تفسير سورة الأحزاب

تفسير الشافعي

تفسير سورة سورة الأحزاب من كتاب تفسير الشافعي
لمؤلفه الشافعي . المتوفي سنة 204 هـ

٣٥٧- قال الشافعي : زعم بعض أهل التفسير أن قول الله عز وجل :﴿ مَّا جَعَلَ اَللَّهُ لِرَجُلٍ مِّنْ قَلْبَيْنِ فِى جَوْفِهِ ﴾ : ما جعل الله لرجل من أبوين في الإسلام، واستدل بسياق الآية : قول الله عز وجل :﴿ اَدْعُوهُمْ لأَبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اَللَّهِ ﴾١. قال فتحتمل هذه الآية معنى غير هذا ؟ قلنا : نعم، زعم بعض أهل التفسير أن معناها غير هذا٢.
ــــــــــــ
٣٥٧- الأم : ٦/٢٤٨. ون أحكام الشافعي : ٢/١٥٦.
١ - الأحزاب: ٥. روى ابن جرير في التفسير ١٠/٢٥٦ عن الزهري في قوله: ﴿ مَّا جَعَلَ اَللَّهُ لِرَجُلٍ مِّنْ قَلْبَيْنِ فِى جَوْفِهِ ﴾ قال: بلغنا أن ذلك كان في زيد بن حارثة، ضرب الله له مثلا يقول: ليس ابن رجل آخر ابنك..
٢ - قال ابن جرير في التفسير ١٠/٢٥٥: اختلف أهل التأويل في المراد من قول الله: ﴿ مَّا جَعَلَ اَللَّهُ لِرَجُلٍ مِّنْ قَلْبَيْنِ فِى جَوْفِهِ ﴾ فقال بعضهم: عنى بذلك تكذيب قوم من أهل النفاق، وصفوا نبي الله صلى الله عليه وسلم بأنه ذو قلبين، فنفى الله ذلك عن نبيه، وكذبهم، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما. وقال آخرون: بل عنى بذلك: رجل من قريش كان يدعى ذا القلبين مِنْ دَهْيِهِ، وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة والحسن وعكرمة..
٣٥٨- قال الشافعي رحمه الله تعالى : وقال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم في زيد بن حارثة :
{ اَدْعُوهُمْ لأَِبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اَللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا ءَابَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِى اِلدِّينِ
وَمَوَالِيكُمْ } وقال تبارك وتعالى :﴿ وَإِذْ تَقُولُ لِلذِى أَنْعَمَ اَللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ﴾١ فنسب الموالي نسبين : أحدهما إلى الآباء، والآخر إلى الولاء، وجعل الولاء بالنعمة. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرطه أوثق وإنما الولاء لمن أعتق »٢. فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الولاء إنما يكون للمعتق.
قال : وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :« الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب »٣ فدل الكتاب والسنة على أن الولاء إنما يكون بمتقدم فعل من المعتق، كما يكون النسب بمتقدم ولادٍ من الأبِ.
ــــــــــــ
٣٥٨- الأم : ٤/٧٧. ون الأم : ٦/١٨٦ و ٤/١٢٥-١٢٦. وأحكام الشافعي : ٢/١٦٤-١٦٥. واختلاف الحديث : ٥٢٠-٥٢١.
١ - الأحزاب: ٣٧..
٢ - أخرجه البخاري عن عائشة بتمامه في العتق (٥٤) باب: استعانة المكاتب وسؤاله الناس (٢٣)(ر٢٤٢٤). وأخرجه في الصلاة، والزكاة، والبيوع، والنكاح.
وأخرجه مسلم في العتق (٢٠) باب: إنما الولاء لمن أعتق (٢)(ر١٥٠٤).
وأخرجه أبو داود في الفرائض، والترمذي في الوصايا، والنسائي في الزكاة، وابن ماجة في الطلاق.
وأخرجه أحمد، ومالك، والدارمي..

٣ - رواه البيهقي بلفظه عن ابن عمر في كتاب الولاء باب: من أعتق مملوكا له ١٠/٢٩٢-٢٩٣.
ورواه الشافعي في المسند (ر١٢٤٩)..

٣٥٩- قال الشافعي رحمه الله تعالى : وكان مما خص الله عز وجل به نبيه صلى الله عليه وسلم قوله :
﴿ اِلنَّبِىءُ أَوْلى بِالْمُومِنِينَ مِنَ اَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ وقال :﴿ وَمَا كَانَ لَكُمُ أَن تُوذُوا رَسُولَ اَللَّهِ وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ﴾١ فحرم نكاح نسائه من بعده على العالمين، ليس هكذا نساء أحدٍ غيره. وقال عز وجل :﴿ يَانِسَاء اَلنَّبِىءِ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ اَلنِّسَاء انِ اِتَّقَيْتُنَّ ﴾٢ فأثابهن به صلى الله عليه وسلم من نساء العالمين.
قال الشافعي رحمه الله : وقوله :﴿ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾٣ مثل ما وصفت من اتساع لسان العرب، وأن الكلمة الواحدة تجمع معاني مختلفة، ومما وصفت من أن الله أحكم كثيرا من فرائضه بوحيه وسن شرائع واختلافها على لسان نبيه وفي فعله، فقوله :﴿ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾٤ يعني في معنى دون معنى، وذلك أنه لا يحل لهم نكاحهن بحال، ولا يحرم عليهم نكاح بناتٍ لَوْ كُنَّ لهن، كما يحرم عليهم نكاح بنات أمهاتهم اللاتي ولدنهم أو أرضعنهم.
قال الشافعي رحمه الله فإن قال قائل ما دلَّ على ذلك ؟ فالدليل عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج فاطمة بنته وهو أبو المؤمنين وهي بنت خديجة أم المؤمنين، زوجها عليا رضي الله عنه، وزوج رقية وأم كلثوم عثمان وهو بالمدينة، وأن زينب بنت أم سلمة تزوجت، وأن الزبير بن العوام تزوج بنت أبي بكر٥، وأن طلحة تزوج ابنته الأخرى وهما أُخْتَا أم المؤمنين، وعبد الرحمن بن عوف تزوج ابنة جحش أخت أم المؤمنين زينب. ولا يرثهن المؤمنون ولا يرثنهم كما يرثون أمهاتهم ويرثنهم. ويُشْبهن أن يكن أمهات لعظم الحق عليهم مع تحريم نكاحهن.
ــــــــــــ
٣٥٩- الأم : ٥/١٤١. ون أحكام الشافعي : ١/١٦٧-١٦٨.
١ - الأحزاب: ٥٣..
٢ - الأحزاب: ٣٢..
٣ - الأحزاب: ٦..
٤ - الأحزاب: ٦..
٥ - هي أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها..
٣٦٠- قال الشافعي رحمه الله : من ملك زوجة سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن عليه أن يخيرها في المقام معه أو فراقها له، ولهُ حبسها إذا أدى إليها ما يجب عليه لها وإن كرهته. وأمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخير نساءه فقال :﴿ قُل ّلأَِزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اَلْحَيَواةَ اَلدُّنْيا وَزِينَتَهَا ﴾ إلى قوله :﴿ أَجْرًا عَظِيًما ﴾ فخيرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترنه١. فلم يكن الخيار إذا اخترنه طلاقا، ولم يجب عليه أن يحدث لهن طلاقا إذا اخترنه٢.
قال الشافعي رحمه الله : وكان تخيير رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله كما أمره الله عز وجل إن أردن الحياة الدنيا وزينتها ولم يخترنه وأحدث لهن طلاقا، لا ليجعل الطلاق إليهن لقول الله عز وجل :﴿ فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً ﴾ أُحْدِثُ لَكُنَّ إذا اخترتن الحياة الدنيا وزينتها متاعا وسراحا، فلما اخترنه لم يوجب ذلك عليه أن يحدث لهن طلاقا ولا متاعا.
فأما قول عائشة رضي الله عنها : قد خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه، أفكان ذلك طلاقا ؟ ٣ فتعني ـ والله أعلم ـ لم يوجب ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم أن يحدث لنا طلاقا.
قال الشافعي رحمه الله : وإذا فرض الله عز وجل على النبي صلى الله عليه وسلم إن اخترن الحياة الدنيا أن يمتعهن، فاخترن الله ورسوله، فلم يطلق واحدة منهن.
فكل من خير امرأته فلم تختر الطلاق فلا طلاق عليه.
قال الشافعي رحمه الله : وكذلك كل من خير فليس له الخيار بطلاق حتى تطلق المخيرة نفسها.
قال الشافعي : أخبرنا الثقة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن مسروق٤ : أن عائشة قالت : قد خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان ذلك طلاقا ؟ ٥.
قال الشافعي : أخبرنا الثقة، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها بمثل معنى هذا الحديث٦.
ـــــــــــــــــــــــ
٣٦٠- الأم : ٥/١٤٠.
١ - أخرج البخاري في التفسير (٦٨) باب: قوله: ﴿ يَاأَيُّهَا اَلنَّبِىءُ قُل ّلأَِزْوَاجِكَ... مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيًما﴾ (٢٧٦-٢٧٧)
(ر٤٥٠٨ و٤٥٠٧) عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: لما أُمِرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدا بي فقال: « إني ذاكر لك أمرا، فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك » قالت: وقد علم أن أبويَّ لم يكونا يأمراني بفراقه، قالت: ثم قال: « إن الله جل ثناؤه قال: ﴿يَاأَيُّهَا اَلنَّبِىءُ قُل ّلأَِزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اَلْحَيَواةَ اَلدُّنْيا وَزِينَتَهَا ـ إلى ـ أَجْرًا عَظِيًما ﴾» قالت: فقلت: ففي أي هذا أستأمر أبويَّ؛ فأني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، قالت: ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلتُ.
وأخرجه مسلم في الطلاق (١٨) باب: بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقا إلا بالنية (٤)(ر١٤٧٥).
وأخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وأحمد، والبيهقي..

٢ - أخرج البخاري في الطلاق (٧١) باب: من خيَّر أزواجه (٤)(ر٤٩٦٢) عن عائشة رضي الله عنها قالت: خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاخترنا الله ورسوله، فلم يُعَدَّ ذلك علينا شيئا.
وأخرجه مسلم في الطلاق (١٨) باب: بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقا إلا بالنية (٤)(ر١٤٧٧).
وأخرجه أبو داود، والنسائي، وابن ماجة، وأحمد..

٣ - أخرجه البخاري في الطلاق (٧١) باب: من خير أزواجه (٤)(ر٤٩٦٣) عن مسروق عن عائشة، قال مسروق: لا أبالي أخَيّرتها واحدة أو مائة، بعد أن تختارني. وقولها: أفكان ذلك طلاقا؟ استفهام على سبيل الإنكار؛ أرادت أنه ليس بطلاق.
وأخرجه مسلم في الطلاق (١٨) باب بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقا إلا بالنية (٤)(ر١٤٧٧).
وأخرجه الترمذي في الطلاق واللعان (١٠) باب: ما جاء في الخيار (٤)(ر١١٧٩).
وأخرجه النسائي في النكاح (٢٦) باب: ما افترض الله عز وجل على رسوله عليه السلام (٢)(ر٣٢٠٢)،
وفي الطلاق (٢٧) باب: في المخيرة تختار زوجها (٢٧)(ر٣٤٤١) و (ر٣٤٤٤).
وأخرجه البيهقي في النكاح ٧/٣٩ و ٧/٣٤٥..

٤ - مسروق بن الأجدع، أبو عائشة الهمداني أحد الأعلام. عن: أبي بكر، ومعاذ. وعنه: إبراهيم، وأبو إسحاق، ويحيى بن وثاب. قال مرة الطيب: ما ولدت همدانية مثل مسروق. وعن الشعبي قال: ما علمت أطلب منه للعلم كان أعلم بالفتيا من شريح. وقال أبو إسحاق: حج مسروق فما نام إلا ساجدا. وقالت زوجة مسروق: كان يصلي حتى تورم قدماه. ت سنة: ٦٣هـ. الكاشف: ٣/١١٧. ون التهذيب: ٨/١٣٣. وقال في التقريب: ثقة فقيه عابد مخضرم..
٥ - أخرجه البخاري في الطلاق (٧١) باب: من خير أزواجه (٤)(ر٤٩٦٣) عن مسروق عن عائشة، قال مسروق: لا أبالي أخَيّرتها واحدة أو مائة، بعد أن تختارني. وقولها: أفكان ذلك طلاقا؟ استفهام على سبيل الإنكار؛ أرادت أنه ليس بطلاق.
وأخرجه مسلم في الطلاق (١٨) باب بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقا إلا بالنية (٤)(ر١٤٧٧).
وأخرجه الترمذي في الطلاق واللعان (١٠) باب: ما جاء في الخيار (٤)(ر١١٧٩).
وأخرجه النسائي في النكاح (٢٦) باب: ما افترض الله عز وجل على رسوله عليه السلام (٢)(ر٣٢٠٢)،
وفي الطلاق (٢٧) باب: في المخيرة تختار زوجها (٢٧)(ر٣٤٤١) و (ر٣٤٤٤).
وأخرجه البيهقي في النكاح ٧/٣٩ و ٧/٣٤٥.
- مسروق بن الأجدع، أبو عائشة الهمداني أحد الأعلام. عن: أبي بكر، ومعاذ. وعنه: إبراهيم، وأبو إسحاق، ويحيى بن وثاب. قال مرة الطيب: ما ولدت همدانية مثل مسروق. وعن الشعبي قال: ما علمت أطلب منه للعلم كان أعلم بالفتيا من شريح. وقال أبو إسحاق: حج مسروق فما نام إلا ساجدا. وقالت زوجة مسروق: كان يصلي حتى تورم قدماه. ت سنة: ٦٣هـ. الكاشف: ٣/١١٧. ون التهذيب: ٨/١٣٣. وقال في التقريب: ثقة فقيه عابد مخضرم.
.

٦ - لم أقف على هذا الحديث بهذا الطريق عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٨:٣٦٠- قال الشافعي رحمه الله : من ملك زوجة سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن عليه أن يخيرها في المقام معه أو فراقها له، ولهُ حبسها إذا أدى إليها ما يجب عليه لها وإن كرهته. وأمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخير نساءه فقال :﴿ قُل ّلأَِزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اَلْحَيَواةَ اَلدُّنْيا وَزِينَتَهَا ﴾ إلى قوله :﴿ أَجْرًا عَظِيًما ﴾ فخيرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترنه١. فلم يكن الخيار إذا اخترنه طلاقا، ولم يجب عليه أن يحدث لهن طلاقا إذا اخترنه٢.
قال الشافعي رحمه الله : وكان تخيير رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله كما أمره الله عز وجل إن أردن الحياة الدنيا وزينتها ولم يخترنه وأحدث لهن طلاقا، لا ليجعل الطلاق إليهن لقول الله عز وجل :﴿ فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً ﴾ أُحْدِثُ لَكُنَّ إذا اخترتن الحياة الدنيا وزينتها متاعا وسراحا، فلما اخترنه لم يوجب ذلك عليه أن يحدث لهن طلاقا ولا متاعا.
فأما قول عائشة رضي الله عنها : قد خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه، أفكان ذلك طلاقا ؟ ٣ فتعني ـ والله أعلم ـ لم يوجب ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم أن يحدث لنا طلاقا.
قال الشافعي رحمه الله : وإذا فرض الله عز وجل على النبي صلى الله عليه وسلم إن اخترن الحياة الدنيا أن يمتعهن، فاخترن الله ورسوله، فلم يطلق واحدة منهن.
فكل من خير امرأته فلم تختر الطلاق فلا طلاق عليه.
قال الشافعي رحمه الله : وكذلك كل من خير فليس له الخيار بطلاق حتى تطلق المخيرة نفسها.
قال الشافعي : أخبرنا الثقة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن مسروق٤ : أن عائشة قالت : قد خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان ذلك طلاقا ؟ ٥.
قال الشافعي : أخبرنا الثقة، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها بمثل معنى هذا الحديث٦.
ـــــــــــــــــــــــ

٣٦٠-
الأم : ٥/١٤٠.
١ - أخرج البخاري في التفسير (٦٨) باب: قوله: ﴿ يَاأَيُّهَا اَلنَّبِىءُ قُل ّلأَِزْوَاجِكَ... مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيًما﴾ (٢٧٦-٢٧٧)
(ر٤٥٠٨ و٤٥٠٧) عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: لما أُمِرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدا بي فقال: « إني ذاكر لك أمرا، فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك » قالت: وقد علم أن أبويَّ لم يكونا يأمراني بفراقه، قالت: ثم قال: « إن الله جل ثناؤه قال: ﴿يَاأَيُّهَا اَلنَّبِىءُ قُل ّلأَِزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اَلْحَيَواةَ اَلدُّنْيا وَزِينَتَهَا ـ إلى ـ أَجْرًا عَظِيًما ﴾» قالت: فقلت: ففي أي هذا أستأمر أبويَّ؛ فأني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، قالت: ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلتُ.
وأخرجه مسلم في الطلاق (١٨) باب: بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقا إلا بالنية (٤)(ر١٤٧٥).
وأخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وأحمد، والبيهقي..

٢ - أخرج البخاري في الطلاق (٧١) باب: من خيَّر أزواجه (٤)(ر٤٩٦٢) عن عائشة رضي الله عنها قالت: خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاخترنا الله ورسوله، فلم يُعَدَّ ذلك علينا شيئا.
وأخرجه مسلم في الطلاق (١٨) باب: بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقا إلا بالنية (٤)(ر١٤٧٧).
وأخرجه أبو داود، والنسائي، وابن ماجة، وأحمد..

٣ - أخرجه البخاري في الطلاق (٧١) باب: من خير أزواجه (٤)(ر٤٩٦٣) عن مسروق عن عائشة، قال مسروق: لا أبالي أخَيّرتها واحدة أو مائة، بعد أن تختارني. وقولها: أفكان ذلك طلاقا؟ استفهام على سبيل الإنكار؛ أرادت أنه ليس بطلاق.
وأخرجه مسلم في الطلاق (١٨) باب بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقا إلا بالنية (٤)(ر١٤٧٧).
وأخرجه الترمذي في الطلاق واللعان (١٠) باب: ما جاء في الخيار (٤)(ر١١٧٩).
وأخرجه النسائي في النكاح (٢٦) باب: ما افترض الله عز وجل على رسوله عليه السلام (٢)(ر٣٢٠٢)،
وفي الطلاق (٢٧) باب: في المخيرة تختار زوجها (٢٧)(ر٣٤٤١) و (ر٣٤٤٤).
وأخرجه البيهقي في النكاح ٧/٣٩ و ٧/٣٤٥..

٤ - مسروق بن الأجدع، أبو عائشة الهمداني أحد الأعلام. عن: أبي بكر، ومعاذ. وعنه: إبراهيم، وأبو إسحاق، ويحيى بن وثاب. قال مرة الطيب: ما ولدت همدانية مثل مسروق. وعن الشعبي قال: ما علمت أطلب منه للعلم كان أعلم بالفتيا من شريح. وقال أبو إسحاق: حج مسروق فما نام إلا ساجدا. وقالت زوجة مسروق: كان يصلي حتى تورم قدماه. ت سنة: ٦٣هـ. الكاشف: ٣/١١٧. ون التهذيب: ٨/١٣٣. وقال في التقريب: ثقة فقيه عابد مخضرم..
٥ - أخرجه البخاري في الطلاق (٧١) باب: من خير أزواجه (٤)(ر٤٩٦٣) عن مسروق عن عائشة، قال مسروق: لا أبالي أخَيّرتها واحدة أو مائة، بعد أن تختارني. وقولها: أفكان ذلك طلاقا؟ استفهام على سبيل الإنكار؛ أرادت أنه ليس بطلاق.
وأخرجه مسلم في الطلاق (١٨) باب بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقا إلا بالنية (٤)(ر١٤٧٧).
وأخرجه الترمذي في الطلاق واللعان (١٠) باب: ما جاء في الخيار (٤)(ر١١٧٩).
وأخرجه النسائي في النكاح (٢٦) باب: ما افترض الله عز وجل على رسوله عليه السلام (٢)(ر٣٢٠٢)،
وفي الطلاق (٢٧) باب: في المخيرة تختار زوجها (٢٧)(ر٣٤٤١) و (ر٣٤٤٤).
وأخرجه البيهقي في النكاح ٧/٣٩ و ٧/٣٤٥.

-
مسروق بن الأجدع، أبو عائشة الهمداني أحد الأعلام. عن: أبي بكر، ومعاذ. وعنه: إبراهيم، وأبو إسحاق، ويحيى بن وثاب. قال مرة الطيب: ما ولدت همدانية مثل مسروق. وعن الشعبي قال: ما علمت أطلب منه للعلم كان أعلم بالفتيا من شريح. وقال أبو إسحاق: حج مسروق فما نام إلا ساجدا. وقالت زوجة مسروق: كان يصلي حتى تورم قدماه. ت سنة: ٦٣هـ. الكاشف: ٣/١١٧. ون التهذيب: ٨/١٣٣. وقال في التقريب: ثقة فقيه عابد مخضرم.
.

٦ - لم أقف على هذا الحديث بهذا الطريق عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة..

٣٦١- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ إِذَا نَكَحْتُمُ اَلْمُومِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ﴾.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : فكان بينا في حكم الله عز وجل : أن لا عدةَ على المطلقة قبل أن تمس، وأن المسيس هو الإصابة، ولم أعلم في هذا خلافا.
ثم اختلف بعض المفتين في المرأة يخلوا بها زوجها فيغلق بابا ويرخي سترا وهي غير محرمة ولا صائمة، فقال ابن عباس وشريح وغيرهما : لا عدة عليها إلا بالإصابة نفسها، لأن الله عز وجل هكذا قال.
أخبرنا مسلم، عن بن جريج، عن ليث، عن طاوس، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال في الرجل يتزوج المرأة فيخلوا بها ولا يمسها حتى يطلقها : ليس لها إلا نصف الصداق، لأن الله عز وجل يقول :﴿ وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمُ ﴾١. قال الشافعي رحمه الله تعالى : وبهذا أقول، وهو ظاهر كتاب الله عز ذكره.
ــــــــــــ
٣٦١- الأم : ٥/٢١٥. ون أحكام الشافعي : ١/٢٥١.
٣٦٢- قال الشافعي رحمه الله تعالى : أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد ابن المسيب : أن عمر بن الخطاب قضى في المرأة يتزوجها الرجل : أنه إذا أرخيت الستور، فقد وجب الصداق٢.
قال الشافعي : أخبرنا مالك، عن ابن شهاب : أن زيد بن ثابت قال : إذا دخل الرجل بامرأته فأرخيت عليهما الستور، فقد وجب الصداق٣.
قال الشافعي : ليس إرخاء الستور يوجب الصداق عندي. لقول الله جل ثناؤه :﴿ إِذَا نَكَحْتُمُ اَلْمُومِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ ﴾٤ ولا نوجب الصداق إلا بالمسيس.
قال : وكذا روي عن ابن عباس وشريح٥، وهو معنى القرآن.
ــــــــــــــــــــــــ
٣٦٢- الأم : ٧/٢٢٣. ون الأم : ٧/٢٣٣.
٣٦٣- قال الشافعي في الرجل يحلف بطلاق المرأة قبل أن ينكحها، قال : لا شيء عليه، لأني رأيت الله عز وجل ذكر الطلاق بعد النكاح، وقرأ :﴿ يَاأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ اَلْمُومِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ ﴾٦.
ـــــــــــــ
٣٦٣- أحكام الشافعي : ١/٢١٩. ون مناقب الشافعي : ١/٣٦٠.
١ - البقرة: ٢٣٧. والحديث رواه البيهقي عن الشافعي في كتاب العدد ٧/٤٢٤ باب: لا عدة على التي لم يدخل بها زوجها. وقال: قال الشافعي: وشريح يقول ذلك فهو ظاهر الكتاب..
٢ - رواه مالك في النكاح (٢٨) باب: إرخاء الستور (٤)(ر١٢-١٣).
ورواه البيهقي في كتاب الصداق باب: من قال من أغلق بابا وأرخى سترا فقد وجب الصداق ٧/٢٥٥، وفي باب: عن عمر وعلي رضي الله عنهما موصولا قال: إذا أغلق بابا وأرخى سترا فلها الصداق وعليها العدة. وفيه: عن زرارة بن أوفى مرسلا قال: قضاء الخلفاء الراشدين المهديين أنه من أغلق بابا وأرخى سترا فقد وجب الصداق والعدة.
وفي نفس الباب: قال الشافعي رحمه الله: روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: ما ذَنْبُهُنَّ إن جاء العَجْزُ من قِبَلِكم. وذلك يدل على أنه يقضي بالمهر، وإن لم تدَّع المسيس.
وروى البيهقي عن محمد بن ثوبان مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « من كشف امرأة فنظر إلى عورتها فقد وجب الصداق ». قال: وبلغنا ذلك عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، وسعيد بن المسيب، والحسن البصري، وعروة بن الزبير، وأبي بكر بن حزم، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وأبي الزناد، وزيد بن أسلم..

٣ - رواه مالك في النكاح (٢٨) باب: إرخاء الستور (٤)(ر١٢-١٣).
ورواه البيهقي في كتاب الصداق باب: من قال من أغلق بابا وأرخى سترا فقد وجب الصداق ٧/٢٥٥، وفي باب: عن عمر وعلي رضي الله عنهما موصولا قال: إذا أغلق بابا وأرخى سترا فلها الصداق وعليها العدة. وفيه: عن زرارة بن أوفى مرسلا قال: قضاء الخلفاء الراشدين المهديين أنه من أغلق بابا وأرخى سترا فقد وجب الصداق والعدة.
وفي نفس الباب: قال الشافعي رحمه الله: روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: ما ذَنْبُهُنَّ إن جاء العَجْزُ من قِبَلِكم. وذلك يدل على أنه يقضي بالمهر، وإن لم تدَّع المسيس.
وروى البيهقي عن محمد بن ثوبان مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « من كشف امرأة فنظر إلى عورتها فقد وجب الصداق ». قال: وبلغنا ذلك عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، وسعيد بن المسيب، والحسن البصري، وعروة بن الزبير، وأبي بكر بن حزم، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وأبي الزناد، وزيد بن أسلم..

٤ - الأحزاب: ٤٩..
٥ - ن الهامش ٢ من الصفحة السابقة..
٦ - الأحزاب: ٤٩..
٣٦٤- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِى أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتَ اَيْمَانُهُمْ ﴾ وقال :﴿ وَالذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمُ أَوْ مَا مَلَكَتَ اَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴾١ وقال عز وجل :﴿ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ اَلنِّسَاء مَثْنى وَثُلَـاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمُ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةًً اَوْ مَا مَلَكَتَ اَيْمَانُكُمْ ﴾٢ فأطلق الله عز وجل ما ملكت الأيمان، فلم يحدّ فيهن حدّا ينتهيى إليه، فللرجل أن يَتَسَرَّى كم شاء، ولا اختلاف علمته بين أحد في هذا، وانتهى ما أحل الله بالنكاح إلى أربع، ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبينة عن الله عز وجل على أن انتهاءه إلى أربع، تحريما منه لأن يجمع أحد غير النبي صلى الله عليه وسلم بين أكثر من أربع، لا أنه يحرم أن ينكح في عمره أكثر من أربع إذا كن متفرقات ما لم يجمع بين أكثر منهن، ولأنه أباح الأربع وحرَّم الجمع بين أكثر منهن فقال لغيلان بن سلمة، ونوفل بن معاوية وغيرهما وَأَسلمُوا وعندهم أكثر من أربع :« أمسك عليك أربعا وفارق سائرهن »٣ وقال عز وجل :﴿ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِى أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتَ اَيْمَانُهُمْ ﴾ وذلك مفرق في مواضعه في القسم بينهن والنفقة والمواريث وغير ذلك.
ــــــــــــ
٣٦٤- الأم : ٥/١٤٥. ون الأم : ٥/٢٣٩.
١ - المؤمنون: ٥-٦..
٢ - النساء: ٣..
٣ - سبق تخريجه..
٣٦٥- قال الشافعي : فأنزل الله تبارك وتعالى :﴿ لا يَحِلُّ لَكَ اَلنِّسَاء مِن بَعْدُ وَلا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنَ اَزْوَاجٍ وَلَوَ اَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ﴾.
قال الشافعي : قال بعض أهل العلم : أنزلت عليه :﴿ لا يَحِلُّ لَكَ ﴾ بعد تخييره أزواجه١. أخبرنا سفيان، عن عمرو، عن عطاء، عن عائشة أنها قالت : ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء٢.
قال الشافعي : كأنها تعني اللاتي حضرن عليه في قول الله تبارك وتعالى :﴿ لا يَحِلُّ لَكَ اَلنِّسَاء مِن بَعْدُ وَلا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنَ اَزْوَاجٍ ﴾.
قال الشافعي : وأحسب قول عائشة : أحل له النساء لقول الله تبارك وتعالى :﴿ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ﴾ إلى قوله :﴿ خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ اِلْمُومِنِينَ ﴾٣.
قال الشافعي : فذكر الله عز وجل ما أحل له، فذكر أزواجه اللاتي آتى أجورهن، وذكر بنات عمه، وبنات عماته، وبنات خاله، وبنات خالاته، وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي.
قال : فدل ذلك على معنيين : أحدهما، أنه أحل له مع أزواجه من ليس له بزوج يوم أحل له، وذلك أنه لم يكن عنده صلى الله عليه وسلم من بنات عمه ولا بنات عماته، ولا بنات خاله ولا بنات خالاته امرأة، وكان عنده عدد نسوة، وعلى أنه أباح له من العدد ما حظر على غيره.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : ثم جعل له في اللاتي يهبن أنفسهن له أن يأتهب ويترك، فقال :﴿ تُرْجِى مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُئْوِى إِلَيْكَ مَن تَشَاء ﴾ إلى :﴿ عَلَيْكَ ﴾٤.
قال الشافعي : فمن ائتهب منهن فهي زوجه لا تحل لأحد بعده، ومن لم يأتهب فليس يقع عليها اسم الزوجة، وهي تحل له ولغيره. أخبرنا مالك، عن أبي حازم٥، عن سهل بن سعد٦ : أن امرأة وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فقامت قياما طويلا فقال رجل : يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة، فذكر أنه زوجه إياها٧.
ــــــــــــ
٣٦٥- الأم : ٥/١٤٠-١٤١.
١ - روى البيهقي في كتاب النكاح باب: كان لا يجوز له أن يبدل من أزواجه أحدا ثم نسخ ٧/٥٣ عن الشعبي قال: نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ يَاأَيُّهَا اَلنَّبِىءُ قُل لأَِزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اَلْحَيَواةَ اَلدُّنْيا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ ﴾ إلى آخر الآيتين، فخيرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترن الله ورسول والدار الآخرة، فَشَكَرَ الله لهن ذلك وأنزل عليه: ﴿ لا يَحِلُّ لَكَ اَلنِّسَاء مِن بَعْدُ وَلا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنَ اَزْوَاجٍ وَلَوَ اَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ﴾.
ورواه كذلك عن أنس بن مالك في نفس الباب.
ورواه ابن جرير عن قتادة ١٠/٢١٦.
ورواه السيوطي عن عكرمة. ن لباب النقول ص: ٢٥٧..

٢ - رواه البيهقي في نفس الباب. وروى عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن عائشة قالت: ما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحلَّ له أن يتزوج، وإنما أُحِلَّ له من اللاتي هاجرن معه، وذلك بين في الآية والخبر..
٣ - قول الشافعي مثبت عند البيهقي في نفس الباب ٧/٥٤. والآية: الأحزاب: ٥٠..
٤ - الأحزاب: ٥١. وروى البخاري في التفسير (٦٨) باب: قوله: ﴿ تُرْجِى مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُئْوِى إِلَيْكَ مَن تَشَاء وَمَنِ اِبْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ﴾(٢٧٩)(ر٤٥١٠) عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أغار على اللاتي وَهَبْنَ أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأقول: أتهب المرأة نفسها؟ فلما أنزل الله تعالى: ﴿ تُرْجِى مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُئْوِى إِلَيْكَ مَن تَشَاء وَمَنِ اِبْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ ﴾ قلتُ: ما أرى ربك إلا يسارع في هواك.
ورواه مسلم في الرضاع (١٧) باب جواز هبتها نوبتها لضرتها (١٤)(ر١٤٦٤).
ورواه النسائي في النكاح (٢٦) باب: ذكر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في النكاح (١)(ر٣١٩٩)..

٥ - سلمة بن دينار الإمام أبو حازم المديني الأعرج أحد الأعلام. عن: سهل بن سعد، وابن المسيب. وعنه: مالك، وأبو ضمرة. قال ابن خزيمة: ثقة، لم يكن في زمانه مثله. ت سنة: ١٣٠هـ وقيل ١٣٢هـ. الكاشف: ١/٣٣٧. ون التهذيب: ٣/٤٢٩. وقال في التقريب: ثقة عابد..
٦ - سهل بن سعد الساعدي أبو العباس صحابي. عنه: ابنه عباس، والزهري، وأبو حازم، عمَّر وت سنة: ٨٨هـ أو سنة: ٩١هـ. الكاشف: ١/٣٥٩. ون التهذيب: ٣/٥٣٩..
٧ - أخرجه البخاري في فضائل القرآن (٦٩) باب: القراءة عن ظهر قلب (٢٢)(ر٤٧٤١ و ٤٧٤٢)، وفي النكاح (٧٠) باب: تزويج المعسر (١٥)(ر٤٧٩٩)، وفي باب: عرض المرأة نفسها على الرجل (٣٣)(ر٤٨٢٩)، وباب: النظر إلى المرأة قبل التزويج (٣٦)(ر٤٨٣٣)، وباب: إذا كان الولي هو الخاطب (٣٨)(ر٤٨٣٩)، وأبواب أخرى في كتاب النكاح.
وأخرجه مسلم في النكاح (١٦) باب: الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد (١٣)(ر١٤٢٥).
وأخرجه النسائي في النكاح (٢٦) باب: التزويج على سور من القرآن (٦٣)(ر٢٣٣٩)..

٣٦٦- قال الشافعي : فرض الله عز وجل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :﴿ اِنَّ اَللَّهَ وَمَلَئاكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى اَلنَّبِىءِ يَاأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ قال الشافعي : فلم يكن فرض الصلاة عليه في موضع أولى منه في الصلاة. ووجدنا الدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما وصفت، من أن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضٌ في الصلاة، والله تعالى أعلم.
قال الشافعي : أخبرنا إبراهيم بن محمد قال : حدثني صفوان بن سليم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أنه قال : يا رسول الله كيف نصلي عليك، يعني في الصلاة ؟ قال :« قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم ثم تسلمون علي »١.
قال الشافعي : أخبرنا إبراهيم بن محمد قال : حدثني سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب ابن عجرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في الصلاة :« اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد »٢.
قال الشافعي : فلما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم التشهد في الصلاة، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمهم كيف يصلون عليه في الصلاة، لم يجز ـ والله تعالى أعلم ـ أن نقول التشهد واجب، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم غير واجبة، والخبر فيهما عن النبي صلى الله عليه وسلم زيادة فرض القرآن.
قال الشافعي : فعلى كل مسلم وجبت عليه الفرائض، أن يتعلم التشهد، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ومن صلى صلاة لم يتشهد فيها، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحسن التشهد، فعليه إعادتها. وإن تشهَّد ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم، أو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتشهد، فعليه الإعادة، حتى يجمعهما جميعا.
ـــــــــــــتــــــــــــ
٣٦٦- الأم : ١/١١٧. ون أحكام الشافعي : ١/٧١-٧٢.
١ - هذا الحديث بهذا اللفظ لم أقف عليه إلا عند الإمام الشافعي..
٢ - رواه البخاري في التفسير (٦٨) باب: ﴿ اِنَّ اَللَّهَ وَمَلَئاكَتَهُو يُصَلُّونَ عَلَى اَلنَّبِىءِ يَاأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾(٢٨٢)(ر٤٥١٩)، وفي الأنبياء (٦٤) باب: النسلان في المشي (١٢)(ر٣١٩٠)، وفي الدعوات (٨٣) باب: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (٣١)(ر٥٩٩٦).
ورواه مسلم في الصلاة (٤) باب: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد (١٧)(ر٤٠٦).
ورواه أصحاب السنن، وأحمد، والدارمي، والبيهقي..

سورة الأحزاب
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الأحزاب) من السُّوَر المدنيَّة، وقد تعرَّضتْ لذِكْرِ كثيرٍ من الأحداث والأحكام؛ على رأسِ تلك الأحداثِ قصةُ غزوة (الأحزاب)، وما تعلق بها مِن عِبَرٍ وعِظات؛ كحُسْنِ الظن بالله، والاعتماد عليه، مشيرةً إلى غَدْرِ اليهود، وأخلاقهم الشائنة، كما اشتملت السورةُ على ذكرِ آية الحِجاب، وذكرِ آداب الاستئذان، والدخول على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وخُتِمت السورةُ بكثيرٍ من التوجيهات والعِظات للمؤمنين.

ترتيبها المصحفي
33
نوعها
مدنية
ألفاظها
1303
ترتيب نزولها
90
العد المدني الأول
73
العد المدني الأخير
73
العد البصري
73
العد الكوفي
73
العد الشامي
73

* قوله تعالى: {اْدْعُوهُمْ لِأٓبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اْللَّهِۚ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوٓاْ ءَابَآءَهُمْ فَإِخْوَٰنُكُمْ فِي اْلدِّينِ وَمَوَٰلِيكُمْۚ} [الأحزاب: 5]:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها: «أنَّ أبا حُذَيفةَ بنَ عُتْبةَ بنِ ربيعةَ بنِ عبدِ شمسٍ - وكان ممَّن شَهِدَ بَدْرًا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم - تَبنَّى سالمًا، وأنكَحَه بنتَ أخيه هندَ بنتَ الوليدِ بنِ عُتْبةَ بنِ ربيعةَ، وهو مولًى لامرأةٍ مِن الأنصارِ؛ كما تَبنَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم زيدًا، وكان مَن تَبنَّى رجُلًا في الجاهليَّةِ، دعَاه الناسُ إليه، ووَرِثَ مِن ميراثِه، حتى أنزَلَ اللهُ: {اْدْعُوهُمْ لِأٓبَآئِهِمْ} إلى قولِه: {وَمَوَٰلِيكُمْۚ} [الأحزاب: 5]؛ فرُدُّوا إلى آبائِهم؛ فمَن لم يُعلَمْ له أبٌ، كان مولًى وأخًا في الدِّينِ، فجاءت سَهْلةُ بنتُ سُهَيلِ بنِ عمرٍو القُرَشيِّ ثم العامريِّ - وهي امرأةُ أبي حُذَيفةَ بنِ عُتْبةَ - النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسولَ اللهِ، إنَّا كنَّا نرى سالمًا ولدًا، وقد أنزَلَ اللهُ فيه ما قد عَلِمْتَ...» فذكَر الحديثَ. أخرجه البخاري (5088).

* قوله تعالى: {مِّنَ اْلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٞ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ اْللَّهَ عَلَيْهِۖ} [الأحزاب: 23]:

عن حُمَيدٍ الطَّويلِ، عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «غابَ عَمِّي أنسُ بنُ النَّضْرِ عن قتالِ بَدْرٍ، فقال: يا رسولَ اللهِ، غِبْتُ عن أوَّلِ قتالٍ قاتَلْتَ المشرِكين، لَئِنِ اللهُ أشهَدَني قتالَ المشرِكين لَيَرَيَنَّ اللهُ ما أصنَعُ، فلمَّا كان يومُ أُحُدٍ، وانكشَفَ المسلمون، قال: اللهمَّ إنِّي أعتذِرُ إليك ممَّا صنَعَ هؤلاء - يعني أصحابَه -، وأبرَأُ إليك ممَّا صنَعَ هؤلاء - يعني المشرِكين -، ثم تقدَّمَ، فاستقبَلَه سعدُ بنُ مُعاذٍ، فقال: يا سعدُ بنَ مُعاذٍ، الجَنَّةَ ورَبِّ النَّضْرِ! إنِّي أجدُ رِيحَها مِن دُونِ أُحُدٍ، قال سعدٌ: فما استطَعْتُ يا رسولَ اللهِ ما صنَعَ». قال أنسٌ: «فوجَدْنا به بِضْعًا وثمانينَ ضَرْبةً بالسَّيفِ، أو طَعْنةً برُمْحٍ، أو رَمْيةً بسَهْمٍ، ووجَدْناه قد قُتِلَ، وقد مثَّلَ به المشرِكون، فما عرَفَه أحدٌ إلا أختُه ببنانِه». قال أنسٌ: كنَّا نُرى أو نظُنُّ أنَّ هذه الآيةَ نزَلتْ فيه وفي أشباهِه: {مِّنَ اْلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٞ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ اْللَّهَ عَلَيْهِۖ} [الأحزاب: 23] إلى آخرِ الآيةِ». وقال: «إنَّ أختَه - وهي تُسمَّى الرُّبَيِّعَ - كسَرتْ ثَنِيَّةَ امرأةٍ، فأمَرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالقِصاصِ، فقال أنسٌ: يا رسولَ اللهِ، والذي بعَثَك بالحقِّ، لا تُكسَرُ ثَنِيَّتُها، فرَضُوا بالأَرْشِ، وترَكوا القِصاصَ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مِن عبادِ اللهِ مَن لو أقسَمَ على اللهِ لَأبَرَّه»». أخرجه البخاري (٢٨٠٥).

* قوله تعالى: {وَكَفَى اْللَّهُ اْلْمُؤْمِنِينَ اْلْقِتَالَۚ} [الأحزاب: 25]:

عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه، قال: «شغَلَنا المشرِكون يومَ الخَنْدقِ عن صلاةِ الظُّهْرِ حتى غرَبتِ الشَّمْسُ، وذلك قبل أن يَنزِلَ في القتالِ ما نزَلَ؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {وَكَفَى اْللَّهُ اْلْمُؤْمِنِينَ اْلْقِتَالَۚ} [الأحزاب: 25]، فأمَرَ بِلالًا فأذَّنَ وأقامَ فصلَّى الظُّهْرَ، ثمَّ أمَرَه فأقامَ فصلَّى العصرَ، ثمَّ أمَرَه فأقامَ فصلَّى المغربَ، ثمَّ أمَرَه فأقامَ فصلَّى العِشاءَ». أخرجه النسائي (٦٦١).

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلنَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَٰجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اْلْحَيَوٰةَ اْلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحٗا جَمِيلٗا ٢٨ وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اْللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَاْلدَّارَ اْلْأٓخِرَةَ فَإِنَّ اْللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَٰتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمٗا} [الأحزاب: 28-29]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لم أزَلْ حريصًا على أن أسألَ عُمَرَ رضي الله عنه عن المرأتَينِ مِن أزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّتَينِ قال اللهُ لهما: {إِن ‌تَتُوبَآ إِلَى اْللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَاۖ} [التحريم: 4]، فحجَجْتُ معه، فعدَلَ وعدَلْتُ معه بالإداوةِ، فتبرَّزَ حتى جاءَ، فسكَبْتُ على يدَيهِ مِن الإداوةِ فتوضَّأَ، فقلتُ: يا أميرَ المؤمنين، مَن المرأتانِ مِن أزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّتانِ قال اللهُ عز وجل لهما: {إِن ‌تَتُوبَآ إِلَى اْللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَاۖ} [التحريم: 4]؟ فقال: واعجبي لك يا بنَ عبَّاسٍ! عائشةُ وحَفْصةُ، ثمَّ استقبَلَ عُمَرُ الحديثَ يسُوقُه، فقال:

إنِّي كنتُ وجارٌ لي مِن الأنصارِ في بني أُمَيَّةَ بنِ زيدٍ، وهي مِن عوالي المدينةِ، وكنَّا نتناوَبُ النُّزولَ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فيَنزِلُ يومًا وأنزِلُ يومًا، فإذا نزَلْتُ جِئْتُه مِن خَبَرِ ذلك اليومِ مِن الأمرِ وغيرِه، وإذا نزَلَ فعَلَ مِثْلَه، وكنَّا مَعشَرَ قُرَيشٍ نَغلِبُ النِّساءَ، فلمَّا قَدِمْنا على الأنصارِ إذا هم قومٌ تَغلِبُهم نساؤُهم، فطَفِقَ نساؤُنا يأخُذْنَ مِن أدبِ نساءِ الأنصارِ، فصِحْتُ على امرأتي، فراجَعتْني، فأنكَرْتُ أن تُراجِعَني، فقالت: ولِمَ تُنكِرُ أن أُراجِعَك؟! فواللهِ، إنَّ أزواجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لَيُراجِعْنُه، وإنَّ إحداهنَّ لَتهجُرُه اليومَ حتى اللَّيلِ، فأفزَعَني، فقلتُ: خابَتْ مَن فعَلَ منهنَّ بعظيمٍ، ثم جمَعْتُ عليَّ ثيابي، فدخَلْتُ على حَفْصةَ، فقلتُ: أيْ حَفْصةُ، أتُغاضِبُ إحداكنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اليومَ حتى اللَّيلِ؟ فقالت: نَعم، فقلت: خابَتْ وخَسِرتْ! أفتأمَنُ أن يَغضَبَ اللهُ لغضَبِ رسولِه صلى الله عليه وسلم فتَهلِكِينَ؟! لا تَستكثري على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ولا تُراجِعيه في شيءٍ، ولا تهجُريه، واسأليني ما بدا لكِ، ولا يغُرَّنَّكِ أن كانت جارتُك هي أوضأَ منك، وأحَبَّ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم - يريدُ عائشةَ -.

وكنَّا تحدَّثْنا أنَّ غسَّانَ تُنعِلُ النِّعالَ لغَزْوِنا، فنزَلَ صاحبي يومَ نَوْبتِه، فرجَعَ عِشاءً، فضرَبَ بابي ضربًا شديدًا، وقال: أنائمٌ هو؟! ففَزِعْتُ، فخرَجْتُ إليه، وقال: حدَثَ أمرٌ عظيمٌ، قلتُ: ما هو؟ أجاءت غسَّانُ؟ قال: لا، بل أعظَمُ منه وأطوَلُ، طلَّقَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نساءَه، قال: قد خابَتْ حَفْصةُ وخَسِرتْ، كنتُ أظُنُّ أنَّ هذا يُوشِكُ أن يكونَ، فجمَعْتُ عليَّ ثيابي، فصلَّيْتُ صلاةَ الفجرِ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فدخَلَ مَشرُبةً له، فاعتزَلَ فيها، فدخَلْتُ على حَفْصةَ فإذا هي تَبكِي، قلتُ: ما يُبكِيكِ؟ أوَلَمْ أكُنْ حذَّرْتُكِ؟! أطلَّقَكنَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟! قالت: لا أدري! هو ذا في المَشرُبةِ، فخرَجْتُ، فجِئْتُ المِنبَرَ، فإذا حَوْلَه رَهْطٌ يَبكِي بعضُهم، فجلَسْتُ معهم قليلًا، ثم غلَبَني ما أجدُ، فجِئْتُ المَشرُبةَ التي هو فيها، فقلتُ لغلامٍ له أسوَدَ: استأذِنْ لِعُمَرَ، فدخَلَ، فكلَّمَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ثم خرَجَ، فقال: ذكَرْتُك له فصمَتَ، فانصرَفْتُ حتى جلَسْتُ مع الرَّهْطِ الذين عند المِنبَرِ، ثمَّ غلَبَني ما أجدُ، فجِئْتُ، فذكَرَ مِثْلَه، فجلَسْتُ مع الرَّهْطِ الذين عند المِنبَرِ، ثمَّ غلَبَني ما أجدُ، فجِئْتُ الغلامَ، فقلتُ: استأذِنْ لِعُمَرَ، فذكَرَ مِثْلَه، فلمَّا ولَّيْتُ منصرِفًا، فإذا الغلامُ يَدْعوني، قال: أَذِنَ لك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فدخَلْتُ عليه، فإذا هو مضطجِعٌ على رمالِ حصيرٍ ليس بَيْنه وبَيْنه فِراشٌ قد أثَّرَ الرِّمالُ بجَنْبِه، متَّكِئٌ على وسادةٍ مِن أَدَمٍ حَشْوُها لِيفٌ، فسلَّمْتُ عليه، ثم قلتُ وأنا قائمٌ: طلَّقْتَ نساءَك؟ فرفَعَ بصَرَه إليَّ، فقال: «لا»، ثم قلتُ وأنا قائمٌ أستأنِسُ: يا رسولَ اللهِ، لو رأَيْتَني وكنَّا مَعشَرَ قُرَيشٍ نَغلِبُ النِّساءَ، فلمَّا قَدِمْنا على قومٍ تَغلِبُهم نساؤُهم، فذكَرَه، فتبسَّمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ثم قلتُ: لو رأَيْتَني، ودخَلْتُ على حَفْصةَ، فقلتُ: لا يغُرَّنَّكِ أنْ كانت جارتُكِ هي أوضأَ منكِ وأحَبَّ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم - يريدُ عائشةَ -، فتبسَّمَ أخرى، فجلَسْتُ حينَ رأَيْتُه تبسَّمَ، ثم رفَعْتُ بصَري في بيتِه، فواللهِ ما رأَيْتُ فيه شيئًا يرُدُّ البصَرَ غيرَ أَهَبَةٍ ثلاثةٍ، فقلتُ: ادعُ اللهَ فَلْيُوسِّعْ على أُمَّتِك؛ فإنَّ فارسَ والرُّومَ وُسِّعَ عليهم، وأُعطُوا الدُّنيا وهم لا يعبُدون اللهَ، وكان متَّكِئًا، فقال: «أوَفِي شكٍّ أنتَ يا بنَ الخطَّابِ؟! أولئك قومٌ عُجِّلتْ لهم طيِّباتُهم في الحياةِ الدنيا»، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، استغفِرْ لي، فاعتزَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مِن أجلِ ذلك الحديثِ حينَ أفشَتْهُ حَفْصةُ إلى عائشةَ، وكان قد قال: «ما أنا بداخلٍ عليهنَّ شهرًا»؛ مِن شِدَّةِ مَوْجِدتِه عليهنَّ حينَ عاتَبَه اللهُ، فلمَّا مضَتْ تِسْعٌ وعشرون، دخَلَ على عائشةَ، فبدَأَ بها، فقالت له عائشةُ: إنَّك أقسَمْتَ ألَّا تدخُلَ علينا شهرًا، وإنَّا أصبَحْنا لِتِسْعٍ وعِشْرينَ ليلةً أعُدُّها عدًّا؟! فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وعِشْرون»، وكان ذلك الشَّهْرُ تِسْعًا وعِشْرينَ، قالت عائشةُ: فأُنزِلتْ آيةُ التَّخييرِ، فبدَأَ بي أوَّلَ امرأةٍ، فقال: «إنِّي ذاكرٌ لكِ أمرًا، ولا عليكِ ألَّا تَعجَلي حتى تَستأمري أبوَيكِ»، قالت: قد أعلَمُ أنَّ أبوَيَّ لم يكُونا يأمُرانِي بفِراقك، ثم قال: «إنَّ اللهَ قال: {يَٰٓأَيُّهَا اْلنَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَٰجِكَ} [الأحزاب: 28] إلى قولِه: {عَظِيمٗا} [الأحزاب: 29]»، قلتُ: أفي هذا أستأمِرُ أبوَيَّ؟! فإنِّي أريدُ اللهَ ورسولَه والدارَ الآخرةَ، ثم خيَّرَ نساءَه، فقُلْنَ مِثْلَ ما قالت عائشةُ». أخرجه البخاري (٢٤٦٨).

* قوله تعالى: {إِنَّ اْلْمُسْلِمِينَ وَاْلْمُسْلِمَٰتِ وَاْلْمُؤْمِنِينَ وَاْلْمُؤْمِنَٰتِ وَاْلْقَٰنِتِينَ وَاْلْقَٰنِتَٰتِ وَاْلصَّٰدِقِينَ وَاْلصَّٰدِقَٰتِ وَاْلصَّٰبِرِينَ وَاْلصَّٰبِرَٰتِ وَاْلْخَٰشِعِينَ وَاْلْخَٰشِعَٰتِ وَاْلْمُتَصَدِّقِينَ وَاْلْمُتَصَدِّقَٰتِ وَاْلصَّٰٓئِمِينَ وَاْلصَّٰٓئِمَٰتِ وَاْلْحَٰفِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَاْلْحَٰفِظَٰتِ وَاْلذَّٰكِرِينَ اْللَّهَ كَثِيرٗا وَاْلذَّٰكِرَٰتِ أَعَدَّ اْللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةٗ وَأَجْرًا عَظِيمٗا} [الأحزاب: 35]:

عن أُمِّ عطيَّةَ نُسَيبةَ بنتِ كعبٍ رضي الله عنها: أنَّها أتت النبيَّ ﷺ، فقالت: «ما أرى كلَّ شيءٍ إلا للرِّجالِ، وما أرى النِّساءَ يُذكَرْنَ بشيءٍ»؛ فنزَلتْ هذه الآيةُ: {إِنَّ اْلْمُسْلِمِينَ وَاْلْمُسْلِمَٰتِ وَاْلْمُؤْمِنِينَ وَاْلْمُؤْمِنَٰتِ} [الأحزاب: 35] الآيةَ. أخرجه الترمذي (٣٢١١).

* قوله تعالى: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اْللَّهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب: 37]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «جاء زيدُ بنُ حارثةَ يشكو زَيْنَبَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أمسِكْ عليك أهلَك»؛ فنزَلتْ: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اْللَّهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب: 37]». أخرجه ابن حبان (٧٠٤٥).

* قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٞ مِّنْهَا وَطَرٗا زَوَّجْنَٰكَهَا} [الأحزاب: 37]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا نزَلتْ هذه الآيةُ في زَيْنَبَ بنتِ جحشٍ {فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٞ مِّنْهَا وَطَرٗا زَوَّجْنَٰكَهَا} [الأحزاب: 37]، قال: فكانت تَفخَرُ على أزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ تقولُ: زوَّجَكنَّ أهلُكنَّ، وزوَّجَني اللهُ مِن فوقِ سَبْعِ سمواتٍ». أخرجه الترمذي (3213).

* قوله تعالى: {تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُـْٔوِيٓ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُۖ وَمَنِ اْبْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَۚ} [الأحزاب: 51]:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «كنتُ أغارُ على اللاتي وهَبْنَ أنفُسَهنَّ لرسولِ اللهِ ﷺ، وأقولُ: تَهَبُ المرأةُ نفسَها؟ فلمَّا أنزَلَ اللهُ: {تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُـْٔوِيٓ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُۖ وَمَنِ اْبْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَۚ} [الأحزاب: 51]، قالت: قلتُ: واللهِ، ما أرى رَبَّك إلا يُسارِعُ في هواك». أخرجه البخاري (٤٧٨٨).

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدْخُلُواْ بُيُوتَ اْلنَّبِيِّ إِلَّآ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَٰظِرِينَ إِنَىٰهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَاْدْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَاْنتَشِرُواْ وَلَا مُسْتَـْٔنِسِينَ لِحَدِيثٍۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي اْلنَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِۦ مِنكُمْۖ وَاْللَّهُ لَا يَسْتَحْيِۦ مِنَ اْلْحَقِّۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَٰعٗا فَسْـَٔلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٖۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُواْ رَسُولَ اْللَّهِ وَلَآ أَن تَنكِحُوٓاْ أَزْوَٰجَهُۥ مِنۢ بَعْدِهِۦٓ أَبَدًاۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اْللَّهِ عَظِيمًا} [الأحزاب: 53]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا تزوَّجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَيْنَبَ بنتَ جَحْشٍ، دعَا القومَ، فطَعِموا ثمَّ جلَسوا يَتحدَّثون، وإذا هو كأنَّه يَتهيَّأُ للقيامِ، فلَمْ يقُوموا، فلمَّا رأى ذلك قامَ، فلمَّا قامَ قامَ مَن قامَ، وقعَدَ ثلاثةُ نفَرٍ، فجاءَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لِيدخُلَ فإذا القومُ جلوسٌ، ثمَّ إنَّهم قاموا، فانطلَقْتُ فجِئْتُ فأخبَرْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنَّهم قد انطلَقوا، فجاءَ حتى دخَلَ، فذهَبْتُ أدخُلُ، فألقى الحِجابَ بَيْني وبَيْنه؛ فأنزَلَ اللهُ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدْخُلُواْ بُيُوتَ اْلنَّبِيِّ} [الأحزاب: 53] الآيةَ». أخرجه البخاري (٤٧٩١).

* سورةُ (الأحزاب):

سُمِّيت سورةُ (الأحزاب) بذلك؛ لأنَّ فيها ذِكْرَ أحزابِ المشركين مِن قُرَيشٍ وغطَفانَ وبعضِ العرب، الذين تَحزَّبوا واجتمعوا لغَزْوِ المسلمين بالمدينة، فردَّ اللهُ كيدهم في غزوة (الأحزاب) المعروفة.

اشتمَلتْ سورةُ (الأحزاب) على الموضوعات الآتية:

1. أمرُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بتقوى الله، والتوكل عليه (١-٣).

2. تصحيح مفاهيمَ اجتماعية خاطئة (٤-٥).

3. وَلاية النبيِّ صلى الله عليه وسلم العامة، وأخذُ اللهِ الميثاقَ من النبيِّين عليهم السلام (٦-٨).

4. قصة غزوة (الأحزاب) (٩-٢٠).

5. الرسول صلى الله عليه وسلم هو الأُسوة الحسنة، وأصحابه نجومٌ يُهتدى بها (٢١-٢٤).

6. نتيجة المعركة، وغدر اليهود (٢٥-٢٧).

7. النبي مُحمَّد صلى الله عليه وسلم (٢٨-٥٩) .

8. مع زوجاته رضوان الله عليهم (٢٨-٣٤) .

9. المساواة بين الرجال والنساء في التكليف والجزاء (٣٥).

10. قصته صلى الله عليه وسلم مع زينبَ رضي الله عنها (٣٦-٣٩).

11. خاتمُ النبيِّين وبعض صفاته (٤٠-٤٨) .

12. خصائصه في أحكام الزواج (٤٩-٥٢).

13. آداب دخول بيته، والأمر بالحِجاب (٥٣-٥٥).

14. مكانتُه، وحرمة إيذائه (٥٦- ٥٨).

15. حِجاب زوجاته والمرأة المسلمة (٥٩).

16. جزاء المنافقين والكفار (٦٠-٦٨).

17. توجيهاتٌ وعِظات للمؤمنين (٦٩-٧١).

18. عظمة تكليف الإنسان، وحملُه الأمانة (٧٢-٧٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (6 /68).

حثَّتْ سورةُ (الأحزاب) على حُسْنِ الظنِّ بالله، والتوكُّلِ عليه؛ فالله هو صاحبُ الحِكْمة والقوَّة والقُدْرة، وهو المتصرِّفُ في الكون، يَعلَم ما يصلحُ للخلائق، ويُدبِّر لهم أحسَنَ تدبير؛ فيُعلِي شأنَ من يشاء، ويَخفِض شأنَ من يشاء.

وتسميتُها بـ(الأحزاب) أوضحُ دليلٍ على ذلك؛ بتأمُّل القصة التي أشارت إليها، ودلَّتْ عليها.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /370).