تفسير سورة الفلق

تفسير التستري

تفسير سورة سورة الفلق من كتاب تفسير التستري المعروف بـتفسير التستري.
لمؤلفه سهل التستري . المتوفي سنة 283 هـ
قوله تعالى :﴿ قل أعوذ برب الفلق ﴾ [ ١ ] قال : إن الله تعالى أمره في هاتين السورتين بالاعتصام والاستعانة به، وإظهار الفقر إليه. قيل : ما إظهار الفقر ؟ قال : هو الحال بالحال ؛ لأن الطبع ميت، وإظهاره حياته.
وقال : أفضل الطهارة أن يطهر العبد من حوله وقوته، وكل فعل أو قول لا يقارنه «لا حول ولا قوة إلا بالله » لا يتولاه الله عز وجل، وكل قول لا يقارنه استثناء عوقب عليه، وإن كان برا، وكل مصيبة لا يقارنها استرجاع لم يثبت عليها صاحبها يوم القيامة.

السورة التي يذكر فيها الفلق
[سورة الفلق (١١٣) : الآيات ١ الى ٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (٢) وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (٣) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (٤)
وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (٥)
قوله تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [١] قال: إن الله تعالى أمره في هاتين السورتين بالاعتصام والاستعانة به، وإظهار الفقر إليه. قيل: ما إظهار الفقر؟ قال: هو الحال بالحال، لأن الطبع ميت وإظهاره حياته.
وقال: أفضل الطهارة أن يطهر العبد من حوله وقوته، وكل فعل أو قول لا يقارنه «لا حول ولا قوة إلا بالله» لا يتولاه الله عزَّ وجلَّ، وكل قول لا يقارنه استثناء عوقب عليه، وإن كان براً، وكل مصيبة لا يقارنها استرجاع لم يثبت عليها صاحبها يوم القيامة.
قال: والفلق: الصبح عند ابن عباس رضي الله عنه، وهو عند الضحاك: وادٍ في النار، وعند وهب: بيت في النار، وعند الحسن: جب في النار.
وقيل: أراد به جميع الخلق، وقيل: هو الصخور تنفلق عن المياه.
مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ [٢] من الإنس والجن، وذلك أن لبيد بن أعصم اليهودي سحر النبي صلى الله عليه وسلّم في بئر بني بياضة، وكان يسد إليها فاسد إليها فدب فيه السحر، فاشتد عليه ذلك، فأنزل الله تعالى المعوذتين، وأخبره جبريل عليه السلام بالسحر، وأخرج إليها رجلين من أصحابه فأخرجاه من البئر، وجاءا به إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فجعل يحل عقدة ويقرأ آية، حتى برىء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد ما ختم السورتين بلا مهلة، فكان لبيد بعد ذلك يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فما رأى في وجه النبي صلى الله عليه وسلّم من ذلك شيئاً، ولا ذاكره ذلك «١».
وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ [٣] يعني إذا دخل الليل. وقيل: إذا اشتدت ظلمته. وقيل:
وقوب الليل في النهار أول الليل ترسل فيه عفاريت الجن فلا يشفى مصاب تلك الساعة.
قال سهل: وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ [٣] باطنها الذكر إذا دخله رؤية النفس، فستر عن الإخلاص لله بالذكر فيه.
وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ [٤] أي السواحر تنفث في العقد.
وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ [٥] يعني اليهود حسدوا النبي صلى الله عليه وسلّم حتى سحروه.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: في هذه الآية هو نفس ابن آدم.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
(١) انظر خبر السحر في: صحيح البخاري: باب هل يستخرج السحر، رقم ٥٤٣٢، وباب إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل، رقم ٥٧١٦، ودلائل النبوة للأصبهاني ١/ ١٧٠ والسيرة ٣/ ٤٨.
سورة الفلق
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الفَلَق) من السُّوَر المكية، يطلق عليها وعلى سورة (الناس): (المُعوِّذتانِ)، ومحورها تعليمُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين الالتجاءَ إلى الله عز وجل؛ ليحميَهم ويُعِيذَهم من شرِّ الخَلْق، وقد أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءتها في غير موضع: بعد كلِّ صلاة، وصباحًا ومساءً، وكان صلى الله عليه وسلم إذا تأذى أحدٌ من أهل بيته قرأ عليه (المُعوِّذتين).

ترتيبها المصحفي
113
نوعها
مكية
ألفاظها
23
ترتيب نزولها
20
العد المدني الأول
5
العد المدني الأخير
5
العد البصري
5
العد الكوفي
5
العد الشامي
5

* سورة (الفَلَقِ):

سُمِّيت سورة (الفَلَقِ) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ} [الفلق: 1].

* سورة {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ}:

سُمِّيت بهذا الاسم؛ لافتتاحها به، وقد ثبَت هذا الاسمُ في كثير من الأحاديث؛ منها:

ما جاء عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «اتَّبَعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو راكبٌ، فوضَعْتُ يدي على قَدَمِه، فقلتُ: أقرِئْني يا رسولَ اللهِ سورةَ هودٍ، وسورةَ يوسُفَ، فقال: «لن تَقرأَ شيئًا أبلَغَ عند اللهِ مِن {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ}»». أخرجه النسائي (953).

* وتُسمَّى مع سورة (الناس) بـ (المُعوِّذتَينِ):

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه: «أنَّ النبيَّ ﷺ أَمَّهم بالمُعوِّذتَينِ في صلاةِ الصُّبْحِ». أخرجه ابن حبان (١٨١٨).

* أمَر النبي صلى الله عليه وسلم بقراءة (المُعوِّذتَينِ) بعد كل صلاة:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «أمَرَني النبيُّ ﷺ أن أقرأَ بالمُعوِّذاتِ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ». أخرجه أبو داود (١٥٢٣).

* كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَرقِي أهلَه بـ(المُعوِّذات):

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا مَرِضَ أحدٌ مِن أهلِ بيتِه، نفَثَ عليه بالمُعوِّذاتِ...». أخرجه مسلم (٢١٩٢).

* وصَفهنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنْ لا مثيلَ لهنَّ:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: «ألَمْ ترَ آياتٍ أُنزِلتِ اللَّيلةَ لم يُرَ مِثْلُهنَّ قطُّ؟! {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ}». أخرجه مسلم (٨١٤).

قرَأ النبيُّ صلى الله عليه وسلم (المُعوِّذتَينِ) في غير موضع:

* في صلاة الفجر:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه: «أنَّ النبيَّ ﷺ أَمَّهم بالمُعوِّذتَينِ في صلاةِ الصُّبْحِ». أخرجه ابن حبان (١٨١٨).

* في الوتر:

عن عبدِ العزيزِ بن جُرَيجٍ، قال: «سألتُ عائشةَ أمَّ المؤمنين: بأيِّ شيءٍ كان يُوتِرُ رسولُ اللهِ ﷺ؟ قالت: كان يَقرأُ في الركعةِ الأُولى بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، وفي الثانيةِ بـ {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، وفي الثالثةِ بـ {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، والمُعوِّذتَينِ». أخرجه أحمد (25906).

* قبل النوم:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوَى إلى فراشِه، جمَعَ كفَّيْهِ، ثم نفَثَ فيهما، وقرَأَ فيهما بـ {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ}، ثمَّ يَمسَحُ بهما ما استطاعَ مِن جسدِه، يَفعَلُ ذلك ثلاثَ مرَّاتٍ». أخرجه ابن حبان (٥٥٤٤).

* أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءة (المُعوِّذتَينِ) صباحًا ومساءً:

عن عبدِ اللهِ بن خُبَيبٍ رضي الله عنه، قال: «خرَجْنا في ليلةِ مطَرٍ وظُلْمةٍ شديدةٍ نطلُبُ رسولَ اللهِ ﷺ ليُصلِّيَ لنا، فأدرَكْناه، فقال: «أصلَّيْتم؟»، فلَمْ أقُلْ شيئًا، فقال: «قُلْ»، فلَمْ أقُلْ شيئًا، ثم قال: «قُلْ»، فلَمْ أقُلْ شيئًا، ثم قال: «قُلْ»، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، ما أقولُ؟ قال: {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ} والمُعوِّذتَينِ حينَ تُمسِي وحينَ تُصبِحُ ثلاثَ مرَّاتٍ: تَكفِيك مِن كلِّ شيءٍ»». أخرجه أبو داود (٥٠٨٢).

* أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءة المُعوِّذتَينِ بعد كل صلاة:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «أمَرَني النبيُّ ﷺ أن أقرَأَ المُعوِّذاتِ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ». أخرجه أبو داود (١٥٢٣).

الاستعاذةُ بالله من شرِّ الخَلْقِ الظاهر (١-٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /468).

تعليمُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم كلماتٍ للالتجاءِ إليه، والتعوُّذِ به من شرِّ ما يُتَّقى شرُّه من شرِّ المخلوقات الشريرة.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /625).