ﰡ
﴿المر﴾ أنا الله أعلم وأرى عن ابن عباس رضي الله عنهما ﴿تلك﴾ اشارة إلى آيات السورة ﴿آيات الكتاب﴾ أريد بالكتاب السورة أي تلك الآيات آيات السورة الكاملة العجيبة في بابها ﴿والذي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ﴾ أي القرآن كله ﴿الحق﴾ خبر والذي ﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ فيقولون تقوَّله محمد
ثم ذكر ما يوجب الإيمان فقال ﴿الله الذي رَفَعَ السماوات﴾ أي خلقها مرفوعة لا أن تكون موضوعة فرفعها والله مبتدأ والخبر الذي رفع السموات ﴿بِغَيْرِ عَمَدٍ﴾ حال وهو جمع عماد أو عمود ﴿ترونها﴾ الضمير يعود الى السموات أي ترونها كذلك فلا حاجة إلى البيان أو إلى عمد فيكون في موضع جر على أنه صفة لعمد أي بغير عمد مرئية ﴿ثُمَّ استوى عَلَى العرش﴾ استولى بالاقتدار ونفوذ السلطان ﴿وَسَخَّرَ الشمس والقمر﴾ لمنافع عباده ومصالح بلاده ﴿كُلٌّ يَجْرِي لأَِجَلٍ مُّسَمًّى﴾ وهو انقضاء الدنيا ﴿يُدَبِّرُ الأمر﴾ أمر ملكوته وربوبيته ﴿يُفَصّلُ الآيات﴾ يبين آياته في كتبه المنزلة ﴿لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ﴾ لعلكم توقنون بأن هذا المدبر والمفصل لا بد لكم من الرجوع اليه
﴿وَهُوَ الذي مَدَّ الأرض﴾ بسطها ﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ﴾ جبالاً ثوابت ﴿وأنهارا﴾ جارية ﴿وَمِن كُلِّ الثمرات جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثنين﴾ أي الأسود والأبيض والحلو والحامض والصغير والكبير وما أشبه ذلك ﴿يغشي الليل النَّهارَ﴾ يلبسه مكانه فيصير أسود مظلماً بعد ما كان أبيض منيراً يغشِّي حمزة وعلي وأبو بكر ﴿إِنَّ فِي ذلك لآيات لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ فيعلمون أن لها صانعا عليما
الرعد (٤ _ ٦)
حكيما قادرا
﴿وَفِي الأرض قِطَعٌ متجاورات﴾ بقاع مختلفة مع كونها متجاورة متلاصقة طيبة إلى سبخة وكريمة إلى زهيدة وصلبة إلى رخوة وذلك دليل على قادر مدبر مريد موقع لأفعاله على وجه دون وجه ﴿وجنات﴾ معطوفة على قطع ﴿مِّنْ أعناب وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صنوان وَغَيْرُ صنوان﴾ بالرفع مكي وبصري وحفص عطف على قطع غيرهم بالجر بالعطف على أعناب والصنوان جمع صنو وهي النخلة لها رأسان وأصلها واحد وعن حفص بضم الصاد وهما لغتان ﴿يسقى بِمَاءٍ واحد﴾ وبالياء عاصم وشامي ﴿وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا على بَعْضٍ﴾ وبالياء حمزة وعلي ﴿فِي الأكل﴾ في الثمر وبسكون الكاف نافع ومكي ﴿إِنَّ فِي ذلك لآيات لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ عن الحسن مثل اختلاف القلوب في آثارها وأنوارها وأسرارها باختلاف القطع في أنهارها وأزهارها وثمارها
﴿وَإِن تَعْجَبْ﴾ يا محمد من قولهم في إنكار البعث ﴿فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ﴾
﴿َويسْتَعْجِلُونَكَ بالسيئة قَبْلَ الحسنة﴾ بالنقمة قبل العافية وذلك أنهم سألوا رسول الله ﷺ أن يأتيهم بالعذاب استهزاء منهم بإنذاره ﴿وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ المثلات﴾ أي عقوبات أمثالهم من المكذبين فما لهم لم يعتبروا بها فلا يستهزءوا والمثلة العقوبة لما بين العقاب والمعاقب عليه من المماثلة وجزاء سيئة سيئة مثلها ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ﴾ أي مع ظلمهم أنفسهم بالذنوب ومحله الحال أي ظالمين لأنفسهم قال السدي يعني المؤمنين وهي أرجى آية في كتاب الله حيث ذكر المغفرة مع الظلم وهو بدون التوبة فإن التوبة تزيلها وترفعها ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ العقاب﴾ على
الرعد (٧ _ ١٠)
الكافرين أو هما جميعاً في المؤمنين لكنه معلق بالمشيئة فيهما أي يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء
﴿ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه اية مّن رَّبِّهِ﴾ لم يعتدوا بالآيات المنزلة على رسول الله ﷺ عناداً فاقترحوا نحو آيات موسى وعيسى من انقلاب العصاحية واحياء الموتى فقيل لرسول الله ﷺ ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ﴾ إنما أنت رجل أرسلت منذراً مخوفاً لهم من سوء العاقبة وناصحاً كغيرك من الرسل
﴿الله يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أنثى وَمَا تَغِيضُ الأرحام وَمَا تَزْدَادُ﴾ ما في هذه المواضع الثلاثة موصولة أي يعلم ما تحمله من الولد على أي حال هو من ذكورة وأنوثة وتمام وخداج وحسن وقبح وطول وقصر وغير ذلك وما تغيضه الأرحام أي ويعلم ما تنقصه يقال غاض الماء وغضته أنا وما تزداده والمراد عدد الولد فإنها تشتمل على واحد واثنين وثلاثا وأربعة أو جسد الولد فإنه يكون تاماً ومخدجاً أو مدة الولادة فإنها تكون أقل من تسعة أشهر وأزيد عليها إلى سنتين عندنا وإلى أربع عند الشافعي وإلى خمس عند مالك أو مصدرية اي يعلم حمل كل أثنى ويعلم غيض الأرحام وازديادها ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بمقدار﴾ بقدر وحد لا يجاوزه ولا ينقص عنه لقوله إِنَّا كُلَّ شَيْء خلقناه بقدر
﴿عالم الغيب﴾ ما غاب عن الخلق ﴿والشهادة﴾ ما شاهدوه ﴿الكبير﴾ العظيم الشأن الذي كل شيء دونه ﴿المتعال﴾ المستعلي على كل شيء بقدرته أو الذي كبر عن صفات المخلوقين وتعالى عنها وبالياء في الحالين مكي
﴿سَوَاء مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ القول وَمَنْ جَهَرَ بِهِ﴾ أي في علمه ﴿وَمَنْ هو مستخفٍ بالليل﴾ متوارٍ ﴿وَسَارِبٌ بالنهار﴾ ذاهب في سربه أي في طريقه
والضمير في ﴿لَهُ﴾ مردود على من كأنه قيل لمن أسر ومن جهر ومن استخفى ومن سرب ﴿معقبات﴾ جماعات من الملائكة تعتقب في حفظه والأصل معتقبات فأدغمت التاء في القاف أو هو مفعلات من عقبه إذا جاء على عقبه لأن
الرعد (١١ _ ١٣)
بعضهم يعقب بعضاً أو لأنهم يعقبون ما يتكلم به فيكتبونه ﴿مّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ﴾ أي قدامه ووراءه ﴿يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله﴾ هما صفتان جميعاً وليس من أمر الله بصلة للحفظ كأنه قيل له معقبات من أمر الله أو يحفظونه من أجل أمر الله أي من أجل أن الله تعالى أمرهم بحفظه أو يحفظونه من بأس الله ونقمته إذا أذنب بدعائهم له ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ﴾ من العافية والنعمة ﴿حتى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ من الحال الجميلة بكثرة المعاصي ﴿وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً﴾ عذاباً ﴿فَلاَ مَرَدَّ لَهُ﴾ فلا يدفعه شيء ﴿وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ﴾ من دون الله ممن يلي أمرهم ويدفع عنهم
﴿هُوَ الذي يُرِيكُمُ البرق خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ انتصبا على الحال من البرق كأنه في نفسه خوف وطمع أو على ذا خوف وذا طمع أو من المخاطبين أي خائفين وطامعين والمعنى يخاف من وقوع الصواعق عند لمع البرق ويطمع في الغيث قال أبو الطيب
فتى كالسحاب الجون يخشى ويرتجي | يرجّى الحيا منه وتخشى الصواعق |