تفسير سورة الطلاق

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم

تفسير سورة سورة الطلاق من كتاب الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
لمؤلفه الكَازَرُوني . المتوفي سنة 923 هـ

لَمَّا ذكَر المَال والأولاد أتبعه بفتنة النساء فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ﴾: ذكره وأر اد به الأمة، لأنه إمامهم ورأسهم ﴿ إِذَا طَلَّقْتُمُ ﴾: أردتم أن تطلقوا ﴿ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾: أي: وقتها وهو طهر لم تمسوها فيه ﴿ وَأَحْصُواْ ﴾: اضبطوا ﴿ ٱلْعِدَّةَ ﴾: للرَّجعة وغيرها ﴿ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ ﴾: فيما أمرتم به ﴿ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ ﴾: مساكنهم إلى انقضائها ﴿ وَلاَ يَخْرُجْنَ ﴾: منها استبدادا، فلو اتفقا على خروجها جاز ﴿ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ ﴾: كزنا أو إيذاء أهل الزوج ﴿ مُّبَيِّنَةٍ ﴾: فتخرج للحد وغيره ﴿ وَتِلْكَ ﴾: الأحكام ﴿ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى ﴾: النفس أو يا مطلقُ ﴿ لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ ﴾: الطلاق ﴿ أَمْراً ﴾: كرجعة أو استئناف فيه إشعار بالنهي عن الثلاث ﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ ﴾: قاربن ﴿ أَجَلَهُنَّ ﴾: انقضاء عدتهم ﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ ﴾: بالرجعة ﴿ بِمَعْرُوفٍ ﴾: بحسن عشرة ﴿ أَوْ فَارِقُوهُنَّ ﴾: إلى انقضائها ﴿ بِمَعْرُوفٍ ﴾: بلا إضرار ﴿ وَأَشْهِدُواْ ﴾: ندبا ﴿ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ ﴾: على الرجعة أو الفراق ﴿ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَادَةَ ﴾: أيها الشهود ﴿ لِلَّهِ ذَلِكُمْ ﴾: المذكور ﴿ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ﴾: من كل مكروه ﴿ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ﴾ أي: لا يخطر بباله، وأما ضيق رزق كثر الأتقياء فهو مع ضيقه يأتيهم كذلك وتقليله لطف بهم لتقل علائقهم ﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ﴾: أي: حق توكله ﴿ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾: كافية وأما عدم كفايته لكثير ممن يظنه متوكلا فلقصور توكله بنحو ضجره أو استباطه ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ﴾ أي: مراده فلا يفوته ﴿ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ﴾: أجَلاً لاَ يتعداه ﴿ وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ ﴾: أي: الحيض لكبر ﴿ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ ﴾ أي: جهلتم عدتهن، هذا بيان لحال المنزل فيه لا قيد ﴿ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَٱللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ ﴾ لصغرهن، فكذلك والمتوفى عنها زوجها منهما مضى حكمهما ﴿ وَأُوْلاَتُ ٱلأَحْمَالِ ﴾: من الكل ﴿ أَجَلُهُنَّ ﴾ أي: انقضاء عدتهن ﴿ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾: إنما أخذوا بعمومها دون عموم " والذين يتوفون " إلى آخره لأن عموم دمع مضاف إلى جمع محلى باللام بالذات، وعموم أزواجا المستفاد من الذين بالعرض ولنصه صلى الله عليه وسلم ﴿ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ ﴾: في أحكامه ﴿ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ﴾: أي: تيسير أمره في الدارين ﴿ ذَلِكَ ﴾: المذكور ﴿ أَمْرُ ٱللَّهِ ﴾ أي: حكمه ﴿ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ ﴾: في احكامه ﴿ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً ﴾: بالمضاعفة ﴿ أَسْكِنُوهُنَّ ﴾: المطلقّات ﴿ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم ﴾: أي: بعض مساكنكم ﴿ مِّن وُجْدِكُمْ ﴾: أي: وسعكم مما تيطقونه ﴿ وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ ﴾: في السكنى ﴿ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ ﴾: فتلجئوهن إلى الخروج ﴿ وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾: دل على أن النفقة للحامل المعتدة ﴿ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ ﴾: أولادكم بعد قطع النكاح ﴿ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ ﴾: ليأمر بعضكم بعضا ﴿ بِمَعْرُوفٍ ﴾: بجميل في الإرضاع وأجرته ﴿ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ ﴾: تضايقتم في الإرضاع ﴿ فَسَتُرْضِعُ لَهُ ﴾: أي: للأب امرأة ﴿ أُخْرَىٰ ﴾: فلا تكره الأم ﴿ لِيُنفِقْ ﴾ على المطلّقات المرضعات ﴿ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ﴾ أي: ما بلغه وسعه ﴿ وَمَن قُدِرَ ﴾: ضيق ﴿ عَلَيْهِ رِزْقُهُ ﴾: بالإعسار ﴿ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ ٱللَّهُ ﴾: على قدره ﴿ لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً ﴾ في النفَقةِ ﴿ إِلاَّ ﴾: بقدر ﴿ مَآ آتَاهَا سَيَجْعَلُ ٱللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً ﴾: فلا تخالفوه خشية الفقر ﴿ وَكَأِيِّن ﴾: كثيرا ﴿ مِّن قَرْيَةٍ ﴾: أي: أهلها ﴿ عَتَتْ ﴾: أي: تمرَّدَت ﴿ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا ﴾ ﴿ وَ ﴾ أمر ﴿ رُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً ﴾: بالمناقشة في الآخرة كما مر ﴿ وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً ﴾: مُنكراً فَظِيعاً ﴿ فَذَاقَتْ وَبَالَ ﴾: عقوبة ﴿ أَمْرِهَا ﴾: من المعاصي ﴿ وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً ﴾: بلا ربح ﴿ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ﴾: لئلا يصيبكم ﴿ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ ﴾: العقول السليمة ﴿ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَدْ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رَّسُولاً ﴾ مذكرا، أي: جبريل أو محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾: به ﴿ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ ﴾: الجهل ﴿ إِلَى ٱلنُّورِ ﴾: العلم ﴿ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ ﴾: جمع لمعنى من ﴿ فِيهَآ أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ ٱللَّهُ لَهُ رِزْقاً ﴾ أي: النعمة الدائمة ﴿ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ﴾: عددا، إما طبقات أو أقاليم بين كل طبقتين كما بين السماء والأرض، وفي كل أرض سكان، قال الجمهور: وهو الأصح، وقال الضحاك: بلا فتق بينها، قال ابن عباس رضي الله عنهما: كلها منبسط يفرق بينهما البحار ويظل جميعهم السماء، وهذا يؤيد تفسيرها بالأقاليم ﴿ يَتَنَزَّلُ ٱلأَمْرُ ﴾ أي: قضاؤه في كل شيء أو وجيه ﴿ بَيْنَهُنَّ ﴾: من السماء السابعة إلى الأرض السابعة ﴿ لِّتَعْلَمُوۤاْ ﴾: متعلق خلق أو ينزل ﴿ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾: فإنَّ كُلاًّ منهما يدل على كل منهما، والله تعالى أعلم بالصواب، وإ ليه المرجع والمآب.
سورة الطلاق
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الطَّلاق) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (الإنسان)، وقد تحدثت عن أحكامِ الطلاق، وعن الأحكام المترتِّبة عليه؛ من العِدَّة، والإرضاع، وغير ذلك، وخُتمت السورة بالعِبَر والعظات، وكانت تُسمَّى بسورة (النِّساء الصُّغْرى)؛ لِما فيها من أحكامٍ تتعلق بالمرأة، وسورة (النِّساء الكُبْرى): هي سورة (النِّساء).

ترتيبها المصحفي
65
نوعها
مدنية
ألفاظها
289
ترتيب نزولها
99
العد المدني الأول
12
العد المدني الأخير
12
العد البصري
11
العد الكوفي
12
العد الشامي
12

* سورة (الطَّلاق):

سُمِّيت سورة (الطَّلاق) بهذا الاسم؛ لأنَّها بيَّنتْ أحكامَ الطَّلاق والعِدَّة، ولأنه جاء في فاتحتِها؛ قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ اْلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ اْلْعِدَّةَۖ وَاْتَّقُواْ اْللَّهَ رَبَّكُمْۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنۢ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّآ أَن يَأْتِينَ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اْللَّهِۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اْللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُۥۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اْللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرٗا} [الطلاق: 1].

* (النِّساء الصُّغْرى) أو (القُصْرى):

وسُمِّيت بذلك تمييزًا لها عن سورة (النساء الكبرى)، ولاشتمالها على بعضِ أحكام النساء، وقد ورَدتْ هذه التسميةُ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: «نزَلتْ سورةُ النِّساءِ القُصْرى بعد الطُّولى». أخرجه البخاري (4532).

1. من أحكام الطلاق (١-٣).

2. من الأحكام المترتِّبة على الطلاق (٤-٧).

3. عِبَرٌ وعِظَات (٨-١٢).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /217).

مقصدُ هذه السورة هو بيانُ حُكْمٍ من الأحكام التي تتعلق بالعلاقات الزوجية.

يقول البقاعي: «مقصودها: تقديرُ حُسْنِ التدبير في المفارَقة والمهاجَرة بتهذيب الأخلاق بالتقوى، لا سيما إن كان ذلك عند الشِّقاق، لا سيما إن كان في أمر النساء، لا سيما عند الطلاق؛ ليكونَ الفِراق على نحوِ التواصل والتَّلاق.
واسمها (الطلاق): أجمَعُ ما يكون لذلك؛ فلذا سُمِّيت به.
وكذا سورة (النساء القُصْرى)؛ لأن العدلَ في الفِراق بعضُ مطلَقِ العدل، الذي هو محطُّ مقصود سورة (النساء)». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /95).

وينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (28 /293).