تفسير سورة الفلق

الدر المصون

تفسير سورة سورة الفلق من كتاب الدر المصون في علوم الكتاب المكنون المعروف بـالدر المصون.
لمؤلفه السمين الحلبي . المتوفي سنة 756 هـ

قوله: ﴿الفلق﴾ : هو الصُّبْحُ. وهو فَعَل بمعنى مَفْعُول كالقَبَضِ، اي: مَفْلوق. وفي الحديث: «الرُّؤْيا مِثْلُ فَلَقِ الصُّبح» قال الشاعر:
٤٦٨٢ - يا ليلةً لم أَنَمْها بِتُّ مُرْتَقِباً أَرْعَى النجومَ إلى أنْ نَوَّرَ الفَلَقُ
وقال ذو الرمة:
٤٦٨٣ - حتى إذا ما انجلى عن وَجْهِه فَلَقٌ هادِيْهِ في أُخْرَياتِ الليلِ مُنْتَصِبُ
وقيل: هو جُبُّ في جهنَّمَ. وقيل: المطمئِنُّ من الأرض. وجمعُه فُلْقان. وقيل: كلُّ ما فُلِقَ كالحَبِّ والأرضِ عن النبات.
قوله: ﴿مِن شَرِّ مَا خَلَقَ﴾ : متعلقٌ ب «أعوذُ» والعامَّةُ على إضافةِ «شَرِّ» إلى «ما» وقرأ عمرو بن فائد بتنوينه. وقال ابنُ عطية: «عمروُ بن عبيد وبعضُ المعتزلة الذين يَرَوْن أنَّ اللَّهَ لم يَخْلُقِ الشرَّ:» مِنْ شَرٍ «بالتنوين» ما خلقَ «على النفي، وهي قراءةٌ مردودةٌ مبنيَّةٌ على مذهبٍ باطلٍ» انتهى ولا يتعيَّن أَنْ تكونَ «ما» نافيةً، بل يجوزُ أن تكونَ موصولةً بدلاً مِنْ «شر» على حذفِ مضافٍ، أي: من شَرٍ شَرِّ ما خَلَقَ. عَمَّم أولاً [ثم خَصَّص ثانياً] وقال ابو البقاء: «وما على هذا بدلٌ مِنْ» شرّ «أو زائدةٌ. ولا يجوزُ أَنْ تكونَ نافيةٌ؛ لأنَّ النافيةَ لا يتقدَّمُ عليها ما في حَيِّزِها. فلذلك لم يَجُزْ أَنْ يكونَ التقدير: ما خَلَقَ مِنْ شر، ثم هو فاسِدُ المعنى» قلت: وهو رَدٌّ حسنٌ صناعيٌّ. ولا يقال: إنَّ «مِنْ شرّ» متعلقٌ ب «أعوذُ» وحُذِفَ مفعولُ «خَلَق» لأنه خلافُ الأصلِ. وقد أَنْحى مكيُّ على هذا القائلِ، ورَدَّه بما تقدَّم أقبحَ رَدّ. [و «ما» مصدريةٌ، أو بمعنى الذي].
قوله: ﴿وَقَبَ﴾ : وَقَبَ الليلُ: أظلم، والعذابُ: حَلَّ، والشمسُ: [غَرَبَتْ: وقيل: وَقَبَ، أي: دَخَلَ] قال الشاعر:
158
٤٦٨٤ - وَقَبَ العذابُ عليهمُ فكأنَّهمْ لَحِقَتْهُمُ نارُ الس‍َّمومِ فأُحْصِدوا
والغاسِقُ قيل: الليلُ. وقيل: القمر. سُمِّي الليلُ غاسِقاً لبُرودته. وقد تقدَّم الكلامُ على هذه المادةِ في سورة ص. واسْتُعيذ من الليل لِما يبيتُ فيه من الآفاتِ. قال الشاعر:
٤٦٨٥ - يا طيفَ هندٍ لقد أَبْقَيْتَ لي أَرَقا إذ جِئْتَنا طارقاً والليلُ قد غَسَقا
أي: أظلمَ واعْتَكَرَ. و «إذا» منصوب ب «أعوذُ»، أي: أعوذُ باللَّهِ مِنْ هذا في وقتِ كذا.
159
قوله: ﴿النفاثات﴾ : جمع نَفَّاثَة مثالُ مبالغةٍ. من نَفَثَ، أي: نَفَخَ. واخْتُلِفَ فيه فقال أبو الفضل: شَبَّه النَّفْخَ من الفمِ في الرُّقْيَةِ ولا شيءَ معه. فإذا كان بِرِيْقٍ فهو التَّفْلُ وأنشد:
٤٦٨٦ - فإنْ يَبْرَأْ فلم أَنْفُِثْ عليهِ وإنْ يَفْقَدْ فَحَقَّ له الفُقُودُ
وقال الزمخشري: «نَفْخٌ معه رِيْقٌ» وقرأ الحسن «النُّفَّاثات»
159
بضم النون، وهي اسم كالنُّفَّاخَة. ويعقوب وعبدُ الله بن القاسم «النافِثات» وهي محتملةٌ لقراءةِ العامة، والحسن ايضاً وأبو الرَّبيع «النَّفِثات» دونَ ألفٍ كحاذِر وحَذِر. ونَكِّر غاسِقاً وحاسداً لأنه قد يَتَخَلَّفُ الضَّرَرُ فيهما. فالتنكيرُ يفيد التبعيضَ. وعَرَّفَ «النفَّاثات» : إمَّا للعَهْدِ كما يروى في التفسير، وإمَّا للمبالغةِ في الشَّرِّ.
160
سورة الفلق
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الفَلَق) من السُّوَر المكية، يطلق عليها وعلى سورة (الناس): (المُعوِّذتانِ)، ومحورها تعليمُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين الالتجاءَ إلى الله عز وجل؛ ليحميَهم ويُعِيذَهم من شرِّ الخَلْق، وقد أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءتها في غير موضع: بعد كلِّ صلاة، وصباحًا ومساءً، وكان صلى الله عليه وسلم إذا تأذى أحدٌ من أهل بيته قرأ عليه (المُعوِّذتين).

ترتيبها المصحفي
113
نوعها
مكية
ألفاظها
23
ترتيب نزولها
20
العد المدني الأول
5
العد المدني الأخير
5
العد البصري
5
العد الكوفي
5
العد الشامي
5

* سورة (الفَلَقِ):

سُمِّيت سورة (الفَلَقِ) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ} [الفلق: 1].

* سورة {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ}:

سُمِّيت بهذا الاسم؛ لافتتاحها به، وقد ثبَت هذا الاسمُ في كثير من الأحاديث؛ منها:

ما جاء عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «اتَّبَعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو راكبٌ، فوضَعْتُ يدي على قَدَمِه، فقلتُ: أقرِئْني يا رسولَ اللهِ سورةَ هودٍ، وسورةَ يوسُفَ، فقال: «لن تَقرأَ شيئًا أبلَغَ عند اللهِ مِن {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ}»». أخرجه النسائي (953).

* وتُسمَّى مع سورة (الناس) بـ (المُعوِّذتَينِ):

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه: «أنَّ النبيَّ ﷺ أَمَّهم بالمُعوِّذتَينِ في صلاةِ الصُّبْحِ». أخرجه ابن حبان (١٨١٨).

* أمَر النبي صلى الله عليه وسلم بقراءة (المُعوِّذتَينِ) بعد كل صلاة:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «أمَرَني النبيُّ ﷺ أن أقرأَ بالمُعوِّذاتِ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ». أخرجه أبو داود (١٥٢٣).

* كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَرقِي أهلَه بـ(المُعوِّذات):

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا مَرِضَ أحدٌ مِن أهلِ بيتِه، نفَثَ عليه بالمُعوِّذاتِ...». أخرجه مسلم (٢١٩٢).

* وصَفهنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنْ لا مثيلَ لهنَّ:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: «ألَمْ ترَ آياتٍ أُنزِلتِ اللَّيلةَ لم يُرَ مِثْلُهنَّ قطُّ؟! {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ}». أخرجه مسلم (٨١٤).

قرَأ النبيُّ صلى الله عليه وسلم (المُعوِّذتَينِ) في غير موضع:

* في صلاة الفجر:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه: «أنَّ النبيَّ ﷺ أَمَّهم بالمُعوِّذتَينِ في صلاةِ الصُّبْحِ». أخرجه ابن حبان (١٨١٨).

* في الوتر:

عن عبدِ العزيزِ بن جُرَيجٍ، قال: «سألتُ عائشةَ أمَّ المؤمنين: بأيِّ شيءٍ كان يُوتِرُ رسولُ اللهِ ﷺ؟ قالت: كان يَقرأُ في الركعةِ الأُولى بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، وفي الثانيةِ بـ {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، وفي الثالثةِ بـ {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، والمُعوِّذتَينِ». أخرجه أحمد (25906).

* قبل النوم:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوَى إلى فراشِه، جمَعَ كفَّيْهِ، ثم نفَثَ فيهما، وقرَأَ فيهما بـ {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ}، ثمَّ يَمسَحُ بهما ما استطاعَ مِن جسدِه، يَفعَلُ ذلك ثلاثَ مرَّاتٍ». أخرجه ابن حبان (٥٥٤٤).

* أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءة (المُعوِّذتَينِ) صباحًا ومساءً:

عن عبدِ اللهِ بن خُبَيبٍ رضي الله عنه، قال: «خرَجْنا في ليلةِ مطَرٍ وظُلْمةٍ شديدةٍ نطلُبُ رسولَ اللهِ ﷺ ليُصلِّيَ لنا، فأدرَكْناه، فقال: «أصلَّيْتم؟»، فلَمْ أقُلْ شيئًا، فقال: «قُلْ»، فلَمْ أقُلْ شيئًا، ثم قال: «قُلْ»، فلَمْ أقُلْ شيئًا، ثم قال: «قُلْ»، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، ما أقولُ؟ قال: {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ} والمُعوِّذتَينِ حينَ تُمسِي وحينَ تُصبِحُ ثلاثَ مرَّاتٍ: تَكفِيك مِن كلِّ شيءٍ»». أخرجه أبو داود (٥٠٨٢).

* أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءة المُعوِّذتَينِ بعد كل صلاة:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «أمَرَني النبيُّ ﷺ أن أقرَأَ المُعوِّذاتِ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ». أخرجه أبو داود (١٥٢٣).

الاستعاذةُ بالله من شرِّ الخَلْقِ الظاهر (١-٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /468).

تعليمُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم كلماتٍ للالتجاءِ إليه، والتعوُّذِ به من شرِّ ما يُتَّقى شرُّه من شرِّ المخلوقات الشريرة.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /625).