تفسير سورة الحشر

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم

تفسير سورة سورة الحشر من كتاب الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
لمؤلفه الكَازَرُوني . المتوفي سنة 923 هـ

لَمَّا نهانا عن تولي الكفار لشؤم مآلهم، مِنْ حُلُو بعض وبالهم فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴾: كما مر ﴿ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ ﴾: بني النضير بعد غدرهم ﴿ مِن دِيَارِهِمْ ﴾: المدينة ﴿ لأَوَّلِ ﴾: أي: عند أول ﴿ ٱلْحَشْرِ ﴾: وهو حشرهم إلى الشام وآخره أن يحشر الخلق إليه فتقوم الساعة عليهم فيه، أو نار تحشرهم إلى الشام، أو نار تخرجهم وقت قيامها من المشرق إلى الغرب، تبيت وتقليل معهم وتأكل من تخلف ولا ترى بالنهار، والحشر إخراج جمع من مكان إلى آخر ﴿ مَا ظَنَنتُمْ ﴾: أيها المؤمنون ﴿ أَن يَخْرُجُواْ ﴾: لقوتهم ﴿ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ ﴾: أي: بأسه ﴿ فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ ﴾: أي: عذابه ﴿ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ ﴾: لم يخطر ببالهم ﴿ وَقَذَفَ ﴾: ألقى ﴿ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ ﴾: الخوف حال كونهم ﴿ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ ﴾: من الداخل لسد ما خرجه المؤمنون ﴿ وَأَيْدِي ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾: كانوا يخربونها من الخارج ليدخلوها ﴿ فَٱعْتَبِرُواْ ﴾: بها ﴿ يٰأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ ﴾: أي: ذوي البصائر والعقول، وفي الآية دليل وجود القياس ﴿ وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ ﴾: قدر ﴿ ٱللَّهُ عَلَيْهِمُ ٱلْجَلاَءَ ﴾: الخروج المذكور، والفرق بينهما الجلاء بخروج جماعة ﴿ لَعَذَّبَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا ﴾: ببليات آخر ﴿ وَلَهُمْ ﴾: كلام مستأنف ﴿ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابُ ٱلنَّارِ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ﴾: خالفوا ﴿ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَآقِّ ٱللَّهَ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ ﴾: له ﴿ مَا ﴾: أي: شيء ﴿ قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ ﴾: هي ضروب النخل غير العجوة والبرنية، وهما أجود النخل خلوها لأنفسهم ﴿ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ ﴾: أمر: ﴿ ٱللَّهِ ﴾ بأمره فلي بإفساد كما زعموا ﴿ وَ ﴾: أذن فيه ﴿ لِيُخْزِيَ ٱلْفَاسِقِينَ ﴾: ولما طلب الصحابة أن يقسم ما حصل منهم بيهم كالغنيمة نزلت ﴿ وَمَآ أَفَآءَ ﴾ أي: رد ﴿ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ ﴾: نافية ﴿ أَوْجَفْتُمْ ﴾: أجريتم ﴿ عَلَيْهِ ﴾: على تحصيله ﴿ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ ﴾: إبل، بل مشيتم نحو ميلين بلا تعب ﴿ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾: فهو للنبي فأعطاه المهاجرين وثلاثة من فقراء الأنصار، وهذا وإن كان كالغنيمة لأنهم حوصروا أياما، وقاتلوا ثم صالحوا لكن لقلة تعبهم أجراه الله تعالى مجرى الفيء ﴿ مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ ﴾: بيان للأول عند الأكثر، والمقصود أنه يخمس وخمس منه ﴿ فَلِلَّهِ ﴾: ذكره للتعظيم ﴿ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ ﴾: من النبي كما مر ﴿ وَٱلْيَتَامَىٰ ﴾: الفقراء المسلمين ﴿ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ ﴾: كما مر ولكل من الأربعة خمس الخمس، والباقي للنبي صلى اله عليه وسلم ﴿ كَيْ لاَ يَكُونَ ﴾: الفيء ﴿ دُولَةً ﴾: متداولا ﴿ بَيْنَ ٱلأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ ﴾: ويحرم الفقراء أو الدولة بالفتح من المالك، بضم الميم، وبالضم من الم لك بكسرها ﴿ وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ ﴾: كالفيء والأمر ﴿ فَخُذُوهُ ﴾: ولا تعصوه ﴿ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ ﴾: فأمره ونهيه أمر الله تعالى ونهيه ﴿ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ ﴾: لمخالفة النبي ﴿ لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ﴾: أخرجهم كفار مكة منهما ﴿ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ ﴾: في إيمانهم ﴿ وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ﴾: ألفوا ولزموا ﴿ ٱلدَّارَ ﴾: المدينة ﴿ وَٱلإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾: قبل هجرتهم يعني الأنصار ﴿ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً ﴾: مجاز عن الطمع والطلب ﴿ مِّمَّآ أُوتُواْ ﴾: أي: المهاجرين من مال بني النضير ﴿ وَيُؤْثِرُونَ ﴾: يقدمون في الحظوظ الدنيوية المهاجرين ﴿ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾: حاج فيها ﴿ وَمَن يُوقَ شُحَّ ﴾: بخل ﴿ نَفْسِهِ ﴾: فلزم الإثيار والإنفاق ﴿ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ * وَٱلَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ ﴾: أي: بعد انقطاع الهجرة وإسلام الأنصار، وهم المؤمنون إلى يوم القيامة ﴿ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ ﴾: بغضا أو حدا ﴿ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾: فيها جليل وجوب محبة الصحابة، وإن من أبغض أحدهم لا حق له في الفيء كما قال مالك. وسأل رجل علي بن الحسين رضي الله تعالى عنه، عن عثمان رضي الله تعالى عنه فقال: أأنت من الفقراء المهاجرين الذين... الآية، فقال: لا، فقال: أأنت منا لذين تبوأوا... الآية، فقال: لا، فقال: فوالله لو لم تكن من أهل الآية الثالثة، يعني، والذي جاءوا... الآية، لتخرجن من الإسلام، وروي نحو ذلك عن ولحده محمد الباقر رضي الله عنه، في عراقي تكلم في الشيخين وعثمان رضي الله تعالى عنهم، الله أمتنا على حبه واحشرنا معهم.
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ ﴾: ابن أبي وأصحابه ﴿ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ ﴾: بني قريظة والنَّضِيْر ﴿ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ ﴾: من المدينة ﴿ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ ﴾: في قتالكم ﴿ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ ﴾: فرضا ﴿ لَيُوَلُّنَّ ٱلأَدْبَارَ ﴾: انهزاما ﴿ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ ﴾: أي: اليهود ﴿ لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً ﴾: أي: مرهوبية ﴿ فِي صُدُورِهِمْ مِّنَ ٱللَّهِ ﴾: على زعمهم لأنهم يخافونكم ولا يخافونه ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ ﴾: عظمته تعالى ﴿ لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾: أي: الفريقان ﴿ جَمِيعاً ﴾: مجتمعين ﴿ إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ ﴾ لفرط خوفهم ﴿ بَأْسُهُمْ ﴾: حربهم ﴿ بَيْنَهُمْ ﴾: بعضهم لبعض ﴿ شَدِيدٌ ﴾: فخوفهم ليس لجبنهم بل بنصر الله لكم ﴿ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً ﴾: متفقين ﴿ وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ﴾: متفرقة لاختلاف مقاصدهم، وهكذا أهل الباطل مجتمعون في عداوة أهل الحق مختلفون في أرائهم ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ ﴾: أمر الله، مثلهم في المغلوبية ﴿ كَمَثَلِ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً ﴾: أي: قتلى بدر ﴿ ذَاقُواْ وَبَالَ ﴾ أي: سواء عاقبة ﴿ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾: مثل المنافقين في إغراء هؤلاء على قتالكم ﴿ كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ﴾: جنسه أو برصيصا، وقصته مشهورة، أو أبو جهل يوم بدر، إذ قال له: " لاغالب لكم " كما مر ﴿ ٱكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ * يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ ﴾: نكّرَها تعميما أو تعريضا بغفلة كلهم عن هذا النظر الواجب ﴿ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾: سمَّاها به لقربها، ونكره تعظيما ﴿ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ ﴾: أي: حقه ﴿ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ﴾: بأن يقدموا لها خيرا ﴿ أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ ﴾: الكاملون في الفسق ﴿ لاَ يَسْتَوِيۤ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ وَأَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ ﴾: حجة لمن لا يقتل المسلم بالكافر ﴿ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ ﴾: بالنعمة ﴿ لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ ﴾ أي: كلفناهُ ﴿ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً ﴾: متشققا ﴿ مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ ﴾: فمال كم لا تخشعون ﴿ وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ ﴾: الغائب عن الحِسِّ والمعدوم ﴿ وَٱلشَّهَادَةِ ﴾: ضدهما ﴿ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ * هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ﴾: البالغ في التنزه عن النقائض ﴿ ٱلسَّلاَمُ ﴾: ذو السلامة من كل نقص ﴿ ٱلْمُؤْمِنُ ﴾: واهب الأمن أو مصدق رسله بخلق معجزاتهم، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أول من يخرج من النار من أهل التوحيد من كان سمي ينبي، فإذا لم يبق منهم قال تعالى: لباقيهم: أنتم المسلمون وأنا السلام، وأنتم المؤمنون وأنا المؤمن، فيخرجهم ببركة هذين الاسمين ﴿ ٱلْمُهَيْمِنُ ﴾: الرقيب على كل شيء ﴿ ٱلْعَزِيزُ ﴾: الغالب ﴿ ٱلْجَبَّارُ ﴾: العظيم، أو جابر خلقه على مراده، أو مصلح حالهم ﴿ ٱلْمُتَكَبِّرُ ﴾: عن كل نقص أو مظهر كبريائه بحق ﴿ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾: إذ لا يشاركه شيء في ذلك ﴿ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَالِقُ ﴾: المقدر للأشياء كما ينبغي ﴿ ٱلْبَارِىءُ ﴾: المنشئ من العدم ﴿ ٱلْمُصَوِّرُ ﴾: موجد صور الخلق ﴿ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ ﴾: التسعة والتسعون، فيدل على محاسن المعاني ﴿ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾: حالاً ومقالاً ﴿ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ﴾: الكامل في القدرة ﴿ ٱلْحَكِيمُ ﴾: الكامل في العلم. واللهُ أعْلَمُ.
سورة الحشر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الحشر) من السُّوَر المدنية، من (المسبِّحات)، وهي التي تبدأ بـ {سَبَّحَ}، نزلت بعد سورة (البيِّنة)، وقد نزلت في إجلاء يهودِ (بني النَّضير)، وأشارت إلى تاريخِ اليهود المليء بالخيانات، وعدم الالتزام بالمواثيق والعهود، وتعرَّضت لحُكْمِ (الفَيْء)، وقد افتُتحت بمقصدٍ عظيم؛ وهو تنزيهُ الله عزَّ وجلَّ عن كل نقص، وإثبات كلِّ كمال له سبحانه؛ فهو المستحِقُّ لصفات الألوهيَّة والربوبيَّة.

ترتيبها المصحفي
59
نوعها
مدنية
ألفاظها
447
ترتيب نزولها
101
العد المدني الأول
24
العد المدني الأخير
24
العد البصري
24
العد الكوفي
24
العد الشامي
24

* نزَلتْ سورة (الحشر) في يهودِ (بني النَّضير):

عن سعيدِ بن جُبَيرٍ رحمه الله، قال: «قلتُ لابنِ عباسٍ: سورةُ التَّوْبةِ؟ قال: التَّوْبةُ هي الفاضحةُ، ما زالت تَنزِلُ: {وَمِنْهُمْ} {وَمِنْهُمْ} حتى ظَنُّوا أنَّها لن تُبقِيَ أحدًا منهم إلا ذُكِرَ فيها، قال: قلتُ: سورةُ الأنفالِ؟ قال: نزَلتْ في بَدْرٍ، قال: قلتُ: سورةُ الحَشْرِ؟ قال: نزَلتْ في بني النَّضِيرِ». أخرجه البخاري (٤٨٨٢).

* قوله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي اْلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي اْلْأَرْضِۖ وَهُوَ اْلْعَزِيزُ اْلْحَكِيمُ ١ هُوَ اْلَّذِيٓ أَخْرَجَ اْلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ اْلْكِتَٰبِ مِن دِيَٰرِهِمْ لِأَوَّلِ اْلْحَشْرِۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْۖ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اْللَّهِ فَأَتَىٰهُمُ اْللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ اْلرُّعْبَۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي اْلْمُؤْمِنِينَ فَاْعْتَبِرُواْ يَٰٓأُوْلِي اْلْأَبْصَٰرِ} [الحشر: 1-2]:

عن عائشةَ رضي الله عنها، قالت: «كانت غَزْوةُ بني النَّضِيرِ - وهم طائفةٌ مِن اليهودِ - على رأسِ ستَّةِ أشهُرٍ مِن وَقْعةِ بَدْرٍ، وكان مَنزِلُهم ونَخْلُهم بناحيةِ المدينةِ، فحاصَرَهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حتى نزَلوا على الجَلاءِ، وعلى أنَّ لهم ما أقَلَّتِ الإبلُ مِن الأمتعةِ والأموالِ، إلا الحَلَقةَ؛ يَعني: السِّلاحَ؛ فأنزَلَ اللهُ فيهم: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي اْلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي اْلْأَرْضِۖ} [الحشر: 1] إلى قولِه: {لِأَوَّلِ اْلْحَشْرِۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْۖ} [الحشر: 2]، فقاتَلَهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم حتى صالَحَهم على الجَلاءِ، فأَجْلاهم إلى الشَّامِ، وكانوا مِن سِبْطٍ لم يُصِبْهم جَلاءٌ فيما خلا، وكان اللهُ قد كتَبَ عليهم ذلك، ولولا ذلك لعذَّبَهم في الدُّنيا بالقتلِ والسَّبْيِ، وأمَّا قولُه: {لِأَوَّلِ اْلْحَشْرِۚ} [الحشر: 2]، فكان جَلاؤُهم ذلك أوَّلَ حَشْرٍ في الدُّنيا إلى الشَّامِ». أخرجه الحاكم (3850).

* قوله تعالى: {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اْللَّهِ وَلِيُخْزِيَ اْلْفَٰسِقِينَ} [الحشر: 5]:

عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: «حرَّقَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَخْلَ بني النَّضِيرِ وقطَعَ، وهي البُوَيرةُ؛ فنزَلتْ: {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اْللَّهِ} [الحشر: 5]». أخرجه البخاري (٤٠٣١).

* قوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٞۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]:

عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه: «أنَّ رجُلًا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فبعَثَ إلى نسائِه، فقُلْنَ: ما معنا إلا الماءُ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَن يضُمُّ أو يُضِيفُ هذا؟»، فقال رجُلٌ مِن الأنصارِ: أنا، فانطلَقَ به إلى امرأتِه، فقال: أكرِمي ضيفَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما عندنا إلا قُوتُ صِبْياني، فقال: هَيِّئي طعامَكِ، وأصبِحي سِراجَكِ، ونَوِّمي صِبْيانَكِ إذا أرادوا عَشاءً، فهيَّأتْ طعامَها، وأصبَحتْ سِراجَها، ونوَّمتْ صِبْيانَها، ثم قامت كأنَّها تُصلِحُ سِراجَها فأطفأته، فجعَلَا يُرِيانِه أنَّهما يأكُلانِ، فبَاتَا طاوِيَينِ، فلمَّا أصبَحَ غَدَا إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: «ضَحِكَ اللهُ اللَّيلةَ - أو عَجِبَ - مِن فَعالِكما»؛ فأنزَلَ اللهُ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٞۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]». أخرجه البخاري (٣٧٩٨).

* سورةُ (الحَشْر):

سُمِّيت سورةُ (الحَشْر) بذلك؛ لوقوع لفظِ (الحشر) فيها؛ قال تعالى: {هُوَ اْلَّذِيٓ أَخْرَجَ اْلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ اْلْكِتَٰبِ مِن دِيَٰرِهِمْ لِأَوَّلِ اْلْحَشْرِۚ} [الحشر: 2].

والمراد بـ(الحَشْر) هنا: إخراجُ (بني النَّضِير)، لا يومُ القيامة.

* سورة (بني النَّضِير):

وسُمِّيت بذلك؛ لاشتمالها على قِصَّة إجلاء يهودِ (بني النَّضير).

1. إجلاء بني النَّضير (١-٥).

2. حُكْمُ الفَيء (٦-١٧).

3. التقوى، قوة القرآن، أسماء الله الحسنى (١٨-٢٤).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /60).

مقصودُ سورة (الحشر) تنزيهُ الله عز وجل عن كلِّ النقائص، وإثباتُ الكمال المطلق له؛ فهو الإله المستحِقُّ للعبادة؛ لكمال اتصافه بالقدرة الشاملة والحِكْمة البالغة، وهذه دعوةٌ لتوحيد الرُّبوبية والألوهية له سبحانه.

ويذكُرُ ابنُ عاشور أنَّ السورة جاءت لبيان: «حُكْم أموال بني النَّضير بعد الانتصار عليهم»، ثم يقول في بيان مقاصدها: «وقد اشتملت على أن ما في السموات وما في الأرض دالٌّ على تنزيه الله، وكونِ ما في السموات والأرض مِلْكَه، وأنه الغالب المدبِّر.

وعلى ذِكْرِ نعمة الله على ما يسَّر من إجلاء بني النَّضير مع ما كانوا عليه من المَنَعةِ والحصون والعُدَّة؛ وتلك آيةٌ من آيات تأييد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغَلَبَتِه على أعدائه.

وذِكْرِ ما أجراه المسلمون من إتلافِ أموال بني النَّضير، وأحكام ذلك في أموالهم، وتعيين مستحِقِّيه من المسلمين». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (28 /63).

وينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /72).