تفسير سورة الحشر

تفسير النسائي

تفسير سورة سورة الحشر من كتاب تفسير النسائي
لمؤلفه النسائي . المتوفي سنة 303 هـ

قوله تعالى: ﴿ مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ ﴾ [٥]٥٩٣- أخبرنا قُتيبة بن سعيدٍ، قال: حدثنا اللَّيثُ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، أن رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم حرَّق نخل بني النضيرِ وقطع، وهي البُوَيرَةُ، فأنزل الله (تبارك وتعالى) ﴿ مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلِيُخْزِيَ ٱلْفَاسِقِينَ ﴾.
قوله: ﴿ وَلِيُخْزِيَ ٱلْفَاسِقِينَ ﴾ [٥]٥٩٤- أخبرنا الحسنُ بن محمدٍ، عن عفان، قال: حدثنا حفصُ بن غياثٍ، قال: حدَّثنا حبيبُ بنُ أبي عمرةَ، عن سعيد بن جُبيرٍ، عن ابن عباسٍ، في قول الله (تعالى): و ﴿ مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلِيُخْزِيَ ٱلْفَاسِقِينَ ﴾ قال: (يَسْتَنْزِلُونَهُمْ) من حصونهم وأُمروا بقطع النخَّلِ، فحاك في صُدُورِهم، فقال المسلمون: (قد) قطعنا بعضاً وتركنا بعضاً، فلنسألنَّ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، هل لنا فيما قطعنا من أجرٍ؟ [وهل علينا] فيما تركنا من وزرٍ فأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ ﴿ مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً ﴾ (قال): كان عفانُ حدَّثنا بهذا الحديثِ عن عبد الواحدِ، عن حبيبٍ ثم رَجَعَ، فحدثناه عن حفصٍ.
قوله تعالى: ﴿ وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ ﴾ [٦]٥٩٥- أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، عن محمدٍ - وهو ابن ثورٍ - عن معمرٍ، عن الزُّهري، عن مالك بن أوس بن الحدثان، أن عمر (رضي الله عنه) قال: سأُخبركم بهذا الفيءِ؛ إن الله (تعالى) خصَّ نبيهُ صلى الله عليه وسلم بشيءٍ لم يعطه غيرهُ، فقال ﴿ وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ ﴾ فكانت هذه لرسول الله صلى الله عليه وسلم [خاصةً] فواللهِ ما اختارها دُونكم ولا اسـتأثر بها عليكم، ولقد قسَّمها عليكم حتى بقي منها هذا المالُ، (وكان) رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُنفِقُ (منه على أهلِهِ) سَنَتَهُمْ، ثم يجعلُ ما بقي في مال الله [عزَّ وجلَّ].
- مُختصرٌ. ٥٩٦- أخبرنا عُبيدُ الله بن سعيدٍ، ويحيى بن موسى، وهارون بن عبد الله، فقالوا: حدَّثنا سُفيان، عن عمرٍو، عن الزُّهري، عن مالك بن أوس بن الحدثان، عن عمر بن الخطاب، كانت أموالُ بني النَّضير مما أفاء اللهُ على رسوله [ممَّا] لم يُوجف (عليه المُسلمون) بخيلٍ ولا ركابٍ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُنفقُ [منها] على أهله نفقة سنة وما بقي جعلهُ في السِّلاح والكراعِ عدةً في سبيل الله.
ذِي الْقُربَى٥٩٧-/ أخبرنا عمرو بنُ عليٍّ، قال: حدَّثنا عبد الرحمن، قال: حدَّثنا جريرُ بن حازمٍ، عن قيس بن سعدٍ عن يزيد بن هُرمُز، قال: كتب نجدةُ إلى ابن عباسٍ يسأله عن أشياءَ، فشهدتُ ابن عباسٍ حين قرأ كتابه وحين كتب إليه: إنك سألت عن سهم ذي القربى الذي ذكره الله، من هم؟ وإنا كُنا نرى أن قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هم [نحنُ] فأبى ذلك علينا قومنا. قوله تعالى: ﴿ وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ ﴾ [٧]٥٩٨- أخبرنا أحمد بن سعيدٍ، قال: حدَّثنا يزيدُ، قال: أخبرنا منصور بن حيان، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عمر وابن عباسٍ، أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهُ" نهى عن الدُّباءِ، والحَنتمِ، والنَّقِيرِ، والمُزَفَّتِ. ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم [هذه الآية]: ﴿ وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ ﴾ ". قوله تعالى: ﴿ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ ﴾ [٧]٥٩٩- أخبرنا محمد بن رافعٍ ومحمد بن عبد الله بن المُبارك، عن يحيى بن آدم، قال: حدَّثنا المُفضلُ بن مُهلهلٍ، عن منصورٍ، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: " لعن اللهُ الواشماتِ، والموشُومات، والمتنمصاتِ، والمُتفلجات للِحسنِ المُغيرات خلق اللهِ ". فقامت امرأةٌ من بني أسدٍ - يُقال لها: أمُّ يعقوب - فأتتهُ، فقالت: بلغني أنك لعنت كيت وكيت؟!. قال: ألا/ ألعنُ من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في كتاب الله. قالت: لقد قرأتُ ما بين لوحتي المصحفِ، فما وجدتُهُ. قال: لئن كُنت قرأتيهِ، لقد وجدتيه. أما وجدتِ ﴿ وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ ﴾؟. قالت: بلى، وإنِّي أظنُ أهلك يفعلون بعض ذلك. فقال: ادخُلي فانظري. فدخلت ثم خرجت. قالت: ما رأيتُ شيئاً. قال: لو فَعَلَتْهُ، لم تُجامِعنا.
المهاجرون٦٠٠- أخبرنا الحُسين بن منصورٍ، قال: حدثنا مُبشرُ بن عبد الله، قال: حدَّثنا سفيان بن حُسينٍ، عن يعلى بن مُسلمٍ، عن جابرٍ بن زيدٍ، قال: قال ابن عباسٍ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم [بمكةَ]، / وإنَّ أبا بكرٍ، وعمر، وإنَّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا من المهاجرين؛ لأنهم هجروا المشركين. وكان من الأنصار مُهاجرون؛ لأن المدينة كانت دار شِركٍ، فجاءوا إلى رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم ليلةَ العقبة.
قوله تعالى: ﴿ وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ ﴾ [٩]٦٠١- أخبرنا محمدُ بن منصورٍ، قال: حدَّثنا سفيانُ، قال: حدَّثنا حُصينُ بن عبد الرحمن، قال: سمعت عمرو بن ميمونٍ يقولُ: أوصى عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فقال: أُوصي الخليفة من بعدي بتقوى اللهِ، وأوصيهِ بالمهاجرين الأولين﴿ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ ﴾[الحشر: ٨] الآية، أن يعرف لهم هجرتهم، ويعرف لهم فضلهم، وأوصيه بالأنصارِ ﴿ وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ الآية، أن يعرفَ لهم فضلهم، وأن يقبل من مُحسنهم، ويتجاوز عن مُسيئهم، وأُوصيه بأهل ذمةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم أن يوفي لهم بعهدهم، وأن لا يحمل عليهم فوق طاقتهم، وأن يُقاتل عدُوهم من ورائهم. قوله تعالى: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ﴾ [٩]٦٠٢- أخبرنا هنادُ بنُ السَّريِّ، عن وكيعٍ، عن فُضيل بن غزوان، عن أبي حازمٍ، عن أبي هريرة، أن رجلاً من الأنصار بات به ضَيفٌ، فلم يكن عندهُ إلا قوت صبيانهِ، فقال لأمرأتهِ: نوِّمي الصِّبْيةَ وأطفئي السِّراجَ وقرِّبي للضيفِ ما عندك، فنزلت: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾.
قوله تعالى: ﴿ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ ﴾ [٩]٦٠٣- أخبرنا عبدةُ بن عبد الله، قال أخبرنا حُسينٌ - يعني ابن عليٍّ الجُعفيَّ - عن فضيلٍ، عن الأعمشِ، عن عمرو بن مُرَّةَ، عن عبد الله بن الحارثِ، عن زهير بن الأقمرِ، عن عبد الله بن عمرٍو، قال: قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم:" اتَّقوا الظُّلم؛ فإنهُ الظُّلُماتُ يوم القيامةِ، واتَّقوا الفُحش؛ فإن الله لا يُحبُّ الفُحشَ والتفحُّشَ، وإياكم والشُّحَّ فإنهُ أهلك من كان قبلكم؛ أمرهم بالظُّلم فظلموا، [وأمرهم] بالفجورِ ففجروا، [وأمرهم] بالقطيعةِ فقطعوا ".
٦٠٤- أخبرنا/ قُتيبة بن سعيدٍ، قال: حدَّثنا عبثرٌ، عن الأعمشِ، عن أبي وائلٍ، عن عبد الله، قال:" كُنا نتشهد في الصلاة (فنقول): السَّلامُ على الله قبل عِبادهِ، السَّلامُ على جبريل، السَّلام على ميكائيل؛ نُعدِّدُ الملائكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ الله هو السَّلام، فإذا جلس أحدُكم في الصلاة فليقل: التَّحياتُ للهِ، والصَّلواتُ والطيباتُ، السَّلامُ عليك - (يعني): أيها النبيُّ ورحمة الله وبركاتهُ - السَّلامُ علينا وعلى عبادِ اللهِ الصَّالحين، أشهدُ أن لا إله إلاَّ اللهُ، وأشهدُ أن محمداً عبدهُ ورسُولُه؛ (فإذا) قال أحدُكم: السَّلامُ علينا وعلى عباد الله الصالحين، أصابت كلَّ عبدٍ صالحٍ في السماءِ والأرضِ " ".
سورة الحشر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الحشر) من السُّوَر المدنية، من (المسبِّحات)، وهي التي تبدأ بـ {سَبَّحَ}، نزلت بعد سورة (البيِّنة)، وقد نزلت في إجلاء يهودِ (بني النَّضير)، وأشارت إلى تاريخِ اليهود المليء بالخيانات، وعدم الالتزام بالمواثيق والعهود، وتعرَّضت لحُكْمِ (الفَيْء)، وقد افتُتحت بمقصدٍ عظيم؛ وهو تنزيهُ الله عزَّ وجلَّ عن كل نقص، وإثبات كلِّ كمال له سبحانه؛ فهو المستحِقُّ لصفات الألوهيَّة والربوبيَّة.

ترتيبها المصحفي
59
نوعها
مدنية
ألفاظها
447
ترتيب نزولها
101
العد المدني الأول
24
العد المدني الأخير
24
العد البصري
24
العد الكوفي
24
العد الشامي
24

* نزَلتْ سورة (الحشر) في يهودِ (بني النَّضير):

عن سعيدِ بن جُبَيرٍ رحمه الله، قال: «قلتُ لابنِ عباسٍ: سورةُ التَّوْبةِ؟ قال: التَّوْبةُ هي الفاضحةُ، ما زالت تَنزِلُ: {وَمِنْهُمْ} {وَمِنْهُمْ} حتى ظَنُّوا أنَّها لن تُبقِيَ أحدًا منهم إلا ذُكِرَ فيها، قال: قلتُ: سورةُ الأنفالِ؟ قال: نزَلتْ في بَدْرٍ، قال: قلتُ: سورةُ الحَشْرِ؟ قال: نزَلتْ في بني النَّضِيرِ». أخرجه البخاري (٤٨٨٢).

* قوله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي اْلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي اْلْأَرْضِۖ وَهُوَ اْلْعَزِيزُ اْلْحَكِيمُ ١ هُوَ اْلَّذِيٓ أَخْرَجَ اْلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ اْلْكِتَٰبِ مِن دِيَٰرِهِمْ لِأَوَّلِ اْلْحَشْرِۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْۖ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اْللَّهِ فَأَتَىٰهُمُ اْللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ اْلرُّعْبَۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي اْلْمُؤْمِنِينَ فَاْعْتَبِرُواْ يَٰٓأُوْلِي اْلْأَبْصَٰرِ} [الحشر: 1-2]:

عن عائشةَ رضي الله عنها، قالت: «كانت غَزْوةُ بني النَّضِيرِ - وهم طائفةٌ مِن اليهودِ - على رأسِ ستَّةِ أشهُرٍ مِن وَقْعةِ بَدْرٍ، وكان مَنزِلُهم ونَخْلُهم بناحيةِ المدينةِ، فحاصَرَهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حتى نزَلوا على الجَلاءِ، وعلى أنَّ لهم ما أقَلَّتِ الإبلُ مِن الأمتعةِ والأموالِ، إلا الحَلَقةَ؛ يَعني: السِّلاحَ؛ فأنزَلَ اللهُ فيهم: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي اْلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي اْلْأَرْضِۖ} [الحشر: 1] إلى قولِه: {لِأَوَّلِ اْلْحَشْرِۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْۖ} [الحشر: 2]، فقاتَلَهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم حتى صالَحَهم على الجَلاءِ، فأَجْلاهم إلى الشَّامِ، وكانوا مِن سِبْطٍ لم يُصِبْهم جَلاءٌ فيما خلا، وكان اللهُ قد كتَبَ عليهم ذلك، ولولا ذلك لعذَّبَهم في الدُّنيا بالقتلِ والسَّبْيِ، وأمَّا قولُه: {لِأَوَّلِ اْلْحَشْرِۚ} [الحشر: 2]، فكان جَلاؤُهم ذلك أوَّلَ حَشْرٍ في الدُّنيا إلى الشَّامِ». أخرجه الحاكم (3850).

* قوله تعالى: {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اْللَّهِ وَلِيُخْزِيَ اْلْفَٰسِقِينَ} [الحشر: 5]:

عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: «حرَّقَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَخْلَ بني النَّضِيرِ وقطَعَ، وهي البُوَيرةُ؛ فنزَلتْ: {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اْللَّهِ} [الحشر: 5]». أخرجه البخاري (٤٠٣١).

* قوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٞۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]:

عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه: «أنَّ رجُلًا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فبعَثَ إلى نسائِه، فقُلْنَ: ما معنا إلا الماءُ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَن يضُمُّ أو يُضِيفُ هذا؟»، فقال رجُلٌ مِن الأنصارِ: أنا، فانطلَقَ به إلى امرأتِه، فقال: أكرِمي ضيفَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما عندنا إلا قُوتُ صِبْياني، فقال: هَيِّئي طعامَكِ، وأصبِحي سِراجَكِ، ونَوِّمي صِبْيانَكِ إذا أرادوا عَشاءً، فهيَّأتْ طعامَها، وأصبَحتْ سِراجَها، ونوَّمتْ صِبْيانَها، ثم قامت كأنَّها تُصلِحُ سِراجَها فأطفأته، فجعَلَا يُرِيانِه أنَّهما يأكُلانِ، فبَاتَا طاوِيَينِ، فلمَّا أصبَحَ غَدَا إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: «ضَحِكَ اللهُ اللَّيلةَ - أو عَجِبَ - مِن فَعالِكما»؛ فأنزَلَ اللهُ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٞۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]». أخرجه البخاري (٣٧٩٨).

* سورةُ (الحَشْر):

سُمِّيت سورةُ (الحَشْر) بذلك؛ لوقوع لفظِ (الحشر) فيها؛ قال تعالى: {هُوَ اْلَّذِيٓ أَخْرَجَ اْلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ اْلْكِتَٰبِ مِن دِيَٰرِهِمْ لِأَوَّلِ اْلْحَشْرِۚ} [الحشر: 2].

والمراد بـ(الحَشْر) هنا: إخراجُ (بني النَّضِير)، لا يومُ القيامة.

* سورة (بني النَّضِير):

وسُمِّيت بذلك؛ لاشتمالها على قِصَّة إجلاء يهودِ (بني النَّضير).

1. إجلاء بني النَّضير (١-٥).

2. حُكْمُ الفَيء (٦-١٧).

3. التقوى، قوة القرآن، أسماء الله الحسنى (١٨-٢٤).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /60).

مقصودُ سورة (الحشر) تنزيهُ الله عز وجل عن كلِّ النقائص، وإثباتُ الكمال المطلق له؛ فهو الإله المستحِقُّ للعبادة؛ لكمال اتصافه بالقدرة الشاملة والحِكْمة البالغة، وهذه دعوةٌ لتوحيد الرُّبوبية والألوهية له سبحانه.

ويذكُرُ ابنُ عاشور أنَّ السورة جاءت لبيان: «حُكْم أموال بني النَّضير بعد الانتصار عليهم»، ثم يقول في بيان مقاصدها: «وقد اشتملت على أن ما في السموات وما في الأرض دالٌّ على تنزيه الله، وكونِ ما في السموات والأرض مِلْكَه، وأنه الغالب المدبِّر.

وعلى ذِكْرِ نعمة الله على ما يسَّر من إجلاء بني النَّضير مع ما كانوا عليه من المَنَعةِ والحصون والعُدَّة؛ وتلك آيةٌ من آيات تأييد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغَلَبَتِه على أعدائه.

وذِكْرِ ما أجراه المسلمون من إتلافِ أموال بني النَّضير، وأحكام ذلك في أموالهم، وتعيين مستحِقِّيه من المسلمين». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (28 /63).

وينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /72).