تفسير سورة الفلق

أحكام القرآن

تفسير سورة سورة الفلق من كتاب أحكام القرآن
لمؤلفه الجصاص . المتوفي سنة 370 هـ
حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا عبدالله بن محمد النفيلي قال : حدثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن عقبة بن عامر قال : بَيْنَا أنا أسِيرُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الجُحْفَةِ والأَبْوَاءِ إِذْ غَشِيَتْنا ريحٌ وظلمةٌ شديدة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ ﴿ أعوذ برب الفلق ﴾ و﴿ أعوذ برب الناس ﴾، ويقول :" يا عُقْبَةُ تَعَوَّذْ بِهِمَا، فما تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بِمِثْلِهِمَا ". قال : وسمعته يؤمنا بهما في الصلاة.
ورُوي عن جعفر بن محمد قال :" جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فَرَقَاهُ بالمعوِّذتين ".
وقالت عائشة :" أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أَسْتَرْقي من العين ".
وروى الشعبي عن بريدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا رُقْيَةَ إلا مِنْ عَيْنٍ أوْ حُمَّى ". وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وحدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا محمد بن العلاء قال : حدثنا أبو معاوية قال : حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن يحيى بن الجزار، عن ابن أخي زينب امرأة عبدالله، عن زينب امرأة عبدالله، عن عبدالله قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" إِنَّ الرُّقَى والتَّمَائِمَ والتّولَةَ شِرْكٌ ". قالت : قلت : لم تقول هذا ؟ والله، لقد كانت عيني تقذف فكنت أختلف إلى فلان اليهودي يرقيني، فإذا رقاني سَكَنَتْ. فقال عبدالله : إنما ذلك عمل الشيطان، كان ينخسها بيده، فإذا رقاهما كفَّ عنهما، إنما يكفيكِ أن تقولي كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" أَذْهِبِ البَاسَ رَبَّ النَّاسِ اشْفِ أَنْتَ الشَّافي لا شِفَاءَ إلا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَماً ".

قوله تعالى :﴿ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ في العُقَدِ ﴾ ؛ قال أبو صالح :" النفاثات في العقد السواحر ". وروى معمر عن قتادة أنه تلا :﴿ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ في العُقَدِ ﴾ قال :" إياكم وما يخالط من السحر من هذه الرُّقَى ". قال أبو بكر : النفاثات في العقد السواحر يَنْفُثْنَ على العليل، ويرقونه بكلام فيه كُفْرٌ وشِرْكٌ، وتعظيم للكواكب، ويُطْعِمْنَ العليل الأدوية الضارّة، والسموم القاتلة، ويحتلن في التوصل إلى ذلك، ثم يزعمن أن ذلك من رقاهُنّ، هذا لمن أرَدْنَ ضرره وتَلَفَهُ، وأما من يزعمن أنهن يُرِدْنَ نفعه فينفثن عليه، ويوهمن أنهن ينفعن بذلك، وربما يَسْقِينَه بعض الأدوية النافعة فيتّفق للعليل خفة الوجع ؛ فالرُّقْيَةُ المنهيُّ عنها هي رقية الجاهلية ؛ لما تضمنته من الشرك والكفر، وأما الرقية بالقرآن وبذكر الله تعالى فإنها جائزة، وقد أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم وندب إليها، وكذلك قال أصحابنا في التبرك بالرقية بذكر الله. وإنما أمر الله تعالى بالاستعاذة من شر النّفاثات في العُقَدِ ؛ لأن من صدّق بأنهن ينفعن بذلك كان ذلك ضرراً عليه في الدين من حيث يعتقد جواز نفعها وضررها بتلك الرقية ؛ ومن جهة أخرى شرّهن فيما يَحْتَلْنَ من سقي السموم والأدوية الضارة.
قوله تعالى :﴿ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾ ؛ حدثنا عبدالله بن محمد قال : حدثنا الحسن بن أبي الربيع قال : أخبرنا عبدالرزاق، عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى :﴿ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾ قال : يقول من شر عينيه ونفسه.
قال أبو بكر : قد روت عائشة :" أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تسترقي من العين ".
وروى ابن عباس وأبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" العَيْنُ حَقٌّ ".
والأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم بصحة العين متظاهرة ؛ حدثنا ابن قانع قال : حدثنا القاسم بن زكريا قال : حدثنا سويد بن سعيد قال : حدثنا أبو إبراهيم السقّاء، عن ليث، عن طاوس، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" العَيْنُ حَقٌّ، فلو كَانَ شَيْءٌ يَسْبِقُ القَدَرَ لَسَبَقَتْهُ العَيْنُ، فإذا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا ".
قال أبو بكر : زعم بعض الناس أن ضرر العين إنما هو من جهة شيء ينفصل من العائن فيتصل بالمَعِينِ ؛ وهذا هو شرّ وجَهْلٌ، وإنما العين في الشيء المستحسن عند العائن، فيتفق في كثير من الأوقات ضررٌ يقع بالمَعِينِ، ويشبه أن يكون الله تعالى إنما يفعل ذلك عند إعجاب الإنسان بما يراه تذكيراً له لئلا يركن إلى الدنيا ولا يعجب بشيء منها، وهو نحو ما رُوي أن العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن تُسبق، فجاء أعرابي على قَعُودٍ له فسابق بها فسبقها، فشقّ ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم :" حَقٌّ عَلَى الله أَنْ لا يَرْفَعَ شَيْئاً مِنَ الدُّنْيَا إلا وَضَعَهُ "، وكذلك أمر العائن عند إعجابه بما يراه أن يذكر الله وقدرته فيرجع إليه ويتوكل عليه، قال الله تعالى :﴿ ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله ﴾ [ الكهف : ٣٩ ]، فأخبر بهلاك جنته عند إعجابه بها بقوله، فقال :﴿ ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبداً ﴾ [ الكهف : ٣٥ ]، إلى قوله تعالى :﴿ ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله ﴾ [ الكهف : ٣٩ ]، أي لتبقى عليك نِعَمُ الله تعالى إلى وقت وفاتك.
وحدثنا عبدالباقي قال : حدثنا إسماعيل بن الفضل قال : حدثنا العباس بن أبي طالب قال : حدثنا حجاج قال : حدثنا أبو بكر الهذلي، عن ثمامة، عن أنس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :" مَنْ رَأَى شَيْئاً أَعْجَبَهُ فَقَالَ " الله الله، ما شَاءَ الله، لا قُوَّةَ إِلاَّ بالله، لم يَضُرَّهُ شَيْءٌ ". والله الموفق.
سورة الفلق
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الفَلَق) من السُّوَر المكية، يطلق عليها وعلى سورة (الناس): (المُعوِّذتانِ)، ومحورها تعليمُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين الالتجاءَ إلى الله عز وجل؛ ليحميَهم ويُعِيذَهم من شرِّ الخَلْق، وقد أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءتها في غير موضع: بعد كلِّ صلاة، وصباحًا ومساءً، وكان صلى الله عليه وسلم إذا تأذى أحدٌ من أهل بيته قرأ عليه (المُعوِّذتين).

ترتيبها المصحفي
113
نوعها
مكية
ألفاظها
23
ترتيب نزولها
20
العد المدني الأول
5
العد المدني الأخير
5
العد البصري
5
العد الكوفي
5
العد الشامي
5

* سورة (الفَلَقِ):

سُمِّيت سورة (الفَلَقِ) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ} [الفلق: 1].

* سورة {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ}:

سُمِّيت بهذا الاسم؛ لافتتاحها به، وقد ثبَت هذا الاسمُ في كثير من الأحاديث؛ منها:

ما جاء عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «اتَّبَعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو راكبٌ، فوضَعْتُ يدي على قَدَمِه، فقلتُ: أقرِئْني يا رسولَ اللهِ سورةَ هودٍ، وسورةَ يوسُفَ، فقال: «لن تَقرأَ شيئًا أبلَغَ عند اللهِ مِن {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ}»». أخرجه النسائي (953).

* وتُسمَّى مع سورة (الناس) بـ (المُعوِّذتَينِ):

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه: «أنَّ النبيَّ ﷺ أَمَّهم بالمُعوِّذتَينِ في صلاةِ الصُّبْحِ». أخرجه ابن حبان (١٨١٨).

* أمَر النبي صلى الله عليه وسلم بقراءة (المُعوِّذتَينِ) بعد كل صلاة:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «أمَرَني النبيُّ ﷺ أن أقرأَ بالمُعوِّذاتِ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ». أخرجه أبو داود (١٥٢٣).

* كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَرقِي أهلَه بـ(المُعوِّذات):

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا مَرِضَ أحدٌ مِن أهلِ بيتِه، نفَثَ عليه بالمُعوِّذاتِ...». أخرجه مسلم (٢١٩٢).

* وصَفهنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنْ لا مثيلَ لهنَّ:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: «ألَمْ ترَ آياتٍ أُنزِلتِ اللَّيلةَ لم يُرَ مِثْلُهنَّ قطُّ؟! {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ}». أخرجه مسلم (٨١٤).

قرَأ النبيُّ صلى الله عليه وسلم (المُعوِّذتَينِ) في غير موضع:

* في صلاة الفجر:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه: «أنَّ النبيَّ ﷺ أَمَّهم بالمُعوِّذتَينِ في صلاةِ الصُّبْحِ». أخرجه ابن حبان (١٨١٨).

* في الوتر:

عن عبدِ العزيزِ بن جُرَيجٍ، قال: «سألتُ عائشةَ أمَّ المؤمنين: بأيِّ شيءٍ كان يُوتِرُ رسولُ اللهِ ﷺ؟ قالت: كان يَقرأُ في الركعةِ الأُولى بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، وفي الثانيةِ بـ {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، وفي الثالثةِ بـ {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، والمُعوِّذتَينِ». أخرجه أحمد (25906).

* قبل النوم:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوَى إلى فراشِه، جمَعَ كفَّيْهِ، ثم نفَثَ فيهما، وقرَأَ فيهما بـ {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ}، ثمَّ يَمسَحُ بهما ما استطاعَ مِن جسدِه، يَفعَلُ ذلك ثلاثَ مرَّاتٍ». أخرجه ابن حبان (٥٥٤٤).

* أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءة (المُعوِّذتَينِ) صباحًا ومساءً:

عن عبدِ اللهِ بن خُبَيبٍ رضي الله عنه، قال: «خرَجْنا في ليلةِ مطَرٍ وظُلْمةٍ شديدةٍ نطلُبُ رسولَ اللهِ ﷺ ليُصلِّيَ لنا، فأدرَكْناه، فقال: «أصلَّيْتم؟»، فلَمْ أقُلْ شيئًا، فقال: «قُلْ»، فلَمْ أقُلْ شيئًا، ثم قال: «قُلْ»، فلَمْ أقُلْ شيئًا، ثم قال: «قُلْ»، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، ما أقولُ؟ قال: {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ} والمُعوِّذتَينِ حينَ تُمسِي وحينَ تُصبِحُ ثلاثَ مرَّاتٍ: تَكفِيك مِن كلِّ شيءٍ»». أخرجه أبو داود (٥٠٨٢).

* أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءة المُعوِّذتَينِ بعد كل صلاة:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «أمَرَني النبيُّ ﷺ أن أقرَأَ المُعوِّذاتِ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ». أخرجه أبو داود (١٥٢٣).

الاستعاذةُ بالله من شرِّ الخَلْقِ الظاهر (١-٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /468).

تعليمُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم كلماتٍ للالتجاءِ إليه، والتعوُّذِ به من شرِّ ما يُتَّقى شرُّه من شرِّ المخلوقات الشريرة.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /625).