تفسير سورة سورة يونس من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن
لمؤلفه
الإيجي محيي الدين
.
المتوفي سنة 905 هـ
سورة يونس قيل مكية إلا ثلاث آيات من قوله ﴿ فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك ﴾ وهي مائة وتسع آيات، وأحد عشر ركوعا.
ﰡ
﴿ الر ﴾ عن ابن عباس رضي الله عنهما، أي : أنا الله أرى، ﴿ تلك ﴾ إشارة إلى ما تضمنته السورة من الآي، ﴿ آيات الكتاب ﴾ القرآن، ﴿ الحكيم ﴾ المحكم الذي لم ينسخ، أو الحاكم بين الناس أو ذوي الحكم.
﴿ أكان للناس ﴾ استفهام لإنكار تعجب الكفار ﴿ عجبا ﴾ خبر كان، ﴿ أن أوحينا ﴾ اسم كان، ﴿ إلى رجل منهم ﴾ نزلت حين قال قريش : الله أعظم أن يكون رسوله بشرا مثل محمد يعني ممن لم يكن له رياسة ومال وما يعدونه من أسباب الجلال، ﴿ أن أنذر الناس ﴾، أن مفسرة، ﴿ وبشر الذين آمنوا أن ﴾ أي : بأن، ﴿ لهم قدم صدق عند ربهم ﴾، أي : سابقة و أثرة حسنة أجرا حسنا بما قدموا أو سبقت لهم السعادة في الذكر الأول وذكر الصدق إشارة إلى أن نيل تلك الرفعة بسبب الصدق، ﴿ قال الكافرون إن هذا ﴾ أي : الكتاب، ﴿ لساحر مبين ﴾.
﴿ إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ﴾ كهذه الأيام أو كل يوم كألف سنة، ﴿ ثم استوى على العرش ﴾، الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والسؤال عنه بدعة، ﴿ يدبر الأمر ﴾ : يقدر أمر الكائنات على مقتضى حكمته، ﴿ ما من شفيع إلا من بعد إذنه ﴾رد على المشركين أن آلهتهم شفعاء لهم، ﴿ ذلكم الله ﴾ أي : الموصوف بتلك الصفات العظيمة، ﴿ ربكم ﴾ لا غير، ﴿ فاعبدوه ﴾ وحده، ﴿ أفلا تذكرون ﴾ في أمركم أيها المشركون.
﴿ إليه ﴾ لا إلى غيره، ﴿ مرجعكم جميعا ﴾ بالموت، ﴿ وعد الله ﴾ مصدر مؤكد لنفسه، ﴿ حقا ﴾ مصدر مؤكد لغيره، ﴿ إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ﴾ بعد إهلاكه، ﴿ ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط ﴾ بعدله لا ينقص من ثوابهم وفضل الله يؤتيه من يشاء وقيل : المراد عدلهم أي إيمانهم فإن الشرك لظلم عظيم، ﴿ والذين كفروا لهم شراب من حميم ﴾ ماء حار انتهى حره، ﴿ وعذاب أليم بما كانوا يكفرون ﴾ بسبب كفرهم وحاصله ليجزي الذين كفروا بشراب لكن غير النظم للمبالغة في استحقاقهم للعذاب، وللإشارة إلى أن المقصود بالذات من الإعادة هو الإثابة، وأما عقاب الكفرة فشيء ساقه إليهم شؤم أعمالهم وهذا أيضا عدل خصص المؤمنين بذكره لمزيد عناية وبشارة.
﴿ هو الذي جعل الشمس ضياء ﴾ ذات ضياء، ﴿ والقمر نورا ﴾ أي : ذا نور قيل : ما بالذات ضوء وما بالعرض نور، ﴿ وقدره ﴾، أي : مسير القمر، ﴿ منازل ﴾ أو قدر القمر ذا منازل، ﴿ لتعلموا عدد السنين والحساب ﴾ حساب الشهور والأيام، ﴿ ما خلق الله ذلك ﴾ أي : المذكور، ﴿ إلا ﴾ متلبسا، ﴿ بالحق ﴾ فيه الصنائع والحكم، ﴿ يفصل الآيات لقوم يعلمون ﴾ فإنهم المنتفعون بالتدبر.
﴿ إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون ﴾ العواقب فإنهم يحملهم على التدبر.
﴿ إن الذين لا يرجون ﴾ لا يتوقعون، ﴿ لقاءنا ﴾ لأنهم ينكرون البعث، ﴿ ورضوا بالحياة الدنيا ﴾ من الآخرة، ﴿ واطمأنوا بها ﴾ قصروا هممهم على زخارفها، ﴿ والذين هم عن آياتنا ﴾ الكونية والشرعية، ﴿ غافلون ﴾ فلا يتفكرون فيها ولا يأتمرون بها.
﴿ أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون ﴾، من المعاصي.
﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم ﴾، بسبب إيمانهم إلى الصراط حتى يصلوا إلى الجنة بالسلامة، ﴿ تجري من تحتهم الأنهار ﴾ استئناف أو خبر ثان، ﴿ في جنات النعيم ﴾ متعلق بتجري أو حال من الأنهار.
﴿ دعواهم ﴾ أي : دعاؤهم، ﴿ فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن ﴾ مخففة من المثقلة، ﴿ الحمد لله رب العالمين ﴾ عن كثير من السلف أن أهل الجنة كلما اشتهوا شيئا قالوا : سبحانك اللهم فيأتيهم الملك بما يشتهون فيسلم عليهم فيردون عليه، وذلك تحيتهم فإن أكلوا حمدوا الله وذلك و ذلك قوله وآخر دعواهم.
﴿ ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم ﴾ تعجيل الله تعالى لهم، ﴿ بالخير ﴾ حاصله لو يستجيب دعاءهم بالشر عند الغضب لأهلهم وأولادهم وأموالهم كما يستجيب دعائهم بالخير، ﴿ لقضي إليهم أجلهم ﴾، لأميتوا وأهلكوا لكن بفضله يستجيب دعائهم في الخير سريعا لا في الشر قال بعضهم : نزلت حين قالوا :" اللهم إن كان هذا هو الحق " الآية ( الأنفال : ٣٢ )، ﴿ فنذر الذين لا يرجون لقاءنا ﴾ لا يخافون البعث، ﴿ في طغيانهم يعمهون ﴾ تقديره لا نعجلهم و لا نقضي فنذرهم إمهالا واستدراجا.
﴿ وإذا مس الإنسان الضر ﴾ المرض والشدة، ﴿ دعانا ﴾ لإزالته ملقيا، ﴿ لجنبه ﴾ أي : مضطجعا، ﴿ أو قاعدا أو قائما ﴾، أي : في جميع حالاته فإن الإنسان لا يهلوا عن إحدى هذه الثلاثة، ﴿ فلما كشفنا عنه ضره مر ﴾ مضى واستمر على طريقته قبل الضر ونسي، ﴿ كأن لم يدعنا إلى ضر مسه ﴾ أي : كأنه لم يطلب منا كشف ضره فحذف ضمير الشأن وخفف، ﴿ كذلك ﴾ مثل ذلك التزيين، ﴿ زين للمسرفين ما كانوا يعملون ﴾ من الانهماك في الملذات والإعراض عن الطاعات.
﴿ ولقد أهلكنا القرون من قبلكم ﴾ يا أهل مكة، ﴿ لما ظلموا ﴾ بتكذيب رسلهم، ﴿ وجاءتهم رسلهم بالبينات ﴾ الحجج الدالة على صدقهم عطف على ظلموا أو حال بإضمار قد، ﴿ وما كانوا ليؤمنوا ﴾ لأن الله طبع على قلوبهم جزاء على كفرهم، ﴿ كذلك ﴾ مثل ذلك الجزاء وهو الإهلاك بأفضح وجه، ﴿ نجزي القوم المجرمين ﴾، أي : كل مجرم فاحذروا يا أهل مكة.
﴿ ثم جعلناكم خلائف في الأرض ﴾ استخلفناكم فيها، ﴿ من بعدهم لننظر كيف تعملون ﴾ فنعاملكم على مقتضى أعمالكم وكيف حال عن ضمير تعملون.
﴿ وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ﴾ أي : المشركون، ﴿ ائت بقرآن غير هذا ﴾ أي : جيء من عند ربك بكتاب آخر ليس فيه عيب آلهتنا، ﴿ أو بدله ﴾ أنت من عند نفسك بأن تأتي بآية أخرى مكان آية فيها ما نكرهه، ﴿ قل ما يكون ﴾ ما يصح، ﴿ لي أن أبدله من تلقاء نفسي ﴾ من قبل نفسي، ﴿ إن أتبع إلا ما يوحى إلي ﴾ يعني التبديل من قبل نفسي لا يمكنني ومن جهة الوحي موقوف على الوحي لا دخل لي فيه إنما علي إتباعه، ﴿ إني أخاف إن عصيت ربي ﴾ بالتبديل، ﴿ عذاب يوم عظيم ﴾ لما علم من جواب التبديل جواب الإتيان بقرآن آخر اكتفى به عنه.
﴿ قل لو شاء الله ﴾ أن لا أتلوا، ﴿ ما تلوته عليكم ﴾ أي : تلاوته من مشيئة الله تعالى وإرادته فإني رجل أمي تعرفوني، ﴿ ولا أدراكم به ﴾ ولا أعلمكم الله به على لساني ومن قرأ لأدراكم بلام جواب " لو " فإنه عطف على جواب " لو " لا لام الابتداء فمعناه لو شاء الله ما تلوه عليكم ولأعلمكم به على لسان غيري لكنه خصني بهذه المزية ورني أهلا لها دون غيري، ﴿ فقد لبثت فيكم عمرا ﴾ مقدارا أربعين سنة، ﴿ من قبله ﴾ أي : من قبل القرآن لا أتلوه ولا أعمله، ﴿ أفلا تعقلون ﴾ إنه لا يكون من قبلي فإني نشأت بين ظهرانيكم وما مارست علما وما شاهدت علما.
﴿ فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ﴾ بأن يقول : إنه من عند الله وما هو من عنده، ﴿ أو كذب بآياته ﴾ برسوله و قرآنه ومن تأمل في أمري يظهر له صدقي فلا أحد أظلم منكم، ﴿ إنه لا يفلح المجرمون ﴾.
﴿ ويعبدون من دون ما لا يضرهم ولا ينفعهم ﴾ لأنه لا يقدر على ضر ولا نفع فإنه جماد، ﴿ ويقولون هؤلاء ﴾ الأوثان ﴿ شفعاؤنا عند الله ﴾ في أمور دنيانا أو في الآخرة إن يكن بعث، ﴿ قل أتنبئون الله ﴾، تخبرونه، ﴿ بما لا يعلم ﴾، وهو أن له شريكا وأن هؤلاء شفعاء عنده وما لا يعلمه العلم بكل شيء لم يكن له ثبوت بوجه، ﴿ في السماوات ولا في الأرض ﴾، حال من ضمير مقدر في يعلم يرجع إلى ما تأكد لنفيه إذ العرف جار بأن يقال عند تأكيد النفي ليس هذا في السماء ولا في الأرض، ﴿ سبحانه وتعالى عما يشركون ﴾، ما مصدرية أو موصولة.
﴿ و ما كان الناس إلا أمة واحدة ﴾، بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام، ﴿ فاختلفوا ﴾، فبعضهم عبدوا الأصنام، ﴿ ولولا كلمة سبقت من ربك ﴾، بأنه لا يهلك أحدا بعد قيام الحجة وأن لكل أمة جعل أجلا معينا، ﴿ لقضي بينهم ﴾، عاجلا، ﴿ فيما فيه يختلفون ﴾، فيهلك المبطل ويبقي المحق، قال بعضهم : أي لولا أنه في حكمه أنه لا يقضي بينهم إلا في القيامة لقضي في الدنيا فيدخل المؤمن الجنة والكافر النار قبل القيامة.
﴿ ويقولون ﴾، أهل مكة، ﴿ لولا ﴾، أي هلا، ﴿ أنزل عليه ﴾، على محمد، ﴿ آية من ربه ﴾، مثل الناقة والعصا أو مما اقترحوه من جعل الصقا ذهبا، ﴿ فقل إنما الغيب لله ﴾، أي ما تطلبونه غيب وهو القدر عليه، ﴿ فانتظروا ﴾، لنزول ما تطلبونه، ﴿ إني معكم من المنتظرين ﴾ لما يفعل الله بكم.
﴿ وإذا أذقنا الناس رحمة ﴾ كالرخاء والصحة، ﴿ من بعد ضراء مستهم ﴾، كالجدب والمرض، ﴿ إذا لهم مكر في آياتنا ﴾ يختالون في طعنها وتكذيبها وإذا للمفاجأة جواب لإذا الشرطية، ﴿ قل الله أسرع مكرا ﴾ منكم بأن يدبر العقاب قيل إن تدبروا المكر والمكر من الله استدراج أو جزا ء على المكر، ﴿ إن رسلنا ﴾ أي : الحفظة من الملائكة، ﴿ يكتبون ما تمكرون ﴾ للمجازاة.
﴿ هو الذي يسيركم ﴾ يمكنكم من السير ويحفظكم، ﴿ في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك ﴾ في السفن، ﴿ وجرين ﴾ الضمير للفك لأنه جع فلك، ﴿ بهم ﴾ عدل إلى الغيبة للمبالغة كأنه يذكرهم لغيرهم حالهم ليعجبهم منها، ﴿ بريح طيبة وفرحوا بها ﴾ لاستوائها ولينها، ﴿ جاءتها ﴾، أي تلك السفن جواب لإذا، ﴿ ريح عاصف ﴾ أي : ذات عصف يعني شديدة قيل العاصف كالحائض مخصوص بالريح فلذا لم يقل عاصفة أو الريح يذكر ويؤنث، ﴿ وجاءهم الموج من كل مكان ﴾ من جميع الأطراف، ﴿ وظنوا أنهم أحيط بهم ﴾ فلا يمكن لهم الخلاص، ﴿ دعوا الله ﴾ بدل اشتمال من ظنوا أو استئناف جواب ماذا صنعوا بعد هذه الحالة وما قيل هو جواب للشرط وجاءتها حال فليس بشيء، ﴿ مخلصين له الدين ﴾، مفعول مخلصين أي : تركوا الشرك فلم يدعوا إلا الله، ﴿ لئن أنجيتنا ﴾، أي : قائلين أو مفعول دعوا لأنه من جملة القول، ﴿ من هذه ﴾، الريح والشدة، ﴿ لنكونن من الشاكرين ﴾.
﴿ فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض ﴾، فأجاءوا الفساد فيها، ﴿ بغير الحق ﴾ لا كتخريب المسلمين ديار الكفر فإنه إفساد بحق، ﴿ يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع ﴾ منفعة، ﴿ الحياة الدنيا ﴾ لا تبقى ويبقى عقابها وهو خبر بغيكم وعلى أنفسكم متعلق بالبغي أو على أنفسكم خبره أي ما و بال بغيكم إلا على أنفسكم لا يضرون به أحدا غيركم ومتاع خبر محذوف، أي : ذلك متاع و من قرأ بالنصب تقديره يتمتعون متاع، ﴿ ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون ﴾ بالجزاء عليه.
﴿ إنما مثل الحياة الدنيا ﴾ في سرعة تقضيها واغترار الناس بها، ﴿ كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض ﴾ أي : بسببه اشتبك نبات الأرض حتى خالط بعضه بعضا، ﴿ مما يأكل الناس ﴾ من الزرع والبقل، ﴿ والأنعام ﴾ من الحشيش ﴿ حتى أخذت الأرض زخرفها وازينت ﴾ كعروس أخذت ألوان ثيابها وحيلها فتزينت بها وأصل ازينت تزينت فأدغم، ﴿ وظن أهلها ﴾ أهل الأرض، ﴿ أنهم قادرون عليها ﴾ متمكنون من منفعتها محصلون لثمرتها، ﴿ آتاها أمرها ﴾ وهو ضرب زرعها ببعض العاهات، ﴿ ليلا أو نهارا فجعلناها ﴾ أي زرعنا، ﴿ حصيدا ﴾ شبيها بما حصد، ﴿ كأن لم تعن ﴾ أي : كأن لم يلبث ولم يكن زرعها على حذق المضاف، ﴿ بالأمس ﴾ والأمس مثل في الوقت القريب يعني المتسبب بالدنيا المغرور بها يأتيه عذابه أغفل ما يكون ومضمون الحكاية وهو الممثل لا الماء وحده، ﴿ كذلك ﴾ مثل ذلك التبيين، ﴿ نفصل الآيات لقوم يتفكرون ﴾ فإنهم المنتفعون بها.
﴿ والله يدعوا إلى دار السلام ﴾ هي الجنة والسلام من أسماء الله تعالى أو دار السلامة من الآفات أو دار تحيتها سلام يسلم الملائكة على من فيها، ﴿ ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ﴾ بأن يوفقه على التقوى الذي هو طريق الجنة فالدعوة عام والهداية خاص.
﴿ للذين أحسنوا ﴾ العمل في الدنيا، ﴿ الحسنى ﴾ الجنة، ﴿ وزيادة ﴾ النظر إلى وجه الله الكريم وهو قول أبي بكر الصديق وكثير السلف رضي الله عنهم وعليه أحاديث كثيرة أحدها في صحيح مسلم وابن ماجه لكن من يضلل الله من العباد فماله من هاد أو الحسنى مثل حسناتهم والزيادة عشر أمثالها إلى سبعمائة أو أكثر أو الزيادة الرضوان، ﴿ ولا يرهق ﴾ لا يغشى، ﴿ وجوههم قتر ﴾ غبار أي سواد، ﴿ ولا ذلة ﴾ هوان وكآبة ؛ بل لقاهم نضرة وسرورا، ﴿ أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ﴾.
﴿ والذين كسبوا السيئات ﴾ مبتدأ بتقدير وجزاء الذين كسبوا السيئات، ﴿ جزاء سيئة بمثلها ﴾ لا يزاد عليها شيء أو عطف على الذين أحسنوا، أي : للذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها كقولك : في الدار زيد والحجرة عمرو عند من يجوزه، ﴿ وترهقهم ﴾ تغشاهم، ﴿ ذلة ما لهم من الله من عاصم ﴾ يعصمهم ويحميهم، ﴿ كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما ﴾ لكمال سوادها ومظلما حال من الليل وهو صفة لقطعا ومن قرأ بسكون الطاء فلأولى مظلما صفة، ﴿ أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ﴾ والآية في الكفار قسيم المؤمنين المر من قوله للذين أحسنوا.
﴿ ويوم ﴾ بتقدير اذكر، ﴿ نحشرهم جميعا ﴾ المؤمن والكافر، ﴿ ثم نقول للذين أشركوا ﴾ ألزموا، ﴿ مكانكم أنتم ﴾ تأكيد للضمير المنتقل إلى مكانكم من عامله، ﴿ وشركاؤكم ﴾ أي الأوثان، ﴿ فزيلنا ﴾ فرقنا، ﴿ بينهم ﴾ وقطعنا ما كان بينهم من التواصل، ﴿ وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون ﴾ ينطق الله الأصنام فينكرون عبادتهم ويتبرأون منهم مكان شفاعتهم.
﴿ فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن ﴾ أي أنه، ﴿ كنا عن عبادتكم لغافلين ﴾ لأنا كنا جمادا لا نعلم ولا نشعر فما أمرناكم بها ولو رضينا منكم بها.
﴿ هنالك ﴾ في ذلك المقام، ﴿ تبلو ﴾ تخبر وتعلم، ﴿ كل نفس ما أسلفت ﴾ من عمل فتعاين نفعه وضره ومن قرأ تتلو فهو من التلاوة أي تقرأ أو من التلو أي : تتبع عمله قال بعضهم : تتبع كل أمة ما كانت تعبد، ﴿ وردوا ﴾ أي : أمرهم، ﴿ إلى الله مولاهم الحق ﴾ متولي أمورهم بالحقيقة لا ما اتخذوه مولى بالباطل، ﴿ وضل عنهم ﴾ ضاع وبطل، ﴿ ما كانوا يفترون ﴾ فيعبدونه من دون الله.
﴿ قل من يرزقكم من السماء ﴾ بالمطر، ﴿ والأرض ﴾ بنبات قيل : تقديره من أهل السماء والأرض، ﴿ أمن يملك السمع والأبصار ﴾ أي : من يملك خلقهما أو حفظهما من الآفات، ، ﴿ ومن يخرج الحي ﴾ الحيوان، ﴿ من الميت ﴾ النطفة، ﴿ ويخرج الميت ﴾ النطفة، ﴿ من الحي ﴾ الحيوان وقيل : من يحي ويميت، ﴿ ومن يدبر الأمر ﴾ يلي تدبير أمر العالم، ﴿ فسيقولون الله ﴾ إذ الأمر أوضح من أن ينكر، ﴿ فقل أفلا تتقون ﴾ الشرك مع هذا الإقرار.
﴿ فذلكم ﴾ إشارة إلى من هذه قدرته، ﴿ الله ربكم الحق ﴾ لا ما جعلتم معه شريكا أخبار مترادفة، ﴿ فماذا بعد الحق إلا الضلال ﴾ أي : ليس بعد الحف إلا الضلال، ﴿ فأنى تصرفون ﴾ عن الحق إلى الضلال وعن عبادته إلى عبادة غيره.
﴿ كذلك ﴾، أي : كما حق أن بعد الحق الضلال أو أنهم مصروفون عن الحق، ﴿ حقت كلمت ربك ﴾ أي : حكمه السابق، ﴿ على الذين فسقوا ﴾ تمردوا في كفرهم، ﴿ أنهم لا يؤمنون ﴾ بدل من كلمة، وقيل تقديره : لأنهم لا يؤمنون فالمراد منها كلمة العذاب.
﴿ قل هل من شركائكم ﴾ أي : آلهتكم، ﴿ من يبدأ الخلق ثم يعيده ﴾ أدخل الإعادة في الإلزام وإن لم يكونوا قائلين بها لظهور برهانها، ﴿ قل الله يبدّأ الخلق ثم يعيده ﴾ وأنتم تعلمون أن شركاءكم لا يقدرون على مثل هذا، ﴿ فأنى تؤفكون ﴾ تصرفون عن سواء السبيل.
﴿ قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق ﴾ والهداية كما يعدى بإلى يعدي باللام، ﴿ أمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع ﴾ أمره وحكمه، ﴿ أمن لا يهدي ﴾ أصله يهتدي فأدغم وكسرت الهاء لالتقاء الساكنين، ﴿ إلا أن يهدى ﴾، الهداية قد تجيء بمعنى النقل أي الأوثان لا ينتقل من مكان إلا أن ينقل أو يكون هذا حال أشرف شركائهم كالملك والمسيح أو لا يصح منه الاهتداء إلا أن يهديه الله بأن يجعل الجماد حيوانا علما، ﴿ فما لكم كيف تحكمون ﴾ بما يبطله العقل بتا.
﴿ وما يتبع أكثرهم إلا ظنا ﴾ مستندا إلى خيال باطل ووهم زائل والمراد من الأكثر الجميع أو المراد رؤساؤهم فإن السفلة مقلدون ليس لهم ظن أيضا، ﴿ إن الظن لا يعني من الحق شيئا ﴾ أي : لا يقوم مقام العلم فالمراد من الحق العلم، وشيئا مفعول مطلق به، ومن الحق حال قيل معناه : الظن لا يدفع من عذاب الحق شيئا، ﴿ إن الله عليم بما يفعلون ﴾ تهديد ووعيد.
﴿ وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ﴾ أي : ما صح أن يكون القرآن مفترى من الخلق وهذا محال، ﴿ ولكن ﴾ : كان، ﴿ تصديق الذي بين يديه ﴾ من الكتب المتقدمة، ﴿ وتفصيل الكتاب ﴾ تبيين ما كتب وفرض من الشرائع، ﴿ لا ريب فيه ﴾ خبر ثالث أو حال أو استئناف، ﴿ من رب العالمين ﴾ خبر آخر أو حال.
﴿ أم يقولون ﴾ بل أيقولون، ﴿ افتراه ﴾ محمد والهمزة للإنكار، ﴿ قل فأتوا بسورة مثله ﴾ في البلاغة على وجه الافتراء، ﴿ وادعوا ﴾ إلى معونتكم على المعارضة، ﴿ من استطعتم ﴾ من الجن والإنس، ﴿ من دون الله ﴾ سوى الله تعالى فإنه القادر على ذلك متعلق بادعوا لا باستطعتم، ﴿ إن كنتم صادقين ﴾ أنه من عند نفسه فإنه بشر مثلكم بل تمرنكم في النظم والنثر أكثر فإنه أمي.
﴿ بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ﴾ يعني لما رأوا القرآن مشتملا على أمور ما عرفوا حقيقتها سارعوا بجهلهم إلى التكذيب، ﴿ ولما يأتهم ﴾ بعد، ﴿ تأويله ﴾ فإنهم إن صبروا يظهر لهم بالآخرة تأويله، لكن فأجاءوا الإنكار قبل أن يقضوا على تأويله، ﴿ كذلك كذب الذين من قبلهم ﴾ رسلهم، ﴿ فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ﴾ فيه وعيد لهم بمثل عقاب الأمم السالفة.