تفسير سورة الفلق

الهداية الى بلوغ النهاية

تفسير سورة سورة الفلق من كتاب الهداية الى بلوغ النهاية المعروف بـالهداية الى بلوغ النهاية.
لمؤلفه مكي بن أبي طالب . المتوفي سنة 437 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الفلق( ١ ) مدنية( ٢ )
١ كذا في زاد المسير ٩/٢٧٠ وفتح القدير ٥/٥١٨ وغيرهما، والذي عند البخاري في كتاب التفسير ﴿قل أعوذ برب الفلق﴾ وفي المحرر: ١٦/٣٨٥: "سورة المعوذة الأولى"،.
٢ م: مدنية، وهذه السورة مدنية في أحد قولي ابن عباس وقول قتادة في تفسير الماوردي ٤/٥٤٨ وزاد المسير ٩/٢٧٠، والقول الآخر عن ابن عباس أنها مكية، وبه قال الحسن وعطاء وعكرمة وجابر. قال ابن الجوزي: "والأول أصح، يدل عليه أن رسول الله سحر وهو مع عائشة فنزلت عليه المعوذتان" زاد المسير ٩/٢٧٠، وانظر: الإتقان ١/١٤..

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الفلق
مدنية
قوله تعالى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفلق﴾ إلى آخر ها.
(قال زر: " سألت أُبي بن كعب عن المعوذتين، فقال: سألت رسول الله ﷺ عن ذلك فقال: قيل لي فقلت فنحن نقول كما قال رسول الله ﷺ " وقاله ابن مسعود بمثله. ومعنى ذلك - والله أعلم - " أنهما سألا النبي ﷺ عن إثبات " قل " في أولهما، فقال النبي عليه السلام: قيل: لي: " قُلْ أَعوذُ "، فقلت: [أي]: قيل لي: اقرأ ﴿قُلْ أَعُوذُ﴾ فقرأها، بإثبات " قل " على أنها أمر به. وكأنه كان يقال في غير هذه السور
8505
الثلاث: " قل ألَم نشرَحْ "، " قُل إِنّا أنزَلناهُ ".
وقيل في هذه الثلاثة: اقرأ: ﴿قُلْ أَعُوذُ﴾، اقرأ: ﴿قُلْ هُوَ الله﴾، هذا بإثبات " قل " في ذلك، وقال أبي بن كعب وابن مسعود: فنحن نقول كما قال رسول الله ﷺ فالمعنى: اقرأ - يا محمد - ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفلق﴾.
قال ابن عباس: " الفلق: سجن في جهنم ". قال بعض الصحابة: الفلق بيت في جهنم، إذا فتح هرب أهل النار، [كذا في كتاب عبد بن حميد]. وذكر ابن وهب أن كعباً قال: الفلق بيت في جهنم إذا (فتح) صاح جميع أهل النار ن شدة حره أعاذنا الله منها.
8506
وقال السدي: الفلق جب " في جهنم ". وروى أبو هريرة أن النبي ﷺ ( قال): " الفلق جب في جهنم مغطى ".
وقال أبو عبد الرحمن [الحبلي]: هو جهنم.
وقال ابن عباس والحسن وابن جبير ومحمد بن كعب ومجاهد وقتادة وابن زيد: هو فقل النهار، يريدون فلق الصبح، وعن ابن جبير [أيضاً] أنه جب في النار.
والعرب تقول: هو أبين من فلق الصبح، ومن [فرق] الصبح يعنون الفجر، ويقولون لكل شيء أضاء من الأرض: فلق.
وعن ابن عباس أيضاً: الفلق: [الخلق].
8507
وقوله: ﴿مِن شَرِّ مَا خَلَقَ﴾، أي: من شر كل ذي شر، أمر الله نبيه أن يتعوذ من شر (كل) ذي شر، لأن ما سواه - تعالى ذكره - مخلوق.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ﴾.
قال ابن عباس والحسن: الغاسق [الليل إذا أظلم].
وقال محمد بن كعب ﴿غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ﴾ " النهار إذا دخل [في الليل].
وقال مجاهد: هو الليل [: إذا أظلم، وقال أيضاً]: إذا دخل.
وقال أبو هريرة رضي الله عنهـ: هو " كوكب ".
وقال ابن زيد: كانت العرب تقول: الغاسق سقوط الثريا، وكانت الأسقام والطاعون يكثران عند سقوطهما ويرتفعان عند طلوعها.
8508
وروى أبو هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: " النجم هو الغاسق ".
وقالت عائشة رضي الله عنها: " أخذ النبي ﷺ بيدي، ثم نظر إلى القمر فقال: يا عائشة، تعوذي بالله من شر غاسق إذا وقب، (هذا غاسق إذا وقب) " وقال الزهري: الغاسق إذا وقب: " الشمس إذا غربت ".
والمعروف في كلام العرب: وَقَبَ بمعنى دخَلَ.
ويقال: غَسَقَ: إذا أظلمَ، فالليل إذا دخل في ظلامه غاسقٌ، وكذا القمرُ إذا دخلَ في المَغيبِ للكسوف وغيره، وكذا النجم، [فالاستعاذة] عامة من [كل] هذا، فهو الظاهر.
ويقال: غَسَقَ إذَا أظلَمَ.
وقال القتبي: ﴿إِذَا وَقَبَ﴾: هو القمر إذا دخلَ في ساهُوِرِهِ، وهو كالغلاف له،
8509
وذلك إذا خسف. وكلّ شيء أسْوَدُ فهو غَسَقَ.
قال الحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة: الغاسق الليل.
قال الحسن: ﴿إِذَا وَقَبَ﴾: إذا دخل على الناس.
قال عكرمة: تجلى فيه عفاريت الجنّ.
ثم قال تعالى: ﴿وَمِن شَرِّ النفاثات فِي العقد﴾.
أي: من شرّ السواحر [اللاتي] ينفثن في الخيط حين [يَرْقِينَ] عليها.
قال ابن عباس: هو (ما) خلط السحر من الرُّقَى.
قال مجاهد: هو " الرُّقى فِي عُقَدِ الخَيْطِ ".
وقال مجاهد: هو نَفْثُ " السواحرِ في العقد ".
8510
ويقال: إنهنّ نساء كنّ في عهد رسول الله ﷺ سواحر، أمر النبي ﷺ بالاستعاذة منهنّ، لأنهنّ يوهمن/ أنهم [ينفعن] أو [يضرّن]، فربما لحق الإنسانَ في دينه مأثم. ويروى أنّ النبيَّ لمّا سُحِرَ عُقِدَ لهُ إحدَى عشْرة عُقْدَةً، فأَنْزَلَ الله جلَّ ذكرُه إحدى [عَشْرَةَ] آيةً بِعَدَدِ العُقَدِ، وهي المَعُوذَتَانِ.
والنَّفْثُ يكونُ بالفَمِ [شَبيهٌ] بالنَّفْخِ، والتَّفْلُ لا يَكُونُ إلاّ معَ الرِّيقِ.
ثم قال: ﴿وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾.
قال قتادة: معناه: " من شرِّ عَيْنِهِ وَنَفْسِهِ ".
وقال ابن زيد: أُمِرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ [يَسْتَعِيذَ] مِنْ شَرِّ اليَهُودِ الّذينَ حَسَدُوهُ، لَمْ يَمْنَعُهُم أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ إلاَّ [حسَدُهُم].
8511
وقيل: هو لَبيدُ بنُ الأَعْصَمِ وبَناتِهِ منَ السَّواحِرِ.
8512
سورة الفلق
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الفَلَق) من السُّوَر المكية، يطلق عليها وعلى سورة (الناس): (المُعوِّذتانِ)، ومحورها تعليمُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين الالتجاءَ إلى الله عز وجل؛ ليحميَهم ويُعِيذَهم من شرِّ الخَلْق، وقد أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءتها في غير موضع: بعد كلِّ صلاة، وصباحًا ومساءً، وكان صلى الله عليه وسلم إذا تأذى أحدٌ من أهل بيته قرأ عليه (المُعوِّذتين).

ترتيبها المصحفي
113
نوعها
مكية
ألفاظها
23
ترتيب نزولها
20
العد المدني الأول
5
العد المدني الأخير
5
العد البصري
5
العد الكوفي
5
العد الشامي
5

* سورة (الفَلَقِ):

سُمِّيت سورة (الفَلَقِ) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ} [الفلق: 1].

* سورة {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ}:

سُمِّيت بهذا الاسم؛ لافتتاحها به، وقد ثبَت هذا الاسمُ في كثير من الأحاديث؛ منها:

ما جاء عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «اتَّبَعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو راكبٌ، فوضَعْتُ يدي على قَدَمِه، فقلتُ: أقرِئْني يا رسولَ اللهِ سورةَ هودٍ، وسورةَ يوسُفَ، فقال: «لن تَقرأَ شيئًا أبلَغَ عند اللهِ مِن {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ}»». أخرجه النسائي (953).

* وتُسمَّى مع سورة (الناس) بـ (المُعوِّذتَينِ):

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه: «أنَّ النبيَّ ﷺ أَمَّهم بالمُعوِّذتَينِ في صلاةِ الصُّبْحِ». أخرجه ابن حبان (١٨١٨).

* أمَر النبي صلى الله عليه وسلم بقراءة (المُعوِّذتَينِ) بعد كل صلاة:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «أمَرَني النبيُّ ﷺ أن أقرأَ بالمُعوِّذاتِ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ». أخرجه أبو داود (١٥٢٣).

* كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَرقِي أهلَه بـ(المُعوِّذات):

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا مَرِضَ أحدٌ مِن أهلِ بيتِه، نفَثَ عليه بالمُعوِّذاتِ...». أخرجه مسلم (٢١٩٢).

* وصَفهنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنْ لا مثيلَ لهنَّ:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: «ألَمْ ترَ آياتٍ أُنزِلتِ اللَّيلةَ لم يُرَ مِثْلُهنَّ قطُّ؟! {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ}». أخرجه مسلم (٨١٤).

قرَأ النبيُّ صلى الله عليه وسلم (المُعوِّذتَينِ) في غير موضع:

* في صلاة الفجر:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه: «أنَّ النبيَّ ﷺ أَمَّهم بالمُعوِّذتَينِ في صلاةِ الصُّبْحِ». أخرجه ابن حبان (١٨١٨).

* في الوتر:

عن عبدِ العزيزِ بن جُرَيجٍ، قال: «سألتُ عائشةَ أمَّ المؤمنين: بأيِّ شيءٍ كان يُوتِرُ رسولُ اللهِ ﷺ؟ قالت: كان يَقرأُ في الركعةِ الأُولى بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، وفي الثانيةِ بـ {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، وفي الثالثةِ بـ {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، والمُعوِّذتَينِ». أخرجه أحمد (25906).

* قبل النوم:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوَى إلى فراشِه، جمَعَ كفَّيْهِ، ثم نفَثَ فيهما، وقرَأَ فيهما بـ {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ}، ثمَّ يَمسَحُ بهما ما استطاعَ مِن جسدِه، يَفعَلُ ذلك ثلاثَ مرَّاتٍ». أخرجه ابن حبان (٥٥٤٤).

* أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءة (المُعوِّذتَينِ) صباحًا ومساءً:

عن عبدِ اللهِ بن خُبَيبٍ رضي الله عنه، قال: «خرَجْنا في ليلةِ مطَرٍ وظُلْمةٍ شديدةٍ نطلُبُ رسولَ اللهِ ﷺ ليُصلِّيَ لنا، فأدرَكْناه، فقال: «أصلَّيْتم؟»، فلَمْ أقُلْ شيئًا، فقال: «قُلْ»، فلَمْ أقُلْ شيئًا، ثم قال: «قُلْ»، فلَمْ أقُلْ شيئًا، ثم قال: «قُلْ»، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، ما أقولُ؟ قال: {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ} والمُعوِّذتَينِ حينَ تُمسِي وحينَ تُصبِحُ ثلاثَ مرَّاتٍ: تَكفِيك مِن كلِّ شيءٍ»». أخرجه أبو داود (٥٠٨٢).

* أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءة المُعوِّذتَينِ بعد كل صلاة:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «أمَرَني النبيُّ ﷺ أن أقرَأَ المُعوِّذاتِ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ». أخرجه أبو داود (١٥٢٣).

الاستعاذةُ بالله من شرِّ الخَلْقِ الظاهر (١-٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /468).

تعليمُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم كلماتٍ للالتجاءِ إليه، والتعوُّذِ به من شرِّ ما يُتَّقى شرُّه من شرِّ المخلوقات الشريرة.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /625).