تفسير سورة الطلاق

معاني القرآن للفراء

تفسير سورة سورة الطلاق من كتاب معاني القرآن للفراء المعروف بـمعاني القرآن للفراء.
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

ومن سورة النساء القصرى «١» وهى: سورة الطلاق
قوله عز وجل: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ (١).
فينبغي للرجل إِذَا أراد أن يطلق امرأته للعدة أمهلها حتَّى تحيض حيضة، ثُمَّ يطلقها، فإِذا حاضت حيضة بعد الطلاق طلقها أخرى، فإن حاضت بعد التطليقتين طلقها ثالثة، فهذا طلاق العدة، وَقَدْ بانت مِنْهُ، فلا تحل لَهُ حتَّى تنكح زوجًا غيره.
وطلاق السنة: أن يطلقها طاهرًا فِي غير جماع، ثُمَّ يدعها حتَّى تحيض ثلاث حيضات، فإذا فعل ذَلِكَ بانت مِنْهُ، ولم يَحلّ لَهُ نكاحها إلا بمهر جديد، ولا رجعة له عليها.
قوله: «٢» وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ (١) الحيض وقوله: لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ (١).
التي طُلّقن «٣» فيها، ولا يَخرجن من قِبَلِ أنفسهن «إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ»، فَقَالَ بعضهم:
إلّا أن يأتين بفاحشة [إلا أن تُحدِث حدًّا فَتُخْرَجَ ليقام عليها، وقَالَ بعضهم: إلا أن يأتين بفاحشة] «٤» إلا أن يعصين فيخرُجن، فخروجها «٥» فاحشة بينة.
وقوله: فَأَمْسِكُوهُنَّ (٢).
يَقُولُ فِي التطليقة الباقية بمعروف أَوْ سرحوهن بمعروف، قَالَ: والمعروف: الإِحسان.
وقوله: لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (١).
(١) هذا اسم آخر لسورة الطلاق: وكذا سماها ابن مسعود أخرجه البخاري وغيره: (الإتقان فى علوم القرآن للسيوطى: ٦٩) وانظر بصائر ذوى التمييز: ٢/ ٤٦٩.
(٢) سقط فى ب. [.....]
(٣) فى ح: تطلقن، تحريف.
(٤) ما بين القوسين ساقط فى ح.
(٥) فى ش: فخروجهن.
هَذِهِ الرجعة فِي التطليقتين.
وقوله: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ (٢).
إِذَا حاضت حيضة بعد التطليقتين إلى أن تحيض الثالثة، ولا تغتسل «١»، فله رجعتها مالم تغتسل من الحيضة الثالثة.
وقوله: بالِغُ أَمْرِهِ (٣).
القراء جميعًا عَلَى التنوين. ولو قرئت: بالغ أمره [على الإضافة «٢» ] لكان صوابا «٣»، ولو قرىء:
بالغ أمره بالرفع لجاز «٤».
وقوله: [٢٠٠/ ب] وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ (٤).
يَقُولُ: إن شككتم فلم تدروا ما عدتها، فذكروا: أن مُعاذ بْن جبل سَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: قَدْ عرفنا «٥» عدة التي تحيض، فما عدة الكبيرة التي قد يئست؟ فنزل «فَعِدَّتُهُنَّ «٦» ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ» فقام رَجُل فَقَالَ: يا رَسُول اللَّه! فما عدة الصغيرة التي لم تحض؟ فَقَالَ: وَاللَّائِي «٧» لم يحضن بمنزلة الكبيرة التي قَدْ يئست عدتها: ثلاثة أشهر. فقام آخر فَقَالَ: فالحوامل «٨» ما عدتهن؟ فنزل: «وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» (٤) فإذا وضعت الحامل «٩» ذا بطئها حلّت للأزواج، وإن كَانَ زوجها الميت عَلَى السرير لم يدفن.
وقوله: مِنْ وُجْدِكُمْ (٦).
يَقُولُ: عَلَى قدر ما يجد أحدكم فإن كَانَ موسّعًا وسَّع عليها فِي: المسكن، والنفقة وإن كَانَ مُقْتِرًا (١٠) فعلى قدر ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: «وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ
(١) فى ش: يحيض الثالثة ولا يغتسل، وهو تحريف.
(٢) الزيادة من ب. بين السطور.
(٣) وهى قراءة عاصم وحفص والمفضل وأبان وجبلة وجماعة عن أبى عمرو (البحر المحيط ٨/ ٢٨٣).
(٤) وهى قراءة داود بن أبى هند (تفسير القرطبى ١٨/ ١٦١ والمحتسب ٢/ ٣٢٤).
(٥) فى ش: ما وهو خطأ.
(٦) فى ش: فنزل ثلاثة أشهر.
(٧) فى ب، ش: اللائى.
(٨) فى (ا) : الحوامل، تحريف.
(٩) فى ح: مقبرا.
163
حَمْلَهُنَّ» (٦) ينفق عليها من نصيب ما فى بطئها، ثُمَّ قَالَ: «فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» أجر الرضاع.
وقوله: وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ (٦) يَقُولُ: لا تضارّ المرأةُ زوجها، ولا يضرّ «١» بها، وقد أجمع «٢» القراء على رفع الواو من:
«وُجْدِكُمْ» «٣»، وعلى رفع القاف من «قُدِرَ» «٤» [وتخفيفها] «٥» ولو قرءوا: قدِّر «٦» كَانَ صوابًا.
ولو قرءوا مِنْ «وُجْدِكُمْ» «٧» كَانَ صوابًا لأنها لغة لبني تميم.
وقوله: فَحاسَبْناها حِساباً [شَدِيداً (٨).
فى الآخرة] «٨»، «وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً» (٨) فِي الدنيا، وهو مقدّم ومؤخر، ثُمَّ قَالَ: «فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها» من عذاب الدنيا «وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً» (٩) النارَ وعذابَها.
وقوله: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً» (١٠) رَسُولًا (١١) نزلت فِي الكتاب بنصب الرَّسُول، وَهو وجه العربية، ولو «٩» كانت رسولٌ بالرفع كَانَ صوابًا لأن الذكر رأس آية، والاستئناف بعد الآيات حسن. ومثله قوله: «التَّائِبُونَ» «١٠» وقبلها: «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»، فلما قال: «وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» «١١» استؤنف بالرفع، ومثله: «وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ، صُمٌّ بُكْمٌ» «١٢»، ومثله: «ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ» ثم قال: «فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ» «١٣»، وهو نكرة من صفة معرفة، فاستؤنف بالرفع، لأنه بعد آية.
(١) فى ش: يضار.
(٢) فى ش: ولقد اجتمع. [.....]
(٣) فى ب: من وجد.
(٤) قرأ الجمهور «قدر» مخففا. (البحر المحيط ٨/ ٢٨٦)
(٥) زيادة فى ب، ح، ش.
(٦) هى قراءة ابن أبى عبلة.
(٧) هى قراءة الأعرج والزهري (القرطبي ١٨/ ١٦٨).
(٨) سقط فى ج، ش
(٩) فى ح، ش: فلو.
(١٠) التوبة ١١٢.
(١١) التوبة ١١١.
(١٢) البقرة الآيتان: ١٧، ١٨
(١٣) البروج: الآية ١٦
164
سورة الطلاق
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الطَّلاق) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (الإنسان)، وقد تحدثت عن أحكامِ الطلاق، وعن الأحكام المترتِّبة عليه؛ من العِدَّة، والإرضاع، وغير ذلك، وخُتمت السورة بالعِبَر والعظات، وكانت تُسمَّى بسورة (النِّساء الصُّغْرى)؛ لِما فيها من أحكامٍ تتعلق بالمرأة، وسورة (النِّساء الكُبْرى): هي سورة (النِّساء).

ترتيبها المصحفي
65
نوعها
مدنية
ألفاظها
289
ترتيب نزولها
99
العد المدني الأول
12
العد المدني الأخير
12
العد البصري
11
العد الكوفي
12
العد الشامي
12

* سورة (الطَّلاق):

سُمِّيت سورة (الطَّلاق) بهذا الاسم؛ لأنَّها بيَّنتْ أحكامَ الطَّلاق والعِدَّة، ولأنه جاء في فاتحتِها؛ قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ اْلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ اْلْعِدَّةَۖ وَاْتَّقُواْ اْللَّهَ رَبَّكُمْۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنۢ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّآ أَن يَأْتِينَ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اْللَّهِۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اْللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُۥۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اْللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرٗا} [الطلاق: 1].

* (النِّساء الصُّغْرى) أو (القُصْرى):

وسُمِّيت بذلك تمييزًا لها عن سورة (النساء الكبرى)، ولاشتمالها على بعضِ أحكام النساء، وقد ورَدتْ هذه التسميةُ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: «نزَلتْ سورةُ النِّساءِ القُصْرى بعد الطُّولى». أخرجه البخاري (4532).

1. من أحكام الطلاق (١-٣).

2. من الأحكام المترتِّبة على الطلاق (٤-٧).

3. عِبَرٌ وعِظَات (٨-١٢).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /217).

مقصدُ هذه السورة هو بيانُ حُكْمٍ من الأحكام التي تتعلق بالعلاقات الزوجية.

يقول البقاعي: «مقصودها: تقديرُ حُسْنِ التدبير في المفارَقة والمهاجَرة بتهذيب الأخلاق بالتقوى، لا سيما إن كان ذلك عند الشِّقاق، لا سيما إن كان في أمر النساء، لا سيما عند الطلاق؛ ليكونَ الفِراق على نحوِ التواصل والتَّلاق.
واسمها (الطلاق): أجمَعُ ما يكون لذلك؛ فلذا سُمِّيت به.
وكذا سورة (النساء القُصْرى)؛ لأن العدلَ في الفِراق بعضُ مطلَقِ العدل، الذي هو محطُّ مقصود سورة (النساء)». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /95).

وينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (28 /293).