تفسير سورة ق

تفسير الجلالين

تفسير سورة سورة ق من كتاب تفسير الجلالين المعروف بـتفسير الجلالين.
لمؤلفه المَحَلِّي . المتوفي سنة 864 هـ

﴿ق﴾ اللَّه أَعْلَم بِمُرَادِهِ بِهِ ﴿وَالْقُرْآن الْمَجِيد﴾ الْكَرِيم مَا آمَنَ كُفَّار مَكَّة بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
﴿بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِر مِنْهُمْ﴾ رَسُول مِنْ أَنْفُسهمْ يُخَوِّفهُمْ بِالنَّارِ بَعْد الْبَعْث ﴿فَقَالَ الكافرون هذا﴾ الإنذار ﴿شيء عجيب﴾
﴿أئذا﴾ بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ وَتَسْهِيل الثَّانِيَة وَإِدْخَال أَلِف بَيْنهمَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ ﴿مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا﴾ نَرْجِع ﴿ذَلِكَ رَجْع بَعِيد﴾ فِي غَايَة الْبُعْد
﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُص الْأَرْض﴾ تَأْكُل ﴿مِنْهُمْ وَعِنْدنَا كِتَاب حَفِيظ﴾ هُوَ اللَّوْح الْمَحْفُوظ فِيهِ جَمِيع الْأَشْيَاء الْمُقَدَّرَة
﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ﴾ بِالْقُرْآنِ ﴿لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ﴾ فِي شَأْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآن ﴿فِي أَمْر مَرِيج﴾ مُضْطَرِب قَالُوا مَرَّة سَاحِر وَسِحْر وَمَرَّة شَاعِر وَشِعْر وَمَرَّة كَاهِن وكهانة
﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا﴾ بِعُيُونِهِمْ مُعْتَبِرِينَ بِعُقُولِهِمْ حِين أَنْكَرُوا الْبَعْث ﴿إلَى السَّمَاء﴾ كَائِنَة ﴿فَوْقهمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا﴾ بِلَا عَمَد ﴿وَزَيَّنَّاهَا﴾ بِالْكَوَاكِبِ ﴿وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوج﴾ شُقُوق تَعِيبهَا
﴿وَالْأَرْض﴾ مَعْطُوف عَلَى مَوْضِع إلَى السَّمَاء كَيْفَ ﴿مَدَدْنَاهَا﴾ دَحَوْنَاهَا عَلَى وَجْه الْمَاء ﴿وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ﴾ جِبَالًا تُثَبِّتهَا ﴿وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلّ زَوْج﴾ صِنْف ﴿بَهِيج﴾ يُبْهِج بِهِ لِحُسْنِهِ
﴿تَبْصِرَة﴾ مَفْعُول لَهُ أَيْ فَعَلْنَا ذَلِكَ تَبْصِيرًا منا ﴿وذكرى﴾ تذكيرا ﴿لكل عبد منيب﴾ راجع إلى طاعتنا
﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُبَارَكًا﴾ كَثِير الْبَرَكَة ﴿فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّات﴾ بَسَاتِين ﴿وَحَبّ﴾ الزَّرْع ﴿الْحَصِيد﴾ المحصود
١ -
﴿وَالنَّخْل بَاسِقَات﴾ طِوَالًا حَال مُقَدَّرَة ﴿لَهَا طَلْع نَضِيد﴾ مُتَرَاكِب بَعْضه فَوْق بَعْض
١ -
﴿رزقا للعباد﴾ مفعول له ﴿وأحيينا به بلدة مَيْتًا﴾ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّر وَالْمُؤَنَّث ﴿كَذَلِكَ﴾ أَيْ مِثْل هَذَا الْإِحْيَاء ﴿الْخُرُوج﴾ مِنْ الْقُبُور فَكَيْفَ تُنْكِرُونَهُ وَالِاسْتِفْهَام لِلتَّقْرِيرِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ نَظَرُوا وَعَلِمُوا ما ذكر
١ -
﴿كَذَّبَتْ قَبْلهمْ قَوْم نُوح﴾ تَأْنِيث الْفِعْل بِمَعْنَى قَوْم ﴿وَأَصْحَاب الرَّسّ﴾ هِيَ بِئْر كَانُوا مُقِيمِينَ عَلَيْهَا بِمَوَاشِيهِمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَام وَنَبِيّهمْ قِيلَ حَنْظَلَة بْن صَفْوَان وَقِيلَ غَيْره ﴿وَثَمُود﴾ قَوْم صَالِح
١ -
﴿وعاد﴾ قوم هود ﴿وفرعون وإخوان لوط﴾
١ -
﴿وَأَصْحَاب الْأَيْكَة﴾ الْغَيْضَة قَوْم شُعَيْب ﴿وَقَوْم تُبَّع﴾ هُوَ مَلِك كَانَ بِالْيَمَنِ أَسْلَمَ وَدَعَا قَوْمه إلَى الْإِسْلَام فَكَذَّبُوهُ ﴿كُلّ﴾ مِنْ الْمَذْكُورِينَ ﴿كَذَّبَ الرُّسُل﴾ كَقُرَيْشٍ ﴿فَحَقَّ وَعِيد﴾ وَجَبَ نُزُول الْعَذَاب عَلَى الْجَمِيع فَلَا يَضِيق صَدْرك مِنْ كُفْر قريش بك
١ -
﴿أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّل﴾ أَيْ لَمْ نَعْي بِهِ فَلَا نَعْيَا بِالْإِعَادَةِ ﴿بَلْ هُمْ فِي لَبْس﴾ شَكّ ﴿مِنْ خَلْق جَدِيد﴾ وَهُوَ الْبَعْث
689
١ -
690
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان وَنَعْلَم﴾ حَال بِتَقْدِيرِ نَحْنُ ﴿مَا﴾ مَصْدَرِيَّة ﴿تُوَسْوِس﴾ تُحَدِّث ﴿بِهِ﴾ الْبَاء زَائِدَة أو للتعدية والضمير للإنسان ﴿نفسه وَنَحْنُ أَقْرَب إلَيْهِ﴾ بِالْعِلْمِ ﴿مِنْ حَبْل الْوَرِيد﴾ الْإِضَافَة لِلْبَيَانِ وَالْوَرِيدَانِ عِرْقَانِ بِصَفْحَتَيْ الْعُنُق
١ -
﴿إذْ﴾ مَنْصُوبَة باُذْكُرْ مُقَدَّرًا ﴿يَتَلَقَّى﴾ يَأْخُذ وَيَثْبُت ﴿الْمُتَلَقِّيَانِ﴾ الْمَلَكَانِ الْمُوَكَّلَانِ بِالْإِنْسَانِ مَا يَعْمَلهُ ﴿عَنِ الْيَمِين وَعَنِ الشِّمَال﴾ مِنْهُ ﴿قَعِيد﴾ أَيْ قَاعِدَانِ وَهُوَ مُبْتَدَأ خَبَره مَا قَبْله
١ -
﴿ما يلفظ من قوله إلَّا لَدَيْهِ رَقِيب﴾ حَافِظ ﴿عَتِيد﴾ حَاضِر وَكُلّ مِنْهُمَا بِمَعْنَى الْمُثَنَّى
١ -
﴿وَجَاءَتْ سَكْرَة الْمَوْت﴾ غَمْرَته وَشِدَّته ﴿بِالْحَقِّ﴾ مِنْ أَمْر الْآخِرَة حَتَّى الْمُنْكِر لَهَا عِيَانًا وَهُوَ نَفْس الشِّدَّة ﴿ذَلِكَ﴾ أَيْ الْمَوْت ﴿مَا كُنْت مِنْهُ تَحِيد﴾ تَهْرَب وَتَفْزَع
٢ -
﴿وَنُفِخَ فِي الصُّور﴾ لِلْبَعْثِ ﴿ذَلِكَ﴾ أَيْ يَوْم النَّفْخ ﴿يَوْم الْوَعِيد﴾ لِلْكُفَّارِ بِالْعَذَابِ
٢ -
﴿وَجَاءَتْ﴾ فِيهِ ﴿كُلّ نَفْس﴾ إلَى الْمَحْشَر ﴿مَعَهَا سَائِق﴾ مَلَك يَسُوقهَا إلَيْهِ ﴿وَشَهِيد﴾ يَشْهَد عَلَيْهَا بِعَمَلِهَا وَهُوَ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُل وَغَيْرهَا وَيُقَال لِلْكَافِرِ
٢ -
﴿لَقَدْ كُنْت﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿فِي غَفْلَة مِنْ هَذَا﴾ النَّازِل بِك الْيَوْم ﴿فَكَشَفْنَا عَنْك غِطَاءَك﴾ أَزَلْنَا غَفْلَتك بِمَا تُشَاهِدهُ الْيَوْم ﴿فَبَصَرك الْيَوْم حَدِيد﴾ حَادَ تُدْرِك بِهِ مَا أَنْكَرْته فِي الدنيا
٢ -
﴿وَقَالَ قَرِينه﴾ الْمَلَك الْمُوَكَّل بِهِ ﴿هَذَا مَا﴾ أَيْ الَّذِي ﴿لَدَيَّ عَتِيد﴾ حَاضِر فيقال لمالك
٢ -
﴿أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم﴾ أَيْ أَلْقِ أَلْقِ أَوْ أَلْقِيَن وَبِهِ قَرَأَ الْحَسَن فَأُبْدِلَتْ النُّون أَلِفًا ﴿كُلّ كَفَّار عَنِيد﴾ مُعَانِد لِلْحَقِّ
٢ -
﴿مَنَّاع لِلْخَيْرِ﴾ كَالزَّكَاةِ ﴿مُعْتَدٍ﴾ ظَالِم ﴿مُرِيب﴾ شَاكّ في دينه
٢ -
﴿الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّه إلَهًا آخَر﴾ مُبْتَدَأ ضُمِّنَ مَعْنَى الشَّرْط خَبَره ﴿فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَاب الشَّدِيد﴾ تَفْسِيره مِثْل مَا تَقَدَّمَ
٢ -
﴿قَالَ قَرِينه﴾ الشَّيْطَان ﴿رَبّنَا مَا أَطْغَيْته﴾ أَضْلَلْته ﴿وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَال بَعِيد﴾ فَدَعَوْته فَاسْتَجَابَ لِي وَقَالَ هُوَ أَطْغَانِي بِدُعَائِهِ لَهُ
٢ -
﴿قَالَ﴾ تَعَالَى ﴿لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ﴾ أَيْ مَا يَنْفَع الْخِصَام هُنَا ﴿وَقَدْ قَدَّمْت إلَيْكُمْ﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿بِالْوَعِيدِ﴾ بِالْعَذَابِ فِي الْآخِرَة لَوْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَا بُدّ مِنْهُ
690
٢ -
691
﴿مَا يُبَدَّل﴾ يُغَيَّر ﴿الْقَوْل لَدَيَّ﴾ فِي ذَلِكَ ﴿وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ فَأُعَذِّبهُمْ بِغَيْرِ جُرْم وَظَلَّام بِمَعْنَى ذِي ظُلْم لِقَوْلِهِ ﴿لَا ظُلْم اليوم﴾
٣ -
﴿يَوْم﴾ نَاصِبه ظَلَّام ﴿نَقُول﴾ بِالنُّونِ وَالْيَاء ﴿لِجَهَنَّم هَلْ امْتَلَأْت﴾ اسْتِفْهَام تَحْقِيق لِوَعْدِهِ بِمَلْئِهَا ﴿وَتَقُول﴾ بِصُورَةِ الِاسْتِفْهَام كَالسُّؤَالِ ﴿هَلْ مِنْ مَزِيد﴾ أَيْ لَا أَسَع غَيْر مَا امْتَلَأْت بِهِ أَيْ قد امتلأت
٣ -
﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّة﴾ قَرُبَتْ ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ مَكَانًا ﴿غَيْر بَعِيد﴾ مِنْهُمْ فَيَرَوْنَهَا وَيُقَال لَهُمْ
٣ -
﴿هَذَا﴾ الْمَرْئِيّ ﴿مَا تُوعَدُونَ﴾ بِالتَّاءِ وَالْيَاء فِي الدُّنْيَا وَيُبْدَل مِنْ لِلْمُتَّقِينَ قَوْله ﴿لِكُلِّ أَوَّاب﴾ رَجَّاع إلَى طَاعَة اللَّه ﴿حَفِيظ﴾ حَافِظ لِحُدُودِهِ
٣ -
﴿مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ﴾ خَافَهُ وَلَمْ يَرَهُ ﴿وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيب﴾ مُقْبِل عَلَى طَاعَته وَيُقَال للمتقين أيضا
٣ -
﴿اُدْخُلُوهَا بِسَلَامٍ﴾ سَالِمِينَ مِنْ كُلّ مَخُوف أَوْ مَعَ سَلَام أَيْ سَلِّمُوا وَادْخُلُوا ﴿ذَلِكَ﴾ الْيَوْم الَّذِي حَصَلَ فِيهِ الدُّخُول ﴿يَوْم الْخُلُود﴾ الدَّوَام في الجنة
٣ -
﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيد﴾ زِيَادَة على ما عملوا وطلبوا
٣ -
﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلهمْ مِنْ قَرْن﴾ أَيْ أَهْلَكْنَا قَبْل كُفَّار قُرَيْش قُرُونًا كَثِيرَة مِنْ الْكُفَّار ﴿هم أشد منهم بَطْشًا﴾ قُوَّة ﴿فَنَقَّبُوا﴾ فَتَّشُوا ﴿فِي الْبِلَاد هَلْ مِنْ مَحِيص﴾ لَهُمْ أَوْ لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْمَوْت فلم يجدوا
٣ -
﴿إنَّ فِي ذَلِكَ﴾ الْمَذْكُور ﴿لَذِكْرَى﴾ لَعِظَة ﴿لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْب﴾ عَقْل ﴿أَوْ أَلْقَى السَّمْع﴾ اسْتَمَعَ الْوَعْظ ﴿وَهُوَ شَهِيد﴾ حَاضِر بِالْقَلْبِ
٣ -
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا فِي سِتَّة أَيَّام﴾ أَوَّلهَا الْأَحَد وَآخِرهَا الْجُمُعَة ﴿وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوب﴾ تَعَب نَزَلَ رَدًّا عَلَى الْيَهُود فِي قَوْلهمْ إنَّ اللَّه اسْتَرَاحَ يَوْم السَّبْت وَانْتِفَاء التَّعَب عَنْهُ لِتَنَزُّهِهِ تَعَالَى عَنْ صِفَات الْمَخْلُوقِينَ وَلِعَدَمِ الْمُمَاسَّة بَيْنه وَبَيْن غَيْره ﴿إنَّمَا أَمْره إذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون﴾
٣ -
﴿فَاصْبِرْ﴾ خِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿عَلَى مَا يَقُولُونَ﴾ أَيْ الْيَهُود وَغَيْرهمْ مِنْ التَّشْبِيه وَالتَّكْذِيب ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبّك﴾ صَلِّ حَامِدًا ﴿قَبْل طُلُوع الشَّمْس﴾ أَيْ صَلَاة الصُّبْح ﴿وَقَبْل الْغُرُوب﴾ أَيْ صَلَاة الظُّهْر وَالْعَصْر
691
٤ -
692
﴿وَمِنَ اللَّيْل فَسَبِّحْهُ﴾ أَيْ صَلِّ الْعِشَاءَيْنِ ﴿وَأَدْبَار السُّجُود﴾ بِفَتْحِ الْهَمْزَة جَمْع دَبْر وَكَسْرهَا مَصْدَر أَدْبَرَ أَيْ صَلِّ النَّوَافِل الْمَسْنُونَة عَقِب الْفَرَائِض وَقِيلَ الْمُرَاد حَقِيقَة التَّسْبِيح فِي هَذِهِ الْأَوْقَات ملابسا للحمد
٤ -
﴿وَاسْتَمِعْ﴾ يَا مُخَاطَب مَقُولِي ﴿يَوْم يُنَادِ الْمُنَادِ﴾ هُوَ إسْرَافِيل ﴿مِنْ مَكَان قَرِيب﴾ مِنْ السَّمَاء وَهُوَ صَخْرَة بَيْت الْمَقْدِس أَقْرَب مَوْضِع مِنْ الْأَرْض إلَى السَّمَاء يَقُول أَيَّتهَا الْعِظَام الْبَالِيَة وَالْأَوْصَال الْمُتَقَطِّعَة وَاللُّحُوم الْمُتَمَزِّقَة وَالشُّعُور الْمُتَفَرِّقَة إنَّ اللَّه يَأْمُركُنَّ أَنْ تَجْتَمِعْنَ لِفَصْلِ الْقَضَاء
٤ -
﴿يَوْم﴾ بَدَل مِنْ يَوْم قَبْله ﴿يَسْمَعُونَ﴾ أَيْ الْخَلْق كُلّهمْ ﴿الصَّيْحَة بِالْحَقِّ﴾ بِالْبَعْثِ وَهِيَ النَّفْخَة الثَّانِيَة مِنْ إسْرَافِيل وَيُحْتَمَل أَنْ تَكُون قَبْل نِدَائِهِ وَبَعْده ﴿ذَلِكَ﴾ أَيْ يَوْم النِّدَاء وَالسَّمَاع ﴿يَوْم الْخُرُوج﴾ مِنْ الْقُبُور وَنَاصِب يَوْم يُنَادِي مقدرا أي يعلمون عاقبة تكذيبهم
٤ -
﴿إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير﴾
٤ -
﴿يَوْم﴾ بَدَل مِنْ يَوْم قَبْله وَمَا بَيْنهمَا اعْتِرَاض ﴿تَشَقَّقَ﴾ بِتَخْفِيفِ الشِّين وَتَشْدِيدهَا بِإِدْغَامِ التَّاء الثَّانِيَة فِي الْأَصْل فِيهَا ﴿الْأَرْض عَنْهُمْ سِرَاعًا﴾ جَمْع سَرِيع حَال مِنْ مُقَدَّر أَيْ فَيَخْرُجُونَ مُسْرِعِينَ ﴿ذَلِكَ حَشْر عَلَيْنَا يَسِير﴾ فِيهِ فَصْل بَيْن الْمَوْصُوف وَالصِّفَة بِمُتَعَلِّقِهَا لِلِاخْتِصَاصِ وَهُوَ لَا يَضُرّ وَذَلِكَ إشَارَة إلَى مَعْنَى الْحَشْر الْمُخْبَر بِهِ عَنْهُ وَهُوَ الْإِحْيَاء بَعْد الْفَنَاء وَالْجَمْع للعرض والحساب
٤ -
﴿نَحْنُ أَعْلَم بِمَا يَقُولُونَ﴾ أَيْ كُفَّار قُرَيْش ﴿وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ﴾ تُجْبِرهُمْ عَلَى الْإِيمَان وَهَذَا قَبْل الْأَمْر بِالْجِهَادِ ﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يخاف وعيد﴾ وهم المؤمنون = ٥١ سورة الذاريات
سورة ق
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (ق) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (المُرسَلات)، وقد افتُتحت بالتنويه بهذا الكتابِ، وتذكيرِ الكفار بأصل خِلْقتهم، وقدرة الله عز وجل على الإحياء من عدمٍ؛ وذلك دليلٌ صريح على قُدْرته على بعثِهم وحسابهم بعد أن أوجَدهم، وفي ذلك دعوةٌ لهم إلى الإيمان بعد أن بيَّن اللهُ لهم مصيرَ من آمن ومصيرَ من كفر، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقرؤها في صلاةِ الفجر.

ترتيبها المصحفي
50
نوعها
مكية
ألفاظها
373
ترتيب نزولها
34
العد المدني الأول
45
العد المدني الأخير
45
العد البصري
45
العد الكوفي
45
العد الشامي
45

* سورةُ (ق):

سُمِّيت سورةُ (ق) بهذا الاسمِ؛ لافتتاحها بهذا الحرفِ.

* كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقرأُ سورة (ق) في صلاةِ الفجر:

عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه، قال: «إنَّ النبيَّ ﷺ كان يَقرأُ في الفجرِ بـ {قٓۚ وَاْلْقُرْءَانِ اْلْمَجِيدِ}، وكان صلاتُه بعدُ تخفيفًا». أخرجه مسلم (٤٥٨).

* وكذلك كان صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة (ق) في عيدَيِ الفطرِ والأضحى:

عن عُبَيدِ اللهِ بن عبدِ اللهِ: «أنَّ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ سألَ أبا واقدٍ اللَّيْثيَّ: ما كان رسولُ اللهِ ﷺ يَقرأُ في الفِطْرِ والأضحى؟ قال: كان النبيُّ ﷺ يَقرأُ بـ {قٓۚ وَاْلْقُرْءَانِ اْلْمَجِيدِ}، و{اْقْتَرَبَتِ اْلسَّاعَةُ وَاْنشَقَّ اْلْقَمَرُ}». أخرجه ابن حبان (٢٨٢٠).

1. إنكار المشركين للبعث (١-٥).

2. التأمُّل في الآيات (٦-١٥).

3. التأمل في الأنفس خَلْقًا ومآلًا (١٦-٣٨).

4. توجيهات للرسول، وتهديد للمشركين (٣٩-٤٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /402).

مقصودُ السورة الدَّلالة على قدرة الله عز وجل أن يَبعَثَ الناسَ بعد موتهم، وأكبَرُ دليلٍ على ذلك خَلْقُهم من عدمٍ، وهو أصعب من بعثِهم من موجود، وفي ذلك يقول البِقاعيُّ رحمه الله: «مقصودها: الدلالةُ على إحاطة القدرة، التي هي نتيجة ما خُتمت به الحُجُرات من إحاطةِ العلم؛ لبيانِ أنه لا بد من البعث ليوم الوعيد؛ لتنكشفَ هذه الإحاطةُ بما يحصل من الفصل بين العباد بالعدل؛ لأن ذلك سِرُّ المُلك، الذي هو سرُّ الوجود.

والذي تكفَّلَ بالدلالة على هذا كلِّه: ما شُوهِد من إحاطة مجدِ القرآن بإعجازه في بلوغه - في كلٍّ من جمعِ المعاني وعلوِّ التراكيب، وجلالة المفرَدات وجزالةِ المقاصد، وتلاؤم الحروف وتناسُبِ النظم، ورشاقة الجمع وحلاوة التفصيل - إلى حدٍّ لا تُطيقه القُوَى من إحاطةِ أوصاف الرسل، الذي اختاره سبحانه لإبلاغِ هذا الكتاب، في الخَلْقِ والخُلُق، وما شُوهِد من إحاطة القدرة بما هدى إليه القرآنُ من آيات الإيجاد والإعدام». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور " للبقاعي (3 /15).