصى في سورة البقرة (٤). والعروش في هذه الآية تعم سقوف الأبنية، وما عُرِش للكروم. يريد: أنها ساقطة على سقوفها خالية من عريشها (٥). وقوله تعالى: ﴿وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا﴾ تمنى منه حين لا ينفعه التمني. أخبر الله تعالى أنه سلبه ما أنعم عليه في الدنيا، فندم حين لم ينفعه الندامة، وتمنى أنه كان موحدًا غير مشرك.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٢٨٩/ ٣، "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ١/ ٢٦٨، "تفسير المشكل من غريب القرآن" ص ١٤٤.
(٣) لم أهتد إلى قائله.
(٤) عند قوله سبحانه في سورة البقرة: ٢٥٩: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا﴾ الآية.
(٥) "معالم التنزيل" ٥/ ١٧٣، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣١٦، "الكشاف" ٢/ ٣٩١.
قال الفراء والزجاج: (﴿يَنْصُرُونَهُ﴾ محمول على معنى الفئة، ولو حمل على لفظها لقيل: تنصره، كما قال: ﴿فِئَةٌ تُقَاتِلُ﴾ [آل عمران: ١٣]) (٢). ﴿وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا﴾ بأن يسترد بدل ما ذهب منه. قال الزجاج: (وما كان هو أيضًا قادر على نصرة نفسه) (٣).
وقال قتادة: (وما كان ممتنعًا) (٤). وقد تمت هاهنا قصة الأخوين، وضربت مثلاً للمؤمن مع الكافر، فالكافر تغره دنياه ويتبجح بها ويظن أنها تبقى له، والمؤمن يصبر على نوائبها احتسابًا من الله تعالى جميل الأجر وجزيل الذخر، ولا يركن إليها لما يعلم من فنائها. وقبل ذكر قصة الأخوين ذكر الله تعالى ما أعد للكافرين في قوله: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا﴾ [الكهف: ٢٩] إلى آخر الآية، وما أعد للمؤمنين في قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [الكهف: ٣٠ - ٣١] الآيتان.
٤٤ - ثم عاد الكلام إلى ما قبل القصة فقال: ﴿هُنَالِكَ﴾ قال الكلبي: (يقول عند ذلك، وهو يوم القيامة) (٥).
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٤٥، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٨٩.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٨٩.
(٤) "جامع البيان" ١٥/ ٢٥١، "النكت والعيون" ٣/ ٣٠٨، "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٤١٠، "الدر المنثور" ٤/ ٤٠٧.
(٥) "النكت والعيون" ٣/ ٣٠٩، وذكره السمرقندي في "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٠ بدون نسبة، وكذلك القرطبي ١٠/ ٤١١.
وقوله تعالى: ﴿الْوَلَايَةُ﴾ أكثر القراء على فتح الواو (٢)، والولاية: نقيض العداوة، ومعناها التولي، وهو مصدر الوَلِيِّ (٣). وروي عن أبي عمرو، والأصمعي أنهما قالا: (الولاية بالكسر هاهنا لحن (٤)، والكسر في فعالة يجيء فيما كان صنعة نحو: الخياطة والصناعة (٥)، أو معنى متقلدًا كالكتابة والإمارة والخلافة، وليس هنا معنى تولي أمر، إنما (٦) الولاية من الدين) (٧). وكذلك التي في الأنفال: ﴿مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنفال: ٧٢]. وأما ولاية الأمور فهو بالكسر، كولاية السلطان، ومن أهل اللغة من يقول: يجوز الفتح في هذه، والكسر في تلك. كما قالوا: الوِكالة
(٢) قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وعاصم، وأبو عمر: (الولاية) بفتح الواو. وقرأ حمزة، والكسائي: (الولاية) بكسر الواو. انظر: "السبعة" ص ٣٩٢) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٤٩، "التبصرة" ص ٢٤٨، "العنوان" ص ١٢٣.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" (ولى) ٤/ ٣٩٥٥، "مقاييس اللغة" (ولى) ٦/ ١٤١، "لسان العرب" (ولى) ٨/ ٤٩٢٠.
(٤) قولهما: (أن الكسر هنا لحن). قول لا يعول عليه، لأنه مخالف لقراءة سبعية ثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، والقراءة الثابتة حجة على اللغة، فلا يجوز ردها أو تضعيفها، كما أن الفتح والكسر هنا جائز عند أكثر أهل اللغة.
(٥) في (ص): (الصياغة).
(٦) في (س): (إنما هو الولاية).
(٧) "المحرر الوجيز" ٩/ ٣١٨، "البحر المحيط" ٦/ ١٣٠، "الدر المصون" ٧/ ٤٩٩، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٤٩.
وقوله تعالى: ﴿لِلَّهِ الْحَقِّ﴾ من كسر القاف جعله من وصف الله سبحانه، ووصفه بالحق وهو مصدر كوصفه بالعدل وبالسلام (٢). والمعنى: أنه ذو الحق وذو السلام. وكذلك الإله معناه ذو العبادة، ويدل على صحة هذه القراءة: ﴿وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ﴾ [النور: ٢٥]، وقوله: ﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ﴾ [الأنعام: ٦٢]، ويصدقه قراءة عبد الله: (هنالك الولاية لله وهو الحق) (٣). وقرأ أبو عمرو والكسائي: ﴿للهِ الحقُّ﴾ بضم القاف (٤). جعلا الحق من صفة الولاية، وحجتهما قراءة أبي: (هنالك الولاية الحقّ لله) (٥). ومعنى وصف الولاية بالحق: أنه لا يشوبها غيره، ولا يخاف فيها ما يخاف في سائر الولايات من غير الحق.
وأما معنى الآية فقال أبو إسحاق: (في تلك الحال بيانُ الولاية لله أي: عند ذلك يتبين وليُّ الله بتولي الله إياه) (٦). قوله: (في تلك الحال)
(٢) قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وعاصم: (لله الحقِّ) بالكسر. انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٤٩، "الغاية في القراءات العشر" ص ٣٠٧، " التبصرة" ص ٢٤٩، "النشر" ٢/ ٣١١.
(٣) انظر كتاب قراءة عبد الله بن مسعود ص ١٢٤.
(٤) قرأ أبو عمرو البصري، والكسائي: (لله الحقُّ) بالضم.
انظر: "السبعة" ص ٣٩٢، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٤٩، "المبسوط في القراءات" ٢٣٥، "حجة القراءات" ٤١٨.
(٥) "معالم التنزيل" ٥/ ١٧٣، "روح المعاني" ١٥/ ٢٨٥، "البحر المحيط" ٦/ ١٣١.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٨٩.
وقوله تعالى: ﴿هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا﴾ يقول: هو أفضل ثوابًا يقول: هو أفضل ثوابًا ممن يرجى ثوابه. قال أهل المعاني: (قوله: ﴿هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا﴾ مع أنه لا يثبت إلا هو، على تقدير: لو كان يثبت غيره لكان هو خير ثوابًا) (٣).
وقيل: (هذا على ادعاء الجهال والكفار أنه قد يثبت غير الله) (٤). ﴿وَخَيْرٌ عُقْبًا﴾ وعُقُبَا (٥). وهما لغتان في العاقبة يقال: عُقْب، وعُقُب، وعَاقِبَة وعُقْبى، والعقب لا يكون لله تعالى كما يكون الثواب له. ولا يجوز
(٢) "معالم التنزيل" ٥/ ١٧٣، "النكت والعيون" ٣/ ٣٠٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٤١١، "التفسير الكبير" ٢١/ ١٢٩.
(٣) "معالم التنزيل" ٥/ ١٧٣، "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٤١١.
(٤) "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٤١١.
(٥) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، والكسائي: (عُقُبا) مضمومة القاف. وقرأ عاصم، وحمزة: (عُقْبا) ساكنة القاف. انظر: "السبعة" ص ٣٩٢، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٥٠، "التبصرة" ص ٢٤٩، "العنوان" ص ١٢٣، "حجة القراءات" ص ٤١٩.
﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا﴾ [الكهف: ٤٥].
٤٥ - قوله تعالى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ قال ابن عباس: (يريد لقومك) (٢). وقوله تعالى: ﴿كَمَاءٍ﴾ الكاف في محل الرفع لخبر ابتداء محذوف، أي: هو كماء يعني: مثل الحياة الدنيا (٣).
﴿كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ﴾ يعني: المطر (٤). ﴿فَاخْتَلَطَ﴾ فالتف واجتمع به، بذلك الماء أي: بسببه؛ لأن النبات إنما يختلط ويكثر بالماء (٥).
وقال أبو إسحاق: (تأويله أنه نجع في النبات حتى خالطه، فأخذ النبات زخرفه) (٦). يريد: أن النبات شرب من ذلك الماء فبدأ فيه الري والنضارة، فعلى هذا الوجه قد اختلط النبات بالماء حيث يروى به.
وقوله تعالى: ﴿فَأَصْبَحَ﴾ أي: النبات ﴿هَشِيمًا﴾ معنى الهَشْم في اللغة: الكسر، والهَاشِم: الذي يَهْشِم الخبز ويكسره في الثريد، وبه سمي
(٢) ذكره البغوي في "تفسيره" ٥/ ١٧٤ بدون نسبة، وكذلك القرطبي ١٠/ ٤١١.
(٣) "إملاء ما من به الرحمن" ١/ ٤٠٠ "المحرر الوجيز" ٩/ ٣١٩، "الدر المصون" ٧/ ٥٠٠.
(٤) "جامع البيان" ١٥/ ٢٦٤، "معالم التنزيل" ٥/ ١٧٤.
(٥) "المحرر الوجيز" ٩/ ٣١٩، "النكت والعيون" ٣/ ٣٠٩، "القرطبي" ١٠/ ٤١٢.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٩١.
وقال المفسرون في الهشيم: (أنه الكسير المتفتت) (٢).
وقوله تعالى: ﴿تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ﴾ الذَّرُّ حمل الريح الشيء ثم تثيره، يقال: ذَرَتْه الريح، تَذْرُوه، وتَذْرِيه، وبه قرأ عبد الله: (تَذْرِيه الرياح) (٣). وتَذْرُوة، وتَذْرِية وتُذْرِية لغات أربع (٤).
قال المفسرون: (تَرْفعه وتُفْرقه وتنسفه) (٥). وهذه الآية مختصرة من قوله في سورة يونس: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ﴾ [يونس: ٢٤] الآية. وقد شرحناها هناك.
قال أبو إسحاق: (أعلم الله أن الحياة الدنيا زائلة، وأن مثلها هذا المثل) (٦).
وقوله تعالى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرً﴾ أي: على كل شيء من الإنشاء والإفناء قادرًا، أنشأ النبات ولم يكن، ثم أفناه. قال الحسن: (كان الله على كل شيء مقتدرًا أن يكونه قبل كونه) (٧). قال الزجاج وهو مذهب
(٢) "جامع البيان" ١٥/ ٢٥٢، "معالم التنزيل" ٥/ ١٧٤، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٢٥، "النكت والعيون" ٣/ ٣٠٩.
(٣) "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٢٠، "الكشاف" ٢/ ٣٩٢، "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٤١٣، "البحر المحيط" ٦/ ١٣٣.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" (ذرا) ٢/ ١٢٧٢، "لسان العرب" (ذرا) ٣/ ١٤٩١.
(٥) "معالم التنزيل" ٥/ ١٧٤، "المحرر الوجيز" ٣٢٠/ ٩، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٩٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٤١٣.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٩١.
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٩١.
﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ [الكهف: ٤٦].
٤٦ - قوله تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ قال المفسرون: (هذا رد على عيينة بن حصين، والأقرع والرؤساء الذين كانوا يفتخرون بالمال والغنى والأبناء. أخبر الله تعالى أن ذلك مما يُتَزيَّن به في الحياة الدنيا ويُتَجمل به، لا مما ينفع في الآخرة) (٢). ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ﴾ يعني: ما يأتي به سلمان، وصهيب، وفقراء المسلمين (٣).
واختلفوا في المراد بالباقيات الصالحات، فقال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير: (هي الصلوات الخمس) (٤). وهو قول مسروق، وإبراهيم، ومحمد بن كعب (٥). وقال في رواية عطاء: (يريد سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) (٦). وهذا قول مجاهد، وعكرمة، والضحاك (٧). وروي ذلك مرفوعًا: (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمَّي هذه الأذكار الباقيات الصالحات
(٢) "جامع البيان" ١٥/ ٢٥٣.
(٣) "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٤١٤، "التفسير الكبير" ٢١/ ١٣١.
(٤) "جامع البيان" ١٥/ ٢٥٤، "معالم التنزيل" ٥/ ١٧٥، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٢٢، "النكت والعيون" ٣/ ٣١٠.
(٥) المذكور في الطبرى وابن كثير خلاف هذا انظر: ١٥/ ٢٥٥، وابن كثير ٣/ ٩٦.
(٦) "جامع البيان" ١٥/ ٢٥٤، "معالم التنزيل" ٥/ ١٧٤، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٩٦.
(٧) "جامع البيان" ١٥/ ٢٥٦، "معالم التنزيل" ٥/ ١٧٤، "بحر العلوم" ٢/ ٣٠١، "الكشف والبيان" ٣/ ٣٨٩ ب.
وقال فى رواية العوفي: (هي الكلام الطيب) (٣). وهذا أيضًا راجع إلى ذكر الله؛ لأنه الكلام الطيب.
وقال في رواية الوالبي: (هي الأعمال الصالحات وجميع الحسنات) (٤).
وهو قول قتادة قال: (هي كل ما أريد به وجه الله) (٥). واختاره الزجاج فقال: (هي كل عمل صالح يبقى ثوابه) (٦) (٧).
(٢) "جامع البيان" ١٥/ ٢٥٥، "الكشف والبيان" ٣/ ٣٨٩ ب، "النكت والعيون" ٣/ ٣١٠، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٩٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٤١٤، "تفسير الباقيات الصالحات وفضلها" ٣٢.
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ٢٥٦، "النكت والعيون" ٣/ ٣١٠، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٩٦، "الدر المنثور" ٤/ ٤٠٩.
(٤) "جامع البيان" ١٥/ ٢٥٦، "معالم التنزيل" ٥/ ١٧٥، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٢٢، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٩٦.
(٥) "معالم التنزيل" ٥/ ١٧٥، "الكشاف" ٢/ ٣٩٢، "الدر المنثور" ٤/ ٤١٠.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٩٢.
(٧) والراجح -والله أعلم- أن الباقيات الصالحات: كل عمل خير، فلا وجه لقصرها =
وقال ابن قتيبة: (﴿وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ مما يؤملون) (٣). أي: هو خير أن يؤمل.
٤٧ - قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ﴾ قال الزجاج: (هو منصوب على معنى واذكر، ثم قال: ويجوز أن يكون نصبه على معنى: خير يوم تسير الجبال، أي: خير في القيامة) (٤). وهذا الوجه يحسن لو لم يكن في ﴿وَيَوْمَ﴾ الواو (٥).
وقوله تعالى: ﴿نُسَيِّرُ الْجِبَالَ﴾ معنى التسيير: جعل الشيء يسير، وقال الكلبي: (تُسير الجبال عن وجه الأرض، كما تُسير السحاب في
وهذا اختيار كثير من المفسرين. انظر: "جامع البيان" ١٥/ ٢٥٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٤١٤، "أضواء البيان" ٤/ ١٠٩.
(١) ذكره القرطبي ١٠/ ١٤٤ بدون نسبة، وكذلك "روح المعاني" ١٥/ ٢٨٧.
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٤٦.
(٣) "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ١/ ٢٦٨.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٩٢.
(٥) "مشكل إعراب القرآن" ١/ ٤٤٣، "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٢٧٩.
وقوله تعالى: ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً﴾ قال ابن عباس: (يريد لا جبل ولا بناء ولا شجر ولا ماء) (٣). وقال مجاهد: (لا خَمَر (٤) فيها) (٥). وقال الكلبي: (ظاهرة ليس عليها شيء) (٦).
وقال أهل المعاني: (لا شيء يسترها، يحشر الناس فيكونون كلهم في صعيد واحد، يرى بعضهم بعضًا) (٧). وهذا قول قتادة في البارزة: (أنها
(٢) قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر: (ويوم تُسير الجبالُ) بالتاء، ورفع الجبال. وقرأ نافع، وعاصم، وحمزة، والكسائي: (ويوم نُسير الجبالَ) بالنون، ونصب الجبال. انظر: "السبعة" ص ٣٩٣، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٥١، "التبصرة" ص ٢٤٩، "العنوان" ١٢٣، "النشر" ٢/ ٣١١.
(٣) ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٣٨٩ ب بدون نسبة.
(٤) قال الأزهري في "تهذيب اللغة" (خَمَر) ١/ ١١٠٠: الوهدة: خَمر، والأكمة: خَمر، والجبل: خَمر، والشجر: خَمر، وكل ما خلفك فهو خمر. وانظر: "القاموس المحيط" (الخمر) ٣٨٧، "الصحاح" (خمر) ٢/ ٦٥٠.
(٥) "جامع البيان" ١٥/ ٢٥٧، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٩٨، "تفسير كتاب الله العزيز" ٢/ ٤٦٥، "تفسير مجاهد" ١/ ٣٧٧.
(٦) ذكر نحوه الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٣٨٩ ب بدون نسبة، وكذلك السمرقندي في "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٢.
(٧) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٤٥، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٩٢.
والقول الأول هو الأولى (٥). وهذا لا يصح إلا على بعد.
واستكره بأن يجعل برز بمعنى: أبرز، فقد قال ابن هانئ (٦) في قول لبيد (٧):
(٢) "الكشف والبيان" ٣/ ٣٨٩ ب، "معالم التنزيل" ٥/ ١٧٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٤١٧.
(٣) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٥/ ٢٥٧، "الكشف والبيان" ٣/ ٣٩٠ أ، "النكت والعيون" ٣/ ٣١١، "لباب التأويل" ٤/ ٢١٥، "الجامع حكام القرآن" ١٠/ ٤١٧.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٤٦.
(٥) وهذا هو الراجح -والله أعلم- وما عليه جمهور المفسرين، فهي ظاهرة وليس عليه ما يسترها من جبل ولا شجر ولا بنيان، أي: قد اجتثت ثمارها وقلعت جبالها وهدم نيانها فهي بارزة ظاهرة. انظر: "جامع البيان" ١٥/ ١٦٧، "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٤١٦، "أضواء البيان" ٤/ ١١١.
(٦) محمد بن هانئ بن محمد بن سعدون الأزدي الأندلسي، أبو القاسم، يتصل نسبة بالمهلب بن أبي صفرة، أشهر المغاربة على الإطلاق، وقد عاصر المتنبي، وولد بإشبيلية ورحل إلى المنصورية بقرب قيروان مدة قصيرة، ثم رحل إلى مصر، وقتل غيلة برقة سنة ٣٦٢ هـ وله ديوان مطبوع.
انظر: "وفيات الأعيان" ٢/ ٤، "النجوم الزاهرة" ٤/ ٦٧، "شذرات الذهب" ٣/ ٤١، "الأعلام" ٧/ ١٣٠.
(٧) هذا عجز بيت للبيد. وصدره: =
قال: (يقال: بَرَزْته بَرَز، بمعنى: أبرزته) (١).
ويكون معنى الآية على هذا: وترى الأرض مبرزة ما فيها، كما قال: ﴿وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ﴾ [الانشقاق: ٤]. وهذه لغة شاذة لا يفسر بها كتاب الله.
وقوله تعالى: ﴿وَحَشَرْنَاهُمْ﴾ أي: المؤمنين والكافرين، وقد تقدم ذكرهم في هذه السورة. ﴿فَلَمْ نُغَادِرْ﴾ أي: لم نترك ولم نخلف، يقال: غَادَرَه وأغدره إذا تركه، ومنه الغدر، لأنه ترك الوفاء، والغدير: الماء الذي غادره السيل والمطر (٢).
٤٨ - وقوله تعالى: ﴿وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ﴾ يعني المحشورين. ﴿صَفًّا﴾ الصف مصدر وصف به، ووضع موضع الحال، فهو بمعنى مصفوفين: كل زمرة وأمة صف (٣).
وقوله تعالى: ﴿لَقَدْ جِئْتُمُونَا﴾ القول هاهنا مضمر، أي: يقال لهم: لقد جئتمونا. أو فيقول لهم الله: ﴿لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ قال ابن
المَبْرُوز: المكتوب المنشور، من أبرز الكتاب إذا أخرجه ونشره. المخْتُوم: الذي لم ينشر. انظر: "ديوان لبيد بن ربيعة" ص ١٥١، "تهذيب اللغة" (برز) ١/ ٣١٠، "لسان العرب" (برز) ١/ ٢٥٥.
(١) "تهذيب اللغة" (برز) ١/ ٣١٠.
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" (غدر) ٣/ ٢٦٣٨، "القاموس المحيط" (غدر) ص ٤٤٨، "الصحاح" (غدر) ٢/ ٧٦٦.
(٣) "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٢٨٠، "مشكل إعراب القرآن" ١/ ٤٤٣، "إملاء ما من به الرحمن" ١/ ٤٠٠، "الدر المصون" ٧/ ٥٠٥.
وقيل: (يعني فرادى) (٢). كما قال في سورة الأنعام: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ الآية. وقال أبو إسحاق: (أي بعثناكم كما خلقناكم) (٣). لأن قوله: ﴿لَقَدْ جِئْتُمُونَا﴾ يعني: بعثناكم.
وقوله تعالى: ﴿بَلْ زَعَمْتُمْ﴾ خطاب لمنكري البعث خاص، ومعناه: بل زعمتم في الدنيا أن لن تُبعثوا، لأن الله وعدهم البعث فلم يصدقوا، والمعنى: ﴿أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا﴾ للبعث والجزاء، و ﴿بَلْ﴾ هاهنا إيذان بأن القصة الأولى قد تمت وبدأ في كلام آخر، وذلك أن الآية عامة في المؤمن والكافر إلى قوله: ﴿بَلْ زَعَمْتُمْ﴾ فلما أخذ في كلام خاص لأحد الفريقين أدخل ﴿بَلْ﴾ ليؤذن بتحقيق ما سبق، وتوكيد ما يأتي بعده، كقوله تعالى: ﴿بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ﴾ [النمل: ٦٦]، وقد يجيء ﴿بَلْ﴾ في الكلام لترك ما سبق من غير إبطال له (٤)، كقول لبيد (٥):
(٢) "الكشف والبيان" ٣/ ٣٩٨ ب، "معالم التنزيل" ٥/ ١٧٦، "الكشاف" ٢/ ٣٩٢، "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٤١٧.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٢/ ٢٩٢.
(٤) "البحر المحيط" ٦/ ١٣٤، "الدر المصون" ٧/ ٥٠٦، "إرشاد العقل السليم" ٥/ ٢٢٦، "إملاء ما من به الرحمن" ١/ ٤٠٠، "أضواء البيان" ٤/ ١١٦.
(٥) البيت للبيد. نوار: اسم امرأة. ونأت: بعدت. والأسباب: الحبال. =
بل ما تذكر من نوار وقد نأت | وتقطعت أسبابها ورمامها |
فدع ذا وسلِّ الهمَّ عنك بجسرةٍ
٤٩ - قوله تعالى: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ﴾ قال المفسرون: (يعني كتب أعمال الخلق) (٢). و ﴿الْكِتَابُ﴾ اسم الجنس، فيعمُّ عند الإطلاق. قال أبو إسحاق: (معناه ووضع كتاب كل امرئ بيمينه أو شماله) (٣).
وقوله تعالى: ﴿فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ﴾ قال ابن عباس: (يريد المشركين. ﴿مُشْفِقِينَ﴾ قال: خائفين) (٤). ومعنى الإشفاق في اللغة: الخوف والحذر من وقوع المكروه، ويقال: شَفَقَ بمعنى أَشْفَقَ شفقةً، وإشْفاقًا فهو مشفق وشَفِق، وأصل الحرف من الرقة (٥). وسنذكر ذلك مستقصى عند قوله: {فَلَا
(١) هذا صدر بيت لامرئ القيس. وعجزه:
ذمولٍ إذا صام النَّهار وهجرا
جَسْرَة: يقال ناقة جسرة طويلة ضخمة، والجسر العظيم من الإبل. ذَمُول: السريعة.
انظر: "ديوانه" ص ٦٣، "تهذيب اللغة" (صام) ٢/ ١٩٦٥، "لسان العرب" (هجر) ٤٦١٩.
(٢) "جامع البيان" ١٥/ ٢٥٨، "معالم التنزيل" ٥/ ١٧٧، "النكت والعيون" ٣/ ٣١٢، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٩٦.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٩٣.
(٤) ذكرته كتب التفسير بلا نسبة. انظر: "جامع البيان" ٢٥٨/ ١٥، "البغوي" ٣/ ١٧٧ بدون نسبة، "القرطبي" ١٠/ ٤١٨، "الرازي" ١١/ ١٣٤، "أضواء البيان" ٤/ ٢٤٩.
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" (شفق) ٢/ ١٩٠٠، "القاموس المحيط" (شفق) ٣/ ٨٩٧، "لسان العرب" (شفق) ٤/ ٢٢٩٢.
وقوله تعالى: ﴿مِمَّا فِيهِ﴾ أي: من الأعمال السيئة.
﴿وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا﴾ لوقوعهم في الهلكة يدعون بالويل على أنفسم: ﴿مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً﴾ أي: لا تاركًا صغيرة، فقوله: ﴿لَا يُغَادِرُ﴾ في موضع الحال، قال ابن عباس في رواية عكرمة: (الصغيرة التبسم، والكبيرة الضحك) (١).
ونحو هذا روى عنه الذبال بن عمرو الأوزاعي فيما كان يعظ به المنصور (٢) (٣). ونحو هذا روي عن الحسن عن ابن عباس، وهو قول ابن أبي ليلى (٤)، والكلبي (٥). وقال في رواية عطاء: ﴿لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً﴾ يريد:
(٢) عبد الله بن محمد بن علي بن العباس، أبو جعفر المنصور، ثاني خلفاء بني العباس، وأول من عني بالعلوم من ملوك العرب، وكان عارفًا بالفقه والأدب محبًا للعلم والعلماء، ولي الخلافة بعد وفاه أخيه السفاح سنة ١٣٦ هـ، وعرف بالشجاعة والحزم، توفي ببئر ميمون من أرض الحجاز محرمًا بالحج، ودفن في الحجون بمكة سنة ١٥٨ هـ، ودامت خلافته ٢٢ عامًا. انظر: "تاريخ بغداد" ١٠/ ٥٣، "الجرح والتعديل" ٥/ ١٥٩، "تاريخ الطبري" ٩/ ٢٩٢، "الأعلام" ٤/ ١١٧.
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ٢٥٨.
(٤) عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري، تابعي ثقة، قرأ القرآن على أبيه، وقرأ عليه أخوه محمد بن عبد الرحمن، وأبوهما ممن قرأ على علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وله رواية قليلة في "السنن". انظر: "التاريخ الكبير" ٦/ ٣٩٠، "الكاشف" ٢/ ٣٦٨، "غاية النهاية" ١/ ٦٠٩، "تهذيب التهذيب" ٨/ ٢١٩، "معرفة القراء الكبار" ١/ ٦٦.
(٥) "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٢٦، "النكت والعيون" ٣/ ٣١٢، "القرطبي" ١٠/ ٤١٩.
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا أَحْصَاهَا﴾ أي: عدَّها، وأثبتها، وكتبها، وحفظها، كل هذه ألفاظ المفسرين (٣). والمعنى: إني أحصيت وأثبت في الكتاب. فأضيف الإحصاء إلى الكتاب توسعًا.
قال قتادة في هذا: (اشتكى القوم -كما تسمعون- الإحصاء، فإياكم والمحقرات من الذنوب، فإنها تجتمع على صاحبها حتى تهلكه) (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا﴾ أي: في الكتاب مكتوبًا مثبتًا ذكره. ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ قال الزجاج: (أي: يعاقبهم، فيضع العقوبة موضعها في مجازاة الذنوب، قال: وأجمع أهل اللغة: أن الظلم وضع الشيء في غير موضعه) (٥).
وتأويل هذا: أنه لا يعاقب أحدًا بغير جرم، وهو معنى قول الضحاك: (لا نأخذ أحدًا بجرم لم يعمله) (٦).
٥٠ - قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ قال المفسرون:
(٢) "معالم التنزيل" ٥/ ١٧٧، "الكشاف" ٢/ ٣٩٣، "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٤١٩، "البحر المحيط" ٦/ ١٣٥.
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ٢٥٨، "معالم التنزيل" ٥/ ١٧٧، "الكشاف" ٢/ ٣٩٣، "أضواء البيان" ٤/ ١١٦.
(٤) "جامع البيان" ١٥/ ٢٥٨، "النكت والعيون" ٣/ ٣١٣، "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٤١٩، "الدر المنثور" ٤/ ٤١١.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٩٣.
(٦) "معالم التنزيل" ٥/ ١٧٨، "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٤١٩.
وروى سعيد عن قتادة قال: (كان من قبيل من الملائكة يقال لهم: الجن) (٣). وقال شهر بن حوشب: (كان إبليس من الجن الذين ظفر بهم الملائكة) (٤).
وقال الحسن: (ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين، وإنه لأصل الجن، كما أن آدم أصل الإنس) (٥).
وقد ذكرنا الخلاف في هذا في سورة البقرة عند ذكر قصة آدم بالشرح (٦) (٧).
(٢) "جامع البيان" ١٥/ ٢٦٠، "الدر المنثور" ٤/ ٤١٢.
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ٢٦٠، "تفسير القرآن" للصنعاني ١/ ٤٠٤، "الدر المنثور" ٤/ ٤١٢.
(٤) "جامع البيان" ١٥/ ٢٦١، "البحر المحيط" ٦/ ١٣٦، "الدر المنثور" ٤/ ٤١٣، "روح المعاني" ١٥/ ٢٩٢.
(٥) "جامع البيان" ١٥/ ٢٦٠، "معالم التنزيل" ٥/ ١٧٨، "النكت والعيون" ٣/ ٣١٢.
(٦) عند قوله سبحانه في سورة البقرة (٣٤) ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٣٤].
(٧) والذي عليه كثير من المفسرين رحمهم الله تعالى أن إبليس كان من الملائكة، أو =
قال الفراء: (أي خرج عن طاعة ربه، والعرب تقول: فسقت الرطبة
من قشرها لخروجها منه، وكأن الفأرة إنما سميت فويسقة لخروجها (١) من جحرها على الناس) (٢).
وقال أبو عبيدة: (﴿فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ أي: جار ومال عن طاعته) (٣)، وأنشد لرؤية (٤):
قال الطبري بعد أن ذكر الأقوال في هذه المسألة: "وهذه علل تنبئ عن ضعف معرفة أهلها، وذلك أنه غير مستنكر أن يكون الله -جل ثناؤه- خلق أصناف ملائكته من أصناف من خلقه شتى، فخلق بعضًا من نور وبعضًا من نار وبعضًا مما شاء من غير ذلك، وليس في ترك الله الخبر عما خلق منه ملائكته واخباره عما خلق منه إبليس ما يوجب أن يكون إبليس خارجًا عن مسماهم.. وأما خبر الله عنه أنه من الجن فغير مدفوع أن يسمى ما اجتن من الأشياء عن الأبصار كلها جنا فيكون إبليس والملائكة منهم لاجتنانهم عن أبصار بني آدم". انظر: "جامع البيان" ١/ ٢٢٧، "المحرر الوجيز" ١/ ٢٤٦، "معالم التنزيل" ١/ ٦٣، "الجامع لأحكام القرآن" ١/ ٢٩٤، "البحر المحيط" ١/ ١٥٣.
(١) قوله: (لخروجها)، ساقط من نسخة (ص).
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٤٧.
(٣) "تهذيب اللغة" (فسق) ٣/ ٢٧٨٨، "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٤٠٦.
(٤) هذا عجز بيت لرؤية يصف إبلاً منعدلة عن قصد نجد. وصدره:
يهوين في نجد وغورًا غائزًا.
انظر: "ديوانه" ١٩٠، "مجاز القرآن" ١/ ٤٠٦، "تهذيب اللغة" (فسق) ٣/ ٢٧٨٨، "البحر المحيط" ٦/ ١٣٦، "الزاهر" ١/ ٢١٨، "لسان العرب" (فسق) ٦/ ٣٤١٤.
الوجه الثاني: ما ذكره الأخفش قال: (معنى ﴿فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ نحو قول العرب: اتخم عن الطعام، أي: عن أكله، ولما رد هذا الأمر فسق) (١). ونحو هذا حكى الزجاج عن قطرب (٢). قال أبو العباس: (ولا حاجة به إلى هذا، الفسوق معناه: الخروج، ﴿فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ أي: خرج) (٣).
الوجه الثالث: ما ذهب إليه سيبويه والخليل: (أن معنى ﴿فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ أتاه الفسق لما أُمِرَ فعصى، وكان سبب فسقه أمر ربه، كما تقول: أطعمه عن جوع وكساه عن عُرِي، المعنى: كان سبب فسقه الأمر بالسجود، كما كان سبب الإطعام الجوع، وسبب الكسوة العري) (٤).
قال أبو عبيد: (وهذه الكلمة -يعني الفسوق- لم أسمعها في شيء من أشعار الجاهلية ولا أحاديثها، وإنما تكلمت بها العرب بعد نزول (٥) القرآن) (٦). قال أهل المعاني المبرد وغيره: (هي كلمة فصيحة على ألسنة العرب) (٧). وأوكد الأمور ما جاء في القرآن، ومعناه: الخروج، كما قال: فواسقا... البيت (٨).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٩٤.
(٣) "تهذيب اللغة" (فسق) ٣/ ٢٧٨٨، "لسان العرب" (فسق) ٦/ ٣٤١٤
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٩٤، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٣٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٤٢٠، "التفسير الكبير" ٢١/ ١٣٧.
(٥) في (ص): (تبدل)، وهو تصحيف.
(٦) ذكر نحوه ابن منظور في "لسان العرب" (فسق) ٦/ ٣٤١٤.
(٧) "تهذيب اللغة" (فسق) ٣/ ٢٧٨٨، "لسان العرب" (فسق) ٦/ ٣٤١٤
(٨) يريد به بيت رؤبة السابق الذكر. =
وقال الشعبي في هذه الآية: (لا تكون ذريته إلا من زوجة) (٤).
وروى عبد الله بن المغيرة (٥): (أن أبا هريرة قال: اسم امرأة إبليس
انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٤٧، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٢٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٤٢٠، "البحر المحيط" ٦/ ١٣٦، "إرشاد العقل سليم" ٥/ ٢٢٧، "أضواء البيان" ٤/ ١٢١.
(١) "جامع البيان" ١٥/ ٢٦٢، "معالم التنزيل" ٥/ ١٧٩، "البحر المحيط" ٦/ ١٣٦، "إرشاد العقل السليم" ٥/ ٢٢٧.
(٢) ذكر نحوه السمرقندي في "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٢.
(٣) "معالم التنزيل" ٥/ ١٧٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٤٢٠، "إرشاد العقل السليم" ٥/ ٢٢٧، "الدر المنثور" ٤/ ٤١٣.
(٤) "معالم التنزيل" ٥/ ١٧٩ بمعناه، "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٤٢٠، "البحر المحيط" ٦/ ١٣٦، "روح المعاني" ١٥/ ٢٩٥.
(٥) عبد الله بن عثمان بن المغيرة الثقفي، إمام زاهد، تابعي محدث، روى عن ابن عباس وغيره من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وروى عنه ابن جريح والحسن البصري وغيرهما من التابعين. انظر: "الجرح والتعديل" ٢/ ١١١، "تهذيب التهذيب" ٥/ ٣١٧، "الخلاصة" ص ٢٠٦، "تقريب التهذيب" ص ٢٠٧.
وقوله تعالى: ﴿وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ﴾ أعلم الله تعالى أنه من العداوة والحسد لبني آدم على مثل الذي كان لأبيهم. قال ابن عباس: (يريد كما أخرج أبويكم من الجنة) (٤).
وقوله تعالى: ﴿بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا﴾ قال ابن عباس: (يريد حيث استبدلوا بالرحمن عبادة الشيطان) (٥).
وقال الحسن: (بئس ما استبدلوا بعبادة ربهم أن أطاعوا إبليس، فبئس ذلك لهم بدلاً) (٦).
(٢) "جامع البيان" ١٥/ ٢٦٢، "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٤٢١.
(٣) والحق في ذلك -والله أعلم- أن الله أخبر أن لإبليس أتباعًا وذرية، وأنهم يوسون إلى بني آدم ليضلوهم. أما كيفية ولادة تلك الذرية فلم يثبت فيه نقل صحيح، ومثله لا يعرف بالرأي، بل يتوقف الأمر فيه على النقل الثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
(٤) لم أقف على القول. ويشهد له قوله تعالى في سورة البقرة الآية رقم (٣٦) ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾.
(٥) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "الكشف والبيان" ٣/ ٣٩٠ أ، "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٢، "معالم التنزيل" ٣/ ١٦٧.
(٦) "زاد المسير" ٥/ ١٥٤، "معالم التزيل" ٥/ ١٨٠، ونسبه لقتادة، "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٤٢٠.
﴿مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا﴾. [الكهف: ٥١]
٥١ - وقوله تعالى: ﴿مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أي: ما أحضرتهم يعني إبليس وذريته (٢).
قال صاحب النظم: (أومأ بقوله: ﴿مَا أَشْهَدْتُهُمْ﴾ إلى أنه لم يشاورهم في خلق السموات والأرض ولا في خلق أنفسهم) (٣). أي: أنه خلقها وخلقهم على ما أراد وقدر من غير مشاورة لهم، وإنما ضمن الإشهاد الإيماء إلى المشاورة؛ لأن الرجل إذا أراد مشاورة إنسان أشهده نفسه، أو شهده بنفسه، يدل على صحة هذا المعنى قوله: ﴿وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا﴾ أي: الشياطين الذين يضلون الناس.
وقال أهل المعاني: هذه الآية تأكيد في زجرهم عن اتخاذ إبليس وذريته أولياء. يقول: ليس عندهم علم ما تحتاجون إليه فتقبلوا أنتم على إتباعهم، فإني لم أشهدهم خلق السموات والأرض. وقيل: (إن هذه الآية إخبار عن كمال قدرة الله تعالى، واستغنائه عن الأنصار والأعوان) (٤).
(٢) "جامع البيان" ١٥/ ٢٦٣، "معالم التنزيل" ٥/ ١٨٠، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٣٣، "النكت والعيون" ٣/ ٣١٥.
(٣) ذكره البغوي في "معالم التنزيل" ٥/ ١٨٠ بدون نسبة، والسمرقندي في "النكت والعيون" ٣/ ٣١٥.
(٤) "الكشف والبيان" ٣/ ٣٩٠ أ، "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٣.
وقال ابن عباس في رواية عطاء: (يريد: لم يعضدوا لي وليًا، ولم ينصروا لي عبدًا، ولم يقوموا لأحد من أوليائي بحق) (٣). ومعنى هذا: أنهم لو نصروا أولياء الله لكان كأنهم نصروا الله، ولما لم يفعلوا ذلك أخبر الله تعالى أنه لم يتخذهم أعوانًا. والقول هو الأول، وإنما قال: عَضُد على واحد لوفاق الفواصل.
٥٢ - قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَقُولُ﴾ أي: الله تعالى، وقراءة العامة: بالياء لقوله: ﴿شُرَكَائِيَ﴾ وقرأ حمزة: بالنون (٤)، حملاً على ما تقدم في المعنى من قوله: ﴿وَمَا كُنْتُ﴾ [الكهف: ٥١] فكما أن كنت للمتكلم كذلك: نقول، والجمع والإفراد في ذلك بمعنى.
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" (عضد) ٣/ ٢٤٧١، "مقاييس اللغة" (عضد) ٤/ ٣٤٨، "القاموس المحيط" (العضد) ١/ ٢٩٩، "الصحاح" (عضد) ص ٥٠٩.
(٣) لم أقف عليه.
(٤) قرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، والكسائي، وعاصم: (يقول) با لياء. وقرأ حمزة: (نقول) بالنون. انظر: "السبعة" ص ٣٩٣، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٥١، "المبسوط في القراءات" ٢٣٦، "التبصرة" ص ٢٤٩، "النشر" ٢٠/ ٣١١.
وقال نوف البكالي: (هو واد بين أهل الضلال وبين أهل الإيمان) (٦). وقال البكالي: (هو واد يفرق به (٧) بين أهل لا إله إلا الله ومن سواهم) (٨). وهذا القول يوافق قول ابن عباس في رواية عطاء فإنه قال: (يريد حِجازًا وحاجزْا) (٩). ونحو هذا قال ابن الأعرابي في الموبق قال: (وكل حاجِز بين شيئين فهو مُوبِق) (١٠). وعلى هذا القول الكناية في قوله: ﴿بَيْنَهُمْ﴾ يعود
(٢) "معالم التنزيل" ٥/ ١٨١، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢.
(٣) ذكره ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ١٠١ بلا نسبة، والسمرقندي ٢/ ٣٠٣.
(٤) "جامع البيان" ١٥/ ٢٦٥، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٣٥، "النكت والعيون" ٣/ ٣١٦ "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٠١٢.
(٥) "جامع البيان" ١٥/ ٢٦٤، "معالم التنزيل" ٥/ ١٨١ بمعناه بدون نسبة لابن عمر، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٣٥، "الدر المنثور" ٤/ ٤١٤.
(٦) ذكره الطبري في "تفسيره" ١٥/ ٢٦٤ ونسبه إلى عمرو البكالي، وكذلك ابن كثير ٣/ ١٠١، "والجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٣.
(٧) قوله: (به)، ساقط من الأصل ومثبت في بقية النسخ.
(٨) "تفسير كتاب الله العزيز" ٢/ ٤٦٨، "الدر المنثور" ٤/ ٤١٤، "أضواء البيان" ٤/ ١٢٧.
(٩) "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢.
(١٠) "معالم التنزيل" ٣/ ١٠١، "أضواء البيان" ٤/ ١٢٨، "تهذيب اللغة" (وبق) ٤/ ٣٨٢٨، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢.
قال الفراء: (يقول: جعلنا تواصلهم في الدنيا موبقا، أي: مهلكا لهم في الآخرة) (٤). وعلى هذا ﴿بَيْنَهُمْ﴾ ينتصب انتصاب المفعول به؛ لأنه جعل البين بمعنى التواصل، فلا ينتصب انتصاب، والكناية تعود على المشركين فقط (٥).
وقال أبو إسحاق: (أي جعلنا بينهم من العذاب ما يوبقهم أي: يهلكهم) (٦). والبين على هذا ظرف، والموبق على القولين في مصدر، كأنه قيل: جعلنا تواصلهم في الدنيا هلاكًا لهم في الآخرة. والتأويل: سبب هلاك. هذا تقدير قول الفراء. وعلى قول أبي إسحاق كأنه قيل: جعلنا بينهم هلاكًا. يعني: عذابًا يهلكهم. ونص الضحاك على لفظ الهلاك فقال في قوله: ﴿مَوْبِقًا﴾: (هلاكًا) (٧).
قال الفراء في "المصادر": (يقال: وَبِقَ، يَوبقُ، وَبَقاً، فهو وَبِق،
(٢) "جامع البيان" ١٥/ ٢٦٤، "تفسير الصنعاني" ١/ ٣٤١، "معالم التنزيل" ٣/ ١٠١.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٩٥، "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٤٧، "تفسير المشكل من غريب القرآن" ٢/ ٢٦٨.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٤٧، "تهذيب اللغة" (وبق) ٤/ ٣٨٢٨.
(٥) "إملاء ما من به الرحمن" ١/ ٤٠٠.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٩٥.
(٧) "جامع البيان" ١٥/ ٢٦٤، "معالم التنزيل" ٣/ ١٠١، "النكت والعيون" ٣/ ٣١٦.
وذكر الزجاج هذه اللغات كلها (٥).
وذُكِرَ في تفسير الموبق قولان آخران لا يدرى لهما أصل.
أحدهما: ما روي عن الحسن أنه قال: (جعلنا بينهم عداوة يوم القيامة) (٦). فقال بعض أهل المعاني في هذا: يعني عداوة مهلكة. وهذا بعيد.
والقول الآخر: ما قاله أبو عبيدة قال في تفسير الموبق: (أنه الموعد، واحتج بقول الشاعر (٧):
(٢) تميم: قبيلة كبيرة، قوية من العدنانية، منازلهم في نجد والبصرة، واليمامة، ويمتدون إلى الكوفة، ويمكن حصرهم اليوم في ثلاثة بطون: بطن حنظلة بن مالك ابن زيد بن مناة بن تميم، وبطن سعد بن زيد بن مناة بن تميم، وبطن عمر بن تميم. انظر: "نهاية الأرب" ١٧٧، "معجم قبائل العرب" ١/ ١٢٥، "اللباب في تهذيب الأنساب" ١/ ٢٢٢، "الأنساب" للسمعاني ١/ ٤٧٨.
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ٢٦٥، "لسان العرب" (وبق) ٨/ ٤٧٠٥.
(٤) "جامع البيان" ١٥/ ٢٦٥، "تهذيب اللغة" (وبق) ٤/ ٣٨٢٨.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٩٥.
(٦) "جامع البيان" ١٥/ ٢٦٤، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٣٥، "النكت والعيون" ٣/ ٣١٦، "الكشاف" ٢/ ٣٩٤، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٠١.
(٧) البيت لخفاف بن ندبة السلمي. شَرَوْرَى، والسِّتَار، وتِعَار: أسماء أماكن وجبال لبني سليم. انظر: "مجاز القرآن" ١/ ٤٠٦، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨٢٨ (وبق)، "الأصمعيات" (١٥)، "لسان العرب" (وبق) ٨/ ٤٧٥٥.
وجاد شرورى والستار فلم يدع | تعارًا له والواديين بموبق |
٥٣ - قوله تعالى: ﴿وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ﴾ قال ابن عباس: (يريد المشركين) (٤). وهي تتلظى حنقا عليهم ﴿فَظَنُّوا﴾، قال ابن عباس، ومجاهد: (تيقنوا) (٥).
وقال السدي: (استيقنوا) (٦).
(٢) "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦١٩.
(٣) الراجح -والله أعلم- هو أن "وبق" بمعنى: هلك. قال الطبري -رحمه الله- في "تفسيره" ١٥/ ٢٦٥: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب القول الذي ذكرناه عن ابن عباس ومن وافقه في تأويل الموبق المهلك، وذلك أن العرب تقول في كلامها: قد أوبقت فلانًا، إذا أهلكته، ومنه قوله -عز وجل -: ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا﴾ بمعنى: يهلكهن. وانظر: "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٠١، "أضواء البيان" ٤/ ١٢٧، "تهذيب اللغة" (وبق) ٤/ ٣٨٢٨
(٤) ذكره الطبري في "جامع البيان" ١٥/ ٢٦٥ بدون نسبة، والبغوي في "معالم التنزيل" ٥/ ١٨١، والسمرقندي في "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٣.
(٥) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "المحرر الوجيز" ٢/ ٣٣٦، "الكشاف والبيان" ٣/ ٣٩١ أ، "الكشاف" ٢/ ٤٨٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ١١٠، "البحر المحيط" ٦/ ١٣٧.
(٦) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "الكشف والبيان" ٣/ ٣٩١ أ، "بحر =
وقوله تعالى: ﴿أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا﴾ قال ابن عباس: (أنهم واردوها) (٢). وقال الحسن: (أنهم داخلوها) (٣). وقال مجاهد: (مقتحموها) (٤).
ومعنى المواقعة في اللغة: ملابسة الشيء بشدة، يقال: واقَعَهُ مُوَاقَعَةً، وأَوْقَعَ به إِيْقاعاً، ومنه: وقائع الحروب، وتَوَقَعَ أي: ترقب وقعة شيء، ومن هذا يقال للجماع: الوِقَاع؛ لأنه يلابسه بدفع وشدة (٥). والمعنى: ملابسون إياها ملابسة تقع بهم وتشتد عليهم. ﴿وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا﴾ قال ابن عباس: (يريد قد أحاطت بهم من كل جانب، فلم يقدروا على الهرب ولا على الرجوع عنها) (٦). وقال أهل اللغة: (معنى المصرف: المعدل. وهو الموضع الذي يصرف إليه) (٧).
(١) "الكشف والبيان" ٣/ ٣٩٠ أ، "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٣، "معالم التنزيل" ٥/ ١٨١.
(٢) ذكر نحوه بلا نسبة السمرقندي في "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٣، والماوردي في "النكت والعيون" ٣/ ٣١٧.
(٣) ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٣٩٠ أبدون نسبة، وكذلك السمرقندي في "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٣.
(٤) "الكشف والبيان" ٣/ ٣٩٠ أ.
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" (وقع) ٤/ ٣٩٣٥، "مقاييس اللغة" (وقع) ٦/ ١٣٣، "القاموس المحيط" (وقع) (٨٢٦)، "الصحاح" (وقع) ٣/ ١٣٠١، "لسان العرب" (وقع) ٨/ ٤٨٩٥.
(٦) ذكرت كتب التفسير نحوه بلا نسبة. انظر: "معالم التنزيل" ٥/ ١٨١، "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ١١٠، "لباب التأويل" ٤/ ٢١٨.
(٧) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٩٥، "تهذيب اللغة" (صرف) ٢/ ٢٠٠٧،=
أزهير هل عن شيبةٍ من مَصْرِفِ
والمصرف في هذه الآية: موضع، وليس بمعنى المصدر، ولو كان مصدرًا كان مفتوح الراء.
٥٤ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ﴾ مفسرًا في سورة بني إسرائيل في موضعين (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾ قال ابن عباس: (يريد النضر بن الحارث، وجداله في القرآن) (٣). وقال الكلبي: (يعني أبي بن خلف) (٤) (٥).
(١) هذا صدر بيت لأبي كبير الهذلي. وعجزه:
أم لا خلود لباذل متكلف
انظر: "شرح أشعار الهذليين" ٣/ ١٠٨٤، "جامع البيان" ١٥/ ٢٦٦، "النكت والعيون" ٣/ ٣١٧، "البحر المحيط" ٦/ ١٣٨، "الدر المصون" ٧/ ٥١٠، "مجاز القرآن" ١/ ٤٠٧، "لسان العرب" (صرف) ٨/ ٢٤٣٥.
(٢) سورة الإسراء الآية رقم (٤١): ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا﴾. وقوله في الآية رقم (٨٩): ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا﴾ [سورة الإسراء]
(٣) "معالم التنزيل" ٥/ ١٨١، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٣٧، "البحر المحيط" ٦/ ١٣٩.
(٤) أبي بن خلف بن وهب الجمحي، كان من أشد الناس وأكثرهم أذى للرسول -صلى الله عليه وسلم- وللصحابة رضوان الله عليهم، رماه النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد بحربة فقتله.
انظر: "جوامع السير" ص ٥٤، "الكامل في التاريخ" ٢/ ١٤٨، "الأعلام" ٢/ ٢٢.
(٥) "معالم التنزيل" ٥/ ١٨١، "البحر المحيط" ٦/ ١٣٩، "القرطبي" ١١/ ٥.
٥٥ - قوله تعالى: ﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ﴾ قال ابن عباس: (يريد أهل مكة) (٣). ﴿أَنْ يُؤْمِنُوا﴾ أي: الإيمان ﴿إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى﴾ محمد -صلى الله عليه وسلم- جاءهم من الله بالرشاد والبيان (٤). وهذا مفسر في سورة بني إسرائيل (٥).
وقوله تعالى: ﴿وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ﴾ عطف على أن يؤمنوا.
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ﴾ قال صاحب النظم: (﴿سُنَّةُ اَلأَوَّلِينَ﴾ أنهم إذا تمردوا ولم يؤمنوا أن يعذبوا ويهلكوا) (٦).
(٢) الأولى -والله أعلم- أن تكون عامة في المؤمن والكافر، ويؤيد هذا ما ثبت في "الصحيحين" وغيرهما من حديث علي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- طرقه وفاطمة ليلاً فقال: ألا تصليان؟ فقلت: يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع إلى شيئًا، ثم سمعته يضرب فخذه ويقول: ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾ [الكهف: ٥٤].
(٣) ذكرته كتب التفسير بلا نسبة. انظر: "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٣٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ١١٠، "روح المعاني" ١٥/ ٣٠٠.
(٤) "معالم التنزيل" ٥/ ١٨٢، "فتح القدير" ٣/ ٤٢٢.
(٥) عند قوله سبحانه في سورة الإسراء الآية رقم (٩٤): ﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا﴾.
(٦) لم أقف عليه. ويشهد لهذا عدد من الآيات التي تحققت فيها سنته سبحانه في إهلاك من كفر وصد عن سبيله فعم قوم نوح الغرق، وأهلكت عاد الريح العقيم، وأخذت ثمود الصيحة، وقلبت على اللوطية ديارهم فجعل الله عاليها سافلها قال سبحانه =
وقال أبو إسحاق: (المعنى إلاَّ طلب أن تأتيهم سنة الأولين، وسنة الأولين أنهم عاينوا العذاب فطلب المشركون ذلك ﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ﴾ [الأنفال: ٣٢] (٢).
وقوله تعالى: ﴿أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا﴾ قال ابن عباس والكلبي: (يريد قتل المؤمنين إياهم ببدر) (٣). معنى ﴿قبُلًا﴾: عيانًا أي: مقابلة. قرأ أهل الكوفة: قُبُلاً (٤)، وهو يحتمل تأويلين أحدهما: أنه بمعنى قِبَلاً، فقد
(١) ويشهد لهذا عدد من الآيات في كتاب الله، يقول -سبحانه وتعالى- في سورة يونس الآية (٩٦، ٩٧): ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾. وقوله تعالى في سورة يونس الآية (١٠١): ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ﴾.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٩٦.
(٣) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "معالم التنزيل" ٥/ ١٨٢ بمعناه، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٤٠، "الكشاف" ٢/ ٢٩٤، "تفسير كتاب الله العزيز" ٢/ ٤٦٩. وذكره القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٦ ونسبه لابن عباس والكلبي.
(٤) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: (قِبَلاً) بكسر القاف. وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: (قُبُلاً) بضم القاف.
انظر: "السبعة" ص ٣٩٣، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٥٢، "المبسوط في القراءات" ٢٣٦، "التبصرة" ص ٢٤٩، "النشر" ٢/ ٣١١.
٥٦ - وقوله تعالى: ﴿وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ﴾ قال ابن عباس: (يريد المستهزئين، والمقتسمين وأتباعهم) (٤). وجدالهم بالباطل: أنهم ألزموه أن يأتي بالآيات على أهوائهم على ما كانوا يقترحون.
وقوله تعالى: ﴿لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ﴾ قال ابن عباس: (ليبطلوا به ما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم-) (٥). ومعنى الإدحاض: الإذهاب والإهلاك. يقال: دَحَضَتْ رجله تَدْحَضُ دَحْضًا أي: زلت. ودَحَضْتَ حجته: إذا أبطلتها (٦).
ومن هذا ما روي في الحديث: (أنه كان يصلي الأولى حين تَدْحَض
(٢) عند قوله سبحانه في سورة الإسراء الآية رقم (٩٢): ﴿أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا﴾.
(٣) عند قوله سبحانه في سورة الأنعام الآية رقم (١١١): ﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ﴾
(٤) "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٦.
(٥) ذكره الطبري في "جامع البيان" ١٥/ ٢٦٧ بدون نسبة، وكذلك الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٣٩٠ ب.
(٦) انظر: "تهذيب اللغة" دحض) ٢/ ١١٥٤، "مقاييس اللغة" (دحض) ٢/ ٣٣٢، "القاموس المحيط" (دحض) ٦٤٢، "الصحاح" (دحض) ٣/ ١٠٧٥.
وقوله تعالى: ﴿وَاتَّخَذُوا آيَاتِي﴾ يعني القرآن ﴿وَمَا أُنْذِرُوا﴾ وإن جعلت ﴿مَا﴾ موصولاً بمعنى: الذي، كان الراجع من الصلة محذوفًا على تقدير: وما أنذروا به أي: خوفوا به من النار والقيامة. وإن جعلت بمعنى المصدر لم يحتج إلى الراجع، ويكون المعنى: واتخذوا آياتي هزوا (٢). والهزؤ: مصدر وصف به، كقوله تعالى: ﴿أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا﴾ [البقرة: ٦٧]، وقد مر.
٥٧ - قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظلَمُ﴾ استفهام بمعنى التقرير أي: لا أحد أظلم: ﴿مِمَّن ذُكِرَ﴾. قال ابن عباس: (وعظ) (٣). ولهذا دخلت الباء في ﴿بِآيَاتِ رَبِّهِ﴾ يريد: العقاب والعذاب. ﴿فَأَعْرَضَ عَنْهَا﴾ قال: (يريد فتهاون بها) (٤). قال قتادة في هذه الآية: (إياكم والإعراض عن ذكر الله، فإن من أعرض عن ذكر الله فقد اغتر أكبر الغرة) (٥).
(٢) "الكشاف" ٢/ ٣٩٤، "البحر المحيط" ٦/ ١٣٩، "التفسير الكبير" ٢١/ ١٤١.
(٣) ذكره البغوي في "تفسيره" ٥/ ١٨٢ بدون نسبة، وكذلك السمرقندي في "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٤، والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٧.
(٤) ذكره القرطبي في "تفسيره" ١٠/ ١١٢ بدون نسبة، والشوكاني في "فتح القدير" ٣/ ٤٢٣.
(٥) لم أقف عليه. ويدل عليه قوله سبحانه في سورة طه الآيات (١٢٤، ١٢٥، ١٢٦): ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (١٢٤) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (١٢٥) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا﴾ مفسر في سورة بني إسرائيل (٢)، والأنعام (٣). ﴿وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى﴾ قال ابن عباس: (يريد إلى الإيمان) (٤). ﴿فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا﴾ قال أبو إسحاق: (أخبر الله أن هؤلاء بأعيانهم أهل الطبع) (٥).
٥٨ - قوله تعالى: ﴿بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ﴾ قال المفسرون: (يعني البعث والحساب) (٦). ﴿لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا﴾ قال الأخفش، وأبو عبيد: (منجا، من وأل يئل وألاً على فعول) (٧). وأنشد أبو عبيدة للأعشى (٨):
وقد أخالس ربَّ البيت غفلته | وقد يحاذر مني ثم ما يئل |
(٢) عند قوله سبحانه في سورة الإسراء الآية رقم (٤٦) ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا﴾ الآية.
(٣) عند قوله سبحانه في سورة الأنعام الآية رقم: (٢٥) ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا﴾. الآية.
(٤) ذكره القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٧ بلا نسبة.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٩٧.
(٦) "معالم التنزيل" ٥/ ١٨٣، "الكشاف" ٢/ ٣٩٤، "الدر المنثور" ٤/ ٤١٦.
(٧) "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٦١٩.
(٨) البيت للأعشى. أخالس: خلس الشئ أي سرقه. ثم ما يئل: ما ينجو.
انظر: "ديوانه" ص ٥٩، "مجاز القرآن" ١/ ٤٠٨، "جامع البيان" ١٥/ ٢٦٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٨، "البحر المحيط" ٦/ ١٣٢، "الدر المصون" ٧/ ٥١٣.
(٩) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٤٨.
٥٩ - وقوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ﴾ قال الزجاج: (﴿وَتِلْك﴾ رفع بالابتداء، و ﴿الْقُرَى﴾ صفة لها، و ﴿أَهْلَكنَاهُمْ﴾ خبر الابتداء. قال: وجائز أن يكون موضع ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى﴾ نصبا، ويكون ﴿أَهْلَكْنَاهُمْ﴾ مفسرًا للناصب، ويكون المعنى: وأهلكنا تلك القرى أهلكناهم) (٥). قال الأخفش: (أراد أهلها لذلك قال: ﴿أهلَكْنَاهُمْ﴾ حملة على القوم والأهل) (٦).
قال ابن عباس: (يريد ما أهلك بالشام واليمن لما ظلموا وأشركوا وكذبوا بالأنبياء) (٧).
(٢) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٥/ ٢٦٩، "معالم التنزيل" ٥/ ١٨٣، "النكت والعيون" ٣/ ٣٢٠، "الكشاف" ٢/ ٤٨٩، "القرطبي" ١٠/ ١١٢.
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ٢٦٩، "النكت والعيون" ٣/ ٣٢٠، "البحر المحيط" ٦/ ١٤٠.
(٤) "تفسير القرآن" للصنعاني ١/ ٣٤١، وذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٣٩٠ أبدون نسبة، وكذلك السمرقندي في "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٤.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٩٨.
(٦) "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٦١٩.
(٧) لم أقف عليه. وهذا الإجمال في تعيين هذه القرى وأسباب هلاكها، وأنواع الهلاك الذي وقع عليها جاء مفصلاً في آيات أخرى كثيرة، كما جاء في القرآن الكريم من قصة قوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم شعيب، وقوم موسى.
فالمصدر واسم الزمان والمكان فيه سواء، تقول: أدخلتُه مُدْخلاً وهذا مُدْخله، أي: المكان الذي يدخل منه وقت إدخاله (١). وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: ﴿لِمَهْلَكِهم﴾ بفتح الميم واللام (٢)، وهو مصدر هلك يهلك، والمعنى لوقت هلاكهم يكون المهلك مصدرًا مضافًا إلى الفاعل (٣).
قال أبو علي: (ويجوز على لغة تميم أن يكون مصدرًا مضافًا إلى المفعول؛ لأنهم يقولون: هلكني زيد، كأنهم جعلوه من باب رجع، ورجعته، وغاض الماء وغضته، وعلى هذا حمل بعضهم (٤):
ومهمهٍ هالك من تعرَّجا
قال: هو بمنزلة: مُهْلِكِ مَنْ تَعَرَّجا. فقدل: ﴿لِمَهْلَكِهم﴾، على قول
(٢) قرأ عاصم في رواية أبي بكر: (لِمَهْلَكِهم) بفتح الميم واللام الثانية.
انظر: "السبعة" ص ٣٩٣، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٥٦، "المبسوط في القراءات العشر" ص ٢٣٦، "التبصرة" ص ٢٤٩.
(٣) "الدر المصون" ٧/ ٥١٥، "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٢٨٣، "مشكل إعراب القرآن" ١/ ٤٤٤، "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٤٨.
(٤) هذا عجز بيت للعجاج وصدره:
عصرًا وحضنا عيشة المعذلجا
انظر: "ديوانه" ٢/ ٤٣، "المحتسب" ١/ ٩٢، "المقتضب" ٤/ ١٨٠، "الخصائص" ٢/ ٢١٠، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٥٦، "الدر المصون" ٧/ ٥١٥.
قال أبو إسحاق: (هذا على أن يكون مهلك اسما للزَّمان، يقال: هلك يهلك، هذا زمن مهلكه) (٣).
قال أبو علي: (ويجوز أن يكون مصدرًا، وقد جاء المصدر من باب فعل يفعل بكسر العين قال: ﴿إِلىَّ مَرْجِعُكُمْ﴾ [آل عمران: ٥٥]، وقال: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ﴾ [البقرة: ٢٢٢]، والفتح في المصدر أكثر وأوسع) (٤).
وقوله تعالى: ﴿مَوْعِدًا﴾ قال ابن عباس: (يريد وقتًا) (٥). وقال مجاهد: (أجلا) (٦).
٦٠ - قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ﴾ الآية. روي عن أبي بن كعب من طرق كثيرة أنه قال: (سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "بينما موسى في ملأ من بني إسرائيل إذ جاءه رجل فقال: هل تعلم أحدًا أعلم منك؟ فقال
(٢) قرأ عاصم في رواية حفص: (لِمَهْلِكِهم) بكسر اللام فيهما وفتح الميم. انظر: "الغاية في القراءات" ص ٣٠٨، "العنوان في القراءات" ص ١٢٣، "حجة القراءات" ص ٤٢١، "الكشف عن وجوه القراءات" ٢/ ٦٥.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٩٧.
(٤) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٥٧.
(٥) ذكره الماوردي في "تفسيره" ٣/ ٣٢١ بدون نسبة.
(٦) "جامع البيان" ١٥/ ٢٧٠، "النكت والعيون" ٣/ ٣٢١، "تفسير كتاب الله العزيز" ٢/ ٤٦٩.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (قام موسى خطيبًا في بني إسرائيل فأبلغ في الخطبة، وحدث في نفسه أن أحدًا لم يؤت من العلم ما أوتي، فعلم الله الذي حدث نفسه من ذلك فقال له: يا موسى إن من عبادي من قد آتيته من العلم ما لم أوتك، قال: إي ربي من عبادك؟ قال: نعم،
قال ابن كثير -رحمه الله- في "البداية والنهاية" ١٥/ ٣٢٧: قيل إنما سمي الخضر خضرا: لحسنه وإشراقة وجهه، وهذا لا ينافي ما ثبت في الصحيح؛ فإن كان ولابد من التعليل بأحدهما فما ثبت في الصحيح أولى وأقوى بل لا يلتفت إلى ما عداه.
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل ومن نسخة (ص).
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ٢٧٨، "تفسير القرآن" للصنعاني ١/ ٣٤٠، "معالم التنزيل" ٥/ ١٨٤، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٤٧ - ٣٤٨، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٠٣، "الدر المنثور" ٤/ ٤١٧، "تفسير النسائي" ٢/ ٨. وأخرجته كتب الصحاح والسنن من عدة طرق.
فقد أخرجه البخاري في كتاب التفسير سورة الكهف ٨/ ٤٠٩، وفي كتاب: العلم ١/ ١٧٣، وكتاب أحاديث الأنبياء باب حديث الخضر ٦/ ٤٣١، وكتاب: التوحيد ١٣/ ٤٤٨، وأخرجه مسلم في "صحيحه" في كتاب: الفضائل، باب: فضل الخضر -عليه السلام- ٤/ ١٨٥٠، وأخرجه الترمذي في "جامعه" كتاب: التفسير سورة الكهف ٨/ ٥٥٨، وأخرجه أبو داود في "سننه" كتاب: السنن، باب: في القدر حديث رقم (٤٧٠٥)، وأخرجه الإمام أحمد في "مسنده" ٥/ ١١٧.
فقوله: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى﴾ معناه: واذكر إذ قال موسى، لما في قصته من العبرة وقوله تعالى: ﴿لِفَتَاهُ﴾ أجمعوا أنه: يوشع بن نون. قال عطاء عن ابن عباس: (يريد غلامه) (٣).
قال الفراء، والزجاج: (وإنما سمي فتى موسى؛ لأنه كان ملازمًا له يأخذ عنه العلم ويخدمه) (٤).
وقوله تعالى: ﴿لَا أَبْرَحُ﴾ قال جميع أهل التأويل: (معناه لا أزال) (٥). يقال: برحت أفعل كذا أي: ما زلت، ومنه قوله تعالى: ﴿لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ﴾ [طه: ٩١]، أي: لن نزال. وأصله من قوله: برح الرجل
(٢) "جامع البيان" ١٥/ ٢٧٨، "تفسير القرآن" للصنعاني ١/ ٤٠٥، "ابن كثير" ٣/ ١٠٣، "الدر المنثور" ٤/ ٤٢١. وأخرجه البخاري في كتاب: التفسير سورة الكهف ٨/ ٤٠٩، ومسلم في كتاب الفضائل باب: فضل الخضر ٤/ ١٨٥٠، والترمذي في كتاب: التفسير: سورة الكهف ٨/ ٥٨٨، والنسائي في "تفسيره" ٢/ ٨.
(٣) ذكر نحوه بلا نسبة "جامع البيان" ١٥/ ٢٧١، "النكت والعيون" ٣/ ٣٢١، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٤٦ - ٣٤٧، "زاد المسير" ٥/ ١٦٤، "القرطبي" ١١/ ١١.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٩٩، "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٥٤.
(٥) "معالم التنزيل" ٥/ ١٨٥، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٤٨، "النكت والعيون" ٢/ ٣٢٣، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٩.
وأبرح ما أدام الله قومي | بحمد الله مُنْتَطِقًا مُجِيدًا |
قال ابن عباس في رواية عطاء: (يريد ملتقى البحرين العذب والمالح) (٤).
وقال قتادة: (يعني بحر فارس وبحر الروم) (٥). وكان مجمع البحرين الموضع الذي وعد موسى للقاء الخضر -عليه السلام-.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٩٨.
(٣) ذكر نحوه بلا نسبة "الكشاف" ٢/ ٣٩٥، "إملاء ما من به الرحمن" ص ٤٠١، "البحر المحيط" ٦/ ١٤٤، "الدر المصور" ٧/ ٥١٧، "التفسير الكبير" ٢١/ ١٤٥.
(٤) "جامع البيان" ١٥/ ٢٧١، "الدر المنثور" ٤/ ٤١٧.
(٥) "جامع البيان" ١٥/ ٢٧١، "تفسير القرآن" للصنعاني ١/ ٤٠٥، "معالم التنزيل" ٥/ ١٨٥، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٤٩.
وأمما أهل اللغة فإنهم كلهم قالوا: (الحقب ثمانون سنة) (٤).
قال صاحب النظم: (﴿أَوْ﴾ بمعنى حتى، مثل قولك: لا آتيك أو تكرمني، فيرجع تأويل الآية: لا أبرح ماضيًا إلى أن أمضي حقبًا حتى أبلغ مجمع البحرين. قال: ونظير هذا في الكلام أن تقول: لا أزال إلى أن أسير سنة حتى أقضى حاجتي. ومعنى إلى أن أسير سنة: وإن احتجت إلى أن أسير سنة) (٥). وعلى ما ذكر يكون في الآية تقديم وتأخير، ولا يجوز أن يجعل ﴿أَوْ﴾ للعطف؛ لأنه ليس المراد حتى أبلغ مجمع البحرين وحتى أمضي حقبا، و ﴿أَوْ﴾ هاهنا الناصبة للفعل بإضمار أن كما تقول: لألزمنك
(٢) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة.
انظر: "التسهيل لعلوم التنزيل" ص ٣٨٥، "الكشاف" ٢/ ٤٩٠، "التفسير الكبير" ٢١/ ١٤٦، "أنوار التنزيل" ٣/ ٢٣٠، "زاد المسير" ٥/ ١٦٥، "مدارك التنزيل" ٢/ ٩٥٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٠.
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ٢٧٢، "النكت والعيون" ٣/ ٣٢٢، "ابن كثير" ٣/ ١٠٣، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١١.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٩٩، "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٥٤، "تفسير المشكل من غريب القرآن" ص ١٤٤.
(٥) ذكر نحوه بلا نسبة "البحر المحيط" ٦/ ١٤٥، "الدر المصون" ٨/ ٥١٧، "إملاء ما من به الرحمن" ٤٠١، "التفسير الكبير" ٢١/ ١٤٦.
فقلت له لا تبك عينك إنَّما | نحاول ملكًا أو نموت فنعذرا |
٦١ - قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا بَلَغَا﴾ يعني: موسى وصاحبه. ﴿مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا﴾ قال ابن عباس: (يريد ملتقى العذب والمالح) (٣). وعلي قول قتادة: (ملتقى بحر الروم وبحر فارس) (٤). وهو حيث وعد لقاء الخضر.
وقوله تعالى: ﴿نَسِيَا حُوتَهُمَا﴾ إلى آخر الآية. قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: (كان فيما تزودا حوتًا مالحًا في زبيل، وكان يصيبان منه عند العشاء والغداء، فلما انتهيا إلى الصخرة على ساحل البحر، وضع فتاه المكتل (٥) فأصاب الحوت [ندى البحر فتحرك في] (٦) المكتل فقلب المكتل، وانسرب في البحر) (٧).
(٢) البيت لامرئ القيس. انظر: "ديوانه" ص ٦٤، "الكتاب" لسيبويه ٣/ ٤٧، "خزانة الأدب" ٤/ ٢١٢، "المقتضب" ٢/ ٢٨، "اللامات" ص ٦٨، "شرح المفصل" ٧/ ٢٢.
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ٢٧١، "الدر المنثور" ٤/ ٤١٧.
(٤) "جامع البيان" ١٥/ ٢٧١، "تفسير القرآن" للصنعاني ١/ ٤٠٥، "معالم التنزيل" ٥/ ١٨٥، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٤٩.
(٥) المكتل: الزنبيل يحمل فيه التمر وغيره. انظر: "تهذيب اللغة" (كتل) ٤/ ٣١٠٠، "القاموس المحيط" (الكتلة) ص ١٠٥٢، "لسان العرب" (كتل) ٦/ ٣٨٢٢.
(٦) في جميع النسخ: جرى البحر فترك المكتل. وما أثبته هو الصواب والموافق للسياق، والمخبت في "الوسيط" للمؤلف ٣/ ١٥٧.
(٧) "جامع البيان" ١٥/ ٢٧٨، "تفسير القرآن" للصنعاني ١/ ٤٠٨، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٠٣، "الدر المنثور" ٤/ ٤٢١.
قال ابن عباس في رواية عطاء: (نسي الفتى أن يذكر قصة الحوت لموسى) (٣).
﴿فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا﴾ قال: (يريد مسيرًا) (٤). وفي حديث أبي: "جعل لا يصيب الحوت شيئًا من الماء إلا جمد، حتى اتخذ سبيله في البحر سربًا شبه النقب" (٥).
وقال قتادة: (جعل لا يسلك طريقًا إلا صار الماء جامدًا) (٦).
وقال الربيع بن أنس: (انجاب الماء على مسلك الحوت فصارت كوة لم تلتئم) (٧).
(٢) سبق تخريج الحديث في أول القصة.
(٣) "الكشف والبيان" ٣/ ٣٩٠ أ، "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٥ وذكره بدون نسبة.
(٤) ذكر نحوه بلا نسبة "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٥٢، "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٣.
(٥) سبق تخريج الحديث في أول القصة.
(٦) "جامع البيان" ١٥/ ٢٧٤، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٥٢، "البحر المحيط" ٦/ ١٤٥.
(٧) ذكرته كتب التفسير ونسبته لأبي بن كعب. انظر: "جامع البيان" ٢٧٣/ ١٥، "الكشف والبيان" ٣/ ٣٩ أ، "لباب التأويل" ٤/ ٢٢٣، "معالم التنزيل" ٥/ ١٨٦، "زاد المسير" ٥/ ١٦٦، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٠٣.
وقال الكلبي: (كان عند تلك الصخرة التي نزلا عندها عين ماء فتوضأ يوشع من ذلك الماء، فانتضح على الحوت في المكتل ثم طفر في البحر) (٢).
والسَّرب معناه في اللغة: المحفور في الأرض لا نفاذ له، شبه مسلك الحوت في الماء (٣)، والماء منجاب عنه بالسَّرب. كما قال الفراء: (حيي الحوت بالماء الذي أصابه من العين، فلما وقع في الماء جمد مذهبه في البحر فكان كالسرب) (٤).
هذا قول المفسرين في هذه الآية. وعلى ما قالوا في نظم الآية تقديم وتأخير على تقدير: فلما بلغا مجمع بينهما اتخذ الحوت [سبيله في البحر سربا، ونسي يوشع أن يذكر ذلك لموسى؛ لأن النسيان لم يتقدم على ذهاب الحوت] (٥)، ذهب الحوت فنسي الفتى أن يذكر ذلك لموسى حتى جازوا ذلك المكان على ما في القرآن من الآيات بعد هذه الآية.
وسبق تخريج الحديث في أول القصة.
(٢) "معالم التنزيل" ٥/ ١٨٦، "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٥، "الكشاف" ٢/ ٣٩٥، "روح المعاني" ١٥/ ٣١٤، "التفسير الكبير" ٢١/ ١٤٦.
(٣) انظر (سرب) "تهذيب اللغة" ٣/ ١٦٦٣، "الصحاح" ١/ ١٤٦، "اللسان" ٤/ ١٩٨١.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٥٤.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من نسخة (س).
واختلفوا في وجه هذا فقال الفراء: (إنما نسيه يوشع فأضافة إليهما كما قال: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ [الرحمن: ٢٢] وإنما يخرج من الملح دون العذب) (١). وعلى هذا أضيف إليهما توسعا، وذكر غيره العلة في جواز هذا التوسع فقال: (إنهما كانا جميعًا تزوداه لسفرهما، فجاز إضافته إليهما كما يقال: نسي القوم زادهم، وإنما نسيه أحدهم) (٢).
وقال أبو علي الفارسي: (هذا من باب حذف المضاف. المعنى: نسي أحدهما حوتهما، فلما حذف المضاف عادت الكناية إلى الفعل فقيل: نسيا. قال: وكذلك قوله: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا﴾ [الرحمن: ٢٢] المعنى: من أحدهما، وفيه حذف أيضًا من وجه آخر وهو أن التقدير: نسيا أمر حوتهما وقصته؛ لأن يوشع نسي أن يذكر أمره لموسى على ما بينا) (٣).
هذا الذي ذكره مذهب المفسرين، وجميع أهل المعاني، وقد أغنى الزجاج عن الحذف والتقديم والتأخير الذي يلزم على مذهب هؤلاء فقال في قوله: ﴿نَسِيَا حُوتَهُمَا﴾ (كان النسيان من يوشع أن يقدمه، وكان النسيان من موسى أن يأمره فيه بشيء) (٤).
(٢) "جامع البيان" ١٥/ ٢٧٣، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٥٤، "النكت والعيون" ٣/ ٣٢٣، "روح المعاني" ١٥/ ٣١٤.
(٣) "الحجة للقراء السبعة" ٢/ ٣١١.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٩٩.
وذكر في انتصاب قوله: ﴿سَرَبَاً﴾ وجهين أحدهما: أنه مفعول ثان، كما تقول: اتخذت زيدًا وكيلاً.
والثاني: أن "سَرَبا" هاهنا مصدر سرب ينسرب إذا ذهب على وجهه (١). منه قول الشاعر (٢):
ونحن خلعنا قيده فهو سارب
وذكرنا هذا عند قوله: ﴿وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ﴾ [الرعد: ١٠]، وكأنه قيل: سَرب الحوت سربًا، ودل عليه قوله: ﴿وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ﴾ [الكهف: ٦٣]؛ لأنه بمعنى سرب، ولهذا نظائر كثيرة في التنزيل. وعلى هذا قد حصل في معنى السرب قول آخر. وبنحو هذا القول أخبرني العروضي عن الأزهري قال: (أخبرني المنذري عن ابن اليزيدي عن أبي حاتم. في قوله: ﴿سَرَبًا﴾ قال: أظنه يريد ذهابًا يسرب سربًا، كقولك: يذهب ذهابًا) (٣).
٦٢ - قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاوَزَا﴾ أي: ذلك المكان الذي كانت عنده
(٢) هذا عجز بيت للأخنس بن شهاب التغلبي، وصدره:
وكل أناس قاربوا قيد فحلهم
انظر: "تهذيب اللغة" (سرب) ٢/ ١٦٦٢، "لسان العرب" (سرب) ٤/ ١٩٨٠.
(٣) "تهذيب اللغة": (سرب) ٢/ ١٦٦٣.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "انطلقا وأصابهما ما يصيب المسافر من النصب والكلال" (١). ولم يجد النَّصَب حتى جاوز حيث أمره الله تعالى ﴿قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا﴾ الآية. ونحو هذا قال ابن عباس وجميع المفسرين: (إنه لم ينْصَب حتى جاوز الموضع الذي يريده، فلما خرج من حد الموضع نصب فدعا بالطعام ليأكل) (٢). والغداء: الطعام الذي يؤكل بالغداة. كالعشاء: الطعام الذي يؤكل بالعشي. والنَّصب: التعب والوهن الذي يكون عن الكلال (٣).
قال الليث: (النَّصب الإعياء من العناء، والفعل نَصِبَ يَنْصَب، وأنْصَبَنِي هذا الأمر) (٤).
٦٣ - قال المفسرون: فلما قال له موسى ذلك تذكر قصة الحوت؛ لأنه كان من عنده عذابهما، فقال: ﴿أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ﴾ [الكهف: ٦٣] الآية.
قال صاحب النظم: (الأمر عند الناس قوله: أرأيت من رؤية البصر، وليس كذلك، إنما هي كلمة وضعت لتنبيه المسؤول (٥) عنه وبعثه على
(٢) "جامع البيان" ١٥/ ٢٧٨، "معالم التنزيل" ٥/ ١٨٦، "الكشاف" ٢/ ٣٩٦، "لجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٣.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" (نصب) ٤/ ٣٥٨١، "مقاييس اللغة" (نصب) ٥/ ٤٣٤، "القاموس المحيط" (نصب) ١/ ١٣٨.
(٤) "تهذيب اللغة" (نصب) ٤/ ٣٥٨١.
(٥) في نسخة (ص): (على ما يسأل عنه).
وقوله تعالى: ﴿إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ﴾ يعني: حين نزلا هناك ووضع يوشع المكتل الذي فيه الحوت عند الصخرة.
وقوله تعالى: ﴿فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ﴾ قال ابن عباس في حديث أبي بن كعب مرفوعًا: (فإني نسيت الحوت أن أحدثكه) (٣). وعلى هذا المعنى نسيت قصة الحوت وأمره على ما ذكرنا. ثم اعتذر فقال: ﴿وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ﴾ وذلك؛ لأنه لو ذكر لموسى قصة الحوت عند الصخرة ما جاوزها موسى، وما ناله النصب الذي شكاه في قوله: ﴿لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا﴾ فاعتذر فتاه من ذلك بأن أنساه الشيطان إياه. قال أهل المعاني: (معناه شغل قلبي بوسوسته حتى نسيته؛ لأن الشيطان لا يقدر على فعل النسيان وإنما عرضه له) (٤).
(٢) ذكر نحوه في "الحجة للقراء السبعة" ٣/ ٣٠٩.
(٣) سبق تخريج الحديث في أول القصة.
(٤) "النكت والعيون" ٣/ ٣٢٤، "التفسير الكبير" ٢١/ ١٤٧.
وقوله تعالى: ﴿وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا﴾ قال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير: (اتخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبا) (٣). ونحو هذا قال قتادة، ومجاهد، وابن زيد (٤). وقد ذكرنا: أن مسلك الحوت لم يلتئم فدخل موسى ذلك المسلك. وينتصب ﴿عَجَبًا﴾ على هذا بوقوعه موقع الحال، كأنه قيل: واتخذ موسى سبيل الحوت عاجبًا من ذلك الأمر (٥).
قال مجاهد: (تعجب موسى من أثر الحوت في البحر ودورانه التي غاب فيها) (٦).
وقال ابن زيد: (أي شيء أعجب من حوت كان دهرًا من الدهور يؤكل منه، ثم صار حيًا حتى مشى في البحر) (٧). وهذا القول اختيار الفراء
(٢) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٥/ ٢٧٨، "الكشف والبيان" ٣/ ٣٩١ أ، "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٥، "تفسير كتاب الله العزيز" ٢/ ٢٧١، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٥٤ - ٣٥٥، "النكت والعيون" ٣/ ٣٢٤.
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ٢٧٥.
(٤) "جامع البيان" ١٥/ ٢٧٥، "تفسير كتاب الله العزيز" ٢/ ٤٧٢.
(٥) "إملاء ما من به الرحمن" ص ٤٠٢، "مشكل إعراب القرآن" ١/ ٤٤٥، "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٢٨٤.
(٦) "جامع البيان" ١٥/ ٢٧٦، "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٢٨٤.
(٧) "جامع البيان" ١٥/ ٢٧٥،"معالم التنزيل" ٥/ ١٨٧.
وذكر كثير من أهل العلم: (أن الكلام قد تمَّ عند قوله: ﴿وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ﴾ ويحسن الوقف هاهنا ثم تقول (٦): ﴿عَجَبًا﴾) (٧). ووجه هذا ما قاله أبو إسحاق: (وهو أن يكون قال يوشع: ﴿وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ﴾ فأجابه موسى فقال: ﴿عَجَبًا﴾ كأنه قال: أعْجَبُ عَجَبًا) (٨).
(٢) "تفسير غريب القرآن" ١/ ٢٦٨.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من نسخة (ص).
(٤) "معالم التنزيل" ٥/ ١٨٧، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٥٥، "الكشاف" ٢/ ٣٩٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٤.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٠٠.
(٦) قوله: (تقول)، ساقط من (ص).
(٧) "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٥٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٤، "البحر المحيط" ٦/ ١٤٦، "المكتفى في الوقف والابتداء" ص ٣٧٠، "الإيضاح" ٢/ ٢٥٩، "القطع والإئتناف" ص ٤٤٨.
(٨) "معالم التنزيل" ٥/ ١٨٧، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٠٠.
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: (لما قال هذا يوشع ذكر موسى ما كان عهد إليه أنه يدلك عليه بعض زادك) (٥).
٦٤ - فقال: ﴿ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ﴾ قال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير: (أي هذه حاجتنا) (٦). وهذا اللفظ يحتمل معنيين أحدهما: أن المراد بحاجته التي كان يطلبها الخضر -عليه السلام-، وعلى هذا الإشارة بقوله: ﴿ذَلِكَ﴾ إلى الخضر. هذا قول ذكره المتأخرون من أهل التفسير. والصحيح: أنه
(٢) "الكشف والبيان" ٣/ ٣٩١، "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٦، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٥٥، "لباب التأويل" ٤/ ٢٢٢، "الكشاف" ٢/ ٤٩٢، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٤، "إرشاد العقل السليم" ٥/ ٢٣٣.
(٣) في (ص): (عيسى بن مريم)، وهو تصحيف.
(٤) "المكتفى في الوقف والابتداء" ص ٣٧٠، "القطع والائنتاف" ص ٤٤٨، "الإيضاح" ٢/ ٢٥٩.
(٥) ذكره الماوردي في "النكت والعيون" ٣/ ٣٢٤ بدون نسبة، وذكر نحوه السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ٤١٧.
(٦) ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٣٩١ أبدون نسبة، وكذلك السمرقندي في "بحر العلوم " ٢/ ٣٠٦.
وقوله تعالى: ﴿فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا﴾ قال المفسرون: (رجعا وعادا عودهما على بدئهما في الطريق الذي جاءا منه) (٣). ﴿قَصَصًا﴾ أي: يقصان آثارهما قَصَصا. والقَصَص: إتباع الأثر (٤)، وقد مر ذكره. وانتصابه على المصدر (٥).
ودل قوله: ﴿فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا﴾ حتى انتهيا إلى الصخرة التي فعل عندها الحوت ما فعل، وأبصر موسى أثر الحوت فأخذا أثر الحوت يمشيان على الماء حتى انتهيا إلى جزيرة من جزائر البحر فوجدا الخضر (٦).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٠٠، "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٥٥.
(٣) "معالم التنزيل" ٥/ ١٨٧، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٥٦، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٠٣ - ١٠٤، "الكشاف" ٢/ ٣٩٦.
(٤) "العمدة في غريب القرآن" ص ١٩١.
(٥) "البحر المحيط" ٦/ ١٤٧، "الدر المصون" ٧/ ٥٢٥، "مشكل إعراب القرآن" ١/ ٤٤٥.
(٦) "جامع البيان" ١٥/ ٢٧٩، "الدر المنثور" ٤/ ٤٢١.
وقال مقاتل بن سليمان: (اسم المذكور في القرآن اليسع) (٢).
قال مجاهد: (سمي الخضر؛ لأنه إذا صلى اخضر ما حوله) (٣).
وقوله تعالى: ﴿آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا﴾ قال ابن عباس: (يريد نبوة) (٤).
﴿وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾ قال: (أعطاه علمًا من علم الغيب) (٥).
٦٦ - ﴿قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾ وقرئت:
(٢) "النكت والعيون" ٣/ ٣٢٥، "البحر المحيط" ٦/ ١٤٧، "روح المعاني" ١٥/ ٣١٩.
(٣) "معالم التنزيل" ٥/ ١٨٨، "النكت والعيون" ٣/ ٣٢٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٦، "الدر المنثور" ٤/ ٤٢٤ وقد صح عند البخاري ٦/ ٣٠٩، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إنما سمي الخضر؛ لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من خلفه خضراء.
وانظر:"صحيح مسلم بشرح النووي" ١٥/ ١٣٦، "مسند الإمام أحمد" ٢/ ٣١٢.
(٤) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "النكت والعيون" ٣/ ٣٢٥، "الكشاف" ٢/ ٣٩٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٦.
وقال ابن عطية في "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٥٦. والخضر نبي عند الجمهور، والآية شهد بنبوته؛ لأن بواطن أفعاله هل كانت إلا بوحي الله.
وقال القرطبي ١١/ ١٦: إن الإنسان لا يتعلم ولا يتبع إلا من فوقه، وليس يجوز أن يكون فوق النبي من ليس بنبي.
وانظر: "الزهر النضر في نبأ الخضر" ص ١١٠،"الخضر بين الواقع والتهويل" ص ٦٢، "الخضر نسبه ونبوته" ص ١٧، "الخضر وآثاره بين الحقيقة والخرافة" ص ١٨.
(٥) "جامع البيان" ١٥/ ٢٧٦، "معالم التنزيل" ٣/ ١٨٨، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٦.
قال أبو علي الفارسي: (فُعْل وفَعَل قد أجرى العرب كل واحد منهما مجرى الآخر (٢)، ألا ترى أنهم جمعوهما جمعًا واحدًا فقالوا: تاجٌ وتِيْجان، وقاعٌ وقِيْعان، وحُوت وحِيْتان، ونُوْنٌ ونيْنان، وكما جمعوا فعلاً على فعلٍ نحو: أَسَد وأُسْد، ووَثَن ووُثْن، جمعوا فُعْلا على فُعْلٍ أيضًا، كما جمعوا فَعَلاً وذلك قولهم: الفلك، قال الله تعالى: ﴿فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾ [الشعراء: ١١٩] أراد الواحد. وقال: ﴿وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ﴾ [البقرة: ١٦٤]، أراد الجمع. وقيل: أرجح الوجهين قراءة من قرأ: رَشَدا، لاتفاقهم على الفتح في قوله: ﴿فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا﴾ [الجن: ١٤]. وقد اجتمعا في أن كل واحد منهما فاصلة. فأما وجه انتصابه فقوله: ﴿عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ﴾ حال من قوله: ﴿أَتَّبِعُكَ﴾، والراجع إلى الموصول في قوله: ﴿مِمَّا عُلِّمْتَ﴾ محذوف تقديره: مما علمته. و ﴿رُشْدًا﴾ منصوب على أنه مفعول له، كأنه قيل: أتبعك للرشد. ويجوز أن يكون مفعولاً به تقديره: هل أتبعك على أن تعلمني رشدًا مما علمته (٣).
انظر: "السبعة" ص ٣٩٤، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٥٤، "التبصرة" ص ٢٥٠، "حجة القراءات" ص ٤٢٢، "النشر" ٢/ ٣١١.
(٢) في نسخة (ص): (الأثري)، وهو تصحيف.
(٣) "مشكل إعراب القرآن" ١/ ٤٤٥، "إملاء ما من به الرحمن" ٤٠٢، "الدر المصون" ٧/ ٥٢٥.
وهذه الآية بيان عما يوجبه العلم من تعظيم صاحبه، ألا ترى كيف دعت موسى مع جلالة شأنه وما أتاه الله من التوراة والعلم، في إتباع من يتعلم منه فيزداد إلى علمه.
قال أبو إسحاق: (وفيما فعل موسى وهو من جلة الأنبياء عليهم السلام من طلب العلم والرحلة في ذلك، ما يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يترك طلب العلم، وإن كان قد بلغ نهايته، وأحاط بأكثر ما يدركه أهل زمانه، وأن يتواضع لمن هو أعلم منه) (٢).
وقال قتادة: (لو كان أحد مكتفيًا من العلم لاكتفى موسى نبي (٣) الله حيث قال: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ﴾ الآية) (٤).
٦٧ - وقوله تعالى: ﴿قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾ هذا قول الخضر لموسى عليهما السلام. قال ابن عباس: (يريد لن تصبر على صنيعي؛ لأني علمت علم غيب، علم ربي) (٥).
٦٨ - وقال أبو إسحاق: (ثم أعلمه العلة في ترك الصبر، فقال:
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٠١.
(٣) في (س): (نجبى)، وهو تصحيف.
(٤) "روح البيان" ١٥/ ٢٧٤، "مجمع البيان" ٦/ ٤٤٦.
(٥) ذكر نحوه "جامع البيان" ١٥/ ٢٨٠، "ومعالم التنزيل" ٣/ ١٧٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٦.
وقال الكلبي: (يقول لا ينبغي لرجل صالح أن يصحبني يرى مني ما ينكر لا يغيره) (٢). وقال ابن عباس: (يريد لم تحط بعلم الغيب) (٣).
وقال الزجاج: (نصب ﴿خُبْرًا﴾ على المصدر؛ لأن معنى ﴿لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا﴾ أي: لم يخبره خبرا) (٤). ومعنى لم يخبره خبرا: لم يعلمه. والخبر: علمك بالشيء، يقال: من أين خبرت هذا؟ أي: علمت. وليس هذا من الخبر بمعنى التجربة. وقد روي ذلك عن عطاء في هذه الآية قال: (يريد لم يخبر من علم الغيب شيئًا) (٥). وهو بعيد مع قوله: ﴿لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ ولفظ الإحاطة يستعمل في معنى العلم لا في معنى التجربة، فقوله: ﴿لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا﴾ كقولك: لم تحط به علمًا.
٦٩ - ﴿قَالَ﴾ موسى ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا﴾ قال الكلبي: (يقول لا أسألك عن شيء حتى تكون أنت تحدثني) (٦) {وَلَا أَعْصِي لَكَ
(٢) ذكر السمرقندي في "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٦ بدون نسبة، وكذلك القرطبي ١١/ ١٦.
(٣) "الكشف والبيان" ٣/ ٣٩١ أ. وذكر نحوه بدون نسبة:"جامع البيان" ١٥/ ٢٨٣، "النكت والعيون" ٣/ ٣٢٦.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٠٢.
(٥) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٥/ ٢٨٣، "الكشف والبيان" ٣/ ٣٩١ أ، "النكت والعيون" ٣/ ٣٢٦، وذكر السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ٤٢٠ نحوه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وعزاه لعبد بن حميد، وابن مردويه.
(٦) ذكره نحوه السمرقندي في "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٦ بدون نسبة.
٧٠ - قال له الخضر: ﴿فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي﴾ قال ابن عباس: (وذلك أنه كان رجلاً يعمل على الغيب) (٢).
وقوله تعالى: ﴿حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾ قال: (يريد حتى أكون أنا الذي أفسره لك؛ لأنه قد غاب علمه عنك) (٣). هذا كلامه، وتفسير ﴿أُحْدِثَ لكَ مِنْهُ ذِكْراً﴾ أبتدئ بذكره لك وبيانه.
٧١ - وقوله تعالى: ﴿فَاَنطَلَقَا﴾ روي عن أبي بن كعب مرفوعًا أنه قال: (فانطلقا يمشيان على ساحل البحر، فمرت بهم سفينة وكلموهم أن يحملوهما، فحملوهما بغير أجر، فلما ولجوا البحر أخذ الخضر فأسًا فخرق لوحًا من السفينة، فحشاها موسى بثوبه، وقال له: ﴿أَخَرَقنَهَا﴾ الآية) (٤). فذلك قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا رَكبَا في اَلسَّفِينَهِ﴾ أراد ركبا البحر في السفينة، فحذف المفعول للعلم به. والسفينة معروفة أصلها: من السَّفن وهو القشر، سميت لِسَفْنِهَا وجه الماء كأنها تَقْشرة، وهي فَعِيلَة بمعنى فَاعِلة. وروى ثعلب عن ابن الأعرابي قال: (قيل لها سَفِينَة؛ لأنها تَسْفِنُ الرَّمْل إذا قلَّ الماء. قال: ويكون مأخوذًا من السَّفن، وهو الفأس التي ينجر
(٢) ذكر نحوه "جامع البيان" ١٥/ ٢٨٣، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٨٩، و"الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٦.
(٣) "الكشف والبيان" ٣/ ٣٩١ أ، "الدر المنثور" ٤/ ٤٢٠ وعزاه لابن عساكر.
(٤) سبق تخريج الحديث في أول القصة.
كما تخوَّف عود النبعة السَّفن
فهي على هذا فعيلة بمعنى مَفْعولة؛ لأنه نُحِتَت من الخشب بالسَّفَن فهي مَسْفونة، أي: منجورة منحوتة (٣).
وقوله تعالى: ﴿خَرَقَهَا﴾ أي: شقها. جاء في التفسير: (أنه قلع لوحين مما يلي الماء) (٤)، فقال موسى منكرًا عليه: ﴿أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا﴾ قال مجاهد: (منكرا) (٥). وهو قول قتادة، والمفسرين (٦).
(٢) هذا عجز بيت اختلف في نسبته. وصدره:
تخوَّف الرَّحل منها تامكًا صلبًا
تخوف: التخوف التنقص شيئًا فشيئًا. والتامك: السنام المرتفع.
والنبعة: واحدة النبع وهو شجر تتخذ منه القسي. والسَّفن: مبرد الحديد الذي ينحت به الخشب.
انظر: "الجامع البيان" ١٤/ ١١٣، "الكشاف" ٢/ ٤١١، "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ١١٠، "تهذيب اللغة" (سفن) ٢/ ١٧٠٨، "لسان العرب" (سفن) ٤/ ٢٠٣٢، "الصحاح" (سفن) ٥/ ٢١٣٦.
(٣) انظر المواضع السابقة من: "تهذيب اللغة"، "الصحاح"، "لسان العرب".
(٤) "معالم التنزيل" ٣/ ١٧٣، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٦٠، "النكت والعيون" ٣/ ٣٢٧، "الكشاف" ٢/ ٣٩٧.
(٥) "جامع البيان" ١٥/ ٢٨٤، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٦١، "النكت والعيون" ٣/ ٣٢٧، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٩.
(٦) "جامع البيان" ١٥/ ٢٨٤، "فتح القدير" ٣/ ٤٣١.
قد لقي الأقران منِّي نكرا | داهيةً دهياء إدًّا إمرا |
٧٢، ٧٣ - فقال له الخضر محققًا ما كان قال له أولاً: ﴿قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (٧٢) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ﴾ روى ابن عباس، وأبي بن كعب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كانت الأوُلى من أمر موسى في النسيان، والثانية العذر، ولو صبر موسى لقص الله علينا أكثر مما قص" (٥). فعلى هذا معنى قوله: ﴿نَسِيتُ﴾ غفلت عن التسليم لك، وترك الإنكار عليك ونسيت ذلك.
وروي عن ابن عباس نفسه أنه قال: (بما تركت من عهدك) (٦). وهو قول الكلبي يقول: (ما تركت من وصيتك) (٧). وعلى هذا القول النسيان
(٢) لم أهتد إلى قائله، وذكرته كتب التفسير واللغة بدون نسبة. انظر: "الطبري" ١٥/ ٢٨٤، "النكت والعيون" ٣/ ٣٢٧، "القرطبي" ١١/ ١٩، "مجاز القرآن" ١/ ٤٠٩، "الدر المصون" ٧/ ٥٢٨، "شواهد الكشاف" ص ١٣٠، "اللسان" (أمر) ١/ ١٢٩.
(٣) "روح المعاني" ١٥/ ٣٣٧.
(٤) "جامع البيان" ١٥/ ٢٨٥، "القرطبي" ١١/ ١٩، "فتح القدير" ٣/ ٤٣٢، "لسان العرب" (أمر) ١/ ١٢٩.
(٥) "جامع البيان" ١٥/ ١٨٤، "النكت والعيون" ٣/ ٣٢٧، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٠٥. وسبق تخريج الحديث في أول القصة.
(٦) "جامع البيان" ١٥/ ٢٨٥، "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٠، "النكت والعيون" ٣/ ٣٢٧، "الكشف والبيان" ٣/ ٣٩١ أ.
(٧) "النكت والعيون" ٣/ ٣٢٨، وذكره "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٧ بدون نسبة، وكذلك "جامع البيان" ١٥/ ٢٨٥، و"الكشاف" ٢/ ٤٩٣.
قوله تعالى: ﴿وَلَا تُرْهِقْنِي﴾ قال ابن عباس في رواية عطاء: (تلحقني) (٦). روى سلمة عن الفراء: (رهِقَني الرجل، يَرْهَقني، رهقًا، أي:
(٢) في (ص): (مني)، وهو تصحيف.
(٣) لم أقف عليه عن أبي عمرو. وذكره "جامع البيان" ١٥/ ٢٨٥ ونسبه لأبي بن كعب، وكذلك "الكشف والبيان" ٣/ ٣٩١، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٣٦٢، و"زاد المسير" ٥/ ١٧١، و"الدر المنثور" ٤/ ٤٢٨.
وذكره "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٧، ونسبه لابن عباس، وكذلك "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٠، و"النكت والعيون" ٣/ ٣٢٧، و"زاد المسير" ٥/ ١٧١، و"الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٠.
(٤) "المحرر الوجيز" ٩/ ٢٦٢، "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٧.
(٥) والقول الأول -والله أعلم- هو الراجح وهو قول جمهور العلماء. قال ابن جرير الطبري ١٥/ ١٨٤: والصواب من القول في ذلك أن يقول أن موسى سأل صاحبه أن لا يؤاخذه بما نسي فيه عهده من سؤاله إياه على وجه ما فعل وسببه لا بما سأله عنه وهو لعهده ذاكرًا للصحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن ذلك معناه من الخبر.
وانظر: "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٦٢، "البحر المحيط" ٦/ ١٥٠.
(٦) ذكره الماوردي في "النكت والعيون" ٣/ ٣٢٨ بدون نسبة.
وقال أبو إسحاق: (معنى ﴿تُرْهقِنى﴾ تغشيني) (٢). ونحو ذلك قال ابن قتيبة (٣)، وهو قول العامة. ويغشني ويلحقني بمعنى واحد، ومن لحق شيئًا فقد غشيه.
وقال الكلبي في قوله: (﴿وَلَا تُرْهِقْنى﴾ لا تكلفني) (٤) قال أبو زيد: (أرهقتُه عُسْرًا إذا كلَّفته ذاك) (٥). وهذا قريب من الأول، والكلام في هذا الحرف قد سبق عند قوله: ﴿وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ﴾ [يونس: ٢٦].
ومعنى الآية؛ عاملني باليسر لا بالعسر، ولا تضيق عليَّ الأمر في صحبتي إياك (٦).
وقال الفراء في قوله: ﴿وَلَا تُرْهِقْنىِ﴾: (لا تعجلني) (٧).
قال ابن شميل: (أرهَقَني القوم أن أصلِّي، أي: أعْجَلُوني) (٨).
وقال ابن الأعرابي: (إنه لرَهِقٌ أي: سريع إلى الشر سريع الحِدَّة) (٩).
وقال الكسائي: (فيه رَهَق، أي: خفِّة وحدِّة) (١٠). والأحسن في تفسير
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٠٢.
(٣) "غريب القرآن" لابن قتيبة ١/ ٢٦٩.
(٤) "النكت والعيون" ٣/ ٣٢٨، وذكره السمرقندي في "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٧ بدون نسبة.
(٥) "تهذيب اللغة" (رهق) ٢/ ١٤٨٩.
(٦) "جامع البيان" ١٥/ ١٨٥، "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٠، "البحر المحيط" ٦/ ١٥٠.
(٧) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٥٥.
(٨) "تهذيب اللغة" (رهق) ٢/ ١٤٨٩، "تاج العروس" (رهق) ١٣/ ١٨٣.
(٩) "تهذيب اللغة" (رهق) ٢/ ١٤٨٩، "لسان العرب" (رهق) ٣/ ١٧٥٦.
(١٠) "لسان العرب" (رهق) ٣/ ١٧٥٦.
٧٤ - وقوله تعالى: ﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ﴾ في حديث أبي بن كعب: (أنهما خرجا مع الصبيان فقال به هكذا، كأنه اجتذب رأسه فقلعه. وأشار عبد الرزاق (١) حين روى هذا الحديث بأصابعه الثلاثة: السبابة، والوسطى، والإبهام وفتحها) (٢).
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس: (أن ذلك الغلام كان من أحسن أولئك الغلمان وأصبحهم) (٣).
وقال أبو العالية: (كان الخضر عبدًا لا تراه الأعين، ورآه موسى، ولو رآه الناس يقتله ما تركوه) (٤).
انظر: "طبقات ابن سعد" ٥/ ٥٤٨، "ميزان الاعتدال" ٢/ ٦٠٩، "سير أعلام النبلاء" ٩/ ٥٦٣.
(٢) "تفسير القرآن" للصنعاني ١/ ٣٤٠، "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٠، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٦٤.
وسبق تخريج الحديث في أول القصة.
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ٢٨٦. وذكر نحوه الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٣٩١ أ، وكذلك السمرقندي في "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٨.
(٤) "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٠، "فتح القدير" ٣/ ٤٣٦ وقال رحمه الله: وأقول ينبغي أن ينظر من أين له هذا؟ فإن لم يكن مستندًا إلاَّ قوله: ولو رآه القوم.. الخ، فليس ذلك بموجب لما ذكره، أما أولاً: فإن من الجائز أن يفعل ذلك من غير أن =
قال الليث: (الزكاة: الصلاح) (٥). ورجل زاكٍ وزَكِي أي: تَقِي، ومنه قوله تعالى: ﴿خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً﴾ [الكهف: ٨١] أي: صلاحًا.
قال الكسائي: (والفعل منه زَكَوْتُ، يزْكُو، زُكُوًا، وزكاءً ممدود) (٦). هذا الذي ذكرنا أنه كان صبيًا لم يبلغ الحنث، قول أكثر المفسرين (٧).
وانظر: "أضواء البيان" للشنقيطي ٤/ ١٧٣.
(١) "معالم التنزيل" ٥/ ١٩١، "الكشف والبيان" ٣/ ٣٩١ ب، و"زاد المسير" ٥/ ١٧٢.
(٢) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمر: (زاكية) بالألف.
وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: (زكية) بغير ألف مع التشديد.
انظر: "السبعة" ص ٣٩٥، "المبسوط في القراءات" ص ٢٣٧، "التبصرة" ص ٢٥٠، "حجة القراءات" ص ٤٢٤، "النشر" ٢/ ٣١٣.
(٣) "معاني القرآن" ٣/ ٣٠٣، "الكشف والبيان" ٣/ ٣٩١ ب.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٥٥.
(٥) "تهذيب اللغة" (زكا) ٢/ ١٥٤٢.
(٦) "الكشف والبيان" ٣/ ٣٩١/ ب، وذكر نحوه بدون نسبة "تهذيب اللغة" (زكا).
(٧) "معالم التنزيل" ٥/ ١٩١، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٦٤، "النكت والعيون" ٣/ ٣٢٨، "زاد المسير" ٥/ ١٧٢.
وقال الكلبي: (كان يقطع الطريق) (٢). وعلى هذا معنى قوله: "زاكية" ما قال قتادة: (الزاكية التائبة) (٣). يعني النامية، وكل شيء يزداد ويسمن فهو يزكو، زكاء والمعنى: أنه كان غلامًا مقتبل الشباب (٤). أو تقول معنى زاكية على تفسير الضحاك والكلبي: (أنها كانت زاكية في رأي العين؛ لأنه لم يجن جناية توجب قتله بحضرة موسى) (٥).
وقوله تعالى: ﴿بِغَيْرِ نَفْسٍ﴾ قال ابن عباس: (يريد من غير قود) (٦). والمعنى: بغير قتل نفس: ﴿لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئا نُكْراً﴾ أي: فظيعًا منكرًا لا يعرف. قال قتادة: (والنكر أشد من الإمر) (٧). وهو اختيار ابن كيسان (٨). والمعنى على هذا: لقد جئت شيئًا أنكر من الأول.
وقال أبو إسحاق: (و ﴿نُّكْرًا﴾ أقل من قوله: ﴿إِمْرًا﴾؛ لأن تغريق من في السفينة كان عنده أنكر من قتل نفس واحدة) (٩). وانتصاب قوله: {شَيْئًا
(٢) "معالم التنزيل" ٥/ ١٩١، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٢، "الكشف والبيان" ٣/ ٣٩١ ب.
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ٢٨٦، "النكت والعيون" ٣/ ٣٢٩.
(٤) "النكت والعيون" ٣/ ٣٢٩، "زاد المسير" ٥/ ١٧٣.
(٥) "جامع البيان" ١٥/ ٢٨٦، "الكشف والبيان" ٣/ ٣٩١ ب.
(٦) "جامع البيان" ١٥/ ٢٨٦ بغير نسبة.
(٧) "جامع البيان" ١٥/ ٢٨٧، "معالم التنزيل" ٥/ ١٩١، "النكت والعيون" ٣/ ٣٣٠، "الدر المنثور" ٤/ ٤٢٨.
(٨) "الكشف والبيان" ٣/ ٣٩١ ب.
(٩) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٠٣.
٧٦ - قوله تعالى: ﴿قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا﴾ قال أهل المعاني: أراد إن سألتك سؤال توبيخ وإنكار، كما قال في السفينة: ﴿أَخَرَقْتَهَا﴾ وفي الغلام: ﴿أَقَتَلْتَ نَفْسًا﴾ وذاك أن السؤال على وجوه: منه ما هو: طلب الأخبار عن المعنى للفائدة، ومنه ما هو: للتقرير، ومنه ما هو: للتوبيخ. والكناية في قوله: ﴿بَعْدِهَا﴾ تعود إلى النفس المقتولة.
وقوله تعالى: ﴿قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِى عُذرًا﴾ قال ابن عباس: (يريد أنك قد أعذرت فيما بيني وبينك، وقد أخبرتني أني لا أستطيع معك صبرا) (٢). وقال أهل المعاني: (هذا إقرار من موسى بأن الخضر قد قدم إليه ما يوجب العذر عنده، فلا يلزمه ما أنكر) (٣).
وروي: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تلا هذه الآية فقال: "استحيا نبي الله موسى عندها، ولو صبر لرأى ألفا من العجائب" (٤).
(٢) "زاد المسير" ٥/ ١٧٥.
(٣) ذكره نحوه "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٦٧، "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٢٨٦.
(٤) أخرجه البخاري في التفسير، سورة الكهف ٨/ ٤٠٩، ومسلم في الفضائل، باب فضائل الخضر ٤/ ١٨٥١، وأخرجه ابن جرير في "تفسيره" ١٥/ ١٨٦، والترمذي في الدعوات، باب ما جاء أن الداعي يبدأ بنفسه ٥/ ٤٦٣، وأبو داود في "سننه" كتاب الحروف والقراءات ٤/ ٢٨٦، وابن أبي شيبة في "المصنف" ١٠/ ٢١٩، والحاكم في "المستدرك" ٢/ ٥٧٤، وأورده السيوطي في "الدر" ٤/ ٤٢٨.
قال أبو إسحاق: (الأجود تشديد النون؛ لأن أصل نون لَدُنْ الإسكان، فإذا أضفتها إلى نفسك زدت نونًا ليِعْلَمَ سكون النون الأولى، تقول: من لدنْ زيدٍ، فتسكن النون ثم تضيف إلى نفسك فتقول: من لَدُنِي، كما تقول: عن زيدٍ، ثم تقول: عَنِي) (٢).
وقال أبو علي: (من قال من لَدُنِّي زاد النون التي تزاد مع علامة المضمر المجرور والمنصوب، في نحو مِنِّي، وعَنِّي، وقَطْنِي، وضَرَبَني، فأدغم الأولى الساكنة في التي تزاد مع الضمير، فصار من لدنِّي، وهذا هو القياس والذي عليه الاستعمال. ومن خفف فإنه لم يلحق النون التي تلحق علامة الضمير في نحو: ضَرَبني، وقدني كما قال (٣):
وقرأ نافع: (من لَدُنِي) بضم الدال مع تخفيف النون.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: (من لدني) بشم الدال شيئًا من الضم، مع تخفيف النون.
انظر: "السبعة" ص ٣٩٧، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٦٠، "التبصرة" ص ٢٥٠، "حجة القراءات" ص ٤٢٤، "النشر" ٢/ ٣١٣.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٠٣.
(٣) هذا صدر بيت لحميد بن مالك الأرقط. وعجزه:
ليس الإمام بالشحيح الملحد
قَدْني: حسبي. الخبيبان: عبد الله بن الزبير وابنه، وقيل: هما عبد الله وأخوه مصعب. انظر: "الكتاب" ٢/ ٣٧١، "الخزانة" ٥/ ٣٨٢، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٦١، "المحتسب" ٢/ ٢٢٣، "الكامل" ص ٨٤، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٠٤، "مغني اللبيب" ١/ ١٧٠، "الإنصاف" ص ١٠٨، "لسان العرب" (خب) ٢/ ١٠٨٧.
لم يلحق النون، كذلك قرأ نافع: لدني. ولا تكون النون المحذوفة نون لدن لثبوته في قولك: لدنه، ولدنك، ولدنَّا) (١).
وقال أبو إسحاق: (ومن قال: لدني، لم يجز له أن يقول: عَنِي، ومِنِي؛ لأن لَدُن اسم غير متمكن، ومن، وعن حرفان جاءا لمعنى، ولدن مع ذلك أثقل من: مِنْ، وعَنْ، والدليل على أن الأسماء يجوز فيها حذف النون قولهم: قدنى، في معنى: حسبي) (٢)، هذا كلامه. وذكر الفرق بين لدني مخفف، ومتى خفف لا يجوز من وجهين أحدهما: أن لَدُنْ اسم والاسم يجوز الحذف فيه كقولهم: قَدِي. والآخر: أن لدن أثقل من (من).
وقال أبو علي فيما استدرك عليه: (النون مع الياء التي للمتكلم إنما اجتلبت ليسلم سكون الحرف، كما اجتلبت في (قد)، كذلك ثم استجيز الحذف في لدن، كما استجيز في (قد): (قدي)، فيجب أن ينظر في أي: موضع يجوز الحذف في (قدي)، فيجوز في لدن على ذلك الحد. فوجدنا الحذف في (قد) إنما وقع في الضرورة في الشعر دون الكلام، ولم يجيء الحذف في غير الشعر فإذا كان كذلك فلا يستحسن على هذا الحذف في القراءة من لدني؛ لأنه ليس بموضع ضرورة، ولم يفصل أبو إسحاق ما يجوز في الشعر، مما يجوز في الكلام والقرآن، حتى صار الجائز في الضرورة يتوهم من كلامه جوازه في الكلام. فإن قيل: إن الحذف للنون في (لدني) أدنى مزية في الحسن على (قدي)، لاجتماع المثلين فيه وهم
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٠٣.
(٢) ما بين المعقوفين مكرر في الأصل.
وروى أبو عبيدة عن الكسائي عن أبي بكر عن عاصم: (من لدن بضم اللام وتسكين الدال) (٢). قال ابن مجاهد: (وهو غلط) (٣).
قال أبو علي: (يشبه أن يكون التغليط منه في وجه الرواية، فأما من جهة اللغة ومقاييسها فهو صحيح، ألا ترى أن عَضُد إذا خفف فتخفيفه على ضربين أحدهما: أن تحذف الضمة وتبقى فتحة الفاء على حالها، فيقال: عَضْدٌ. والآخر: أن تلقى الحركة التي هي الضمة على الفاء، وتحذف الفتحة فيقال: عُضْدٌ (٤). وكذلك (٥): أرني، ولدني، إلا أن التخفيف في لدني مستقبح من حيث أنه امتناع بعد الحذف والنون، وإن كسرت من أجل مجاورة الياء في نية سكون، فكما أنه إذا سكنت النون لم يجز الإسكان في
(٢) "السبعة" ص ٣٩٧، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٦٢، "المبسوط في القراءات" ٢٣٧.
(٣) "السبعة" ص ٣٩٧.
(٤) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٦٢.
(٥) في (ص): (ولذلك).
من لد شولا فإلى إتلائها
و (٣):
من لد لحييه إلى منحوره
وكان القياس ألا يحذف منه شيء لمشابهة الاسم للحرف في البناء،
(٢) هذا من مشطور الرجز لم أهتد إلى قائله، وذكرته كتب اللغة بلا نسبة.
الشَّوْل: النوق التي جف لبنها وارتفع ضرعها، وأتى عليها من نتاجها سبعة أشهر أو ثمانية، وقيل غير ذلك الإتلاء: مصدر أتلت الناقة إذا تلاها ولدها أي تبعها. انظر: "الكتاب" ١/ ١٣٤، "خزانة الأدب" ٢/ ٨٤، "شرح أبيات مغني اللبيب" ٦/ ٢٨٧،"سر صناعة الإعراب" ٢/ ٥٤٦، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٢٥، "أوضح المسالك" ص ٤٩، "المقاصد النحوية" ٢/ ٥١، "لسان العرب" (لدن) ٧/ ٤٠٢٢.
(٣) هذا عجز بيت لغيلان بن حريث يصف فيه فرسًا أو بعيرًا بطول العنق. وصدره:
يستوعب البوعين من جريره
واللحي: العظم الأسفل من الشدق. والمنحور والنحر: الصدر. انظر: "الكتاب" ٤/ ٢٣٤، "المخصص" ١٤/ ٦٠، "شرح شواهد الشافية" ص ١٦١، "الإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني" ص ٩٦٩، "اللسان" (لدن) ٧/ ٤٠٢٢.
وقال ابن كيسان: (لَدُن حرف يَخْفِض، وربما نُصِب بها، وقال: وحكى البصريون: أنها تنصب غدوة خاصة من بين الكلام) (٢). وأنشدوا (٣):
مازال مهري مزجر الكلب منهم | لدن غدوةً حتى دنت لغروب |
(٢) "تاج العروس" (لدن) ١٨/ ٥٠٦، "لسان العرب" (لدن) ٧/ ٤٠٢٢.
(٣) البيت لأبي سفيان بن حرب.
انظر: "الحيوان" ١/ ٣١٨، "الدرر" ٣/ ١٣٨، "جواهر الأدب" ص ١٢٨، "الروض الآنف" ٣/ ١٦٤، "المقاصد النحوية" ٣/ ٤٢٩، "تاج العروس" (لدن) ١٨/ ٥٠٦، "لسان العرب" (لدن) ٧/ ٤٠٢٢.
(٤) "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٥٤٣، "لسان العرب" (لدن) ٧/ ٤٠٢٢.
(٥) "تاج العروس" (لدن) ١٨/ ٥٠٦، "لسان العرب" (لدن) ٧/ ٤٠٢٢.
من لد شولا فإلى إتلائها
أراد: من لد كانت شولا. وحكى أبو عمرو عن أحمد بن يحيى، والمبرد أنهما قالا: (العرب تقول لَدُن غُدْوَةٌ، وغُدْوَةً، وغُدوةٍ، فمن رفع أراد: لدن كانت غدوةٌ، ومن نصب أراد: لَدُنْ كان الوقت غدوةً، ومن خفض أراد: من عند غدوةٍ) (٢).
وقال أبو الفتح الموصلي: (إنهم شبهوا النون في لدن بالتنوين في ضارب فنصبوا غدوة، نحو: هذا ضارب زيدًا، ووجهه الشبه بينهما اختلاف حركة الدال قبل النون، وذلك لأنه يقال: لدن، ولدن بفتح الدال وضمها، فلما اختلفت الحركات قبل النون شابهت النون التنوين، وشابهت الحركتان قبلها باختلافهما حركات الإعراب في نحو: ضَارِبٌ، وضاربًا، فلما أشبهت النون التنوين من حيث ذكرنا انتصب غدوةً تشبيهًا بالمفعول، وكذلك شبه بعضهم غدوةً بالفاعل، فرفعها فقال: لدن غدوةٌ، كما تقول: أقائم زيد؟ ومنهم من يلزم القياس فيها، فيجر بها فيقول: لدن غدوةٍ) (٣).
قال سيبويه: (ولا تنصب مع لدن غير غُدوة، فلا تقول: لدن بكرةً؛ لأنها لم تكثر في كلامهم كثرة غدوة) (٤).
قال أبو الفتح: (ويزيد عندك في شبه نون لدن بتنوين اسم الفاعل، أن
(٢) "تهذيب اللغة" (لدن) ٤/ ٣٢٥٦، "تاج العروس" (لدن) ١٨/ ٥٠٦،"لسان العرب" (لدن) ٧/ ٤٠٢٢.
(٣) "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٥٤٢.
(٤) "الكتاب" لسيبويه ١/ ٢١٠، ٣/ ١١٩.
من لد شولا فإلى إتلائها
فلما حذفت النون تارة، وثبتت أخرى، قوي شبه النون بالتنوين الذي حذف تارة وثبت أخرى) (٢).
وقال القاضي أبو سعيد السيرافي في (٣) حكم لدن: (أن يخفض بها على الإضافة؛ لأن النون من أصل الكلمة بمنزلة الدال من عند، كما قال الله تعالى: ﴿مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾ [النمل: ٦] ﴿مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [هود: ١] غير أن من العرب من ينصب بها، وإنما يفعل ذلك؛ لأنه ينزع النون عنها فيقال: لَدُ، فشبهت الأصلية بالزائدة حين ثبتت في حال وسقطت في حال، كما ثبتت الزائدة في حال وسقطت في حال) (٤).
وكنت قد وعدت في أول هذه السورة، عند قوله: ﴿مِن لَّدُنْهُ﴾ [الكهف: ٢] بسط الكلام في هذا الحرف، وقد ذكرت ذلك على حد الإيجاز والله المستعان.
٧٧ - قوله تعالى: ﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ﴾ هي: أنطاكية (٥) في
(٢) "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٥٤٦.
(٣) قوله: (في)، ساقط من نسخة (ص).
(٤) ذكره نحوه بلا نسبة "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٢٨٧، "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٥٤٦، "الإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني" ص ٩٦٦، "إملاء ما من به الرحمن" ص ٤٠٣.
(٥) أنطاكية: بالفتح: السكون قصبة العوصم من الثغور الشامية، وهي من أعيان البلاد وأمهاتها، موصوفة بالنزاهة والحسن وطيب الهواء وعذوبة الماء وكثرة الفواكه وسعة الخير، قيل إن أول من بناها وسكها: أنطاكية بنت الروم بن اليقن بن سآم بن نوح -عليه السلام-، وقيل إن أول من بناها: أنطيغونيا في السنة السادسة من موت الإسكندر ولم يتمها، فأتمها بعد سلوقوس، وقيل غير ذلك، وفتحها أبو عبيدة بن الجراح سار إليها من حلب، وألزم أهلها بالجزية.
انظر: "معجم البلدان" ١/ ٢٦٦.
وقوله تعالى: ﴿فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا﴾ روى أبي بن كعب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كانوا أهل القرية لئام" (٣). والتضييف والإضافة فيه بمعنى واحد، يقال: ضافَه وتَضَيَّفه إذا نزل به وصار له ضيفًا، وأضافه وضيَّفه إذا أنزله وقراه، وأصل هذا في اللغة: من الميل والإمالة، يقال: ضاف يضِيف إذا مال، وأضافه إذا أماله، يقال: هذا مُضاف إلى كذا، أي: ممال إليه، ومنه قيل للدَّعي: مُضاف؛ لأنه مستند إلى قوم ليس منهم (٤).
ومنه: (قوله -صلى الله عليه وسلم- في النهي عن الصلاة: "إذا أضفت الشمس للغروب") (٥). أي: مالت.
(٢) "جامع البيان" ١٥/ ٢٨٨، "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٢، " المحرر الوجيز" ٩/ ٢٧٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤.
(٣) سبق تخريج الحديث وعزوه في بداية القصة.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" (ضاف) ٣/ ٢٠٨٠، "القاموس المحيط" (الضيف) ص ٨٣٠، "مقاييس اللغة" (ضيف) ٣/ ٣٨٠، "الصحاح" (ضيف) ٤/ ١٣٩٢.
(٥) أخرجه أبو داود في الجنائز، باب الدفن عند طلوع الشمس وعند غروبها ٣/ ٥٣١، والترمذي في الجنائز، باب كراهية الصلاة على الجنازة عند طلوع الشمس وعند غروبها ٣/ ٣٤٨، وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي في الجنائز، باب الساعات التي نهى عن إقبار الموتى فيهن ٤/ ٦٢، وابن ماجه في الجنائز، باب =
وقال أبو الهيثم: (هما عندنا بمعنى واحد) (٤). وقال الفراء في هذه الآية: (لو قرئت يُضيِفُوهُما كان صوابًا) (٥).
وقوله تعالى: ﴿فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارً﴾ هو الجَدْرُ، والجِدَارُ، ومنه الحديث: "حتى يبلغ الماء الجَدْرُ" (٦). ومكان جَدِير ومجدور: قد بني
(١) "غريب الحديث" لأبي عبيد ١/ ٢٢، "تهذيب اللغة" (ضاف) ٣/ ٢٠٨٠.
(٢) رجاء بن أبي سلمة مهران أبو المقدام الفلسطيني، نزل البصرة ثم تحول إلى الشام، روى عن: عمر بن عبد العزيز، وعمرو بن شعيب، والزهري، وغيرهم، وروى عنه: ابن عون، وابن عبلة، وبشر بن المفضل وغيرهم وثقه العلماء، وكان من أفاضل أهل زمانه، توفي رحمه الله سنة ٦١ هـ، وله من العمر سبعين سنة.
انظر: "الجرح والتعديل" ٣/ ٥٠٣، "الكشاف" ١/ ٣٠٨، "حلية الأولياء" ٦/ ٩٢، "تهذيب الكمال" ٩/ ١٦١، "تهذيب التهذيب" ٣/ ٢٣١
(٣) "تهذيب اللغة": (ضاف) ٣/ ٢٠٨١، "لسان العرب" (ضيف) ٥/ ٢٦٢٥.
(٤) "تهذيب اللغة": (ضاف) ٣/ ٢٠٨١.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٥٥.
(٦) أخرجه البخاري في "صحيحه" كتاب: الصلح، باب: إذا أشار الإمام بالصلح فأبي حكم عليه ٣/ ١٧١، ومسلم في "صحيحه" كتاب: الفضائل، باب: وجوب إتباعه -صلى الله عليه وسلم- ٤/ ١٨٢٩، وأبو داود في "سننه" كتاب: الأقضية أبواب: من القضاء =
وقوله تعالى: ﴿يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ﴾ الإرادة في صفة الجِدَار مجاز على جميع أهل المعاني، ومعناه: قرب أن ينقض، وذلك على التشبيه بحال من يريد أن يفعل (٢).
قال الفراء: (وذلك من كلام العرب أن يقولوا: الجدار يريد أن يسقط) (٣). ومثله قوله تعالى: ﴿ولَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ﴾ [الأعراف: ١٥٤]، وقوله: ﴿فَإِذَا عَزَمَ اَلأَمْرُ﴾ [محمد: ٢١]، يريد: أن إضافة السكوت إلى الغضب، والعزم إلى الأمر، كإضافة الإرادة إلى الجدار.
(١) انظر: "تهذيب اللغة" (جدر) ١/ ٥٥٧، "مقاييس اللغة" (جدر) ١/ ٤٣١، "القاموس المحيط" (الجدار) ص ٣٦٢،"الصحاح" (جدر) ٢/ ٦٠٩.
(٢) "النكت والعيون" ٣/ ١٧٥، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٧١، "الكشاف" ٢/ ٣٩٨، "البحر المحيط" ٦/ ١٥١.
وذهب قوم إلى منع المجاز في القرآن، قال الشنقيطي في "أضواء البيان" ٤/ ١٧٩: وزعم من لا علم عنده: أن هذه الأمور لا حقيقة لها، وإنما هي ضرب أمثال زعم باطل؛ لأن نصوص الكتاب والسنة لا يجوز صرفها عن معناها الواضح المتبادر إلا بدليل يجب الرجوع إليه، وبذلك تعلم أنه لا مانع من إبقاء إرادة الجدار على حقيقتها، لإمكان أن يكون الله علم منه إرادة الإنقضاض وإن لم يعلم خلقه تلك الإرادة، مع أنه من الأساليب العربية إطلاق في الإرادة على المقاربة والميل إلى الشيء.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٥٦.
قال أبو عبيد: (وهذا كقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تتراءى ناراهما") (٢). وإنما هو أن تكون ناران كل واحدة من صاحبتها بالموضع الذي لو قام فيه إنسان رأى الأخرى في القرب (٣).
وقال ابن قتيبة: (الجدار إذا أشرف على الانهيار يقال فيه: جدار يهم أن ينقض، أو يكاد، أو يقارب، وأياما يقال فقد جعل فاعلا، ولا يوصل إلى هذا المعنى إلا بمثل هذه الألفاظ. قال: والعرب تقول بأرض بني فلان شجر قد صاح، إذا طال وتبين للناظر بطوله جعلوه كأنه صائح؛ لأن الصائح يدل على نفسه بصوته) (٤). ويقال: شجر واعد إذا نور؛ كأنه ما نور وعد أن يثمر، وكل هذا مجاز كلام العرب واستعارتهم، وأنشد أبو عبيدة في مثل هذه الآية (٥):
(٢) أخرجه أبو داود في "سننه" كتاب: الجهاد، باب: النهي عن قتل من اعتصم بالسجود ٣/ ١٠٤، والترمذي في "جامعه"، كتاب: السير، باب: ما جاء كراهية المقام بين أظهر المشركين ٤/ ١٣٢، والنسائي في كتاب: القسامة، باب: القود بغير حديدة ٨/ ٢٦، والطبراني في "المعجم الكبير" ١/ ١٠٩، والحاكم في "المستدرك" ٢/ ١٤١، وصححه ووافقه الذهبي، وأحمد في "مسنده" ٤/ ٣٦٥، والطبري في "جامعه" ١٥/ ٢٩٠، وابن عطية في "المحرر الوجيز" ١٠/ ٤٣٢، وقال عنه الألباني في "إرواء الغليل" ٥/ ٢٩: صحيح.
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ٢٩٠.
(٤) "تأويل مشكل القرآن" ص ١٣٢.
(٥) البيت للحارثي.
وأنشد الفراء (١):
إنَّ دهرًا يلف شملي بجملٍ... لزمان يهم بالإحسان
وأنشد أبو عبيد لذي الرمة، يذكر حوضًا دارسًا قد كان (٢):
... قد هم بالبيود
ومثل هذا كثير مستفيض في كلامهم. وقال أبو إسحاق: (الجدار لا يريد إرادة حقيقية، إلا أن هيئته في التهيؤ للسقوط قد ظهرت، كما تظهر أفعال المريدين القاصدين، فوصف بالإرادة إذا كانت الصورتان واحدة) (٣). وأنشد
(١) البيت ينسب لحسان بن ثابت -رضي الله عنه-.
الشَّمل: الاجتماع يقال: جمع الله شملك، وجمع الله شملهم أي: ما تشتت من أمرهم.
والجُمل: جماعة الشيء، وأجمل الشيء: جمعه عن تفرقه.
انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٥٦، "جامع البيان" ١٥/ ٢٨٩، "الكشف والبيان" ٣/ ٣٩١ ب، "الكشاف" ٢/ ٣٦٨، "زاد المسير" ٥/ ١٢٣، "روح المعاني" ١٦/ ٦، "تهذيب اللغة" (دهر) ٢/ ١٢٤٠، "لسان العرب" (دهر) ٣/ ١٤٣٩.
(٢) هذا شطر من بيت لذي الرمة يقول فيه:
من عطن قد هم بالبيود... طلاوة من جائل مطرود
بيد: باد الشيء يبيد بيودًا: إذا انقطع وذهب، وباد يبيد إذا هلك.
انظر: "ديوان شعر ذي الرمة" (١٦٠)، "جامع البيان" ١٥/ ٢٩٠.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٠٦، وقال الطبري ١٥/ ١٨٧: والذكره نقول به في =
في مهمة فلقت به هاماتها | فلق الفؤوس إذا أردن نصولا |
قضوا غضابًا عليك الخيل من كثبٍ
وهذا قول مجاهد في هذه الآية: (يريد أن يسقط) (٣).
لبعض عما في ضمائرهم مما لا تحسه أبصارهم، وقد علمت أن معناه قد قارب من أن يقع أو يسقط، وإنما خاطب -جَلَّ ثناؤه- بالقرآن من أنزل الوحي بلسانه وقد عقلوا ما عني به، وإن استعجم عن فهمه ذو البلادة والعمى، وضل فيه ذو الجهالة والغبا.
(١) البيت لعبيد بن حصين النميري الراعي.
انظر: "ديوانه" ص ١٢٨، "جامع البيان" ١٥/ ٢٩٠، "الكشاف" ٢/ ٣٩٨، "القرطبي" ١١/ ٢٦، "التفسير الكبير" ٢١/ ١٥٧، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٠٦، "وضح البرهان في مشكلات القرآن" ٢/ ٣٩، "لسان العرب" (رود) ٣/ ١٧٧٢.
(٢) لم أهتد إلى قائله، وذكرته كتب اللغة بدون نسبة.
انظر: "تهذيب اللغة" (قض) ٣/ ٢٩٨٢، "لسان العرب" (قضض) ٦/ ٣١٦١.
(٣) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة، انظر: "جامع البيان" ١٥/ ٢٩٠، "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٨،"المحرر الوجيز" ٩/ ٣٧٤، "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٣، "الكشاف" ٢/ ٤٩٤، "زاد المسير" ٥/ ١٧٦.
وقوله تعالى: ﴿فَأَقَامَهُ﴾ روى ابن عباس عن أبي بن كعب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (انتهى إلى جدار مائل فدفعه بيده فقام) (٣).
وقال مجاهد: (مسحه بكفه حتى استوى) (٤).
ومعنى أقامه: سواه، وذلك أن قوله: ﴿يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ﴾ معناه: مال، كأنه قال: فوجدا جدارًا قد مال فأقامه. فقال موسى: ﴿لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذتَ عَلَيْهِ﴾ أي: على إقامته وإصلاحه ﴿أَجرًا﴾ قال الفراء: (لو شئت لم تقمه حتى يقرونا فهو الأجر) (٥).
وقال أبو إسحاق: (وذلك أنهما لما نزلا القرية لم يضيفهما أهلها، فقال موسى: لو شئت لأخذت أجرة إقامتك هذا الحائط) (٦).
(٢) "تفسير غريب القرآن" ص ٢٦٩، "النكت والعيون" ٣/ ١٧٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٥.
(٣) سبق تخريج الحديث وعزوه في بداية القصة.
(٤) ذكر نحوه البغوي ٥/ ١٩٣ ونسبه لسعيد بن جبير، وكذلك ابن عطية في "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٧٤، والقرطبي ١١/ ٢٧، والسيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ٤٢٩.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٥٦.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٠٦.
وقراءة العامة: ﴿لَتَّخَذْتَ﴾، افتعلت من الأخذ. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو: لَتَخِذْتَ (٣). وهي قراءة مجاهد، واختيار أبي زيد الأنصاري قال: (وكذلك هو مكتوب في الإمام، ومن قرأ: لاتخذت، فإنه يخالف الكتابة) (٤).
قال الليث: (يقال: اتَّخذ فلان يتَّخِذ اتِّخاذًا، ويقال: تَخِذَ يتخذ تخذًا، وتَخِذْتُ مالاً كسبتُه، ألزمت التاء الحرف كأنها أصلية) (٥). قال
انظر: "الثقات" لابن حبان ٧/ ٥٨٢، "الكاشف" ٣/ ٢١٤، "الجرح والتعديل" ٩/ ٩٢، "تهذيب التهذيب" ١١/ ١٠، "ميزان الاعتدال" ٤/ ٢٨٤.
(٢) "زاد المسير" ٥/ ١٧٨، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٣٣، "البحر المحيط" ٦/ ١٥٣، "روح المعاني" ١٦/ ٨.
(٣) قرأ نافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وعاصم: (لتَّخذْتَ) وكلهم أدغم إلا ما روى حفص من عاصم فإنه لم يدغم.
وقرأ أبو عمرو، وابن كثير: (لَتَخِذْتَ) بكسر الخاء، وكان أبو عمرو يدغم الذال، وابن كثير يظهرها.
انظر: "السبعة" ص ٣٩٦، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٦٣، "التبصرة" ص ٢٥٠، "العنوان في القراءات" ص ٢٤، "النشر" ٢/ ٣١٤.
(٤) "تهذيب اللغة" (أخذ) ١/ ١٣٠، "لسان العرب" (أخذ) ١/ ٣٧.
(٥) "تهذيب اللغة" (أخذ) ١/ ١٣٠، "لسان العرب" (أخذ) ١/ ٣٧، "تاج العروس" (أخذ) ٥/ ٣٤٥.
وحكى (٢) النضر: (اسْتَخَذْتُ عليهم يدًا أي: اتَّخَذْتُ) (٣). ومثل هذا حكى سيبويه: (استخذ فلان أرضًا) (٤).
قال أبو علي الفارسي: (وتأويله على أمرين أحدهما: أنه اتخذ فأبدل السين من التاء الأولى. والآخر: أنه استفعل من تخذ فحذف التاء التي هي فاء من تخذت) (٥). وكلهم أنشدوا (٦):
وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها | نسيفًا كأفحوص القطاة المطرَّق |
(٢) في (ص): (حلي)، وهو تصحيف.
(٣) "تاج العروس" (أخذ) ٥/ ٣٤٥، "لسان العرب" (أخذ) ١/ ٣٧.
(٤) "الكتاب" لسيبويه ٤/ ٤٨٣.
(٥) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٦٣.
(٦) البيت للممزق العبدي، واسمه: شأس بن نهار.
غرزها: الغرز للناقة مثل الحزام للفرس، والنسيف: أثر ركض الرجل بجنبي البعير. والأفحوص: المبيض، والمطرق: وصف للقطاة إذا حان خروج بيضها. انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٦٣، "الخصائص" ٢/ ٢٨٧، "الأصمعيات" ص ٦٥، "الحيوان" ٢/ ٢٩٨، "مجالس العلماء" للزجاجي ص ٣٣٣، "الإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني" ص ٩٩٣، "تهذيب اللغة" (نسف) ٤/ ٣٥٦٢، "لسان العرب" (فحص) ٦/ ٣٣٥٦.
(٧) "إملاء ما من به الرحمن" ص ٤٠٣، "سر صناعة الإعراب" ١/ ١٩٨.
وقال ابن الأنباري: (العرب تجعل تَخَذَ وتَخِذَ مستغنيا عما سقط منه، قائمًا بنفسه، جاريًا مجرى طعم أطعم، وعلمت أعلم، وبنوا يقنت على أيقنت، واتقى على يتقى، فلم يغيروا شيئًا من ماضيه ولا مستقبله ليجرى مجرى ما الساقط مظهر معه، وهو بالأفعال، وهذا لافتنانهم وإسباغ مبانيهم في لغاتهم) (٣).
وقال أبو العباس: (الاختيار لاتخذت؛ لأنه هو أصل الحرف يعرى من الحذف واللبس، قال: والقراءة الأخرى من لغة معروفة) (٤).
٧٨ - قوله تعالى: ﴿قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ﴾ معناه: هذا الذي عليه فراق بيني وبينك، هذا الكلام، والإنكار على ترك الأجر هو المفرق بيننا (٥). وذلك أن موسى قد كان قال له: ﴿إِن سَأَلْتُكَ عَن شَئٍ بَعْدَهَا﴾ الآية. وقيل معناه: (هذا وقت فراق بيني وبينك) (٦).
(٢) "الإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني" ص ٩٩٢.
(٣) ذكر نحوه بلا نسبة "سر صناعة الإعراب" ١/ ٩٨، "البحر المحيط" ٦/ ١٥٢.
(٤) ذكر نحوه "تهذيب اللغة" (أخذ) ١/ ١٣٠، "لسان العرب" (أخذ) ١/ ٣٧.
(٥) "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٣، "النكت والعيون" ٣/ ٣٣١، "الكشاف" ٢/ ٣٩٩، "زاد المسير" ٥/ ١٧٧.
(٦) "معالم التزيل" ٥/ ١٩٣؛ "النكت والعيون" ٣/ ٣٣١.
٧٩ - ثم فسر له فقال: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ﴾ هذه الآية دلالة على أن الفقير أسوأ حالاً من المسكين؛ لأن الله تعالى أخبر أنهم كانوا مساكين مع أنهم كانوا يملكون سفينة وهي تساوى جملة من الدنانير (٤)، وذكرنا هذا عند قوله: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾ [التوبة: ٦٠] الآية، ويجوز أن تكون المسكنة هاهنا لم يعن بها الفقر وقلة ذات اليد، لكن أريد بها عدم الناظر وانقطاع الحيلة، كما يقال للذي يظلمه عدوه: مسكين فلان. يراد بالمسكين المستضعف المهتضم، وإن كان كثير المال واسع الملك.
ومن هذا الباب ما روي في الحديث: "مسكين لا زوجة له" (٥). يعني
(٢) ذكر نحوه "التفسير الكبير" ٢١/ ١٥٨، "البحر المحيط" ٦/ ١٥٢، "روح المعاني" ١٦/ ٨.
(٣) "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٣، "روح المعاني" ١٦/ ٨.
(٤) "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٤، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٧٦، "النكت والعيون" ٣/ ٣٣٢.
(٥) أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"، كتاب: النكاح، باب: الحث على النكاح ٤/ ٢٥٢ وقال: رواه الطبراني في "الأوسط" ورجاله ثقا إلا أن أبا نجيح لا صحبة له. وابن الأثير في "جامع الأصول" كتاب: النكاح، باب: في الحث على النكاح والترغيب فيه ١١/ ٤٢٩، و"الترغيب والترهيب" للمنذري ٣/ ٦٧، وقال: ذكره =
وقوله تعالى: ﴿فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا﴾ قال مجاهد: (أخرقها) (٢). وعَابَ في اللغة يكون على معان ثلاثة يقال: عَابَ فلان فلانًا يعيبه عَيبًا، ورجل عَيَّاب، وعاب الحائط، والشئ إذا صار ذا عيب (٣) (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ﴾ أكثر أهل العلم من المفسرين وأصحاب المعاني قالوا: ﴿وَرَاءَهُمْ﴾ هاهنا معناها أمامهم) (٥). وكذا كان ابن عباس يقرأ: (وكان أمامهم ملك) (٦). ووراء بمعنى: أمام، ورد كثيرًا في التنزيل والشعر، فمن ذلك قوله تعالى: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾
(١) "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٧٧، "النكت والعيون" ٣/ ٣٣٢، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٣٤، "روح المعاني" ١٦/ ٩، وقال ابن عطية في "تفسيره" ٩/ ٣٧٧: وتحرير هذا عندي أنهما لفظان يدلان على ضعف الحال جدًا، ومع المسكنة انكشاف وذل وسؤال، ولذلك جعلهما الله صنفين في قسم الصدقات.
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ١، "الدر المنثور" ٤/ ٤٣٠.
(٣) في (س) قال: وعبته أنا، قال أبو الهيثم: ومنه قوله تعالى: ﴿فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا﴾ أي: أجعلها ذات عيب.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" (عاب) ٣/ ٢٢٦٣، "مقاييس اللغة" (عيب) ٤/ ١٨٩، "الصحاح" (عيب) ١/ ١٩٠.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ١، "الكشف والبيان" ٣/ ٣٩١ ب، "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٩، "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٤، "النكت والعيون" ٣/ ٣٣٢، "الكشاف" ٢/ ٣٩٩.
(٦) "جامع البيان" ١٦/ ١، "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٤، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٧٨، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٣٤.
أليس ورائي إن تراخت منيتي
وهذا قول أبي حاتم، وأبي عبيد، وابن السكيت، وأبي عبيدة، والفراء، والزجاج (٢)، وذكرنا هذا في سورة إبراهيم (٣).
وأنشد أبو عبيدة: لسوار بن المضرب السعدي (٤):
أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي | وقومي تميم والفلاة ورائيا |
لزوم العصا تحنى عليها الأصابع
انظر: "ديوانه" ص ٨٩، "البحر المحيط" ٦/ ١٥٤، "الدر المصون" ٧/ ٥٣٧، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٠٥، "تهذيب اللغة" (ورى) ٤/ ٣٨٧٨، "لسان العرب" (ورى) ٨/ ٤٨٢٣.
(٢) "مجاز القرآن" ١/ ٤١٢،"معاني القرآن"، للفراء ٢/ ١٥٧، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٠٥، "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٢٨٨، "البحر المحيط" ٦/ ١٥٤.
(٣) عند قوله سبحانه في سورة إبراهيم الآية رقم (١٧): ﴿يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾.
(٤) البيت لسوار بن المضرب السعدي.
انظر: "مجاز القرآن" ١/ ٤١٢، "جامع البيان" ١٦/ ١، "النكت والعيون" ٣/ ٣٣٢، "البحر المحيط" ٦/ ١٥٤، "الدر المصون" ٧/ ٥٣٧، "الكامل" ص ٢٨٩، "جمهرة اللغة" ١/ ٢٣٦، "لسان العرب" (ورى) ٨/ ٤٨٢٣.
(٥) "مجاز القرآن" ١/ ٤١٢.
(٦) البيت لعروة بن الورد.
انظر: "ديوانه" ص ١١٤، "الأضداد" لابن الأنباري ٦٩ ص، "البحر المحيط" ٦/ ١٥٤، "الدر المصون" ٧/ ٥٣٧، "روح المعاني" ١٦/ ٩.
أليس ورائي أن أدبَّ على العصا | فيأمن أعدائي ويسأمني أهلي |
وقال غيره: (يجوز استعمال وراء بمعنى أمام على الاتساع؛ لأنها جهة مقابلة لجهة، فكأن كل واحد من الجهتين وراء الآخر، إذا لم يرد معنى المواجهة، ويجوز ذلك في الأجسام التي لا وجه لها مثل: حجرين متقابلين كل واحد منها وراء الآخر) (٢).
وأكثر أهل اللغة على أن وراء من الأضداد.
قال أبو علي: (وقد حكى متقدمو أهل اللغة وقوع الاسم على الشيء وعلى ضده، وصنفوا فيه الكتب؛ كقطرب، والتوَّزي (٣)، ويعقوب
(٢) "البحر المحيط" ٦/ ١٥٤، ونسبه لأبي علي، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٣٦، "روح المعاني" ١٦/ ١٠.
(٣) عبد الله بن ثابت بن يعقوب بن قيس بن إبراهيم أبو محمد العبقسي، النحوي، التوزي نسبة إلى توَّز مدينة في فارس عند بحر الهند، سكن بغداد، روى عن أبيه عن هذيل بن حبيب تفسير مقاتل بن سليمان، وروى عن عمر بن شبَّة النميري، وروى عنه أبو عمر بن السماك، ولد سنة ٢٢٣ هـ، وتوفي رحمه الله سنة ٣٣٠ هـ، ودفن بالرملية.
انظر: "إنباه الرواة" ٢/ ١١٢، "طبقات ابن قاضي شهبه" ٢/ ٢٦، "طبقات القراء" ١/ ٤١١، "النجوم الزاهرة" ٣/ ١٩٩.
وروى الأزهري بإسناده عن ابن السكيت قال: (وراء، وأمام، وقدام يؤنَّثن ويُذَكَّرن، ويصغر أمام فيقال: أُمَيِّم ذلك وأُمَيِّمة، وقُدَيْدِيم ذلك وقديديمه، وهو وريئ ذلك (٣) الحائط، ووريئة الحائط) (٤).
قال أبو علي: (اللام من هذه الكلمة همزة، والقول في تحقيرها: وُرَئِّيةٌ مثل: وديعة، حكى ذلك أبو عثمان وغيره، ولو كان من باب الوري والتواري لكان تحقيره: وريَّةً، قال: ومن نادر ما جاء في هذه الكلمة دخول الهاء في تحقيرها مع أنها على أربعة أحرف، وكذلك دخلت في قُدَيْديمة تحقير قُدَام، وأنشد (٥):
قديديمة التجريب والحلم إنني | أرى غفلات العيش قبل التجارب |
(٢) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٨٧.
(٣) قوله: (ذلك)، ساقط من (ص).
(٤) "تهذيب اللغة" (ورى) ٤/ ٣٨٧٨.
(٥) البيت للقطامي.
انظر: "ديوانه" ص ٤٤، "خزانة الأدب" ٧/ ٨٦، "المقتضب" ٢/ ٢٧٣، "شرح المفصل" ٥/ ١٢٨، و"اللمع في العرية" ص ٣٠٣، "لسان العرب" (قدم) ٦/ ٣٥٥٢.
(٦) في نسخة (ص): (في التحقير).
قال أبو علي: (ووراء معرفة لا يصرف للتأنيث والتعريف) (٣). والآية تدل على أن معنى وراء أمام؛ لأنه لو كان بمعنى خلف كانوا قد جاوزوه فلا يأخذ سفينتهم. واختار الزجاج أن يكون وراء بمعنى: خلفهم قال: (هذا أجود الوجهين- وعلى هذا قال: يجوز أن يكون: كان رجوعهم في طريقهم عليه، ولم يكونوا عالمين بخبره، فأعلم الله الخضر خبره حتى عاب السفينة لتسلم من الغصب) (٤).
وقوله تعالى: ﴿يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾ قال أهل المعاني: (أراد كل سفينة صالحة) (٥). وكذا كان يقرأ ابن عباس، وأبي، وحذفت في قراءة الناس للعلم بها (٦).
وروي في حديث أبي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه القصة: "أن الخضر
(٢) "تهذيب اللغة" (ورى) ٤/ ٣٨٧٨.
(٣) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٩٠.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٠٥.
(٥) "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٩، "زاد المسير" ٥/ ١٧٩، "روح المعاني" ١٦/ ١٠، "فتح القدير" ٣/ ٤٣٧.
(٦) "جامع البيان" ٣/ ١٦، "الكشف والبيان" ٣/ ٣٩١ ب، "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٩، "زاد المسير" ٥/ ١٧٩، "البحر المحيط" ٦/ ١٥٤، "الدر المنثور" ٤/ ٤٣٠.
٨٠ - قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ﴾ الآية. روى ابن عباس عن أبي بن كعب قال: (سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: في قوله: ﴿وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ﴾ قال: كان طبع يوم طبع كافرًا، وكان قد ألقى عليه محبة من أبويه) (٣) (لأرهقهما طُغْيَانًا وَكُفْرًا) وكذا كان يقرأ ابن عباس، وأبي: (وأما الغلام كان كافرًا وكان أبواه مؤمنين) (٤).
وقوله تعالى: ﴿فَخَشِينَا﴾ قال الفراء (فعلمنا) (٥). وهو قول ابن عباس في رواية عطاء (٦). وهي قراءة أبي: (فخاف ربك) (٧). على معنى: علم ربك، وذكرنا الخوف بمعنى: العلم عند قوله: ﴿فَمَنْ خَافَ مِن مُوصٍ﴾ [البقرة: ١٨٢] الآية. وقال قطرب والأخفش: (معناه فكرهنا) (٨).
(٢) سبق تخريج الحديث وعزوه في بداية القصة.
(٣) سبق تخريج الحديث وعزوه في بداية القصة.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ٣ ذكره عن قتادة عن أبي، "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٤، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٨١، "النكت والعيون" ٣/ ٣٣٤، "الدر المنثور" ٤/ ٤٣٠.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٥٧.
(٦) ذكرته كتب التفسير بلا نسبة. انظر: "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٣٦، "زاد المسير" ٥/ ١٧٩.
(٧) "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٣٦، "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٥٧، "البحر المحيط" ٦/ ١٥٥.
(٨) "معاني القرآن" لأخفش ٢/ ٦٢٠.
﴿فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا﴾ [الكهف: ٨١].
وقال قوم: (هذا من كلام الخضر، ولا يجوز أن يكون فخشينا عن الله بل الخضر -عليه السلام- خشي أن يرهق الغلام أبويه طغيانًا وكفرا فلذلك قتله، قالوا: والدليل على أن هذا من كلام الخضر قوله تعالى: ﴿فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا﴾ ولو كان من كلام الله لقال: فأردنا أن نبدلهما خيرًا منه ولم يعد ذكر الرب) (٣). والظاهر يعضد هذا، غير أن أبا إسحاق قال: (هذا جائز أن يكون عن الله بمعنى فكرهنا، وقوله: ﴿فَأَرَدْنَا﴾ بمعنى فأراد الله، ولفظ الإخبار عن الله كذا أكثر من أن يحصى) (٤). هذا كلامه. وقول من قال: إنه من كلام الخضر ظاهر جلي.
وقوله تعالى: ﴿أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا﴾ أي: يغشيهما ويكلفهما، وذكرنا الكلام في هذا الحرف عند قوله: ﴿وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا﴾ [الكهف: ٧٣].
(٢) ذكر نحوه مختصرًا "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٨١، "زاد المسير" ٥/ ١٧٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٣٦، "البحر المحيط" ٦/ ١٥٥.
(٣) "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٨١، "الكشاف" ٢/ ٤٠٠، "زاد المسير" ٥/ ١٧٩، "البحر المحيط" ٦/ ١٥٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٣٦.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٠٥.
٨١ - وقوله تعالى: ﴿فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا﴾ وقرئ: بالتخفيف (٣). وبدل وأبدل متقاربان في المعنى، كما أن نزل وأنزل كذلك. وفرق قوم بينهما، وذكرنا ذلك عند قوله: ﴿بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا﴾ [النساء: ٥٦] الآية.
قوله: ﴿خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً﴾ قال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير: (خيرًا منه دينًا) (٤). وهو قول قتادة (٥). ومعنى هذا ما قاله الكلبي، والفراء: (خيرًا منه صلاحًا) (٦). والزكاة: الصلاح، والزاكي: الصالح، ذكرنا ذلك عند قوله: ﴿نَفْسًا زَكِيَّةً﴾ [الكهف: ٧٤] وفسر الصلاح: بالدين؛ لأن الصلاح يكون من الدين. وكذلك تفسير ابن جريج الزكاة في هذه الآية: (بالإسلام) (٧). فيكون كتفسير ابن عباس بالدين.
(٢) ذكر نحوه المارودي في "تفسيره" ٣/ ٣٣٣، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٥/ ١٧٩، الألوسي في "روح المعاني" ١٦/ ١١.
(٣) قرأ نافع، وأبو عمرو البصري: (أن يبدلهما) بالتشديد.
وقرأ ابن عامر، وابن كثير، وحمزة، والكسائي، وعاصم: (أن يبدلهما) بالتخفيف. انظر: "السبعة" ص ٣٩٦، "الحجة" ٥/ ١٦٤، "التبصرة" ص ٢٥١، "النشر" ٢/ ٣١٤.
(٤) "زاد المسير" ٥/ ١٨٠، "القرطبي" ١١/ ٣٧، بدون نسبة، "روح المعاني" ١٦/ ١١.
(٥) ذكره القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٣٧ بدون نسبة.
(٦) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٥٧، "الكشف والبيان" ٣/ ٣٩١ ب.
(٧) "جامع البيان" ١٦/ ٤، "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٥، "المحرر الوجيز" ٩/ ١٩٣، "النكت والعيون" ٣/ ٣٣٤، "الدر المنثور" ٤/ ٤٣١.
ولم تعوَّج رحم من تعوَّجا
وأنشد غيره لرؤبة (٤):
يا منزل الرَّحم على إدريس | ومنزل اللعن علي إبليس |
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٠٥، "مجاز القرآن" ١/ ٤١٢.
(٣) البيت للعجاج.
انظر: "ديوانه" ٢/ ٦٦، "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٤١٣، "جامع البيان" ١٦/ ٤، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٦٦، "لسان العرب" (رحم) ٣/ ١٦١٣.
(٤) البيت لرؤبة.
انظر: "ديوانه" ص ١٧٥، "المحرر الوجيز" ٩/ ١٩٣، "البحر المحيط" ٦/ ١٥٥، "الدر المصون" ٧/ ٥٣٩، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٦٦، "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٢٩٠ والشطر الأول منه في "لسان العرب" (رحم) ٣/ ١٦١٣.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ٤، "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٥، "النكت والعيون" ٣/ ٣٣٥، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١١٠.
(٦) "زاد المسير" ٥/ ١٨٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٣٧.
(٧) ذكره النحاس في "إعراب القرآن" ٢/ ٢٩٠ بدون نسبة.
وقال الفراء: (أقرب أن يرحماه) (٢). فعلى هذا، الرحم من جهة الوالدين، وعلى القول الأول الرحم من جهة الولد، وكلهم على أن معنى الرحم هاهنا: الرحمة والشفقة والعطف، غير أن الزجاج قال في هذه الآية: (أقرب عطفا، وأمس بالقرابة) (٣). وَهِمَ؛ لأن الأولاد لصلب الوالدين سواء في القرابة، ولا يكون بعضهم أمس بالقرابة من بعض.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي بن كعب: "فوقع أبوه على أمه فنقلت: فولدت خيرًا منه زكاة وأقرب رحما" (٤).
وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: (ولدت جارية فولدت نبيا) (٥). وروى عكرمة عنه في قوله: ﴿خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا﴾ قال: (ولدا كان في بطن أمه) (٦). وقال مجاهد: (كان ذلك الولد جارية) (٧). وهو قول جميع
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٥٧.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٠٥.
(٤) سبق تخريج الحديث وعزوه في بداية القصة.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ٤، "النكت والعيون" ٣/ ٣٣٥، "زاد المسير" ٥/ ١٨١، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٣٧.
(٦) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة انظر: "جامع البيان" ١٦/ ٤، "لباب التأويل" ٤/ ٢٢٧، "الكشاف" ٢/ ٤٩٦، "زاد المسير" ٥/ ١٢٦، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١١٠، "التفسير الكبير" ٢١/ ١٦١، "البحر المحيط" ٦/ ١٥٥.
(٧) "النكت والعيون" ٣/ ٣٣٥ بدون نسبة، وذكر نحوه الثعلبي عن الكلبي ٣/ ٣٩١ ب، "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٩.
والجمع بين هذا وبين قوله في رواية سعيد: (ولدت نبيا)، أن السبعين كانوا من نسلها ولم تلد لبطنها إلا نبيًا. قال مطرف (٤) في هذه الآية: (أيم الله لقد كان أبوه فرحا بمولده، وحزينًا بمقتله، ولو عاش كان في بقائه هلكتهما، فقضاء الله خير من قضائك لنفسك، وما يقضيه الله لك بما تكرهه خير من قضائك لنفسك بما تحب يا بني، فاستخر الله وارض) (٥).
٨٢ - قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ﴾ يعني:
(٢) "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٥، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٨٣، "زاد المسير" ٥/ ١٨١، "البحر المحيط" ٦/ ١٥٥.
(٣) "الكشف والبيان" ٣/ ٣٩١ ب، "روح المعاني" ١٦/ ١٢.
(٤) مطرف بن عبد الله بن الشخير الحرشي العامري، أبو عبد الله البصري، من كبار التابعين، ولد في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان من عباد أهل السمرة وزهادهم، روى عن: أبيه، وعثمان، وعلي، وعمار بن يسار وغيرهم، وروى عنه: عبد الله بن هاني، والحسن البصري، وسعيد الجريري. وكان من أهل البصرة وثقه العلماء، توفي رحمه الله في أول ولاية الحجاج، وقيل سنة ٩٥ هـ.
انظر: "الجرح والتعديل" ٨/ ٣١٢، "الكاشف" ٣/ ١٥٠، "تذكرة الحفاظ" ١/ ٦٤، "تهذيب التهذيب" ١٠/ ١٥٧.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ٤ ذكره عن قتادة، "معالم التنزيل" ٣/ ١٧٧، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١١٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٣٨، "الدر المنثور" ٤/ ٤٣٠.
وقال ابن عباس في رواية عطاء: (كان لوحًا من ذهب فيه مكتوب: عجبا لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصب، عجبا لمن أيقن بالنار ثم يضحك، عجبا للمؤمن كيف يفرح، عجبا لمن يوقن بالرزق كيف يتعب، عجبا لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل، عجبا لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها، أنا الله لا إله إلا أنا محمد عبدي ورسولي. وفي الشق الآخر: أنا الله لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي، خلقت الخير والشر، فطوبي لمن خلقته للخير وأجريته على يديه، والويل لمن خلقته للشر وأجريته على يديه) (٣).
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ٦، "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٥، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٨٤، "النكت والعيون" ٣/ ٣٣٦، "زاد المسير" ٥/ ١٨١
وقال الطبري في "تفسيره" ١٦/ ٦: وأولى التأويلين في ذلك بالصواب القول الذي قاله عكرمة؛ لأن المعروف من كلام العرب أن الكنز اسم لما يكنز من مال، وأن كل ما كنز فقد وقع عليه اسم الكنز فإن التأويل موصوف إلى الأغلب من استعمال المخاطبين بالتنزيل ما لم يأت دليل يجب من أجله صرفه إلى غير ذلك لعلل.
وانظر: "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١١٠، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٠٧.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ٥، "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٦، "النكت والعيون" ٣/ ٣٣٦، "زاد المسير" ٥/ ١٨١. =
وقال في رواية سعيد بن جبير، وكريب: (كان صحفا وعلما) (٣). وهو قول مجاهد: (كان صحفا للغلامين فيها علم) (٤).
قال أبو إسحاق: (المعروف في اللغة أن الكنز إذا أفرد فمعناه: المال المدفون والمدَّخر، فإذا لم يكن المال قيل: عنده كنز علمٍ، وله كنز فهمٍ، والكنز هاهنا بالمال أشبه. قال: وجائز أن يكون الكنز كان مالاً مكتوب فيه علم على ما روي، فهو مال وعلم عظيم من توحيد الله وإعلام أن محمد -صلى الله عليه وسلم- مبعوث) (٥). وعلى ما ذكره أبو إسحاق قول من قال: (إنه كان صحفا فيها علم)، بعيد.
قال ابن الأنباري: (من قال: إن الكنز كان علمًا سمى العلم كنزًا؛ لأنه يتعجل من نفعه أفضل بما ينال من ناحية الأموال) (٦). فمعنى قوله:
(١) "جامع البيان" ١٦/ ٦، "النكت والعيون" ٣/ ٣٣٦، "زاد المسير" ٥/ ١٨١ منسوب لابن عباس، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١١١.
(٢) "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٦، "القرطبي" ١١/ ٣٨، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١١٢.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ٥، "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٦، "النكت والعيون" ٣/ ٣٣٦٦، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" ٢/ ٣٦٩ وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ٥، "النكت والعيون" ٣/ ٣٣٦، "زاد المسير" ٥/ ١٨١.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٠٧.
(٦) ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ٥/ ١٨١، وذكره بلا نسبة: "النكت والعيون" ٣/ ٣٣٦، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٨٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٣٨.
قال قتادة: (كانت الكنوز حلالاً لمن كان قبلنا، وكانت الغنائم محرمة عليهم، فأحل الله لنا الغنائم، وحرم علينا الكنوز) (١).
وقوله تعالى: ﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا﴾ قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: (حفظا بصلاح أبيهما، ولم يذكر منهما صلاحا) (٢).
قال جعفر بن محمد: (كان بينهما وبين ذلك الأب الصالح سبعة أباء) (٣) (٤).
﴿فَأَرَادَ رَبُّكَ﴾ يا موسى ﴿أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا﴾ قال ابن عباس: (أن يكبرا ويعقلا) (٥). ﴿وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا﴾ ومضى الكلام في بلوغ الغلامين الأشد. ولما أراد الله تعالى أن يبقي ذلك إلى بلوغ الغلامين حتى يستخرجاه
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ٦، "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٦، "بحر العلوم" ٣/ ٣١٠، "زاد المسير" ٥/ ١٨٢.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ٥، "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٦، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٨٤، "الكشاف" ٢/ ٤٠٠، "زاد المسير" ٥/ ١٢٧.
(٤) قال ابن كثير رحمه الله في "تفسيره" ٣/ ١١٢ عند قوله: ﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا﴾ وفيه دليل على أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته، وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والآخرة بشفاعته فيهم ورفع درجتهم إلى أعلى الدرجات في الجنة لتقر عينه بهم كما جاء في القرآن ووردت به السنة.
(٥) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "بحر العلوم" ٢/ ٣١٠، "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٦، "زاد المسير" ٥/ ١٨٢.
وقولى تعالى: ﴿رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾ منصوب على ضربين: أحدهما: على معنى أراد ذلك للرحمة، كما تقول: أنقذتك من الهلكة رحمة لك، والثاني: أن يكون منصوبًا على المصدر؛ لأن ما تقدم من الكلام معناه: رحمهما الله بذلك. وهذا معنى قول أبي إسحاق (١).
وقوله تعالى: (﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾ قال ابن عباس: (يريد انكشف لي من الله علم فعملت به ﴿ذَلِكَ تَأْوِيلُ﴾ قال: يريد هذا تفسير ﴿مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾) (٢). وتسطع بمعنى تستطيع، ويذكر الكلام فيه عند قوله: ﴿فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ﴾ إن شاء الله.
٨٣ - قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ﴾ الآية. قد ذكرنا أن اليهود سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الروح، وقصة أصحاب الكهف، وعن رجل طواف بلغ شرق الأرض وغربها؟ فكان من جوابه في الروح وقصة أصحاب الكهف ما تقدم (٣).
واختلفوا في ذي القرنين فقال مجاهد: (كان نبيا) (٤). وهو قول عبد
(٢) "مجمع البيان" ٦/ ٧٥٤، وذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ٦، "بحر العلوم" ٢/ ٣١٠، "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٦، "لباب التأويل" ٤/ ٢٢٨، "زاد المسير" ٥/ ١٨٢، "الكشاف" ٢/ ٤٩٦.
(٣) سبق توثيقه عند قوله سبحانه في سورة الكهف (٩): ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا﴾.
(٤) "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٧، "النكت والعيون" ٣/ ٣٣٧، "فتح القدير" ٣/ ٤٣٨، ذكروه بدون نسبة.
وروى عقبة بن عامر (٣) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أول أمره أنه كان غلامًا من الروم أعطي ملكًا" (٤). فهو ملك على هذا القول.
وروى خالد بن معدان (٥): (أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- سمع رجلاً
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ٨، "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٧، "النكت والعيون" ٣/ ٣٣٧، "الدر المنثور" ٤/ ٤٣٥.
(٣) عقبة بن عامر بن عيسى بن عمرو بن عدي بن عمرو الجهني، أبو حماد، ويقال أبو عمرو، روى عن عمر بن الخطاب، وروى عنه: أبو أمامة، وابن عباس، وقيس بن أبي حازم وغيرهم، ولي أمرة مصر من قبل معاوية -رضي الله عنه- سنة ٥٨ هـ، وكان من القراء، عالمًا بالفرائض والفقه، فصيح اللسان، يجيد الشعر والكتابة، شهد أحد، وتوفي في آخر خلافة معاوية رضي عنهما.
انظر: "أسد الغابة" ٣/ ٥٥٠، "الإصابة" ٤/ ٢٥٠، و"الجرح والتعديل" ٦/ ٣١٣، "تهذيب التهذيب" ٧/ ٢١٦.
(٤) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" ١٦/ ٨ بسنده عن عقبة بن عام، وذكره ابن عطية في "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٨٨ وقال: وهو حديث واهي السند. وأورده ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ١١٢ قال: وفيه طول ونكاره ورفعه لا يصح وأكثر ما فيه أنه من أخبار بني إسرائيل، والعجب أن أبا زرعة الرازي مع جلالة قدره ساقه في كتابه دلائل النبوة وذلك غريب منه، وفيه من النكارة أنه من الروم، وإنما الذي كان من الروم الإسكندر الثاني وهو ابن قيليس المقدوني الذي تؤرخ به الروم، وأما الأول فقد ذكر الأزرقي وغيره أنه طاف بالبيت مع إبراهيم الخليل عليه السلام أول ما بناه وآمن به واتبعه.
وأخرجه السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ٤٣٦ وعزاه لابن عبد الحكم في فتح مصر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ والبيهقي في الدلائل عن عقبة بن عامر.
(٥) خالد بن معدان بن أبي كريب الكلاعي، أبو عبد الله، الشامي، الحمصي، روى عن ثوبان وابن عمر وغيرهما من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وروى عنه عدد من التابعين، توفي =
واختلفوا أيضًا في تسميته بذي القرنين فقال علي -رضي الله عنه-: (دعا قومه إلى الله فضربوا على قرنه (٢) الأيمن فمات، فأحياه الله، ثم دعا قومه إلى الله فضربوا على قرنه الأيسر فمات، فأحياه الله فسمي ذو القرنين) (٣).
قال أبو إسحاق: (ويجوز على مذهب أهل اللغة أن يكون سمي ذا القرنين؛ لأنه بلغ قطري الأرض، مشرق الأرض ومغربها) (٤). وهذا قول الزهري قال: (إنما سمي ذا القرنين؛ لأنه بلغ قرن الشمس من مغربها وقرنها من مطلعها) (٥).
وقال محمد بن إسحاق عن وهب: (إنما سمي [ذا القرنين؛ لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس) (٦). ويقال: (إنما سمي] (٧)؛ لأنه كانت له
انظر: "تاريخ الثقات" ص ١٤٢، "الكاشف" ١/ ٢٠٨، "تهذيب التهذيب" ٢/ ١١٨.
(١) "معالم التنزيل" ٣/ ١٩٨، "الكشاف" ٢/ ٤٠٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٤٦.
(٢) في (ص، س): (قرية)، وهو تصحيف.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ٨، "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٨، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٩٠، "النكت والعيون" ٣/ ٣٣٧، "الدر المنثور" ٤/ ٤٣٥.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٠٨.
(٥) "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٨، "النكت والعيون" ٣/ ٣٣٧، "تهذيب اللغة" (قرن) ٣/ ٢٩٤٧.
(٦) "جامع البيان" ١٦/ ٩، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٤٤٢، "زاد المسير" ٥/ ١٨٣، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١١٢.
(٧) ما بين المعقوفين ساقط من نسخة (س).
وقوله تعالى: ﴿قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا﴾ أي: خبرا يتضمن في ذكره.
٨٤ - قوله تعالى: ﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ﴾ قال على -رضي الله عنه-: (سخر الله له السحاب فحمله عليها، ومد له في الأسباب، وبسط له النور وكان الليل والنهار (٢) عليه سواء) (٣). وهذا معنى تمكينه في الأرض، وهو: أنه سهل عليه المسير فيها، وذلل له طرقها، وحزومها حتى تمكن منها أنى شاء (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا﴾ قال علي عن أبي طلحة عن ابن عباس: (علما) (٥). وهو قول قتادة، وابن زيد، والضحاك، وابن جريج قالوا: (علما يتسبب به إلى ما يريد) (٦).
وقال أبو إسحاق: (أي آتيناه من كل شيء يبلغ به في التمكن أقطار الأرض) (٧). ﴿سَبَبًا﴾ أي: علما يوصله إلى حيث يريد. قال المبرد: (وكل ما وصل شيئًا بشيء فهو سبب) (٨). وهذا بما يقدم فيه القول، وقال بعض
(٢) قوله: (والنهار)، ساقط من نسخة: (س).
(٣) "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٨، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١١٣، "روح المعاني" ١٦/ ٣٠.
(٤) في (ص): (أين شاء).
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ٨، "زاد المسير" ٥/ ١٨٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٤٨، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٠٤.
(٦) "جامع البيان" ١٦/ ٨، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١١٣، "الدر المنثور" ٤/ ٤٤٥.
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٠٨.
(٨) ذكره بلا نسبة الأزهري في "تهذيب اللغة" (سب) ٣/ ١٦٠٥، "لسان العرب" (سبب) ٤/ ١٩٠٩.
٨٥ - وقوله تعالى: ﴿فَأَتْبَعَ سَبَبًا﴾ قال مجاهد: (طريقًا بين المشرق والمغرب) (٢). وهو قول قتادة، والضحاك، وابن زيد، والكلبي وجميعهم (٣). قال أبو عبيدة: (اتبع طريقًا وأثرا) (٤). والمعنى على هذا: أنه، اتبع طريقًا يؤديه إلى مغرب الشمس. وعلى هذا السبب الثاني غير الأول؛ لأن معناه: الطريق، والأول بمعنى: العلم.
وقال أبو إسحاق: (فأتبع سببا من الأسباب التي أوتي) (٥). وذلك أنه أوتي من كل شيء سببا فأتبع من تلك الأسباب التي أوتي سببا في المسير إلى المغرب. وعلى هذا القول هما سواء. والقراءة الجيدة: فاتبع، وقرئ: فأتبع بقطع الألف (٦). قال الأصمعي: (ومعناه: لحق، يقال: أتبعْتُ القوم لحقتهم، واتَّبع إنما هو أن يتتبع آثارهم وإن لم يلحقهم) (٧). وذكرنا هذا عند
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ١٠، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١١٣، "الدر المنثور" ٤/ ٤٤٥.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ١٠، "بحر العلوم" ٢/ ٣١٠، "زاد المسير" ٥/ ١٨٥.
(٤) "مجاز القرآن" ١/ ٤١٣.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٠٨.
(٦) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو البصري: (فاتبع) بالوصل والتشديد. وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: (فأتبع) بالقطع والتخفيف. انظر: "السبعة" ص ٣٩٨، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٦٦، "التبصرة" ص ٢٥١، "النشر" ٢/ ٣١٤.
(٧) "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٢٩٠، "لسان العرب" (تبع) ١/ ٤١٦.
٨٦ - وقوله تعالى ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ أي: ذات حمأة وهي: الطين الأسود المنتن (١). قال ابن السكيت: (أحمأتُ الركيَّة القيت فيها الحمأة، وحمأتُها إذا نزعت حَمْأتَها) (٢). ونحو هذا روى أبو عبيد عن أبي زيد (٣).
وقال الأصمعي في الأجناس: (على القلب من هذا) (٤). قال الأزهري: (وليس ذلك بمحفوظ، والصواب ما قاله ابن السكيت) (٥).
ويقال: حمئت البئر تحمأ حمأ إذا صارت ذات حمأة فهي حمئة، وهذه قراءة ابن عباس، ومجاهد، وفسراها: (حَمَأة سوداء، وطينة سوداء) (٦). ولما اختلف ابن عباس ومعاوية في حَمِئة وحامية، أرسلا إلى أبي بن كعب: (أين تجد الشمس تغرب؟ فقال: في طينة سوداء. فوافق ابن عباس) (٧).
وقرأ ابن الزبير، وابن مسعود: حامِية، من غير همز (٨). وهي فاعلة من
(٢) "تهذيب اللغة" (حما) ١/ ٩٠٩.
(٣) و (٤) "تهذيب اللغة" (حما) ١/ ٩٠٩، "لسان العرب" (حمم) ٢/ ١٠٠٦.
(٥) "تهذيب اللغة" (حما) ١/ ٩٠٩.
(٦) "جامع البيان" ١٦/ ١١، "بحر العلوم" ٢/ ٣١١، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١١٣.
(٧) "جامع البيان" ١٦/ ١١، "تفسير القرآن" للصنعاني ١/ ٤١١، "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٩، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٩٣، "الدر المنثور" ٤/ ٤٤٥.
(٨) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم: (حمئه) مهموزة بغير ألف. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: (حاميه) بألف من غير همز. =
(١) أخرج الإمام أحمد في "مسنده" ٢/ ٢٠٧، وانظر: "المطالب العالية" ٣/ ٣٥٠، و"الكافي الشاف" لابن حجر ص ١٠٤، والطبري في "جامع البيان" ١٦/ ١٢، وابن عطية ٩/ ٣٩٣، وابن كثير في "تفسيره" ٣/ ١١٣ وقال: رواه الإمام أحمد عن يزيد ابن هارون، وفي صحة رفع هذا الحديث نظر، ولعله من كلام عبد الله بن عمرو من زاملتيه اللتين وجدهما يوم اليرموك، والله أعلم.
وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ٤٤٧، وزاد في نسبته لأبي يعلى، وابن منيع، وابن مردويه.
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ١٢، "تفسير القرآن" للصنعاني ١/ ٤١٠، "زاد المسير" ٥/ ١٨٥٠، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١١٤.
(٣) قال الطبري -رحمه الله- في "تفسيره" ١٦/ ١٢: والصواب من القول في ذلك عندي: أن يقال أنهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار ولكل واحدة منهما وجه صحيح ومعنى مفهوم غير مفسد أحدهما صاحبه، وذلك أنه جائز أن تكون الشمس تغرب في عين حارة ذات حمأة وطين، فيكون القارئ: في عين حامية واصفها بصفتها التي هي لها وهي الحرارة، ويكون القارئ: في عين حمئة واصفها بصفتها التي هي بها وهي أنها ذات حمأ وطين، وقد رُوِي -بكلا صفتيهما اللتين قلت: إنهما من صفتها- أخبار.
وقال ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ١٠٥: ولا منافاة بين معنييهما إذ قد تكون حارة لمجاورتها الشمس عند غروبها وملاقاتها الشعاع بلا حائل، وحمئة في ماء وطين أسود، كما قال كعب الأحبار.
وقال أبو علي: (يجوز أن تكون حامية فاعِلةً من الحَمَأة، فخفف الهمزة بأن قلبت ياء محضة، على قياس قول أبي الحسن، وعلى قول الخليل كانت بَين بَين) (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا﴾ أي: عند العين: ﴿قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ﴾ قال ابن الأنباري: (من قال: إن ذا القرنين كان نبيا، فإن الله قال له كما يقول للأنبياء إما بتكلم، أو بوحي، ومن قال: لم يكن نبيا قال: معنى ﴿قُلْنَا﴾ هاهنا: ألهمنا) (٣) ﴿إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ﴾ قال ابن عباس: (يريد إما أن [تقتل ﴿وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا﴾ قال: وإما أن تسبيهم) (٤).
قال المفسرون: (يريد إما أن] (٥) تقتلهم إن أبوا ما تدعوهم إليه، وإما أن تأسرهم فتعلمهم وتبصرهم الرشاد) (٦). وعلى هذا المراد بالتعذيب: القتل، وباتخاذ الحسن فيهم: أن لا يقتلهم بل يأسرهم فيسلموا عنده.
وقال الكلبي في قوله: ﴿وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا﴾ (يريد تعفو أو
(٢) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٦٩.
(٣) ذكرته كتب التفسير. انظر: "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٩، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٩٥، "زاد المسير" ٥/ ١٨٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٥٢.
(٤) ذكرت كتب بالتفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ١١، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٠٠، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٩٥، "لباب التأويل" ٤/ ٢٢٩، "أنوار التنزيل" ٣/ ٢٣٥.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من نسخة (س).
(٦) "جامع البيان" ١٦/ ١٢، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٠٠، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١١٤، "بحر العلوم" ٢/ ٣١١.
قال ابن الأنباري: (موضع ﴿أَن﴾ نصب؛ لأن المعنى: اختر التعذيب أو اتخذا الحسن عندهم، فأفادت ﴿إِمَّا﴾ التخيير، قال: ويجوز أن يكون رفعا بتأويل: إما هو التعذيب، وإما هو الاتخاذ) (٤). قال قتادة: (فقضى فيهم بقضاء الله، وكان عالمًا بالسياسة) (٥).
٨٧ - فقال: ﴿أَمَّا مَنْ ظَلَمَ﴾ قال ابن عباس: (يريد أشرك) (٦) ﴿فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ﴾: نقتله إذا لم يرجع عن الشرك. ﴿ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ﴾ بعد قتلي إياه ﴿فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا﴾ يعني في النار، وعذاب الله إياه بالنار أنكر من عذاب القتل. قاله الزجاج (٧).
(٢) قوله: (القول لأنه)، ساقط من نسخة (س).
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٠٩.
(٤) ذى بلا نسبة في "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٢٩١، "إملاء ما من به الرحمن" ص ٤٠٤، "البحر المحيط" ٦/ ١٦٠، "الدر المصون" ٧/ ٥٤٢.
(٥) لم أقف عليه وذكره المؤلف في "تفسيره الوسيط" ٣/ ١٦٥.
(٦) "مجمع البيان" ٦/ ٧٥٧. وذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "زاد المسير" ٥/ ١٨٦، "الكشاف" ٢/ ٤٩٧، "أنوار التنزيل" ٣/ ٢٣٥، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١١٤، "روح المعاني" ١٦/ ٣٤، "إرشاد العقل السليم" ٥/ ٢٤٣.
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٠٩.
وقرأ أهل الكوفة: فله جزاءً نصبا منونًا (٣). قال الفراء: (أي فله الحسنى جزاء، نصبت ﴿جَزَاءً﴾ هو على التفسير) (٤).
وقال الزجاج: (﴿جَزَاءً﴾ مصدر منصوب في موضع الحال، المعنى: فله الحسنى مجزيًا بها جزاء) (٥). ونحو هذا قال أبو علي: (هو مصدر واقع موقع الحال، المعنى: فله الحسنى مجزية) (٦).
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٥٩، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٧٠.
(٣) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم في رواية أبي بكر: ﴿جَزَاءً الْحُسْنَى﴾ منونًا منصوبًا. انظر: "السبعة" ص ٣٩٨، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٧٠، "الغاية في القراءات" ٣١٢، "التبصرة" ص ٢٥١، "النشر" ٢/ ٣١٥.
(٤) "معاني القرآن" للفراء٢/ ١٥٩.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٠٩.
(٦) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٧٠.
وقوله تعالى: ﴿وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا﴾ قال الكلبي: (أي خيرًا) (٣). وقال مجاهد: (معروفًا) (٤). وقال أبو إسحاق: (أو نقول له قولا جميلاً) (٥).
وقال عباس: (يريد كما يحيي المؤمنون بعضهم بعضًا، مثل قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: يكن لك ما لنا، وعليك ما علينا) (٦). فجعل القول باليسر هاهنا السلم والمشاركة معه في الخير والشر.
٨٩ - وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا﴾ إخبار عن ذي القرنين أنه سلك طريقًا آخر مما يوصله إلى المشرق.
٩٠ - قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا﴾ قال قتادة: (لم يكن بينهم وبين الشمس ستر، وذلك
(٢) ذكر بلا نسبة في "إملاء ما من به الرحمن" ص ٤٠٤، "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٢٩٢، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٩٥، "الدر المصون" ٧/ ٥٤٣.
(٣) ورد نحوه بلا نسبة في "جامع البيان" ١٦/ ١٣، "الكشاف" ٢/ ٤٠١، "بحر العلوم" ٢/ ٣١١.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ١٣، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٠٠، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١١٤، "الدر المنثور" ٤/ ٤٤٨.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٠٩.
(٦) لم أقف عليه.
ونحو هذا قال الحسن (٢). وقال الكلبي بإسناده عمن لقيهم: (كان أحدهم يفرش أذنه ويلبس الأخرى، وقال: كانوا عراة حفاة) (٣). وعلى هذا القول لا ستر بينهم وبين الشمس مما يلبسون. وعلى القول الأول من البناء. وجمع بينهما أبو إسحاق فقال: (لم يكن لهم شيء يظلهم من سقف ولا لباس) (٤).
٩١ - قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ﴾ اختلفوا في المشبه به، والمشار إليه فقال الزجاج: (يجوز أن يكون التقدير: وجدها تطلع على قوم، كذلك القبيل الذي كانوا عند مغرب الشمس وأن حكمهم حكم أولئك) (٥). وقال غيره: (المعنى كما بلغ مغرب الشمس فكذلك بلغ مطلعها) (٦). وقيل: (أتبع سببًا،
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ١٤، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٠٠، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٩٨ - ٣٩٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٥٤.
(٣) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٠١، "الكشاف" ٢/ ٤٠١، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٥٤، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٥. ولعل هذه من الروايات الإسرائيلية.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٠٩.
وقال ابن عطية في "تفسيره" ٩/ ٣٩٨: والظاهر من اللفظ أنها عبارة بليغة عن قرب الشمس منهم وفعلها لقدرة الله تعالى فيهم، ونيلها منهم، ولو كان لهم أراب تغني لكان سترًا كثيفًا، وإنما هم في قبضة القدرة سواء كان لهم أسراب أو دور أو لم يكن، ألا ترى أن الستر عندنا نحن إنما هو من السحاب والغمام وبرد الهوى، ولو سلط الله علينا الشمس لأحرقتنا فسبحان المنفرد بالقدرة التامة.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٠٩.
(٦) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٠١، "بحر العلوم" ٢/ ٣١١، "زاد المسير" ٥/ ١٨٨.
وقوله تعالى: ﴿وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا﴾ قال مقاتل: (وقد أحطنا بما قبله علما) (٢). أي: علمنا ما كان عنده من الجيوش والعدة. وهذا معنى قول ابن عباس؛ لأنه يقول: (يقول الله سبحانه: مكنته (٣) وملكته) (٤). يعني أنا أعطيته ما كان عنده، وإذا كان عطاؤه كان معلومه.
٩٢ - ﴿ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا﴾ ثالثًا، مما يبلغه قطرا من أقطار الأرض.
٩٣ - قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ﴾ قرئ: بالفتح، والضم (٥). قال أبو عبيدة: السُّد مضموم إذا كان مخلوقًا من فعل الله تعالى، فإن كان من فعل الآدميين فهو سَدّ مفتوح) (٦). وهذا قول عكرمة (٧)، والأخفش (٨).
(٢) "بحر العلوم" ٢/ ٣١١.
(٣) في (ص): (مكية)، وهو تصحيف.
(٤) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ١٥، "بحر العلوم" ٢/ ٣١٢، "النكت والعيون" ٣/ ٣٤٢، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٩٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ١٩.
(٥) قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم: ﴿بَيْنَ السَّدَّيْنِ﴾ بفتح السين. وقرأ ابن عامر، ونافع، وحمزة، والكسائي، وعاصم في رواية أبي بكر ﴿بين السُّدين﴾ بضم السين.
انظر: "السبعة" ص ٣٩٩، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٧١، "المبسوط في القراءات" ص ٢٣٧، "التبصرة" ص ٢٥١.
(٦) "مجاز القرآن" ١/ ٤١٤، "تهذيب اللغة" (سد) ٢/ ١٦٥٥.
(٧) "جامع البيان" ١٦/ ١٥، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٠١، "زاد المسير" ٥/ ١٨٩ - ١٩٠.
(٨) ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" (سد) ٢/ ١٦٥٥.
وقال ابن الأعرابي: (كل ما قابلك فَسَدَّ ما وراءه فهو سَدّ وسُدّ، وهذا نحو: الضَعف والضُعف، والفَقر والفُقر) (٢). وقال أبو علي الفارسي: (يجوز أن يكون السَّد مصدرًا، والسُّد المسدود كالأشياء التي يفصل فيها من المصادر والأسماء، نحو: السِّقي والسُّقي، والطِّحن والطُّحن، والشِّرب والشُّرب، والقَبْض والقُبْض، وإذا كان كذلك فالأشبه بين السدين؛ لأنه المسدود، وأما من فتح السين جعله اسما للمسدود نحو: نَسجُ اليمن، وضَربُ الأمير) (٣).
وقال الأخفش: (المفتوحة أكثر اللغتين) (٤).
قال ابن عباس: (هما جبلان سَد ذو القرنين ما بينهما جاجزًا بين يأجوج ومأجوج ومن سواهم) (٥).
وقوله تعالى: ﴿لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا﴾ أي: يعلمونه فلا يستنبطون من فحواه شيئًا، وقرئ: يُفقهون بضم الياء (٦). والمعنى: لا يكادون يفقهون
(٢) "زاد المسير" ٥/ ١٨٩، "تهذيب اللغة" (سد) ٢/ ١٦٥٥، "الحجة" ٥/ ١٧١.
(٣) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٧١.
(٤) ذكره الفارسي في "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٧١.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ١٦، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٠١، "بحر العلوم" ٢/ ٣١٢.
(٦) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر: ﴿يَفْقَهُونَ﴾ بفتح الياء والقاف.
وقرأ حمزة، والكسائي: ﴿يُفقِهون﴾ بضم الياء وكسر القاف.
انظر: "السبعة" ص ٣٩٩، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٧٢، "المبسوط" ص٢٣٩، "التبصرة" ص٢٥٢.
٩٤ - قوله تعالى: ﴿قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ﴾ إن قيل: كيف خاطبوا ذا القرنين وقد وصفهم الله تعالى بأنهم لا يَفهمون ولا يُفهمون؟
والجواب عن هذا أن يقال: كلم عنهم قوم آخرون مترجمة عن لغتهم، فنسب القول إليهم، لما كان بأمرهم وإرادتهم، وهذا على قول من يجعل يكادون صلة كقوله: ﴿لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا﴾ [النور: ٤٠] (٢).
ومن لم يجعل صلة قال: هم يفقهون وُيفقهون وإذا قلت: لا يكاد فلان يفعل كذا، كان المعنى أنه يقارب أن لا يفعل ولكن يفعل (٣). وذكرنا هذا عند قوله: ﴿وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ﴾ [البقرة: ٧١].
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ﴾ أكثر أهل العلم على أن هذين اسمان أعجميان مثل: طالوت وجالوت، وهاروت وماروت، لا ينصرفان للتعريف والعجمة (٤). والقراءة فيها: بترك الهمز، وقرأ عاصم بالهمز (٥).
(٢) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٠١ - ٢٠٢، "زاد المسير" ٥/ ١٩٠، "فتح القدير" ٣/ ٤٤٥.
(٣) "زاد المسير" ٥/ ١٩٠، "روح المعاني" ١٦/ ٣٨، "مفاتح الغيب" ٢١/ ١٧٠.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣١٠، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٧٣.
(٥) قرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: (ياجوج وماجوج) بغير همز. وقرأ عاصم: (يأجوج ومأجوح) بالهمز.
انظرت: "السبعة" ص٣٩٩، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٧٢، "الغاية في القراءات" ص ٣١٢، "الكشف عن وجوه القراءات" ٢/ ٧٧.
وذكر الأخفش، والزجاج، وأبو علي وجه جواز كون الاسمين عربيين فقالوا: (من همز يأجوج يجوز أن يكون عربيًا، ويكون على وزن يفعول مثل: يربوع من أَجَّةِ النار والحر، ومن لم يهمز أمكن أن يكون خفف الهمزة فقلبها ألفا مثل رأس وأما يأجوج فيمن همز: فمفعول (٢) من أجَّ، والكلمتان من أصل واحد في الاشتقاق ومن لم يهمز فيجوز أن يكون خفف الهمزة كما ذكرنا، ويجوز أن يكون فاعول من مجَّ، والكلمتان على هذا من أصلين، وليستا من أجل واحد، ويكون ترك الصرف فيهما للتأنيث والتعريف، كأنه اسم للقبيلة كمجوس. وهذه التمثيلات لا يصح فيها إن جعلتها من العجمي؛ لأن العجمي لا يشتق (٣) من العربية) (٤).
قال ابن الأنباري: (وجه همزه على هذا القول أنه لا يعرف له أصل، كما أن العرب همزت حروفًا لا تعرف للهمزة فيها أصل، كقولهم: لبأت (٥)، ورثأت (٦)، واستنشأت الريح (٧)، وإذا كان هذا معروفًا في أبنية
(٢) قوله: (فمفعول)، ساقط من نسخة (ص).
(٣) في (ص): (لا يسبق)، وهو تصحيف.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣١٠، "معاني القرآن" للأخفش (٦٢١)، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٧٣.
(٥) لبأت: اللبأ هو أول اللبن في النتاج، تقول لبأت الناقة إذا حلبت لباء. انظر: "تهذيب اللغة" (لب) ٤/ ٣٢٢٤، "الصحاح" (لبأ) ١/ ٧٠.
(٦) رثأت: الرِثيئة الحامض يحلب عليه فيخثر. انظر: "تهذيب اللغة" (رث) ٢/ ١٣٥٨، "لسان العرب" (رثأ) ٣/ ١٥٧٩ - ١٥٨٠.
(٧) اسْتَنْشأت: من نَشَيْت الريح بلا همز أي: شممتها. والاستنشاء يهمز ولا يهمز، وقيل: هو من الإنشاء: الابتداء. =
وأما المسمون بهذين الاسمين فقال وهب: (هم من ولد يافث بن نوح، أب الترك) (٢). وهذا قول مقاتل بن سليمان (٣).
وقال الضحاك: (هم جيل من الترك) (٤). وقال السدي: (الترك سرية من يأجوج ومأجوج خرجت تعبر، فجاء ذو القرنين فبنى السد على إحدى وعشرين قبيلة، وبقيت منهم قبيلة واحدة دون السد فهم الترك) (٥).
وقال كعب: (هم نادرة في ولد آدم، وذلك أن آدم احتلم ذات يوم، وامتزجت نطفته بالتراب، فخلق الله من ذلك الماء يأجوج ومأجوج، فهم متصلون بنا من جهة الأب دون الأم) (٦).
(١) ذكره "فتح القدير" ٣/ ٣١٢، وورد معناه بلا نسبة في "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٢٩٤، "إملاء ما من به الرحمن" ص ٤٠٤، "البحر المحيط" ٦/ ١٦٣، "الدر المصون" ٧/ ٥٤٥.
(٢) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٠٢، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١١٦، "روح المعاني" ١٦/ ٣٨.
(٣) "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٥٦، "فتح القدير" ٣/ ٤٤٥.
(٤) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٠٢، "زاد المسير" ٥/ ١٩٠، "روح المعاني" ١٦/ ٣٨.
(٥) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٠٢، "زاد المسير" ٥/ ١٩٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٥٨، "البحر المحيط" ٦/ ١٦٣.
(٦) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٠٣، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٥٦.
وذكره ابن كثير رحمه الله في "تفسيره" ٣/ ١١٦ وقال: وهذا قول غريب جدًا، لا دليل عليه لا من عقل ولا من نقل، ولا يجوز الاعتماد هاهنا على ما يحيكه بعض أهل الكتاب لما عندهم من الأحاديث المفتعلة. والله اعلم. =
وقوله تعالى: ﴿مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ قال قتادة: (هما: حيَّان حيَّا سوء، كانا أهل بغي وظلم على من جاورهما) (٢).
وقال الكلبي: (كانوا يخرجون إلى أرض هؤلاء الذين شكوهم إلى ذي القرنين أيام الربيع، فلا يدعون فيها شيئًا أخضر إلا أكلوه) (٣).
وقوله تعالى: ﴿فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا﴾ وقرئ: خَرَاجًا (٤).
قال ابن عباس: (يريد: جعلاً) (٥).
قال الليث: (الخَرْجُ والخَرَاجُ شيء واحد، وهو شيء يُخرجه القوم من مالهم بقدر معلوم) (٦). والمعنى على هذا: هل نخرج إليك من أموالنا
وانظر: "روح المعاني" ١٦/ ٣٨.
(١) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٠٢، "زاد المسير" ٥/ ١٣٣.
(٢) "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٥٩ بدون نسبة، "البحر المحيط" ٦/ ١٦٤.
(٣) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٠٤، "الكشاف" ٢/ ٤٠٢.
(٤) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم: (خرجا) بغير ألف. وقرأ حمزة، والكسائي: (خراجا) بألف.
انظر: "السبعة" ص٤٠٠، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٧٤، "المبسوط" ص ٢٣٩، "التبصرة" ص ٢٥٢.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ٢٢، "المحرر الوجيز" ٩/ ٤٠٣، "زاد المسير" ٥/ ١٩١، "البحر المحيط" ٦/ ١٦٤، "الدر المنثور" ٤/ ٤٥١.
(٦) "زاد المسير" ٥/ ١٩١، "البحر المحيط" ٦/ ١٦٤، "تهذيب اللغة" (خرج) ١/ ١٠٠٣.
وفصل قوم بين الخَرْج والخراج فقالوا: (الخرج المصدر لما يخرج من المال كالضرب والقطع، والخراج الاسم لما يخرج من الأرض ونحوه كالنبات والحصاد فالخرج والخراج بمنزلة الحصد والحصاد). وهذا معنى قول الفراء والزجاج (٣).
وقال ابن الأعرابي -ونحو هذا قال ثعلب-: الخرج أخص، والخراج أعم. يقال: أدَّى خرج رأسه، وأخذ الإمام خراج البلد) (٤).
وقد حكى أبو عبيدة: (العبد يؤدي إليك خرجه أي: غلته، والرعية تؤدي إلى الأمير الخرج) (٥). فحكى الخرجة في الضريبة التي على الأرضين فدل أن كلامهما بمعنى. وقال العجاج (٦):
(٢) أخرجه الترمذي، كتاب: البيوع، باب: ما جاء فيمن يشتري العبد ويستعمله ثم يجد به عيبًا ٣/ ٥٨١ وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي، كتاب: البيوع، باب: الخراج بالضمان ٧/ ١٨٢، وابن ماجه كتاب: التجارات، باب: الخراج بالضمان ٢/ ٧٥٣، وأبو داود في كتاب: البيوع باب: فيمن اشترى عبدًا فاستعمله ثم وجد به عيبًا ٣/ ٧٧٧، والحاكم ٢/ ١٥ وصححه، ووافقه الذهبي.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣١٠، "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٥٩.
(٤) "البحر المحيط" ٦/ ١٦٤، "روح المعاني" ١٦/ ٣٩.
(٥) "تهذيب اللغة" (خرج) ١/ ١٠٠٣.
(٦) هذا عجز بيت العجاج، وصدره: =
وهذا ليس على الضرائب التي ألزمت الأرضين؛ لأن ذلك لا يكاد يضاف إلى وقت من يوم وغيره، وإنما هو شيء مؤبد لا يتغير عما عليه (١) وقال أبو الحسن: (لا أدري أيهما أكثر في بلاد العرب) (٢).
٩٥ - ويدل على أن المراد بالخَرْج والخَرَاج هاهنا: العطية منهم له، قوله تعالى في جوابه لهم: ﴿قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ﴾ والمعنى: ما مكني فيه من الاتساع في الدنيا، خير من خرجكم الذي تبذلونه لي، ومكَّن منقول من مكن يقال: مكُنَ مَكَانَةً، وهو مَكِين عند السلطان من قوم مُكناء، ومكَّن غيره إذا جعله ذا تمكن. وقراءة العامة: ما مَكَّنِّي بنون واحدة مشددة (٣). أدغموا النون في النون لاجتماع النونين كقوله: ﴿لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ﴾ [يوسف: ١١] وقرأ ابن كثير: بنونين؛ لأنهما من كلمتين والثانية غير لازمة؛
الفنزجا: يعني به رقص المجوس إذا أخذ بعضهم يد بعض وهم يرقصون.
السمرجا: يوم للعجم يستخرجون فيه الخراج في ثلاث مرات، وعربه رؤبة بأن جعل الشين سينًا.
انظر: "ديوانه" ص ٢٥، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٧٤، "تهذيب اللغة" (السمرج) ٢/ ١٧٥٣، "لسان العرب" (شمرج) ٤/ ٢٣٢٣.
(١) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٧٤.
(٢) ذكر نحوه الأزهري في "تهذيب اللغة" (خرج) ١/ ١٠٠٣.
(٣) قرأ نافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وعاصم: (ما مكنِّي) بنون واحدة مشددة.
وقرأ ابن كثير: (ما مكنني) بنونين.
انظر: "السبعة" ص ٤٠٠، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٧٦، "المبسوط في القراءات" ص ٢٣٩، "النشر" ص ٣١٥٢.
قال ابن عباس: (يريد ما أعطاني وملكني أفضل من عطيتكم) (٢).
وقولى تعالى: ﴿فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ﴾ قال: (يريد بقوة الأبدان) (٣).
وقال الزجاج: (بعمل يعملونه) (٤).
معنى: ﴿أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا﴾ سدًّا وحاجزًا.
قال ابن عباس: (وهو أشد الحجاب) (٥).
ومعنى الرَّدم في اللغة: سدُّك بابًا كله أو ثلمةً أر مدخلاً، يقال: رَدَمَه يردمه ردمًا (٦).
قال أبو إسحاق: (والرَّدْمُ في اللغة أكثر من السدِّ؛ لأن الردم ما جعل بعضه على بعض، يقال: ثوب مردم إذا كان قد رُقِع رقعة فوق رُقعة) (٧).
٩٦ - قوله تعالى: ﴿آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ﴾ لم يرد فأتوني استدعاء تمليك عين، ولكن تمليك المناولة بالأنفس؛ لأنه كلفهم المعونة على عمل السد
(٢) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ٢٣، "بحر العلوم" ٢/ ٣١٢، "المحرر الوجيز" ٩/ ٤٠٣، "النكت والعيون" ٣/ ٣٤٢، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٩، "التفسير الكبير" ٢١/ ١٧١، "أنوار التنزيل" ٣/ ٢٣٦.
(٣) "المحرر الوجيز" ٩/ ٤٠٣، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٠٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٦٠
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣١١.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ٢٣، "الدر المنثور" ٤/ ٤٥٢، "روح المعاني" ١٦/ ٤٠، "فتح القدير" ٣/ ٤٤٦.
(٦) انظر: "تهذيب اللغة" (ردم) ٢/ ١٣٩٥، "القاموس المحيط" (ردم) ص١١١٢، "المعجم الوسيط" (ردم) ١/ ٣٣٩، "مختار الصحاح" (ردم) (١٠١).
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣١١.
قال الفراء: (معناه: آتوني) (٣). يريد: فلما ألقيت الباء زيدت ألف، كما تقول: قد أتيتك زيدًا، تريد: أتيتك يزيد، ويقوي هذا المعنى الذي ذكرناه قراءة من قرأ: ائتوني (٤). موصولاً من الإتيان على معنى جيؤني، وهو هاهنا حسن لاختصاصه بالمعونة فقط دون أن يكون سؤال عينه. وعلى هذه القراءة انتصب زبر الحديد بحذف الحرف اتساعًا، فيصل الفعل إلى المفعول الثاني على حد: أمرتك الخير، والتقدير: ايتوني بزبر الحديد (٥).
وزبر الحديد: قطعه في قول الجميع. قال الليث: (زبرة الحديد: قطعة ضخمة منه) (٦). وأصلها الاجتماع ومنه: زبرى الأسد، وهي: ما اجتمع من الشعر على كاهله، وزَبَرْت الكتاب: إذا كتبته؛ لأنك جمعت
(٢) "زاد المسير" ٥/ ١٩٢.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٦٠.
(٤) قرأ نافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وابن كثير، وحفص عن عاصم: (ردما آتوني) بالمد. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: (ردما آئتوني) بالقصر وكسر التنوين ووصل الألف. انظر: "السبعة" ص ٤٠٠، "الحجة" ٥/ ١٧٥، "التبصرة" ص ٢٥٢، "المبسوط" ص ٢٤٠.
(٥) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٧٥، "حجة القراءات" ص٤٣٤، "الكشف عن وجوه القراءات" ٢/ ٧٩.
(٦) "تهذيب اللغة" (زبر) ٢/ ١٥٠٦، "لسان العرب" (زبر) ٣/ ١٨٠٤.
قال ابن عباس في تفسير ﴿زُبَرَ الْحَدِيدِ﴾: (هي على قدر الحجارة التي يبنى بها قدر ما يحمل الرجل) (٢). ومعنى الآية: أنه يأمرهم أن ينقلوا إليه زبر الحديد ليعمل بها الردم في وجوه يأجوج ومأجوج، فأتوه بها فبناه ﴿حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ﴾ قال الفراء: (ساوى وسوَّى بينهما: واحد) (٣). والمعنى: أنه جمع زبر الحديد ووضع بعضها على بعض بين الصدفين حتى سوى بينهما بالحديد. والصدفان: (الجبلان) في قول جميع المفسرين (٤). قال أبو عبيدة: (الصدفان جانبا الجبل) (٥). ونحوه قال الزجاج (٦).
وقال الأزهري: (الصَّدف والصُّدْفة الجانب والناحية، يقال: لجانبي الجبل إذا تحاذا صدفان لتصادفهما أي: تلاقيهما، ومن هذا يقال: صادفت فلانا أي: لاقيته) (٧). ويقال للبناء العظيم المرتفع: صَدَف. شبه بجانب الجبل، ومنه الحديث: (إذا مر بصدف مائل أسرع المشي) (٨). وفيه ثلاثة
(٢) ذكر نحوه الطبري في "جامع البيان" ١٦/ ٢٤، والسمرقندي في "بحر العلوم" ٢/ ٣١٣.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٦٠.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ٢٤، "المحرر الوجيز" ٩/ ٤٠٧، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٠٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٦١.
(٥) "مجاز القرآن" ١/ ٤١٤.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣١١.
(٧) "تهذيب اللغة" (صدف) ٢/ ١٩٨٩.
(٨) أخرجه الإمام أحمد ٢/ ٣٥٦ عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، وأورده القرطبي ١١/ ٦١، وأورده الأزهري في "تهذيب اللغة" (صدف) ١٢/ ١٤٦.
وقوله تعالى: ﴿قَالَ انْفُخُوا﴾ قال ابن عباس: (يريد انفخوا على زبر الحديد بالكير) (٢). قال الزجاج: (جعل بينهما الحطب والفحم، ووضع عليها المنافيخ حتى إذا صارت كالنار، وهو قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا﴾ والحديد إذا أُحمي بالفحم والمنفاخ صار كالنار) (٣).
وقوله تعالى: ﴿قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا﴾ قال ابن عباس: (أذاب النحاس، ثم أفرغه على زبر الحديد فاختلط ولصق بعضه ببعض، حتى صار جبلاً صلدًا من حديد ونحاس) (٤). قال قتادة: (وهو كالبُرْد المحبَّر طريقة سوداء، وطريقة حمراء) (٥).
والقطر: النحاس الذائب، وأصله من القطر وذلك أنه إذا أذيب قطر كما يقطر الماء (٦).
وقرأ نافع، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: (الصدفين) بفتح الصاد والدال. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: (الصدفين) بضم الصاد وتسكين الدال.
انظر: "السبعة" ص ٤٠١، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٧٧، "العنوان في القراءات" ص ١٢٥، "التبصرة" ص ٢٥٢، "النشر" ٢/ ٣١٦.
(٢) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "بحر العلوم" ٢/ ٣١٣، "القرطبي" ١١/ ٦٢، "روح المعاني" ١٦/ ٤١.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣١١.
(٤) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "بحر العلوم" ٢/ ٣١٣، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٠٥، "الكشاف" ٢/ ٤٠٢، "زاد المسير" ٥/ ١٩٣، "القرطبي" ١١/ ٦٢.
(٥) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٠٥، "زاد المسير" ٥/ ١٩٣، "القرطبي" ١١/ ٦٢، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١١٦.
(٦) انظر: (قطر) في "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩٩٠، "مقاييس اللغة" ٥/ ١٠٥، "القاموس المحيط" ص ٤٦٣، "الصحاح" ٢/ ٧٩٦، "المعجم الوسيط" ٢/ ٧٤٤.
قال ابن الأنباري: (يجوز أن يكون (قِطْرًا) معمول ﴿آتُونِي﴾ وأضمر لأفرغ مفعول على تقدير: أفرغه، وحذف لدلالة (قِطْرًا) عليه. ويجوز أن يكون معمول أفرغ وأضمر لآتوني مفعول على تقدير: آتوني قطرا أفرغ عليه قطرا، فحذف الأول لدلالة الثاني عليه) (٣).
٩٧ - قوله تعالى: ﴿فَمَا اسْطَاعُوا﴾ أصله: (استطاعوا) فلما اجتمعت متقاربتان، وهما التاء والطاء، أحبوا التخفيف بالإدغام، كما أحبوا ذلك في المثلين، فلما لم يسمع التخفيف بالإدغام لتحريك ما لم يتحرك في
وقرأ حمزة، وعاصم في رواية أبي بكر: (آئتوني) قصرا.
انظر: "السبعة" ص ٤٠١، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٧٨، "الغاية في القراءات" (٣١٣)، "التبصرة" ص ٢٥٣.
(٢) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٧٨، "حجة القراءات" (٤٣٤)، "الكشف عن وجوه القراءات" ٢/ ٧٩.
(٣) ذكر نحوه بلا نسبة "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٢٩٥، "إملاء ما من به الرحمن" (٤٠٥)، "الكشاف" ٢/ ٣٩٨، "الدر المصون" ٧/ ٥٤٩.
وفي (استطاع) لغة ثالثة وهو قولهم: يستيع في يستطيع، وهذا يحتمل أمرين أحدهما: [أنه أبدل من الطاء التي هي فاء التاء لقربها من الحرف الذي قبلها، فأبدل التاء لتوافق السين في الهمس، كما أبدل الدال] (١) من التاء في نحو: ازدان ليوافق ما قبله في الجهر. والآخر: أن يكون حذف الطاء لما يستقيم إدغام ما قبلها من المتقارب فيها، كما حذف المثل والمقارب من: عَلْماء بنو فلان، وبَلْعَنْبَر، ويكون هذا في أنه حذف من الكلمة الأصل للتخفيف، بمنزلة قولهم: تقيت، ألا ترى أنه في الأصل اتَّقى فحذف الفاء التي هي في الأصل واو، فلما حذفها سقطت همزة
فأما قولهم: أسطاع بقطع الألف، يُستطيع بضم الياء، فقال أبو علي الفارسي: (قولهم: أسطاع أَفْعَلَ، وإنما ألحقت السين لنقل الحركة إلى الفاء وتهيئة الكلمة بنقل الحركة فيها للحذف، ألا ترى أنها هيأت الكلمة للحذف منها في نحو: لم يَسْطِعْ، ومثل السين في ذلك الهاء، ففي قول من قال: أهَرَاق يُهَريق، فالهاء في: أنها عوض مثل السين في اسْطاع، وليس هذا العوض بلازم، ألا ترى أن ما كان نحوه لم يلزم هذا العوض) (٢). هذا كلامه. ؟
وشرحه أبو الفتح الموصلي فقال: (قولهم: أسطاع يستطيع، ذهب سيبويه فيه إلى أن أصله: أطاع يُطِيع، وأن السين زيدت عوضًا من حركة عين الفعل، وذلك أن أطاع أصله: أطْوَع، فنقلت فتحة الواو إلى الطاء، فانقلبت الواو ألفًا لتحركها في الأصل وانفتاح ما قبلها الآن) (٣).
وتعقب أبو العباس هذا القول فقال: (إنما يعوض من الشيء إذا فقد وذهب، فأما إذا كان موجودًا في اللفظ فلا وجه للتعويض منه، وحركة العين التي كانت في الواو قد نقلت إلى الطاء التي هي الفاء، ولم تعدم، وإنما نقلت (٤) فلا وجه للتعويض من شيء موجود غير مفقود (٥).
(٢) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٧٩.
(٣) "سر صناعة الإعراب" ١/ ١٩٩، "الكتاب" لسيبويه ٤/ ٢٨٥، ٤٨٣.
(٤) في (ص): (وإنما نقلت الطاء التي هي الفاء).
(٥) "سر صناعة الإعراب" ١/ ١٩٩، "الممتع" (٢٢٤)، "شرح المفصل" ١٠/ ٦.
ويؤكد ما قال سيبويه من أن السين عوض من ذهاب العين، أنهم قد عوضوا من ذهاب حركة هذه العين حرفًا آخر غير السين، وهو الهاء في قول من قال: أهْرَقت فسكن الهاء، وجمع بينها وبين الهمزة، فالهاء هاهنا عوض من ذهاب فتحة العين؛ لأن الأصل: أرْوَقت، فجعلوا الهاء عوضًا من نقل فتحة العين عنها إلى الفاء، وأنشد (٢):
فأصبحت كالمهريق فضلة مائه | لضاحي سرابٍ بالملا يترقرق |
(٢) ينسب هذا البيت لكثير.
الضاحي: البارز. والمَلاَ: الصحراء. وترقرق: يلمع.
انظر: "ديوانه" ص٢٣٧، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٢٠٢، "الأغاني" ٩/ ١٢، "وصف المباني" ص ٤٠١، "لسان العرب" (هرق) ٨/ ٤٦٥٥.
أخبرني العروضي عن الأزهري عن المنذري عن الحراني (٢) عن ابن السكيت قال: (يقال ما أستطيع، وما أسطيع، وما أستيع، وما أسطيع أربع لغات) (٣). وقد ذكرنا وجوهها.
وقرأ حمزة: ﴿فما اسْطَّاعوا﴾ مشددا الطاء، كأنه أدغم بالافتعال في الطاء (٤).
قال أبو إسحاق: (من قرأ بهذه القراءة فهو لاحن مخطئ، زعم ذلك الخليل، ويونس، وسيبويه وجميع من يقول بقولهم، وحجتهم في ذلك: أن السين ساكنة وإذا أدغمت التاء في الطاء صارت طاء ساكنة، ولا يجمع بين ساكنين) (٥).
(٢) عبد الله بن الحسن بن أحمد الأموي، أبو شعيب الحراني، إمام ثقة، محدث صدوق، لازم ابن السكيت وأخذ عنه، توفي رحمه الله في بغداد سنة ٢٩٥ هـ. انظر: "تاريخ بغداد" ٩/ ٤٣٥، "إنباه الرواة" ٢/ ١١٥، "سير أعلام النبلاء" ١٣/ ٥٣٦، "لسان الميزان" ٣/ ٢٧١.
(٣) "تهذيب اللغة" (طاع) ٣/ ٢١٥٢.
(٤) قرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، والكسائي، وعاصم: (فما اسطاعوا) بتخفبف الطاء.
وقرأ حمزة: (فما اسطاعوا) مشددة الطاء.
انظر: "السبعة" ص ٤٠١، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٧٨، "المبسوط في القراءات" ص ٢٤٠، "التبصرة" ص ٢٥٣.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣١٢.
إن طعنهم في قراءة حمزة رحمه الله مردود، فهي قراءة متواترة، والجمع بين الساكنين في هذا سائغ، جائز، مسموع في مثله فقد ذكر أن الجزري في "النشر" ٢/ ٣١٦ عن أبي عمرو قوله: ومما يقوي ذلك ويسوغه أن الساكن الثاني لما كان =
وذكر في "غيث النفع" ص ١٥٠: أن منع الجمع بين الساكنين أصل مختلف فيه عند أهل العربية، والقراءة لا تتبع العربية، بل العربية تتبع القراءة، لأنها مسموعة من أفصح العرب وهو النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من بعده.
وقال ابن الحاجب: إذا اختلف النحويون والقراء كان المصير إلى القراء أولى، لأنهم ناقلون عمن ثبتت عصمته من الغلط، ولأن القراءة ثبتت تواترًا وما نقله النحويون آحاد.
وانظر: "المحرر الوجيز" ٩/ ٤٠٨، "النشر" ٢/ ٣١٦، "إتحاف فضلاء البشر" ص ٢٩٥، "الكشف عن وجوه القراءات" ٢/ ٨٠.
(١) قرأ نافع: (لا تعْدّوا) بتسكين العين وتشديد الدال. وروى عنه ورش: (لا تعدوا) بفتح العين وتشديد الدال.
وقرأ بقية القراء: (لا تعدوا) بتخفيف الدال، وإسكان العين.
انظر: "السبعة" ص ٢٤٠، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٩٠، "التبصرة" ص ١٨٥، "النشر" ٢/ ٢٥٣.
(٢) قرأ أبو بكر عن عاصم: (أمن لا يهِدّي) بكسر الياء والهاء وتشديد الدال.
وقرأ حفص عن عاصم: (أمن لا يهدي) بفتح الياء وكسر الهاء وتشديد الدال.
وقرأ ابن كثير، وابن عامر، وورش عن نافع: (أمن لا يَهَدّي) بفتح الياء والهاء وتشديد الدال.
وقرأ حمزة، والكسائي: (أمن لا يَهْدي) بفتح الياء وإسكان الهاء وتخفيف الدال.
وقرأ أبو عمرو، وقالون عن نافع: (أمن لا يهدي) بفتح الياء وتشديد الدال.
انظر: "السبعة" ص ٣٢٦، "التبصرة" ص ٢٢٠، "المبسوط في القراءات" ص ٢٠٠، "إتحاف فضلاء البشر" ص ٢٤٩، "النشر" ٢/ ٢٨٣.
وقدمنا وجه ذكر هذا النحو) (٢).
وقال ابن الأنباري: (عظم تشنيع البصريين على حمزة في هذا الحرف، وتلحينهم إياه، وقولهم: جمع بين ساكنين لا ينبسط اللسان عليهما، وفي هذا تعد منهم عليه إذ جرى إلى مثله جماعة هن القراء، فلم ينسبوا إلى الذي نسب إليه، فقد قرأ الحسن: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ﴾ [البقرة: ١٨٥] بالإدغام (٣)، فإنه يقرؤه، ويقرأ ﴿نَحْنُ نَقُصُّ﴾ [يوسف: ٣]، ﴿وَالْحَرْثِ ذَلِكَ﴾ [آل عمران: ١٤]، ومعلوم أن الإدغام إذا وقع هاهنا اجتمع ساكنان، وقرأ: ﴿فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ﴾ [الحج: ٣١] (٤) بالإدغام، ﴿يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ﴾ [البقرة: ٢٠] (٥) في نظائر يطول ذكرها، ولا وجه للتشنيع على
وقرأ أبو عمرو، وقالون عن نافع: (يخْصّمون) بإسكان الخاء وتشديد الصاد.
وقرأ ورش عن نافع، وابن كثير: (يخَصّمون) بفتح الخاء وتشديد الصاد.
وقرأ عاصم، وابن عامر، والكسائي: (يخِصمون) بكسر الخاء وتشديد الصاد.
انظر: "السبعة" ص ٥٤١، "التبصرة" ص ٣٠٦، "المبسوط في القراءات" ص ٣١٢، "الكشف عن وجوه القراءات" ٢/ ٢١٧.
(٢) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٨١.
(٣) قرأ أبو عمرو البصري، والحسن: (شهر رمضان) بإدغام راء (شهر) في راء (رمضان).
انظر: "إتحاف فضلاء البشر" ١/ ١٥٤، "القراءات الشاذة" ص ٤٦.
(٤) قرأ الحسن: (فتخطفه الطير) بكسر الخاء والطاء وتشديدها.
انظر: "إتحاف فضلاء البشر" ص ٣١٥، و"القراءات الشاذة" ص ٦٨٥.
(٥) قرأ الحسن: (يخطف) بكسر الياء والخاء والطاء المشددة.
انظر. "إتحاف فضلاء البشر" ص ١٢٨، و"القراءات الشاذة" ص ٢٨.
وقوله تعالى: ﴿أَنْ يَظْهَرُوهُ﴾ قال ابن عباس وغيره: (أن يصعدوه ويعلوه) (٢). يقال: ظهرت السطح إذا صرت فوقه، ومنه قوله تعالى ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ [التوبة: ٣٣] معناه: ليعلنه.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا﴾ يقال: نقبت الحائط: إذا خرقت فيه خرقا يخلص إلى ما وراءه (٣). قال أبو إسحاق: (أي ما قدروا أن يعلوا عليه لارتفاعه وإملاسه، وما استطاعوا أن ينقبوه من أسفله لشدته وصلابته) (٤).
٩٨ - قوله تعالى: ﴿قَالَ هَذَا﴾ قال ذو القرنين لما فرغ من بنائه هذا. قال أبو إسحاق: (أي التمكين الذي أدركت به السد ﴿رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي﴾ (٥). وهذا معنى قول ابن عباس: (يريد معونة من ربي حيث ألهمني وقواني) (٦).
وقال ابن الأنباري: (يجوز أن تكون الإشارة بهذا إلى السد، أي:
(٢) ذكره ابن عطية في تفسيره ٥/ ٤٠٨ بدون نسبة، وكذلك السمرقندي في "بحر العلوم" ٢/ ٣١٣.
(٣) "تهذيب اللغة" (نقب) ٤/ ٣٦٣٩، "مقاييس اللغة" (نقب) ٥/ ٤٦٥، "القاموس المحيط" (النقب) ص ١٣٩، "الصحاح" (نقب) ١/ ٢٢٧.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣١٢.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣١٢.
(٦) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "بحر العلوم" ٢/ ٣١٤، "النكت والعيون" ٣/ ٣٤٥، "زاد المسير" ٥/ ١٩٥. وقال ابن سعدي في "تفسيره" ٥/ ٩٣: (هذا رحمة من ربي) أي: من فضله وإحسانه علي.
وقال الكلبي: (يقول: أجل ربي أن يخرجوا منه) (٣).
﴿جَعَلَهُ دَكَّاءَ﴾ أي: دَكَه دَكًا، ويجوز أن يكون المعنى: جعله ذا دك. ومن قرأ: في دكاء ممدودة (٤)، كان التقدير: جعله مثل دكَّاء، وهي: الناقة التي لا سنام لها (٥)، فحذف المضاف ولابد من تقدير الحذف؛ لأن السد مذكر ولا يوصف بدكاء؛ لأنه من وصف المؤنث. ومضى الكلام في هذا في سورة الأعراف (٦). ﴿وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا﴾ يعني: بالثواب والعقاب في القيامة، في قول ابن عباس (٧).
(٢) ذكره البغوي في "معالم التنزيل" ٥/ ٢٠٥ بدون نسبة، و"بحر العلوم" ٢/ ٣١٤، و"زاد المسير" ٥/ ١٩٥.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ٢٧، "بحر العلوم" ٢/ ٣١٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٦٥.
(٤) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: (دكًّا) منون غير مهموز ولا ممدود. وقرأ حمزة، والكسائي، وعاصم: (دكاء) ممدود مهموز بلا تنوين.
انظر: "السبعة" ص٤٠٢، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٨٢، "المبسوط في القراءات" ٢٤٠، "الكشف عن وجوه القراءات" ٢/ ٨١
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" (دك) ٢/ ١٢١٢، "القاموس المحيط" (دك) (٩٣٩)، "الصحاح" (دك) ٤/ ١٥٤٨، "المعجم الوسيط" (دكه) ١/ ٢٩١.
(٦) عند قوله سبحانه في سورة الأعراف الآية رقم (١٤٣): ﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
(٧) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "النكت والعيون" ٣/ ٣٤٥، "معالم =
٩٩ - قوله تعالى: ﴿وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ﴾ يقال: ماجَ الماء يَمُوج إذا اضطرب، وماجَ الناس إذا في دخل بعضهم في بعض حيارى كموج الماء (٢). قال كثير من المفسرين: (تركنا الجن والإنس يدخل بعضهم في بعض يوم القيامة) (٣). والصحيح أن قوله: ﴿بَعْضَهُمْ﴾ الكناية فيه عن يأجوج ومأجوج. يقول: تركناهم يوم انقضاء السد يموجون في الدنيا مختلطين لكثرتهم (٤). ثم ذكر نفخ الصور بعد هذا فقال: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ﴾ لأن: خروج يأجوج ومأجوج من علامات قرب الساعة ﴿فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا﴾ حشرنا الخلق كلهم.
١٠٠ - قوله تعالى: ﴿وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ﴾ الآية. قال الفراء: (أبرزناها حتى نظر إليها الكفار) (٥).
وقال أبو إسحاق: (تأويل ﴿عَرَضْنَا﴾ أظهرنا لهم جهنم حتى شاهدوها
(١) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ٢٨، "النكت والعيون" ٣/ ٣٤٥، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٠٥، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١١٧، "روح المعاني" ١٦/ ٤٢.
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" (ماج) ٤/ ٣٣٢٢، "القاموس المحيط" (الموج) ص ٢٠٦، "الصحاح" (موج) ١/ ٣٤٢، "لسان العرب" (موج) ٧/ ٤٢٩٧.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ٢٨، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٠٩، "الكشاف" ٢/ ٤٠٣، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٦٥، "الدر المنثور" ٤/ ٤٥٤.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ٢٨، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٠٩، "النكت والعيون" ٣/ ٣٤٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٦٥.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٦٠.
١٠١ - قوله تعالى: ﴿كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي﴾ الغطاء ما تغطيت به أو غطيت به، والجمع الأغطية، يقال: غطا الشيء، وغطا عليه إذا ستره (٣). ومعنى قوله: في ﴿أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي﴾ كقوله تعالى: ﴿وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ﴾ [البقرة: ٧].
قال ابن عباس في قوله: ﴿عَنْ ذِكْرِي﴾ (يريد عما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- من البينات والهدى) (٤). وصف الله تعالى هؤلاء الكفار بأنهم عمي عن آيات الله، وأدلة توحيده لما سبق لهم من الشقاء، وإذا لم يبصروا أدلة توحيده، وعجائب قدرته لم يتذكروا بقلوبهم؛ لأن العين رائد القلب، ألا ترى أن الشاعر يقول (٥):
ألا إنما العينان للقلب رائد | فما تألف العينان فالقلب يألف |
(٢) عند قوله سبحانه في سورة البقرة الآية رقم (٣١): ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾.
(٣) "تهذيب اللغة" (غطى) ٣/ ٢٦٧٨، "مقاييس اللغة" (غطو) ٤/ ٤٢٩، "لسان العرب" (غطى) ٦/ ٣٢٧٣، "المصباح المنير" (غطو) ص ١٧١.
(٤) ذكرت التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ٣١، "بحر العلوم" ٢/ ٣١٤، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٠٩، "الكشاف" ٢/ ٥٠٠، "لباب التأويل" ٤/ ٢٣٥، "فتح القدير" ٣/ ٤٥٠.
(٥) لم أهتد إلى قائله.
(٦) في (ص): (أن لو قيل قلوبهم).
وقوله تعالى: ﴿وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا﴾ قال ابن عباس (٢): (يريد لا يسمعون القرآن ولا يحبونه) (٣). وقال أبو إسحاق: (كانوا لعدواتهم النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يقدرون أن يسمعوا ما يتلو عليهم، كما تقول للكاره لقولك: ما يقدر أن يسمع كلامي) (٤). قال ابن الأنباري: (كان يثقل عليهم السمع وهم له مستطيعون، كما تقول: ما أستطيع البصر إليك. معناه: لما ثقل علي كنت كأني غير مستطيعه. قال: ويجوز أن يكون الله منعه الاستطاعة؛ لأن يسمع الهدى، وجعل على بصره غطاء عقابًا من الله له على عناده الحق) (٥).
١٠٢ - قوله تعالى: ﴿أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ﴾ يقول: أفظنوا أنهم يتخذونهم أربابًا من دوني، وعنى بالعباد هاهنا: المسيح، والملائكة (٦).
وقال ابن عباس: (يعني الشياطين، تولوهم وأطاعوهم من دون
(٢) قوله: (عباس)، ساقط من نسخة (ص).
(٣) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "بحر العلوم" ٢/ ٣١٤، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٠٩، "لباب التأويل" ٤/ ٢٣٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٦٥، "مدارك التنزيل" ٢/ ٩٦٧، "إرشاد العقل السليم" ٥/ ٣٤٧.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣١٣.
(٥) ذكر نحوه بلا نسبة "الكشاف" ٣/ ٤٠٢، "التفسير الكبير" ١٢/ ٧٣١، "البحر المحيط" ٦/ ١٦٥.
(٦) "جاء البيان" ١٦/ ٣١، "المحرر الوجيز" ٩/ ٤١٣، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٠٩، "زاد المسير" ٥/ ١٩٦.
قال ابن عباس: (يريد أني لا أغضب لنفسي، ولا أعاقبهم) (٣). ويدل علي هذا المحذوف قوله: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا﴾، لأن هذا يدل على أنه يريد عقوبتهم.
وقال قوم: (هذا لا يقتضي جوابًا؛ لأنه أراد بالأولياء هاهنا الأنصار، والمعنى: أفحسبوا أنهم اتخذوهم أنصارا يمنعونهم من عذابي ويدفعون عنهم) (٤). وهذا معنى قول الزجاج في هذه الآية قال: (تأويله: أفحسبوا أن ينفعهم اتخاذهم عبادي أولياء) (٥).
وقوله تعالى: ﴿نُزُلًا﴾ قال أبو إسحاق: (هو بمعنى: منزلا) (٦). وهو
(٢) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٠٩، "زاد المسير" ٥/ ١٩٦، "التفسير الكبير" ٢١/ ١٧٤.
وقال الشنقيطي -رحمه الله- في "تفسيره" ٤/ ١٩٠: والأظهر المتبادر من الإضافة في قوله: "عبادي" أن المراد بهم نحو الملائكة، وعيسى، وعزيز، لا الشاطين ونحوه؛ لأن مثل هذه الإضافة للتشريف غالبًا، وقد بين تعالى أنهم لا يكونون أولياء لهم في قوله: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ﴾. الآية.
(٣) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٠٩، "زاد المسير" ٥/ ١٩٦.
(٤) "زاد المسير" ٥/ ١٩٦، "البحر المحيط" ٧/ ١٦٦.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣١٤.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣١٤.
وقال آخرون: النُّزُل ما يقال للضيف إذا نَزَل، والنزالة الضيافة، ومنه قوله (٢):
فجاءت بيتن للنزالة أرشما.
والمعنى: أن جهنم معدة لهم عندنا، كما يهيؤ النُّزل للضيَّف النازل (٣).
١٠٣ - وقوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا﴾ أي: بالقوم الذين هم أخسر الخلق فيما عملوا. قال ابن عباس في رواية عطاء: (يرد كفار أهل الكتاب) (٤).
وهو قول الكلبي: (اليهود والنصارى) (٥). وروي عن علي -رضي الله عنه- أنه قال: (هم الرهبان أصحاب الصوامع) (٦).
(٢) هذا عجز بيت للبعيث، يهجو جريرًا، وصدره:
لقى حملته أمُّه وهي ضيفةً
أرْشَما: الأرشم الذي يتشمم الطعام ويحرص عليه.
انظر: "تهذيب اللغة" (نزل) ٤/ ٣٥٥٥، "لسان العرب" (رشم) ٣/ ١٦٥٢.
(٣) "المحرر الوجيز" ٩/ ٤١٣، "معالم التنزيل" ٥/ ٢١٠، "الكشاف" ٢/ ٤٠٣، "زاد المسير" ٥/ ١٩٧، "البحر المحيط" ٦/ ١٦٦.
(٤) "معالم التنزيل" ٥/ ٢١٠.
(٥) "معالم التنزيل" ٥/ ٢١٠، "النكت والعيون" ٣/ ٣٤٧، ونسبه لسعد بن أبي وقاص، وكذلك "زاد المسير" ٥/ ١٩٧.
(٦) "جامع البيان" ١٦/ ٣٢، "النكت والعيون" ٣/ ٣٤٧، "زاد المسير" ٥/ ١٩٧، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٦٦.
١٠٤ - وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ﴾ يجوز في ﴿الَّذِينَ﴾ الخفض بالنعت للأخسرين. ويجوز الرفع على الاستيئناف على معنى: هم الذين ضل سعيهم، بطل عملهم واجتهادهم في الدنيا: ﴿وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ يظنون أنهم بفعلهم محسنون، والصنع: مصدر صَنَع إليه معروفًا يصنع صنعًا، وأكثر ما يستعمل الصنع في الأعمال الحسنة (٣).
١٠٥ - قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ﴾ أي: الأخسرين أعمالاهم: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ﴾ جحدوا دلائل توحيده وقدرته ﴿وَلِقَائِهِ﴾ وكفروا بالبعث، والثواب، والعقاب.
﴿فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ قال ابن عباس: (بطل اجتهادهم) (٤).
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ٣٤، "تفسير القرآن" للصنعاني ١/ ٣٤٨، "المحرر الوجيز" ٩/ ٤١٥، "معالم التنزيل" ٥/ ٢١٠ وقال ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ١١٩: إن هذه الآية تشمل الحرورية، كما تشمل اليهود والنصارى وغيرهم، لا أنها نزلت في هؤلاء على الخصوص، ولا هؤلاء بل هي أهم من هذا، فإن هذه الآية مكية قبل خطاب اليهود والنصارى، وقبل وجود الخوارج بالكلية، وإنما هي عامة في كل من عبد الله على غير طريقة مرضية يحسب أنه مصيب فيها، وأن عمله مقبول وهو مخطئ وعمله مردود، كما قاله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (٢) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (٣) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً﴾ [الغاشية: ٢: ٤].
(٣) "تهذيب اللغة" (صنع) ٢/ ٢٠٦٤، "الصحاح" (صنع) ٣/ ١٢٤٥، "المعجم الوسيط" (الصنع) ١/ ٢٣٦، "مختار الصحاح" (صنع) ص ١٥٥.
(٤) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "معالم التنزيل" ٥/ ٢١٠، "المحرر الوجيز" ٩/ ٤١٥، "زاد المسير" ٥/ ٩٧، "لباب التأويل" ٤/ ٢٣٦.
وقال كعب بن عجرة (٢): (يؤتى برجل يوم القيامة فيوزن بحبة فلا يزنها، فيوزن بجناح بعوضة فلا يزنها، ثم قرأ هذه الآية) (٣). ونحو هذا قال عبيد بن عمير (٤).
وروى عطاء عن ابن عباس في هذه الآية قال: (يريد أن ليس لهم وزن يوم القيامة، إنما يوزن من له عمل صالح، وكان على التوحيد) (٥). وهذه الأقوال في الظاهر تدل على أن أعيان الرجال يوزنون، وليس كذلك؛ لأن
وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" ٥/ ٤٦٦، وأورده الحافظ بن حجر في "فتح الباري" ٨/ ٤٢٦، ومسلم في "صحيحه" كتاب: صفات المنافقين وأحكامهم ٣/ ٢١٤٧.
(٢) كعب بن عجرة القضاعي، حليف الأنصار، صحب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعاش في المدينة، وشهد الحديبية، ثم سكن الكوفة، وتوفي -رضي الله عنه- في المدينة سنة ٥٢ هـ. انظر: "الاستيعاب" ٣/ ١٣٢١، "الإصابة" ٥/ ٦٠٠.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ٣٥، "النكت والعيون" ٣/ ٣٤٧، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١١٩، "الدر المنثور" ٤/ ٤٥٧.
(٤) "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٦٦، "الدر المنثور" ٤/ ٤٥٧.
(٥) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ٣٥، "المحرر الوجيز" ٩/ ٤١٦، "الكشاف" ٢/ ٥٠٠، "زاد المسير" ٥/ ١٩٨، "لباب التأويل" ٤/ ٢٣٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٦٧، "التفسير الكبير" ٢١/ ١٧٤، "روح المعاني" ١٦/ ٤٩.
فالمعنى على هذا: أنهم لا يعتد بهم، ولا يكون لهم عند الله قدر ومنزلة (٢). وحديث أبي هريرة محمول أيضًا على هذا، وهو: أن العظيم، الأكول، الشروب لا قدر له ولا وزن عند الله، إذا لم يكن من أهل التوحيد.
وقال بعضهم: (معنى هذا خفة موازينهم من الحسنات، وذلك أن الموازين إنما ترجح بالطاعات، وتنقص بالمعاصي، فيوضع الكافر في الميزان يوم القيامة فلا يزن شيئًا لخلوه مما يثقل الميزان به من توحيد الله) (٣).
وذكر ابن الأنباري وجه ما ذكره المفسرون فقال: (إن الله عز وجل يأمر بوزن أهل الكفر تحقيرًا لهم، وتصغيرًا لأمرهم، حتى يتبين الخلق أنهم لا يزنون في ذلك المشهد وزن ذرة ولا جناح بعوضة) (٤).
يدل على صحة هذا ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال:
(٢) "المحرر الوجيز" ٩/ ٤١٦، "معالم التنزيل" ٥/ ٢١٠ - ٢١١، "النكت والعيون" ٣/ ٣٤٧، "زاد المسير" ٥/ ١٩٨.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ٣٥، "النكت والعيون" ٣/ ٣٤٧، "الكشاف" ٢/ ٤٠٣، "زاد المسير" ٥/ ١٩٨.
(٤) ذكر نحوه بلا نسبة "النكت والعيون" ٣/ ٣٤٧، "الكشاف" ٢/ ٤٠٣، "زاد المسير" ٥/ ١٩٨، "التفسير الكبير" ٢١/ ١٧٤، "البحر المحيط" ٦/ ١٦٧.
قال أبو بكر: (وإنما يجعلون أمثال الذر تصغيرًا لهم عند أنفسهم، ومن يحضر القيامة) (٢). وذكر من عنده في الآية وجهان: الكافر يقدم علي بسيئات لا حسنة معها، والموازين القسط يوزن فيها حسنات العبد وسيئاته، فإذا خلا الكافر من الحسنات، وحصل على السيئات استحق النار بغير وزن، ولا إقامة ميزان، وما فعل الكافر في الدنيا من نصرة مظلوم، وإطعام جائع، وعمل بر يكافؤ عليه في الدنيا بتوسعة له في الرزق، ويقدم على الله صفرا من كل خير. الثاني: لا يقيم لهم يوم القيامة وزنا؛ لأن الوزن عليهم لا لهم؛ لأنه لا عمل لهم من أعمال الخير يوزن. الوجه الثالث: هو ما ذكره أبو العباس عن ابن الأعرابي، وقد حكيناه (٣).
١٠٦ - قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ﴾ الذي ذكرت من حبوط أعمالهم،
(٢) ورد نحوه بلا نسبة في "النكت والعيون" ٣/ ٣٤٧، "زاد المسير" ٥/ ١٩٨، "التفسير الكبير" ٢١/ ١٧٤.
(٣) انظر: "النكت والعيون" ٣/ ٣٤٨، "زاد المسير" ٥/ ١٩٨، "التفسير الكبير" ٢١/ ١٧٤، "فتح القدير" ٣/ ٤٥١.
وقوله تعالى ﴿بِمَا كَفَرُوا﴾ أي: بكفرهم واتخاذهم آياتي، يعني: القرآن. ﴿وَرُسُلِي هُزُوًا﴾ قال ابن عباس: (يريد الذين كانوا يستهزئون بالنبي -صلى الله عليه وسلم-) (٢). وإنما قال: ﴿وَرُسُلِي﴾ والمراد محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن من استهزأ به فقد استهزأ بجميع الرسل؛ لأن الإيمان واجب بهم، فالكفر بواحد كفر بالجميع. ونحو هذا قال الكلبي: (ورسلي محمد -صلى الله عليه وسلم-) (٣).
وقوله تعالى: ﴿هُزُوًا﴾ مصدر، والمراد المفعول به.
١٠٧ - قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ﴾ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الفردوس ربوة الجنة، وأوسطها، وأفضلها، وأحسنها، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة، فإذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس" (٤).
(٢) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "بحر العلوم" ٢/ ٣١٥، "معالم التنزيل" ٥/ ٢١١، "المحرر الوجيز" ٩/ ٤١٦.
(٣) ذكره السمرقندي في "بحر العلوم" ٢/ ٣١٥ بدون نسبة.
(٤) أخرجه الطبري في "جامع البيان" ١٦/ ٣٧ بسنده عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، والبغوي في "معالم التنزيل" ٥/ ٢١١، وابن كثير في "تفسيره" ٣/ ١٢٠.
وأخرج نحوه البخاري في كتاب: الجهاد، باب: درجات المجاهدين ٦/ ١١، ومسلم كتاب: الإيمان، باب: إثبات رؤية المؤمنين ١/ ١٦٣، والترمذي كتاب: صفة الجنة، باب: ما جاء في صفة درجات الجنة ٤/ ٦٧٣، وابن ماجه في المقدمة باب: فيما أنكرت الجهمية ١/ ٦٦، والإمام أحمد في "مسنده" ٢/ ٣٣٥.
وقال الضحاك: (هي الجنة الملتفة الأشجار) (٣). وهو اختيار المبرد قال: (الفردوس -فيما سمعت من كلام العرب-: الشجر الملتف، والأغلب عليه العنب، وجمعه الفراديس. قال: ولهذا سمي باب الفراديس بالشام) (٤). وأنشد لجرير (٥):
فقلت للركب إذ جد الرحيل بنا | ما بعد يبرين من باب الفراديس. |
وإن ثواب الله كل موحد | جنان من الفردوس فيها يخلد |
(٢) "زاد المسير" ٥/ ١٩٩، "تهذيب اللغة" (فردوس) ٣/ ٢٧٦٢.
(٣) "معالم التنزيل" ٥/ ٢١١، "زاد المسير" ٥/ ١٩٩، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٢٠.
(٤) ذكره الأزهري بلا نسبة في "تهذيب اللغة" (فردوس) ٣/ ٢٧٦٢.
(٥) البيت لجرير من قصيدة قالها يهجو التيم.
يبرين: مكان في بلاد بني سعد. والفراديس: مكان بدمشق.
انظر: "ديوان جرير" ص ٢٥٠.
(٦) "جامع البيان" ١٦/ ٣٦، "المحرر الوجيز" ٩/ ٤١٨، "معالم التنزيل" ٥/ ٢١١، "النكت والعيون" ٣/ ٣٤٨، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١١١.
(٧) البيت لحسان بن ثابت -رضي الله عنه- من قصيدة قالها يمدح فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-.
انظر: "ديوان حسان" ٩٢، "المحرر الوجيز" ٩/ ٤١٨، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣١٥، "سيرة ابن هشام" ٤/ ٣٥٠، "لسان العرب" (فردس) ٦/ ٣٣٧٥.
ومعنى ﴿كَانَتْ لَهُمْ﴾ قال ابن الأنباري: (في علم الله قبل أن يخلقوا) (٢).
وقوله: ﴿نُزُلًا﴾ أي: منزلا. قال أبو علي: (ويجوز أن يكون ﴿نُزُلًا﴾ يراد به القوت الذي يقام للنازل أو الضيف، فيكون النزل القوت، وهذا الوجه يحتاج فيه إلى تقدير المضاف على معنى: كانت له ثمار جنات الفردوس، أو نعيمها. قال: ويجوز أن يكون النُزُل جمع نَازِل، ويكون حالاً والعامل فيه معنى الفعل في لهم) (٣).
١٠٨ - ويدل على هذا الوجه قوله تعالى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا﴾ قال الليث: (الحِوَلُ يجرى مجرى التَّحويل، تقول: حُوِّلوا عنها تحويلا وحِولا) (٤).
قال الأزهري: (فالتحويل مصدر حقيقي من حوَّلت، والحول اسم يقوم مقام المصدر) (٥). ونحو هذا قال ابن قتيبة في تفسير (حِوَلًا): (تَحْوِيلا) (٦). ورواه أيضًا أبو العباس عن ابن الأعرابي (٧).
وقال أبو عبيدة (حِوَلًا): (تحويلا) (٨).
(٢) ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ٥/ ١٩٩.
(٣) "الحجة للقراء السبعة" ٦/ ٢٦٤.
(٤) "تهذيب اللغة" (حال) ١/ ٧٠٩.
(٥) "تهذيب اللغة" (حال) ٥١/ ٧٠٩.
(٦) "تفسر غريب القرآن" ١/ ٢٧١.
(٧) "تهذيب اللغة" (حال) ١/ ٧٠٩.
(٨) "مجاز القرآن" ١/ ٤١٦.
قال ابن عباس: (لا يريدون أن يتحولوا عنها، كما ينتقل الرجل من دار إذا لم توافقه إلى دار أخرى، والجنة ليست هكذا) (٤).
وقال مجاهد في قوله: (حِوَلًا) (متحولا) (٥). يعني بالتحول المصدر، وذكر الزجاج وجهين آخرين في الحول، أحدهما: قال: (يقال: قد حال من مكانه حِوَلاً، كما قالوا في المصادر: صَغُرَ صِغَرًا، وعَظُم عِظَمًا وعادني حبها عِوَدًا، فعلى هذا الحِوَل الحِيلَةُ، فيكون المعنى على هذا: لا يحتالون منزلا غيرها) (٦).
١٠٩ - قوله تعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ﴾ الآية. روى عكرمة عن ابن عباس، قال: (قالت قريش لليهود: أعطونا شيئًا نسأل عنه هذا الرجل. فقالوا: سلوه عن الروح، فنزلت: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ﴾ إلى قوله: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٨٥]، فقالوا: أوتينا علمًا كثيرًا، أوتينا التوراة، فأنزل الله: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ﴾ الآية) (٧).
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٦١.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣١٥.
(٤) "معالم التنزيل" ٥/ ٢١٢.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ٣٨، "المحرر الوجيز" ٩/ ٤١٨، "الدر المنثور" ٤/ ٤٥٨، "فتح القدير" ٣/ ٤٥٢.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣١٥.
(٧) "المحرر الوجيز" ٩/ ٤١٩، "معالم التنزيل" ٥/ ٢١٢، "زاد المسير" ٥/ ٢٠١، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٦٩، "أسباب النزول" للوحدي ص ٣٠٨.
قال الأخطل (٢):
رأوا بارقات بالأكف كأنها | مصابيح سرج أوقدت بمداد |
قال ابن عباس: (يريد أن كلماته أعظم من أن يكون لها أمد) (٥). والكلام القديم صفة من صفات ذاته (٦)، فلا يجوز أن يكون لكلامه غاية
(٢) البيت للأخطل، غياث بن غوث بن الصلت التغلبي.
سرج: السراج الزاهر الذي يزهر بالليل، والمسرجة التي توضع فيها الفتيلة. انظر: "لسان العرب" (مدد) ٧/ ٤١٥٦.
(٣) ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ٥/ ٢٠١، والطبري في "مجمع البيان" ٦/ ٧٧٠، والشوكاني في "فتح القدير" ٣/ ٤٥٤، وذكر نحوه الأزهري في "تهذيب اللغة" (مد) ٤/ ٣٣٦١.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ٣٩، "معالم التنزيل" ١٥/ ٢١٢، "زاد المسير" ٥/ ٢٠١.
(٥) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ٣٩، "معالم التنزيل" ١٥/ ٢١٢، "المحرر الوجيز" ٩/ ٤٢٠، "لباب التأويل" ٤/ ٢٣٧، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٢٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٦٩.
(٦) الكلام صفة من صفات الله عز وجل نثبتها كما أثبتها لنفسه من غير تحريف ولا تعطيل =
وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾ أي: بمثل البحر في كثرة مائه مدادا زيادة له.
وأراد لو جئنا بمثله مدادًا له، والمدد: كل شيء زاد في شيء. يقال أمددناهم بمدد أي: بقوم يزيدون في عددهم. قال الزجاج: (﴿مَدَدًا﴾ منصوب على التمييز، يقول: ملؤ هذا، ومثل هذا ذهبًا، أي: من الذهب) (٣). كقوله: ﴿أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا﴾ [المائدة: ٩٥] قال ابن الأنباري: (ويجوز أن يكون ﴿مَدَدًا﴾ منصوب على المصدر لجئنا بتقدير: لمدد البحر بمثله مددا، كما تقول: جاء فلان ركضا. قال: ويجوز أن يكون نائبا عن الحال بتقدير: لو جئنا بمثله مادين) (٤).
وانظر: "شرح العقيدة الطحاوية" ١/ ١٧٢، "القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى" للشيخ: محمد بن عثيمين ص ٣٣، "العقيدة الواسطية" ص ٤٣.
(١) في (ص): (الشك)، وهو تصحيف.
(٢) "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٦٩.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣١٦.
(٤) ذكر نحوه بلا نسبة في "المحتسب" ٢/ ٣٥، "إملاء ما من به الرحمن" ص ٤٠٥، =
قوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ﴾ لقاء البعث والمصير إلى الله، والرجاء يذكر بمعنى الخوف؛ لأنه يتضمن الخوف، ومنه قول الهذلي (٤):
إذا لسمعته النَّحل لم يرج لسعها
(١) "معالم التنزيل" ٥/ ٢١٣، "زاد المسير" ٥/ ٣٠٢، "مجمع البيان" ٥/ ٧٧٠.
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ٤٠،"المحرر الوجيز" ٩/ ٤٢١، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٦٩، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" كتاب: التفسير ٤/ ٣٢٩، "أسباب النزول" للواحدي ٣٠٨، "لباب النقول في أسباب النزول" ص ١٤٥.
(٣) في (ص): (بعلمه).
(٤) هو صدر بيت لأبي ذؤيب الهذلي، وعجزه:
وخالفها في بيت نوبٍ عواسل
اللسع: لما ضرب بمؤخرة، واللسع لذوات الإبر من العقارب والزنابير ونحوها والنوب: النحل وهو جمع نائب لأنها شرعى وتنوب إلى مكانها. انظر: "شرح أشعار الهذليين" ١/ ١٤٤، "معاني القرآن" للفراء ١/ ٢٨٦، "تفسير غريب القرآن" ١/ ٢٧١، "تهذب اللغة" (ناب) ٤/ ٣٤٧٦، "اللسان" (نوب) ٨/ ٤٥٦٩.
قال ابن الأنباري: ("من" حرف شرط، والشرط يقع على ما لم يتحصل، فجرى الشرط في هذا مجرى الجحد) (٣). وقال سعيد بن جبير: (من كان يأمل ثواب الله) (٤).
وقوله تعالى: ﴿فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا﴾ أي: خالصًا لا يرائي به. والمفسرون والصحابة على أن هذه الآية نزلت: في النهي عن الرياء، وذكروا في تفسير هذه الآية: ما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "قال الله: أنا خير الشركاء، من عمل لي عملاً وأشرك فيه غيري، فأنا منه بري، وهو للذي أشرك" (٥).
وقال الشنقيطي -رحمه الله- في "أضواء البيان" ٤/ ٢٠٠: الرجاء يستعمل في رجاء الخير، ويستعمل في الخوف أيضًا، واعلم أنهما متلازمان فمن كان يرجو ما عند الله من الخير فهو يخاف ما لديه من الشر كالعكس.
(٢) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٢٨٦.
(٣) ذكر نحوه في "زاد المسير" ٣/ ٢٠٥، "مجمع البيان" ٦/ ٧٧٠، "روح المعاني" ١٦/ ٥٣.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ٣٩، "بحر العلوم" ٢/ ٣١٥، "النكت والعيون" ٣/ ٣٥٠، "الدر المنثور" ٤/ ٤٦٠.
(٥) أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه" كتاب: الزهد، باب: من أشرك في عمله غير الله ٣/ ٢٢٨٩، وابن ماجه في سننه، كتاب: الزهد، باب: الرياء والسمعة =
وقال كثير بن زياد (٣): (قلت للحسن: قول الله: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ﴾ الآية، قال: في المؤمن نزلت. قلت: مشركا بالله؟ قال: لا، ولكن أشرك في عمله، يريد الله به والناس، فذلك الذي يرد عليه) (٤).
وقال سعيد بن جبير في قوله: ﴿وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ (ولا يرائي) (٥).
(١) شداد بن أوس بن ثابت المنذر بن حرام، أبو علي، الأنصاري، النجاري الخزرجي، ابن أخي حسان بن ثابت، وهو من فضلاء الصحابة وعلمائهم، توفي -رضي الله عنه- سنة ٦٤ هـ. انظر: "حلية الأولياء" ١/ ٢٦٤، "الجرح والتعديل" ٤/ ٣٢٨، "تهذيب التهذيب" ٤/ ٣١٥، "شذرات الذهب" ١/ ٦٤، "طبقات ابن سعد" ٧/ ٤٠١.
(٢) أخرجه أحمد في "مسنده" ٤/ ١٢٥، والحاكم في "المستدرك" ٣/ ٥٠٦ وصححه، والطبري في "تفسيره" ١٦/ ٤٠، والسيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ٤٦٠ وعزاه لأحمد وابن أبي الدنيا وابن مردويه والهيثمي في "مجمع الزوائد" ١٠/ ٢٢١.
(٣) كثير بن زياد، أبو سهل البرساني الأزدي، العتكي، البصري، سكن بلخ، وكان ثقة، وهو من أكابر أصحاب الحسن، روى عن: الحسن، وعمر بن عثمان، وأبي سمية، وأبي العالية، وروى عنه: حماد بن زيد، وجعفر بن سلمان، وعمرو بن الرماح البلخي وغيرهم، وثقه العلماء وأُثنوا عليه.
انظر: "الثقات" لابن حبان ٧/ ٣٥٣، "الكشاف" ٣/ ٤، "ميزان الاعتدال" ٣/ ٤٠٤، "تهذيب الكمال" ٢٤/ ١١٢، "تهذيب التهذيب" ٨/ ٣٧٠.
(٤) أورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ٤٥٩ وعزاه لابن أبي حاتم.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ٤٠، "المحرر الوجيز" ٩/ ٤٢١، "النكت والعيون" ٣/ ٣٥٠، "زاد المسير" ٥/ ٢٠٣، "الدر المنثور" ٤/ ٤٥٩.
هذا الذي ذكرنا قول الجمهور، وروى الوالبي عن ابن عباس: (أن هذه الآية أنزلت في المشركين الذين عبدوا مع الله غيره، وليست في المؤمنين) (٣)
والصحيح الذي عليه الناس، وقد بين ذلك ابن عباس فيما روى عنه عطاء، وهو أنه قال: (قال الله: ﴿وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ﴾، ولم يقل: ولا يشرك بربه؛ لأنه أراد العمل الذي يعمل الله، ويحب أن يحمد عليه، قال: وكذلك يستحب للرجل أن يدفع صدقته إلى غيره ليقسمها، كيلا يعظمه ويوقره من يصله بها) (٤).
قال الكلبي، ومقاتل: (نزلت هذه الآية في رجل يقال له: جندب بن زهير (٥)، قال: يا رسول الله أعمل العمل ألتمس به ثواب الله وأحب أن
انظر: "الجرح والتعديل" ٨/ ١٥٤، "الكاشف" ٣/ ١٨٦، "ميزان الاعتدال" ٤/ ٢١٤، "تهذيب التهذيب" ١٠/ ١٢١.
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ٤٠، "النكت والعيون" ٣/ ٣٥٠، "الدر المنثور" ٤/ ٤٥٧.
(٣) "الدر المنثور" ٤/ ٤٥٨، "روح المعاني" ١٦/ ٥٥، "فتح القدير" ٣/ ٤٥٥، "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٢٩٧.
(٤) "روح البيان" ٥/ ٣٠٩، "مجمع البيان" ٥/ ٧٧٠.
(٥) جندب بن زهير الأزدي، الغامدي، أحد أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، عالم، زاهد، تقي، ورع، روى عنه عدد من التابعين منهم: أبو عثمان الهندي، والحسن البصري، وتميم بن الحارث، قتل -رضي الله عنه- في موقعة صفين وكان مع علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أميرًا على الرجالة.=
(١) "النكت والعيون" ٣/ ٣٥٠، "زاد المسير" ٥/ ٢٠٣، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٧٠، "تفسير مقاتل" ص ٢٣١، "أسباب نزول القرآن" للواحدي ص ٣٠٧، "لباب النقول في أسباب النزول" للسيوطي ص ١٤٥، "جامع النقول في أسباب النزول" ص ٢١١، وذكره ابن حجر في "الكافي الشاف" ٤/ ١٠٥.
(٢) "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٧٢، "زاد المسير" ٥/ ٢٠٣، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١١٢، "الدر المنثور" ٤/ ٤٥٩، "أسباب نزول القرآن" للواحدي ص ٣٠٧، "لباب النقول في أسباب النزول" للسيوطي ص ١٤٥، "جامع النقول في أسباب النزول" (٢١١).
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ٤٠، "تفسير القرآن" للصنعاني ١/ ٣٤٨، "زاد المسير" ٥/ ٢٠٣، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٦٩، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٢٠، "الدر المنثور" ٤/ ٤٥٩، "أسباب نزول القرآن" للواحدي ص ٣٠٧، "لباب النقول في أسباب النزول" للسيوطي ص ١٤٥، "جامع النقول في أسباب النزول" ص ٢١١.