تفسير سورة ق

الوجيز للواحدي

تفسير سورة سورة ق من كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المعروف بـالوجيز للواحدي.
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ
مكية وهي أربعون وخمس آيات بلا خلاف

﴿ق﴾ قُضي ما هو كائنٌ إلى يوم القيامة ﴿والقرآن المجيد﴾ الكبير القدر والكثير الخير
﴿بل عجبوا﴾ يعني: كفَّار مكَّة ﴿أن جاءهم منذر منهم﴾ محمدٌ عليه السَّلام وهم يعرفون نسبه وأمانته ﴿فقال الكافرون هذا شيء عجيب﴾ يعني: هذا الإنكار الذي ينذرنا
﴿أإذا متنا وكنا تراباً﴾ نُبعث؟ وهذا استفهامُ إنكارٍ وجوابه محذوفٌ ثمَّ انكروا ذلك أصلاً فقالوا: ﴿ذلك﴾ أَيْ: البعث ﴿رجع بعيد﴾ ردٌّ لا يكون قال الله تعالى:
﴿قد علمنا ما تنقص الأرض منهم﴾ ما تأكل من لحومهم ﴿وعندنا كتاب حفيظ﴾ أي: اللَّوح المحفوظ من أن يدرس ويتغيَّر وفيه جميع الأشياء المقدَّرة
﴿بل كذَّبوا بالحق﴾ أَيْ: بالقرآن ﴿لما جاءهم فهم في أمرٍ مريج﴾ مُلتبسٍ عليهم مرَّةً يقولون للنبيِّ ﷺ ساحرٌ ومرَّةً: شاعرٌ ومرَّةً: مُعلَّمٌ ثمَّ دلَّهم على قدرته فقال:
﴿أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج﴾ شقوق وقوله:
﴿من كلِّ زوج بهيج﴾ أَيْ: من كلِّ لونٍ حسنٍ
﴿تبصرة﴾ فعلنا ذلك تبصيراً ودلالةً على قدرتنا ﴿لكلِّ عبد منيب﴾ يرجع إلى الله تعالى فيتفكَّر في قدرته وقوله:
﴿وحبَّ الحصيد﴾ أَيْ: ما يُقتات من الحبوب
﴿والنخل باسقات﴾ طوالاً ﴿لها طلع نضيد﴾ ثمرٌ متراكبٌ
﴿رزقاً للعباد﴾ أَيْ: آتينا هذا الأشياء للرِّزق ﴿وأحيينا به﴾ بذلك الماء ﴿بلدة ميتاً كذلك الخروج﴾ من القبور وقوله:
﴿كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود﴾
﴿وعاد وفرعون وإخوان لوط﴾
﴿وقوم تبع﴾ وهو ملكٌ كان باليمن أسلم ودعا قومه إلى الإِسلام فكذَّبوه وقوله: ﴿فحقَّ وعيد﴾ وجب عليهم العذاب
﴿أفعيينا بالخلق الأول﴾ أَيْ: أعجزنا عنه حتى تعيى بالإعادة ﴿بل هم في لبس﴾ شكٍّ ﴿من خلق جديد﴾ أَيْ: البعث
﴿ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه﴾ يحدثه قلبه ﴿ونحن أقرب إليه﴾ بالعلم ﴿من حبل الوريد﴾ وهو عرقٌ في العنق
﴿إذ يتلقى المتلقيان﴾ أَيْ: المَلكان الحافظان يتلقَّيان ويأخذان ما يعمله الإنسان فيثبتانه ﴿عن اليمين وعن الشمال قعيد﴾ قاعدان على جانبيه
﴿ما يلفظ﴾ يتكلَّم ﴿من قول إلاَّ لديه رقيب﴾ حافظٌ ﴿عتيد﴾ حاضر
﴿وجاءت سكرة الموت﴾ أَيْ: غمرته وشدَّته ﴿بالحق﴾ أَيْ: من أمر الآخرة حتى يراه الإنسان عياناً ﴿ذلك ما كنت منه تحيد﴾ أي: تهرب وتروغ يعني: الموت
﴿ونفخ في الصور﴾ أَيْ: نفخة البعث ﴿ذلك يوم الوعيد﴾ الذي يُوعد الله به الكفَّار
﴿وجاءت كلُّ نفس﴾ إلى المحشر ﴿معها سائق﴾ من الملائكة يسوقها ﴿وشهيد﴾ شاهدٌ عليها بعملها وهو الأيدي والأرجل فيقول الله تعالى:
﴿لقد كنت في غفلة من هذا﴾ اليوم ﴿فكشفنا عنك غطاءك﴾ فخلينا عنك سترك حتى عاينته ﴿فبصرك اليوم حديد﴾ فعلمك بما أنت فيه نافذٌ
﴿وقال قرينه﴾ أَيْ: المَلك الموَّكل به: ﴿هذا ما لديَّ عتيد﴾ هذا الذي وكَّلتني به قد أحضرته فأحضرت ديوان أعماله فيقول الله للملَكين الموكَّلين بالإِنسان:
﴿ألقيا في جهنم كلَّ كفار عنيد﴾ عاصٍ مُعرضٍ عن الحقِّ
﴿مناع للخير﴾ للزَّكاة المفروضة وكلِّ حقٍّ في ماله ﴿معتد﴾ ظالمٍ ﴿مريب﴾ شاكٍّ
﴿الذي جعل مع الله إلهاً آخر فألقياه في العذاب الشديد﴾
﴿قال قرينه﴾ من الشَّياطين: ﴿ربنا ما أطغيته﴾ ما أظللته ﴿ولكن كان في ضلال بعيد﴾ أَيْ: إنَّما طغى هو بضلاله وإنَّما دعوته فاستجاب لي كما قال في الإخبار عن الشَّيطان: ﴿إلاَّ أنْ دعوتُكم فاستجبتُمْ لي﴾ فحينئذٍ يقول الله:
﴿لا تختصموا لدي وقد قدَّمت إليكم بالوعيد﴾ حذَّرتكم العقوبة في الدُّنيا على لسان الرُّسل
﴿ما يبدل القول لدي﴾ لا تبديل لقولي ولا خلف لوعدي ﴿وما أنا بظلام للعبيد﴾ فأعاقب بغير جرم
﴿يوم نقول لجهنم هل امتلأت﴾ وهذا استفهامُ تحقيقٍ وذلك أنَّ الله عزَّ وجل وعدها أن يملأها فلمَّا ملأها قال لها: ﴿هل امتلأت وتقول هل من مزيد﴾ أَيْ: هل بقي فيَّ موضعٌ لم يمتلىء أيْ قد امتلأت
﴿وأزلفت الجنة﴾ أُدنيت الجنَّة ﴿للمتقين﴾ حتى يروها ﴿غير بعيد﴾ منهم ويقال لهم:
﴿هذا ما توعدون لكلِّ أواب﴾ رجاع إلى الله بالطًّاعة ﴿حفيظ﴾ حافظ لأمر الله
﴿من خشي الرحمن بالغيب﴾ خاف الله ولم يره ﴿وجاء بقلب منيب﴾ مقبلٍ إلى طاعة الله يقال لهم:
﴿ادخلوها بسلام﴾ بسلامةٍ من العذاب ﴿ذلك يوم الخلود﴾ لأهل الجنَّة فيها
﴿لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد﴾ زيادةٌ ممَّا لم يخطر ببالهم وقيل: هو الرُّؤية
﴿وكم أهلكنا قبلهم﴾ قبل أهل مكَّة ﴿من قرنٍ﴾ جماعةٍ من النَّاس ﴿هم أشدُّ منهم بطشاً فَنَقَّبوا﴾ طوفوا في البلاد وفتشوا فلم يريوا محيصاً من الموت
﴿إن في ذلك﴾ الذي ذكرت ﴿لذكرى﴾ لعظةً وتذكيراً ﴿لمن كان له قلب﴾ أَيْ: عقلٌ ﴿أو ألقى السمع﴾ أَيْ: استمع القرآن ﴿وهو شهيد﴾ حاضر القلب وقوله:
﴿وما مسنا من لغوب﴾ أَيْ: وما أصابنا تعبٌ وإعياءٌ وهذا ردٌّ على اليهود في قولهم: إنَّ الله تعالى استراح يوم السَّبت
﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ صل لله ﴿قبل طلوع الشمس﴾ أَيْ: صلاة الفجر ﴿وقبل الغروب﴾ صلاة الظهر والعصر
﴿ومن الليل فسبحه﴾ أَيْ: صلاتي العشاء ﴿وأدبار السجود﴾ أَيْ: الرَّكعتين بعد المغرب
﴿واستمع﴾ يا محمد ﴿يوم يناد المناد﴾ وهو إسرافيل عليه السَّلام يقول: أيَّتها العظام البالية واللُّحوم المُتمزِّقة إنَّ الله يأمركن أن تتجمعن لفصل القضاء ﴿من مكان قريب﴾ من السِّماء وهو صخرة بيت المقدس أقرب موضعٍ من الأرض إلى السَّماء
﴿يوم يسمعون الصيحة بالحق﴾ أَيْ: نفخة البعث ﴿ذلك يوم الخروج﴾ من القبور
﴿إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير﴾
﴿يوم تشقق الأرض عنهم﴾ فيخرجون ﴿سراعاً﴾
﴿وما أنت عليهم بجبار﴾ بمسلِّطٍ يجبرهم على الإسلام وهذا قبل أن يوم بالقتال ﴿فذكِّر﴾ فعظ ﴿بالقرآن مَنْ يخاف وعيد﴾
سورة ق
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (ق) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (المُرسَلات)، وقد افتُتحت بالتنويه بهذا الكتابِ، وتذكيرِ الكفار بأصل خِلْقتهم، وقدرة الله عز وجل على الإحياء من عدمٍ؛ وذلك دليلٌ صريح على قُدْرته على بعثِهم وحسابهم بعد أن أوجَدهم، وفي ذلك دعوةٌ لهم إلى الإيمان بعد أن بيَّن اللهُ لهم مصيرَ من آمن ومصيرَ من كفر، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقرؤها في صلاةِ الفجر.

ترتيبها المصحفي
50
نوعها
مكية
ألفاظها
373
ترتيب نزولها
34
العد المدني الأول
45
العد المدني الأخير
45
العد البصري
45
العد الكوفي
45
العد الشامي
45

* سورةُ (ق):

سُمِّيت سورةُ (ق) بهذا الاسمِ؛ لافتتاحها بهذا الحرفِ.

* كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقرأُ سورة (ق) في صلاةِ الفجر:

عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه، قال: «إنَّ النبيَّ ﷺ كان يَقرأُ في الفجرِ بـ {قٓۚ وَاْلْقُرْءَانِ اْلْمَجِيدِ}، وكان صلاتُه بعدُ تخفيفًا». أخرجه مسلم (٤٥٨).

* وكذلك كان صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة (ق) في عيدَيِ الفطرِ والأضحى:

عن عُبَيدِ اللهِ بن عبدِ اللهِ: «أنَّ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ سألَ أبا واقدٍ اللَّيْثيَّ: ما كان رسولُ اللهِ ﷺ يَقرأُ في الفِطْرِ والأضحى؟ قال: كان النبيُّ ﷺ يَقرأُ بـ {قٓۚ وَاْلْقُرْءَانِ اْلْمَجِيدِ}، و{اْقْتَرَبَتِ اْلسَّاعَةُ وَاْنشَقَّ اْلْقَمَرُ}». أخرجه ابن حبان (٢٨٢٠).

1. إنكار المشركين للبعث (١-٥).

2. التأمُّل في الآيات (٦-١٥).

3. التأمل في الأنفس خَلْقًا ومآلًا (١٦-٣٨).

4. توجيهات للرسول، وتهديد للمشركين (٣٩-٤٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /402).

مقصودُ السورة الدَّلالة على قدرة الله عز وجل أن يَبعَثَ الناسَ بعد موتهم، وأكبَرُ دليلٍ على ذلك خَلْقُهم من عدمٍ، وهو أصعب من بعثِهم من موجود، وفي ذلك يقول البِقاعيُّ رحمه الله: «مقصودها: الدلالةُ على إحاطة القدرة، التي هي نتيجة ما خُتمت به الحُجُرات من إحاطةِ العلم؛ لبيانِ أنه لا بد من البعث ليوم الوعيد؛ لتنكشفَ هذه الإحاطةُ بما يحصل من الفصل بين العباد بالعدل؛ لأن ذلك سِرُّ المُلك، الذي هو سرُّ الوجود.

والذي تكفَّلَ بالدلالة على هذا كلِّه: ما شُوهِد من إحاطة مجدِ القرآن بإعجازه في بلوغه - في كلٍّ من جمعِ المعاني وعلوِّ التراكيب، وجلالة المفرَدات وجزالةِ المقاصد، وتلاؤم الحروف وتناسُبِ النظم، ورشاقة الجمع وحلاوة التفصيل - إلى حدٍّ لا تُطيقه القُوَى من إحاطةِ أوصاف الرسل، الذي اختاره سبحانه لإبلاغِ هذا الكتاب، في الخَلْقِ والخُلُق، وما شُوهِد من إحاطة القدرة بما هدى إليه القرآنُ من آيات الإيجاد والإعدام». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور " للبقاعي (3 /15).