تفسير سورة الحشر

تفسير الجلالين

تفسير سورة سورة الحشر من كتاب تفسير الجلالين المعروف بـتفسير الجلالين.
لمؤلفه المَحَلِّي . المتوفي سنة 864 هـ

﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْض﴾ أَيْ نَزَّهَهُ فَاللَّام مَزِيدَة وَفِي الْإِتْيَان بِمَا تَغْلِيب لِلْأَكْثَرِ ﴿وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم﴾ فِي ملكه وصنعه
﴿هُوَ الَّذِي أَخَرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْل الْكِتَاب﴾ هُمْ بَنُو النَّضِير مِنْ الْيَهُود ﴿مِنْ دِيَارهمْ﴾ مَسَاكِنهمْ بِالْمَدِينَةِ ﴿لِأَوَّلِ الْحَشْر﴾ هُوَ حَشْرهمْ إلَى الشَّام وَآخِره أَنْ أَجْلَاهُمْ عُمَر فِي خِلَافَته إلَى خَيْبَر ﴿مَا ظَنَنْتُمْ﴾ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ ﴿أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتهمْ﴾ خَبَر أَنْ ﴿حُصُونهمْ﴾ فَاعِله تَمَّ بِهِ الْخَبَر ﴿مِنْ اللَّه﴾ مِنْ عَذَابه ﴿فَأَتَاهُمْ اللَّه﴾ أَمْره وَعَذَابه ﴿مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا﴾ لَمْ يَخْطِر بِبَالِهِمْ مِنْ جِهَة الْمُؤْمِنِينَ ﴿وَقَذَفَ﴾ أَلْقَى ﴿فِي قُلُوبهمْ الرُّعْب﴾ بِسُكُونِ الْعَيْن وَضَمّهَا الْخَوْف بِقَتْلِ سَيِّدهمْ كَعْب بْن الْأَشْرَف ﴿يُخْرِبُونَ﴾ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف مِنْ أَخْرَبَ ﴿بُيُوتهمْ﴾ لِيَنْقُلُوا مَا اسْتَحْسَنُوهُ مِنْهَا مِنْ خَشَب وغيره ﴿بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار﴾
﴿وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّه﴾ قَضَى ﴿عَلَيْهِمْ الْجَلَاء﴾ الْخُرُوج مِنْ الْوَطَن ﴿لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا﴾ بِالْقَتْلِ والسبي كما فعل بقريظة من اليهود ﴿ولهم في الآخرة عذاب النار﴾
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا﴾ خَالَفُوا ﴿اللَّه وَرَسُوله وَمَنْ يُشَاقّ اللَّه فَإِنَّ اللَّه شَدِيد الْعِقَاب﴾ لَهُ
﴿مَا قَطَعْتُمْ﴾ يَا مُسْلِمُونَ ﴿مِنْ لِينَة﴾ نَخْلَة ﴿أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَة عَلَى أُصُولهَا فَبِإِذْنِ اللَّه﴾ أَيْ خَيَّرَكُمْ فِي ذَلِكَ ﴿وَلِيُخْزِيَ﴾ بِالْإِذْنِ فِي الْقَطْع ﴿الْفَاسِقِينَ﴾ الْيَهُود فِي اعْتِرَاضهمْ أَنَّ قَطْع الشَّجَر الْمُثْمِر فَسَاد
﴿وَمَا أَفَاءَ﴾ رَدَّ ﴿اللَّه عَلَى رَسُوله مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ﴾ أَسْرَعْتُمْ يَا مُسْلِمُونَ ﴿عَلَيْهِ مِنْ﴾ زَائِدَة ﴿خَيْل وَلَا رِكَاب﴾ إبِل أَيْ لَمْ تُقَاسُوا فِيهِ مَشَقَّة ﴿وَلَكِنَّ اللَّه يُسَلِّط رُسُله عَلَى مَنْ يَشَاء وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير﴾ فَلَا حَقّ لَكُمْ فِيهِ وَيَخْتَصّ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ فِي الْآيَة الثَّانِيَة مِنْ الْأَصْنَاف الْأَرْبَعَة عَلَى مَا كَانَ يَقْسِمهُ مِنْ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ خُمُس الْخُمُس وَلَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَاقِي يَفْعَل فِيهِ مَا يَشَاء فَأَعْطَى مِنْهُ الْمُهَاجِرِينَ وَثَلَاثَة مِنْ الْأَنْصَار لِفَقْرِهِمْ
﴿مَا أَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُوله مِنْ أَهْل الْقُرَى﴾ كَالصَّفْرَاءِ وَوَادِي الْقُرَى وَيَنْبُع ﴿فَلِلَّهِ﴾ يَأْمُر فيه بما يشاء ﴿وللرسول وَلِذِي﴾ صَاحِب ﴿الْقُرْبَى﴾ قَرَابَة النَّبِيّ مِنْ بَنِي هَاشِم وَبَنِي الْمُطَّلِب ﴿وَالْيَتَامَى﴾ أَطْفَال الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ هَلَكَتْ آبَاؤُهُمْ وَهُمْ فُقَرَاء ﴿وَالْمَسَاكِين﴾ ذَوِي الْحَاجَة مِنْ المسلمين ﴿وبن السَّبِيل﴾ الْمُنْقَطِع فِي سَفَره مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَيْ يَسْتَحِقّهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَصْنَاف الْأَرْبَعَة عَلَى مَا كَانَ يَقْسِمهُ مِنْ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَة خُمُس الْخُمُس وَلَهُ الْبَاقِي ﴿كَيْ لَا﴾ كَيْ بِمَعْنَى اللَّام وَأَنْ مُقَدَّرَة بَعْدهَا ﴿يَكُون﴾ الْفَيْء عِلَّة لِقَسْمِهِ كَذَلِكَ ﴿دُولَة﴾ متداولا ﴿بين الأغنياء منكم وما آتاكم﴾ أعطاكم ﴿الرسول﴾ من الفيء وغيره ﴿فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب﴾
﴿لِلْفُقَرَاءِ﴾ مُتَعَلِّق بِمَحْذُوفٍ أَيْ اعْجَبُوا ﴿الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّه وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّه وَرَسُوله أُولَئِكَ هُمْ الصادقون﴾ في إيمانهم
﴿والذين تبوؤوا الدَّار﴾ أَيْ الْمَدِينَة ﴿وَالْإِيمَان﴾ أَيْ أَلِفُوهُ وَهُمْ الْأَنْصَار ﴿مِنْ قَبْلهمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورهمْ حَاجَة﴾ حَسَدًا ﴿مِمَّا أُوتُوا﴾ أَيْ آتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ أَمْوَال بَنِي النَّضِير الْمُخْتَصَّة بِهِمْ ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسهمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة﴾ حَاجَة إلَى مَا يُؤْثِرُونَ بِهِ ﴿وَمَنْ يوق شح نفسه﴾ حرصها على المال {فأولئك هم المفلحون
731
١ -
732
﴿والذين جاؤوا مِنْ بَعْدهمْ﴾ مِنْ بَعْد الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار إلَى يَوْم الْقِيَامَة ﴿يَقُولُونَ رَبّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا﴾ حقدا ﴿للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم﴾
١ -
﴿أَلَمْ تَرَ﴾ تَنْظُر ﴿إلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْل الْكِتَاب﴾ وَهُمْ بَنُو النَّضِير وَإِخْوَانهمْ فِي الْكُفْر ﴿لَئِنْ﴾ لَام قَسَم فِي الْأَرْبَعَة ﴿أُخْرِجْتُمْ﴾ مِنْ الْمَدِينَة ﴿لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيع فِيكُمْ﴾ فِي خِذْلَانكُمْ ﴿أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ﴾ حُذِفَتْ مِنْهُ اللَّام الْمُوَطِّئَة ﴿لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون﴾
١ -
﴿لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم﴾ أي جاؤوا لِنَصْرِهِمْ ﴿لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَار﴾ وَاسْتُغْنِيَ بِجَوَابِ الْقَسَم الْمُقَدَّر عَنْ جَوَاب الشَّرْط فِي الْمَوَاضِع الْخَمْسَة ﴿ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ﴾ أَيْ الْيَهُود
١ -
﴿لَأَنْتُمْ أَشَدّ رَهْبَة﴾ خَوْفًا ﴿فِي صُدُورهمْ﴾ أَيْ المنافقين ﴿من الله﴾ لتأخير عذابه ﴿ذلك بأنهم قوم لا يفقهون﴾
١ -
﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ أَيْ الْيَهُود ﴿جَمِيعًا﴾ مُجْتَمِعِينَ ﴿إلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَة أَوْ مِنْ وَرَاء جِدَار﴾ سُور وَفِي قِرَاءَة جُدُر ﴿بَأْسهمْ﴾ حَرْبهمْ ﴿بَيْنهمْ شَدِيد تَحْسَبهُمْ جَمِيعًا﴾ مُجْتَمِعِينَ ﴿وَقُلُوبهمْ شَتَّى﴾ مُتَفَرِّقَة خلاف الحسبان ﴿ذلك بأنهم قوم لا يعقلون﴾
١ -
فِي تَرْك الْإِيمَان ﴿كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ قَرِيبًا﴾ بِزَمَنٍ قَرِيب وَهُمْ أَهْل بَدْر مِنْ الْمُشْرِكِينَ ﴿ذَاقُوا وَبَال أَمْرهمْ﴾ عُقُوبَته فِي الدُّنْيَا مِنْ الْقَتْل وَغَيْره ﴿وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم﴾ مُؤْلِم في الآخرة
732
١ -
733
مَثَلهمْ أَيْضًا فِي سَمَاعهمْ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَتَخَلُّفهمْ عَنْهُمْ ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَان إذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اُكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إنِّي بَرِيء مِنْك إنِّي أَخَاف اللَّه رَبّ الْعَالَمِينَ﴾ كَذِبًا مِنْهُ وَرِيَاء
١ -
﴿فَكَانَ عَاقِبَتهمَا﴾ أَيْ الْغَاوِي وَالْمُغْوِي وَقُرِئَ بِالرَّفْعِ اسْم كَانَ ﴿أَنَّهُمَا فِي النَّار خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ﴾ أَيْ الْكَافِرِينَ
١ -
﴿يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّه وَلْتَنْظُرْ نفس ما قدمت لغد﴾ ليوم القيامة ﴿وَاتَّقُوا اللَّه إنَّ اللَّه خَبِير بِمَا تَعْمَلُونَ﴾
١ -
﴿وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ نَسُوا اللَّه﴾ تَرَكُوا طَاعَته ﴿فأنساهم أنفسهم﴾ أن يقدموا لها خيرا ﴿أولئك هم الفاسقون﴾
٢ -
﴿لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون﴾
٢ -
﴿لَوْ أَنَزَلْنَا هَذَا الْقُرْآن عَلَى جَبَل﴾ وَجُعِلَ فِيهِ تَمْيِيز كَالْإِنْسَانِ ﴿لَرَأَيْته خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا﴾ مُتَشَقِّقًا ﴿مِنْ خَشْيَة اللَّه وَتِلْكَ الْأَمْثَال﴾ الْمَذْكُورَة ﴿نَضْرِبهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ فَيُؤْمِنُونَ
٢ -
﴿هُوَ اللَّه الَّذِي لَا إلَه إلَّا هُوَ عالم الغيب والشهادة﴾ السر والعلانية {هو الرحمن الرحيم
733
٢ -
734
﴿هُوَ اللَّه الَّذِي لَا إلَه إلَّا هُوَ الْمَلِك الْقُدُّوس﴾ الطَّاهِر عَمَّا لَا يَلِيق بِهِ ﴿السَّلَام﴾ ذُو السَّلَامَة مِنْ النَّقَائِص ﴿الْمُؤْمِن﴾ الْمُصَدِّق رُسُله بِخَلْقِ الْمُعْجِزَة لَهُمْ ﴿الْمُهَيْمِن﴾ مِنْ هَيْمَنَ يُهَيْمِن إذَا كَانَ رَقِيبًا عَلَى الشَّيْء أَيْ الشَّهِيد عَلَى عِبَاده بِأَعْمَالِهِمْ ﴿الْعَزِيز﴾ الْقَوِيّ ﴿الْجَبَّار﴾ جَبَرَ خَلْقه عَلَى مَا أَرَادَ ﴿الْمُتَكَبِّر﴾ عَمَّا لَا يَلِيق بِهِ ﴿سُبْحَان اللَّه﴾ نَزَّهَ نَفْسه ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ بِهِ
٢ -
﴿هُوَ اللَّه الْخَالِق الْبَارِئ﴾ الْمُنْشِئ مِنْ الْعَدِم ﴿الْمُصَوِّر لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى﴾ التِّسْعَة وَالتِّسْعُونَ الْوَارِد بِهَا الْحَدِيث وَالْحُسْنَى مُؤَنَّث الْأَحْسَن ﴿يُسَبِّح لَهُ ما في السماوات وَالْأَرْض وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم﴾ تَقَدَّمَ أَوَّلهَا = ٦٠ سُورَة الممتحنة
سورة الحشر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الحشر) من السُّوَر المدنية، من (المسبِّحات)، وهي التي تبدأ بـ {سَبَّحَ}، نزلت بعد سورة (البيِّنة)، وقد نزلت في إجلاء يهودِ (بني النَّضير)، وأشارت إلى تاريخِ اليهود المليء بالخيانات، وعدم الالتزام بالمواثيق والعهود، وتعرَّضت لحُكْمِ (الفَيْء)، وقد افتُتحت بمقصدٍ عظيم؛ وهو تنزيهُ الله عزَّ وجلَّ عن كل نقص، وإثبات كلِّ كمال له سبحانه؛ فهو المستحِقُّ لصفات الألوهيَّة والربوبيَّة.

ترتيبها المصحفي
59
نوعها
مدنية
ألفاظها
447
ترتيب نزولها
101
العد المدني الأول
24
العد المدني الأخير
24
العد البصري
24
العد الكوفي
24
العد الشامي
24

* نزَلتْ سورة (الحشر) في يهودِ (بني النَّضير):

عن سعيدِ بن جُبَيرٍ رحمه الله، قال: «قلتُ لابنِ عباسٍ: سورةُ التَّوْبةِ؟ قال: التَّوْبةُ هي الفاضحةُ، ما زالت تَنزِلُ: {وَمِنْهُمْ} {وَمِنْهُمْ} حتى ظَنُّوا أنَّها لن تُبقِيَ أحدًا منهم إلا ذُكِرَ فيها، قال: قلتُ: سورةُ الأنفالِ؟ قال: نزَلتْ في بَدْرٍ، قال: قلتُ: سورةُ الحَشْرِ؟ قال: نزَلتْ في بني النَّضِيرِ». أخرجه البخاري (٤٨٨٢).

* قوله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي اْلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي اْلْأَرْضِۖ وَهُوَ اْلْعَزِيزُ اْلْحَكِيمُ ١ هُوَ اْلَّذِيٓ أَخْرَجَ اْلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ اْلْكِتَٰبِ مِن دِيَٰرِهِمْ لِأَوَّلِ اْلْحَشْرِۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْۖ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اْللَّهِ فَأَتَىٰهُمُ اْللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ اْلرُّعْبَۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي اْلْمُؤْمِنِينَ فَاْعْتَبِرُواْ يَٰٓأُوْلِي اْلْأَبْصَٰرِ} [الحشر: 1-2]:

عن عائشةَ رضي الله عنها، قالت: «كانت غَزْوةُ بني النَّضِيرِ - وهم طائفةٌ مِن اليهودِ - على رأسِ ستَّةِ أشهُرٍ مِن وَقْعةِ بَدْرٍ، وكان مَنزِلُهم ونَخْلُهم بناحيةِ المدينةِ، فحاصَرَهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حتى نزَلوا على الجَلاءِ، وعلى أنَّ لهم ما أقَلَّتِ الإبلُ مِن الأمتعةِ والأموالِ، إلا الحَلَقةَ؛ يَعني: السِّلاحَ؛ فأنزَلَ اللهُ فيهم: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي اْلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي اْلْأَرْضِۖ} [الحشر: 1] إلى قولِه: {لِأَوَّلِ اْلْحَشْرِۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْۖ} [الحشر: 2]، فقاتَلَهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم حتى صالَحَهم على الجَلاءِ، فأَجْلاهم إلى الشَّامِ، وكانوا مِن سِبْطٍ لم يُصِبْهم جَلاءٌ فيما خلا، وكان اللهُ قد كتَبَ عليهم ذلك، ولولا ذلك لعذَّبَهم في الدُّنيا بالقتلِ والسَّبْيِ، وأمَّا قولُه: {لِأَوَّلِ اْلْحَشْرِۚ} [الحشر: 2]، فكان جَلاؤُهم ذلك أوَّلَ حَشْرٍ في الدُّنيا إلى الشَّامِ». أخرجه الحاكم (3850).

* قوله تعالى: {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اْللَّهِ وَلِيُخْزِيَ اْلْفَٰسِقِينَ} [الحشر: 5]:

عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: «حرَّقَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَخْلَ بني النَّضِيرِ وقطَعَ، وهي البُوَيرةُ؛ فنزَلتْ: {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اْللَّهِ} [الحشر: 5]». أخرجه البخاري (٤٠٣١).

* قوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٞۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]:

عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه: «أنَّ رجُلًا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فبعَثَ إلى نسائِه، فقُلْنَ: ما معنا إلا الماءُ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَن يضُمُّ أو يُضِيفُ هذا؟»، فقال رجُلٌ مِن الأنصارِ: أنا، فانطلَقَ به إلى امرأتِه، فقال: أكرِمي ضيفَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما عندنا إلا قُوتُ صِبْياني، فقال: هَيِّئي طعامَكِ، وأصبِحي سِراجَكِ، ونَوِّمي صِبْيانَكِ إذا أرادوا عَشاءً، فهيَّأتْ طعامَها، وأصبَحتْ سِراجَها، ونوَّمتْ صِبْيانَها، ثم قامت كأنَّها تُصلِحُ سِراجَها فأطفأته، فجعَلَا يُرِيانِه أنَّهما يأكُلانِ، فبَاتَا طاوِيَينِ، فلمَّا أصبَحَ غَدَا إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: «ضَحِكَ اللهُ اللَّيلةَ - أو عَجِبَ - مِن فَعالِكما»؛ فأنزَلَ اللهُ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٞۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]». أخرجه البخاري (٣٧٩٨).

* سورةُ (الحَشْر):

سُمِّيت سورةُ (الحَشْر) بذلك؛ لوقوع لفظِ (الحشر) فيها؛ قال تعالى: {هُوَ اْلَّذِيٓ أَخْرَجَ اْلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ اْلْكِتَٰبِ مِن دِيَٰرِهِمْ لِأَوَّلِ اْلْحَشْرِۚ} [الحشر: 2].

والمراد بـ(الحَشْر) هنا: إخراجُ (بني النَّضِير)، لا يومُ القيامة.

* سورة (بني النَّضِير):

وسُمِّيت بذلك؛ لاشتمالها على قِصَّة إجلاء يهودِ (بني النَّضير).

1. إجلاء بني النَّضير (١-٥).

2. حُكْمُ الفَيء (٦-١٧).

3. التقوى، قوة القرآن، أسماء الله الحسنى (١٨-٢٤).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /60).

مقصودُ سورة (الحشر) تنزيهُ الله عز وجل عن كلِّ النقائص، وإثباتُ الكمال المطلق له؛ فهو الإله المستحِقُّ للعبادة؛ لكمال اتصافه بالقدرة الشاملة والحِكْمة البالغة، وهذه دعوةٌ لتوحيد الرُّبوبية والألوهية له سبحانه.

ويذكُرُ ابنُ عاشور أنَّ السورة جاءت لبيان: «حُكْم أموال بني النَّضير بعد الانتصار عليهم»، ثم يقول في بيان مقاصدها: «وقد اشتملت على أن ما في السموات وما في الأرض دالٌّ على تنزيه الله، وكونِ ما في السموات والأرض مِلْكَه، وأنه الغالب المدبِّر.

وعلى ذِكْرِ نعمة الله على ما يسَّر من إجلاء بني النَّضير مع ما كانوا عليه من المَنَعةِ والحصون والعُدَّة؛ وتلك آيةٌ من آيات تأييد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغَلَبَتِه على أعدائه.

وذِكْرِ ما أجراه المسلمون من إتلافِ أموال بني النَّضير، وأحكام ذلك في أموالهم، وتعيين مستحِقِّيه من المسلمين». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (28 /63).

وينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /72).