وتسمى سورة تبارك والواقية والمنجية، وتدعى في التوراة ( ١ ) المانعة، وهي ثلاثون آية، وهي مكية قال القرطبي : في قول الجميع، وعن ابن عباس قال : نزلت بمكة.
" وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن سورة من كتاب الله ما هي إلا ثلاثون آية، شفعت لرجل حتى غفر له، تبارك الذي بيده الملك " ( ٢ )، أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن الضريس والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في الشعب والترمذي وقال : هذا حديث حسن.
و " عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سورة في القرآن خاصمت عن صاحبها حتى أدخلته الجنة : تبارك " الآية أخرجه الطبراني في الأوسط وابن مردويه والضياء في المختارة.
و " عن ابن عباس قال : ضرب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر، فإذا قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" هي المانعة هي المنجية من عذاب القبر " أخرجه الحاكم وابن مردويه وابن نصر والبيهقي في الدلائل والترمذي وقال هذا حديث غريب من هذا الوجه.
و " عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" تبارك هي المانعة من عذاب القبر ( ٣ ) أخرجه ابن مردويه والنسائي وصححه الحاكم.
و " عن رافع بن خديج وأبي هريرة أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أنزلت عليّ سورة تبارك وهي ثلاثون آية جملة واحدة، وهي المانعة في القبور، أخرجه ابن مردويه.
و " عن ابن عباس أنه قال لرجل ألا أتحفك بحديث تفرح به، قال بلى، قال اقرأ تبارك الذي بيده الملك وعلمها أهلك وجميع ولدك وصبيان بيتك وجيرانك، فإنها المنجية والمجادلة تجادل يوم القيامة عند ربها لقارئها، وتطلب له أن ينجيه الله من عذاب النار، وينجو بها صاحبها من عذاب القبر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لوددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي " أخرجه عبد بن حميد في مسنده والطبراني والحاكم وابن مردويه.
٢ رواه أحمد؛ المسند وأصحاب السنن الأربعة بسند حسن..
٣ ذكره السيوطي في الدر ٦/٢٤٦ من رواية ابن مردويه عن ابن مسعود موقوفا عليه وهو ضعيف..
ﰡ
والملك هو ملك السموات والأرض في الدنيا والآخرة فهو يعز من يشاء ويذل من يشاء ويرفع من يشاء ويضع من يشاء، وقيل: المراد بالملك ملك النبوة، وقيل: الملك الأمر والنهي والسلطان أي التمكن من سائر الموجودات يتصرف فيها كيفما أراد، قال الرازي: الملك تمام القدرة واستحكامها، والأول أولى لأن الحمل على العموم أكثر مدحاً، وأبلغ ثناء ولا وجه للتخصيص.
(وهو على كل شيء قدير) أي بليغ القدرة لا يعجزه شيء من الأشياء يتصرف في ملكه كيف يريد من إنعام وانتقام ورفع ووضع وإعطاء ومنع، قال أبو السعود: الجملة معطوفة على الصلة مقررة لمضونها مفيدة لجريان أحكام ملكه تعالى في جلائل الأمور ودقائقها، وفي الكرخي لما اقترن الشيء بقوله
وقال النسفي: الحياة ما يصح بوجوده الإحساس، والموت ضده، ومعنى خلقهما إيجاد ذلك المصحح وإعدامه أي خلق موتكم وحياتكم أيها المكلفون.
(ليبلوكم) أي ليعاملكم معاملة من يختبركم وإلا فعلمه محيط بكل شيء، قال الشهاب: الاختبار يقتضي عدم علم المختبر بالكسر بحال المختبر بالفتح فلهذا جعلوه استعارة تمثيلية أو تبعية على تشبيه حالهم في تكليفه تعالى لهم بتكاليفه، وخلق الموت والحياة لهم وإثابته لهم وعقوبته بحال المختبر مع من اختبره وجربه لينظر طاعته وعصيانه فيكرمه أو يهينه.
(أيكم أحسن عملاً) فيجازيكم على ذلك، وقيل: المعنى ليبلوكم ربكم أيكم أكثر ذكراً للموت وأحسن استعداداً وأشد منه خوفاً، وقيل: أيكم أحسن عقلاً وأسرع إلى طاعة الله وأورع عن محارم الله؛ وقيل: أخلص عملاً وأصوبه والخالص إذا كان لله والصواب إذا كان على السنة، وقيل: أزهد في
قال الزجاج: اللام متعلقة بخلق الحياة لا بخلق الموت وقال الفراء: إن قوله (ليبلوكم) لم يقع على أي لأن فيما بين البلوى وأي إضمار فعل كما تقول بلوتكم لأنظر أيكم أطوع ومثله وقوله (سلهم أيهم بذلك زعيم) أي سلهم ثم أنظر أيهم؛ فأيكم في الآية مبتدأ وخبره أحسن، لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله وإيراد صيغة التفضيل مع أن الإبتلاء شامل لجميع أعمالهم المنقسمة إلى الحسن والقبيح لا إلى الحسن والأحسن فقط للإيذان بأن المراد بالذات والمقصد الأصلي من الإبتلاء هو ظهور كمال إحسان المحسنين.
(وهو العزيز) أي الغالب الذي لا يغالب ولا يعجزه من أساء العمل (الغفور) لمن تاب وأناب، والستور الذي لا ييأس منه أهل الإساءة والزلل.
(طباقاً) أي مطبقاً بعضها فوق بعض كل سماء مقببة على الأخرى وسماء الدنيا كالقبة على الأرض وهو جمع طبق نحو جبل وجبال، أو جمع طبقة نحو رحبة ورحاب أو مصدر طابق يقال طابق مطابقة وطباقاً، وعلى هذا الوصف بالمصدر للمبالغة أو على حذف مضاف أي ذات طباق أو طوبقت طباقاً، قال البقاعي: طباق بحيث يكون كل جزء منها مطابقا للجزء من الأخرى ولا يكون جزء منها خارجاً عن ذلك.
(ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) صفة ثانية لسبع سموات أو مستأنفة لتقرير ما قبلها، والخطاب لرسول الله ﷺ أو لكل من يصلح له و " من " مزيدة لتأكيد النفي وإضافة خلق الرحمن من إضافة المصدر إلى فاعله والمفعول محذوف تقديره لهن أو لغيرهن.
(فارجع البصر) أي اردد طرفك حتى يتضح لك ذلك بالمعاينة، أخبر أولاً بأنه لا تفاوت في خلقه ثم أمر ثانياً بترديد البصر في ذلك لزيادة التأكيد وحصول الطمأنينة.
(هل ترى من فطور) قال مجاهد: والضحاك الفطور الصدوع والشقوق، جمع فطر وهو الشق، وقال قتادة: هل ترى من خلل، وقال السدي: من خروق، وأصله من التفطر والانفطار هو التشقق والانشقاق، وعن ابن عباس قال: الفطور الوهي، وعنه قال: من تشقق وخلل.
(ينقلب إليك البصر خاسئاً) أي يرجع إليك البصر خاشعاً متباعداً عن أن يرى شيئاًً من ذلك، وقيل: معنى خاسئاً مبعداً مطروداً عن أن يبصر
(وهو حسير) أي كليل لا يرى شيئاًً قاله ابن عباس: أي منقطع وعنه قال عيي مرتجع، قال الزجاج: أي وقد أعيا من قبل أن يرى في السماء خللاً، وهو فعيل بمعنى فاعل من الحسور وهو الإعياء، يقال: حسر بصره يحسر حسوراً أي كل وانقطع (١) وبلغ الغاية في الإعياء.
ولما فرغ سبحانه من تفاصيل بعض أحكام الملك وآثار القدرة وبيان ابتنائها على قوانين الحكم والمصالح، شرع في ذكر دلائل أخرى على تمام قدرته بعد تلك الدلائل فقال
_________
(١) ومنه قول الشاعر:
نظرت إليها بالمحصب من منى | فعاد إليّ الطرف وهو حسير |