تفسير سورة الأحزاب

تفسير التستري

تفسير سورة سورة الأحزاب من كتاب تفسير التستري المعروف بـتفسير التستري.
لمؤلفه سهل التستري . المتوفي سنة 283 هـ

السورة التي يذكر فيها الأحزاب
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٤]
مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللاَّئِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (٤)
قوله تعالى: مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ [٤] قال: المتوجه إلى الله عزَّ وجلَّ قصداً من غير التفات، فمن نظر إلى شيء سوى الله فما هو بقاصد إلى ربه، وإن الله تعالى يقول:
مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ [٤] قيل: قلب يقبل به على ربه، وقلب يدبر به أمور الدنيا. وللعقل طبعان: طبع للدنيا وطبع للآخرة مؤتلف بطبع نفس الروح، فطبع الآخرة منطبع بطبع نفس الروح، وطبع الدنيا مؤتلف بالنفس الشهوانية. ولهذا قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «لا تكلني إلى نفسي طرفة عين» «١»، فإن العبد ما دام مشتغلاً بنفسه فهو محجوب عن الله عزّ وجلّ.
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٦]
النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (٦)
قوله تعالى: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [٦] قال: من لم ير نفسه في ملك الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ولم ير ولاية الرسول صلّى الله عليه وسلّم في جميع الأحوال لم يذق حلاوة سنته بحال، لأن النبي صلى الله عليه وسلّم هو أولى بالمؤمنين، والنبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين» «٢».
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٨]
لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً (٨)
قوله تعالى: لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً [٨] قال عبد الواحد بن زيد «٣» : الصدق الوفاء لله بالعمل. وسئل سهل عن الصدق فقال: الصدق خوف الخاتمة، والصبر شاهد الصدق، وإنما صعب الصدق على الصديقين، والإخلاص على المخلصين، والتوبة على التائبين، لأن هذه التلبية لها حكم بدل الروح. قيل لأحمد بن متى: ما معناه؟ قال: أن لا يبقى للنفس نصيب «٤». وقال سهل: لا يشم أحد رائحة الصدق ما دام يداهن نفسه أو غيره. بل الصدق أن يكون في سره أنه ليس على وجه الأرض أحد طالبه الله بالعبودية غيره، ويكون رجاؤه خوفه، وخوفه انتقاله، فإذا رآهم الله تعالى على هذه الحالة تولى أمورهم وكفاهم، فصارت كل شعرة من شعورهم تنطق مع الله بالمعرفة، فيقول الله تعالى لهم يوم القيامة: «لمن عملتم، ماذا أردتم؟ فيقولون: لك عملنا، وإياك أردنا. فيقول: صدقتم». فوعزته فقوله لهم في المشاهدة: «صدقتم» ألذ عندهم من نعيم الجنة. فقيل لأحمد بن متى: ما معنى
(١) المستدرك على الصحيحين ١/ ٧٣٠ والسنن الكبرى ٦/ ١٤٧ (١٠٤٠٥)، ٦/ ١٦٧ (١٠٤٨٧) ومجمع الزوائد ١٠/ ١١٧، ١٣٧، ١٨١ ومسند أحمد ٥/ ٤٢.
(٢) صحيح البخاري: الإيمان، رقم ١٤- ١٥ وصحيح مسلم: الإيمان، رقم ٤٤.
(٣) عبد الواحد بن زيد (... - ١٧٧ هـ) : واعظ من متصوفة البصرة. تلقى أصول علومه عن الحسن البصري.
(الحلية ٦/ ١٥٦). [.....]
(٤) فيض القدير ٤/ ٣٤٣ وكتاب الزهد الكبير ٢/ ٣٤٣.
ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ ﰂﰃﰄ ﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ ﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ ﰿ ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ
قوله: رجاء الصدق خوفه، وخوفه انتقاله؟ فقال: لأن الصدق رجاؤهم وطلبهم، ويخافون في طلبهم أن لا يكونوا صادقين، فلا يقبل الله منهم، كما قال: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون: ٦٠] أي وجلة في الطاعة خوف الرد عليهم.
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٣٥]
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٣٥)
قوله: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ [٣٥] قال: الإيمان أفضل من الإسلام، والتقوى في الإيمان أفضل من الإيمان، واليقين في التقوى أفضل من التقوى، والصدق في اليقين أفضل من اليقين، وإنما تمسكتم بالأنا فإياكم أن تنفلت من أيديكم. وقال: الإيمان بالله في القلب ثابت، واليقين بالصدق راسخ، فصدق العين ترك النظر إلى المحظورات، وصدق اللسان في ترك ما لا يعني، وصدق اليد ترك البطش للحرام، وصدق الرجلين ترك المشي إلى الفواحش، وحقيقة الصدق من دوام النظر فيما مضى، وترك النظر فيما بقي، وإن الله تعالى أعطى الصديقين من العلم ما لو نطقوا به لنفذ البحر من نطقهم، وهم مختفون لا يظهرون للناس إلا فيما لا بد لهم منه، حتى يخرج العبد الصالح، فعند ذلك يظهرون، ويعلمون العلماء من علومهم.
قوله تعالى: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ [٣٥] قال: الذاكر على الحقيقة من يعلم أن الله مشاهده فيراه بقلبه قريباً منه، فيستحي منه، ثم يؤثره على نفسه وعلى كل شيء من جميع أحواله. وسئل سهل مرة أخرى: ما الذكر؟ فقال: الطاعة. قيل: ما الطاعة؟ قال: الإخلاص قيل: ما الإخلاص؟ قال: المشاهدة. قيل: ما المشاهدة؟ قال: العبودية. قيل: ما العبودية؟ قال:
الرضا. قيل: ما الرضا؟ قال: الافتقار. قيل: ما الافتقار؟ قال: التضرع والالتجاء سلم سلم إلى الممات. وقال ابن سالم: الذكر ثلاث: ذكر باللسان فذاك الحسنة بعشر، وذكر بالقلب فذاك الحسنة بسبعمائة، وذكر لا يوزن ثوابه وهو الامتلاء من المحبة.
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٣٨]
ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً (٣٨)
قوله: وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً [٣٨] قال: أي معلوماً قبل وقوعه عندكم، وهل يقدر أحد أن يتقي المقدور؟ وقد قال عمر رضي الله عنه لما طعن: «وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً [٣٨]، ولقد أخبرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنهم سيفعلون هذا». وحكي عن الضحاك أنه ينزل ملكان من السماء ومع أحدهما صحيفة فيها كتاب، ومع الآخر صحيفة ليس فيها كتاب، فيكتب عمل العبد وأثره، فإذا أراد أن يصعد قَال لصاحب الصحيفة المكتوبة: عارضني فيعارضه، فلا يخطىء حرفا.
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٧١]
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (٧١)
قوله: يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [٧١] قال: من وفقه الله لصالح الأعمال فذاك دليل على أنه مغفور له، لأن الله تعالى قال: يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [٧١].
والله سبحانه وتعالى أعلم.
سورة الأحزاب
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الأحزاب) من السُّوَر المدنيَّة، وقد تعرَّضتْ لذِكْرِ كثيرٍ من الأحداث والأحكام؛ على رأسِ تلك الأحداثِ قصةُ غزوة (الأحزاب)، وما تعلق بها مِن عِبَرٍ وعِظات؛ كحُسْنِ الظن بالله، والاعتماد عليه، مشيرةً إلى غَدْرِ اليهود، وأخلاقهم الشائنة، كما اشتملت السورةُ على ذكرِ آية الحِجاب، وذكرِ آداب الاستئذان، والدخول على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وخُتِمت السورةُ بكثيرٍ من التوجيهات والعِظات للمؤمنين.

ترتيبها المصحفي
33
نوعها
مدنية
ألفاظها
1303
ترتيب نزولها
90
العد المدني الأول
73
العد المدني الأخير
73
العد البصري
73
العد الكوفي
73
العد الشامي
73

* قوله تعالى: {اْدْعُوهُمْ لِأٓبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اْللَّهِۚ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوٓاْ ءَابَآءَهُمْ فَإِخْوَٰنُكُمْ فِي اْلدِّينِ وَمَوَٰلِيكُمْۚ} [الأحزاب: 5]:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها: «أنَّ أبا حُذَيفةَ بنَ عُتْبةَ بنِ ربيعةَ بنِ عبدِ شمسٍ - وكان ممَّن شَهِدَ بَدْرًا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم - تَبنَّى سالمًا، وأنكَحَه بنتَ أخيه هندَ بنتَ الوليدِ بنِ عُتْبةَ بنِ ربيعةَ، وهو مولًى لامرأةٍ مِن الأنصارِ؛ كما تَبنَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم زيدًا، وكان مَن تَبنَّى رجُلًا في الجاهليَّةِ، دعَاه الناسُ إليه، ووَرِثَ مِن ميراثِه، حتى أنزَلَ اللهُ: {اْدْعُوهُمْ لِأٓبَآئِهِمْ} إلى قولِه: {وَمَوَٰلِيكُمْۚ} [الأحزاب: 5]؛ فرُدُّوا إلى آبائِهم؛ فمَن لم يُعلَمْ له أبٌ، كان مولًى وأخًا في الدِّينِ، فجاءت سَهْلةُ بنتُ سُهَيلِ بنِ عمرٍو القُرَشيِّ ثم العامريِّ - وهي امرأةُ أبي حُذَيفةَ بنِ عُتْبةَ - النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسولَ اللهِ، إنَّا كنَّا نرى سالمًا ولدًا، وقد أنزَلَ اللهُ فيه ما قد عَلِمْتَ...» فذكَر الحديثَ. أخرجه البخاري (5088).

* قوله تعالى: {مِّنَ اْلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٞ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ اْللَّهَ عَلَيْهِۖ} [الأحزاب: 23]:

عن حُمَيدٍ الطَّويلِ، عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «غابَ عَمِّي أنسُ بنُ النَّضْرِ عن قتالِ بَدْرٍ، فقال: يا رسولَ اللهِ، غِبْتُ عن أوَّلِ قتالٍ قاتَلْتَ المشرِكين، لَئِنِ اللهُ أشهَدَني قتالَ المشرِكين لَيَرَيَنَّ اللهُ ما أصنَعُ، فلمَّا كان يومُ أُحُدٍ، وانكشَفَ المسلمون، قال: اللهمَّ إنِّي أعتذِرُ إليك ممَّا صنَعَ هؤلاء - يعني أصحابَه -، وأبرَأُ إليك ممَّا صنَعَ هؤلاء - يعني المشرِكين -، ثم تقدَّمَ، فاستقبَلَه سعدُ بنُ مُعاذٍ، فقال: يا سعدُ بنَ مُعاذٍ، الجَنَّةَ ورَبِّ النَّضْرِ! إنِّي أجدُ رِيحَها مِن دُونِ أُحُدٍ، قال سعدٌ: فما استطَعْتُ يا رسولَ اللهِ ما صنَعَ». قال أنسٌ: «فوجَدْنا به بِضْعًا وثمانينَ ضَرْبةً بالسَّيفِ، أو طَعْنةً برُمْحٍ، أو رَمْيةً بسَهْمٍ، ووجَدْناه قد قُتِلَ، وقد مثَّلَ به المشرِكون، فما عرَفَه أحدٌ إلا أختُه ببنانِه». قال أنسٌ: كنَّا نُرى أو نظُنُّ أنَّ هذه الآيةَ نزَلتْ فيه وفي أشباهِه: {مِّنَ اْلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٞ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ اْللَّهَ عَلَيْهِۖ} [الأحزاب: 23] إلى آخرِ الآيةِ». وقال: «إنَّ أختَه - وهي تُسمَّى الرُّبَيِّعَ - كسَرتْ ثَنِيَّةَ امرأةٍ، فأمَرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالقِصاصِ، فقال أنسٌ: يا رسولَ اللهِ، والذي بعَثَك بالحقِّ، لا تُكسَرُ ثَنِيَّتُها، فرَضُوا بالأَرْشِ، وترَكوا القِصاصَ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مِن عبادِ اللهِ مَن لو أقسَمَ على اللهِ لَأبَرَّه»». أخرجه البخاري (٢٨٠٥).

* قوله تعالى: {وَكَفَى اْللَّهُ اْلْمُؤْمِنِينَ اْلْقِتَالَۚ} [الأحزاب: 25]:

عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه، قال: «شغَلَنا المشرِكون يومَ الخَنْدقِ عن صلاةِ الظُّهْرِ حتى غرَبتِ الشَّمْسُ، وذلك قبل أن يَنزِلَ في القتالِ ما نزَلَ؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {وَكَفَى اْللَّهُ اْلْمُؤْمِنِينَ اْلْقِتَالَۚ} [الأحزاب: 25]، فأمَرَ بِلالًا فأذَّنَ وأقامَ فصلَّى الظُّهْرَ، ثمَّ أمَرَه فأقامَ فصلَّى العصرَ، ثمَّ أمَرَه فأقامَ فصلَّى المغربَ، ثمَّ أمَرَه فأقامَ فصلَّى العِشاءَ». أخرجه النسائي (٦٦١).

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلنَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَٰجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اْلْحَيَوٰةَ اْلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحٗا جَمِيلٗا ٢٨ وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اْللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَاْلدَّارَ اْلْأٓخِرَةَ فَإِنَّ اْللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَٰتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمٗا} [الأحزاب: 28-29]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لم أزَلْ حريصًا على أن أسألَ عُمَرَ رضي الله عنه عن المرأتَينِ مِن أزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّتَينِ قال اللهُ لهما: {إِن ‌تَتُوبَآ إِلَى اْللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَاۖ} [التحريم: 4]، فحجَجْتُ معه، فعدَلَ وعدَلْتُ معه بالإداوةِ، فتبرَّزَ حتى جاءَ، فسكَبْتُ على يدَيهِ مِن الإداوةِ فتوضَّأَ، فقلتُ: يا أميرَ المؤمنين، مَن المرأتانِ مِن أزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّتانِ قال اللهُ عز وجل لهما: {إِن ‌تَتُوبَآ إِلَى اْللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَاۖ} [التحريم: 4]؟ فقال: واعجبي لك يا بنَ عبَّاسٍ! عائشةُ وحَفْصةُ، ثمَّ استقبَلَ عُمَرُ الحديثَ يسُوقُه، فقال:

إنِّي كنتُ وجارٌ لي مِن الأنصارِ في بني أُمَيَّةَ بنِ زيدٍ، وهي مِن عوالي المدينةِ، وكنَّا نتناوَبُ النُّزولَ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فيَنزِلُ يومًا وأنزِلُ يومًا، فإذا نزَلْتُ جِئْتُه مِن خَبَرِ ذلك اليومِ مِن الأمرِ وغيرِه، وإذا نزَلَ فعَلَ مِثْلَه، وكنَّا مَعشَرَ قُرَيشٍ نَغلِبُ النِّساءَ، فلمَّا قَدِمْنا على الأنصارِ إذا هم قومٌ تَغلِبُهم نساؤُهم، فطَفِقَ نساؤُنا يأخُذْنَ مِن أدبِ نساءِ الأنصارِ، فصِحْتُ على امرأتي، فراجَعتْني، فأنكَرْتُ أن تُراجِعَني، فقالت: ولِمَ تُنكِرُ أن أُراجِعَك؟! فواللهِ، إنَّ أزواجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لَيُراجِعْنُه، وإنَّ إحداهنَّ لَتهجُرُه اليومَ حتى اللَّيلِ، فأفزَعَني، فقلتُ: خابَتْ مَن فعَلَ منهنَّ بعظيمٍ، ثم جمَعْتُ عليَّ ثيابي، فدخَلْتُ على حَفْصةَ، فقلتُ: أيْ حَفْصةُ، أتُغاضِبُ إحداكنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اليومَ حتى اللَّيلِ؟ فقالت: نَعم، فقلت: خابَتْ وخَسِرتْ! أفتأمَنُ أن يَغضَبَ اللهُ لغضَبِ رسولِه صلى الله عليه وسلم فتَهلِكِينَ؟! لا تَستكثري على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ولا تُراجِعيه في شيءٍ، ولا تهجُريه، واسأليني ما بدا لكِ، ولا يغُرَّنَّكِ أن كانت جارتُك هي أوضأَ منك، وأحَبَّ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم - يريدُ عائشةَ -.

وكنَّا تحدَّثْنا أنَّ غسَّانَ تُنعِلُ النِّعالَ لغَزْوِنا، فنزَلَ صاحبي يومَ نَوْبتِه، فرجَعَ عِشاءً، فضرَبَ بابي ضربًا شديدًا، وقال: أنائمٌ هو؟! ففَزِعْتُ، فخرَجْتُ إليه، وقال: حدَثَ أمرٌ عظيمٌ، قلتُ: ما هو؟ أجاءت غسَّانُ؟ قال: لا، بل أعظَمُ منه وأطوَلُ، طلَّقَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نساءَه، قال: قد خابَتْ حَفْصةُ وخَسِرتْ، كنتُ أظُنُّ أنَّ هذا يُوشِكُ أن يكونَ، فجمَعْتُ عليَّ ثيابي، فصلَّيْتُ صلاةَ الفجرِ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فدخَلَ مَشرُبةً له، فاعتزَلَ فيها، فدخَلْتُ على حَفْصةَ فإذا هي تَبكِي، قلتُ: ما يُبكِيكِ؟ أوَلَمْ أكُنْ حذَّرْتُكِ؟! أطلَّقَكنَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟! قالت: لا أدري! هو ذا في المَشرُبةِ، فخرَجْتُ، فجِئْتُ المِنبَرَ، فإذا حَوْلَه رَهْطٌ يَبكِي بعضُهم، فجلَسْتُ معهم قليلًا، ثم غلَبَني ما أجدُ، فجِئْتُ المَشرُبةَ التي هو فيها، فقلتُ لغلامٍ له أسوَدَ: استأذِنْ لِعُمَرَ، فدخَلَ، فكلَّمَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ثم خرَجَ، فقال: ذكَرْتُك له فصمَتَ، فانصرَفْتُ حتى جلَسْتُ مع الرَّهْطِ الذين عند المِنبَرِ، ثمَّ غلَبَني ما أجدُ، فجِئْتُ، فذكَرَ مِثْلَه، فجلَسْتُ مع الرَّهْطِ الذين عند المِنبَرِ، ثمَّ غلَبَني ما أجدُ، فجِئْتُ الغلامَ، فقلتُ: استأذِنْ لِعُمَرَ، فذكَرَ مِثْلَه، فلمَّا ولَّيْتُ منصرِفًا، فإذا الغلامُ يَدْعوني، قال: أَذِنَ لك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فدخَلْتُ عليه، فإذا هو مضطجِعٌ على رمالِ حصيرٍ ليس بَيْنه وبَيْنه فِراشٌ قد أثَّرَ الرِّمالُ بجَنْبِه، متَّكِئٌ على وسادةٍ مِن أَدَمٍ حَشْوُها لِيفٌ، فسلَّمْتُ عليه، ثم قلتُ وأنا قائمٌ: طلَّقْتَ نساءَك؟ فرفَعَ بصَرَه إليَّ، فقال: «لا»، ثم قلتُ وأنا قائمٌ أستأنِسُ: يا رسولَ اللهِ، لو رأَيْتَني وكنَّا مَعشَرَ قُرَيشٍ نَغلِبُ النِّساءَ، فلمَّا قَدِمْنا على قومٍ تَغلِبُهم نساؤُهم، فذكَرَه، فتبسَّمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ثم قلتُ: لو رأَيْتَني، ودخَلْتُ على حَفْصةَ، فقلتُ: لا يغُرَّنَّكِ أنْ كانت جارتُكِ هي أوضأَ منكِ وأحَبَّ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم - يريدُ عائشةَ -، فتبسَّمَ أخرى، فجلَسْتُ حينَ رأَيْتُه تبسَّمَ، ثم رفَعْتُ بصَري في بيتِه، فواللهِ ما رأَيْتُ فيه شيئًا يرُدُّ البصَرَ غيرَ أَهَبَةٍ ثلاثةٍ، فقلتُ: ادعُ اللهَ فَلْيُوسِّعْ على أُمَّتِك؛ فإنَّ فارسَ والرُّومَ وُسِّعَ عليهم، وأُعطُوا الدُّنيا وهم لا يعبُدون اللهَ، وكان متَّكِئًا، فقال: «أوَفِي شكٍّ أنتَ يا بنَ الخطَّابِ؟! أولئك قومٌ عُجِّلتْ لهم طيِّباتُهم في الحياةِ الدنيا»، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، استغفِرْ لي، فاعتزَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مِن أجلِ ذلك الحديثِ حينَ أفشَتْهُ حَفْصةُ إلى عائشةَ، وكان قد قال: «ما أنا بداخلٍ عليهنَّ شهرًا»؛ مِن شِدَّةِ مَوْجِدتِه عليهنَّ حينَ عاتَبَه اللهُ، فلمَّا مضَتْ تِسْعٌ وعشرون، دخَلَ على عائشةَ، فبدَأَ بها، فقالت له عائشةُ: إنَّك أقسَمْتَ ألَّا تدخُلَ علينا شهرًا، وإنَّا أصبَحْنا لِتِسْعٍ وعِشْرينَ ليلةً أعُدُّها عدًّا؟! فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وعِشْرون»، وكان ذلك الشَّهْرُ تِسْعًا وعِشْرينَ، قالت عائشةُ: فأُنزِلتْ آيةُ التَّخييرِ، فبدَأَ بي أوَّلَ امرأةٍ، فقال: «إنِّي ذاكرٌ لكِ أمرًا، ولا عليكِ ألَّا تَعجَلي حتى تَستأمري أبوَيكِ»، قالت: قد أعلَمُ أنَّ أبوَيَّ لم يكُونا يأمُرانِي بفِراقك، ثم قال: «إنَّ اللهَ قال: {يَٰٓأَيُّهَا اْلنَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَٰجِكَ} [الأحزاب: 28] إلى قولِه: {عَظِيمٗا} [الأحزاب: 29]»، قلتُ: أفي هذا أستأمِرُ أبوَيَّ؟! فإنِّي أريدُ اللهَ ورسولَه والدارَ الآخرةَ، ثم خيَّرَ نساءَه، فقُلْنَ مِثْلَ ما قالت عائشةُ». أخرجه البخاري (٢٤٦٨).

* قوله تعالى: {إِنَّ اْلْمُسْلِمِينَ وَاْلْمُسْلِمَٰتِ وَاْلْمُؤْمِنِينَ وَاْلْمُؤْمِنَٰتِ وَاْلْقَٰنِتِينَ وَاْلْقَٰنِتَٰتِ وَاْلصَّٰدِقِينَ وَاْلصَّٰدِقَٰتِ وَاْلصَّٰبِرِينَ وَاْلصَّٰبِرَٰتِ وَاْلْخَٰشِعِينَ وَاْلْخَٰشِعَٰتِ وَاْلْمُتَصَدِّقِينَ وَاْلْمُتَصَدِّقَٰتِ وَاْلصَّٰٓئِمِينَ وَاْلصَّٰٓئِمَٰتِ وَاْلْحَٰفِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَاْلْحَٰفِظَٰتِ وَاْلذَّٰكِرِينَ اْللَّهَ كَثِيرٗا وَاْلذَّٰكِرَٰتِ أَعَدَّ اْللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةٗ وَأَجْرًا عَظِيمٗا} [الأحزاب: 35]:

عن أُمِّ عطيَّةَ نُسَيبةَ بنتِ كعبٍ رضي الله عنها: أنَّها أتت النبيَّ ﷺ، فقالت: «ما أرى كلَّ شيءٍ إلا للرِّجالِ، وما أرى النِّساءَ يُذكَرْنَ بشيءٍ»؛ فنزَلتْ هذه الآيةُ: {إِنَّ اْلْمُسْلِمِينَ وَاْلْمُسْلِمَٰتِ وَاْلْمُؤْمِنِينَ وَاْلْمُؤْمِنَٰتِ} [الأحزاب: 35] الآيةَ. أخرجه الترمذي (٣٢١١).

* قوله تعالى: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اْللَّهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب: 37]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «جاء زيدُ بنُ حارثةَ يشكو زَيْنَبَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أمسِكْ عليك أهلَك»؛ فنزَلتْ: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اْللَّهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب: 37]». أخرجه ابن حبان (٧٠٤٥).

* قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٞ مِّنْهَا وَطَرٗا زَوَّجْنَٰكَهَا} [الأحزاب: 37]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا نزَلتْ هذه الآيةُ في زَيْنَبَ بنتِ جحشٍ {فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٞ مِّنْهَا وَطَرٗا زَوَّجْنَٰكَهَا} [الأحزاب: 37]، قال: فكانت تَفخَرُ على أزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ تقولُ: زوَّجَكنَّ أهلُكنَّ، وزوَّجَني اللهُ مِن فوقِ سَبْعِ سمواتٍ». أخرجه الترمذي (3213).

* قوله تعالى: {تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُـْٔوِيٓ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُۖ وَمَنِ اْبْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَۚ} [الأحزاب: 51]:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «كنتُ أغارُ على اللاتي وهَبْنَ أنفُسَهنَّ لرسولِ اللهِ ﷺ، وأقولُ: تَهَبُ المرأةُ نفسَها؟ فلمَّا أنزَلَ اللهُ: {تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُـْٔوِيٓ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُۖ وَمَنِ اْبْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَۚ} [الأحزاب: 51]، قالت: قلتُ: واللهِ، ما أرى رَبَّك إلا يُسارِعُ في هواك». أخرجه البخاري (٤٧٨٨).

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدْخُلُواْ بُيُوتَ اْلنَّبِيِّ إِلَّآ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَٰظِرِينَ إِنَىٰهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَاْدْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَاْنتَشِرُواْ وَلَا مُسْتَـْٔنِسِينَ لِحَدِيثٍۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي اْلنَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِۦ مِنكُمْۖ وَاْللَّهُ لَا يَسْتَحْيِۦ مِنَ اْلْحَقِّۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَٰعٗا فَسْـَٔلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٖۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُواْ رَسُولَ اْللَّهِ وَلَآ أَن تَنكِحُوٓاْ أَزْوَٰجَهُۥ مِنۢ بَعْدِهِۦٓ أَبَدًاۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اْللَّهِ عَظِيمًا} [الأحزاب: 53]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا تزوَّجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَيْنَبَ بنتَ جَحْشٍ، دعَا القومَ، فطَعِموا ثمَّ جلَسوا يَتحدَّثون، وإذا هو كأنَّه يَتهيَّأُ للقيامِ، فلَمْ يقُوموا، فلمَّا رأى ذلك قامَ، فلمَّا قامَ قامَ مَن قامَ، وقعَدَ ثلاثةُ نفَرٍ، فجاءَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لِيدخُلَ فإذا القومُ جلوسٌ، ثمَّ إنَّهم قاموا، فانطلَقْتُ فجِئْتُ فأخبَرْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنَّهم قد انطلَقوا، فجاءَ حتى دخَلَ، فذهَبْتُ أدخُلُ، فألقى الحِجابَ بَيْني وبَيْنه؛ فأنزَلَ اللهُ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدْخُلُواْ بُيُوتَ اْلنَّبِيِّ} [الأحزاب: 53] الآيةَ». أخرجه البخاري (٤٧٩١).

* سورةُ (الأحزاب):

سُمِّيت سورةُ (الأحزاب) بذلك؛ لأنَّ فيها ذِكْرَ أحزابِ المشركين مِن قُرَيشٍ وغطَفانَ وبعضِ العرب، الذين تَحزَّبوا واجتمعوا لغَزْوِ المسلمين بالمدينة، فردَّ اللهُ كيدهم في غزوة (الأحزاب) المعروفة.

اشتمَلتْ سورةُ (الأحزاب) على الموضوعات الآتية:

1. أمرُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بتقوى الله، والتوكل عليه (١-٣).

2. تصحيح مفاهيمَ اجتماعية خاطئة (٤-٥).

3. وَلاية النبيِّ صلى الله عليه وسلم العامة، وأخذُ اللهِ الميثاقَ من النبيِّين عليهم السلام (٦-٨).

4. قصة غزوة (الأحزاب) (٩-٢٠).

5. الرسول صلى الله عليه وسلم هو الأُسوة الحسنة، وأصحابه نجومٌ يُهتدى بها (٢١-٢٤).

6. نتيجة المعركة، وغدر اليهود (٢٥-٢٧).

7. النبي مُحمَّد صلى الله عليه وسلم (٢٨-٥٩) .

8. مع زوجاته رضوان الله عليهم (٢٨-٣٤) .

9. المساواة بين الرجال والنساء في التكليف والجزاء (٣٥).

10. قصته صلى الله عليه وسلم مع زينبَ رضي الله عنها (٣٦-٣٩).

11. خاتمُ النبيِّين وبعض صفاته (٤٠-٤٨) .

12. خصائصه في أحكام الزواج (٤٩-٥٢).

13. آداب دخول بيته، والأمر بالحِجاب (٥٣-٥٥).

14. مكانتُه، وحرمة إيذائه (٥٦- ٥٨).

15. حِجاب زوجاته والمرأة المسلمة (٥٩).

16. جزاء المنافقين والكفار (٦٠-٦٨).

17. توجيهاتٌ وعِظات للمؤمنين (٦٩-٧١).

18. عظمة تكليف الإنسان، وحملُه الأمانة (٧٢-٧٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (6 /68).

حثَّتْ سورةُ (الأحزاب) على حُسْنِ الظنِّ بالله، والتوكُّلِ عليه؛ فالله هو صاحبُ الحِكْمة والقوَّة والقُدْرة، وهو المتصرِّفُ في الكون، يَعلَم ما يصلحُ للخلائق، ويُدبِّر لهم أحسَنَ تدبير؛ فيُعلِي شأنَ من يشاء، ويَخفِض شأنَ من يشاء.

وتسميتُها بـ(الأحزاب) أوضحُ دليلٍ على ذلك؛ بتأمُّل القصة التي أشارت إليها، ودلَّتْ عليها.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /370).