تفسير سورة الطلاق

فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن

تفسير سورة سورة الطلاق من كتاب فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن
لمؤلفه زكريا الأنصاري . المتوفي سنة 926 هـ

قوله تعالى :﴿ يا أيها النبيّ إذا طلقتم النساء فطلّقوهن لعدّتهن... ﴾ [ الطلاق : ١ ].
إن قلتَ : كيف أفرد نبيّه بالخطاب، مع أنه جمعه مع غيره عقبه ؟   !
قلتُ : أفرده به أولا لأنه إمام أمّته( ١ )، وسادّ مسدَّهم، أو معناه : يا أيها النبي قل لأمتك ﴿ إذا طلقتم النساء ﴾ أي أردتم طلاق نسائكم فطلّقوهن... الخ.
١ - خُصّ صلى الله عليه وسلم بالنداء تعظيما له، كما يُقال لرئيس القوم وكبيرهم: يا فلان افعلوا كذا وكذا، أي افعل أنت وقومك، فهو نداء على سبيل التكريم والتعظيم..
قوله تعالى :﴿ ومن يتّق الله يجعل له مخرجا... ﴾ [ الطلاق : ٢ ].
ذكره ثلاث مرات، وختم الأول بقوله :﴿ يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ﴾ [ الطلاق : ٢، ٣ ].
والثاني بقوله تعالى :﴿ يجعل له من أمره يسرا ﴾ [ الطلاق : ٤ ].
والثالث بقوله تعالى :﴿ يكفّر عنه سيئاته ويعظم له أجرا ﴾ [ الطلاق : ٥ ].
إشارة إلى تَعْداد النِّعم المترتّبة على التقوى، من أن الله يجعل لمن اتّقاه في دنياه، مخرجا من كُرَب الدنيا والآخرة، ويرزقه من حيث لا يخطر بباله، ويجعل له في دنياه وآخرته من أمره يسرا، ويكفّر عنه في آخرته سيّئاته، ويعظم له أجرا.
إن قلتَ : كيف قال ما ختم به في الأول، مع أنّا نرى كثيرا من الأتقياء مضيَّقا عليهم رزقهم ؟
قلتُ : معناه ما مرّ ثَمَّ، وذلك لا ينافي تضييق الرّزق( ١ )، أو معناه أنه يجعل لكل متّق، مخرجا من كل ما يضيق على من لا يتّقي، مع أنّ في تضييقه في المتقي لطفا له ورحمة، لتقلّ عوائقه عن الاشتغال بمولاه في الدنيا، ويتوفر حظّه، ويخفّ حسابُه في الآخرة.
١ - الرزق ليس قاصرا على المال، بل هو عام يشمل كل فضل وإنعام، فيمكن أن يكون المعنى: يرزقه الرضى والقناعة، يرزقه الصحة والعافية، يرزقه العلم والفهم، يرزقه البنين والأولاد... الخ..
قوله تعالى :﴿ واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدّتهن ثلاثة أشهر... ﴾ الآية [ الطلاق : ٤ ].
إن قلتَ : كيف قيّد عدّة الآيسة والتي لم تحض ثلاثة أشهر بارتيابنا، مع أنه ليس بقيد ؟
قلتُ : المراد بالارتياب الشكّ، بمعنى الجهل بمقدار عدّتهما، وإذا كان هذه عدّة المرتاب فيها، فغيرها أولى.
قوله تعالى :﴿ وإن كنّ أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ﴾ [ الطلاق : ٦ ].
فائدة ذكر الغاية فيه، رفع توهّم أن النفقة تتقيّد، بمضيّ مقدار عدّة الأقراء( ١ )، أو أنه إذا طالت مدّة الحمل، لا تجب النفقة من الإطالة.
١ - المراد بالأقراء: الحِيَض أو الأطهار على خلاف بين الفقهاء، والحكم في المطلقات مأخوذ من قوله تعالى: ﴿والمطلّقات يتربّصن بأنفسهن ثلاثة قروء﴾ البقرة: ٢٢٨..
قوله تعالى :﴿ سيجعل الله بعد عسر يسرا ﴾ [ الطلاق : ٧ ].
لا ينافي قوله :﴿ فإن مع العسر يسرا ﴾ [ الشرح : ٦ ] لأن " مع " بمعنى بعد، وإلا فيلزم اجتماع الضّدين وهو محال.
قوله تعالى :﴿ وكأيّن من قرية عنت عن أمر ربّها ورسله... ﴾ الآية [ الطلاق : ٨ ].
إن قلتَ : كيف قال فيها ﴿ فحاسبناها حسابا شديدا وعذّبناها عذابا نكرا ﴾ [ الطلاق : ٨ ] بلفظ الماضي، مع أن الحساب والعذاب المرتّبين على العُتوّ إنما هما في الآخرة ؟
قلتُ : أتى بذلك على لفظ الماضي، تحقيقا له وتقريرا، لأن المنتظر من وعد الله ووعيده، آت لا محالة، ونظيره قوله تعالى :﴿ ونادى أصحاب النار ﴾ [ الأعراف : ٥٠ ].
سورة الطلاق
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الطَّلاق) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (الإنسان)، وقد تحدثت عن أحكامِ الطلاق، وعن الأحكام المترتِّبة عليه؛ من العِدَّة، والإرضاع، وغير ذلك، وخُتمت السورة بالعِبَر والعظات، وكانت تُسمَّى بسورة (النِّساء الصُّغْرى)؛ لِما فيها من أحكامٍ تتعلق بالمرأة، وسورة (النِّساء الكُبْرى): هي سورة (النِّساء).

ترتيبها المصحفي
65
نوعها
مدنية
ألفاظها
289
ترتيب نزولها
99
العد المدني الأول
12
العد المدني الأخير
12
العد البصري
11
العد الكوفي
12
العد الشامي
12

* سورة (الطَّلاق):

سُمِّيت سورة (الطَّلاق) بهذا الاسم؛ لأنَّها بيَّنتْ أحكامَ الطَّلاق والعِدَّة، ولأنه جاء في فاتحتِها؛ قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ اْلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ اْلْعِدَّةَۖ وَاْتَّقُواْ اْللَّهَ رَبَّكُمْۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنۢ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّآ أَن يَأْتِينَ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اْللَّهِۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اْللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُۥۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اْللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرٗا} [الطلاق: 1].

* (النِّساء الصُّغْرى) أو (القُصْرى):

وسُمِّيت بذلك تمييزًا لها عن سورة (النساء الكبرى)، ولاشتمالها على بعضِ أحكام النساء، وقد ورَدتْ هذه التسميةُ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: «نزَلتْ سورةُ النِّساءِ القُصْرى بعد الطُّولى». أخرجه البخاري (4532).

1. من أحكام الطلاق (١-٣).

2. من الأحكام المترتِّبة على الطلاق (٤-٧).

3. عِبَرٌ وعِظَات (٨-١٢).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /217).

مقصدُ هذه السورة هو بيانُ حُكْمٍ من الأحكام التي تتعلق بالعلاقات الزوجية.

يقول البقاعي: «مقصودها: تقديرُ حُسْنِ التدبير في المفارَقة والمهاجَرة بتهذيب الأخلاق بالتقوى، لا سيما إن كان ذلك عند الشِّقاق، لا سيما إن كان في أمر النساء، لا سيما عند الطلاق؛ ليكونَ الفِراق على نحوِ التواصل والتَّلاق.
واسمها (الطلاق): أجمَعُ ما يكون لذلك؛ فلذا سُمِّيت به.
وكذا سورة (النساء القُصْرى)؛ لأن العدلَ في الفِراق بعضُ مطلَقِ العدل، الذي هو محطُّ مقصود سورة (النساء)». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /95).

وينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (28 /293).