تفسير سورة الإنسان

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم

تفسير سورة سورة الإنسان من كتاب الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
لمؤلفه الكَازَرُوني . المتوفي سنة 923 هـ

لمَّا ذكر كيفية بدء خلق الإنسان كَمَّ البيان فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * هَلْ ﴾: للتقرير، أو قد ﴿ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ ﴾: جنسه ﴿ حِينٌ ﴾: طائفة ﴿ مِّنَ ٱلدَّهْرِ ﴾: الزمان ﴿ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً ﴾: بالإنسانية كالعنصر والنطفة ونحوهما ﴿ إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ ﴾: بني أدم ﴿ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ ﴾: مفرد كأكباش وأعشار، أو جمع مشيج أو مشج، أي: أخلاط من ماء الزوجين، وفي الحديث" أي الماءين سبق فمنه الشبه "، أو ألوان أو أطوار كما مر ﴿ نَّبْتَلِيهِ ﴾: أي: نريد اختباره ﴿ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾: ليتأهل لذلك ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ ﴾: الحق بالرسل حال كونه ﴿ إِمَّا شَاكِراً ﴾: بسلوكها ﴿ وَإِمَّا كَفُوراً ﴾: بالإعراض ﴿ إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلاَ وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً ﴾: نارا شديدة ﴿ إِنَّ ٱلأَبْرَارَ ﴾: جمع بر أو بار ﴿ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ ﴾: خمر ﴿ كَانَ مِزَاجُهَا ﴾: أي: مزاجها ﴿ كَافُوراً ﴾: أعني ﴿ عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا ﴾: أي: منها ﴿ عِبَادُ ٱللَّهِ ﴾: المؤمنون ﴿ يُفَجِّرُونَهَا ﴾: يجرونها حيث أرادوا ﴿ تَفْجِيراً ﴾: سهلا ﴿ يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ ﴾: للقربة ﴿ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ ﴾ شدائدهُ ﴿ مُسْتَطِيراً ﴾: منتشرا، هذا استئناف يفيد علة استحقاقهم ﴿ وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ ﴾: تعالى أو مع حب الطعام ﴿ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ﴾: ولو مشركاً، فإنه يطعم إلى أن يتخيَّر فيه الإمام، أو هو مسلم، محبوس بحق قائلين بلسان الحال: ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً ﴾ أي: شكرا، قيل: نذر عليٌّ وفاطمةُ وجاريتهما فضّةُ رضي الله عنهم صوم ثلاثة إن برئ الحسن والحسينُ، فبرئا فصاموا وآثروا في الليالي الثلاثة مسكينا ثم يتيما ثم أسيرا، وباتوا على الماء فقط، فنزلت فيهم الآيات، أو فيمن تكلف أسرى بدر وهم سبعة: أبو بكر وعمر وعلي والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعيد وأبو عبيدة، أو في أنصاري، قال القرطبي: نزلت في جميع الأبرار، وقصة على لم تصح ﴿ إِنَّا نَخَافُ مِن ﴾: عذاب ﴿ رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً ﴾: كريه المنظر، أي: أهله من هوله ﴿ قَمْطَرِيراً ﴾: شديد العبوس، أو العبوس بالشقتين والقمطرير بالجبهة والحاجبين ﴿ فَوَقَٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ ٱلْيَومِ ﴾: أي: بأسه ﴿ وَلَقَّاهُمْ ﴾ أعطاهم ﴿ نَضْرَةً ﴾: حسنا وبهاء: ﴿ وَسُرُوراً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ ﴾ على ما أمروا به ﴿ جَنَّةً وَحَرِيراً ﴾: يلبسونه ﴿ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ ﴾: السرر في الحجال ﴿ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً ﴾: قمرا بل يضيء بذاته، أو ولا بردا مزعجا، بل معتدل.
﴿ وَ ﴾ جزاهم جنة أخرى ﴿ دَانِيَةً ﴾: قريبة ﴿ عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا ﴾: ويؤيده آية:﴿ وَلِمَنْ خَافَ ﴾[الرحمن: ٤٦] ﴿ وَذُلِّلَتْ ﴾: أدنيت ﴿ قُطُوفُهَا ﴾: ثمارها ﴿ تَذْلِيلاً ﴾: يتناولها المضطجع ﴿ وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ ﴾: كيزان بلا عروة ولا آذان ﴿ كَانَتْ ﴾: أي: تكونت ﴿ قَوَارِيرَاْ ﴾: في الصفاء ﴿ قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ ﴾: بياضا ولينا ﴿ قَدَّرُوهَا ﴾: في أنفسهم بالتنمي ﴿ تَقْدِيراً ﴾: فجاءت مقاديرها وأشكالها كما تمنوه، أو قدرها السقاة على قدر ربهم ﴿ وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً ﴾: خمرا ﴿ كَانَ مِزَاجُهَا ﴾: ممزوجها ﴿ زَنجَبِيلاً ﴾: في الطعم والعرب تستلذ بخمر مزجت به ﴿ عَيْناً ﴾: بدل منه ﴿ فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلاً ﴾: ومعناه: الشراب اللذيذ ﴿ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ ﴾: للخدمة ﴿ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ ﴾: باقون على شبابهم وحسنهم ﴿ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً ﴾ صفاء وانتشارا ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً ﴾: بلا نهاية ﴿ عَالِيَهُمْ ﴾: أي: فوقهم، أو يعلوهم ﴿ ثِيَابُ سُندُسٍ ﴾: أي: رقيق الحرير ﴿ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ﴾: أي: غليظة ﴿ وَحُلُّوۤاْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ ﴾: وهذا للأبرار، ومامر في " فاطر " من ذهب للمقربين، أو يجمع، أو لا يقاس على الدنيا، ففي الحديث: " المثقال من فضة الآخرة خير من الدنيا وما فيها " ﴿ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً ﴾: للقلوب عن الميل إلى ما سواه، وهذا ينتهي درجات الصديقين، يقال لهم: ﴿ إِنَّ هَـٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً ﴾ غير مضيع ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ تَنزِيلاً ﴾: مُنجماً ﴿ فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ﴾: بتأخير نصرك ﴿ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءَاثِماً ﴾: يدعوك إلى الإثم كعتبة بن ربيعة ﴿ أَوْ كَفُوراً ﴾: غاليا في الكفر يدعوك إليه كالوليد المغيرة، أي: القسمان سيان في استحقاق معصيتهما والتقسيم باعتبار ما دعوه إليه ﴿ وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾: بصلاة الفجر والعصرين ﴿ وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَٱسْجُدْ لَهُ ﴾: بصلاة العشاءين ﴿ وَسَبِّحْهُ ﴾: بصلاة التطوع ﴿ لَيْلاً طَوِيلاً ﴾: أي: طائفة طويلة من الليل ﴿ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ ﴾: الكفرة ﴿ يُحِبُّونَ ﴾: الدنيا ﴿ ٱلْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً ﴾: شديدا أي: القيامة فلا يعملون له ﴿ نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَآ ﴾ أكلمنا ﴿ أَسْرَهُمْ ﴾: أي: خلقهم أو مفاصلهم بالأعصاب، أو مخرج الخبثين، إذ يسترخي فيخرج منه ثم يقبض ويشتد ﴿ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَآ ﴾: منهم ﴿ أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً ﴾: بإهلاكهم ﴿ إِنَّ هَـٰذِهِ ﴾: الآيات ﴿ تَذْكِرَةٌ ﴾ عظة ﴿ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً ﴾: بسلوك طاعته ﴿ وَمَا تَشَآءُونَ ﴾ ذلك ﴿ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ ﴾: مشيئتكم ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً ﴾ بكم ﴿ حَكِيماً ﴾: في مشيئته ﴿ يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ ﴾: أي: الإيمان أو الجنة ﴿ وَٱلظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴾.
سورة الإنسان
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الإنسان) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الرحمن)، وقد ذكَّرتِ الإنسانَ بأصل خِلْقته، وقدرة الله عليه؛ ليتواضعَ لأمر الله ويستجيب له؛ فاللهُ هو الذي جعل هذا الإنسانَ سميعًا بصيرًا؛ فالواجب المتحتم عليه أن تُجعَلَ هذه الجوارحُ كما أراد لها خالقها وبارئها؛ ليكونَ بذلك حسَنَ الجزاء يوم القيامة، ومَن كفر فمشيئة الله نافذةٌ في عذابه إياه، وقد كان صلى الله عليه وسلم يَقرؤها في فجرِ الجمعة.

ترتيبها المصحفي
76
نوعها
مكية
ألفاظها
243
ترتيب نزولها
98
العد المدني الأول
31
العد المدني الأخير
31
العد البصري
31
العد الكوفي
31
العد الشامي
31

* سورة (الإنسان):

سُمِّيت سورة (الإنسان) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بذكرِ الإنسان وخَلْقِه من عدمٍ.

* سورة {هَلْ أَتَىٰ} أو {هَلْ أَتَىٰ عَلَى اْلْإِنسَٰنِ}:

سُمِّيت بذلك؛ لافتتاحها به.

كان صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة (الإنسان) في فجرِ الجمعة:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قرَأَ في صلاةِ الغداةِ يومَ الجمعةِ: {الٓمٓ ١ تَنزِيلُ} السَّجْدةَ، و{هَلْ أَتَىٰ عَلَى اْلْإِنسَٰنِ}». أخرجه مسلم (٨٧٩).

1. نعمة الخَلْق والهداية (١-٣).

2. مصير الكفار (٤).

3. جزاء الأبرار (٥-٢٢).

4. توجيهٌ للنبي عليه السلام (٢٣-٢٦).

5. وعيدٌ للمشركين (٢٧-٢٨).

6. مشيئة الله تعالى نافذة (٢٩-٣١).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /511).

مقصود السورة الأعظمُ تذكيرُ الناس بأصل خِلْقَتِهم، وأنَّ الله أوجَدهم من عدم، وبَعْثُهم بعد أن أوجَدهم أسهَلُ من إيجادهم؛ ففي ذلك أكبَرُ دلالةٍ على قدرة الله على إحياء الناس وحسابهم.
وفي ذلك يقول ابن عاشور رحمه الله: «محورها التذكيرُ بأنَّ كل إنسان كُوِّنَ بعد أن لم يكُنْ، فكيف يَقضي باستحالة إعادة تكوينه بعد عدمه؟

وإثبات أن الإنسان محقوقٌ بإفراد الله بالعبادة؛ شكرًا لخالقه، ومُحذَّرٌ من الإشراك به.

وإثبات الجزاء على الحالينِ، مع شيءٍ من وصفِ ذلك الجزاء بحالتيه، والإطنابِ في وصفِ جزاء الشاكرين». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (29 /371).