تفسير سورة الحشر

نيل المرام تفسير آيات الأحكام

تفسير سورة سورة الحشر من كتاب نيل المرام من تفسير آيات الأحكام المعروف بـنيل المرام تفسير آيات الأحكام.
لمؤلفه صديق حسن خان . المتوفي سنة 1307 هـ

سورة الحشر
وهي مدنيّة.
قال القرطبي «١» : في قول الجميع.
[الآية الأولى]
ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ (٥).
ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ (٥) قال مجاهد: إن بعض المهاجرين وقعوا في قطع النخل، فنهاهم بعضهم وقالوا: إنما هي مغانم للمسلمين. وقال الذين قطعوا: بل هو غيظ للعدو، فنزل القرآن بتصديق من نهى عن قطع النخيل وتحليل من قطعه من الإثم.
واختلف المفسرون في تفسير اللينة؟
فقال الزهري ومالك وسعيد بن جبير وعكرمة والخليل: إنها النخل كله إلا العجوة.
وقال الثوري: هي كرام النخل.
وقال أبو عبيدة: إنها جميع ألوان التمر سوى العجوة والبرني.
وقال جعفر بن محمد: إنها العجوة خاصة. وقيل: هي ضرب من النخل.
(٢/ ٦٥، ٦٧)، كفاية الأخيار للحصني (٤١٣، ٤١٨)، جامع الأمهات لابن الحاجب (٣٠٨، ٣١٣)، مغني المحتاج للشربيني (٣/ ٣٥٢، ٣٥٨)، شرح الزركشي لمختصر الخرقي (٥/ ٤٧٨، ٤٨٥)، الروض المربع للبهوتي (٢/ ٣١٠، ٣١٢).
(١) تفسير القرطبي (١٧/ ٢٦٩)، ابن كثير (٤/ ٣١٨)، الطبري (٢٨/ ٢)، النكت (٤/ ١٩٨)، زاد المسير (٨/ ١٨٠)، اللباب (٢٠٦)، الدر المنثور (٦/ ١٧٩).
435
وقال الأصمعي: هي الدقل، وأصل اللينة لونة فقلبت الواو الساكنة ياء لانكسار ما قبلها، وجمع اللينة لين، وقيل: ليان.
وقد استدل بالآية على أن حصون الكفار وديارهم لا بأس بأن تهدم وتحرق وترمى بالمجانيق، وكذلك قطع أشجارهم ونحوها.
وكذا استدل بها على جواز الاجتهاد، وعلى تصويب المجتهدين، والبحث مستوفى في كتب الأصول.
[الآية الثانية] وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦).
وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ: أي ما رده عليه من أموال الكفار، والضمير عائد إلى بني النضير.
فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ يقال: وجف البعير يجف وجفا: وهو سرعة السير، وأوجفه صاحبه إذا حمله على السير السريع.
والركاب: ما يركب من الإبل خاصة.
والمعنى لم تركبوا لتحصيله خيلا ولا إبلا ولا تجشمتم لها مشقة ولا لقيتم به حربا، وإنما كانت من المدينة على ميلين، فجعلها الله سبحانه لرسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم وبارك وسلم خاصة، فإنه افتتحها صلحا وأخذ أموالها، وقد كان يسأله المسلمون أن يقسم لهم فنزلت الآية.
وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ: من أعدائه، وفي هذا بيان أن تلك الأموال كانت خاصة لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم دون أصحابه، لكونهم لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب، بل مشوا إليها مشيا ولم يقاسوا فيها شيئا من شدائد الحروب.
وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦)، يسلط من يشاء على من أراد، ويعطي من يشاء ويمنع من يشاء، لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (٢٣) [الأنبياء: ٢٣].
436
[الآية الثالثة] ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٧) :
ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ: هذا بيان لمصارف الفيء بعد بيان أنه لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خاصة، والتكرير لقصد التقرير والتأكيد.
ووضع مِنْ أَهْلِ الْقُرى، موضع قوله: مِنْهُمْ للإشعار بأن هذا الحكم لا يختص ببني النضير وحدهم، بل هو حكم على كل قرية يفتحها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم صلحا، ولم يوجف عليها المسلمون بخيل ولا ركاب.
والمراد بالقرى بنو النضير وقريظة وفدك وخيبر.
وقد تكلم أهل العلم في هذه الآية والتي قبلها: هل معناهما متفق أو مختلف؟
فقيل: معناهما متفق كما ذكرنا، وقيل: مختلف. وفي ذلك كلام لأهل العلم طويل.
قال ابن العربي: لا إشكال في أنها ثلاثة معان في ثلاث آيات:
أما الآية الأولى وهي قوله: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فهي خاصة لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، خالصة له وهي أموال بني النضير وما كان مثلها.
وأما الآية الثانية وهي: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فهذا كلام مبتدأ غير الأول المستحق غير الأول، وإن اشتركت هي والأولى في أن كل واحدة منهما تضمنت شيئا أفاءه الله على رسوله، واقتضت الآية الأولى أنه حاصل بغير قتال، واقتضت آية الأنفال وهي الآية الثالثة أنه حاصل بقتال، [وعريت] «١» الآية الثانية وهي: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى عن ذكر حصوله بقتال أو بغير قتال، فنشأ الخلاف من هاهنا:
فطائفة قالت: هي ملحقة بالأولى وهي مال الصلح.
(١) وقع في «المطبوعة» (وأعربت) وهو خطأ واضح، والتصويب من فتح القدير (٥/ ٩٨).
437
وطائفة قالت: هي ملحقة بالثالثة وهي آية الأنفال، والذين قالوا إنها ملحقة باية الأنفال اختلفوا هل هي منسوخة؟ أو محكمة؟ هذا أصل كلامه.
وقال مالك: إن الآية الأولى من هذه السورة خاصة برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، والآية الثانية هي في بني قريظة، يعني أن معناها يعود إلى آية الأنفال.
ومذهب الشافعي أن سبيل خمس الفيء سبيل خمس الغنيمة، وأن أربعة أخماسه كانت للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وهي بعده لمصالح المسلمين.
فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ: المراد بقوله: فَلِلَّهِ أنه يحكم فيه بما يشاء، وللرسول ويكون ملكا له، ولذي القربى، وهم بنو هاشم وبنو المطلب، لأنهم قد منعوا من الصدقة فجعل لهم حقا في الفيء، قيل: تكون القسمة في هذا المال على أن تكون أربعة أخماسه لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وخمسه يقسم أخماسا للرسول خمس ولكل صنف من الأصناف الأربعة المذكورة خمس. وقيل: يقسم أسداسا، السادس سهم الله سبحانه، ويصرف إلى وجوه القرب، كعمارة المساجد ونحو ذلك.
كَيْ لا يَكُونَ: أي الفيء.
دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ دون الفقراء.
والدولة: اسم للشيء يتداوله القوم بينهم يكون لهذا مرة ولهذا مرة.
قال مقاتل: المعنى أنه يغلب الأغنياء الفقراء فيقسمونه بينهم ثم لما بين لهم سبحانه مصارف هذا المال أمرهم بالاقتداء برسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال:
وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ: أي ما أعطاكم من مال الغنيمة.
فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ: أي عن أخذه.
فَانْتَهُوا عنه ولا تأخذوه.
قال الحسن والسدي: ما أعطاكم من مال الفيء فاقبلوه، وما منعكم منه فلا تطلبوه.
وقال ابن جريج: ما أتاكم من طاعتي فافعلوا وما نهاكم عنه من معصيتي فاجتنبوه.
438
والحق أن هذه الآية عامة في كل شيء يأتي به رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من أمر أو نهي أو قول أو فعل، وإن كان السبب خاصا فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وكل شيء أتانا به من الشرع فقد أعطانا إياه وأوصله إلينا، وما أنفع هذه الآية وأكثر فائدتها «١».
ثم لما أمرهم بأخذ ما أمرهم بأخذه الرسول وترك ما نهاهم عنه أمرهم بتقواه وخوفهم شدة عقوبته فقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ فهو معاقب لمن لم يأخذ ما آتاه الرسول ولم يترك ما نهاه عنه.
(١) انظر: الأحكام لابن العربي (٤/ ١٧٦٠)، والناسخ والمنسوخ (٢/ ٨٨٤)، زاد المسير (٨/ ٢٠٩)، المجاز لأبي عبيدة (٢/ ٢٥٦)، الطبري (٢٨/ ٢٤)، النكت (٤/ ٢١٠)، القرطبي (١٨/ ١٠)، الفراء (٣/ ١٤٤)، والروضة الندية للمصنف (٢/ ٣٤٢)، فتح القدير (٥/ ٩٨).
439
سورة الحشر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الحشر) من السُّوَر المدنية، من (المسبِّحات)، وهي التي تبدأ بـ {سَبَّحَ}، نزلت بعد سورة (البيِّنة)، وقد نزلت في إجلاء يهودِ (بني النَّضير)، وأشارت إلى تاريخِ اليهود المليء بالخيانات، وعدم الالتزام بالمواثيق والعهود، وتعرَّضت لحُكْمِ (الفَيْء)، وقد افتُتحت بمقصدٍ عظيم؛ وهو تنزيهُ الله عزَّ وجلَّ عن كل نقص، وإثبات كلِّ كمال له سبحانه؛ فهو المستحِقُّ لصفات الألوهيَّة والربوبيَّة.

ترتيبها المصحفي
59
نوعها
مدنية
ألفاظها
447
ترتيب نزولها
101
العد المدني الأول
24
العد المدني الأخير
24
العد البصري
24
العد الكوفي
24
العد الشامي
24

* نزَلتْ سورة (الحشر) في يهودِ (بني النَّضير):

عن سعيدِ بن جُبَيرٍ رحمه الله، قال: «قلتُ لابنِ عباسٍ: سورةُ التَّوْبةِ؟ قال: التَّوْبةُ هي الفاضحةُ، ما زالت تَنزِلُ: {وَمِنْهُمْ} {وَمِنْهُمْ} حتى ظَنُّوا أنَّها لن تُبقِيَ أحدًا منهم إلا ذُكِرَ فيها، قال: قلتُ: سورةُ الأنفالِ؟ قال: نزَلتْ في بَدْرٍ، قال: قلتُ: سورةُ الحَشْرِ؟ قال: نزَلتْ في بني النَّضِيرِ». أخرجه البخاري (٤٨٨٢).

* قوله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي اْلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي اْلْأَرْضِۖ وَهُوَ اْلْعَزِيزُ اْلْحَكِيمُ ١ هُوَ اْلَّذِيٓ أَخْرَجَ اْلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ اْلْكِتَٰبِ مِن دِيَٰرِهِمْ لِأَوَّلِ اْلْحَشْرِۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْۖ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اْللَّهِ فَأَتَىٰهُمُ اْللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ اْلرُّعْبَۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي اْلْمُؤْمِنِينَ فَاْعْتَبِرُواْ يَٰٓأُوْلِي اْلْأَبْصَٰرِ} [الحشر: 1-2]:

عن عائشةَ رضي الله عنها، قالت: «كانت غَزْوةُ بني النَّضِيرِ - وهم طائفةٌ مِن اليهودِ - على رأسِ ستَّةِ أشهُرٍ مِن وَقْعةِ بَدْرٍ، وكان مَنزِلُهم ونَخْلُهم بناحيةِ المدينةِ، فحاصَرَهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حتى نزَلوا على الجَلاءِ، وعلى أنَّ لهم ما أقَلَّتِ الإبلُ مِن الأمتعةِ والأموالِ، إلا الحَلَقةَ؛ يَعني: السِّلاحَ؛ فأنزَلَ اللهُ فيهم: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي اْلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي اْلْأَرْضِۖ} [الحشر: 1] إلى قولِه: {لِأَوَّلِ اْلْحَشْرِۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْۖ} [الحشر: 2]، فقاتَلَهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم حتى صالَحَهم على الجَلاءِ، فأَجْلاهم إلى الشَّامِ، وكانوا مِن سِبْطٍ لم يُصِبْهم جَلاءٌ فيما خلا، وكان اللهُ قد كتَبَ عليهم ذلك، ولولا ذلك لعذَّبَهم في الدُّنيا بالقتلِ والسَّبْيِ، وأمَّا قولُه: {لِأَوَّلِ اْلْحَشْرِۚ} [الحشر: 2]، فكان جَلاؤُهم ذلك أوَّلَ حَشْرٍ في الدُّنيا إلى الشَّامِ». أخرجه الحاكم (3850).

* قوله تعالى: {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اْللَّهِ وَلِيُخْزِيَ اْلْفَٰسِقِينَ} [الحشر: 5]:

عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: «حرَّقَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَخْلَ بني النَّضِيرِ وقطَعَ، وهي البُوَيرةُ؛ فنزَلتْ: {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اْللَّهِ} [الحشر: 5]». أخرجه البخاري (٤٠٣١).

* قوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٞۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]:

عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه: «أنَّ رجُلًا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فبعَثَ إلى نسائِه، فقُلْنَ: ما معنا إلا الماءُ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَن يضُمُّ أو يُضِيفُ هذا؟»، فقال رجُلٌ مِن الأنصارِ: أنا، فانطلَقَ به إلى امرأتِه، فقال: أكرِمي ضيفَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما عندنا إلا قُوتُ صِبْياني، فقال: هَيِّئي طعامَكِ، وأصبِحي سِراجَكِ، ونَوِّمي صِبْيانَكِ إذا أرادوا عَشاءً، فهيَّأتْ طعامَها، وأصبَحتْ سِراجَها، ونوَّمتْ صِبْيانَها، ثم قامت كأنَّها تُصلِحُ سِراجَها فأطفأته، فجعَلَا يُرِيانِه أنَّهما يأكُلانِ، فبَاتَا طاوِيَينِ، فلمَّا أصبَحَ غَدَا إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: «ضَحِكَ اللهُ اللَّيلةَ - أو عَجِبَ - مِن فَعالِكما»؛ فأنزَلَ اللهُ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٞۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]». أخرجه البخاري (٣٧٩٨).

* سورةُ (الحَشْر):

سُمِّيت سورةُ (الحَشْر) بذلك؛ لوقوع لفظِ (الحشر) فيها؛ قال تعالى: {هُوَ اْلَّذِيٓ أَخْرَجَ اْلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ اْلْكِتَٰبِ مِن دِيَٰرِهِمْ لِأَوَّلِ اْلْحَشْرِۚ} [الحشر: 2].

والمراد بـ(الحَشْر) هنا: إخراجُ (بني النَّضِير)، لا يومُ القيامة.

* سورة (بني النَّضِير):

وسُمِّيت بذلك؛ لاشتمالها على قِصَّة إجلاء يهودِ (بني النَّضير).

1. إجلاء بني النَّضير (١-٥).

2. حُكْمُ الفَيء (٦-١٧).

3. التقوى، قوة القرآن، أسماء الله الحسنى (١٨-٢٤).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /60).

مقصودُ سورة (الحشر) تنزيهُ الله عز وجل عن كلِّ النقائص، وإثباتُ الكمال المطلق له؛ فهو الإله المستحِقُّ للعبادة؛ لكمال اتصافه بالقدرة الشاملة والحِكْمة البالغة، وهذه دعوةٌ لتوحيد الرُّبوبية والألوهية له سبحانه.

ويذكُرُ ابنُ عاشور أنَّ السورة جاءت لبيان: «حُكْم أموال بني النَّضير بعد الانتصار عليهم»، ثم يقول في بيان مقاصدها: «وقد اشتملت على أن ما في السموات وما في الأرض دالٌّ على تنزيه الله، وكونِ ما في السموات والأرض مِلْكَه، وأنه الغالب المدبِّر.

وعلى ذِكْرِ نعمة الله على ما يسَّر من إجلاء بني النَّضير مع ما كانوا عليه من المَنَعةِ والحصون والعُدَّة؛ وتلك آيةٌ من آيات تأييد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغَلَبَتِه على أعدائه.

وذِكْرِ ما أجراه المسلمون من إتلافِ أموال بني النَّضير، وأحكام ذلك في أموالهم، وتعيين مستحِقِّيه من المسلمين». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (28 /63).

وينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /72).