من قوله تعالى :﴿ فإن كنت في شك ﴾ إلى آخرهن.
ﰡ
(تلك خَيْلِي مِنْهُ وتلكَ رِكَابِي | هُنَّ صُفْرٌ أَوْلاَدُها كالزَّبِيبِ) |
(لنا القدم العُلْيَا إليكَ خَلْفَنَا | لأَوَّلنا في طَاعَةِ اللَّهِ تابعُ) |
وهذا لفظه لفظ الاستفهام ومعناه الإنكار والتعجب مَن كفر من كفر بالنبي صلى الله عليه وسلم لأنه جاءهم رسول منهم، وقد أرسل الله إلى سائر الأمم رسلاً منهم.
ثم قال :﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ ءَآمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِهِّم ﴾ فيه خمسة تأويلات :
أحدها : أن لهم ثواباً حسناً بما قدموا من صالح الأعمال، قاله ابن عباس.
الثاني : سابق صدق عند ربهم أي سبقت لهم السعادة في الذكر الأول، قاله ابن أبي طلحة عن ابن عباس أيضاً.
الثالث : أن لهم شفيع صدق يعني محمداً صلى الله عليه وسلم يشفع لهم، قاله مقاتل بن حيان.
الرابع : أن لهم سلف صدق تقدموهم بالإيمان، قاله مجاهد وقتادة.
والخامس : أن لهم السابقة بإخلاص الطاعة، قال حسان بن ثابت :
لنا القدم العُلْيَا إليكَ خَلْفَنَا | لأَوَّلنا في طَاعَةِ اللَّهِ تابعُ |
أحدهما : أنه ينشئه ثم يفنيه.
الثاني : ما قاله مجاهد : يحييه ثم يميته ثم يبيده ثم يحييه.
(إِذَا لَسَعَتْهُ النّحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَهَا | وَخَالَفَهَا فِي بَيْتِ نَوْبٍ عَوَامِلُ) |
(أَيَرْجُوا بَنُوا مَرْوَانَ سَمْعِي وَطَاعَتِي | وَقَوْمِي تَمِيْمٌ وَالْفَلاَةُ وَرَائِيَا) |
(ولكلُّ ما نال الفتى | قد نِلتُه إلا التحية) |
أحدهما : أن أهل الجنة إذا اشتهوا الشيء أو أرادوا أن يدعوا بالشيء قالوا سبحانك اللهم فيأتيهم، ذلك الشيء، قاله الربيع وسفيان.
الثاني : أنهم إذا أرادوا الرغبة إلى الله في دعاء يدعونه كان دعاؤهم له : سبحانك اللهم، قاله قتادة.
﴿ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : معناه وملكهم فيها سالم. والتحية الملك، ومنه قول زهير بن جنان الكلبي :
ولكلُّ ما نال الفتى | قد نِلتُه إلا التحية |
﴿ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن آخر دعائهم : الحمد لله رب العالمين، كما كان أول دعائهم : سبحانك اللهم، ويشبه أن يكون هذا قول قتادة.
الثاني : أنهم إذا أجابهم فيما دعوه وآتاهم ما اشتهوا حين طلبوه بالتسبيح قالوا بعده : شكراً لله والحمد لله رب العالمين.
﴿ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقاءَنَا ﴾ يعني مشركي أهل مكة.
﴿ ائتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ ﴾ والفرق بين تبديله والإتيان بغيره أن تبديله لا يجوز أن يكون معه، والإتيان بغيره قد يجوز أن يكون معه.
وفي قولهم ذلك ثلاثة أوجه :
أحدها : أنهم سألوه الوعد وعيداً، والوعيد وعداً، والحلال حراماً، والحرام حلالاً، قاله ابن جرير الطبري.
الثاني : أنهم سألوه أن يسقط ما في القرآن من عيب آلهتهم وتسفيه أحلامهم، قاله ابن عيسى.
الثالث : أنه سألوه إسقاط ما فيه من ذكر البعث والنشور، قاله الزجاج.
﴿ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تلقائي نَفْسِي ﴾ أي ليس لي أن أتلقاه بالتبديل والتغيير كما ليس لي أَن أتلقاه بالرد والتكذيب.
﴿ إِنْ أَتَّبعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ ﴾ فيما أتلوه عليكم من وعد ووعيد وتحليل وتحريم أو أمر أو نهي.
﴿ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي ﴾ في تبديله وتغييره.
﴿ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ يعني يوم القيامة.
﴿ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : ولا أعلمكم به، قاله ابن عباس.
الثاني : ولا أنذركم به، قاله شهر بن حوشب.
الثالث : ولا أشعركم به، قاله قتادة.
﴿ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِن قَبْلِهِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه أراد ما تقدم من عمره قبل الوحي إليه لأن عمر الإنسان مدة حياته طالت أو قصرت.
الثاني : أنه أربعون سنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بعد الأربعين وهو المطلق من عمر الإنسان، قاله قتادة.
﴿ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ أني لم أدَّع ذلك بعد أن لبثت فيكم عمراً حتى أُوحِي إليّ، ولو كنت افتريته لقدمته.
أحدها : أنه آدم عليه السلام، قاله مجاهد والسدي.
الثاني : أنهم أهل السفينة، قاله الضحاك.
الثالث : أنهم من كان على عهد إبراهيم عليه السلام، قاله الكلبي١.
الرابع : أنه بنو آدم، قاله أُبي بن كعب.
وفي قوله تعالى :﴿ إِِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ ثلاثة أوجه :
أحدها : على الإسلام حتى اختلفوا، قاله ابن عباس وأُبي بن كعب.
الثاني : على الكفر حتى بعث الله تعالى الرسل، وهذا قول قد روي عن ابن عباس أيضاً.
الثالث : على دين واحد، قاله الضحاك.
﴿ فاخْتَلَفُواْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : فاختلفوا في الدين فمؤمن وكافر، قاله أُبيّ بن كعب. الثاني : هو اختلاف بني بن آدم حين قَتل قابيل أخاه هابيل، قاله مجاهد.
﴿ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ولولا كلمة سبقت من ربك في تأجيلهم إلى يوم القيامة لقضي بينهم من تعجيل العذاب في الدنيا، قاله السدي.
الثاني : ولولا كلمة سبقت من ربك في أن لا يعاجل العصاة إنعاماً منه يبتليهم به لقضي بينهم فيما فيه يختلفون بأن يضطرهم إلى معرفة المحق من المبطل، قاله عليّ بن عيسى.
أحدها : رخاء بعد شدة.
الثاني : عافية بعد سقم.
الثالث : خصباً بعد جدب، وهذا قول الضحاك.
الرابع : إسلاماً بعد كفر وهو المنافق، قاله الحسن.
﴿ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِِنَا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن المكر هاهنا الكفر والجحود، قاله ابن بحر١.
الثاني : أنه الاستهزاء والتكذيب، قاله مجاهد.
ويحتمل ثالثاً : أن يكون المكر هاهنا النفاق لأنه يظهر الإيمان ويبطن الكفر٢. ﴿ قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً ﴾ يعني أسرع جزاء على المكر. وقيل إن سبب نزولها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا على أهل مكة بالجدب فقحطوا سبع سنين كسني يوسف إجابة لدعوته، أتاه أبو سفيان فقال يا محمد قد كنت دعوت بالجدب فأجدبنا فادع الله لنا بالخصب فإن أجابك وأخصبنا صدقناك وآمنا بك، فدعا لهم واستسقى فسقوا وأخصبوا، فنقضوا ما قالوه وأقاموا على كفرهم، وهو معنى قوله :﴿ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا ﴾٣.
٢ سقط من ق..
٣ رواه البخاري ومسلم والترمذي عن ابن مسعود. انظر الحديث في جامع الأصول ٦/٢٠٦..
(وغنيت سبتاً بعد مجرى داحس | لو كان للنفس اللجوج خلود) |
أحدهما : لأن السلام هو الله، والجنة داره.
الثاني : لأنها دار السلامة من كل آفة، قاله الزجاج.
﴿ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ في هدايته وجهان :
أحدهما : بالتوفيق والمعونة.
الثاني : بإظهار الأدلة وإقامة البراهين.
وفي الصراط المستقيم أربعة تأويلات :
أحدها : أنه كتاب الله تعالى، روى علي بن أبي طالب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" الصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى ". الثاني : أنه الإسلام، رواه النواس بن سمعان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثالث : أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه من بعده أبو بكر وعمر، قاله الحسن وأبو العالية. الرابع : أنه الحق، قاله مجاهد وقتادة.
روى جابر بن عبد الله قال : خرج علينا رسول الله يوماً فقال :" رَأيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ جِبْرِيلَ عِندَ رَأْسِي وَمِيكائِيلَ عِندَ رِجْلَيّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبهِ : أضْرِبْ لَهُ مَثَلاً، فَقَالَ : اسْمَعْ سَمْعَتْ أُذُنُكَ، وَاعْقِلْ، عَقَلَ قَلْبُكَ، إِنَّمَا مَثَلُكَ وَمَثَلُ أُمَّتِكَ كَمَثَلِ مَلِكٍ اتَّخَذَ دَاراً ثُمَّ بَنَى فِيهَا بَيتاً ثُمَّ جَعَلَ فِيهَا مَائِدَةً ثُمَّ بَعَثَ رَسُولاً يَدْعُو النَّاسَ إِلَى طَعَامِهِ فَمِنهُم منْ أَجَابَ الرَّسُولَ وَمِنهُم من تَرَكَهُ، فَاللَّهُ الْمَلِكُ، وَالدَّارُ الإسْلاَمُ، وَالْبَيْتُ الْجَنَّةُ، وََأَنْتَ يَا مُحَمَّدُ الرَّسُولُ فَمَنْ أَجَابَكَ دَخَلَ فِي الإِسْلاَمِ، وَمَنْ دَخَلَ فِي الإِسْلاَمِ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَن دَخَلَ الْجَنَّةَ أَكَلَ مِمَّا فيهَا " ثم تلا قتادة ومجاهد ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلاَمِ ﴾١.
(متوجٌ برداء الملك يتبعه | موجٌ ترى فوقه الرايات والقترا) |
(إن المريب يتبع المريبا | كما رأيت الذيب يتلو الذيبا) |
إحداهما : بتاءين قرأ بها حمزة والكسائي، وفي تأويلها ثلاثة أوجه :
أحدها : تتبع كل نفس ما قدمت في الدنيا، قاله السدي، ومنه قول الشاعر :
إن المريب يتبع المريبا | كما رأيت الذيب يتلو الذيبا |
والثالث : تعاين كل نفس جزاء ما عملت.
والقراءة الثانية : وهي قراءة الباقين تتلو بالباء وفي تأويلها وجهان :
أحدهما : تسلم كل نفس.
الثاني : تختبر كل نفس، قاله مجاهد.
﴿ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِ ﴾ أي مالكهم، ووصف تعالى نفسه بالحق، لأن الحق منه، كما وصف نفسه بالعدل، لأن العدل منه.
فإن قيل فقد قال تعالى :﴿ وَأَنَّ الْكَافرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ ﴾ [ محمد : ١١ ] فكيف صار هاهنا مولى لهم ؟ قيل ليس بمولى في النصرة والمعونة، وهو مولى لهم في الملكية.
﴿ وَضلَّ عَنْهُم ما كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ أي بطل عنهم ما كانوا يكذبون.
﴿ إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِ شَيْئاً ﴾ في الظن وجهان :
أحدهما : أنه منزلة بين اليقين والشك، وليست يقيناً وليست شكاً.
الثاني : إن الظن ما تردد بين الشك واليقين وكان مرة يقيناً ومرة١ شكاً.
أحدهما : لم يعلموا ما عليهم بتكذيبهم لشكهم فيه.
الثاني : لم يحيطوا بعلم ما فيه من وعد ووعيد لإعراضهم عنه.
﴿ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : علم ما فيه من البرهان.
الثاني : ما يؤول إليه أمرهم من العقاب.
أحدهما : يستمعون الكذب عليك فلا ينكرونه.
الثاني : يستمعون الحق منك فلا يَعُونَه.
﴿ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أن من لا يعي ما يسمع فهو كمن لا يعقل.
الثاني : معناه أنه كما لا يعي من لا يسمع كذلك لا يفهم من لا يعقل.
والألف التي في قوله تعالى :﴿ أَفَأَنتَ ﴾ لفظها لفظ١. الاستفهام ومعناها معنى النفي.
﴿ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : فإذا جاء رسولهم يوم القيامة قضي بينهم ليكون رسولهم شاهداً عليهم، قاله مجاهد.
الثاني : فإذا جاء رسولهم يوم القيامة وقد كذبوه في الدنيا قضى الله تعالى بينهم وبين رسولهم في الآخرة، قاله الكلبي.
الثالث : فإذا جاء رسولهم في الدنيا واعياً بعد الإذن له في الدعاء عليهم قضى الله بينهم بتعجيل الانتقام منهم، قاله الحسن.
﴿ أََحَقٌّ هُوَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : البعث، قاله الكلبي١.
الثاني : العذاب في الآخرة.
﴿ قُلْ وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ ﴾ فأقسم مع إخباره أنه حق تأكيداً.
﴿ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : بممتنعين.
الثاني : بسابقين٢، قاله ابن عباس.
٢ هكذا في ك، وفي ق بمسابقين وفي تفسير القرطبي وغيره بفائتين عن العذاب..
الثاني : أظهروها وكشفوها لهم.
وذكر المبرد فيه وجهاً ثالثاً : أنه بدت بالندامة أَسِرّةُ١ وجوههم وهي تكاسير الجبهة٢.
﴿ وَقُضِيَ بَيْنَهُم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : قضي بينهم وبين رؤسائهم، قاله الكلبي.
الثاني : قضى عليهم بما يستحقونه من عذابهم.
٢ سقط من ق..
أحدها : أن فضل الله معرفته، ورحمته توفيقه.
الثاني : أن فضل الله القرآن، ورحمته الإسلام، قاله ابن عباس وزيد بن أسلم والضحاك.
الثالث : أن فضل الله الإسلام، ورحمته القرآن، قاله الحسن ومجاهد وقتادة.
﴿ فَبِذلِكَ فَلْيَفُرَحُواْ ﴾ يعني بالمغفرة والتوفيق على الوجه الأول، وبالإٍسلام والقرآن على الوجهين الآخرين.
وفيه ثالث : فلتفرح قريش بأن محمداً منهم، قاله ابن عباس١.
﴿ هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ يعني في الدنيا.
روى أبان عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" مَنْ هَدَاهُ اللهُ لِلإِسْلاَمِ وَعَلَّمَهُ القُرآنَ ثُمَّ شَكَا الفَاقَةَ كَتبَ اللَّهُ الْفَقْرَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ " ثم تلا ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾٢.
٢ رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد في المسند..
أحدهما : أن البشرى في الحياة الدنيا هي البشارة عند الموت بأن يعلم أين هو من قبل أن يموت، وفي الآخرة الجنة، قاله قتادة والضحاك. وروى علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إِنّ لِخَدِيجَةَ بِنتِ خُوَيِلدِ بَيْتاً مِنْ قَصَبٍ لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَب " ١.
الثاني : أن البشرى في الحياة الدنيا الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو تُرى له، وفي الآخرة الجنة، روى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو الدرداء وأبو هريرة وعبادة بن الصامت.
ويحتمل تأويلاً ثالثاً : أن البشرى في الحياة الدنيا الثناء الصالح، وفي الآخرة إعطاؤه كتابه بيمينه٢.
﴿ لاَ تَبْديلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لا خلف لوعده.
الثاني : لا نسخ لخيره.
٢ سقط من ق..
﴿ فَمَا سَأَلْتُكُم مِنْ أَجْرٍ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : فما سألتكم من أجر تستثقلونه فتمتنعون من الإجابة لأجله، ﴿ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ ﴾.
والثاني : فما سألتكم من أجر إن انقطع عني ثقُل علي.
﴿ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ ﴾ وقد حصل بالدعاء لكم إن أجبتم أو أبيتم.
﴿ أمِرتُ أن أكونَ مِنَ المُسْلِمينَ ﴾ أي من المستسلمين لأمر الله بطاعته.
﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلائِفَ ﴾ أي خلفاً لمن هلك بالغرق.
﴿ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآياتِنَا ﴾ حكى أبو زهير١ أن قوم نوح عاشوا في الطوفان أربعين يوماً. وذكر محمد بن إسحاق أن الماء بقي بعد الغرق مائة وخمسين يوماً، فكان بين أن أرسل الله الطوفان إلى أن غاض الماء ستة أشهر وعشرة أيام وذلك مائة وتسعون يوماً. قال محمد بن إسحاق لما مضت على نوح أربعون ليلة فتح كوة السفينة ثم أرسل منها الغراب لينظر ما فعل الماء فلم يعد، فأرسل الحمامة فرجعت إليه ولم تجد لرجلها موضعاً، ثم أرسلها بعد سبعة أيام فرجعت حيث أمست وفي فيها ورقة زيتونة فعلم أن الماء قد قل على الأرض، ثم أرسلها بعد سبعة أيام فلم تعد فعلم أن الأرض قد برزت، وكان استواء السفينة على الجودي لسبع عشرة ليلة من الشهر السابع فيما ذكر، والله أعلم.
أحدها : لتلوينا، قاله قتادة.
الثاني : لتصدنا، قاله السدي.
الثالث : لتصرفنا، من قولهم لفته لفتاً إذا صرفه ومنه لفت عنقه أي لواها، قاله عليّ بن عيسى.
﴿ وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : الملك، قاله مجاهد.
الثاني : العظمة، حكاه الأعمش.
الثالث : العلو، قاله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
الرابع : الطاعة، قاله الضحاك.
أحدها : أن الذرية القليل، قاله ابن عباس.
الثاني : أنهم الغلمان من بني إسرائيل لأن فرعون كان يذبحهم فأسرعوا إلى الإيمان بموسى، قاله زيد بن أسلم.
الثالث : أنهم أولاد الزمن، قاله مجاهد.
الرابع : أنهم قوم أمهاتهم من بني إسٍرائيل وآباؤهم من القبط.
ويحتمل خامساً : أن ذرية قوم موسى نساؤهم وولدانهم.
﴿ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِمْ ﴾ يعني وعظمائهم وأشرافهم.
﴿ أَنَ يَفْتِنَهُمْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن يعذبهم، قاله ابن عباس.
الثاني : أن يكرههم على استدامة ما هم عليه.
﴿ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أي متجبر، قاله السدي.
الثاني : باغ طاغ، قاله ابن إسحاق.
﴿ وِإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ﴾ يعني في بغيه وطغيانه.
(نحن بنو عدنان ليس شك | تبوَأ المجد بنا والملك) |
أحدهما : في الإسلام إليه.
الثاني : في الثقة به.
﴿ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَومِ الظَّالِمِينَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لا تسلطهم علينا فيفتنوننا، قاله مجاهد.
الثاني : لا تسلطهم علينا فيفتتنون بنا لظنهم أنهم على حق، قاله أبو الضحى وأبو مجلز.
﴿ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : بالضلالة ليهلكوا كفاراً فينالهم عذاب الآخرة، قاله مجاهد.
الثاني : بإعمائها عن الرشد.
الثالث : بالموت، قاله ابن بحر.
الرابع : اجعلها قاسية.
﴿ فَلاَ يُؤْمنُوا حَتَّى يَرَُواْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ ﴾ قال ابن عباس هو الغرق.
واختلف في معنى آمين بعد الدعاء وبعد فاتحة الكتاب في الصلاة على ثلاثة أقاويل :
أحدها : معناه اللهم استجب، قاله الحسن.
الثاني : أن آمين اسم من أسماء٢ الله تعالى، قاله مجاهد، قال ابن قتيبة وفيه حرف النداء مضمر وتقديره يا آمين استجب دعاءنا.
الثالث : ما رواه سعيد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" آمين خَاتَمُ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ " يعني أنها تمنع من وصول الأذى والضرر كما يمنع الختم من الوصول إلى المختوم عليه.
وفرق ابن عباس في معنى آمين بين وروده بعد الدعاء وبين وروده بعد فاتحة الكتاب فقال : معناه بعد الدعاء : اللهم استجب، ومعناه بعد الفاتحة : كذلك فليكن.
قال محمد بن علي وابن جريج : وأخّر فرعون بعد إجابته دعوتهما أربعين سنة٣.
﴿ فَاسْتَقِيمَا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : فامضيا لأمري فخرجا في قومهم، قاله السدي.
الثاني : فاستقيما في دعوتكما على فرعون وقومه، وحكاه علي ابن عيسى.
وقيل : إنه لا يجوز أن يدعو نبي على قومه إلا بإذن لأن دعاءه موجب لحلول الانتقام وقد يجوز أن يكون فيهم من يتوب٤.
٢ قال القرطبي: ولم يصح. انظر تفسير القرطبي ١٠/١٢٨..
٣ في ك يوما وقد نقل القرطبي هذا القول وقال: أربعين سنة..
٤ الجواب أن هذا الأذن بالدعاء لابد أن يكون قد وقع بأن أخبر الله موسى أن فرعون وقومه لن يؤمنوا وأنهم هالكون..
أحدهما : يعني بجسدك من غير روح، قاله مجاهد.
الثاني : بدرعك، وكان له درع من حديد يعرف بها، قاله أبو صخر، وكان من تخلف من قوم فرعون ينكر غرقه.
وقرأ يزيد اليزيدي :﴿ نُنَحّيكَ ﴾ بالحاء غير معجمة وحكاها علقمة عن ابن مسعود. [ والمعنى ] أن يكون على ناحية من البحر حتى يراه بنو إسرائيل، وكان قصير أحمر كأنه ثور.
﴿ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ١ آيَةً ﴾ يعني لمن بعدك عبرة وموعظة.
.
أحدها : معناه إلا بأمر الله تعالى، قاله الحسن.
الثاني : إلا بمعونة الله.
الثالث : إلا بإعلام الله سبل الهدى والضلالات٢.
﴿ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾ فيه خمسة تأويلات :
أحدها : أن الرجس السخط، قاله ابن عباس.
الثاني : أنه العذاب، قاله الفراء.
الثالث : أنه الإثم، قاله سعيد بن جبيرٍ.
الرابع : أنه ما لا خير فيه، قاله مجاهد.
الخامس : أنه الشيطان، قاله قتادة.
وقوله :﴿ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾ يعني لا يعقلون عن الله تعالى أمره ونهيه ويحتمل أنهم الذين لا يعتبرون بحججه ودلائله.
٢ سقط من ق..
(حمدت الله حين هدى فؤادي | من الإشراك للدين الحنيف) |
و ﴿ حَنِيفاً ﴾ فيه ستة تأويلات :
أحدها : أي حاجاً، قاله ابن عباس والحسن والضحاك وعطية والسدي.
الثاني : متبعاً، قاله مجاهد.
الثالث : مستقيماً، قاله محمد بن كعب.
الرابع : مخلصاً، قاله عطاء.
الخامس : مؤمناً بالرسل كلهم، قاله أبو قلابة قال حمزة بن عبد المطلب :
حمدت الله حين هدى فؤادي | من الإشراك للدين الحنيف١ |
٢ وعلى هذا فالحنف يكون بمعنى الميل باعوجاج وقد يسمى معوج الرجلين حنيفا تفاؤلا بالاستقامة كما يقال للديغ سليم وللصحراء المهلكة مفازة انظر تفسير القرطبي ٢/١٣٩، ١٤٠..
سورة يونس
سورةُ (يونُسَ) من السُّوَر المكية، وقد بُدِئت بالتنويه بالقرآن وعظَمتِه، وأصَّلتْ لكثير من مسائلِ التوحيد والاعتقاد، ودعَتْ إلى الالتجاء إلى الله وحده، وجاءت على ذِكْرِ حالِ الدنيا، وتعامُلِ الناس معها، وفيها ذِكْرُ قِصص بعض الأنبياء عليهم السلام في دعوةِ أقوامهم، وما عانَوْهُ ولاقَوْهُ من المصاعب؛ لتُثبِّتَ المسلمين، وعلى رأسهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، في طريق الدعوة إلى الله عز وجل؛ فإنَّ اللهَ ناصرٌ دِينَه، ومُعْلٍ كتابَه لا محالةَ.
ترتيبها المصحفي
10نوعها
مكيةألفاظها
1889ترتيب نزولها
51العد المدني الأول
109العد المدني الأخير
109العد البصري
109العد الكوفي
109العد الشامي
110سُمِّيتْ سورة (يونُسَ) بذلك؛ لأنها جاءت على ذِكْرِ قوم (يونُسَ) عليه السلام.
احتوَتْ سورة (يونُسَ) على عدة موضوعات؛ وهي:
1. إنكار موقف المشركين من الوحي (١-٢).
2. تفرُّد الله بالخَلق والقدرة، وإثبات البعث والجزاء (٣-٦).
3. جزاء المؤمنين والكفار (٧-١٠).
4. حِلْمُ الله مع المستعجِلين للعذاب، وسُنَّته بإهلاك الظالمين (١١-١٤).
5. مطالبة المشركين بتبديل القرآن (١٥-١٨).
6. اختلاف الناس وحرصُهم على الحياة الفانية (١٩-٢٤).
7. الترغيب في الجزاء الإلهي (٢٥- ٣٠).
8. إثبات التوحيد والبعث بدليل الفطرة (٣١-٣٦).
9. نفيُ التهمة عن القرآن، وانقسام المشركين حوله (٣٧-٤٤).
10. سرعة زوال الدنيا، وعذاب المشركين في الدارين (٤٥-٥٦).
11. خصائص القرآن، وخَصوصية الله بالتشريع (٥٧-٦١).
12. قواعد الجزاء (٦٢-٧٠).
13. نصرُ الله لأوليائه من الأنبياء وأتباعه (٧٠-١٠٠).
14. قصة (نوح) مع قومه (٧٠-٧٤).
15. قصة (موسى) (٧٥-٩٣).
16. صدقُ القرآن وقصة (يونس) (٩٤-١٠٠).
17. الدعوة إلى الدِّين الحق، واتباع الإسلام (١٠١-١٠٩).
ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (3 /303).
بدأت السُّورةُ بالإشارة إلى مقصدِها العظيم؛ وهو إثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم؛ بدَلالة عَجْزِ المشركين عن معارضة القرآن، دلالة نبَّه عليها بأسلوب تعريضيٍّ دقيق، بُنِيَ على الكناية بتهجية (الحروف المقطَّعة) في أول السورة، ووصفِ الكتاب بأنه من عند الله؛ لِما اشتمل عليه من الحكمة، وأنه ليس إلا من عنده سبحانه؛ لأنَّ غيرَه لا يَقدِر على شيء منه؛ وذلك دالٌّ - بلا ريب - على أنه واحد في مُلْكِه، لا شريكَ له في شيءٍ من أمره.
ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /164)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (11 /87).