مدنية كلها في قول الجميع
وقد ورد ذلك في حديث عن السديدة عائشة رضي الله عنها..
ﰡ
﴿ هُوَ أَقْسَطُ عِنَد اللهِ ﴾ أي أعدل عند الله قولاً وحكماً.
﴿ فَإِنَ لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : فانسبوهم إلى أسماء إخوانكم ومواليكم مثل عبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن وعبد الرحيم وعبد العزيز، قاله مقاتل بن حيان.
الثاني : قولوا أخونا فلان وولينا فلان، قاله يحيى بن سلام. وروى محمد بن المنكدر قال : جلس نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم جابر بن عبد الله الأنصاري فتفاخروا بالآباء فجعل كل واحد منهم يقول أنا فلان بن فلان حتى انتهوا إلى سلمان فقال أنا سلمان ابن الإسلام فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فقال صدق سلمان وأنا عمر ابن الإسلام وذلك قوله :﴿ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ﴾.
الثالث : إنه إن لم يُعرف لهم أب ينسبون إليه كانوا إخواناً إن كانوا أحراراً، وموالي إن كانوا عتقاء كما فعل المسلمون فيمن عرفوا نسبه وفيمن لم يعرفوه فإن المقداد ابن عمرو كان يقال له المقداد بن الأسود بن عبد يغوث الزهري فرجع إلى أبيه. وسفيان بن معمر كانت أمه امرأة معمر في الجاهلية فادعاه ابناً ثم أسلم سفيان وشهد بدراً فنسب إلى أبيه ونسبه في بني زريق من الأنصار. وممن لم يعرف له أب سالم مولى أبي حذيفة ونسب إلى ولاء أبي حذيفة.
﴿ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأَتُمْ بِهِ١ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : ما أخطأتم قبل النهي وما تعمدت قلوبكم بعد النهي في هذا وغيره، قاله مجاهد.
الثاني : ما أخطأتم به ما سهوتم عنه، وما تعمدت قلوبكم ما قصدتموه عن عمد، قاله حبيب بن أبي ثابت.
الثالث : ما أخطأتم به أن تدعوه إلى غير أبيه، قاله قتادة.
﴿ وَكَانَ اللَّهُ غَفوراً رَحيماً ﴾ أي غفوراً عما كان في الشرك، رحيماً بقبول التوبة في الإسلام.
أحدها : ليسأل الأنبياء عن تبليغهم الرسالة إلى قومهم، حكاه النقاش. الثاني : ليسأل الأنبياء عما أجابهم به قومهم، حكاه النقاش ابن عيسى.
الثالث : ليسأل الأنبياء عن الوفاء بالميثاق الذي أخذه عليهم، حكاه ابن شجرة.
الرابع : ليسأل الأفواه الصادقة عن القلوب المخلصة.
﴿ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ ﴾ يعني من بطن الوادي من قبل المغرب أسفل أي تحتاً من النبي صلى الله عليه وسلم، جاء منه أبو سفيان بن حرب على أهل مكة، ويزيد بن جحش على قريش، وجاء أبو الأعور السلمي ومعه حيي بن أخطب اليهودي في يهود بني قريظة مع عامر بن الطفيل من وجه الخندق.
﴿ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : شخصت.
الثاني : مالت.
﴿ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبِ الْحَنَاجِرَ ﴾ أي زالت عن أماكنها حتى بلغت القلوب الحناجر وهي الحلاقيم واحدها حنجرة. وقيل إنه مثل مضروب في شدة الخوف ببلوغ القلوب الحناجر وإن لم تزل عن أماكنها مع بقاء الحياة. وروي عن أبي سعيد الخدري أنه قال يوم الخندق : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تأمر بشيء نقوله فقد بلغت القلوب الحناجر فقال :" نعم قُولُوا : اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَتَنَا وَآمِنْ رَوْعَتَنَا ". قال : فضرب الله وجوه أعدائه بالريح فهزموا بها.
﴿ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : فيما وعدوا به من نصر، قاله السدي.
الثاني : أنه اختلاف ظنونهم فظن المنافقون أن محمداً وأصحابه يُستأصلون وأيقن المؤمنون أن ما وعدهم الله ورسوله حق وأنه سيظهره على الدين كله ولو كره المشركون، قاله الحسن.
٨٩ (له الشدة الأولى إذا القرن أعورا} ٩
الثالث: مكشوفة الحيطان نخاف عليها السراق والطلب، قاله السدي والعرب تقول قد أعور منزلك إذا ذهب ستره وسقط جداره وكل ما كره انكشافه فهو عندهم عورة، وقرأ ابن عباس: إن بيوتنا عَوِرة، بكسر الواو، أي ممكنة العورة. ثم قال: ﴿وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ﴾ تكذيباً لهم فيما ذكروه. ﴿إِن يُريدُونَ إِلاَّ فِرَاراً﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: فراراً من القتل. الثاني: من الدِّين. وحكى النقاش أن هذه الآية نزلت في قبيلتين من الأنصار من بني حارثة وبني سلمة، همّوا أن يتركوا مراكزهم يوم الخندق وفيهم أنزل الله ﴿إذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنكُمْ أن تَفْشَلاَ﴾ [آل عمران: ١٢٢] الآية. فلما نزلت هذه الآية قالوا: والله ما سرّنا ما كنا هممنا به إن كان الله ولينا.
أحدهما : أن المرض النفاق، قاله قتادة.
الثاني : أنه الشرك، قاله الحسن.
﴿ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً ﴾ حكى السدي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحفر الخندق لحرب الأحزاب فبينا هو يضرب فيه بمعوله إذ وقع المعول على صفاة فطار منها كهيئة الشهاب من نار في السماء، وضرب الثاني فخرج مثل ذلك، وضرب الثالث فخرج مثل ذلك فرأى ذلك سلمان فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :" رَأَيتَ مَا خَرَجَ فِي كُلّ ضَرْبَةٍ ضَرَبْتَهَا " ؟ قال : نعم يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" تُفْتَحُ لَكُمْ بِيضُ المَدَائِنِ وَقُصُورُ الرُّومِ وَمَدَائِنُ اليَمن ". قال١ ففشا ذلك في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحدثوا به، فقال رجل من الأنصار يدعى قشير بن معتب- وقال غيره قشير بن عدي الأنصاري من الأوس- : وعدنا محمد أن تفتح لنا مدائن اليمن وقصور الروم وبيض المدائن وأحدنا لا يستطيع أن يقضي حاجته إلا قتل ؟ هذا والله الغرور فأنزل الله هذه الآية.
﴿ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مَقُامَ لَكُم فَارْجِعُوا ﴾ قرأ حفص عن عاصم بضم الميم، والباقون بالفتح. وفي الفرق بينهما وجهان :
أحدهما : وهو قول الفراء أن المقام بالفتح الثبات على الأمر، وبالضم الثبات في المكان.
الثاني : وهو قول ابن المبارك انه بالفتح المنزل وبالضم الإقامة.
وفي تأويل ذلك ثلاثة أوجه :
أحدها : أي لا مقام لكم على دين محمد فارجعوا إلى دين مشركي العرب، قاله الحسن.
الثاني : لا مقام لكم على القتال فارجعوا إلى طلب الأمان، قاله الكلبي.
الثالث : لا مقام في مكانكم فارجعوا إلى مساكنكم، قال النقاش.
والمراد بيثرب المدينة وفيه قولان :
أحدهما : أن يثرب هي المدينة، حكاه ابن عيسى.
الثاني : أن المدينة في ناحية من يثرب، قاله أبو عبيدة وقد روى يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" مَن قَالَ المَدِينَةُ يَثْرِبُ فَلْيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ، هَي طَابَةُ " ثلاثة مرات.
﴿ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ ﴾ قال السدي : الذي استأذنه منهم رجلان من الأنصار من بني حارثة، أحدهما أبو عرابة بن أوس، والآخر أوس بن فيظي. قال الضحاك : ورجع ثمانون رجلاً بغير إذن.
﴿ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : قاصية من المدينة نخاف على عورة النساء والصبيان من السبي، قاله قتادة.
الثاني : خالية ليس فيها إلا العورة من النساء، قاله الكلبي والفراء، مأخوذ من قولهم قد اعور الفارس إذا كان فيه موضع خلل للضرب قال الشاعر :
له الشدة الأولى إذا القرن أعورا ***
الثالث : مكشوفة الحيطان نخاف عليها السرّاق والطلب، قاله السدي، والعرب تقول قد أعور منزلك إذا ذهب ستره وسقط جداره وكل ما كره انكشافه فهو عندهم عورة. وقرأ ابن عباس : إن بيوتنا عَوِرة، بكسر الواو، أي ممكنة العورة.
ثم قال :﴿ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ﴾ تكذيباً لهم فيما ذكروه.
﴿ إِن يُريدُونَ إِلاَّ فِرَاراً ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : فراراً من القتل.
الثاني : من الدِّين. وحكى النقاش أن هذه الآية نزلت في قبيلتين من الأنصار من بني حارثة وبني سلمة همّوا أن يتركوا مراكزهم يوم الخندق، وفيهم أنزل الله
﴿ إذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنكُمْ أن تَفْشَلاَ ﴾
[ آل عمران : ١٢٢ ] الآية. فلما نزلت هذه الآية قالوا : والله ما سرّنا ما كنا هممنا به إن كان الله ولينا.
أحدها : أنهم عاهدوه قبل الخندق وبعد بدر، قاله قتادة.
الثاني : قبل نظرهم إلى الأحزاب، حكاه النقاش.
الثالث : قبل قولهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا.
< وحكي عن ابن عباس أنهم بنو حارثة.
﴿ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولاً ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما مسئولاً عنه للجزاء عليه.
الثاني : للوفاء به>١.
فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : إن أراد بكم هزيمة أو أراد بكم نصراً، حكاه النقاش.
الثاني : إن أراد بكم عذاباً أو أراد بكم خيراً، قاله قتادة.
الثالث : إن أراد بكم قتلاً أو أراد بكم توبة، قاله السدي.
(ولقد سلقن هوازنا... بنواهلٍ حتى انحنينا)
وقال الخليل: سلقته باللسان إذا أسمعته ما يكره وفي سلقهم بألسنةٍ حداد وجهان: أحدهما: نزاعاً في الغنيمة، قاله قتادة. الثاني: جدالاً عن أنفسهم، قاله الحسن. ﴿أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: على قسمة الغنيمة، قاله يحيى بن سلام. الثاني: على المال ينفقونه في سبيل الله، قاله السدي. الثالث: على النبي ﷺ بظفره. ﴿أَوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ﴾ يعني بقلوبهم. ﴿فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ﴾ يعني حسناتهم أن يثابوا عليها لأنهم لم يقصدوا وجه الله تعالى بها.
أحدها : أشحة بالخير، قاله مجاهد.
الثاني : بالقتال معكم، قاله ابن كامل.
الثالث : بالغنائم إذا أصابوها، قاله السدي.
الرابع : أشحة بالنفقة في سبيل الله، قاله قتادة.
﴿ فَإِذَا جَاءَ الْخَوفُ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : إذا جاء الخوف من قتال العدو إذا أقبل، قاله السدي.
الثاني : الخوف من النبي صلى الله عليه وسلم إذا غلب، قاله ابن شجرة.
﴿ رَأيْتُهُمْ يَنْظُرُونَ إِليَكَ ﴾ خوفاً من القتال على القول الأول، ومن النبي صلى الله عليه وسلم على القول الثاني.
﴿ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيهِ مِنَ الْمَوتِ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : تدور أعينهم لذهاب عقولهم حتى لا يصح منهم النظر إلى جهة.
الثاني : تدور أعينهم لشدة خوفهم حذراً أن يأتيهم القتل من كل جهة.
﴿ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أي رفعوا أصواتهم عليكم بألسنة حداد أي شديدة ذربة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم :" لَعَنَ اللَّهُ السَّالِقَةَ وَالخَارِقَةُ١ وَالحَالِقَةَ " يعني بالسالقة التي ترفع صوتها بالنياحة والخارقة التي تخرق ثوبها في المصيبة وبالحالقة التي تحلق شعرها.
الثاني : معناه آذوكم بالكلام الشديد. والسلق الأذى، قاله ابن قتيبة. قال الشاعر :
ولقد سلقن هوازنا *** بنواهلٍ حتى انحنينا
وقال الخليل : سلقته باللسان إذا أسمعته ما يكره. وفي سلقهم بألسنةٍ حداد وجهان :
أحدهما : نزاعاً في الغنيمة، قاله قتادة.
الثاني : جدالاً عن أنفسهم، قاله الحسن.
﴿ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : على قسمة الغنيمة، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : على المال ينفقونه في سبيل الله، قاله السدي.
الثالث : على النبي صلى الله عليه وسلم بظفره.
﴿ أَوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا ﴾ يعني بقلوبهم.
﴿ فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ ﴾ يعني حسناتهم أن يثابوا عليها لأنهم لم يقصدوا وجه الله تعالى بها.
﴿ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : وكان نفاقهم على الله هيناً.
الثاني : وكان إحباط عملهم على الله هيناً.
أحدهما : أن الله وعدهم في سورة البقرة فقال
﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأتِكُم ﴾
[ البقرة : ٢١٤ ] الآية. فلما رأوا أحزاب المشركين يوم الخندق ﴿ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴾ قاله قتادة.
الثاني : ما رواه كثير بن عبد الله بن عمرو المزني عن أبيه عن جده قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم عام ذكرت الأحزاب فقال :" أَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَةُ عَلَيهَا يَعْنِي قُصُورِ الحِيرَةِ وَمَدَائِنِ كِسرَى١ فَأبْشِرُوا بِالنَّصْرِ "، فاستبشر المسلمون وقالوا : الحمد لله موعد صادق إذ وعدنا بالنصر بعد الحصر فطلعت الأحزاب فقال المؤمنون ﴿ هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولَهُ ﴾ الآية.
﴿. . . إِيمَاناً وَتَسْلِيماً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : إلا إيماناً وتسليماً للقضاء، قاله الحسن.
الثاني : إلا إيماناً بما وعد الله وتسليماً لأمر الله.
(قضى نحب الحياة وكلُّ حي | إذا يُدْعى لميتته أجابا) |
(حتى تحنّ إلى ابن أكرمها | حسباً وكن منجز النحب) |
أحدهما : الذين صدقوا لما رأوا الأحزاب ﴿ قالوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴾ الآية.
الثاني : الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه من قبل فتابوا ولم يغيروا.
﴿ وَيُعَذِّبُ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعذبهم إن شاء ويخرجهم من النفاق إن شاء، قاله قتادة.
الثاني : يعذبهم في الدنيا إن شاء أو يميتهم على نفاقهم فيعذبهم في الآخرة إن شاء، قاله السدي.
﴿ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ﴾ قال السدي يخرجهم من النفاق بالتوبة حتى يموتوا وهم تائبون.
﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : غفوراً بالتوبة رحيماً بالهداية إليها.
الثاني : غفوراً لما قبل التوبة رحيماً لما بعدها.
(فأصبحت النسوان عقرى وأصبحت | نساء تميم يبتدرْن الصياصيا.) |
﴿ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُوهَا ﴾ فيها أربعة أقاويل :
أحدها : أنها مكة، قاله قتادة.
الثاني : خيبر، قاله السدي وابن زيد.
الثالث : فارس والروم، قاله الحسن.
الرابع : ما ظهر عليه المسلمون إلى يوم القيامة، قاله عكرمة.
﴿ وَكَانَ اللَّهُ علََى كُلِّ شَيءٍ قَدِيراً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : على ما أراد بعباده من نقمة أو عفو قديرٌ، قاله ابن إسحاق.
الثاني : على ما أراد أن يفتحه من الحصون والقرى قدير، قاله النقاش.
﴿ وَتَعْمَلُ صَالِحاً ﴾ أي فيما بينها وبين ربها.
﴿ نُؤْتِهَا أَجرَهَا مَرَّتِين ﴾ أي ضعفين، كما كان عذابها ضعفين. وفيه قولان :
أحدهما : أنهما جميعاً في الآخرة.
الثاني : أن أحدهما في الدنيا والآخر في الآخرة.
﴿ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : في الدنيا، لكونه واسعاً حلالاً.
الثاني : في الآخرة وهو الجنة.
﴿ كَرِيماً ﴾ لكرامة صاحبه، قاله قتادة.
(ولستُ إذا ما أحدث الدهر نوبة | عليه بزوّار القرائب أخضعا) |
(فهل لك في البدال أبا خبيب | فأرضى بالأكارع والعجُوز) |
أحدهما : بفتح القاف، قرأه نافع وعاصم. وتأويلها اقررن في بيوتكن ؛ من القرار في المكان.
الثاني : بكسر القاف ؛ قرأها الباقون. وتأويلها كن أهل وقار وسكينة.
﴿ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ﴾ وفيه خمسة أوجه :
أحدها : أنه التبختر، قاله ابن أبي نجيح.
الثاني : كانت لهن مشية تكسرٍ وتغنّج، فنهاهن عن ذلك ؛ قاله قتادة، ومنه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" المَائِلاَتُ المُمِيلاَتُ : اللاَّتِي يَسْتَمِلْنَ قُلُوبَ الرِّجَالِ إلَيهِنَّ ".
الثالث : أنه كانت المرأة تمشي بين يدي الرجال، فذلك هو التبرج ؛ قاله مجاهد.
الرابع : هو أن تلقي الخمار على رأسها ولا تشده ليواري قلائدها وعنقها وقرطها، ويبدو ذلك كله منها ؛ فذلك هو التبرج. قاله مقاتل بن حيان.
الخامس : أن تبدي من محاسنها ما أوجب الله تعالى عليها ستره ؛ حكاه النقاش. وأصله من برج العين وهو السعة فيها.
وفي ﴿ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ﴾ أربعة أقاويل :
أحدها : ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام ؛ قاله الشعبي وابن أبي نجيح.
الثاني : زمان إبراهيم ؛ قاله مقاتل والكلبي، وكانت المرأة في ذلك الزمان تلبس درعاً مفرجاً ليس عليها غيره وتمشي في الطريق، وكان زمان نمرود.
الثالث : أنه ما بين آدم ونوح عليهما السلام ثمانمائة سنة، وكان نساؤهم أقبح ما تكون النساء، ورجالهم حسان، وكانت المرأة تريد الرجل على نفسها، فهو تبرج الجاهلية الأولى ؛ قاله الحسن.
الرابع : أنه ما بين نوح وإدريس. روى عكرمة عن ابن عباس أن الجاهلية الأولى كانت ألف سنة. وفيه قولان :
أحدهما : أنه كانت المرأة في زمانها تجمع زوجاً وخلما، والخلم الصاحب، فتجعل لزوجها النصف الأسفل ولخلمها نصفها الأعلى، ولذلك يقول بعض الخلوم :
فهل لك في البدال أبا خبيب | فأرضى بالأكارع والعجُوز١ |
قوله عز وجل :﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ﴾ وفي الرجس ها هنا ستة أقاويل :
أحدها : الإثم ؛ قاله السدي.
الثاني : الشرك، قاله الحسن.
الثالث : الشيطان، قاله ابن زيد.
الرابع : المعاصي.
الخامس : الشك.
السادس : الأقذار.
وفي قوله تعالى ﴿ أَهْلَ الْبَيْتِ ﴾ - ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه عنى علياً وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم ؛ قاله أبو سعيد الخدري وأنس ابن مالك وعائشة وأم سلمة رضي الله عنهم.
الثاني : أنه عنى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ؛ قاله ابن عباس وعكرمة.
الثالث : أنها في الأهل والأزواج ؛ قاله الضحاك.
﴿ وَيُطَهّرَكُمْ تطْهِيراً ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : من الإثم، قاله السدي.
الثاني : من السوء ؛ قاله قتادة.
الثالث : من الذنوب، قاله الكلبي. ومعانيها متقاربة.
وفي تأويل هذه الآية لأصحاب الخواطر ثلاثة أوجه :
أحدها : يذهب عنكم رجس الأهواء والتبرج ويطهركم من دنس الدنيا والميل إليها.
الثاني : يذهب عنكم رجس الغل والحسد، ويطهركم بالتوفيق والهداية.
الثالث : يذهب عنكم رجس البخل والطمع ويطهركم بالسخاء والإيثار. روى أبو ليلى الكندي عن أم سلمة أن هذه الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيتها على منام له، عليه كساء خيبري.
﴿ وَالْحِكْمَةِ ﴾ فيها وجهان :
أحدهما : السنة، قاله قتادة.
الثاني : الحلال والحرام والحدود ؛ قاله مقاتل.
﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً ﴾ قال عطية العوفي : لطيفاً باستخراجها خبيراً بموضعها.
(حتى إذا نزلت عجاجة فتنة | عمياء كان كتابها مفعولاً) |
(فلا تنس تسبيح الضُّحى إن يونسا | دعا ربه فانتاشه حين سبحا.) |
و في التسبيح هنا ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه التسبيح الخاص الذي هو التنزيه.
الثاني : أنه الصلاة.
الثالث : أنه الدعاء، قاله جرير.
فلا تنس تسبيح الضُّحى إن يونسا | دعا ربّه فانتاشه١ حين سبّحا. |
أحدها : أنه ثناؤه، قاله أبو العالية.
الثاني : كرامته، قاله سفيان.
الثالث : رحمته، قاله الحسن.
الرابع : مغفرته، قاله ابن جبير.
وفي صلاة الملائكة قولان :
أحدهما أنه دعاؤهم، قاله أبو العالية.
الثاني : استغفارهم، قاله مقاتل بن حيان.
﴿ لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : من الكفر إلى الإيمان، قاله مقاتل.
الثاني : من الضلالة إلى الهدى، قاله عبد الرحمن بن زيد.
الثالث : من النار إلى الجنة.
(إن الرسول لنورُ يستضاءُ به | مُهَنّدُ من سيوف الله مَسْلول) |
أحدها : إلى شهادة أن لا إله إلا الله، قاله ابن عباس.
الثاني : إلى طاعة الله، قاله ابن عيسى.
الثالث : إلى الإسلام، قاله النقاش.
وفي قوله :﴿ بِإِذْنِهِ ﴾ ثلاثة أوجه :
أحدها : بأمره، قاله ابن عباس.
الثاني : بعلمه قاله الحسن.
الثالث : بالقرآن، قاله يحيى بن سلام.
﴿ وَسِرَاجاً مُّنِيراً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه القرآن سراج منير أي مضيء لأنه يهتدي به، قاله ابن عباس وقتادة.
الثاني : أنه الرسول كالسراج المنير في الهداية، قاله ابن شجرة، ومنه قول كعب بن زهير :
إن الرسول لنورُ يستضاءُ به | مُهَنّدُ من سيوف الله مَسْلول |
أحدهما : ثواباً عظيماً، قاله الكلبي.
الثاني : أنه الجنة، قاله قتادة والكلبي. وسبب نزول هذه الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من الحديبية أنزل الله عليه ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ﴾
[ الفتح : ١ ] الآيات فقال المسلمون هنيئاً لك يا رسول الله بما أعطاك الله فقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فما لنا يا رسول الله ؟ فأنزل الله :﴿ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ الآية.
فقال الله :﴿ وَدَعْ أَذَاهُمْ ﴾ وفيه أوجه :
أحدها : دع ذكر آلهتهم أن لها شفاعة، قاله مقاتل.
الثاني : كف عن أذاهم وقتالهم وهذا قبل أن يؤمر بالقتال، قاله الكلبي.
الثالث : معناه اصبر على أذاهم، قاله قتادة وقطرب.
الرابع : هو قولهم زيد بن محمد وما تكلموا به حين نكح زينب. قاله الضحاك.
أحدها : أنها نزلت في الزناة وكانوا يمشون فيرون المرأة فيغمزونها، قاله الكلبي.
الثاني : نزلت في قوم كانوا يؤذون علياً رضي الله عنه، ويكذبون عليه، قاله مقاتل والنقاش.
الثالث : أنها نزلت فيمن تكلم في عائشة وصفوان بن المعطل بالإفك، قاله الضحاك. وروى قتادة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأها ذات ليلة فأفزعه ذلك حتى انطلق إلى أبيّ فقال يا أبا المنذر إني قرأت كتاب الله فوقعت مني كل موقع ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا ﴾ والله إني لأعاقبهم وأضربهم، فقال : إنك لست منهم، إنما أنت مؤدب، إنما أنت معلم.
أحدهما : أنهم الزناة، قاله عكرمة والسدي.
الثاني : أصحاب الفواحش والقبائح، قاله سلمة بن كهيل.
وفي قوله :﴿ لَّئِن لَمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ ﴾ قولان :
أحدهما : عن إيذاء نساء المسلمين قاله الكلبي.
الثاني : عن إظهار ما في قلوبهم من النفاق، قاله الحسن وقتادة.
﴿ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ ﴾ فيهم ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم الذين يكاثرون النساء ويتعرضون لهن، قاله السدي.
الثاني : أنهم الذين يذكرون من الأخبار ما يضعف به قلوب المؤمنين وتقوى به قلوب المشركين، قاله قتادة.
الثالث : أن الإرجاف التماس الفتنة، قاله ابن عباس. وسميت الأراجيف لاضطراب الأصوات بها وإفاضة الناس فيها.
﴿ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : معناه لنسلطنك عليهم، قاله ابن عباس.
الثاني : لنعلمنك بهم، قاله السدي.
الثالث : لنحملنك على مؤاخذتهم، وهو معنى قول قتادة.
﴿ ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إلاَّ قَلِيلاً ﴾ قيل بالنفي عنها، وقيل الذي استثناه ما بين قوله لهم اخرجوا وبين خروجهم.
أحدها : يعني سنته فيهم أن من أظهر الشرك قتل، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : سنّته فيهم أن من زَنَى حُد، وهو معنى قول السدي.
الثالث : سنته فيهم أن من أظهر النفاق أبعد، قاله قتادة.
﴿ ولَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني تحويلاً وتغييراً، حكاه النقاش.
الثاني : يعني أن من قتل بحق فلا دية له على قاتله، قاله السدي.
أحدها : أنهم الرؤساء.
الثاني : أنهم الأمراء، قاله أبو أسامة.
الثالث : الأشراف، قاله طاوس.
وفي الكبراء هنا قولان :
أحدهما : أنهم العلماء، قاله طاووس.
الثاني : ذوو الأسنان، وهو مأثور.
﴿ فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ ﴾ يعني طريق الإيمان.
وفي قوله الرسولا والسبيلا وجهان :
أحدهما : لأنها مخاطبة يجوز مثل ذلك فيها عند العرب، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : أن الألف للفواصل في رؤوس الآي، قاله ابن عيسى. وقيل إن هذه الآية نزلت في اثني عشر رجلاً من قريش هم المطعمون يوم بدر.
أحدهما : أي عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، قاله قتادة.
الثاني : عذاب الكفر وعذاب الإضلال.
﴿ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً ﴾ بالباء قراءة عاصم يعني عظيماً وقرأ الباقون [ كثيرا ] بالثاء يعني اللعن على اللعن.
أحدهما : يصلحها بالقبول.
الثاني : بالتوفيق.
مكية في قول الجميع إلا آية منها في قول الضحاك والكلبي وهي قوله تعالى: ﴿ويرى الذين أوتوا اوتوا بالعلم﴾ [سبأ: ٦] فإنها مدنية. بسم الله الرحمن الرحيم
أحدهما : أنه يعذبهم بالشرك والنفاق، وهو معنى قول مقاتل.
الثاني : بخيانتهما الأمانة. قال الحسن : هما اللذان ظلماها، واللذان خاناها : المنافق، والمشرك.
﴿ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾ أي يتجاوز عنه بأداء الأمانة والوفاء بالميثاق.
﴿ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ﴾ لمن تاب من شِرْكه، ﴿ رَحِيماً ﴾ بالهداية إلى طاعته، والله أعلم.
سورة الأحزاب
سورةُ (الأحزاب) من السُّوَر المدنيَّة، وقد تعرَّضتْ لذِكْرِ كثيرٍ من الأحداث والأحكام؛ على رأسِ تلك الأحداثِ قصةُ غزوة (الأحزاب)، وما تعلق بها مِن عِبَرٍ وعِظات؛ كحُسْنِ الظن بالله، والاعتماد عليه، مشيرةً إلى غَدْرِ اليهود، وأخلاقهم الشائنة، كما اشتملت السورةُ على ذكرِ آية الحِجاب، وذكرِ آداب الاستئذان، والدخول على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وخُتِمت السورةُ بكثيرٍ من التوجيهات والعِظات للمؤمنين.
ترتيبها المصحفي
33نوعها
مدنيةألفاظها
1303ترتيب نزولها
90العد المدني الأول
73العد المدني الأخير
73العد البصري
73العد الكوفي
73العد الشامي
73* قوله تعالى: {اْدْعُوهُمْ لِأٓبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اْللَّهِۚ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوٓاْ ءَابَآءَهُمْ فَإِخْوَٰنُكُمْ فِي اْلدِّينِ وَمَوَٰلِيكُمْۚ} [الأحزاب: 5]:
عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها: «أنَّ أبا حُذَيفةَ بنَ عُتْبةَ بنِ ربيعةَ بنِ عبدِ شمسٍ - وكان ممَّن شَهِدَ بَدْرًا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم - تَبنَّى سالمًا، وأنكَحَه بنتَ أخيه هندَ بنتَ الوليدِ بنِ عُتْبةَ بنِ ربيعةَ، وهو مولًى لامرأةٍ مِن الأنصارِ؛ كما تَبنَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم زيدًا، وكان مَن تَبنَّى رجُلًا في الجاهليَّةِ، دعَاه الناسُ إليه، ووَرِثَ مِن ميراثِه، حتى أنزَلَ اللهُ: {اْدْعُوهُمْ لِأٓبَآئِهِمْ} إلى قولِه: {وَمَوَٰلِيكُمْۚ} [الأحزاب: 5]؛ فرُدُّوا إلى آبائِهم؛ فمَن لم يُعلَمْ له أبٌ، كان مولًى وأخًا في الدِّينِ، فجاءت سَهْلةُ بنتُ سُهَيلِ بنِ عمرٍو القُرَشيِّ ثم العامريِّ - وهي امرأةُ أبي حُذَيفةَ بنِ عُتْبةَ - النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسولَ اللهِ، إنَّا كنَّا نرى سالمًا ولدًا، وقد أنزَلَ اللهُ فيه ما قد عَلِمْتَ...» فذكَر الحديثَ. أخرجه البخاري (5088).
* قوله تعالى: {مِّنَ اْلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٞ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ اْللَّهَ عَلَيْهِۖ} [الأحزاب: 23]:
عن حُمَيدٍ الطَّويلِ، عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «غابَ عَمِّي أنسُ بنُ النَّضْرِ عن قتالِ بَدْرٍ، فقال: يا رسولَ اللهِ، غِبْتُ عن أوَّلِ قتالٍ قاتَلْتَ المشرِكين، لَئِنِ اللهُ أشهَدَني قتالَ المشرِكين لَيَرَيَنَّ اللهُ ما أصنَعُ، فلمَّا كان يومُ أُحُدٍ، وانكشَفَ المسلمون، قال: اللهمَّ إنِّي أعتذِرُ إليك ممَّا صنَعَ هؤلاء - يعني أصحابَه -، وأبرَأُ إليك ممَّا صنَعَ هؤلاء - يعني المشرِكين -، ثم تقدَّمَ، فاستقبَلَه سعدُ بنُ مُعاذٍ، فقال: يا سعدُ بنَ مُعاذٍ، الجَنَّةَ ورَبِّ النَّضْرِ! إنِّي أجدُ رِيحَها مِن دُونِ أُحُدٍ، قال سعدٌ: فما استطَعْتُ يا رسولَ اللهِ ما صنَعَ». قال أنسٌ: «فوجَدْنا به بِضْعًا وثمانينَ ضَرْبةً بالسَّيفِ، أو طَعْنةً برُمْحٍ، أو رَمْيةً بسَهْمٍ، ووجَدْناه قد قُتِلَ، وقد مثَّلَ به المشرِكون، فما عرَفَه أحدٌ إلا أختُه ببنانِه». قال أنسٌ: كنَّا نُرى أو نظُنُّ أنَّ هذه الآيةَ نزَلتْ فيه وفي أشباهِه: {مِّنَ اْلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٞ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ اْللَّهَ عَلَيْهِۖ} [الأحزاب: 23] إلى آخرِ الآيةِ». وقال: «إنَّ أختَه - وهي تُسمَّى الرُّبَيِّعَ - كسَرتْ ثَنِيَّةَ امرأةٍ، فأمَرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالقِصاصِ، فقال أنسٌ: يا رسولَ اللهِ، والذي بعَثَك بالحقِّ، لا تُكسَرُ ثَنِيَّتُها، فرَضُوا بالأَرْشِ، وترَكوا القِصاصَ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مِن عبادِ اللهِ مَن لو أقسَمَ على اللهِ لَأبَرَّه»». أخرجه البخاري (٢٨٠٥).
* قوله تعالى: {وَكَفَى اْللَّهُ اْلْمُؤْمِنِينَ اْلْقِتَالَۚ} [الأحزاب: 25]:
عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه، قال: «شغَلَنا المشرِكون يومَ الخَنْدقِ عن صلاةِ الظُّهْرِ حتى غرَبتِ الشَّمْسُ، وذلك قبل أن يَنزِلَ في القتالِ ما نزَلَ؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {وَكَفَى اْللَّهُ اْلْمُؤْمِنِينَ اْلْقِتَالَۚ} [الأحزاب: 25]، فأمَرَ بِلالًا فأذَّنَ وأقامَ فصلَّى الظُّهْرَ، ثمَّ أمَرَه فأقامَ فصلَّى العصرَ، ثمَّ أمَرَه فأقامَ فصلَّى المغربَ، ثمَّ أمَرَه فأقامَ فصلَّى العِشاءَ». أخرجه النسائي (٦٦١).
* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلنَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَٰجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اْلْحَيَوٰةَ اْلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحٗا جَمِيلٗا ٢٨ وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اْللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَاْلدَّارَ اْلْأٓخِرَةَ فَإِنَّ اْللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَٰتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمٗا} [الأحزاب: 28-29]:
عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لم أزَلْ حريصًا على أن أسألَ عُمَرَ رضي الله عنه عن المرأتَينِ مِن أزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّتَينِ قال اللهُ لهما: {إِن تَتُوبَآ إِلَى اْللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَاۖ} [التحريم: 4]، فحجَجْتُ معه، فعدَلَ وعدَلْتُ معه بالإداوةِ، فتبرَّزَ حتى جاءَ، فسكَبْتُ على يدَيهِ مِن الإداوةِ فتوضَّأَ، فقلتُ: يا أميرَ المؤمنين، مَن المرأتانِ مِن أزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّتانِ قال اللهُ عز وجل لهما: {إِن تَتُوبَآ إِلَى اْللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَاۖ} [التحريم: 4]؟ فقال: واعجبي لك يا بنَ عبَّاسٍ! عائشةُ وحَفْصةُ، ثمَّ استقبَلَ عُمَرُ الحديثَ يسُوقُه، فقال:
إنِّي كنتُ وجارٌ لي مِن الأنصارِ في بني أُمَيَّةَ بنِ زيدٍ، وهي مِن عوالي المدينةِ، وكنَّا نتناوَبُ النُّزولَ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فيَنزِلُ يومًا وأنزِلُ يومًا، فإذا نزَلْتُ جِئْتُه مِن خَبَرِ ذلك اليومِ مِن الأمرِ وغيرِه، وإذا نزَلَ فعَلَ مِثْلَه، وكنَّا مَعشَرَ قُرَيشٍ نَغلِبُ النِّساءَ، فلمَّا قَدِمْنا على الأنصارِ إذا هم قومٌ تَغلِبُهم نساؤُهم، فطَفِقَ نساؤُنا يأخُذْنَ مِن أدبِ نساءِ الأنصارِ، فصِحْتُ على امرأتي، فراجَعتْني، فأنكَرْتُ أن تُراجِعَني، فقالت: ولِمَ تُنكِرُ أن أُراجِعَك؟! فواللهِ، إنَّ أزواجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لَيُراجِعْنُه، وإنَّ إحداهنَّ لَتهجُرُه اليومَ حتى اللَّيلِ، فأفزَعَني، فقلتُ: خابَتْ مَن فعَلَ منهنَّ بعظيمٍ، ثم جمَعْتُ عليَّ ثيابي، فدخَلْتُ على حَفْصةَ، فقلتُ: أيْ حَفْصةُ، أتُغاضِبُ إحداكنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اليومَ حتى اللَّيلِ؟ فقالت: نَعم، فقلت: خابَتْ وخَسِرتْ! أفتأمَنُ أن يَغضَبَ اللهُ لغضَبِ رسولِه صلى الله عليه وسلم فتَهلِكِينَ؟! لا تَستكثري على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ولا تُراجِعيه في شيءٍ، ولا تهجُريه، واسأليني ما بدا لكِ، ولا يغُرَّنَّكِ أن كانت جارتُك هي أوضأَ منك، وأحَبَّ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم - يريدُ عائشةَ -.
وكنَّا تحدَّثْنا أنَّ غسَّانَ تُنعِلُ النِّعالَ لغَزْوِنا، فنزَلَ صاحبي يومَ نَوْبتِه، فرجَعَ عِشاءً، فضرَبَ بابي ضربًا شديدًا، وقال: أنائمٌ هو؟! ففَزِعْتُ، فخرَجْتُ إليه، وقال: حدَثَ أمرٌ عظيمٌ، قلتُ: ما هو؟ أجاءت غسَّانُ؟ قال: لا، بل أعظَمُ منه وأطوَلُ، طلَّقَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نساءَه، قال: قد خابَتْ حَفْصةُ وخَسِرتْ، كنتُ أظُنُّ أنَّ هذا يُوشِكُ أن يكونَ، فجمَعْتُ عليَّ ثيابي، فصلَّيْتُ صلاةَ الفجرِ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فدخَلَ مَشرُبةً له، فاعتزَلَ فيها، فدخَلْتُ على حَفْصةَ فإذا هي تَبكِي، قلتُ: ما يُبكِيكِ؟ أوَلَمْ أكُنْ حذَّرْتُكِ؟! أطلَّقَكنَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟! قالت: لا أدري! هو ذا في المَشرُبةِ، فخرَجْتُ، فجِئْتُ المِنبَرَ، فإذا حَوْلَه رَهْطٌ يَبكِي بعضُهم، فجلَسْتُ معهم قليلًا، ثم غلَبَني ما أجدُ، فجِئْتُ المَشرُبةَ التي هو فيها، فقلتُ لغلامٍ له أسوَدَ: استأذِنْ لِعُمَرَ، فدخَلَ، فكلَّمَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ثم خرَجَ، فقال: ذكَرْتُك له فصمَتَ، فانصرَفْتُ حتى جلَسْتُ مع الرَّهْطِ الذين عند المِنبَرِ، ثمَّ غلَبَني ما أجدُ، فجِئْتُ، فذكَرَ مِثْلَه، فجلَسْتُ مع الرَّهْطِ الذين عند المِنبَرِ، ثمَّ غلَبَني ما أجدُ، فجِئْتُ الغلامَ، فقلتُ: استأذِنْ لِعُمَرَ، فذكَرَ مِثْلَه، فلمَّا ولَّيْتُ منصرِفًا، فإذا الغلامُ يَدْعوني، قال: أَذِنَ لك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فدخَلْتُ عليه، فإذا هو مضطجِعٌ على رمالِ حصيرٍ ليس بَيْنه وبَيْنه فِراشٌ قد أثَّرَ الرِّمالُ بجَنْبِه، متَّكِئٌ على وسادةٍ مِن أَدَمٍ حَشْوُها لِيفٌ، فسلَّمْتُ عليه، ثم قلتُ وأنا قائمٌ: طلَّقْتَ نساءَك؟ فرفَعَ بصَرَه إليَّ، فقال: «لا»، ثم قلتُ وأنا قائمٌ أستأنِسُ: يا رسولَ اللهِ، لو رأَيْتَني وكنَّا مَعشَرَ قُرَيشٍ نَغلِبُ النِّساءَ، فلمَّا قَدِمْنا على قومٍ تَغلِبُهم نساؤُهم، فذكَرَه، فتبسَّمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ثم قلتُ: لو رأَيْتَني، ودخَلْتُ على حَفْصةَ، فقلتُ: لا يغُرَّنَّكِ أنْ كانت جارتُكِ هي أوضأَ منكِ وأحَبَّ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم - يريدُ عائشةَ -، فتبسَّمَ أخرى، فجلَسْتُ حينَ رأَيْتُه تبسَّمَ، ثم رفَعْتُ بصَري في بيتِه، فواللهِ ما رأَيْتُ فيه شيئًا يرُدُّ البصَرَ غيرَ أَهَبَةٍ ثلاثةٍ، فقلتُ: ادعُ اللهَ فَلْيُوسِّعْ على أُمَّتِك؛ فإنَّ فارسَ والرُّومَ وُسِّعَ عليهم، وأُعطُوا الدُّنيا وهم لا يعبُدون اللهَ، وكان متَّكِئًا، فقال: «أوَفِي شكٍّ أنتَ يا بنَ الخطَّابِ؟! أولئك قومٌ عُجِّلتْ لهم طيِّباتُهم في الحياةِ الدنيا»، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، استغفِرْ لي، فاعتزَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مِن أجلِ ذلك الحديثِ حينَ أفشَتْهُ حَفْصةُ إلى عائشةَ، وكان قد قال: «ما أنا بداخلٍ عليهنَّ شهرًا»؛ مِن شِدَّةِ مَوْجِدتِه عليهنَّ حينَ عاتَبَه اللهُ، فلمَّا مضَتْ تِسْعٌ وعشرون، دخَلَ على عائشةَ، فبدَأَ بها، فقالت له عائشةُ: إنَّك أقسَمْتَ ألَّا تدخُلَ علينا شهرًا، وإنَّا أصبَحْنا لِتِسْعٍ وعِشْرينَ ليلةً أعُدُّها عدًّا؟! فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وعِشْرون»، وكان ذلك الشَّهْرُ تِسْعًا وعِشْرينَ، قالت عائشةُ: فأُنزِلتْ آيةُ التَّخييرِ، فبدَأَ بي أوَّلَ امرأةٍ، فقال: «إنِّي ذاكرٌ لكِ أمرًا، ولا عليكِ ألَّا تَعجَلي حتى تَستأمري أبوَيكِ»، قالت: قد أعلَمُ أنَّ أبوَيَّ لم يكُونا يأمُرانِي بفِراقك، ثم قال: «إنَّ اللهَ قال: {يَٰٓأَيُّهَا اْلنَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَٰجِكَ} [الأحزاب: 28] إلى قولِه: {عَظِيمٗا} [الأحزاب: 29]»، قلتُ: أفي هذا أستأمِرُ أبوَيَّ؟! فإنِّي أريدُ اللهَ ورسولَه والدارَ الآخرةَ، ثم خيَّرَ نساءَه، فقُلْنَ مِثْلَ ما قالت عائشةُ». أخرجه البخاري (٢٤٦٨).
* قوله تعالى: {إِنَّ اْلْمُسْلِمِينَ وَاْلْمُسْلِمَٰتِ وَاْلْمُؤْمِنِينَ وَاْلْمُؤْمِنَٰتِ وَاْلْقَٰنِتِينَ وَاْلْقَٰنِتَٰتِ وَاْلصَّٰدِقِينَ وَاْلصَّٰدِقَٰتِ وَاْلصَّٰبِرِينَ وَاْلصَّٰبِرَٰتِ وَاْلْخَٰشِعِينَ وَاْلْخَٰشِعَٰتِ وَاْلْمُتَصَدِّقِينَ وَاْلْمُتَصَدِّقَٰتِ وَاْلصَّٰٓئِمِينَ وَاْلصَّٰٓئِمَٰتِ وَاْلْحَٰفِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَاْلْحَٰفِظَٰتِ وَاْلذَّٰكِرِينَ اْللَّهَ كَثِيرٗا وَاْلذَّٰكِرَٰتِ أَعَدَّ اْللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةٗ وَأَجْرًا عَظِيمٗا} [الأحزاب: 35]:
عن أُمِّ عطيَّةَ نُسَيبةَ بنتِ كعبٍ رضي الله عنها: أنَّها أتت النبيَّ ﷺ، فقالت: «ما أرى كلَّ شيءٍ إلا للرِّجالِ، وما أرى النِّساءَ يُذكَرْنَ بشيءٍ»؛ فنزَلتْ هذه الآيةُ: {إِنَّ اْلْمُسْلِمِينَ وَاْلْمُسْلِمَٰتِ وَاْلْمُؤْمِنِينَ وَاْلْمُؤْمِنَٰتِ} [الأحزاب: 35] الآيةَ. أخرجه الترمذي (٣٢١١).
* قوله تعالى: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اْللَّهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب: 37]:
عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «جاء زيدُ بنُ حارثةَ يشكو زَيْنَبَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أمسِكْ عليك أهلَك»؛ فنزَلتْ: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اْللَّهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب: 37]». أخرجه ابن حبان (٧٠٤٥).
* قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٞ مِّنْهَا وَطَرٗا زَوَّجْنَٰكَهَا} [الأحزاب: 37]:
عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا نزَلتْ هذه الآيةُ في زَيْنَبَ بنتِ جحشٍ {فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٞ مِّنْهَا وَطَرٗا زَوَّجْنَٰكَهَا} [الأحزاب: 37]، قال: فكانت تَفخَرُ على أزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ تقولُ: زوَّجَكنَّ أهلُكنَّ، وزوَّجَني اللهُ مِن فوقِ سَبْعِ سمواتٍ». أخرجه الترمذي (3213).
* قوله تعالى: {تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُـْٔوِيٓ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُۖ وَمَنِ اْبْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَۚ} [الأحزاب: 51]:
عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «كنتُ أغارُ على اللاتي وهَبْنَ أنفُسَهنَّ لرسولِ اللهِ ﷺ، وأقولُ: تَهَبُ المرأةُ نفسَها؟ فلمَّا أنزَلَ اللهُ: {تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُـْٔوِيٓ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُۖ وَمَنِ اْبْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَۚ} [الأحزاب: 51]، قالت: قلتُ: واللهِ، ما أرى رَبَّك إلا يُسارِعُ في هواك». أخرجه البخاري (٤٧٨٨).
* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدْخُلُواْ بُيُوتَ اْلنَّبِيِّ إِلَّآ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَٰظِرِينَ إِنَىٰهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَاْدْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَاْنتَشِرُواْ وَلَا مُسْتَـْٔنِسِينَ لِحَدِيثٍۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي اْلنَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِۦ مِنكُمْۖ وَاْللَّهُ لَا يَسْتَحْيِۦ مِنَ اْلْحَقِّۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَٰعٗا فَسْـَٔلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٖۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُواْ رَسُولَ اْللَّهِ وَلَآ أَن تَنكِحُوٓاْ أَزْوَٰجَهُۥ مِنۢ بَعْدِهِۦٓ أَبَدًاۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اْللَّهِ عَظِيمًا} [الأحزاب: 53]:
عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا تزوَّجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَيْنَبَ بنتَ جَحْشٍ، دعَا القومَ، فطَعِموا ثمَّ جلَسوا يَتحدَّثون، وإذا هو كأنَّه يَتهيَّأُ للقيامِ، فلَمْ يقُوموا، فلمَّا رأى ذلك قامَ، فلمَّا قامَ قامَ مَن قامَ، وقعَدَ ثلاثةُ نفَرٍ، فجاءَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لِيدخُلَ فإذا القومُ جلوسٌ، ثمَّ إنَّهم قاموا، فانطلَقْتُ فجِئْتُ فأخبَرْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنَّهم قد انطلَقوا، فجاءَ حتى دخَلَ، فذهَبْتُ أدخُلُ، فألقى الحِجابَ بَيْني وبَيْنه؛ فأنزَلَ اللهُ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدْخُلُواْ بُيُوتَ اْلنَّبِيِّ} [الأحزاب: 53] الآيةَ». أخرجه البخاري (٤٧٩١).
* سورةُ (الأحزاب):
سُمِّيت سورةُ (الأحزاب) بذلك؛ لأنَّ فيها ذِكْرَ أحزابِ المشركين مِن قُرَيشٍ وغطَفانَ وبعضِ العرب، الذين تَحزَّبوا واجتمعوا لغَزْوِ المسلمين بالمدينة، فردَّ اللهُ كيدهم في غزوة (الأحزاب) المعروفة.
اشتمَلتْ سورةُ (الأحزاب) على الموضوعات الآتية:
1. أمرُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بتقوى الله، والتوكل عليه (١-٣).
2. تصحيح مفاهيمَ اجتماعية خاطئة (٤-٥).
3. وَلاية النبيِّ صلى الله عليه وسلم العامة، وأخذُ اللهِ الميثاقَ من النبيِّين عليهم السلام (٦-٨).
4. قصة غزوة (الأحزاب) (٩-٢٠).
5. الرسول صلى الله عليه وسلم هو الأُسوة الحسنة، وأصحابه نجومٌ يُهتدى بها (٢١-٢٤).
6. نتيجة المعركة، وغدر اليهود (٢٥-٢٧).
7. النبي مُحمَّد صلى الله عليه وسلم (٢٨-٥٩) .
8. مع زوجاته رضوان الله عليهم (٢٨-٣٤) .
9. المساواة بين الرجال والنساء في التكليف والجزاء (٣٥).
10. قصته صلى الله عليه وسلم مع زينبَ رضي الله عنها (٣٦-٣٩).
11. خاتمُ النبيِّين وبعض صفاته (٤٠-٤٨) .
12. خصائصه في أحكام الزواج (٤٩-٥٢).
13. آداب دخول بيته، والأمر بالحِجاب (٥٣-٥٥).
14. مكانتُه، وحرمة إيذائه (٥٦- ٥٨).
15. حِجاب زوجاته والمرأة المسلمة (٥٩).
16. جزاء المنافقين والكفار (٦٠-٦٨).
17. توجيهاتٌ وعِظات للمؤمنين (٦٩-٧١).
18. عظمة تكليف الإنسان، وحملُه الأمانة (٧٢-٧٣).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (6 /68).
حثَّتْ سورةُ (الأحزاب) على حُسْنِ الظنِّ بالله، والتوكُّلِ عليه؛ فالله هو صاحبُ الحِكْمة والقوَّة والقُدْرة، وهو المتصرِّفُ في الكون، يَعلَم ما يصلحُ للخلائق، ويُدبِّر لهم أحسَنَ تدبير؛ فيُعلِي شأنَ من يشاء، ويَخفِض شأنَ من يشاء.
وتسميتُها بـ(الأحزاب) أوضحُ دليلٍ على ذلك؛ بتأمُّل القصة التي أشارت إليها، ودلَّتْ عليها.
ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /370).