ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾ [الإنسان: ١].١ - ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ﴾ (٢) قال ابن عباس (٣)، (ومقاتل) (٤) (٥)، والمفسرون (٦): قد أتى، وهو قول أهل المعاني (٧) أيضًا.
والثاني: أنها مكية، قاله عطاء بن يسار، ومقاتل، والكلبي، وابن عباس.
والثالث: أن فيها مكيًا ومدنيًا. انظر: "النكت والعيون" ٦/ ١٦١، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٢٦، "زاد المسير" ٨/ ١٤١، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١١٦.
(٢) كلمة (الإنسان) ساقط من (ع).
(٣) "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٠٨.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢١٨/ ب.
(٥) ساقط من (أ).
(٦) قال بذلك: ابن قتيبة في "تأويل مشكل القرآن" ٥٣٨، وابن الأنباري في: كتابه "إيضاح الوقف والابتداء" ٢/ ٩٥٩، الطبري في "جامع البيان" ٢٩/ ٢٠٢، والسمرقندي في "بحر العلوم" ٣/ ٤٢٩. وإليه ذهب البغوي في "معالم التنزيل" ٤/ ٤٢٦، وابن عطية في "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٠٨. وحكى الفخر ألفاظ المفسرين على هذا القول: ٣٠/ ٢٣٥، وساق الشوكاني قول الواحدي عن المفسرين في (فتح القدير) ٥/ ٣٤٤.
(٧) قال بذلك: الفراء في: (معاني القرآن) ٣/ ٢١٣، وأبو عبيدة في "مجاز القرآن" ٢/ ٢٧٩، والزجاج في "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٥٧، والثعلبي في "الكشف والبيان" ١٣: ١٢/ أ.
وقال المبرد: (هل) معناه في هذا الموضع: (قد) (٢)، وكذلك قوله: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ﴾ [ص: ٢١]، وحُكي عن سيبويه: أن (هل) قد تكون لغير الاستفهام (٣).
وقال الكسائي: (هل) تأتي استفهامًا، وهو بابها، وتأتي جحدًا (٤)، (وتأتي بمعنى: قد) (٥) (٦).
(وقال الفراء: معناه: قد أتى، قال (وهل): قد تكون جحدًا) (٧)، وتكون خبرًا، فهذا من الخبر؛ لأنك تقول: هل وعظتك، هل أعطيتك، تقرره بأنك قد أعطيته، ووعظته، قال: والجحد أن تقول: وهل يقدر أحد على مثل هذا (٨).
وقال أبو إسحاق: (هل) ليست باستفهام (٩). ويحقق ذلك قول أبي
(٢) "المقتضب" ١/ ٢٩٨.
(٣) انظر: "كتاب سيبويه" ٣/ ١٨٩، وانظر أيضًا "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٠٨، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١١٦، (فتح القدير) ٥/ ٣٤٤.
(٤) أي: نفيًا.
(٥) ورد قوله في "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١١٦.
(٦) ما بين القوسين ساقطة من (أ).
(٧) ما بين القوسين ساقطة من (أ).
(٨) "معاني القرآن" ٣/ ٢١٣ بتصرف يسير.
(٩) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٥٧، لم يرد عن أبي إسحاق ما ذكره الواحدي، وإنما ورد خلافه، وعبارته كالآتي. قال: ومعنى: "هل أتى" قد أتى على الإنسان، أي ألم يأت على الإنسان حين من الدهر".
وهذا الذي ذكره عن الصديق يروى ذلك عن عمر (٣)، وابن مسعود (٤)، (ومراده) (٥) أن (هل) لو كان استفهامًا ما قال من قال: ليت ذلك تم؛ لأن الاستفهام إنما يجاب بـ (لا) أو (نعم)، وهذا الكلام، إنما يحسن إذا كان المراد بـ (هل) الخبر لا الاستفهام (٦).
وقوله: ﴿عَلَى الْإِنْسَانِ﴾ قال جماعة من المفسرين (٧): يريد آدم عليه السلام.
(٢) "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١١٨.
(٣) "الكشف والبيان" ١٣/ ١٢/ أ، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١١٨، "الدر المنثور" ٨/ ٣٦٦ وعزاه إلى ابن المبارك، وأبي عبيد في فضائله، وعبد بن حميد، وابن المنذر.
(٤) "الكشف والبيان" ١٣/ ١٢/ أ، "الدر المنثور" ٨/ ٣٦٦ وعزاه إلى ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر.
(٥) ساقطة من (أ).
(٦) (هل): من الحروف الهوامل؛ لأنها لا تختص بأحد القبيلين، ولها موضعان: أحدهما: أن تكون استفهامًا عن حقيقة الخبر، وجوابها: نعم، أو لا، قال تعالى: ﴿فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ﴾ [الأعراف: ٤٤]. والثاني: أن تكون بمعنى: (قد)، وذلك نحو قوله تعالى: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ﴾ [الإنسان: ١]، كتاب معاني الحروف للرُّمَاني: ١٠٢.
(٧) قال بذلك: قتادة، وسفيان الثوري، والسدي، وعكرمة، ومقاتل. انظر: "تفسير مقاتل" ٢١٨/ ب، "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٣٦، "جامع البيان" ٢٩/ ٢٠٢، "النكت والعيون" ٦/ ١٦١، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١١٧. وبه قال =
وقال عطاء، عن ابن عباس: يريد بـ (الحين) أن آدم أقام حين خلق من طين أربعين سنة (٢) من صلصال، وأربعين سنة من حمأ (٣) مسنون (٤)، فتم خلقه بعد عشرين ومائة سنة (٥). وزاد ابن مسعود فقال: أقام من تراب أربعين سنة، ثم ذكر مثل قول ابن عباس، فقال: فتم خلقه بعد ستين ومائة سنة (٦).
قال ابن تيمية: وقوله: "الإنسان" هو اسم جنس يتناول جميع الناس، ولم يدخل فيه آدم الذي خلق من طين، فإن المقصود بهذه الآية بيان الدليل على الخالق تعالى، والاستدلال إنما يكون بمقدمات يعلمها المستدل، والمقصود بيان دلالة الناس وهدايتهم، وهم كلهم يعلمون أن الناس يخلقون من العلق".
(مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية) ١٦/ ٢٦٠ - ٢٦١.
(١) لم أعثر على مصدر لقوله. وقد ورد بنحوه في (الوسيط) ٤/ ٣٩٨.
(٢) قوله: أربعين سنة: مكرر في (ع).
(٣) حمأ: طين أسود منتن. المفردات في غريب القرآن ١٣٣.
(٤) مسنون: أي: مَصْبوب، يقال: سننت الشيء سنًا إذا صببتَهُ صبًا سهلاً، ويقال: "مسنون" أي: متغير الرائحة.
"نزهة القلوب" للسجستاني: ٤٠٣.
(٥) "النكت والعيون" ٦/ ١٦٢، "التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٣٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١١٧.
(٦) "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١١٧.
قال الفراء: يريد كان شيئًا، ولم يكن مذكورًا، وذلك من حين أن خلقه الله إلى أن نفخ فيه الروح (٢). ونحو هذا قال الزجاج، قال: ويجوز أن يعني به جميع الناس (٣).
والمعنى: أنهم كانوا نطفًا (٤)، ثم علقًا (٥)، ثم مضغًا (٦)، إلى أن صاروا شيئاً مذكورًا.
قوله تعالى: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ﴾ يعني ولد آدم من نطفة. ﴿أَمْشَاجٍ﴾ يعني المشج في اللغة: "الخلط، يقال: مشج (يمشج) (٧) مشجًا إذا خلط، والأمشاج: الأخلاط.
قال ابن الأعرابي: واحدها: مَشْج، ومَشَج، وأنشد (قول الشماخ) (٨):
(٢) (معاني القرآن للفراء) ٣/ ٢١٣ بنصه.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٥٧ بنصه.
(٤) النُّطْفة: الماء الصافي قلّ أو كثُر. انظر مادة: (نطف) في (مقاييس اللغة) لابن فارس: ٥/ ٤٤٠، (مختار الصحاح) ٦٦٦.
(٥) العَلَق: الدم الجامد، وفي الصحاح: الدم الغليظ. انظر مادة: (علق) في (مقاييس اللغة) ٤/ ١٢٥، (مختار الصحاح) ٤٥٠.
(٦) مضغ: الميم، والضاد، والغين: أجل صحيح، وهو المضغ للطعام، والمضغة: قطعة لحم؛ لأنها كالقطعة التي تؤخذ فتمضغ. انظر مادة: (مضغ) في (مقاييس اللغة) ٥/ ٣٣٠، مختار الصحاح: ٦٢٦.
(٧) ساقط من (أ).
(٨) ساقط من (أ).
طَوَتْ أحْشاءَ مُرْتِجَةٍ لِوَقْتٍ | على مَشَجٍ سُلالتُه مَهِينُ (١) |
فَهُنَّ يَقْذِفْنَ مِنَ الأمْشاجِ | مِثْلَ بُرُودِ اليُمْنَةِ الحجاج (٢) |
وقال [أبو عبيدة (٤)] (٥)، والفراء (٦): الأمشاج: الأخلاط، ويقال للشيء إذا خُلط: مَشيج، كقولك: خليط، وممشوج (كقولك) (٧) مخلوط، وأنشد (٨) للهذلي (٩) (١٠)، فقال:
(٢) ورد البيت غير منسوب في: "لسان العرب" ٢/ ٣٦٧، برواية: "نزول" بدلاً من: "برود".
(٣) ما بين القوسين نقله عن الأزهري من "تهذيب اللغة" ١٠/ ٥٥١ (مشج). وانظر المعنى اللغوي لـ (مشج) في: "اللسان" ٢/ ٣٦٧، "تاج العروس" ٢/ ١٠٠ - ١٠١.
(٤) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٧٩.
(٥) في (أ) أبو عبيد، وبياض في (ع)، والصواب "أبو عبيدة" فقوله في "مجاز القرآن".
(٦) "معاني القرآن" ٣/ ٢١٤.
(٧) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٨) أي أبو عبيدة، إذ لم يرد عن الفراء ذكر بيت القصيد.
(٩) في (ع): وأنشد قول الهذلي.
(١٠) البيت عند أبي عبيدة منسوب لأبي ذؤيب الهذلي: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٧٩، وكذا =
كأنّ الرِّيش والفُوقَيْن منه | خِلاف النَّصْل سِيطَ به مَشِيجُ (١) |
ومعنى أمشاج: أخلاط في قول جميع أهل اللغة (٥)،
(١) وورد البيت أيضًا في: "الصحاح" ١/ ٣٤١ (مشج)، "اللسان" ٢/ ٣٦٨، "الدر المنثور" ٨/ ٣٦٧ برواية:
كأن النصل والفوقين منها | خلال الريش سِيطَ به مَشيج |
كأنَّ الْمَتْنَ والشرخين منه | خلاف النّصل سَيط به مَشيج |
(٢) البرمة: هي الحجارة التي توضع تحت القدر، ويقال لها الأثافي أيضًا. "غريب الحديث" لابن الجوزي: ١/ ١١.
(٣) سباسب: أي القفار، واحدها سَبْسَبٌ، والسَّبْسب: الأرض القَفْر البعيدة، مستوية وغير مستوية، وغليظة وغير غليظة، لا ماء بها، ولا أنيس. "لسان العرب" ١/ ٤٦٠ مادة: (سبسب).
(٤) عد الكرماني هذا القول من غرائب التفسير ٢/ ٢٨٦. وانظر: "فتح القدير" ٥/ ٣٤٥.
(٥) انظر (مشج) في: "تهذيب اللغة" ١٠/ ٥٥١، "مقاييس اللغة" ٥/ ٣٢٦، "الصحاح" =
واختلفوا في كيفية اختلاط نطفة الرجل، ومعنى ذلك الاختلاط.
فالأكثرون (على) (٣) أنه اختلاط نطفة الرجل بنطفة المرأة، وهو قول ابن عباس (٤) في رواية عطاء، (والكلبي) (٥) (٦)، ومقاتل (٧)،
(١) وهو قول عكرمة، وابن عباس، والربيع بن أنس، ومجاهد، والحسن، ومقاتل. انظر: "تفسير مقاتل" ٢١٩/ أ، "جامع البيان" ٢٩/ ٢٠٣ - ٢٠٤، "الكشف والبيان" ١٣: ١٢/ أ - ب، "النكت والعيون" ٦/ ١٦٢، معالم التنزيل: ٤/ ٤٢٦، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٠٨، "زاد المسير" ٨/ ١٤٢ حاشية: ٢ من النسخة الأزهرية، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٨٣. وقال به اليزيدي في: "غريب القرآن" ٤٠٤، وابن قتيبة في: تفسير "غريب القرآن" ٥٠٢، ومكي بن أبي طالب في: العمدة في: "غريب القرآن" ٣٢٧، و"تفسير المشكل" لمكي بن أبي طالب: ٣٦٧، الخزرجي في: نفس "الصباح" ٢/ ٦٥١، أبو حيان في: "تحفة الأريب" ٢٨٠. وقال بذلك أيضًا: الطبري، والسمرقندي، والثعلبي. انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ٢٠٣، "بحر العلوم" ٣/ ٤٣٠، "الكشف والبيان" ١٣: ١٢/ أ.
(٢) ساقط من (أ).
(٣) ساقطة من (أ).
(٤) "الكشف والبيان" ١٣: ١٢/ أ، معالم التنزيل: ٤/ ٤٢٦، "زاد المسير" ٨/ ١٤٢ حاشية: ٢، "التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٣٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١١٩، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٨٣.
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) ساقط من (أ).
(٧) "تفسير مقاتل" ٢١٩/ أ.
وقال مجاهد: هي ألوان النطفة، نطفة الرجل بيضاء، وحمراء، ونطفة المرأة خضراء، وحمراء (٣)، وهو قول الكلبي (٤)، (ورواية الوالبي عن ابن عباس (٥)) (٦).
وقال عبد الله: أمشاجها عروقها (٧). يعني: العروق التي تكون في النطفة. وقال الحسن: يعني من نطفة مشجت بدم، وهو دم الحيضة،
(٢) ساقط من (أ). وزاد في نسخة (أ) وغيرهما، ويعني: الكلبي، وعكرمة، فإن نسخة ع لم تذكرهما. وممن قال بذلك أيضًا: الحسن، ومجاهد، والربيع..
(٣) "جامع البيان" ٢٩/ ٢٠٥، "الكشف والبيان" ١٣/ ١٢/ ب، "التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٣٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١١٩، "الدر المنثور" ٨/ ٣٦٨ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.
(٤) "الكشف والبيان" ١٣/ ١٢/ ب، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٢٧، "زاد المسير" ٨/ ١٤٢.
(٥) المراجع السابقة إضافة إلى "جامع البيان" ٢٩/ ٢٠٤، وصحيفة علي بن طلحة، عن ابن عباس في: "تفسير القرآن الكريم"؛ تحقيق راشد الرجال: ٥١٠.
(٦) ما بين القوسين ساقطة من (أ).
(٧) المراجع السابقة، عدا الكشف والبيان، وصحيفة ابن عباس. وانظر: "جامع البيان" ٢٩/ ٢٠٥، "التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٣٦، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٨٣، "الدر المنثور" ٨/ ٣٦٧ وعزاه إلى سعيد بن منصور، وابن أبي حاتم.
وقال قتادة: الأمشاج إذا اختلط الماء والدم، ثم كان علقة، ثم كان مضغة (٣).
ونحو هذا روى (سماك) (٤) عن عكرمة (٥)، واختاره الزجاج فقال: أمشاج: أخلاط من مني ودم، ثم ينقل من حال إلى حال (٦).
وقال أهل المعاني: إن الله جعل في النطفة أخلاطًا من الطبائع التي تكون في الإنسان من الحرارة، والبرودة، واليبوسة، والرطوبة، ثم عدلها (٧).
والتقدير: من نطفة ذات أمشاج، فحذف المضاف، وتم الكلام (٨).
(٢) "الكشف والبيان" ١٣/ ١٢ ب، "التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٦٣، "الدر المنثور" ٨/ ٣٦٨، وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر. وانظر: "تفسير الحسن البصري" ٢/ ٣٨٣.
(٣) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٣٦، "جامع البيان" ٢٩/ ٢٠٤، "الدر المنثور" ٨/ ٣٦٨ وعزاه إلى ابن المنذر.
(٤) ساقطة من (أ).
(٥) "جامع البيان" ٢٩/ ٢٠٤، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٢٧.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٥٧ بنصه.
(٧) انظر: "لسان العرب" ٢/ ٣٦٧ (مشج)، وعزاه الكرماني إلى ابن عيسى، واعتبر هذا القول من عجائب التأويل. انظر: "غرائب التفسير" ٢/ ١٢٨٦.
(٨) وعند بعضهم حسن. قاله الأشموني. انظر: "منار الهدى" ٤١١، وقد علل السجاوندي الوقف على "أمشاج" بقوله: لأنه منكر. ثم قال: ولو وصل صار "نبتليه" صفة له، وإنما هو حال الضمير المنصوب في: "جعلناه" تقديره: فجعلناه سميعًا بصيرًا مبتلين له. فيوقف على "أمشاج" لتبين هذا المعنى. "علل الوقوف" ٣/ ١٠٧٠.
قال مقاتل: فجعلناه بعد النطفة سميعًا بصيرًا لنبتليه بالعمل (٢).
وقال الفراء: المعنى: جعلناه سميعًا بصيرًا لنبتليه، فهي مقدمة معناها التأخير، المعنى: خلقناه، وجعلناه سميعًا بصيرًا لنبتليه (٣). (ونحو هذا قال الزجاج (٤)، وابن قتيبة (٥) (٦).
وقال آخرون: (نبتليه) متصل المعنى بما قبله، كأنه قيل: خلقناه من نطفة أمشاج لنبتليه، لنختبره في الاعتبار بهذه الأحوال في خلقه، فيكون (نبتليه) في موضع الحال، أي خلقناه مبتلين إياه (٧).
ثم ذكر أنه أعطاه ما يصح معه الابتلاء، وهو السمع والبصر، فقال: فجعلناه سميعًا بصيرًا. (وهذا قول صاحب النظم) (٨) (٩).
(٢) "تفسير مقاتل" ٢١٩/ أ، "بحر العلوم" ٣/ ٤٣٠، "النكت والعيون" ٦/ ١٦٣.
(٣) "معاني القرآن" ٣/ ٢١٤ بيسير من التصرف. وقد رد هذا المعنى ابن جرير فقال: "ولا وجه عندي لما قال يصح، وذلك أن الابتلاء إنما هو بصحة الآلات، وسلامة العقل من الآفات، وإن عدم السمع والبصر". "جامع البيان" ٢٩/ ٢٠٦، كما رده النحاس بمعنى ما ذكره ابن جرير. انظر: "القطع والائتناف" ٢/ ٧٧٥.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٥٧.
(٥) تفسير غريب القرآن: ٥٠٢.
(٦) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٧) وهو قول ابن أبي حاتم، وإليه ذهب أيضًا النحاس. انظر: "القطع والإتناف" ٢/ ٧٧٥، و"منار الهدى" للأشموني ٤١٢.
(٨) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٩) ما بين القوسين ساقط من (أ).
وقال الفراء: هديناه السبيل، وإلى السبيل، كل ذلك جائز، يقول عرفناه السبيل (٢).
وقوله تعالى: ﴿إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ قال ابن عباس: يريد إما موحّدًا طائعًا لله، و (إمّا) مشركًا بالله (٣) في علم الله (٤).
قال الفراء: و (إمَّا) هاهنا تكون جزاء، أي إن شكروا (٥) أو كفروا (٦).
ومعنى الآية: إن الله تعالى ذكر أنه بين سبيل التوحيد، ودل عليه بنصب الأدلة، وبعث الرسل، شكر الإنسان فآمن، أو كفر فجحد.
ومعنى: (هدينا) هاهنا: بيَّنَّا، وليس معناه خلقنا الهداية، ألا ترى (٧) أنه ذكر السبيل فقال: {هديناه السبيل (٨) (أي: أريناه ذلك، ثم إن وفقه للسلوك سلك فآمن، وإن خذله كفر (٩).
(٢) "معاني القرآن" ٣/ ٢١٤ بيسير من التصرف.
(٣) غير واضحة في (ع).
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) في (ع). اشكروا.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٢١٤ بيسير من التصرف.
(٧) في (أ): ترا.
(٨) في (ع). للسبيل.
(٩) وهذا المعنى للهداية هو المرتبة الثانية من مراتب الهدى الأربعة، والتي أولها: الهدى العام، وثانيها: هدى البيان والدلالة -وهو ما جاء بيانه-، وثالثها: هداية =
وقال مجاهد: (إنا هديناه السبيل) قال: الشقاء والسعادة (٢).
والمعنى على هذا: بينا له سبيل الحق، والباطل، وعرفناه طريق الخير والشر، كقوله: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ (٣)
قال الفراء: و (إما) (أنْ) (٤) تكون على: (إما) التي في قوله: ﴿إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ﴾ (٥) فكأنه قال: خلقناه شقيًا، أو سعيدًا (٦).
(١) "تفسير مقاتل" ٢١٩/ ب.
(٢) "جامع البيان" ٢٩/ ٢٠٦، "النكت والعيون" ٦/ ١٦٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٢٠. وانظر مجموع "فتاوى ابن تيمية" ١٦/ ١٤٣، وعزاه إلى ابن أبي حاتم. والهداية بقول مجاهد -هي هداية التوفيق والإلهام، وهي المرتبة الثالثة من مراتب الهدى، وهذه المرتبة تستلزم أمرين:
أحدهما: فعل الرب، وهو الهدى. والثاني: فعل العبد، وهو الاهتداء، وهو أثر فعله الله تعالى، فهو الهادي، والعبد المهتدي. قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ﴾ [الإسراء: ٩٧]، ولا سبيل إلى وجود الأثر إلا بمؤثره التام، فإن لم يحصل فعله لم يحصل فعل العبد، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ﴾ [النحل: ٣٧]. "شفاء العليل" ١٤١.
(٣) سورة البلد: ١٠.
(٤) ساقط من (ع).
(٥) سورة التوبة: ١٠٦. قال تعالى: ﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾.
(٦) "معاني القرآن" ٣/ ٢١٤ بنصه.
والآية حجة على القدرية (٢)؛ لأن الله تعالى ذكر أنه هدى الإنسان (إلى) (٣) طرق السعادة، والشقاوة، وانتصب شاكرًا أو كفورًا على القول الأول بإضمار على التقدير (٤): إما (كان) (٥) شاكرًا، وإما جعلناه (٦) كفورًا، ودل عليه قوله: هديناه السبيل على هذا المضمر.
ويجوز أن ينتصب على الجار بتقدير: هديناه السبيل شاكرًا أو كفورًا
(٢) القائلة بأن العبد يخلق فعله، وأن الله لا يخلق أفعال العباد، ورتبوا عليها مسألة الهدى والضلالة، فقالت المعتزلة: الهدى من الله بيان طريق الصواب، والإضلال: تسمية العبد ضالاً، وحكمه تعالى على العبد بالضلال عند خلق العبد الضلال في نفسه، -وهذا مبني على أصلهم الفاسد، أن أفعال العباد مخلوقة لهم-. والصحيح: أن الله سبحانه وتعالى يهدي من يشاء، ويعصم ويعافي فضلاً، ويُضل من يشاء، ويخذل ويبتلي عدلًا، ودليله قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القصص: ٥٦]. ولو كان الهدى بيان الطريق لما صح هذا النفي عن نبيه؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- بين الطريق لمن أحب وأبغض. وقال تعالى: ﴿يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ ولو كان الهدى من الله البيان، وهو عاصم في كل نفس لما صح التقييد بالمشيئة. انظر: "شرح العقيدة الطحاوية" ٩٨. وللاستزادة والتفصيل يراجع كتاب: "المعتزلة في أصولهم الخمسة ورأي أهل السنة فيها"، رسالة ماجستير، إعداد: عبد الله المعتق: ٢٠٩ - ٢٢٩.
(٣) ما بين القوسين ساقط من (ع).
(٤) في (ع): تقدير.
(٥) ساقطة من (أ).
(٦) في (أ): جعلاه.
ثم بين ما أعد للكافرين، فقال: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ﴾
قال ابن عباس (٢)، ومقاتل (٣): يريد في جهنم طولها سبعون ذراعًا كقوله: ﴿ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا﴾ [الحاقة: ٣٢] الآية. وتقرأ: (سلاسلًا) بالتنوين (٤)، وكذلك: (قواريرًا قواريرًا) (٥).
ومنهم من يصل بغير تنوين، ويقف بالألف (٦).
ولمن نون وصرف وجهان:
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) "تفسير مقاتل" ٢١٩/ ب.
(٤) قرأ نافع، وأبو بكر عن عاصم، والكسائي، وأبو جعفر: "سلاسلاً" منونة.
وقرأ الباقون: "سلاسل" بغير تنوين. انظر كتاب "السبعة" ٦٦٤، "القراءات وعلل النحويين " فيها: ٢/ ٧٣٣، الحجة: ٦/ ٣٤٨ - ٣٤٩، "المبسوط" ٣٨٩، "حجة القراءات" ٧٣٨ - ٧٣٩، "الكشف عن وجوه القراءات السبع" ٢/ ٣٥٢ - ٣٥٤، "إتحاف فضلاء البشر" ٤٢٨ - ٤٢٩.
(٥) سورة الإنسان: ١٥ - ١٦.
(٦) قرأ نافع، وأبو بكر، والكسائي، وأبو جعفر: "قواريرًا قواريرًا" منونًا كلاهما، وإذا وقفوا وقفوا عليهما بألف.
وقرأ ابن كثير، وخلف: "قواريرًا" منونًا، والوقف بغير ألف، و"قواريرا من فضة" بغير تنوين، والوقف عليه بالألف. وقرأ أبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، وحفص: "قواريرَ قواريرَ" بغير تنوين، ووقفوا على الأولى بالألف؛ لأنها رأس آية، ووقفوا على الثانية بغير ألف لأنها ليست برأس آية. ووقف حمزة، ويعقوب: "قوارير" بغير تنوين في جميعها، والوقف بغير ألف عليهما. [المرجع]
والوجه الثاني: أن هذه الجموع أشبهت الآحاد؛ لأنهم قد قالوا: (صواحبات يوسف) (٤)، فلما جمعوه جمع الآحاد المنصرفة، جعلوها في حكمها (٥)، فصرفوها، وكثير من العرب يقولون: (موالياتٌ) يريدون:
(٢) انظر شواهد ذلك من الشعر في: "الحجة" ٦/ ٣٤٨ - ٣٤٩، "حجة القراءات" ٧٣٨ - ٧٣٩.
(٣) ساقطة من (أ).
(٤) نص الحديث كما في الصحيح: ما رواه أبو موسى، قال: مرض النبي -صلى الله عليه وسلم- فاشتد مرضه، فقال: مُروا أبا بكر فليُصَلِّ بالناس. فقالت عائشة: إنه رجل رقيق، إذا قام مقامك لم يستطع أن يُصلِّيَ بالناس، قال: مُروا أبا بكر فليُصلِّ بالناس، فعادت. فقال: مُري أبا بكر فليُصل بالناس، فإنكن صواحب يوسف. فأتاه الرسول، فصلى بالناس في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-" الحديث. الجامع الصحيح للبخاري: ١/ ٢٢٤ - ٢٢٥: ح: ٦٧٨، ٦٧٩، ٦٨٢، كتاب الأذان، باب: ٤٦. كما أخرجه مالك في: "الموطأ" ١/ ١٥٥ - ١٥٦: ح: ٨٣، كتاب فضل الصلاة في السفر، باب: ٢٤. والإمام أحمد في "المسند" ٦/ ٢١٠، ٢٢٤، ٢٢٩، ٢٧٠. ومعنى: "إنكن صواحب يوسف" جمع صاحبة، والمراد: أنهن مثلهن في إظهار خلاف ما في الباطن، والخطاب -وإن كان بلفظ الجمع- فالمراد به عائشة فقط. انظر: "الموطأ" ١٥٥ - ١٥٦ حاشية (أ).
(٥) في (أ): حكها.
وأما إلحاق (الألف) في الوقف فهو كإلحاقها في قوله (١): (الظنونا) (٢)، و (الرسولا) (٣)، و (السبيلا) (٤) أشبه (٥) ذلك بالإطلاق في القوافي (٦) (٧).
وقوله تعالى: ﴿وَأَغْلَالًا﴾ يعني في أيديهم تغل (٨) أعناقهم ﴿وَسَعِيرًا﴾ وقودًا لا تُوصف شدته، قاله ابن عباس (٩)، ومقاتل (١٠).
ثم ذكر ما أعد (١١) للشاكرين الموحدين فقال: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ﴾ قال
(٢) الأحزاب: ١٠.
(٣) الأحزاب: ٦٦.
(٤) الأحزاب: ٦٧.
(٥) في (ع): شبه.
(٦) والشبه من حيث كانت مثلها في أنها كلام تام نحو: * أقلي اللوم عاذِلَ والعتابا * انظر الحجة: ٦/ ٣٥١.
(٧) ما ذكره المؤلف هنا من القراءات وتوجيهها نقله عن أبي علي من الحجة باختصار شديد: ٦/ ٣٤٨ - ٣٥١.
(٨) الغُلُّ: مختص بما يقيد به، فيجعل الأعضاء وسطه، وجمعه أغلال، وغُل فلان: قُيد به. انظر المفردات في غريب القرآن: ٣٦٣.
(٩) أعثر على مصدر لقوله، وقد ورد بنحوه في: الوسيط من غير عزو: ٤/ ٣٩٩.
(١٠) لم أعثر على مصدر لقوله، والذي ورد عنه في تفسيره: ٢١٩/ ب، قال: "وقودًا لا يطفأ".
(١١) في (أ): وأما.
وقال مقاتل: يعني المطيعين (لله) (٢) في التوحيد (٣).
وقوله تعالى: ﴿يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ﴾ يعني: (من إناء فيه الشراب) (٤)، ولهذا قال ابن عباس: يريد الخمرة (٥). وقال مقاتل: يعني الخمر (٦). ﴿كَانَ مِزَاجُهَا﴾ ما يمازجها، ومنه: مزاج البدن، وهو ما يمازجه من الصفراء، والسوداء، والحرارة، والبرودة (٧).
وقوله: ﴿كَافُورًا﴾ قال عطاء (٨)، والكلبي (٩) عن ابن عباس: هو
(٢) ساقطة من (أ).
(٣) "تفسير مقاتل" ٢١٩/ ب، "النكت والعيون" ٦/ ١٦٤ مختصرًا. قال الخازن: الأبرار: واحدهم: بار، وبر، وأصله التوسع، فمعنى البر: المتوسع في الطاعة. لباب التأويل: ٤/ ٣٣٨ - ٣٣٩. وعن ابن عاشور: الأبرار جمع: بَر -بفتح الباء-، وجمع بار أيضًا، والبار، أو البَرّ: المكثر من البِر- بكسر الباء- وهو فعل الخير. التحرير والتنوير: ٢٩/ ٣٧٩.
(٤) ما بين القوسين نقله عن الزجاج. انظر معاني القرآن وإعرابه: ٥/ ٢٥٨.
(٥) "التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٤٠، الجامع لأحكام القرآن: ١٩/ ١٢٣.
(٦) "تفسير مقاتل" ٢١٩/ ب، "التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٤٠.
(٧) مَزَج الشَّراب: خلطه بغيره، ومِزاج الشراب: ما يُمزج به، ومِزاج البدن ما رُكب عليه من الطبائع. انظر: "الصحاح" ١/ ٣٤١: مادة: (مزج).
(٨) ورد عن عطاء من قوله: معالم التنزيل: ٤/ ٤٢٧، "زاد المسير" ٨/ ١٤٤. عن ابن عباس من غير ذكر الطريق إليه في: "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٢٣، و"لباب التأويل" ٤/ ٢٣٩.
(٩) ورد عن الكلبي من قوله: معالم التنزيل: ٤/ ٤٢٧، "زاد المسير" ٨/ ١٤٤، "البحر المحيط" ٨/ ٣٩٥.
والمعنى: أن ذلك الشراب يمازجه ماء هذه العين التي تسمى كافورًا.
وقال آخرون: يعني الكافور الذي له رائحة طيبة. وهو قول مقاتل (٢)، ومجاهد (٣).
وعلى هذا له معنيان:
أحدهما: أن يمازجه ريح الكافور، فيكون طيب الريح.
والآخر: أن يمازجه عين الكافور، ولا يكون في ذلك ضرر لأهل الجنة، لا يمسهم الضرر فيما يأكلون ويشربون. (ذكرهما الزجاج) (٤) (٥).
وقال مقاتل: ليس ككافور الدنيا؛ ولكن الله سمى ما عنده بما عندكم حتى يهدي له القلوب (٦).
ويدل على صحة القول الأول قوله: (عينًا).
قال الفراء: إن شئت جعلتها متابعة للكافور كالمفسرة، وإن شئت نصبتها على القطع (٧) من (الهاء) في: (مزاجها) (٨) (٩).
(٢) ورد بمعناه في: معالم التنزيل: ٤/ ٤٢٧، ولم أعثر عليه في تفسيره.
(٣) المصدر السابق.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٥٨ بتصرف.
(٥) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٦) "تفسير مقاتل" ٢١٩/ ب، وبمعناه في: "معالم التنزيل" ٤/ ٤٢٧، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٢٤، "فتح القدير" ٥/ ٣٤٦.
(٧) يعبر عن الحال بالقطع عند الكوفيين. انظر: "نحو القراء الكوفيين" ٣٤٩.
(٨) غير واضحة في (ع).
(٩) "معاني القرآن" ٣/ ٢١٥ بنصه.
وقال الأخفش: وإن شئت نصبت على وجه المدح، كما يذكر لك الرجل، فتقول: العاقل اللبيب، أي ذكرتم العاقل اللبيب، فتجعل النصب هاهنا على أعْني: [عينًا] (٢).
وقال أبو إسحاق: الأجود أن يكون المعنى من عين (٣).
وقوله تعالى: ﴿يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾ قال الفراء: (يشرب بها) وَيشْرَبها سواء، المعنى: كأن (٤) يشرب بها، يريد ينقع بها، ويروى بها (٥).
قال ابن عباس: يشرب بها أولياء الله (٦).
وقال مقاتل: يشربها المقربون، وهم الصديقون، والشهداء صِرفًا، وتمزج لسائر أهل الجنة الخمر، واللبن، والعسل (٧).
وقوله تعالى: ﴿يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا﴾ قال الكلبي: يقول: يفجرون تلك العيون الكافور في الجنة حيث يريدون؛ كما يفجر الرجل النهر يكون له في
(٢) في كلا النسختين: هاهنا، والمثبت من كتاب الأخفش: "معاني القرآن" ٢/ ٧٢٢.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٥٨ بنصه.
(٤) في (ع): وكان.
(٥) "معاني القرآن" ٣/ ٢١٥ بيسير من التصرف.
(٦) معالم التنزيل: ٤/ ٤٢٨، "لباب التأويل" ٤/ ٣٣٩.
(٧) "النكت والعيون" ٦/ ١٦٥ بنحوه، والذي ورد عنه في تفسيره: ٢١٩/ ب قال: "عباد الله يعني أولياء الله، يمزجون ذلك الخمر مزجًا".
وذكرنا معنى التفجير عند قوله: ﴿فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ﴾ (٢) الآية.
ثم نعتهم فقال: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾ قال صاحب النظم: (كان) في قوله: ﴿كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا﴾ زائدة لا يحتاج إليها، والعرب تزيدها في أضعاف الكلام، ولا معنى لها، كما قال:
وَجِيرانٍ لنا كانوا كرامِ (٣)
قال: وكما يزيدون [كان] (٤) وليس لها معنى، يحذفونها من مواضع يحتاجون إليها كقوله: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾ (والمعنى: كانوا يوفون بالنذر) (٥)، لأن هذا إخبار عما كانوا عليه في الدنيا (٦).
وهذا قول الفراء، قال: هذه من صفاتهم في الدنيا كأن فيها إضمار
(٢) سورة الإسراء: ٩١، وعند تعرضه للآية أحال إلى سورة البقرة في بيان معنى التفجير، [البقرة: ٦٠]، ومما جاء في تفسيرها: قال: "وأصل الفجر في اللغة: الشق، وسمي فجر النهار لانصداعه، أو لشقه ظلمة الليل، ويقال: انفجر الصبح إذا سال ضوؤه في سواد الليل كانفجار الماء في النهر، ويقال: فَجَرَ وأفجَرَ ينبوعًا من ماء، أي: شقه وأخرجه، قال الليث: والمَفْجَر: الموضع الذي يُفْجَر منه".
(٣) البيت للفرزدق من قصيدة يمدح فيها هشام بن عبد الملك، وصدر البيت:
فَكَيْفَ إذا رأيت ديارَ قوْمي
ورد البيت في ديوانه: ٢/ ٢٩٠ ط دار صادر.
(٤) ساقطة من النسختين، وأثبت ما يستقيم به المعنى.
(٥) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله، وقد قال بقوله أبو علي في: "المسائل البصريات" ٢/ ٨٧٥.
ونحو هذا قال مقاتل، فقال: كانوا في الدنيا يوفون بالنذر (٢).
ومعنى ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾ قال قتادة: بطاعة الله، والصلاة (٣)، والحج (٤).
وعلى هذا معنى النذر: ما أوجبه الله [عليهم] (٥). النذر معناه: الإيجاب (٦).
وقال الكلبي: يتممون العهود (٧).
وقال مجاهد (٨)، وعكرمة (٩): يعني: إذا نذروا في طاعة الله وثوابه.
(٢) بمعناه في: "تفسير مقاتل" ٢١٩/ ب، وعبارته "قال: يعني من نذر لله نذرا فقضى الله حاجته، فيوفي لله بما قد نذره".
(٣) في (ع): الصلوات.
(٤) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٣٦، "جامع البيان" ٢٩/ ٢٠٨، وبنحوه في: "الكشف والبيان" ١٣/ ١٤/ أ، "زاد المسير" ٨/ ١٤٥ بمعناه، "القرطبي" ١٩/ ١٢٥.
(٥) في كلا النسختين: عنهم، ولا تستقيم العبارة بذلك، والأوفق للسياق لفظ: عليهم. والله أعلم.
(٦) قال الليث: النَّذْر: النَّحْب، وهو ما ينذره الإنسان فيجعله على نفسه نحبًا واجبًا، ومنه قولك: نذرت على نفسي، أي أوجبت. انظر مادة: (نذر) في: تهذيب اللغة: ١٤/ ٤٢٠،"لسان العرب" ٥/ ٢٠٠، وأيضًا "مقاييس اللغة" ٥/ ٤١٤.
(٧) "النكت والعيون" ٦/ ١٦٦ بمعناه، "التفسير الكبير" ٣/ ٢٤٢، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٢٥، "فتح القدير" ٥/ ٣٤٧.
(٨) "الكشف والبيان" ١٣: ١٤/ أ، "زاد المسير" ٨/ ١٤٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٢٥ بنحوه.
(٩) المراجع السابقة.
وقال الزجاج: بالغًا أقصى المبالغ (٣).
وقال الفراء: ممتدًا قال: والعرب تقول: استطار الصَّدع في القارورة، واستطال، ولا يقال في الحائط (٤).
وقال ابن قتيبة: يقال: استطار الحريق إذا انتشر، واستطار الصبح إذا انتشر ضوؤه (٥).
وأنشدوا (٦) للأعشى:
فَبَانَتْ وقَدْ أَسْأرتْ في الفؤاد | صَدْعًا على نأيها مسْتطيرا (٧) |
(٢) قال بذلك: ابن عباس، ومقاتل، وإليه ذهب الأخفش. انظر: "تفسير مقاتل" ٢١٩/ ب، "النكت والعيون" ٦/ ١٦٦، معالم التنزيل: ٤/ ٤٢٨، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٢٦.
(٣) معاني القرآن وإعرابه: ٥/ ٢٥٨ بنحوه
(٤) "معاني القرآن" ٣/ ٢١٦ بإضافة عبارة: "ولا يقال في الحائط".
(٥) "تفسير غريب القرآن" ٥٠٢ بيسير من التصرف.
(٦) وممن أنشد قول الأعشى: "جامع البيان" ٢٩/ ٢٠٩، "الكشف والبيان" ١٣/ ١٤/ أ، "النكت والعيون" ٦/ ١٦٦. وبه قال أيضا: "المحرر الوجيز" ٥/ ٤١٠، "زاد المسير" ٨/ ١٤٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٢٦، "ابن كثير" ٤/ ٤٨٤.
(٧) ديوانه: ٨٩ برواية: (وقد أورثت) بدلًا من: (أسأرت)، و (يخالط عثَّارها) بدلاً من: (على نأيها مستطيرا)، وليس فيه موطن الشاهد، وله في شعر يمدح فيه هوذة بن علي الحنفي، وليس فيه موضع شاهد أيضًا:
بانَتْ وقدْ أسْأرَتْ في النَّفْسِ حاجَتَها | بَعْدَ ائتلاف وخَيْرُ الوُدِّ ما نَفَعا |
مُبتَلَّةُ الخَلْق مثلُ المهاة | لم تَرَ شمسًا ولا زَمْهَريرا (٥) (٦) |
أحدهما: الحال بالعطف على قوله (متكئين) كما تقول: في الدارة عبيد الله متكئًا. ومرسله عليه الحجال؛ لأنه حين قال عليهم رجع إلى
(١) ما بين القوسين ساقطة من (أ).
(٢) تهذيب اللغة: ٦/ ٥٢٤: مادة: (زمهر؛ بزيادة: مزمهر).
(٣) في (ع). أنشدوا.
(٤) في (ع). لأعشى.
(٥) ديوانه: ٨٦ ط دار صادر، تهذيب اللغة: ١٤/ ٢٩٢: مادة: (زمهر)، "لسان العرب" ٤/ ٣٣٠: مادة: (زمهر) "تاج العروس" ٣/ ٣٤٣: مادة: (زمهر)، وجاء في: اللسان والتاج رواية: من القاصرات سُجُوفَ الحِجال.
(٦) لم أعثر على مصدر لقول المبرد.
(٧) "معاني القرآن" ٢/ ٧٢٣.
(٨) "معاني القرآن" ٣/ ٢١٦.
(٩) "التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٤٨.
(١٠) معاني القرآن وإعرابه: ٥/ ٢٥٩.
(١١) ساقطة من (أ).
المعنى: وجزاهم جنة دانية، وعلى هذا هي صفة لموصوف محذوف، كأنه قيل: وجزاهم بما صبروا جنة وحريرًا، وجنة دانية عليهم ظلالها.
قال أبو الفتح: الوجه أن يكون قوله: (ودانية) منصوبة على الحال، معطوفة على قوله: (متكئين)، وهذا هو القول الذي لا ضرورة فيه (١).
قال (مقاتل) (٢): يعني: شجرها قربت منهم، فإن كان الرجل قائمًا تطاولت الشجرة، وإن كان جالسًا، أو متكئًا انخفضت ولانت لهم (٣)، فذلك قوله: ﴿وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا﴾. قال ابن عباس: إذا همّ أن يتناول (٤) من ثمارها تذللت إليه حتى يتناول منها ما يريد (٥).
وقال البراء بن عازب: ذللت لهم فيها يتناولون فيها كيف شاؤوا (٦).
وقال مجاهد: من أكل قائمًا لم يؤذه، ومن أكل جالسًا لم يؤذه، ومن أكل مضطجعًا لم يؤذه (٧).
(٢) ما بين القوسين جاء بدلًا منه في (أ): يقال.
(٣) بمعناه في: "تفسير مقاتل" ٢٢٠/ ب.
(٤) بياض في (ع).
(٥) "زاد المسير" ٨/ ١٤٧، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٣٧.
(٦) "التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٤٨، "الدر المنثور" ٨/ ٣٧٤ وعزاه إلى الفريابي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وهناد بن السري، وعبد بن حميد، وعبد الله بن أحمد في "زوائد الزهد"، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في "البعث". وانظر: "المستدرك" ٢/ ٥١١، كتاب التفسير: تفسير سورة المدثر، وصححه، وسكت عنه الذهبي.
(٧) بمعناه في: "المحرر الوجيز" ٥/ ٤١٢، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٣٧.
قوله تعالى: ﴿قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ﴾ (٦) قال ابن عباس: يريد أن فضة الجنة يُرى ظاهرها من باطنها (٧).
وقال الكلبي: (إن) (٨) الله تعالى جعل قوارير أهل الجنة من فضة، فاجتمع لها بياض الفضة، وصفاء القوارير (٩).
(وقال الشعبي: صفاؤها صفاء القوارير، وهي من فضة (١٠)، ونحو
(٢) في كلا النسختين: سو، والمثبت من "تفسير غريب القرآن" ٥٠٣.
(٣) ما بين القوسين نقله عن ابن قتيبة. المرجع السابق.
(٤) من قوله: ومعنى تذليل القطوف، إلى: حتى يسهل تناوله. انظر: "لسان العرب" ١١/ ٢٥٨ (ذلل).
(٥) "تفسير غريب القرآن" ٥٠٣ بنصه.
(٦) في كلا النسختين: قوارير.
(٧) ورد بمعناه في: "الكشف والبيان" ١٢: ٢٠/ أ، "الدر المنثور" ٨/ ٣٧٥ وعزاه إلى ابن المنذر، وسعيد بن منصور، وعبد الرزاق، ولم أجده في تفسيره، وانظر كتاب "البعث والنشور" للبيهقي: ٢٠١، رقم: ٣١٢.
(٨) ساقطة من (أ).
(٩) لم أعثر على مصدر لقوله، وقد ورد مثله من غير عزو في: "الوسيط" ٤/ ٤٠٣.
(١٠) "النكت والعيون" ٦/ ١٧٠، "الدر المنثور" ٨/ ٣٧٥ وعزاه إلى عبد بن حميد.
قال أبو إسحاق: القوارير التي في الدنيا من الرمل، فأعلم الله (عز وجل) (٦) أن فضل تلك القوارير أن أصلها من فضة؛ يُرى من خارجها ما في باطنها (٧).
قال ابن قتيبة: (إن كل ما في الجنة من آلاتها، وسرُرها (٨) وفُرُشها، وأكوابها مخالف لما في الدنيا من صنعة العباد.
قال ابن عباس: ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء، والأكواب في الدنيا قد تكون من فضة، وتكون من قوارير، فأعلمنا الله أن هناك أكوابًا لها بياض الفضة، وصفاء القوارير (٩).
قال (١٠) وهذا على التشبيه، أراد قوارير كأنها من فضة كما تقول:
(٢) "تفسير مقاتل" ٢٢٢/ أ.
(٣) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٣٧، "جامع البيان" ٢٩/ ٢١٥، وبمعناه في: "الدر المنثور" ٨/ ٣٧٥ وعزاه إلى ابن المنذر.
(٤) قال به الحسن، انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ٢١٥ - ٢١٦، وعزاه صاحب "كشف البيان" إلى المفسرين: ١٣: ٢٠/ أ، وحكاه أيضًا عن المفسرين البغوي في: "معالم التنزيل" ٤/ ٤٣٠، وبه قال أيضًا الفراء في "معاني القرآن" ٣/ ٢١٧.
(٥) ما بين القوسين ساقطة من (أ).
(٦) ساقطة من (ع).
(٧) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٦٠ بيسير من التصرف.
(٨) في (أ): سرورها.
(٩) جاء عنه مختصرًا في: "جامع البيان" ٢٩/ ٢١٥، "بحر العلوم" ٣/ ٤٣٢، "زاد المسير" ٨/ ١٤٨.
(١٠) أي ابن قتيبة.
وهذا الذي ذكره ابن قتيبة غير ما ذكره المفسرون؛ لأنهم جعلوها من فضة صافية، وهو يقول. هي قوارير كأنها من فضة (صافية) (٤) لصفاء نورها (٥).
وقوله: ﴿قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾ على قدْرِ رِيِّهِم، لا يزيد ولا ينقص من الري، ليكون ألذَّ لشربهم (٦). (هذا معنى قول جماعة من المفسرين (٧) (٨).
وقال الفراء: يقول قدروها على رِي أحدهم لا فضل فيه، ولا عجز عن ريه، وهو ألذ الشراب (٩).
وقال الزجاج: جعلوا الإناء على قدر ما يحتاجون إليه وُيرِيدُونَه (١٠).
وقال أبو عبيدة: يكون التقدير: الذين يسقونهم يقدرونها، ثم
(٢) من قوله: وهذا كقوله: كأنهن الياقوت إلى آخر الكلام نسبه ابن قتيبة في: تأويل مشكل القرآن: ٨١ إلى قتادة.
(٣) ما بين القوسين من قول ابن قتيبة في "تأويل مشكل القرآن" ٨٠ - ٨١ بتصرف يسير.
(٤) ما بين القوسين ساقطة من (ع).
(٥) في (ع): لونها.
(٦) في (أ): من شربهم.
(٧) منهم: الحسن، وسعيد، ومجاهد، وقتادة، وابن زيد، والكلبي، ومقاتل. انظر: "تفسير مقاتل" ٢٢٢/ أ، "جامع البيان" ٢٩/ ٢١٧، "النكت والعيون" ٦/ ١٧٠.
(٨) ما بين القوسين ساقطة من (أ).
(٩) "معاني القرآن" ٣/ ٢١٧.
(١٠) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٦٠ بتصرف يسير.
ومن قرأ (قُدِّرُوها) (٣) بضم القاف (٤)، اجتمع في قراءته: القلب، والحذف، أما القلب، فإنه أراد: قدرت الأكواب التي يسقى بها، فقلب التقدير إلى الذين يسقون كما قال:
لا تحسبَنَّ دراهمًا سَرِقْتَها | تمحو مخازيك التي بعُمانِ (٥) |
(٢) في كلا النسختين: قدروا، والمثبت من "الحجة" ٦/ ٣٥٣.
(٣) في (ع): قدروهم.
(٤) قرأ بذلك: الشعبي، وقتادة، وابن أبزى، وعلي، والجحدري، وابن عباس، وعبيد بن عمير، وابن سيرين، وأبو عبد الرحمن. انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ٢١٧، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤١٢، "زاد المسير" ٨/ ١٤٨، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٣٩، "البحر المحيط" ٨/ ٣٩٧. وهي قراءة شاذة لعدم صحة سندها؛ ولعدم ذكرها في كتب المتواتر من القراءات، كما حكم عليها الشوكاني بأنها شاذة في: "فتح القدير" ٥/ ٣٥٠.
(٥) البيت للفرزدق من أبيات يهجو بها جديلة بن سعيد بن قبيصة الأزدي. انظر: ديوانه: ٢/ ٨٦٨. ورد البيت في: ديوانه برواية: "دراهمًا أعطيتها"، وانظر: "لسان العرب" ١٠/ ١٥٦: مادة: (سرق).
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من النسختين، والمثبت من مصدر القول.
(٧) كتاب "النوادر في اللغة" لأبي زيد: ٤٠٩.
(٨) الحِرباء: قيل هي دُويبة نحو العظاءة، أو أكبر، يستقبل الشمس برأسه، ويكون معها كيف دارت، يقال إنما يفعل ذلك ليقي جسده برأسه، ويتلون ألوانًا بحر الشمس. =
والمعنى: قدرت الأكواب عليهم، أي على ريهم، فحذف وقلب، (وهذه قراءة الشعبي) (٢) (٣).
وقال القرظي في قوله: (قدروها تقديرًا) كانت كما يشتهون (٤).
وهذا يحتمل أنه أراد: كانت الأكواب كما يشتهون في أنها تسع لريهم (كما ذكر المفسرون) (٥).
ويحتمل أنه أراد: أنها كانت قدر (٦) مُلء (٧) الكف، لم تعظم فيثقل حملها، فكانت كما يشتهون. وهذا قول الربيع (٨).
﴿كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا﴾ قال أبو إسحاق: والعرب تصف لهم طعم
(١) ما بين القوسين نقله الواحدي عن أبي علي من الحجة: ٦/ ٣٥٣ - ٣٥٤ بتصرف.
(٢) ورد قوله في: "جامع البيان" ٢٩/ ٢١٧، "الكشف والبيان" ١٣: ١٢٠/ أ، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤١٢، "الدر المنثور" ٨/ ٣٧٤ وعزاه إلى عبد بن حميد.
(٣) ما بين القوسين ساقطة من (أ).
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله، وقد ورد بمثله في: "الوسيط" ٤/ ٤٠٣ معزوًا إلى القرطبي، ولعله تصحيف، والمراد به القرظي، والله أعلم.
(٥) ما بين القوسين ساقطة من (أ).
(٦) في (أ): قد.
(٧) في (أ): ميل.
(٨) بمعناه في: "المحرر الوجيز" ٥/ ٤١٢، "التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٥٠، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٨٦.
وأنشد للأعشى:
كأنَّ القَرُنْفُلَ والزنجبيل | بَاتا بفيْهَا وأرْيًا مَشُورا (٢) (٣) |
قال مقاتل: لا يُشبه زنجبيل الدنيا (٥). (وتفسير هذا كتفسير قوله: ﴿كان مزاجها كافورًا﴾) (٦).
قوله تعالى: ﴿عَيْنًا﴾ يجوز أن يكون بدلًا من قوله: (زنجبيلاً).
والمعنى: كان مزاجها: (عينًا)، وتلك العين لها طعم الزنجبيل.
ويجوز أن يكون المعنى: ويسقون عينًا. (ذكر ذلك الفراء (٧)، و) (٨) الزجاج (٩).
(٢) ورد البيت في: ديوانه: ٨٥ ط. دار صادر برواية: كأن جنيًا من الزنجبيل خالط فاها
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٦٠ بيسير من التصرف.
(٤) معالم التنزيل: ٤/ ٤٣٠، "التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٥٠.
(٥) معالم التنزيل: ٤/ ٤٣٠، فتح القدير: ٥/ ٣٥١، وبمعناه في: "تفسير مقاتل" ٢٢٢/ أ، قال: يعني كأنما قد مزج فيه الزنجبيل.
(٦) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٧) "معاني القرآن" ٣/ ٢١٧، وعبارته: "ذكر أن الزنجبيل هو العنب، وأن الزنجبيل اسم لها".
(٨) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٩) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٦٠ - ٢٦١.
وعلى هذا: (سلسبيل: اسم تلك العين، وصرف لأنها رأس آية) (٤)، وصار كقوله: (الظنونا) (٥)، و (السبيلا) (٦)، وقد مر في هذه السورة (٧).
قال ابن الأعرابي: لم أسمع السلسبيل إلا في القرآن (٨)، فعلى هذا لا يعرف له اشتقاق.
وقال قتادة في قوله: (سلسبيلا) سلسة (٩) لهم، يصرفونها حيث شاؤوا (١٠).
وقال مجاهد: سلسة السلسبيل: حديدة الجرية (١١)، وهو معنى قول
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله، وقد ورد بمثله في: "الوسيط" ٤/ ٤٠٣ من غير عزو.
(٣) ساقطة من (أ).
(٤) ما بين القوسين نقله عن الزجاج في: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٦١.
(٥) سورة الأحزاب: ١٥.
(٦) سورة الأحزاب: ٦٧.
(٧) انظر الآية ٤ من هذه السورة
(٨) انظر مادة (سلسل) في: تهذيب اللغة: ١٣/ ١٥٦، "لسان العرب" ١١/ ٣٤٤.
(٩) في (أ): سلسلة.
(١٠) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٣٨، "جامع البيان" ٢٩/ ٢١٨، "النكت والعيون" ٦/ ١٧١، معالم التنزيل: ٤/ ٤٣٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٤١ بنحوه. وبمعناه في: "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٨٧، "الدر المنثور" ٨/ ٣٧٦ برواية: سلسلة، وعزاه إلى عبد بن حميد.
(١١) المراجع السابقة "عدا النكت والعيون"، وانظر: "زاد المسير" ٨/ ١٤٩.
وقال يمان: معنى سلسبيل: طيبة الطعم والمذاق (٤).
قال أبو إسحاق: سلسبيل صفة لما كان (٥) في غاية السلاسة، فكأن العين والله أعلم سميت بصفتها (٦). فهذه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن سلسبيل اسم العين، ولا اشتقاق له، وكان الأصل لا يجري للتأنيث، والتعريف، ولكن أجري (٧) للتوفيق بين رؤوس الآي؛ ولأن أصل السماء كلها الإجراء، (وقد ذكرنا هذا) (٨).
الثاني: أن معناه سلسلة السبيل.
والثالث: أنها سلسلة يتسلسل في الحلق.
(٢) في (أ): المقاتلان.
(٣) ورد بمعناه في: "تفسير مقاتل بن سليمان": ٢٢٢/ ب، قال: "لأنه تسيل من جنة عدن، فتمر على كل جنة، ثم ترجع لهم الجنة كلها". وانظر: "بحر العلوم" ٣/ ٤٣٢ عن أحدهما، "النكت والعيون" ٦/ ١٧١ عن أحدهما دون تعيين، معالم التنزيل: ٤/ ٤٣٠ عن ابن حيان، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٤١ عن ابن حيان.
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) في (أ): لملَّكان.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٦١ بنصه.
(٧) غير مقروء في (ع).
(٨) ما بين القوسين ساقط من (أ).
وذكر ابن عباس في قوله: (سلسبيلا) قال: تنسل في حلوقهم انسلالًا (٥).
قوله تعالى: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ﴾ تقدم تفسيره في سورة الواقعة (٦).
قوله تعالى: ﴿لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا﴾ قال عطاء: يريد في بياض اللؤلؤ، وحسنه،
(٢) بياض في (ع).
(٣) في (أ): ألا تجرا.
(٤) "زاد المسير" ٨/ ١٤٩ نقله عنه باختصار، وكلامه ينتهي -عنده- إلى قوله: سلسال وسلسبيل.
(٥) "النكت والعيون" ٦/ ١٧١.
(٦) سورة الواقعة: ١٧، وجاء في تفسيرها: "قال أبو عبيدة: لا يهرمون، ولا يتغيرون. وقال ابن عباس: لا يموتون. وعلى هذا هو من الخلود الذي هو البقاء بلا موت. وقال بعضهم: لا يكبرون، ولا يهرمون، ولا يتغيرون. والمراد بالولد: أن الغلمان، وهم وإن لم يولدوا، ولم يحصلوا عن ولادة، أطلق عليهم هذا الاسم لأن العرب تسمي الغلمان ولدانًا".
وقال الكلبي: أبيض ما يكون اللؤلؤ إذا انتثر (٣). هذا قولهما.
والأحسن في تشبيههم باللؤلؤ المنثور أن يقال: إنما شبهوا باللؤلؤ المنثور لانتشارهم في الخدمة، فلو كانوا صفًا لشبهوا باللؤلؤ المنظوم، ألا ترى أن الله عَزَّ وَجَلَّ قال: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيهِم﴾، فإذا كانوا يطوفون كانوا نثرًا.
(وهذا الذي ذكرنا معنى قول قتادة (٤)، وسفيان (٥)، قالا: من كثرتهم وحسنهم) (٦).
٢٠ - قوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا﴾ ذكر الفراء فيه قولين: أحدهما: أن المعنى: وإذا رأيت ما ثَمَّ، وصلح إضمار (ما) كما قال: ﴿لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ [الأنعام: ٩٤] يريد ما بينكم.
والثاني: يريد إذا نظرت ثم، أي: إذا رميت ببصرك (هاهنا) (٧) (٨)
قال أبو إسحاق: لا يجوز إضمار (ما)؛ لأن (ما) موصولة بقوله: (ثم)، ولا يجوز إسقاط الموصول، وترك الصلة، ولكن (رأيت) تتعدى في
(٢) "معالم التنزيل" ٤/ ٤٣٠، فتح القدير: ٥/ ٣٥١.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله، وقد ورد بمعناه من غير عزو في: الوسيط: ٤/ ٤٠٤.
(٤) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٣٨،"جامع البيان" ٢٩/ ٢٢١، "بحر العلوم" ٣/ ٤٣٢، وبمعناه في: "النكت والعيون" ٦/ ١٧١، "الدر المنثور" ٨/ ٣٧٦ مختصرًا عنه، وعزاه إلى عبد بن حميد.
(٥) ورد معنى قوله في: "جامع البيان" ٢٩/ ٢٢١، و"النكت والعيون" ٦/ ١٧١.
(٦) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٧) ساقطة مز: (أ).
(٨) "معاني القرآن" ٣/ ٢١٨ مختصرًا.
﴿رَأَيْتَ نَعِيمًا﴾ لا يوصف.
﴿وَمُلْكًا كَبِيرًا﴾ قال ابن عباس: لا يقدر واصف يصف حسنه، ولا طيبه (٢).
وقال الكلبي: هو أن يأتي الرسول من عند الله بكرامة من الكسوة، والطعام (٣)، والشراب، والتحف إلى ولي الله، وهو في منازله، فيستأذن عليه، فذلك الملك العظيم (٤).
وقال مقاتل: لا يدخل عليه رسول رب العزة من الملائكة المقربين المطهرين إلا بإذنه (٥). وهو قول مجاهد (٦)، وسفيان (٧)، (والسدي) (٨) (٩). قالوا: هو استئذان الملائكة عليهم. وروى عكرمة عن ابن عباس أنه ذكر
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) بياض في (ع).
(٤) بمعناه في: "معالم التنزيل" ٤/ ٤٣٠،"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٤٢.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢٢١/ ب، وقد ورد قوله في: "معالم التنزيل" ٤/ ٤٣٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٤٢.
(٦) "الدر المنثور" ٨: ٧٦ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن جرير، والبيهقي، والذي ورد عنه عند الطبري (قال: تسليم الملائكة) "جامع البيان" ٢٩/ ٢٢١.
(٧) ورد قوله في: "جامع البيان" ٢٩/ ٢٢١، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤١٣، "الدر المنثور" ٨/ ٣٧٦ وعزاه إلى ابن جرير.
(٨) "فتح القدير" ٥/ ٣٥١.
(٩) ساقطة من (أ).
قوله تعالى: ﴿عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ﴾ قال الفراء: من نصب (عاليهم) (٣) جعله كالصفة، نحو: فوقهم (٤)، والعرب تقول: قومك داخل الدار فينصبون داخل؛ لأنه محل (٥)، فـ (عاليهم) من ذلك (٦).
وقال أبو إسحاق: وهذا لا نعرفه في الظروف (٧)، ولو كان ظرفًا لم يجز إسكان (الياء)، ولكن نصبه على الحال من شيئين: أحدهما: على (الهاء)، و (الميم) في: (عاليهم)، المعنى: يطوف على الأبرار ولدان مخلدون عاليًا الأبرارَ ثياب سندس؛ لأنه قد وصف أحوالهم في الجنة، فيكون المعنى: يطوف عليهم في هذه الحال هؤلاء، ويجوز أن يكون حالاً من (الولدان). المعنى: إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤًا منثورًا في حال علو الثياب إياهم (٨).
(٢) "الدر المنثور" ٨/ ٣٧٦ وعزاه إلى البيهقي في "البعث" ٢٣٧: رقم ٤٠١. وانظر: "المستدرك" ٢/ ٥١١ التفسير: سورة هل أتى، وقال عنه: صحيح، ووافقه الذهبي.
(٣) قرأ بفتح الياء في "عالِيَهم" على أنه حال: ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم، والكسائي. انظر: "الحجة" ٦/ ٣٥٤، "حجة القراءات" ٧٤٠، "الكشف عن وجوه القراءات السبع" ٢/ ٣٥٤، "النشر" ٢/ ٣٩٦.
(٤) بمعنى: فوقهم ثياب سندس. انظر: "معاني القرآن" ٣/ ٢١٨.
(٥) محل: مصطلح كوفي يقابله عند البصريين: الظرف. انظر: "نحو القراء الكوفيين" ٣٤٧.
(٦) "معاني القرآن" ٣/ ٢١٨ - ٢١٩ بتصرف يسير.
(٧) أي أن نصب (عاليهم) على الظرف، وهو مما لا يعرف في الظروف. انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٦٢.
(٨) "معاني القرآن وإعرابه" ونقل الواحدي العبارة بنصها من كلام طويل.
ومن قرأ: (عَالِيهِم) فأسكن الياء (٣) في موضع رفع الابتداء، و ﴿ثِيَابُ سُنْدُسٍ﴾ خبره، ويكون اسمه في وضع الجماعة، كما أن الخبر جماعة، وفاعل قد يراد (به) (٤) الكثرة كما قال:
ألا إنَّ جيراني العشيّةَ رائِح | دَعَتْهُم دواع من هوًى ومنادِحُ (٥) |
(٢) سورة الأنفال: ٤٢.
(٣) قرأ بذلك: نافع، وحمزة، وأبو جعفر. انظر: "الحجة" ٦/ ٣٥٤، "حجة القراءات" ٧٣٩، "الكشف عن وجوه القراءات السبع" ٢/ ٣٥٤، "النشر" ٢/ ٣٩٦، "إتحاف فضلاء البشر" ٤٢٩.
(٤) ساقطة من (أ).
(٥) البيت غير منسوب في: "المحتسب" ٢/ ١٥٤، "الهمع" ٢/ ١٨٢ ط. دار المعرفة، وأصل منادح: مناديح؛ لأنه جمع مندوحة.
(٦) في (أ): ويقطع. سورة الأنعام: ٤٥.
قوله تعالى: (خضر) (قرئ خفضًا ورفعًا (٤). (٥)، فمن رفع فلأنها صفة مجموعة لموصوف مجموع، وهو قوله: ﴿ثِيَابُ سُنْدُسٍ﴾ فأتبع الخضر الذي هو جمع مرفوع، الجمع المرفوع الذي هو ثياب، ومن خفض أجرى الخضر، وهو جمع على السندس؛ لأنه يراد به الجنس، وأجاز أبو الحسن جمع وصف ما يراد به الجنس بالجمع فقال: يقول: أهلك الناسَ الدينارُ
(٢) بياض في (ع).
(٣) "الحجة" ٦/ ٣٥٤ - ٣٥٦ نقله الإمام الواحدي عن أبي علي باختصار.
(٤) قرأ بالكسر: ابن كثير، وعاصم في رواية أبي بكر، وحمزة، والكسائي. وقرأ بالرفع: أبو جعفر، وأبو عمرو، وابن عامر، ويعقوب. انظر كتاب "السبعة" ٦٦٤، "القراءات وعلل النحويين فيها" ٢/ ٧٣٤، "الحجة" ٦/ ٣٥٦، "حجة القراءات" ٧٤٠، "الكشف" ٢/ ٣٥٥، "المبسوط" ٣٩٠.
(٥) في (ع): رفعًا وخفضًا.
وقوله تعالى: ﴿وَإِسْتَبْرَقٌ﴾ فيه الجر والرفع (٤) أيضًا، فالجر من حيث كان جنسًا أضيف إليه الثياب، (كما أضيف إلى سندس، فكأن المعني ثيابهم، فأضاف الثياب) (٥) إلى الجنس، كما تقول: ثياب خزٍّ (٦) وكتانٍ (٧)، فتضيفهما إلى الجنسين، ودل على ذلك قوله: ﴿وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ﴾ [الكهف: ٣١]، (ومن رفع إستبرق) (٨) أراد العطف على الثياب،
(٢) بياض في (ع).
(٣) ما بين القوسين نقله عن أبي علي في: "الحجة" ٦/ ٣٥٦ - ٣٥٧ مختصرًا.
(٤) قرأ بالجر في: "إستبرق" أبو جعفر، وأبو عمرو، وابن عامر، ويعقوب، وحمزة، والكسائي، وخلف. وقرأ بالرفع: ابن كثير، وأبو بكر عن عاصم، ونافع، وحفص عن عاصم. انظر كتاب "السبعة" ٦٦٥، القراءات وعلل النحويين فيها: ٢/ ٧٣٤، الحجة: ٦/ ٣٥٦، "حجة القراءات" ٧٤٠، "الكشف" ٢/ ٣٥٥، "المبسوط" ٣٩٠.
(٥) ما بين القوسين ساقطة من (أ).
(٦) الخَزُّ: ويراد به ثياب تنسج من صوف وإبريسم. انظر: "لسان العرب" ٥/ ٣٤٥ (خزز).
(٧) الكَتان: بالفتح: معروف، عربي سمي بذلك لأنه يُخَيَّس ويلقى بعضه على بعض حتى يكتن. "لسان العرب" ١٣/ ٣٥٥ (كتن).
(٨) ما بين القوسين ساقطة من (أ).
وهذه الآية مفسرة في سورة الكهف (٢) إلى قوله: ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا﴾. قال الكلبي: شراب أهل الجنة طاهر كله (٣).
قال الفراء: يقول هو طهور ليس بنجس كما [كان] (٤) في الدنيا [مذكورًا] (٥) بالنجاسة (٦)، وعلى هذا: الطهور مبالغة من الطاهر.
والمعنى: أن ذلك الشراب طاهر ليس كخمر الدنيا.
وقال مقاتل: هو عين ماء على باب الجنة تنبع (٧) من ساق العرش من شجرة، من شرب منها نزع الله ما كان في قلبه من غش، وغل، وحسد، وما كان في جوفه من (٨) قذر، وأذى (٩).
(٢) سورة الكهف: ٣١: ومما جاء في تفسيرها: قال الواحدي: "قوله: "يحلون فيها من أساور من ذهب" أساور جمع أسورة، وأسورة جمع سوار، يقال: سوار في اليد بالكسر، وقال أبو زيد: هو: سِوار المرأة، وسَوار المرأة، وأسورة لجماعتها، وهما قلبان يكونان في يدها. "من سندس واستبرق" هما نوعان من الحرير. وقال بعضهم: السندس ما دقَّ من الديباج، والإستبرق: ما غلظ منه" ا. هـ
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) في كلا النسختين: كانت، وهكذا ذكرت أيضًا في حاشية معاني القرآن، وقال المحقق: "إنه تحريف"، وأثبت كان.
(٥) في كلا النسختين: "مذكورة" والمثبت من معاني القرآن.
(٦) "معاني القرآن" ٣/ ٢١٩ بنصه.
(٧) بياض في (ع).
(٨) قوله: (وما كان في جوفه من) بياض في (ع).
(٩) "تفسير مقاتل" ٢٢٢/ أ، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٣١، "التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٥٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٤٥، "فتح القدير" ٥/ ٣٥٢.
فقال:.. (٣) ﴿إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً﴾ أن يقال لهم: إن هذا، يعني (٤) ما وصف من نعيم الجنة، كان لكم جزاء بأعمالكم.
﴿وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا﴾ قال ابن عباس: يريد أني قبلت اليسير من أعمالكم (٥)، وشكرتكم عليه، وأثبتكم أفضل الثواب وأعظمه (٦).
٢٣ - قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (٢٣)﴾ قال الكلبي: السورة، والآية، والآيتين لم تنزل جملة واحدة كما نزل سائر الكتب (٧)، وهذا معنى قول مقاتل (٨).
(٢) ورد معنى قوله في: "معالم التنزيل" ٤/ ٤٣٠ - ٤٣١، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤١٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٤٥، "فتح القدير" ٥/ ٣٥٢.
(٣) بياض في (ع)، ولا يوجد له ذكر في (أ).
(٤) قوله: إن هذا يعني: بياض في (ع).
(٥) قول: اليسير من أعمالكم: بياض في (ع).
(٦) بياض في (ع). وانظر بمعناه في: "التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٥٥.
(٧) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٨) "تفسير مقاتل" ٢٢٢/ ب، ولقد ورد عن ابن عباس معنى ذلك، قال: أنزل القرآن متفرقًا؛ آية بعد آية، ولم ينزل جملة واحدة. "معالم التنزيل" ٤/ ٤٣١.
﴿وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ﴾ يعني: من مشركي مكة.
﴿آثِمًا﴾ يعني: عتبة بن ربيعة، قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: ارجع عن هذا (٣) الأمر، وأزوجك ولدي، فإني من أجمل قريش ولدًا (٤).
وقوله: ﴿أَوْ كَفُورًا﴾ يعني الوليد بن المغيرة، قال: وأنا (٥) أعطيك من المال حتى ترضى، فإني من أكثرهم (٦) مالاً، (قاله الكلبي (٧)، ومقاتل) (٨) (٩).
قال الفراء: (أو) هاهنا بمنزلة (لا)، وأنشد (١٠)، فقال:
(٢) من هذه المواضع: سورة الطور: ٤٨، سورة القلم: ٤٨. ومما جاء في تفسير قوله: "فاصبر لحكم ربك" من سورة القلم: ٤٨: "أي اصبر على الأذى لقضاء ربك الذي هو آت".
(٣) في (أ): هذه.
(٤) قال بذلك مقاتل، انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٤٣١، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٤٧، "الوسيط" ٤/ ٤٠٦ مختصرًا جدًا.
(٥) في (أ): فأنا.
(٦) في (أ): أكثريهم.
(٧) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٨) "تفسير مقاتل" ٢٢٢/ ب، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٣١، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٤٧، ورد عنه مختصرًا في كليهما.
(٩) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(١٠) البيت لمالك بن عمرو القُضاعي، أو مالك بن حُريم، أو ابن رعك الغساني، أو الخنساء. انظر شرح أبيات "معاني القرآن" ٢٢١، وعزاه المبرد إلى مالك بن عمرو في: "الكامل" ٢/ ٨٦، والأمالي لأبي علي القالي: ٢/ ١٢٣ وعزاه إلى مالك بن حريم في مقتل أخيه سماك، ولم أجده في ديوان الخنساء.
لا وَجْدُ ثَكْلى كما وَجِدْتُ ولا | وَجْدُ عَجُوز أضلها رُبَعُ |
أوْ وَجْدُ شيخ أضَلَّ ناقَتَه | يَوْمَ توافي الحَجيجُ فاندفعوا (١) |
وقال الزجاج: (أو) هاهنا أوكد من (الواو)؛ لأنك إذا قلت: لا تطع
(٢) ما بين القوسين ساقط من (ع).
(٣) أي الفراء.
(٤) في (أ): يطعن.
(٥) "معاني القرآن" ٣/ ٢١٩ - ٢٢٠ بتصرف.
(٦) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٣٩، "جامع البيان" ٢٩/ ٢٢٤، "الكشف والبيان" ١٣: ٢١/ ب، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٣١، "الدر المنثور" ٨/ ٣٧٨ وعزاه إلى عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر.
قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ﴾ أي اذكره بالتوحيد في الصلاة.
﴿بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ يعني صلاة الفجر، والظهر، والعصر. قاله
(٢) بياض في (ع).
(٣) بياض في (ع).
(٤) بياض في (ع).
(٥) قوله: فقد قلت هذان: بياض في (ع).
(٦) بياض في (ع).
(٧) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٦٣. وقد خالف البصريون ما ذهب إليه الكوفيون كالفراء والزجاج من أن "أو" لا تكون بمعنى الواو، ولا بمعنى: "بل" بخلاف الكوفيين الذين استدلوا على صحة معنى "أو" "واو"، أو بمعنى: "بل" بهذه الآية، "أو كفورًا"، وقد رد البصريون هذا الاستدلال بقولهم: وأما قول الله تعالى: "ولا تطع منهم آثمًا أو كفورًا" فلا حجة لهم فيه؛ لأن "أو" فيها للإباحة، أي قد أبحتك كل واحد منهما كيف شئت، كما تقول في الأمر: جالس الحسن وابن سيرين، أي قد أبحتك مجالسة كل واحد منهما كيف شئت، والمنع بمنزلة الإباحة، فكما أنه لا يمتنع من شيء أبحته له، فكذلك لا يُقدم على شيء نهيته عنه. انظر: "الإنصاف" في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين: لأبي البركات الأنباري: ٢/ ٤٧٩ - ٤٨٣. وانظر كتاب "حروف المعاني" للزجاجي: ٥٠ - ٥١. من هذا التحقيق يتبين أن الإمام الواحدي لا يعتنق مذهبًا كوفيًا أو بصريًا؛ بل إنه يؤيد ما يراه صوابًا من أحد المذهبين، والله أعلم.
﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ﴾ يعني فصلِّ له المغرب، والعشاء.
﴿وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا﴾ قال مقاتل: يعني التطوع، يقول: وصل لله طويلًا (٥)، يعني التطوع بعد المكتوبة، (وهو قول الكلبي (٦)) (٧).
وقال عطاء: يريد أن صلاة الليل فريضة عليك يا محمد (٨).
والقول هو الأول؛ لأنه كان لا يجب عليه أن يصلي جميع الليل.
ثم ذكر كفار مكة، فقال: (قوله تعالى) (٩): ﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (٢٧)﴾.
قال ابن عباس (١٠)، (والكلبي (١١) (١٢)، ومقاتل (١٣): أمامهم،
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) ما بين القوسين ساقطة من (أ).
(٤) "تفسير مقاتل" ٢٢٢/ ب، قال: إذا صليت صلاة الغداة، وهو بكرة وأصيلًا إذا أمسيت وصليت صلاة المغرب.
(٥) بمعناه في: "تفسير مقاتل" ٢٢٢/ ب، وفي "الوسيط" من غير عزو: ٤/ ٤٠٦.
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٧) ما بين القوسين ساقط من (ع).
(٨) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٩) ما بين القوسين ساقط من (ع).
(١٠) لم أعثر على مصدر لقوله. وقد ورد بمثله في: "الوسيط" ٤/ ٤٠٦ من غير عزو.
(١١) لم أعثر على مصدر لقوله.
(١٢) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(١٣) "تفسير مقاتل" ٢٢٢/ ب.
﴿يَوْمًا ثَقِيلًا﴾ عسيرًا، شديدًا، كما قال: ﴿ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الأعراف: ١٨٧].
(ومعنى) (١): ﴿وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ﴾ أي يتركونه، فلا يؤمنون به، ولا يعلمون، ولا يهتمون لوقوعه، فقد تركوه من كل وجه.
ثم ذكر دلالة قدرته، فقال: ﴿نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ﴾ قال ابن عباس: خلقهم (٢)، وهو قول مقاتل (٣)، ومجاهد (٤)، (وقتادة (٥)، والفراء (٦)، والزجاج (٧)) (٨).
قال الفراء: الأسر: الخَلْق، يقال: لقد أسِر هذا الرجل أحسنَ
(٢) "جامع البيان" ٢٩/ ٢٢٦، "الكشف والبيان" ١٣: ٢٢/ أ، "النكت والعيون" ٦/ ١٧٣، "زاد المسير" ٨/ ١٥١، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٤٩، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٨٨، "الدر المنثور" ٨/ ٣٧٨.
(٣) "تفسير مقاتل" ٢٢٣/ أ، المراجع السابقة عدا جامع البيان، والنكت والعيون، وانظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٤٣١.
(٤) المراجع السابقة جميعها.
(٥) المراجع السابقة إضافة إلى "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٣٩، "الدر المنثور" ٨/ ٣٧٩ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.
(٦) "معاني القرآن" ٣/ ٢٢٠.
(٧) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٦٣ بمثله، وأضاف قائلاً: جاء في التفسير أيضًا: مفاصِلُهُم.
(٨) ما بين القوسين ساقط من (أ).
وقال أبو عبيدة: أسرهم: شدة الخَلْق، يقال: فرس شديد الأسر، وأنشد لبشر (بن أبي خازم) (٢)، (فقال) (٣):
شديد الأسر يحمل أريحيًا | أخا ثقة إذا الحدثان نابا (٤) |
وقال المبرد: (الأسر: القوى كلها، وأصله عند العرب: القِدُّ (٨) الذي يشد به الأقتاب، ويقال للقتب: المأسور، ومنه قول الشاعر:
واسْتَدْفَأ الكَلْبُ بالمأسُورِ ذِي الذِّئْبِ (٩)) (١٠)
يقول من شدة البرد استدفأ الكلب بالقتب.
(٢) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٣) ساقط من (ع).
(٤) ورد البيت في: "منتهى الطلب من أشعار العرب" لابن ميمون: ١/ ١٥٦.
(٥) غبيط: هو المركب، قال الأزهري: ويقبب بشجار ويكون للحرائر. انظر: "تهذيب اللغة" ٨/ ٦٢ (غبط)، "لسان العرب" ٧/ ٣٦١ (غبط).
(٦) القِتْب: والقَتَب: إكاف البعير، والقِتْب: بالكسر: جميع أداة السانية من أعلافها، وحبالها، والجمع أقتاب انظر: "لسان العرب" ١/ ٦٦٠ - ٦٦١: مادة: (قتب).
(٧) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٨٠ إلا أنه لم يذكر بيت الشعر.
(٨) القِدُّ: السير الذي يُقّدُّ من الجلد غير مدبوغ. انظر مادة: (قد) في: "معجم مقاييس اللغة" ٥/ ٦، "لسان العرب" ٣/ ٣٤٤.
(٩) الشطر الأول منه:
فَأيُّ حَيٍّ إذا هَبَّتْ شَآميَّةً
وقد ورد في الكامل ٢/ ٩٦٤ غير منسوب. ومعنى المأسور: القتب.
(١٠) ما بين القوسين من قول المبرد، نقله عنه الإمام الواحدي بتصرف.
(وذكرنا هذا مستقيم عند ذكر الأسارى (٧)) (٨).
وقال الحسن (في هذه الآية) (٩) يعني: أوصالهم بعضها إلى بعض بالعروق والعصب (١٠) (١١).
وهو (معنى) (١٢) قول من قال: هي المفاصل (١٣).
(٢) في (أ): قوته.
(٣) ساقطة من (أ).
(٤) في (ع). صرفاهما.
(٥) بياض في (ع).
(٦) لم أعثر على قول الليث في: "التهذيب".
(٧) راجع تفسير سورة البقرة: ٨٥.
(٨) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٩) ما بين القوسين بياض في (أ).
(١٠) العَصَب: عصب الإنسان والدابة، والأعصاب: أطناب المفاصل تلائم بينها وتشدها. "لسان العرب" ١/ ٦٠٢: مادة: (عصب).
(١١) "الكشف والبيان" ١٣/ ٢٢/ أ، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٣١، "زاد المسير" ٨/ ١٥١، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٤٩.
(١٢) ساقطة من (أ).
(١٣) وهو قول أبي هريرة كما في: "جامع البيان" ٢٩/ ٢٢٦، والحسن والربيع أيضًا. انظر: "الكشف والبيان" ١٣/ ٢٢/ أ، "الدر المنثور" ٨/ ٣٧٨ وعزاه إلى عبد بن حميد. وانظر: "تفسير الحسن" ٢/ ٣٨٦.
وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا﴾ أي إذا شئنا أهلكناهم، وأتينا بأشباههم، فجعلناهم بدلاً منهم (٤).
وهذا كقوله: ﴿عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ﴾. [الواقعة: ٦١]
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ﴾ مفسرة في سورة المزمل (٥).
﴿وَمَا تَشَاءُونَ﴾ أي الطاعة، والاستقامة اتخاذ السبيل المذكور في قوله: ﴿فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا﴾ [الإنسان: ٢٩].
﴿إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ قال ابن عباس: يريد شيئًا من الخير إلا أن يشاء الله ذلك (٦) لكم (٧).
وقال أبو إسحاق: أي لستم تشاؤون إلا بمشيئة الله (٨).
قوله (تعالى) (٩): ﴿يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ﴾ (قال عطاء) (١٠): يعني
(٢) بياض في (ع).
(٣) ما بين القوسين من قول ابن الأعرابي بنصه. انظر مادة: (أسر) في: "تهذيب اللغة" ١٣/ ٦١، "لسان العرب" ٤/ ١٩.
(٤) قوله: بدلًا منهم. بياض في (ع).
(٥) سورة المزمل: ١٩.
(٦) بياض في (ع).
(٧) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٨) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٦٤ بنصه.
(٩) ساقطة من (ع).
(١٠) ساقطة من (أ).
وقال مقاتل: يعني في دينه الإسلام (٢).
﴿وَالظَّالِمِينَ﴾ يعني المشركين من كفار مكة.
قال أبو إسحاق: نصب (الظالمين)؛ لأن قبله منصوبًا. المعنى: يدخل من يشاء في رحمته، ويعذبُ الظالمين، ويكون (أعدَّ لهم عذابًا أليمًا)، تفسيرًا لهذا المضمر قال: والاختيار في الظالمين: النصب (٣)، وإن كان الرفع جائزًا (٤)؛ لأن الاختيار عند النحويين أن تقول: أعطيت زيدًا، وعمرًا (٥) أعددت له بِرًا، فيختارون النصب على معنى: وبَرَرْتُ عمرًا (٦)، (أو أبَرُّ عمرًا) (٧).
وأما قوله في: ﴿حم عسق﴾ ﴿يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ﴾ (٨)
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) وهي قراءة عامة القراء. انظر: "بحر العلوم" ٣/ ٤٣٣.
(٤) وقرأ: عبد الله بن الزبير، وأبان بن عثمان، وأبو العالية، وأبو الجوزاء، وابن أبي عبلة: بالوا، أي: "والظالمون أعد". انظر: "المحتسب" لابن جني: ٢/ ٢٤٤، "الكشف والبيان" ١٣: ٢٢/ ب، "زاد المسير" ٨/ ١٥١. وهي قراءة شاذة لعدم صحة سندها؛ ولعدم ذكرها في كتب القراءات المتواترة، ولقراءة من اشتهر بقراءة الشواذ كـ: أبان بن عثمان، وابن أبي عبلة. وعليه لا تكون القراءة بالرفع جائزة، وإن كانت جائزة في العربية عند النحويين.
(٥) في (ع): عمروًا.
(٦) في (ع): عمروا.
(٧) ما بين القوسين ساقط من (أ)، وقد ورد في (ع): عمروًا، فأثبت عمرًا ليوافق ما قبله من الأمثلة
(٨) في (أ): الظالمين، وغير مقروءة في (ع).
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٦٤ بتصرف.
سورة الإنسان
سورة (الإنسان) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الرحمن)، وقد ذكَّرتِ الإنسانَ بأصل خِلْقته، وقدرة الله عليه؛ ليتواضعَ لأمر الله ويستجيب له؛ فاللهُ هو الذي جعل هذا الإنسانَ سميعًا بصيرًا؛ فالواجب المتحتم عليه أن تُجعَلَ هذه الجوارحُ كما أراد لها خالقها وبارئها؛ ليكونَ بذلك حسَنَ الجزاء يوم القيامة، ومَن كفر فمشيئة الله نافذةٌ في عذابه إياه، وقد كان صلى الله عليه وسلم يَقرؤها في فجرِ الجمعة.
ترتيبها المصحفي
76نوعها
مكيةألفاظها
243ترتيب نزولها
98العد المدني الأول
31العد المدني الأخير
31العد البصري
31العد الكوفي
31العد الشامي
31* سورة (الإنسان):
سُمِّيت سورة (الإنسان) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بذكرِ الإنسان وخَلْقِه من عدمٍ.
* سورة {هَلْ أَتَىٰ} أو {هَلْ أَتَىٰ عَلَى اْلْإِنسَٰنِ}:
سُمِّيت بذلك؛ لافتتاحها به.
كان صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة (الإنسان) في فجرِ الجمعة:
عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قرَأَ في صلاةِ الغداةِ يومَ الجمعةِ: {الٓمٓ ١ تَنزِيلُ} السَّجْدةَ، و{هَلْ أَتَىٰ عَلَى اْلْإِنسَٰنِ}». أخرجه مسلم (٨٧٩).
1. نعمة الخَلْق والهداية (١-٣).
2. مصير الكفار (٤).
3. جزاء الأبرار (٥-٢٢).
4. توجيهٌ للنبي عليه السلام (٢٣-٢٦).
5. وعيدٌ للمشركين (٢٧-٢٨).
6. مشيئة الله تعالى نافذة (٢٩-٣١).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /511).
مقصود السورة الأعظمُ تذكيرُ الناس بأصل خِلْقَتِهم، وأنَّ الله أوجَدهم من عدم، وبَعْثُهم بعد أن أوجَدهم أسهَلُ من إيجادهم؛ ففي ذلك أكبَرُ دلالةٍ على قدرة الله على إحياء الناس وحسابهم.
وفي ذلك يقول ابن عاشور رحمه الله: «محورها التذكيرُ بأنَّ كل إنسان كُوِّنَ بعد أن لم يكُنْ، فكيف يَقضي باستحالة إعادة تكوينه بعد عدمه؟
وإثبات أن الإنسان محقوقٌ بإفراد الله بالعبادة؛ شكرًا لخالقه، ومُحذَّرٌ من الإشراك به.
وإثبات الجزاء على الحالينِ، مع شيءٍ من وصفِ ذلك الجزاء بحالتيه، والإطنابِ في وصفِ جزاء الشاكرين». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (29 /371).