ﰡ
وأنت امرؤٌ من أهل بيت ذُؤَابةٍ... لهم قدمٌ معروفةٌ ومفاخر
وقال أبو عبيدة: كل سابق في خير أو شر فهو قدم وقال الأخفش: سابقة إخلاص ﴿يُدَبِّرُ﴾ التدبير القضاء والتقدير على حسب الحكمة ﴿القسط﴾ العدل ﴿حَمِيمٍ﴾ الحميم: الماء الحار الذي سخن بالنار حتى انتهى حره ﴿يُفَصِّلُ﴾ التفصيل: التبيين والتوضيح ﴿مَأْوَاهُمُ﴾ مثواهم ومقامهم ﴿طُغْيَانِهِمْ﴾ الطغيان العلو والارتفاع ﴿يَعْمَهُونَ﴾ يتحيَّرون ﴿خَلاَئِفَ﴾ جمع خليفة وهو الذي يخلف غيره في شئونه.
سَبَبُ النّزول: قال ابن عباس: لما بعث الله تعالى محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أنكرت الكفار وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشراً، أما وجد الله من يرسله إِلا يتيم أبي طالب؟ فأنزل الله ﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إلى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ الناس... ﴾ الآية.
التفسِير: ﴿الر﴾ إِشارة إِلى أن هذا الكلام البليغ المعجز، مكوّن من جنس الأحرف التي يتكون منها كلامكم، فمن هذه الحروف وأمثالها تتألف آيات الكتاب الحكيم، وهي في متناول أيديهم ثم يعجزون عن الإِتيان بمثل آية واحدة منه ﴿تِلْكَ آيَاتُ الكتاب الحكيم﴾ أي هذه آيات القرآن المُحكْم المبين الذي لا يدخله شك، ولا يعتريه كذب ولا تناقض ﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إلى رَجُلٍ مِّنْهُمْ﴾ أي أكان عجباً لأهل مكة إِيحاؤنا إِلى رجلٍ منهم هو محمد عليه السلام؟ والهمزة للإِنكار أي لا عجب في ذلك فهي عادة الله في الأمم السالفة أوحى إِلى رسلهم ليبلغوهم رسالة الله ﴿أَنْ أَنذِرِ الناس﴾ أي أوحينا إِليه بأن خوِف الكفار عذاب النار ﴿وَبَشِّرِ الذين آمنوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ أي وأنْ بَشّرٍ المؤمنين بأنَّ لهم سابقةً ومنزلة رفيعة عند ربهم بما قدموا من صالح الأعمال ﴿قَالَ الكافرون إِنَّ هذا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ﴾ أي ومع ضوح صدق الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال المشركون: إٍِنَّ محمداً لساحرٌ ظاهر السحر، مبطلٌ فيما يدَّعيه قال البيضاوي: وفيه اعترافٌ من حيث لا يشعرون بأن ما جاء به خارجٌ عن طوق البشر ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ أي إنَّ ربكم ومالك أمركم الذي ينبغي أن تفردوه بالعبادة هو الذي خلق الكائنات في مقدار سته أيام من أيام الدنيا، ولو شاء لخلقهنَّ في لمحة ولكنه أراد تعليم العباد التأني والتثبت في الأمور {ثُمَّ استوى عَلَى
﴿مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ الدهر﴾ [الجاثية: ٢٤] ﴿إِنَّهُ يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ أي كما ابتدأ الخلق كذلك يعيده ﴿لِيَجْزِيَ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات بالقسط﴾ أي ليجزي المؤمنين بالعدل، ونوفيّهم أجورهم بالجزاء الأوفى ﴿والذين كَفَرُواْ﴾ أي والذين جحدوا بالله وكذبوا رسله ﴿لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ﴾ أي لهم في جهنم شرابٌ من حيمم، بالغ النهاية في الحرارة ﴿وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ﴾ أي ولهم عذاب موجع بسبب كفرهم وإِشراكهم قال البيضاوي: والآية كالتعليل لما سبق فإِنه لما كان المقصود من البدء والإِعادة مجازاة المكلفين على أعمالهم كان مرجع الجميع إِليه لا محالة ﴿هُوَ الذي جَعَلَ الشمس ضِيَآءً﴾ الآية للتنبيه على دلائل القدرة والوحدانية أي هو تعالى بقدرته جعل الشمس مضيئة ساطعة بالنهار كالسراج الوهّاج ﴿والقمر نُوراً﴾ أي وجعل القمر منيراً بالليل وهذا من كمال رحمته بالعباد، ولما كانت الشمس أعظم جرماً خُصَّت بالضياء، لأنه هو الذي له شطوعٌ ولَمعان قال الطبري: المعنى أضاء الشمس وأنار القمر ﴿وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ﴾ أي قدَّر سيره في منازل وهي البروج ﴿لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنين والحساب﴾ أي لتعلموا أيها الناس حساب الأوقات، فبالشمس تعرف الأيام، وبسير القمر تُعرف الشهور والأعوام ﴿مَا خَلَقَ الله ذلك إِلاَّ بالحق﴾ أي ما خلق تعالى ذلك عبثاً بل لحكمة عظيمة، وفائدة جليلة ﴿يُفَصِّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ أي يبيّن الآيات الكونيّة ويوضحها لقوم يعلمون قدرة الله، ويتدبرون حكمته قال أبو السعود: أي يعلمون الحكمة في إِبداع الكائنات، فيستدلون بذلك على شئون مبدعها جل وعلا ﴿إِنَّ فِي اختلاف اليل والنهار﴾ أي في تعاقبهما يأتي الليل فيذهب النهار، ويأتي النهار
«يُلهمون التسبيح والتحميد كما تُلهمون النّفس» أي كلامهم في الجنة تسبيح الله ﴿وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ﴾ أي وتحية بعضهم بعضاً سلامٌ عليكم كما تحيِّيهم بذلك الملائكة ﴿وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم﴾ [الرعد: ٢٣ - ٢٤] ﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين﴾ أي وآخر دعائهم أن يقولوا: الحمد لله ربّ العالمين ﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ الله لِلنَّاسِ الشر استعجالهم بالخير﴾ قال مجاهد: هو دعءا الرجل على نفسه أو ولده إِذا غضب، اللهم أهلكْه، اللهم لا تبارك فيه قال الطبري: المعنى لو يعجل الله إِجابة دعاء الناس في الشر وفيما عليهم فيه مضرَّة، كاستعجاله لهم في الخير بالإِجابة إِذا دعوه به ﴿لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ﴾ أي لهلكوا وعُجِّل لهم الموت ﴿فَنَذَرُ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا﴾ أي فنترك المكذبين بلقائنا الذين لا يؤمنون بالبعث ﴿فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ أي في تمردهم وعتوهم يتردَّدون تحيراً والمعنى: نترك المجرمين ونمهلهم ونفيض عليهم النعم مع طغيانهم لتلزمهم الحجة ﴿وَإِذَا مَسَّ الإنسان الضر﴾ أي وإِذا أصاب الإِنسان الضرُّ من مرضٍ أو فقراً ونحو ذلك ﴿دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً﴾ أي دعانا في جميع الحالات: مضطجعاً أو قاعداً أو قائماً لكشف ذلك الضُر عنه ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إلى ضُرٍّ مَّسَّهُ﴾ أي فلما أزلنا ما به من ضرّ استمرَّ على عصيانه، ونسي ما كان فيه من الجَهْد والبلاء أو تناساه، وهو عتابٌ لمن يدعو الله عند الضر، ويغفل عنه عند العافية ﴿كذلك زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ أي كما زُيّن لذلك الإِنسان الدعاء عند الضرِّ والإِعراضُ عند الرخاءِ، كذلك زُيّن للمسرفين المتجاوزين الحد في الإِجرام، ما كانوا يعملون من الإِعراض عن الذكر، ومتابعة الشهوات ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا القرون مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ﴾ أي ولقد أهلكنا الأمم من قبلكم أيها المشركون لما كفروا وأشركوا وتمادَوا في الغيِّ والضلال ﴿وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات﴾ أي جاءوهم بالمعجزات الباهرة التي تدل على صدقهم {وَمَا
البَلاَغَة: ١ - ﴿الكتاب الحكيم﴾ فعيل بمعنى مفعول أي المُحْكم الذي لا يتطرق إِليه الفساد ولا يعتريه الكذب والتناقض.
٢ - ﴿أَنذِرِ.... وَبَشِّرِ﴾ بينهما طباقٌ.
٣ - ﴿قَدَمَ صِدْقٍ﴾ كناية عن المنزلة الرفيعة، والعبارةُ غايةٌ في البلاغة لأن بالقدم يكون السبق والتقدم، كما سميت النعمة يداً لأنها تُعطى بها.
٤ - ﴿يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ بين كلمتي البدء والإِعادة طباقٌ.
٥ - ﴿لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا﴾ فيه التفاتٌ مع الإِضافة إِلى ضمير الجلالة لتعظيم الأمر وتهويله.
٦ - ﴿الشر استعجالهم بالخير﴾ أي كاستعجالهم أو مثل استعجالهم بالخير ففيه تشبيه مؤكد مجمل، وبين الشر والخير طباقٌ.
٧ - ﴿لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ في الكلام استعارة تمثيلية حيث شبّه حال العباد مع ربهم بحال رعية مع سلطانها في إِمهالهم للنظر في أعمالهم، واستعير الاسم الدال على المشَّبه به للمشبَّه على سبيل التمثيل والتقريب، ولله المثل الأعلى.
٨ - ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ الاستفهام للإِنكار والتوبيخ.
لطيفَة: قال الحافظ ابن كثير: من قال مقالة صادقاً أو كاذباً فلا بدَّ أن يُنْصَب عليه من الأدلة على برِّه أو فجوره ما هو أظهر من الشمس، فإِن الفرق بين محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وبين مسيلمة الكذاب لمن شاهدهما أظهر من الفرق بين الضحى وحنْدس الظلماء، قال عبد الله بن سلام: «لما قدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ المدينة انجفل الناس (أي تفرق اليهود عنه) فكنت فيمن انجفل، فلما رأيتُه عرفتُ أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول ما سمعته يقول» يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلو الجنة بسلام «فقد أيقن بصدقه صلوات الله وسلامه عليه بما رأى من الدلائل قال حسان:
لو لم تكن فيه آياتٌ مبيِّنةٌ | لكان منظرهُ يُنْبيك بالخبر |
إِن الرياح إذا ما أعصَفَتْ قَصَفَتْ | عيدانَ نجدٍ ولا يَعْبأنَ بالرّتم |
متوّجٌ برداء الملك يتبعه | موجٌ ترى فوقه الراياتِ والقَتَرا |
التفسِير: ﴿وَإِذَآ أَذَقْنَا الناس رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُمْ﴾ المراد بالناس كفار مكة رُوي أن الله سلّط عليهم القحط سبع سنين حتى كادوا يهلكون فطلبوا منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يدعو لهم بالخصب ووعدوه بالإِيمان فلما رحمهم الله بإنزال المطر رجعوا إلى الكفر والعناد والمعنى: وإذا أذقنا هؤلاء المشركين رخاءً بعد شدة، وخصباً بعد جدب أصابهم ﴿إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ في آيَاتِنَا﴾ قال مجاهد: استهزاءٌ وتكذيب ﴿قُلِ الله أَسْرَعُ مَكْراً﴾ أي أعجل عقوبة على جزاء مكرهم ﴿إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ﴾ أي إنَّ الملائكة الحفظة يكتبون مكركم ويسجّلون إجرامكم، وفيه تنبيهٌ على أن ما دبَّروه غير خاف على
والآية الكريمة تمثيلٌ لطبيعة الإِنسان الجحود، لا يذكر الله إلا في ساعة العسرة، ولا يرجع إليه إلا وقت الكرب والشدة، فإِذا نجّاه الله من الضيق، وكشف عنه الكرب، رجع إلى الكفر والعصيان، وتمادى في الشرِّ والطغيان. ثم ضرب تعالى مثلاً للحياة الدنيا الزائلة الفانية وقصِّر مدة التمتع بها فقال ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الحياة الدنيا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السمآء فاختلط بِهِ نَبَاتُ الأرض﴾ أي صفة الحياة الدنيا وحالها العجيبة في فنائها وزوالها، وذهاب نعيمها واغترار الناس بها كمثل مطر نزل من السماء فنبت به أنواع من النبات مختلط بعضها ببعض قال ابن عباس: اختلط فنبت بالماء كلُّ لون ﴿مِمَّا يَأْكُلُ الناس والأنعام﴾ أي مما يأكله الناس من الحبوب والثمار والبقول، والأنعامُ من الكلأ والتبن والشعير ﴿حتى إِذَآ أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا﴾ أي أخذت حسنها وبهجتها ﴿وازينت﴾ أي تزينت بالحبوب والثمار والأزهار، وهو تمثيلٌ بالعروس إِذا تزينت بالحلي والثياب ﴿وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ﴾ أي وظنَّ أصحابها أنهم متمكنون من الانتفاع بها، محصّلون لثمرتها وغلّتها ﴿أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً﴾ أي جاءها قضاؤنا بهلاك ما عليها من النبات إمّا ليلاً وإمّا نهاراً ﴿فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً﴾ أي محصودة مقطوعة لا شيء فيها
﴿وامتازوا اليوم أَيُّهَا المجرمون﴾ [يس: ٥٩] ﴿وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ﴾ أي تبرأ منهم الشركاء وهم الأصنام الذين عبدوهم من دون الله قال مجاهد: يُنطق الله الأوثان فتقول: ما كنا نشعر بأنكم إيانا تعبدون وما أمرناكم بعبادتنا كقوله ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الذين اتبعوا مِنَ الذين اتبعوا وَرَأَوُاْ العذاب وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأسباب﴾ [البقرة: ١٦٦] ﴿فكفى بالله شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ أي تقول الشركاء للمشركين يوم القيامة: حسبنا الله شاهداً بيننا وبينكم ﴿إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ﴾ أي ما كنا عن عبادتكم لنا إِلا غافلين، لا نسمع ولا نبصر ولا تعقل، لأنا كنا جماداً لا روح فينا ﴿هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ﴾ أي في ذلك الوقت تُختبر كلُّ نفسٍ بما قدمت من خير أو شر، وتنال جزاء ما عملت ﴿وردوا إِلَى الله مَوْلاَهُمُ الحق﴾ أي ردّوا إلى الله تعالى المتولي جزاءهم بالعدل والقسط ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ أي ضاع وذهب عنهم ما كانوا يزعمونه م أن الأوثان تشفع لهم، وفي الآية تبكيتٌ شديدٌ للمشركين الذين عبدوا ما لا يسمع ولا يُبصر ولا يُغني عنهم شيئاً ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السمآء والأرض﴾ في هذه الآيات الأدلةُ على وحدانية الله وربوبيته أي قل يا محمد
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ الله سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ﴾ [الأنعام: ٤٦] الآية ﴿وَمَن يُخْرِجُ الحي مِنَ الميت وَيُخْرِجُ الميت مِنَ الحي﴾ ؟ أي من يخرج الإِنسان من النطفة، والطير من البيضة، والسنبلة من الحبة، والنبات من الأرض، والمؤمن من الكافر؟ ﴿وَمَن يُدَبِّرُ الأمر﴾ أي ومن يدبّر أمر الخلائق، ويصرِّف شئون الكائنات؟ ﴿فَسَيَقُولُونَ الله﴾ أي فسيقرون بأن فاعل ذلك كلِّه هو الله ربُّ العالمين، إذ لا مجال للمكابرة والعناد لغاية وضوحه ﴿فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾ أي قل لهم يا محمد أفلا تخافون عقابه ونقْمته بإِشراككم وعبادتكم غير الله؟ ﴿فَذَلِكُمُ الله رَبُّكُمُ الحق﴾ أي هذا الذي يفعل هذه الأشياء الجليلة هو ربكم الحق، الثابت ربوبيتُه ووحدانيتُه بالبراهين القاطعة ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الحق إِلاَّ الضلال﴾ استفهام انكاري أي ليس بعد الحق إلا الضلال، فمن تخطى الحق الذي هو عبادة الله تعالى وقع في الضلال ﴿فأنى تُصْرَفُونَ﴾ أي فكيف تُصرفون عن عبادة الله، إلى عبادة ما لا يخلق ولا يرزق، ولا يحيي ولا يميت؟ ﴿كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ﴾ أي كذلك وجب قضاء الله وحكمه السابق ﴿عَلَى الذين فسقوا﴾ أي على الذين خرجوا عن الطاعة وكفروا وكذبوا ﴿أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ أي لأنهم لا يصدّقون بوحدانية الله ورسالة نبيّه، فلذلك حقت عليهم كلمة العذاب لشقاوتهم وضلالتهم ﴿قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ أي قل لهم يا محمد على جهة التوبيخ والتقريع: هل من الأوثان والأصنام من ينشيء الخلق من العدم ثم يفنيه، ثم يعيده ويحييه؟ قال الطبري: ولما كانوا لا يقدرون على دعوى ذلك، وفيه الحجة القاطعة، والدلالة الواضحة على أنهم في دعوى الأرباب كاذبون مفترون، أُمر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالجواب ﴿قُلِ الله يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ أي قل لهم يا محمد: الله وحده هو الذي يحيي ويميت، ويبدأ ويُعيد، وليس أحدٌ من هؤلاء الآلهة المزعومة يفعل ذلك ﴿فأنى تُؤْفَكُونَ﴾ أي فكيف تنقلبون وتنصرفون عن الحق إلى الباطل؟ ﴿قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يهدي إِلَى الحق﴾ توبيخٌ آخر في صورة استفهام أي قل لهؤلاء المشركين هل من هذه الآلهة التي تعبدونها من يرشد ضالاً؟ أو يهدي حائراً؟ أو يدل على طريق الحق وسبيل الاستقامة؟ ﴿قُلِ الله يَهْدِي لِلْحَقِّ﴾ أي فقل لهم: إن عجزتْ آلهتكم عن ذلك فالله هو القادر على هداية الضالّ، وإنارة السبيل، وبيان الحق ﴿أَفَمَن يهدي إِلَى الحق أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يهدي إِلاَّ أَن يهدى﴾ أي أفمن يرشد إِلى الحق وهو سبحانه وتعالى أحقُّ بالاتباع أم هذه الأصنام التي لا تهدي أحداً؟ ولا تستطيع هداية نفسها فضلاً عن هداية غيرها؟ ﴿فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ أي ما لكم أيها المشركون تسوّون بين الأصنام وبين ربّ الأرباب، وتحكمون بهذا الباطل الصُراح؟ وهو استفهام معناه التعجب والإِنكار، ثم بيّن تعالى فساد نحلتهم بعد أن أفحمهم بالبراهين النيرة التي توجب التوحيد وتبطل التقليد فقال ﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً﴾ أي وما يتبعون في اعتقادهم ألوهية الأصنام، إلا اعتقاداً غير
البَلاَغَة: ١ - ﴿أَسْرَعُ مَكْراً﴾ تسمية عقوبة اله مكراً من باب «المشاكلة».
٢ - ﴿وَجَرَيْنَ بِهِم﴾ فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة وحكمته زيادة التقبيح والتشنيع على الكفار لعدم شكرهم النعمة.
٣ - ﴿أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا﴾ هذا من بديع الاستعارة شبّه الأرض حينما تتزين بالنبات والأزهار بالعروس التي تتزين بالحليّ والثياب واستعير لتلك البهجة والنضارة لفظ الزخرف.
٤ - ﴿أَتَاهَآ أَمْرُنَا﴾ الأمر هاهنا كناية عن العذاب والدمار.
٥ - ﴿أَحْسَنُواْ الحسنى﴾ بينهما جناس الإِشتقاق.
٦ - ﴿كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ الليل﴾ فيه تشبيه مرسلٌ مجمل.
٧ - ﴿يَبْدَأُ... ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ بينهما طباقٌ.
٨ - ﴿فأنى تُؤْفَكُونَ﴾ الاستفهام للتوبيخ، ومثله ﴿فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾.
لطيفَة: يقول شهيد الإِسلام «سيد قطب» في تفسيره الظلال: «ما يزال البشر يكشفون كلما اهتدوا إلى نواميس الكون عن رزقٍ بعد رزق في السماء والأرض، يستخدمونه أحياناً في الخير، ويستخدمونه أحياناً في الشر، حسبما تَسْلَم عقائدهم أو تعتل، وكلُّه من رزق الله المسخّر للإِنسان، فمن سطح الأرض أرزاق، ومن جوفها أرزاق، ومن سطح الماء أرزاق، ومن أعماقه أرزاق، ومن أشعة الشمس أرزاق، ومن ضوء القمر أرزاق، حتى عفن الأرض كشف فيه العلم عن دواء وترياق» وصدق الله ﴿مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السمآء والأرض﴾ ؟
اللغَة: ﴿الصم﴾ جمع أصمّ وهو الذي لا يسمع ﴿بَيَاتاً﴾ ليلاً ﴿تُفِيضُونَ﴾ يقال أفاض فلانٌ في الحديث إذا اندفع فيه ﴿يَعْزُبُ﴾ يخْفى ويغيب ﴿مِّثْقَالِ﴾ وزن ﴿سُلْطَانٍ﴾ حجة وبرهان ﴿سُبْحَانَهُ﴾ تنزيهٌ لله جل وعلا عن النقائص.
التفسِير: ﴿وَمِنهُمْ مَّن يُؤْمِنُ بِهِ﴾ أي ومن هؤلاء الذين بعثتَ إليهم يا محمد من يؤمن بهذا القرآن ويتبعك وينتفع بما أُرسلت به ﴿وَمِنْهُمْ مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ﴾ بل يموت على ذلك ويُبعث عليه ﴿وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بالمفسدين﴾ أي وهو أعلم بمن يستحق الهداية فيهديه، ومن يستحق الضلالة فيضله ﴿وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ﴾ أي وإن كذَّبك هؤلاء المشركون فقل لي جزاء عملي ولكم جزاء عملكم حقاً كان أو باطلاً ﴿أَنتُمْ بريائون مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ برياء مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾ أي لا يؤاخذ أحد بذنب الآخر ﴿وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ﴾ أي يستمعون إليك إذا قرأت القرآن وقلوبهم لا تعي شيئاً مما تقرؤه وتتلوه ﴿أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم﴾ ؟ أي أنت يا محمد لا تقدر أن تسمع من سلبه الله السمع ﴿وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾ أي ولو كانوا من الصمم لا يعقلون ولا يتدبرون؟ قال ابن كثير: المعنى ومن هؤلاء من يسمعون كلام الحسن، والقرآن النافع، ولكنْ
﴿فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرض ذَهَباً وَلَوِ افتدى بِهِ﴾ [آل عمران: ٩١] ثم قال تعالى مخبراً عن أسفهم وندمهم ﴿وَأَسَرُّواْ الندامة لَمَّا رَأَوُاْ العذاب﴾ أي أخفى هؤلاء الظلمة الندم لما عاينوا العذاب قال الإِمام الجلال: أي أخفاها رؤساؤهم عن الضعفاء الذين أضلوهم مخافة التعبير ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بالقسط﴾ أي قُضي بين الخلائق بالعدل ﴿وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ أي لا يظلمون من أعمالهم شيئاً، ولا يُعاقبون إلا بجريرتهم ﴿ألا إِنَّ للَّهِ مَا فِي السماوات والأرض﴾ «أَلاَ» كلمة تنبيه للسامع تزاد في أول الكلام أي انتبهوا لما أقول لكم فكل ما في السماوات والأرض ملكٌ لله، لا شيء فيها لأحدٍ سواه، هو الخالق وهو المالك ﴿أَلاَ إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ﴾ أي إن وعده بالبعث والجزاء حقٌ كائن لا محالة ﴿ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ ولكنَّ أكثر الناس لقصور عقولهم، واستيلاء الغفلة عليهم، لا يعلمون ذلك فيقولون ما يقولون ﴿هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ أي هو سبحانه المحيي والمميتُ، وإِليه مرجعكم في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم ﴿ياأيها الناس قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ خطابٌ لجميع البشر أي قد جاءكم هذا القرآن العظيم الذي هو موعظةٌ لكم من خالقكم ﴿وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي الصدور﴾ أي يشفي ما فيها من الشك والجهل ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ أي وهداية من الضلال ورحمة لأهل الإِيمان قال صاحب الكشاف: المعنى قد جاءكم كتابٌ جامعٌ لهذه الفوائد العظيمة من الموعظة، والتنبيه على
«إن لله عباداً ما هم بأنبياء ولا شهداءَ، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة لمكانهم من الله، قالوا أخبرنا من هم؟ وما أعمالهم؟ فلعلَّنا نحبُّهم، قال: هم قومٌ تحابّوا
﴿لَهُمُ البشرى فِي الحياة الدنيا وَفِي الآخرة﴾ أي لهم ما يسرهم في الدارين، حيث تبشرهم الملائكة عند الاحتضار برضوان الله ورحمته، وفي الآخرة بجنان النعيم والفوز العظيم كقوله ﴿إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الملائكة أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بالجنة التي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [فصلت: ٣٠] ﴿لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ الله﴾ أي لا إخلاف لوعده ﴿ذلك هُوَ الفوز العظيم﴾ أي هو الفوز الذي لا فوز وراءه، والظفر بالمقصود الذي لا يُضاهى ﴿وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ﴾ أي لا يحزنك ولا يؤلمك يا محمد تكذيبهم لك وقولهم: لستَ نبياً مرسلاً، ثم ابتدأ تعالى فقال ﴿إِنَّ العزة للَّهِ جَمِيعاً﴾ أي القوة الكاملة، والغلبة الشاملة، لله وحده، فهو ناصرك ومانعك ومعينك، وهو المنفرد بالعزّة يمنحها أولياءه، ويمنعها أعداءه ﴿هُوَ السميع العليم﴾ أي السميع لأقوالهم، العليم بأعمالهم ﴿ألا إِنَّ للَّهِ مَن فِي السماوات وَمَنْ فِي الأرض﴾ أي الجميع له سبحانه عبيداً وملكاً وخلقاً ﴿وَمَا يَتَّبِعُ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله شُرَكَآءَ﴾ أي وما يتبع هؤلاء المشركون الذين يعبدون غير الله آلهة على الحقيقة، بل يظنون أنها تشفع أو تنفع، وهي لا تملك لهم ضراً ولا نفعاً ﴿إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾ أي ما يتبعون إلا ظناً باطلاً ﴿وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾ [الأنعام: ١١٦] أي يَحدْسون ويكذبون، يظنون الأوهام حقائق ﴿هُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ اليل لِتَسْكُنُواْ فِيهِ﴾ تنبيهٌ على القدرة الكاملة والمعنى من دلائل قدرته الدالة على وحدانيته، أن جعل لكم أيها الناس الليل راحةً لأبدانكم تستريحون فيه من التعب والنصب في طلب المعاش ﴿والنهار مُبْصِراً﴾ أي وجعل النهار مضيئاً تبصرون فيه الأشياء لتهتدوا إلى حوائجكم ومكاسبكم ﴿إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ أي لعلامات ودلالات على وحدانيَّة الله، لقوم يسمعون سمع اعتبار، ثم نبّه تعالى على ضلال اليهود والنصارى والمشركين فقال ﴿قَالُواْ اتخذ الله وَلَداً﴾ أي نسب اليهود والنصارى لله ولداً فقالوا: عزير ابن الله، والمسيح ابن الله، كما قال كفار مكة: الملائكة بناتُ الله ﴿سُبْحَانَهُ هُوَ الغني﴾ أي تنزَّه الله وتقدّس عما نسبوا إليه فإِنه المستغني عن جميع الخلق، فإن اتخاذ الولد إنما يكون للحاجة إليه، والله تعالى غير محتاج إلى شيء، فالولد منتفٍ عنه ﴿لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض﴾ أي الجميع خلقه وملكه ﴿إِنْ عِندَكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بهاذآ﴾ أي ما عندكم من حجة بهذا القول ﴿أَتقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ أي أتفترون على الله وتكذبون بنسبه الشريك والولد؟ وهو توبيخ وتقريع على جهلهم.
﴿قُلْ إِنَّ الذين يَفْتَرُونَ عَلَى الله الكذب لاَ يُفْلِحُونَ﴾ أي كل من كذب على الله لا يفوز ولا ينجح ﴿مَتَاعٌ فِي الدنيا﴾ أي متاعٌ قليل في الدنيا يتمتعون به مدة حياتهم {ثُمَّ إِلَيْنَا
البَلاَغَة: ١ - ﴿مَّن يُؤْمِنُ بِهِ.... ومَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ﴾ بينهما طباقٌ السلب.
٢ - ﴿تُسْمِعُ الصم... تَهْدِي العمي﴾ الصُّمُ والعميُ مجازٌ عن الكافرين شبههم بالصُّم والعمي لتعاميهم عن الحق.
٣ - ﴿ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً﴾ بينهما طباقٌ وكذلك بين ﴿بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً﴾ وبين ﴿يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ وبين ﴿يَسْتَقْدِمُونَ... ويَسْتَأْخِرُونَ﴾.
٤ - ﴿شِفَآءٌ لِّمَا فِي الصدور﴾ مجاز مرسل أطلق المحلَّ وأراد الحالَّ أي شفاءٌ للقلوب لأن الصدور محلُّ القلوب.
٥ - ﴿حَرَاماً وَحَلاَلاً﴾ بينهما طباق.
٦ - ﴿والنهار مُبْصِراً﴾ قال في تلخيص البيان: هذه استعارة عجيبة، سمّى النهار مبصراً لأن الناس يبصرون فيه، فكأن ذلك صفة الشيء بما هو سبب له على طريق المبالغة كما قالوا: ليلٌ أعمى وليلةٌ عمياء إذا لم يبصر الناس فيها شيئاً لشدة إظلامها.
٧ - ﴿أَتقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ استفهام توبيخ وتقريع.
فَائِدَة: أمر تعالى رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالحلف في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم في هذه السورة ﴿قُلْ إِي وربي إِنَّهُ لَحَقٌّ﴾ وفي سورة سبأ ﴿وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا الساعة قُلْ بلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ﴾ ﴿زَعَمَ الذين كفروا أَن لَّن يُبْعَثُواْ قُلْ بلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ﴾ [الآية: ٧] ذكره ابن كثير.
تنبيه: كلمة «أرأيتَ» تستعمل بمعنى الاستفهام عن الرؤية البصرية، أو العلمية، وهذا أصل وضعها ثم استعملت بمعنى «أخبرني» فيقولون: أرأيت ذلك الأمر أي أخبرني عنه، والرؤية إما بصرية أو علمية والتقدير: أأبصرت حالته العجيبة، أو أعرفت أمره العجيب؟ فأخبرني عنها، ولذا لم تستعمل في غير الأمر العجيب، ﴿أَرَأَيْتَ الذي يُكَذِّبُ بالدين﴾ ؟ ﴿أَرَأَيْتَ الذي ينهى عَبْداً إِذَا صلى﴾ [العلق: ٩ - ١٠] ؟ وهكذا.
اللغَة: ﴿كَبِرَ﴾ قال الواحدي: كَبِرَ يكْبَرُ كِبَراً في السنِّ، وكبُر الأمرُ والشيءُ يكبُرُ كُبْراً وكُبَارةً إِذا عَظُم ﴿غُمَّةً﴾ الإِجماع: الإِعداد والعزيمة على الأمر وأنشد الفراء:
يا ليتَ شعري والمُنَى لا ينفعُ | هلْ أغدْونْ يوماً وأمري مُجْمعُ |
لعمرك ما أمري عليَّ بِغُمَّةٍ | نهاري ولا ليلي عليَّ بسَرْمَد |
التفسِير: ﴿واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ﴾ أي اقرأ يا محمد على المشركين من أهل مكة خبر أخيك نوحٍ مع قومه المكذبين ﴿إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ياقوم إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ﴾ أي حين قال لقومه الجاحدين المعاندين يا قوم إِن كان عظمُ وشقَّ عليكم ﴿مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ الله﴾ أي طولُ مقامي ولبثي فيكم، وتخويفي إِياكم بآيات ربكم، وعزمتم على قتلي طردي ﴿فَعَلَى الله تَوَكَّلْتُ﴾ أي على الله وحده اعتمدت، وبه وثقت فلا أبالي بكم ﴿فأجمعوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ﴾ أي فاعزموا أمركم وادعوا شركاءكم، ودبّروا ما تريدون لمكيدتي ﴿ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً﴾ أي لا يكن أمركم في شأني مستوراً بل مكشوفاً مشهوراً، ﴿ثُمَّ اقضوا إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونَ﴾ أي أَنْفذوا ما تريدونه في أمري ولا تؤخروني ساعة واحدة، قال أبو السعود: وإِنما خاطبهم بذلك إِظهاراً لعدم المبالاة، وثقةً بالل وبوعده من عصمته وكلاءته ﴿فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِّنْ أَجْرٍ﴾ أي فإِن أعرضتم عن نصيحتي وتذكيري فليس لأني طلبت منكم أجراص حتى تمتنعوا، بل لشقاوتكم وضلالكم ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الله﴾ أي ما أطلب ثواباً أو جزاءً على تبليغ الرسالة إِلا من الله، وما نصحتكم إلا لوجه الله لا لغرضٍ من أغراض الدنيا ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المسلمين﴾ أي من الموحدين لله تعالى ﴿فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الفلك﴾ أي فأصروا واستمروا على تكذيب نوح فنجيناه ومن معه من المؤمنين في السفينة ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ﴾ أي جعلنا من معه من المؤمنين سكان الأرض وخلفاً ممن غرق ﴿وَأَغْرَقْنَا الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ أي أغرقنا المكذبين بالطوفان ﴿فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المنذرين﴾ أي انظر يا محمد كيف كان نهاية المكذبين لرسلهم؟ والغرض: تسلية للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والتحذير لكفار مكة أن يحل بهم ما حلَّ بالسابقين ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إلى قَوْمِهِمْ﴾ أي أرسلنا من بعد نوح رسلاً إِلى قومهم يعني هوداً وصالحاً ولوطاً وإِبراهيم وشعيباً ﴿فَجَآءُوهُمْ بالبينات﴾ أي بالمعجزات الواضحات ﴿فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ﴾ أي ما كانوا ليصدقوا بما جاءتهم به الرسل، ولم يزجرهم عقاب السابقين ﴿كَذَلِكَ نَطْبَعُ على قُلوبِ المعتدين﴾ أي كذلك نختم على قلوب المجاوزين الحدَّ في الكفر والتكذيب والعناد ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِمْ موسى وَهَارُونَ إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ﴾ أي بعثنا من بعد أولئك الرسل والأمم موسى وهارون إِلى فرعون وأشراف قومه ﴿بِآيَاتِنَا﴾ أي بالبراهين والمعجزات الباهرة، وهي الآيات التسع المذكورة في سورة الأعراف
﴿فاستكبروا وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ﴾ [الأعراف: ١٣٣] أي تكبروا عن الإِيمان بها وكانوا مفسدين، تعوّدوا الإِجرام وارتكاب الذنوب العظام ﴿فَلَمَّا جَآءَهُمُ الحق مِنْ عِندِنَا قالوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ أي فلما وضح لهم الحق الذي جاءهم به موسى من اليد والعصا قالوا لفرط عتوهم وعنادهم: هذا سحرٌ ظاهرٌ بيِّن أراد به موسى أن يسحرنا ﴿قَالَ موسى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمْ﴾ الاستفهام للإِنكار والتوبيخ أي أتقولون عن هذا الحق إِنه سحرٌ؟ ثم أنكر عليهم أيضاً باستفهام آخر ﴿أَسِحْرٌ هذا﴾ أي أسحرٌ هذا الذي جئتكم به؟ ﴿وَلاَ يُفْلِحُ الساحرون﴾ أي والحال أنه لا
البَلاَغَة: ١ - ﴿فَعَلَى الله تَوَكَّلْتُ﴾ تقديم ما حقه التأخير لإِفاده الحصر أي على الله لا على غيره.
٢ - ﴿وَيُحِقُّ الحق﴾ بينهما جناس الاشتقاق.
٣ - ﴿لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً﴾ عبَّر عن الالتباس والستر بالغُمة بطريق الاستعارة أي لا يكن أمركم مغطّى تغطية حيرة ومبهما فيكون كالغمة العمياء.
٤ - ﴿واشدد على قُلُوبِهِمْ﴾ الشدُّ استعارةٌ عن تغليظ العقاب، ومضاعفة العذاب.
تنبيه: قال ابن كثير: دعوة موسى على فرعون كانت غضباً لله ولدينه كما دعا نوح على قومه فقال ﴿رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ﴾ [نوح: ٢٦ - ٢٧] ولهذا استجاب الله لموسى دعوته التي شاركه فيها أخوه هارون، كما استجاب دعوة نوح عليه السلام.
اللغَة: ﴿بَوَّأْنَا﴾ أنزلنا وأسكنّا ﴿الممترين﴾ الشاكّين، امترى: شكَّ وارتاب ﴿فَلَوْلاَ﴾ لولا للتحضيض بمعنى هلاّ ﴿الرجس﴾ العذاب أو السخط ﴿حَنِيفاً﴾ مائلاً عن الأديان الباطلة كلِّها ﴿يَمْسَسْكَ﴾ يصبك ﴿كَاشِفَ﴾ دافع ومزيل يقال: كشف السوء أي أزاله ﴿بِوَكِيلٍ﴾ بحفيظ موكول إِليَّ أمركم.
التفسِير: ﴿وَجَاوَزْنَا ببني إِسْرَائِيلَ البحر﴾ أي قطعنا وعدَّينا ببني إِسرائيل البحر «بحر السويس» حتى جاوزوه ﴿فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً﴾ أي لحقهم فرعونُ مع جنوده ظلماً وعدواناً وطلباً للاستعلاء بغير حق ﴿حتى إِذَآ أَدْرَكَهُ الغرق﴾ أي حتى إِذا أحاط به الغرق وأيقن بالهلاك ﴿قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إله إِلاَّ الذي آمَنَتْ بِهِ بنوا إِسْرَائِيلَ﴾ أي قال عندئذٍ أقررتُ وصدقتُ بأنه لا إِله إِلا اللهُ ربُّ العالمين، الذي آمنت وأقرت به بنو إِسرائيل ﴿وَأَنَاْ مِنَ المسلمين﴾ تأكيدٌ لدعوى الإِيمان أي وأنا ممَّن
﴿وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ﴾ [فصلت: ٤٥] بإِثبات الشك على سبيل التأكيد والتحقيق وبين قوله ﴿فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ﴾ بمعنى الفرض والتمثيل وقال بعضهم: الخطاب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والمراد غيره ﴿فَاسْأَلِ الذين يَقْرَءُونَ الكتاب مِن قَبْلِكَ﴾ أي اسأل أهل الكتاب الذين يعرفون التوراة والإِنجيل، فإِن ذلك محقَّق عندهم كما قصصنا عليك، والغرضُ دفع الشك عن قصص القرآن ﴿لَقَدْ جَآءَكَ الحق مِن رَّبِّكَ﴾ أي جاءك يا محمد البيانُ الحق، والخبر الصادق، الذي لا يعتريه شك ﴿فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الممترين﴾ أي فلا تكن من الشاكين المرتابين ﴿وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِ الله﴾ أي لا تكذّبْ بشيءٍ من آيات الله ﴿فَتَكُونَ مِنَ الخاسرين﴾ أي فتصبح ممن خسر دنياه وآخرته، قال البيضاوي: وهذا من باب التهييج والتثبيت وقطع أطماع المشركين عنه وقال القرطبي: الخطابُ في هاتين الآيتين للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والمراد غيره ﴿إِنَّ الذين حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ﴾ أي وجبت عليهم كلمة العذاب بإِرادة الله الأزلية ﴿لاَ يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ﴾ أي لا يصدقون ولا يؤمنون أبداً ولو جاءتهم البراهين والمعجزات ﴿حتى يَرَوُاْ العذاب الأليم﴾ أي فحينئذٍ يؤمنون كما آمن فرعون ولكن لا ينفعهم الإِيمان {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ
البَلاَغة: ١ - ﴿آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ﴾ الاستفهام للتوبيخ والإِنكار.
٢ - ﴿بَوَّأْنَا... مُبَوَّأَ﴾ يبنهما جناس الاشتقاق.
٣ - ﴿كَلِمَتُ رَبِّكَ﴾ كناية عن القضاء والحكم الأزلي بالشقاوة.
٤ - ﴿ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا﴾ صيغة المضارع حكاية عن الماضي لتهويل أمرها باستحضار صورتها.
٥ - ﴿مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ﴾ بينهما طباق.
٦ - ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ... وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ﴾ بين الجملتين مقابلة لطيفة وهي من المحسنات البديعية.
٧ - ﴿فَمَنِ اهتدى... وَمَن ضَلَّ﴾ بينهما طباقٌ.
٨ - ﴿يَحْكُمَ الله... الحاكمين﴾ بينهما جناس الاشتقاق.
فَائِدَة: قال الإِمام الفخر: آمن فرعون ثلاث مرات: أولها قوله ﴿آمَنتُ﴾ وثانيها قوله ﴿لا إله إِلاَّ الذي آمَنَتْ بِهِ بنوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ المسلمين﴾ وثالثها قوله ﴿وَأَنَاْ مِنَ المسلمين﴾ فما السبب في عدم قبول إِيمانه؟ والجواب: أنه إِنما آمن عند نزول العذاب، والإِيمانُ في هذا الوقت غير مقبول،
تنبيه: قال المفسرون: إِنما نجّى الله بدن فرعون بعد الغرق، لأن قوماً اعتقدوا فيه الإِلهية، وزعموا أن مثله لا يموت، فأراد الله أن يشاهده الخلق على ذلك الذل والمهانة، ليتحققوا موته، ويعرفوا أن الذي كان بالأمس في نهاية الجلالة والعظمة قد آل أمره إِلى الذل والهوان، فيكون عبرة للخلق، وزجراً لأهل الطغيان.
سورة يونس
سورةُ (يونُسَ) من السُّوَر المكية، وقد بُدِئت بالتنويه بالقرآن وعظَمتِه، وأصَّلتْ لكثير من مسائلِ التوحيد والاعتقاد، ودعَتْ إلى الالتجاء إلى الله وحده، وجاءت على ذِكْرِ حالِ الدنيا، وتعامُلِ الناس معها، وفيها ذِكْرُ قِصص بعض الأنبياء عليهم السلام في دعوةِ أقوامهم، وما عانَوْهُ ولاقَوْهُ من المصاعب؛ لتُثبِّتَ المسلمين، وعلى رأسهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، في طريق الدعوة إلى الله عز وجل؛ فإنَّ اللهَ ناصرٌ دِينَه، ومُعْلٍ كتابَه لا محالةَ.
ترتيبها المصحفي
10نوعها
مكيةألفاظها
1889ترتيب نزولها
51العد المدني الأول
109العد المدني الأخير
109العد البصري
109العد الكوفي
109العد الشامي
110سُمِّيتْ سورة (يونُسَ) بذلك؛ لأنها جاءت على ذِكْرِ قوم (يونُسَ) عليه السلام.
احتوَتْ سورة (يونُسَ) على عدة موضوعات؛ وهي:
1. إنكار موقف المشركين من الوحي (١-٢).
2. تفرُّد الله بالخَلق والقدرة، وإثبات البعث والجزاء (٣-٦).
3. جزاء المؤمنين والكفار (٧-١٠).
4. حِلْمُ الله مع المستعجِلين للعذاب، وسُنَّته بإهلاك الظالمين (١١-١٤).
5. مطالبة المشركين بتبديل القرآن (١٥-١٨).
6. اختلاف الناس وحرصُهم على الحياة الفانية (١٩-٢٤).
7. الترغيب في الجزاء الإلهي (٢٥- ٣٠).
8. إثبات التوحيد والبعث بدليل الفطرة (٣١-٣٦).
9. نفيُ التهمة عن القرآن، وانقسام المشركين حوله (٣٧-٤٤).
10. سرعة زوال الدنيا، وعذاب المشركين في الدارين (٤٥-٥٦).
11. خصائص القرآن، وخَصوصية الله بالتشريع (٥٧-٦١).
12. قواعد الجزاء (٦٢-٧٠).
13. نصرُ الله لأوليائه من الأنبياء وأتباعه (٧٠-١٠٠).
14. قصة (نوح) مع قومه (٧٠-٧٤).
15. قصة (موسى) (٧٥-٩٣).
16. صدقُ القرآن وقصة (يونس) (٩٤-١٠٠).
17. الدعوة إلى الدِّين الحق، واتباع الإسلام (١٠١-١٠٩).
ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (3 /303).
بدأت السُّورةُ بالإشارة إلى مقصدِها العظيم؛ وهو إثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم؛ بدَلالة عَجْزِ المشركين عن معارضة القرآن، دلالة نبَّه عليها بأسلوب تعريضيٍّ دقيق، بُنِيَ على الكناية بتهجية (الحروف المقطَّعة) في أول السورة، ووصفِ الكتاب بأنه من عند الله؛ لِما اشتمل عليه من الحكمة، وأنه ليس إلا من عنده سبحانه؛ لأنَّ غيرَه لا يَقدِر على شيء منه؛ وذلك دالٌّ - بلا ريب - على أنه واحد في مُلْكِه، لا شريكَ له في شيءٍ من أمره.
ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /164)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (11 /87).