تفسير سورة الإنسان

فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن

تفسير سورة سورة الإنسان من كتاب فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن
لمؤلفه زكريا الأنصاري . المتوفي سنة 926 هـ

قوله تعالى :﴿ إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج... ﴾ [ الإنسان : ٢ ].
وصف النطفة مع أنها مفرد ب " أمشاج " ( ١ ) وهو جمع لأنها في معنى الجمع، كقوله تعالى :﴿ متكئين على رفرف خُضر ﴾ [ الرحمن : ٧٦ ] أو بجعل أجزائها نُطَفا، وقيل : " أمشاج " مفرد لا جمع، كبرمة أعشار، وثوب أخلاق.
قوله تعالى :﴿ نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا ﴾ [ الإنسان : ٢ ].
إن قلتَ : كيف عطف على " نبتليه " ما بعده بالفاء، مع أن الابتلاء متأخر عنه ؟
قلتُ : " نبتليه " حال مقدّرة أي مريدين ابتلاءه حين تأهّله، فجعلناه سميعا بصيرا، فالمعطوف عليه هو إرادة الابتلاء لا الإبتلاء.
١ - أمشاج: أخلاط جمع مَشْج ومَشِيج، أي اختلطت نطفة الرجل بنطفة المرأة، فتكوّن منه هذا الإنسان السميع البصير، بقدرة الله العلي القدير، فهذا معنى الأمشاج..
قوله تعالى :﴿ ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب... ﴾ [ الإنسان : ١٥ ].
ذكره بالبناء للمفعول، وقال بعد ﴿ ويطوف عليهم ولدان ﴾ [ الإنسان : ١٩ ] بالبناء للفاعل، لأن المقصود في الأول : ما يطاف به لا الطائفون، بقرينة قوله :﴿ بآنية من فضة ﴾ والمقصود في الثاني : الطائفون، فذكر في كلّ منهما ما يناسبه.
قوله تعالى :﴿ وأكواب كانت قوارير ﴾ [ الإنسان : ١٥ ] معناه تكوّنت، لا لأنها كانت قبل قوارير( ١ )، فهو من قوله تعالى :﴿ كن فيكون ﴾ وكذا ﴿ كان مزاجها كافورا ﴾ [ الإنسان : ٥ ].
١ - القوارير: جمع قارورة وهي الزجاجة الصافية، وهذه القوارير جمعت بين صفاء الزجاج وحسن الفضة وبياضها، ولهذا قال: ﴿قوارير من فضة﴾..
قوله تعالى :﴿ إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا ﴾ [ الإنسان : ١٩ ].
إن قلتَ : ما الحكمة في تشبيههم باللؤلؤ المنثور دون المنظوم ؟
قلتُ : لأنه تعالى أراد تشبيههم –لحسنهم وانتشارهم في الخدمة- باللؤلؤ الذي لم يُثقب، وهو أشدّ صفاءً، وأحسن منظرا، مما ثُقب( ١ )، لأنه إذا ثُقب نقص صفاؤه ومائيّته، وما لم يثقب لا يكون إلا منثورا.
١ - إنما شبههم باللؤلؤ المنثور، لانتشارهم وتفرقهم في الجنة تفرّق الدرّ المنثور، فإن اللؤلؤ إذا كان متفرقا، كان أجمل وأحسن في المنظر، لوقوع شعاع بعضه على بعض، فيكون أروع وأبدع..
قوله تعالى :﴿ وسقاهم ربّهم شرابا طهورا ﴾ [ الإنسان : ٢١ ].
إن قلتَ : أيّ شرف لتلك الدار، مع أنه سقاهم ذلك في الدنيا، قال تعالى :﴿ وأسقيناكم ماء فراتا ﴾ [ المرسلات : ٢٧ ] أي عذبا ؟
قلتُ : المراد سقاهم في تلك الدار بغير واسطة( ١ )، وأيضا فشتّان ما بين الشرابين، والآنيتين، والمنزلين.
١ - أي شرابا طاهرا لم تدنسه الأيدي، وأنه من طهره لا يصير بولا نجسا، كما هو حال الدنيا، بل يخرج من أبدانهم رشح كرشح المسك، هو فضلات أهل الجنة، متعنا الله بدخولها..
قوله تعالى :﴿ ولا تطع منهم آثما أو كفورا ﴾ [ الإنسان : ٢٤ ].
أفاد بالتعبير ب " أو " النهي عن طاعتهما معا بالأولى، ولو عطف بالواو لأفهم جواز طاعة أحدهما، وليس مراداً.
قوله تعالى :﴿ نحن خلقناهم وشددنا أسرهم... ﴾ [ الإنسان : ٢٨ ] أي خلْقهم.
فإن قلتَ : كيف قال ذلك هنا، وقال في النساء ﴿ وخلق الإنسان ضعيفا ﴾ ؟ [ النساء : ٢٨ ].
قلتُ : قال ابن عباس وغيره : المراد به : ضعيف عن الصبر عن النساء، فلذلك أباح الله له نكاح الأمة، وقال الزجاج : معناه يغلبه هواه وشهوته، فلذلك وُصف بالضعف، ومعنى قوله :﴿ وشددنا أسرهم ﴾ ربطنا أوصالهم بعضها إلى بعض بالعروق والأعصاب، أو المراد بالأسر : عَجْبُ الذنب، لأنه لا يتفتت في القبر.
سورة الإنسان
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الإنسان) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الرحمن)، وقد ذكَّرتِ الإنسانَ بأصل خِلْقته، وقدرة الله عليه؛ ليتواضعَ لأمر الله ويستجيب له؛ فاللهُ هو الذي جعل هذا الإنسانَ سميعًا بصيرًا؛ فالواجب المتحتم عليه أن تُجعَلَ هذه الجوارحُ كما أراد لها خالقها وبارئها؛ ليكونَ بذلك حسَنَ الجزاء يوم القيامة، ومَن كفر فمشيئة الله نافذةٌ في عذابه إياه، وقد كان صلى الله عليه وسلم يَقرؤها في فجرِ الجمعة.

ترتيبها المصحفي
76
نوعها
مكية
ألفاظها
243
ترتيب نزولها
98
العد المدني الأول
31
العد المدني الأخير
31
العد البصري
31
العد الكوفي
31
العد الشامي
31

* سورة (الإنسان):

سُمِّيت سورة (الإنسان) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بذكرِ الإنسان وخَلْقِه من عدمٍ.

* سورة {هَلْ أَتَىٰ} أو {هَلْ أَتَىٰ عَلَى اْلْإِنسَٰنِ}:

سُمِّيت بذلك؛ لافتتاحها به.

كان صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة (الإنسان) في فجرِ الجمعة:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قرَأَ في صلاةِ الغداةِ يومَ الجمعةِ: {الٓمٓ ١ تَنزِيلُ} السَّجْدةَ، و{هَلْ أَتَىٰ عَلَى اْلْإِنسَٰنِ}». أخرجه مسلم (٨٧٩).

1. نعمة الخَلْق والهداية (١-٣).

2. مصير الكفار (٤).

3. جزاء الأبرار (٥-٢٢).

4. توجيهٌ للنبي عليه السلام (٢٣-٢٦).

5. وعيدٌ للمشركين (٢٧-٢٨).

6. مشيئة الله تعالى نافذة (٢٩-٣١).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /511).

مقصود السورة الأعظمُ تذكيرُ الناس بأصل خِلْقَتِهم، وأنَّ الله أوجَدهم من عدم، وبَعْثُهم بعد أن أوجَدهم أسهَلُ من إيجادهم؛ ففي ذلك أكبَرُ دلالةٍ على قدرة الله على إحياء الناس وحسابهم.
وفي ذلك يقول ابن عاشور رحمه الله: «محورها التذكيرُ بأنَّ كل إنسان كُوِّنَ بعد أن لم يكُنْ، فكيف يَقضي باستحالة إعادة تكوينه بعد عدمه؟

وإثبات أن الإنسان محقوقٌ بإفراد الله بالعبادة؛ شكرًا لخالقه، ومُحذَّرٌ من الإشراك به.

وإثبات الجزاء على الحالينِ، مع شيءٍ من وصفِ ذلك الجزاء بحالتيه، والإطنابِ في وصفِ جزاء الشاكرين». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (29 /371).