تفسير سورة الأحزاب

تفسير ابن أبي زمنين

تفسير سورة سورة الأحزاب من كتاب تفسير القرآن العزيز المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين.
لمؤلفه ابن أبي زَمَنِين . المتوفي سنة 399 هـ
وهي مدنية كلها.

قَوْله: ﴿يَا أَيهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافرين﴾ فِي الشّرك بِاللَّه ﴿وَالْمُنَافِقِينَ﴾ أَي: وَلَا تُطِع الْمُنَافِقين
﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قلبين فِي جَوْفه﴾ تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ: جَمِيلٌ كَانَ حَافِظًا لِمَا سَمِعَ، فَقَالَتْ قُرَيشٌ: مَا يَحْفَظُ جَمِيلٌ مَا يَحْفَظُ بِقَلْبٍ وَاحِدٍ؛ إِنَّ لَهُ لَقَلْبَيْنِ! فَأَكْذَبَهُمُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ. ﴿وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتكُم﴾ يَعْنِي: إِذَا قَالَ
386
الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، لَمْ تَكُنْ مِثْلَ أُمِّهِ فِي الْتَحْرِيمِ أَبَدًا، وَلَكِنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أبناءكم﴾ وَكَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَكُونُ ذَلِيلًا فَيَأْتِي الرَّجُلَ ذَا الْقُوَّةِ وَالشَّرَفِ فَيَقُولُ: أَنَا ابْنُكَ، فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَإِذَا قَبِلَهُ وَاتَّخَذَهُ ابْنًا أَصْبَحَ أَعَزَّ أَهْلِهِ؛ وَكَانَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مِنْهُمْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَنَّاهُ يَوْمَئِذٍ عَلَى مَا كَانَ يُصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ مَوْلًى لِرَسُولِ اللَّهِ؛ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يُلْحِقُوهُمْ بِآبَائِهِمْ؛ فَقَالَ: ﴿وَمَا جعل أدعياءكم ذَلِكُم قَوْلكُم بأفواهكم﴾ يَعْنِي: ادِّعَاءَهُمْ هَؤْلَاءِ، وَقَوْلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي.
387
﴿ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ الله﴾ أَيْ: أَعْدَلُ ﴿فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ﴾ يَقُولُ: قُولُوا: [وَلِيُّنَا فُلَانٌ]، وَأَخُونَا فلَان. ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح﴾ إِثْم ﴿فِيمَا أخطأتم بِهِ﴾ (ل ٢٦٩) إِنْ أَخْطَأَ الرَّجُلُ بَعْدَ النَّهْيِ فَنَسَبَهُ إِلَى [الَّذِي] تَبَنَّاهُ نَاسِيًا؛ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ إِثْمٌ ﴿وَلَكِن مَا تَعَمّدت قُلُوبكُمْ﴾ أَنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى غَيْرِ آبَائِهِمْ.
سُورَة الْأَحْزَاب (آيَة ٦).
﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: يَعْنِي: هُوَ أَبُوهُمْ ﴿وأزواجه أمهاتهم﴾ أَيْ: هُنَّ فِي التَّحْرِيمِ مِثْلُ أُمَّهَاتِهِمْ.
يَحْيَى: عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ
387
عَائِشَةَ " أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لَهَا: يَا أُمَّهْ. فَقَالَتْ: لَسْتُ لَكِ بِأُمٍّ! إِنَّمَا أَنَا أُمُّ رِجَالِكُمْ ". ﴿وَأولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ﴾ تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: كَانَ نَزَلَ قَبْلَ هَذِهِ الْآيةِ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يهاجروا﴾ فَتَوَارَثَ الْمُسْلِمُونَ بِالْهِجْرَةِ وَكَانَ لَا يَرِثُ الأَعْرَابِيُّ الْمُسْلِمَ مِنْ قَرِيبِهِ الْمُهَاجِرِ الْمُسْلِمِ شَيْئًا، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ فَصَارَتِ الْمَوَارِيثُ بِالْمِلَلِ. ﴿إِلا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أوليائكم﴾ يَعْنِي: مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ ﴿مَعْرُوفًا﴾ يَعْنِي: بِالْمَعْرُوفِ: الْوَصِيَّةَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ فَقَالَ: ﴿كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مسطورا﴾ أَيْ: مَكْتُوبًا: لَا يَرِثُ كَافِرٌ مُسلما، وَقد قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " لَا يَرث الْمُسلم الْكَافِر ".
سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة ٧ آيَة ٨).
388
﴿وَإِذا أَخذنَا من النَّبِيين ميثاقهم﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: فِي ظَهْرِ آدَمَ ﴿وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم ميثاقا غليظا﴾ بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ.
كَانَ قَتَادَةُ إِذَا تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا من النَّبِيين ميثاقهم﴾ قَالَ: قَالَ رَسُول الله: " كُنْتُ أَوَّلَ النَّبِيِّينَ فِي الْخَلْقِ، وَآخرهمْ فِي الْبَعْث ".
قَوْله: ﴿ليسئل الصَّادِقين﴾ يَعْنِي: النَّبِيين ﴿عَن صدقهم﴾ أَيْ: عَنْ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ إِلَى قَومهمْ من الله.
﴿إِذْ جاءتكم جنود﴾ يَعْنِي: أَبَا سُفْيَانَ وَأَصْحَابَهُ ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِم ريحًا﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: وَهِي الصَّبَا، كَانَتْ تَكُبُّهُمْ عَلَى وَجُوهِهِمْ وَتَنْزِعُ الْفَسَاطِيطَ حَتَّى أَظْعَنَتْهُمْ ﴿وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا﴾ يَعْنِي: الْمَلَائِكَة.
﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَل مِنْكُم﴾ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: جَاءُوا مِنْ وَجْهَيْنِ: مِنْ أَسْفَلِ الْمَدِينَةِ، وَمِنْ أَعْلَاهَا ﴿وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِر﴾ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ ﴿وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظنونا﴾ يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ ظَنُّوا أَنَّ مُحَمَّدًا سيقتل وَأَنَّهُمْ سيهلكون.
قَالَ اللَّهُ: ﴿هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ أَيْ: اخْتُبِرُوا ﴿وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا﴾ أَيْ: حُرِّكُوا بِالْخَوْفِ، وَأَصَابَتْهُمُ الْشِدَّةُ
﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبهم مرض﴾ وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ، الْمَرَضُ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ: النِّفَاقُ ﴿مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُوله﴾ فِيمَ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُهُ ﴿إِلا غرُورًا﴾ أَيْ: وَعَدَنَا اللَّهُ النَّصْرَ فَلَا تَرَانَا نُنْصَرُ وَتَرَانَا نُقْتَلُ وَنُهْزَمُ، وَلَمْ يَكُنْ فِيمَا وَعَدَهُمُ اللَّهُ أَلَّا يُقْتَلَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَأَلَّا يُهْزَمُوا فِي بَعْضِ الْأَحَايِينِ، وَإِنَّمَا وعدهم النَّصْر فِي الْعَاقِبَة.
390
سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة ١٣ آيَة ١٤).
391
﴿وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا﴾ قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَمَّا رَأَى الْمُنَافِقُونَ الْأَحْزَابَ جَبُنُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَا وَاللَّهِ مَا لَكُمْ مُقَامٌ مَعَ هَؤُلَاءِ؟ فَارْجِعُوا إِلَى قَوْمِكُمْ يَعْنُونَ: الْمُشْرِكِينَ فَاسْتَأْمَنُوهُمْ. ﴿إِنَّ بُيُوتَنَا عَورَة﴾ أَيْ: خَالِيَةٌ نَخَافُ عَلَيْهَا السَّرَقَ. قَالَ اللَّهُ: ﴿وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ﴾ إِنَّ اللَّهَ يَحْفَظُهَا إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا
وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا} يَقُولُ: لَوْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ أَبُو سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ نَوَاحِيهَا ﴿ثمَّ سئلوا الْفِتْنَة﴾ يَعْنِي: الشّرك ﴿لآتوها﴾ لَجَاءُوهَا وَتُقْرَأُ: (لَآتَوْهَا) بِالْمَدِّ، الْمَعْنَى: لأعطوها.
سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة ١٥ آيَة ١٧).
﴿وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قبل لَا يولون الأدبار﴾ أَيْ: يَنْهَزِمُونَ ﴿وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مسئولا﴾ يَعْنِي: يَسْأَلُهُمْ عَنِ الْعَهْدِ الَّذِي لَمْ يَفُوا بِهِ.
391
يَحْيَى: عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: " بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ، وَلم نُبَايِعهُ على الْمَوْت ".
392
﴿وَإِذا لَا تمتعون﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿إِلَّا قَلِيلا﴾ يَعْنِي: إِلَى آجالكم
﴿قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ﴾ (ل ٢٧٠) أَيْ: يَمْنَعُكُمْ ﴿مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بكم سوءا﴾ يَعْنِي: الْقَتْلَ وَالْهَزِيمَةَ؛ فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ ﴿أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً﴾ قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: النَّصْرَ وَالْفَتْحَ.
سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة ١٨ آيَة ٢٠).
﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ والقائلين لإخوانهم هَلُمَّ إِلَيْنَا﴾ يَأْمُرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالْفِرَارِ، وَهُوَ التعويق ﴿وَلَا يأْتونَ الْبَأْس﴾ يَعْنِي: الْقِتَال ﴿إِلَّا قَلِيلا﴾ أَيْ: بِغَيْرِ حِسْبَةٍ، وَإِنَّمَا قَلَّ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لِغَيْرِ اللَّهِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى: إِلَّا إِتْيَانًا قَلِيلًا؛ وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ يحيى.
﴿أشحة عَلَيْكُم﴾ يَقُولُ: لَا يَتْرُكُونَ لَكُمْ مِنْ حُقُوقِهِمْ مِنَ الْغَنِيمَةِ شَيْئًا ﴿فَإِذَا جَاءَ الْخَوْف﴾ يَعْنِي: الْقِتَالَ ﴿رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ من الْمَوْت﴾ خَوْفًا مِنَ الْقِتَالِ ﴿فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْف سلقوكم﴾ أَيْ: صَاحُوا عَلَيْكُمْ ﴿بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ﴾ قَالَ مُحَمَّدٌ: قِيلَ: الْمَعْنَى: خَاطَبُوكُمْ أَشَدَّ مُخَاطَبَةٍ
393
وَأَبْلَغَهَا فِي الْغَنِيمَةِ، يُقَالُ: خَطِيبٌ مِسْلَاقٌ وَسَلَّاقٌ إِذَا كَانَ بَلِيغًا. ﴿أشحة على الْخَيْر﴾ الْغَنِيمَة ﴿أُولَئِكَ لم يُؤمنُوا﴾ أَيْ: لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ﴿يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَاب يود﴾ الْمَنَافِقُونَ ﴿لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَاب﴾ أَيْ: فِي الْبَادِيَةِ مَعَ الْأَعْرَابِ ﴿يسْأَلُون عَن أنبائكم﴾ وَهُوَ كَلَام مَوْصُول.
394
قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْلُهُ: ﴿يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لم يذهبوا﴾ قِيلَ: الْمَعْنَى: يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ بَعْدَ انْهِزَامِهِمْ وَذِهَابِهِمْ لَمْ يَذْهَبُوا؛ لِجُبْنِهِمْ وخوفهم.
سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة ٢١ - آيَة ٢٢).
﴿وَذكر الله كثيرا﴾ وَهَذَا ذِكْرُ التَّطَوُّعِ لَيْسَ فِيهِ وَقت.
﴿وَلما رأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَاب﴾ يَعْنِي: أَبَا سُفْيَانَ وَأَصْحَابَهُ تَحَازَبُوا عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴿قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ كَانَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَة: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿أَلا إِنَّ نصر الله قريب﴾ فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ أَصْحَاب النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: مَا أَصَابَنَا هَذَا بَعْدُ؛ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَحْزَابِ أَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ﴾ إِلَى قَوْله: ﴿إِيمَانًا وتسليما﴾ يَعْنِي: تَصْدِيقًا وَتَسْلِيمًا لِأَمْرِ اللَّهِ.
سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة ٢٣ آيَة ٢٤).
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ﴾ حِينَ بَايَعُوهُ عَلَى أَلَّا يَفِرُّوا وَصَدَقُوا فِي لِقَائِهِمُ الْعَدُوَّ؛ وَذَلِكَ يَوْمَ أُحُدٍ. ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نحبه﴾ يَعْنِي: أَجَلَهُ؛ فِي تَفْسِيرِ بَعْضِهِمْ ﴿وَمِنْهُم من ينْتَظر﴾ أَجله ﴿وَمَا بدلُوا تبديلا﴾ كَمَا بَدَّلَ الْمُنَافِقُونَ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: أَصْلُ النَّحْبِ: النَّذْرِ؛ كَأَنَّ قَوْمًا نذورا إِنْ لَقُوا الْعَدُوَ أَنْ يُقَاتِلُوا؛ حَتَّى يُقْتَلُوا أَوْ يَفْتَحِ اللَّهُ، فَقُتِلُوا فَقِيلَ: فُلَانٌ قَضَى نَحْبَهُ؛ إِذا قتل.
﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقين إِن شَاءَ﴾ أَيْ: يَمُوتُوا عَلَى نِفَاقِهِمْ فَيُعَذِّبَهُمْ ﴿أَو يَتُوب عَلَيْهِم﴾ فيرجعوا من نفاقهم.
سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة ٢٥ آيَة ٢٧).
﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لم ينالوا خيرا﴾ يَعْنِي: لَمْ يُصِيبُوا ظَفَرًا وَلَا غَنِيمَةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ خَيْرًا لَوْ نَالُوهُ ﴿وَكَفَى الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال﴾ بِالرِّيحِ وَالْجُنُودِ الَّتِي أَرَسَلَ عَلَيْهِمْ
﴿وَأنزل الَّذين ظاهروهم﴾ يَعْنِي: عَاوَنُوهُمْ ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ يَعْنِي: قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ ﴿مِنْ صَيَاصِيهِمْ﴾ يَعْنِي: حُصُونَهُمْ.
395
قَالَ مُحَمَّدٌ: أَصْلُ الْكَلِمَةِ: قُرُونُ الْبَقَرِ؛ لِأَنَّهَا تَمْتَنِعُ بِهَا وَتَدْفَعُ عَنْ أَنْفُسِهَا، فَقِيلَ لِلْحُصُونِ: صَيَاصِيُّ؛ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ وَصِيصِيَةُ الدِّيكِ شَوْكَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يتحصن بهَا.
396
﴿وأرضا لم تطئوها﴾ وَهِي خَيْبَر؛ فتحت عنْوَة.
سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة ٢٨ آيَة ٣٠).
﴿يَا أَيهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿أجرا عَظِيما﴾ قَالَ قَتَادَةُ: إِنَّمَا خَيَّرَهُنَّ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَمْ يُخَيِّرْهُنَّ الطَّلَاقَ
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٨:﴿ يا أيها النبي قل لأزواجك... ﴾ إلى قوله :﴿ أجرا عظيما( ٢٩ ) ﴾ قال قتادة : إنما خيرهن بين الدنيا والآخرة، ولم يخيرهن الطلاق.
﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُن بِفَاحِشَة مبينَة﴾ يَعْنِي: الزِّنَا؛ فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ ﴿يُضَاعف لَهَا الْعَذَاب ضعفين﴾ قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: فِي الْآخِرَةِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: مَعْنَى (يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَاب ضعفين) أَيْ: يُجْعَلُ مِثْلَيْنِ؛ الضِّعْفُ فِي اللُّغَةِ: الْمِثْلُ، يُقَالُ: هَذَا ضِعْفُ هَذَا؛ أَي: مثله.
سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة ٣١ آيَة ٣٢).
﴿وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ أَيْ: تُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴿نُؤْتِهَا أجرهَا مرَّتَيْنِ﴾ قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: فِي الْآخِرَةِ ﴿وأعتدنا﴾ أعددنا ﴿لَهَا رزقا كَرِيمًا﴾ يَعْنِي: الْجنَّة.
﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تخضعن بالْقَوْل﴾ قَالَ الْكَلْبِيّ: (ل ٢٧١) هُوَ الْكَلَامُ الَّذِي فِيهِ مَا يَهْوَى الْمُرِيبُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: قَالَ: ﴿كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ﴾ وَلَمْ يَقُلْ: كَوَاحِدَةٍ لِأَنَّ أَحَدًا مَعْنًى عَامٌّ مِنَ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ وَالْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ. ﴿فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قلبه مرض﴾ أَيْ: فُجُورٌ؛ فِي تَفْسِيرِ بَعْضِهِمْ.
قَالَ الْحَسَنُ: وَكَانَ أَكْثَرُ مَنْ يُصِيبُ الْحُدُودَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام المُنَافِقُونَ.
سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة ٣٣ آيَة ٣٤).
﴿وَقرن فِي بيوتكن﴾ مَنْ قَرَأَهَا بِالْفَتْحِ؛ فَهُوَ مِنَ الْقَرَارِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَالْأَصْلُ فِيهِ: (اقْرَرْنَ) فَحَذَفَ الرَّاءَ الْأُوْلَى لِثَقَلِ التَّضْعِيفِ،
397
وَأَلْقَى حَرَكَتُهَا عَلَى الْقَافِ؛ فَصَارَتْ: (وَقَرْنَ).
قَالَ يَحْيَى: وَتُقْرَأُ: (وَقِرْنَ) بِكَسْر الْقَاف، وَهُوَ مِنَ الْوَقَارِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقَرَ فِي مَنْزِلِهِ يَقِرُّ وُقُورًا. ﴿وَلا تبرجن تبرج الْجَاهِلِيَّة الأولى﴾ أَيْ: قَبْلَكُمْ؛ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ، وَلَيْسَ يَعْنِي: أَنَّهَا كَانَتْ جَاهِلِيَّةً قبلهَا؛ كَقَوْلِه: ﴿عادا الأولى﴾.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: يَعْنِي الْجَاهِلِيَّةَ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا إِبْرَاهِيمُ قَبْلَ الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا مُحَمَّدٌ ﴿وَأَقِمْنَ الصَّلَاة﴾ يَعْنِي: الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ ﴿وَآتِينَ الزَّكَاةَ﴾ يَعْنِي: الْمَفْرُوضَةَ ﴿وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ فِيمَا أَمَرَكُنَّ ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ ليذْهب عَنْكُم الرجس﴾ يَعْنِي: الشَّيْطَانَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الرِّجْسُ: الْإِثْمُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الرِّجْسُ فِي اللُّغَةِ: كُلُّ مُسْتَنْكَرٍ مُسْتَقْذَرٍ مِنْ مَأْكُولٍ أَوْ عَمَلٍ أَوْ فَاحِشَةٍ، و (أهل الْبَيْت) مَنْصُوبٌ عَلَى وَجْهَيْنِ: عَلَى مَعْنَى: أَعْنِي أَهْلَ الْبَيْتِ، وَعَلَى النِّدَاءِ. ﴿وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا﴾.
يَحْيَى: عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ أبي الْحَمْرَاء، قَالَ:
398
" رابطت الْمَدِينَة سَبْعَة أشهر مَعَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، وَسمعت النَّبِي إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ جَاءَ إِلَى بَابِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ فَقَالَ: الصَّلَاةَ ثَلَاثًا - ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا﴾ ".
سُورَة الْأَحْزَاب (آيَة ٣٥)
399
﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ هُوَ كَلَامٌ وَاحِدٌ؛ كَقَوْلِهِ: ﴿فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ من الْمُسلمين﴾ وَالْإِسْلَامُ هَوَ اسْمُ الدِّينِ، قَالَ: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يقبل مِنْهُ﴾ وَهُو الْإِيمَانُ بِاللَّهِ ﴿وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ﴾ الْقُنُوتُ: الطَّاعَةُ ﴿وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ والصابرات﴾ عَلَى مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ ﴿والخاشعين والخاشعات﴾ وَهُوَ الْخَوْفُ الثَّابِتُ فِي الْقَلْبِ ﴿والمتصدقين والمتصدقات﴾ يَعْنِي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ ﴿وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ﴾.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّهُ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ فَهُوَ مِنَ الصَّائِمِينَ والصائمات ﴿والحافظين فروجهم والحافظات﴾ مِمَّا لَا يَحِلُّ لَهُنَّ. ﴿وَالذَّاكِرِينَ الله كثيرا وَالذَّاكِرَات﴾ يَعْنِي: بِاللِّسَانِ؛ وَلَيْسَ فِي الذّكر وَقت.
سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة ٣٦ - آيَة ٣٩).
﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا﴾ يَعْنِي: إِذَا فَرَضَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ شَيْئا ﴿أَن تكون لَهُم الْخيرَة﴾ يَعْنِي: التخير ﴿من أَمرهم﴾ ﴿وَمن يَعْصِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبينًا﴾ أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّ يُزَوِّجَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ؛ فَأَبَتْ وَقَالَتْ: أُزَوِّجُ نَفْسِي رَجُلًا كَانَ عَبْدَكَ بِالْأَمْسِ. وَكَانَتْ ذَاتَ شَرَفٍ، فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ جَعَلَتْ أَمْرَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ، ثُمَّ صَارَتْ سُنَّةً بَعْدُ فِي جَمِيعِ الدِّينِ، لَيْسَ لِأَحَدٍ خِيَارٌ عَلَى قَضَاء رَسُول الله وَحُكْمِهِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: كَانَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ بِنْتُ عَمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوجك وَاتَّقِ الله﴾ [وَقَوله: ﴿وأنعمت عَلَيْهِ﴾ يَعْنِي: زَيْدًا].
قَالَ اللَّهُ للنَّبِيِّ: ﴿وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مبديه﴾ أَيْ: مُظْهِرُهُ ﴿وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَق أَن تخشاه﴾ أَيْ: تَخْشَى عَيْبَةَ النَّاسِ ﴿فَلَمَّا قضى زيد مِنْهَا وطرا﴾ الْوَطَرُ: الْحَاجَةُ ﴿زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزوَاج أدعيائهم﴾ قَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ: يَا مُحَمَّدُ، زَعَمْتَ أَنَّ حَلِيلَةَ الِابْنِ لَا تَحِلُّ لِلْأَبِ وَقَدْ تَزَوَّجْتَ حَلِيلَةَ ابْنِكَ زَيْدٍ! فَقَالَ اللَّهُ: ﴿لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ﴾ الْآيَة (ل ٢٧٢) قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَتَى زَيْدًا زَائِرًا فَأَبْصَرَهَا قَائِمَةً فَأَعْجَبَتْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: سُبْحَانَ الله مُقَلِّب المقلوب.
401
فَرَأَى زَيْدٌ أَنْ رَسُولَ اللَّهِ هَوِيَهَا. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي فِي طَلَاقِهَا؛ فَإِنَّ فِيهَا كِبْرًا، وَإِنَّهَا لَتُؤْذِينِي بِلِسَانِهَا! فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ
402
عَلَيْكَ زَوْجَكَ. فَأَمْسَكَهَا زَيْدٌ مَا شَاءَ الله ثُمَّ طَلَّقَهَا، فَلَمَّا قَضَتْ عِدَّتَهَا أَنْزَلَ اللَّهُ نِكَاحَهَا رَسُولَ اللَّهِ مِنَ السَّمَاءِ، فَقَالَ ﴿وَإِذْ تَقُولُ للَّذي أنعم الله عَلَيْهِ﴾ إِلَى قَوْله: ﴿زَوَّجْنَاكهَا﴾ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ عِنْدَ ذَلِكَ زَيْدًا؛ فَقَالَ: ائْتِ زَيْنَبَ، فَأَخْبِرْهَا أَنَّ اللَّهَ قَدْ زَوَّجَنِيهَا. فَانْطَلَقَ زيد، فَاسْتَفْتَحَ الْبَابَ؛ فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: زَيْدٌ. قَالَتْ: وَمَا حَاجَةُ زَيْدٍ إِلَيَّ وَقَدْ طَلَّقَنِي؟! فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ؛ فَقَالَتْ: مرْحَبًا برَسُول رَسُول الله، فَفتح لَهُ؛ فَدَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ زَيْدٌ: لَا يُبْكِي اللَّهُ عَيْنَكِ، قَدْ كُنْتِ نِعْمَتَ الْمَرْأَةُ أَوْ قَالَ: الزَّوْجَةُ إِنْ كُنْتِ لَتَبَرِّينَ قَسَمِي، وَتُطِيعِينَ أَمْرِي، فَقَدْ أَبْدَلَكِ اللَّهُ خَيْرًا مِنِّي. قَالَتْ: مَنْ؛ لَا أَبَا لَكَ؟ فَقَالَ: رَسُول الله. فخرت سَاجِدَة.
403
قَوْلُهُ: ﴿مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ﴾ يَعْنِي: أَحَلَّ ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذين خلوا من قبل﴾ أَيْ: أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ حَرَجٌ فِيمَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ، وَقَدْ أَحَلَّ لِدَاوُدَ مِائَةَ امْرَأَةٍ، ولسليمان ثَلَاثمِائَة إمرأة وَسَبْعمائة سُرِّيَةٍ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: نَصْبُ (سُنَّةَ) عَلَى الْمَصْدَرِ؛ الْمَعْنَى: سَنَّ اللَّهُ سنة.
سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة ٤٠ آيَة ٤٣).
﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ من رجالكم﴾ يَعْنِي: أَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَكُنْ أَبًا لِزَيْدٍ، وَإِنَّمَا كَانَ زَيْدٌ دَعِيًّا لَهُ ﴿وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتم النَّبِيين﴾.
403
قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ (رَسُولَ الله) بِالنَّصْبِ فَعَلَى مَعْنَى: وَلَكِنْ كَانَ رَسُول الله.
404
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنو اذْكروا الله ذكرا كثيرا﴾ يَعْنِي: بِاللِّسَانِ، وَهَذَا ذِكْرٌ لَيْسَ فِيهِ وَقْتٌ.
يَحْيَى: عَنْ خَدَاشٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ سِيَاهٍ، عَنْ أَنَسِ ابْن مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَام: " مَا مِنْ قَوْمٍ اجْتَمَعُوا يَذْكُرُونَ اللَّهَ لَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ إِلَّا وَجْهَهُ، إِلَّا نَادَاهُمْ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: قُومُوا مَغْفُورًا لَكُمْ، قَدْ بُدِّلَتْ سَيِّئَاتِكُمْ حَسَنَاتٍ ". مِنْ حَدِيثِ يحيى بن مُحَمَّد.
404
﴿وسبحوه بكرَة وَأَصِيلا﴾ تَفْسِيرُ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا فِي الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة
405
﴿ وسبحوه بكرة وأصيلا ﴾ تفسير ابن عباس : هذا في الصلاة المكتوبة.
﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ﴾ تَفْسِيرُ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ: صَلَاةُ اللَّهِ: الرَّحْمَةُ، وَصَلَّاةُ الْمَلَائِكَةِ: الِاسْتِغْفَارُ. ﴿لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ يَعْنِي: من الضَّلَالَة إِلَى الْهدى.
سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة ٤٤ ٤٨).
﴿تحيتهم يَوْم يلقونه سَلام﴾ يَقُولُ: تُحَيِّيهِمُ الْمَلَائِكَةُ عَنِ اللَّهِ بِالسَّلَامِ ﴿وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا﴾ يَعْنِي: الْجنَّة.
﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهدا﴾ عَلَى أُمَّتِكَ تَشْهَدُ عَلَيْهُمْ فِي الْآخِرَةِ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَهُمْ ﴿وَمُبَشِّرًا﴾ فِي الدُّنْيَا بِالْجنَّةِ ﴿وَنَذِيرا﴾ من النَّار
﴿وداعيا إِلَى الله بِإِذْنِهِ﴾ يَعْنِي: بِالْوَحْي ﴿وسراجا منيرا﴾ مضيئا
﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ الله فضلا كَبِيرا﴾ يَعْنِي: الْجنَّة
﴿ودع أذاهم﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: يَقُولُ: اصْبِرْ عَلَيْهِ.
سُورَة الْأَحْزَاب (آيَة ٤٩).
﴿يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ إِلَى قَوْله: ﴿فمتعوهن﴾ الْمَتَاعُ مَنْسُوخٌ إِذَا كَانَ قَدْ سَمَّى لَهَا صَدَاقًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يُسَمِّهِ لَهَا، فَيَكُونُ لَهَا الْمُتْعَةُ وَلَا صَدَاقَ لَهَا إِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الَّتِي فِي
405
الْبَقَرَة ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾ هَذَا قَوْلُ الْعَامَّةِ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ.
وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: لَهَا الْمَتَاعُ؛ وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِامْرَأَتِهِ تَوَارَثَا وَلَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهَا النِّصْفُ إِذَا طَلَّقَهَا ﴿وَسَرِّحُوهُنَّ سراحا جميلا﴾ إِلَى أَهْلِيهِنَّ لَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ لَيْسَ بَينهمَا حُرْمَة.
سُورَة الْأَحْزَاب (آيَة ٥٠).
406
﴿يَا أَيهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتيت أُجُورهنَّ﴾ يَعْنِي: صَدُقَاتِهِنَّ ﴿وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء الله عَلَيْك وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا للنَّبِي خَالِصَة لَك﴾ ﴿ل ٢٧٣﴾ يَقُوله للنَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام ﴿من دون الْمُؤمنِينَ﴾ لَا تَكُونُ الْهِبَةُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ إِلَّا للنَّبِيِّ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ؛ إِن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام قَدْ تَطَوَّعَ لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا، فَأَعْطَاهَا الصَّدَاقَ.
وَمَقْرَأُ الْعَامَّةِ: (أَنْ وَهَبَتْ) بِفَتْحِ (أَنْ) وَتَفْسِيرُهَا عَلَى هَذَا الْمَقْرَإِ: كَانَتِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، وَمَنْ قَرَأَ بِكَسْرِ الْأَلِفِ فَعَلَى الْمُسْتَقْبَلِ.
406
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمَنْ قَرَأَ ﴿أَنْ﴾ بِالْفَتْحِ فَالْمَعْنَى: لِأَنَّ، وَ ﴿خَالِصَةً﴾ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ. ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرضنَا عَلَيْهِم﴾ أَي: أَوْحَينَا ﴿فِي أَزوَاجهم﴾ [أَلَّا تُنْكَحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشُهَدَاءَ وَصَدَاقٍ، وَلَا يَنْكِحُ الرَّجُلُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ] ﴿وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ يَقُولُ: يَتَزَوَّجُ أَرْبَعًا إِنْ شَاءَ، وَيَطَأُ بِمِلْكِ يَمِينِهِ مَا شَاءَ ﴿لكيلا يكون عَلَيْك حرج﴾ أَي: إِثْم.
سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة ٥١ آيَة ٥٢).
407
﴿ترجي من تشَاء مِنْهُنَّ﴾ رَجِعَ إِلَى قِصَّةِ النَّبِيِّ.
تَفْسِيرُ الْحسن: يذكر النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام الْمَرْأَةَ لِلتَّزْوِيجِ ثُمَّ يُرْجِيهَا؛ أَيْ: يَتْرُكُهَا فَلَا يَتَزَوَّجُهَا، وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ امْرَأَةً لِيَتَزَوَّجَهَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْرِضَ لِذِكْرِهَا؛ حَتَّى يَتَزَوَّجَهَا أَوْ يَتْرُكَهَا. ﴿وَتُؤْوِي إِلَيْكَ من تشَاء﴾ أَيْ: تَتَزَوَّجُ مَنْ تَشَاءُ ﴿وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْك﴾ يَقُولُ: لَيْسَتْ [عَلَيْكَ] لَهُنَّ قِسْمَةٌ (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ
407
أعينهن} إِذَا عَلِمْنَ أَنَّهُ مِنْ قِبَلِ الله ﴿وَلَا يحزن﴾ عَلَى أَنْ تَخُصَّ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ دُونَ الْأُخْرَى ﴿وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ﴾ مِنَ الْخَاصَّةِ الَّتِي تَخُصُّ مِنْهُنَّ لحاجتك.
408
﴿لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ من أَزوَاج﴾ يَعْنِي: أَزْوَاجَهُ التِّسْعَ، قَالَ الْحَسَنُ: لَمَّا خَيَّرَ رَسُولُ اللَّهِ نِسَاءَهُ، فَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَصَرَهُ عَلَيْهِنَّ ﴿وَلَو أعْجبك حسنهنَّ﴾ يَعْنِي: حسن غيرما أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ مِنَ النِّسَاءِ؛ عَلَى مَا مَضَى مِنْ تَفْسِيرِ الْحَسَنِ ﴿إِلا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ﴾ يَطَأُ بِمَلْكِ يَمِينِهِ مَا شَاءَ ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رقيبا﴾ يَعْنِي: حفيظا.
سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة ٥٣ ٥٥).
﴿يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: مُتَحَيِّنِينَ حِينَهُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى: غَيْرَ مُنْتَظِرِينَ وَقْتَ إِدْرَاكِهِ؛ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مُجَاهِد
408
و ﴿غير﴾ مَنْصُوبَةٍ عَلَى الْحَالِ. ﴿وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا﴾ أَيْ: تَفَرَّقُوا ﴿وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ﴾ يَعْنِي: بَعْدَ أَنْ تَأْكُلُوا ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحق﴾ يُخْبِرُهُمْ أَنَّ هَذَا يُؤْذِي النَّبِيَّ. ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وقلوبهن﴾ يَعْنِي: مِنَ الرِّيبَةِ وَالدَّنَسِ؛ فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أبدا﴾ قَالَ نَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ: لَوْ قد مَاتَ تَزَوَّجْنَا نِسَاءَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، وَقَالَ: ﴿إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَو تُخْفُوهُ﴾ يَعْنِي مَا قَالُوا: لَوْ قَدْ مَاتَ تَزَوَّجْنَا نِسَاءَهُ. ﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُل شَيْء عليما﴾ ثُمَّ اسْتَثْنَى مَنْ يَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ فِي الْحِجَابِ فَقَالَ:
409
وقال ﴿ إن تبدوا شيئا أو تخفوه ﴾ يعني ما قالوا : لو قد مات تزوجنا نساءه.
﴿ فإن الله كان بكل شيء عليما( ٥٤ ) ﴾ ثم استثنى من يدخل على أزواج النبي في الحجاب فقال :
﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ﴾ إِلَى قَوْله: ﴿وَلَا نسائهن﴾ يَعْنِي: الْمُسْلِمَاتُ ﴿وَلا مَا مَلَكَتْ أيمانهن﴾ وَكَذَلِكَ الرَّضَاعُ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي ذُكِرَ مِمَّنْ يَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ فِي الْحجاب.
سُورَة الْأَحْزَاب (آيَة ٥٦).
﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي﴾ يَعْنِي: أَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لِلنَّبِيِّ، وَتَسْتَغْفِر لَهُ الْمَلَائِكَة ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ﴾ يَعْنِي: اسْتَغْفِرُوا لَهُ ﴿وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
409
يَحْيَى: عَنِ الْخَلِيلِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ صَاحِبِ الرُّمَّانِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: " جَاءَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ، فَقَالَ: أَلَا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً، بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ الله إِذْ قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَرَفْنَا السَّلَامَ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ؛ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ".
يَحْيَى: عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " أَكْثرُوا عَليّ (ل ٢٧٤) الصَّلَاة يَوْم الْجُمُعَة ".
سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة ٥٧ آيَة ٥٨).
410
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ كَانُوا يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ، وَيَسْتَخِفُّونَ بِحَقِّهِ، وَيَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْده ويكذبون عَلَيْهِ
﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكتسبوا﴾ يَعْنِي: جَنَوْا؛ وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ ﴿فَقَدِ احتملوا بهتانا﴾ كذبا ﴿وإثما مُبينًا﴾ بَيِّنًا.
يَحْيَى: عَنِ النَّضْرِ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَرَجَ يَوْمًا فَنَادَى بِصَوْتٍ أَسْمَعَ الْعَوَاتِقَ فِي الْخُدُورِ: يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُسْلِمْ بِقَلْبِهِ، أَلَا لَا تُؤْذُوا الْمُؤْمِنِينَ وَلَا تَغْتَابُوهُمْ، وَلَا تَتَبَّعُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ فَضَحَهُ فِي بَيته ".
411
سُورَة الْأَحْزَاب (آيَة ٥٩).
412
﴿يدنين عَلَيْهِنَّ من جلابيبهن﴾ وَالْجِلْبَابُ الرِّدَاءُ؛ يَعْنِي: يَتَقَنَّعْنَ بِهِ ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يؤذين﴾ أَيْ: يُعْرَفَ أَنَّهُنَّ حَرَائِرُ مُسْلِمَاتٌ عَفَائِفُ فَلا يُؤْذَيْنَ؛ أَيْ: فَلا يُعَرَّضُ لَهُنَّ بِالْأَذَى، وَكَانَ الْمُنَافِقُونَ هُمُ الَّذِينَ كَانُوا يَتَعَرَّضُونَ النِّسَاءَ.
قَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانُوا يَلْتَمِسُونَ الْإِمَاءَ، وَلَمْ يَكُنْ تُعْرَفُ الْحُرَّةُ مِنَ الْأَمَةِ بِاللَّيْلِ؛ فَلَقِيَ نِسَاءُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ أَذًى شَدِيدًا؛ فَذَكَرْنَ ذَلِكَ لِأَزْوَاجِهِنَّ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ؛ فَنَزَلْتَ هَذِهِ الْآيَةُ.
يَحْيَى: عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى أَمَةً عَلَيْهَا قِنَاعٌ، فَعَلَاهَا بِالدِّرَّةِ، وَقَالَ: اكْشِفِي رَأْسَكِ وَلَا تشبهي بالحرائر! ".
412
سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة ٦٠ آيَة ٦٢).
413
﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَة﴾ وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ يُرْجِفُونَ بِالنَّبِيِّ وَأَصْحَابِهِ يَقُولُونَ: يَهْلَكُ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابَهُ! ﴿لَنُغْرِيَنَّكَ بهم﴾ أَيْ: لَنَسُلِّطَنَّكَ عَلَيْهِمْ ﴿ثُمَّ لَا يجاورونك فِيهَا إِلَّا قَلِيلا﴾.
﴿ملعونين﴾ قَالَ مُحَمَّد: ﴿معلونين﴾ مَنْصُوب على الْحَال؛ فَالْمَعْنى: لَا يُجَاوِرُونَكَ إِلَّا وَهُمْ مَلْعُونُونَ.
﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا من قبل﴾ أَي: من أظهر الشّرك قَبْلُ، وَهَذَا إِذَا أُمِرَ النَّبِيُّونَ بِالْجِهَادِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ﴾ مَصْدَرٌ؛ الْمَعْنَى: (سَنَّ) اللَّهُ سُنَّةً.
سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة ٦٣ آيَة ٦٨).
﴿يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا علمهَا عِنْد الله﴾ أَيْ: لَا يَعْلَمُ مَتَى مَجِيئُهَا إِلَّا اللَّهُ ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَة تكون قَرِيبا﴾ أَي: أَنَّهَا قريب
﴿يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرسولا﴾ وَإِنَّمَا صَارَت ﴿الرسولا﴾ و ﴿السبيلا﴾؛ لِأَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ وَهَذَا جَائِزٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، إِذَا كَانَتْ مُخَاطَبَةً.
قَالَ مُحَمَّدٌ: الِاخْتِيَارُ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ: (السَّبِيلَا) بِالْأَلِفِ وَأَنْ يُوْقَفَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ أَوَاخِرَ الْآيِ وَفَوَاصِلَهَا يَجْرِي فِيهَا مَا يَجْرِي فِي أَوَاخِرِ أَبْيَاتِ الشِّعْرِ وَمَصَارِعِهَا؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا خُوْطِبَ الْعَرَبُ بِمَا يَعْقِلُونَهُ فِي الْكَلَامِ الْمُؤَلَّفِ، فَيُدَلُّ بِالْوَقْفِ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَزِيَادَةُ الْحُرُوفِ نَحْو ﴿الظنونا﴾ و ﴿السبيلا﴾ و ﴿الرسولا﴾ أَنَّ ذَلِكَ الْكَلَامَ قَدْ تَمَّ وَانْقَطَعَ وَأَنَّ مَا بَعْدَهُ مُسْتَأَنَفٌ.
﴿رَبنَا إِنَّا أَطعْنَا سادتنا﴾ وَهِي تقْرَأ على وَجه آخر: ﴿سَادَاتِنَا﴾ وَالسَّادَةُ جَمَاعَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالسَّادَاتُ جمَاعَة الْجَمَاعَة ﴿وكبراءنا﴾ أَي: فِي الضَّلَالَة
﴿رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ أَيْ: مِثْلَيْنِ. ﴿وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا﴾ وتقرأ (كثيرا).
سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة ٦٩ آيَة ٧٣).
﴿يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذوا مُوسَى﴾ الْآيَةُ.
يَحْيَى: عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ " أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ مُوسَى آدر، وَكَانَ إِذا ذخل الْمَاءَ لِيَغْتَسِلَ وَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى صَخْرَةٍ. قَالَ: فَدَخَلَ الْمَاءَ يَوْمًا وَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلى صَخْرَةٍ فَتَدَهْدَهَتْ، فَخَرَجَ يَتْبَعُهَا فَرَأَوْهُ، فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا ".
﴿وَقُولُوا قولا سديدا﴾ أَي: عدلا؛ وَهُوَ: لَا إِلَه إِلَّا الله
﴿يصلح لكم أَعمالكُم﴾ لَا يَقْبَلُ الْعَمَلَ إِلَّا مِمَّنَ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مخلصا من قلبه.
﴿إِنَّا عرضنَا الْأَمَانَة﴾ الْآيَةُ، تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ عَرَضَ الْعِبَادَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ أَنْ يأخذوها بِمَا فِيهَا، فَلَنْ: وَمَا فِيهَا؟ قِيلَ: إِنْ أَحْسَنْتُنَّ جوزيتن (ل ٢٧٥) وَإِنْ أَسَأَتُنَّ عُوْقِبْتُنَّ ﴿فَأَبَيْنَ أَنْ يحملنها﴾ وَعَرَضَهَا عَلَى الْإِنْسِانِ وَالْإِنْسَانُ: آدَمُ فَقَبِلَهَا.
يَحْيَى: عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ " أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: (لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكين
415
والمشركات} فَقَالَ: هُمَا اللَّذَانِ ظَلَمَاهَا، هُمَا اللَّذَانِ خَانَاهَا: الْمُنَافِقُ وَالْمُشْرِكُ ". ﴿وَكَانَ الله غَفُورًا﴾ لِمَنْ تَابَ مِنْ شِرْكِهِ ﴿رَحِيمًا﴾ لِلْمُؤْمِنِينَ.
416
تَفْسِيرُ سُورَةِ سَبَأَ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كلهَا
سُورَة سبأ من آيَة ١ إِلَى آيَة ٥

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

5
﴿ ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ﴾ فقال : هما اللذان ظلماها، هما اللذان خاناها : المنافق والمشرك١ " ﴿ وكان الله غفورا ﴾ لمن تاب من شركه ﴿ رحيما( ٧٣ ) ﴾ للمؤمنين.
١ رواه ابن جرير في "التفسير" (٢٢/٥٨)، وأورده السيوطي في "الدر" (٥/٢٤٥) وعزاه أيضا لعبد بن حميد..
سورة الأحزاب
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الأحزاب) من السُّوَر المدنيَّة، وقد تعرَّضتْ لذِكْرِ كثيرٍ من الأحداث والأحكام؛ على رأسِ تلك الأحداثِ قصةُ غزوة (الأحزاب)، وما تعلق بها مِن عِبَرٍ وعِظات؛ كحُسْنِ الظن بالله، والاعتماد عليه، مشيرةً إلى غَدْرِ اليهود، وأخلاقهم الشائنة، كما اشتملت السورةُ على ذكرِ آية الحِجاب، وذكرِ آداب الاستئذان، والدخول على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وخُتِمت السورةُ بكثيرٍ من التوجيهات والعِظات للمؤمنين.

ترتيبها المصحفي
33
نوعها
مدنية
ألفاظها
1303
ترتيب نزولها
90
العد المدني الأول
73
العد المدني الأخير
73
العد البصري
73
العد الكوفي
73
العد الشامي
73

* قوله تعالى: {اْدْعُوهُمْ لِأٓبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اْللَّهِۚ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوٓاْ ءَابَآءَهُمْ فَإِخْوَٰنُكُمْ فِي اْلدِّينِ وَمَوَٰلِيكُمْۚ} [الأحزاب: 5]:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها: «أنَّ أبا حُذَيفةَ بنَ عُتْبةَ بنِ ربيعةَ بنِ عبدِ شمسٍ - وكان ممَّن شَهِدَ بَدْرًا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم - تَبنَّى سالمًا، وأنكَحَه بنتَ أخيه هندَ بنتَ الوليدِ بنِ عُتْبةَ بنِ ربيعةَ، وهو مولًى لامرأةٍ مِن الأنصارِ؛ كما تَبنَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم زيدًا، وكان مَن تَبنَّى رجُلًا في الجاهليَّةِ، دعَاه الناسُ إليه، ووَرِثَ مِن ميراثِه، حتى أنزَلَ اللهُ: {اْدْعُوهُمْ لِأٓبَآئِهِمْ} إلى قولِه: {وَمَوَٰلِيكُمْۚ} [الأحزاب: 5]؛ فرُدُّوا إلى آبائِهم؛ فمَن لم يُعلَمْ له أبٌ، كان مولًى وأخًا في الدِّينِ، فجاءت سَهْلةُ بنتُ سُهَيلِ بنِ عمرٍو القُرَشيِّ ثم العامريِّ - وهي امرأةُ أبي حُذَيفةَ بنِ عُتْبةَ - النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسولَ اللهِ، إنَّا كنَّا نرى سالمًا ولدًا، وقد أنزَلَ اللهُ فيه ما قد عَلِمْتَ...» فذكَر الحديثَ. أخرجه البخاري (5088).

* قوله تعالى: {مِّنَ اْلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٞ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ اْللَّهَ عَلَيْهِۖ} [الأحزاب: 23]:

عن حُمَيدٍ الطَّويلِ، عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «غابَ عَمِّي أنسُ بنُ النَّضْرِ عن قتالِ بَدْرٍ، فقال: يا رسولَ اللهِ، غِبْتُ عن أوَّلِ قتالٍ قاتَلْتَ المشرِكين، لَئِنِ اللهُ أشهَدَني قتالَ المشرِكين لَيَرَيَنَّ اللهُ ما أصنَعُ، فلمَّا كان يومُ أُحُدٍ، وانكشَفَ المسلمون، قال: اللهمَّ إنِّي أعتذِرُ إليك ممَّا صنَعَ هؤلاء - يعني أصحابَه -، وأبرَأُ إليك ممَّا صنَعَ هؤلاء - يعني المشرِكين -، ثم تقدَّمَ، فاستقبَلَه سعدُ بنُ مُعاذٍ، فقال: يا سعدُ بنَ مُعاذٍ، الجَنَّةَ ورَبِّ النَّضْرِ! إنِّي أجدُ رِيحَها مِن دُونِ أُحُدٍ، قال سعدٌ: فما استطَعْتُ يا رسولَ اللهِ ما صنَعَ». قال أنسٌ: «فوجَدْنا به بِضْعًا وثمانينَ ضَرْبةً بالسَّيفِ، أو طَعْنةً برُمْحٍ، أو رَمْيةً بسَهْمٍ، ووجَدْناه قد قُتِلَ، وقد مثَّلَ به المشرِكون، فما عرَفَه أحدٌ إلا أختُه ببنانِه». قال أنسٌ: كنَّا نُرى أو نظُنُّ أنَّ هذه الآيةَ نزَلتْ فيه وفي أشباهِه: {مِّنَ اْلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٞ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ اْللَّهَ عَلَيْهِۖ} [الأحزاب: 23] إلى آخرِ الآيةِ». وقال: «إنَّ أختَه - وهي تُسمَّى الرُّبَيِّعَ - كسَرتْ ثَنِيَّةَ امرأةٍ، فأمَرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالقِصاصِ، فقال أنسٌ: يا رسولَ اللهِ، والذي بعَثَك بالحقِّ، لا تُكسَرُ ثَنِيَّتُها، فرَضُوا بالأَرْشِ، وترَكوا القِصاصَ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مِن عبادِ اللهِ مَن لو أقسَمَ على اللهِ لَأبَرَّه»». أخرجه البخاري (٢٨٠٥).

* قوله تعالى: {وَكَفَى اْللَّهُ اْلْمُؤْمِنِينَ اْلْقِتَالَۚ} [الأحزاب: 25]:

عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه، قال: «شغَلَنا المشرِكون يومَ الخَنْدقِ عن صلاةِ الظُّهْرِ حتى غرَبتِ الشَّمْسُ، وذلك قبل أن يَنزِلَ في القتالِ ما نزَلَ؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {وَكَفَى اْللَّهُ اْلْمُؤْمِنِينَ اْلْقِتَالَۚ} [الأحزاب: 25]، فأمَرَ بِلالًا فأذَّنَ وأقامَ فصلَّى الظُّهْرَ، ثمَّ أمَرَه فأقامَ فصلَّى العصرَ، ثمَّ أمَرَه فأقامَ فصلَّى المغربَ، ثمَّ أمَرَه فأقامَ فصلَّى العِشاءَ». أخرجه النسائي (٦٦١).

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلنَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَٰجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اْلْحَيَوٰةَ اْلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحٗا جَمِيلٗا ٢٨ وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اْللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَاْلدَّارَ اْلْأٓخِرَةَ فَإِنَّ اْللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَٰتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمٗا} [الأحزاب: 28-29]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لم أزَلْ حريصًا على أن أسألَ عُمَرَ رضي الله عنه عن المرأتَينِ مِن أزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّتَينِ قال اللهُ لهما: {إِن ‌تَتُوبَآ إِلَى اْللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَاۖ} [التحريم: 4]، فحجَجْتُ معه، فعدَلَ وعدَلْتُ معه بالإداوةِ، فتبرَّزَ حتى جاءَ، فسكَبْتُ على يدَيهِ مِن الإداوةِ فتوضَّأَ، فقلتُ: يا أميرَ المؤمنين، مَن المرأتانِ مِن أزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّتانِ قال اللهُ عز وجل لهما: {إِن ‌تَتُوبَآ إِلَى اْللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَاۖ} [التحريم: 4]؟ فقال: واعجبي لك يا بنَ عبَّاسٍ! عائشةُ وحَفْصةُ، ثمَّ استقبَلَ عُمَرُ الحديثَ يسُوقُه، فقال:

إنِّي كنتُ وجارٌ لي مِن الأنصارِ في بني أُمَيَّةَ بنِ زيدٍ، وهي مِن عوالي المدينةِ، وكنَّا نتناوَبُ النُّزولَ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فيَنزِلُ يومًا وأنزِلُ يومًا، فإذا نزَلْتُ جِئْتُه مِن خَبَرِ ذلك اليومِ مِن الأمرِ وغيرِه، وإذا نزَلَ فعَلَ مِثْلَه، وكنَّا مَعشَرَ قُرَيشٍ نَغلِبُ النِّساءَ، فلمَّا قَدِمْنا على الأنصارِ إذا هم قومٌ تَغلِبُهم نساؤُهم، فطَفِقَ نساؤُنا يأخُذْنَ مِن أدبِ نساءِ الأنصارِ، فصِحْتُ على امرأتي، فراجَعتْني، فأنكَرْتُ أن تُراجِعَني، فقالت: ولِمَ تُنكِرُ أن أُراجِعَك؟! فواللهِ، إنَّ أزواجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لَيُراجِعْنُه، وإنَّ إحداهنَّ لَتهجُرُه اليومَ حتى اللَّيلِ، فأفزَعَني، فقلتُ: خابَتْ مَن فعَلَ منهنَّ بعظيمٍ، ثم جمَعْتُ عليَّ ثيابي، فدخَلْتُ على حَفْصةَ، فقلتُ: أيْ حَفْصةُ، أتُغاضِبُ إحداكنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اليومَ حتى اللَّيلِ؟ فقالت: نَعم، فقلت: خابَتْ وخَسِرتْ! أفتأمَنُ أن يَغضَبَ اللهُ لغضَبِ رسولِه صلى الله عليه وسلم فتَهلِكِينَ؟! لا تَستكثري على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ولا تُراجِعيه في شيءٍ، ولا تهجُريه، واسأليني ما بدا لكِ، ولا يغُرَّنَّكِ أن كانت جارتُك هي أوضأَ منك، وأحَبَّ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم - يريدُ عائشةَ -.

وكنَّا تحدَّثْنا أنَّ غسَّانَ تُنعِلُ النِّعالَ لغَزْوِنا، فنزَلَ صاحبي يومَ نَوْبتِه، فرجَعَ عِشاءً، فضرَبَ بابي ضربًا شديدًا، وقال: أنائمٌ هو؟! ففَزِعْتُ، فخرَجْتُ إليه، وقال: حدَثَ أمرٌ عظيمٌ، قلتُ: ما هو؟ أجاءت غسَّانُ؟ قال: لا، بل أعظَمُ منه وأطوَلُ، طلَّقَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نساءَه، قال: قد خابَتْ حَفْصةُ وخَسِرتْ، كنتُ أظُنُّ أنَّ هذا يُوشِكُ أن يكونَ، فجمَعْتُ عليَّ ثيابي، فصلَّيْتُ صلاةَ الفجرِ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فدخَلَ مَشرُبةً له، فاعتزَلَ فيها، فدخَلْتُ على حَفْصةَ فإذا هي تَبكِي، قلتُ: ما يُبكِيكِ؟ أوَلَمْ أكُنْ حذَّرْتُكِ؟! أطلَّقَكنَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟! قالت: لا أدري! هو ذا في المَشرُبةِ، فخرَجْتُ، فجِئْتُ المِنبَرَ، فإذا حَوْلَه رَهْطٌ يَبكِي بعضُهم، فجلَسْتُ معهم قليلًا، ثم غلَبَني ما أجدُ، فجِئْتُ المَشرُبةَ التي هو فيها، فقلتُ لغلامٍ له أسوَدَ: استأذِنْ لِعُمَرَ، فدخَلَ، فكلَّمَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ثم خرَجَ، فقال: ذكَرْتُك له فصمَتَ، فانصرَفْتُ حتى جلَسْتُ مع الرَّهْطِ الذين عند المِنبَرِ، ثمَّ غلَبَني ما أجدُ، فجِئْتُ، فذكَرَ مِثْلَه، فجلَسْتُ مع الرَّهْطِ الذين عند المِنبَرِ، ثمَّ غلَبَني ما أجدُ، فجِئْتُ الغلامَ، فقلتُ: استأذِنْ لِعُمَرَ، فذكَرَ مِثْلَه، فلمَّا ولَّيْتُ منصرِفًا، فإذا الغلامُ يَدْعوني، قال: أَذِنَ لك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فدخَلْتُ عليه، فإذا هو مضطجِعٌ على رمالِ حصيرٍ ليس بَيْنه وبَيْنه فِراشٌ قد أثَّرَ الرِّمالُ بجَنْبِه، متَّكِئٌ على وسادةٍ مِن أَدَمٍ حَشْوُها لِيفٌ، فسلَّمْتُ عليه، ثم قلتُ وأنا قائمٌ: طلَّقْتَ نساءَك؟ فرفَعَ بصَرَه إليَّ، فقال: «لا»، ثم قلتُ وأنا قائمٌ أستأنِسُ: يا رسولَ اللهِ، لو رأَيْتَني وكنَّا مَعشَرَ قُرَيشٍ نَغلِبُ النِّساءَ، فلمَّا قَدِمْنا على قومٍ تَغلِبُهم نساؤُهم، فذكَرَه، فتبسَّمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ثم قلتُ: لو رأَيْتَني، ودخَلْتُ على حَفْصةَ، فقلتُ: لا يغُرَّنَّكِ أنْ كانت جارتُكِ هي أوضأَ منكِ وأحَبَّ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم - يريدُ عائشةَ -، فتبسَّمَ أخرى، فجلَسْتُ حينَ رأَيْتُه تبسَّمَ، ثم رفَعْتُ بصَري في بيتِه، فواللهِ ما رأَيْتُ فيه شيئًا يرُدُّ البصَرَ غيرَ أَهَبَةٍ ثلاثةٍ، فقلتُ: ادعُ اللهَ فَلْيُوسِّعْ على أُمَّتِك؛ فإنَّ فارسَ والرُّومَ وُسِّعَ عليهم، وأُعطُوا الدُّنيا وهم لا يعبُدون اللهَ، وكان متَّكِئًا، فقال: «أوَفِي شكٍّ أنتَ يا بنَ الخطَّابِ؟! أولئك قومٌ عُجِّلتْ لهم طيِّباتُهم في الحياةِ الدنيا»، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، استغفِرْ لي، فاعتزَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مِن أجلِ ذلك الحديثِ حينَ أفشَتْهُ حَفْصةُ إلى عائشةَ، وكان قد قال: «ما أنا بداخلٍ عليهنَّ شهرًا»؛ مِن شِدَّةِ مَوْجِدتِه عليهنَّ حينَ عاتَبَه اللهُ، فلمَّا مضَتْ تِسْعٌ وعشرون، دخَلَ على عائشةَ، فبدَأَ بها، فقالت له عائشةُ: إنَّك أقسَمْتَ ألَّا تدخُلَ علينا شهرًا، وإنَّا أصبَحْنا لِتِسْعٍ وعِشْرينَ ليلةً أعُدُّها عدًّا؟! فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وعِشْرون»، وكان ذلك الشَّهْرُ تِسْعًا وعِشْرينَ، قالت عائشةُ: فأُنزِلتْ آيةُ التَّخييرِ، فبدَأَ بي أوَّلَ امرأةٍ، فقال: «إنِّي ذاكرٌ لكِ أمرًا، ولا عليكِ ألَّا تَعجَلي حتى تَستأمري أبوَيكِ»، قالت: قد أعلَمُ أنَّ أبوَيَّ لم يكُونا يأمُرانِي بفِراقك، ثم قال: «إنَّ اللهَ قال: {يَٰٓأَيُّهَا اْلنَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَٰجِكَ} [الأحزاب: 28] إلى قولِه: {عَظِيمٗا} [الأحزاب: 29]»، قلتُ: أفي هذا أستأمِرُ أبوَيَّ؟! فإنِّي أريدُ اللهَ ورسولَه والدارَ الآخرةَ، ثم خيَّرَ نساءَه، فقُلْنَ مِثْلَ ما قالت عائشةُ». أخرجه البخاري (٢٤٦٨).

* قوله تعالى: {إِنَّ اْلْمُسْلِمِينَ وَاْلْمُسْلِمَٰتِ وَاْلْمُؤْمِنِينَ وَاْلْمُؤْمِنَٰتِ وَاْلْقَٰنِتِينَ وَاْلْقَٰنِتَٰتِ وَاْلصَّٰدِقِينَ وَاْلصَّٰدِقَٰتِ وَاْلصَّٰبِرِينَ وَاْلصَّٰبِرَٰتِ وَاْلْخَٰشِعِينَ وَاْلْخَٰشِعَٰتِ وَاْلْمُتَصَدِّقِينَ وَاْلْمُتَصَدِّقَٰتِ وَاْلصَّٰٓئِمِينَ وَاْلصَّٰٓئِمَٰتِ وَاْلْحَٰفِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَاْلْحَٰفِظَٰتِ وَاْلذَّٰكِرِينَ اْللَّهَ كَثِيرٗا وَاْلذَّٰكِرَٰتِ أَعَدَّ اْللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةٗ وَأَجْرًا عَظِيمٗا} [الأحزاب: 35]:

عن أُمِّ عطيَّةَ نُسَيبةَ بنتِ كعبٍ رضي الله عنها: أنَّها أتت النبيَّ ﷺ، فقالت: «ما أرى كلَّ شيءٍ إلا للرِّجالِ، وما أرى النِّساءَ يُذكَرْنَ بشيءٍ»؛ فنزَلتْ هذه الآيةُ: {إِنَّ اْلْمُسْلِمِينَ وَاْلْمُسْلِمَٰتِ وَاْلْمُؤْمِنِينَ وَاْلْمُؤْمِنَٰتِ} [الأحزاب: 35] الآيةَ. أخرجه الترمذي (٣٢١١).

* قوله تعالى: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اْللَّهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب: 37]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «جاء زيدُ بنُ حارثةَ يشكو زَيْنَبَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أمسِكْ عليك أهلَك»؛ فنزَلتْ: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اْللَّهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب: 37]». أخرجه ابن حبان (٧٠٤٥).

* قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٞ مِّنْهَا وَطَرٗا زَوَّجْنَٰكَهَا} [الأحزاب: 37]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا نزَلتْ هذه الآيةُ في زَيْنَبَ بنتِ جحشٍ {فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٞ مِّنْهَا وَطَرٗا زَوَّجْنَٰكَهَا} [الأحزاب: 37]، قال: فكانت تَفخَرُ على أزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ تقولُ: زوَّجَكنَّ أهلُكنَّ، وزوَّجَني اللهُ مِن فوقِ سَبْعِ سمواتٍ». أخرجه الترمذي (3213).

* قوله تعالى: {تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُـْٔوِيٓ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُۖ وَمَنِ اْبْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَۚ} [الأحزاب: 51]:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «كنتُ أغارُ على اللاتي وهَبْنَ أنفُسَهنَّ لرسولِ اللهِ ﷺ، وأقولُ: تَهَبُ المرأةُ نفسَها؟ فلمَّا أنزَلَ اللهُ: {تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُـْٔوِيٓ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُۖ وَمَنِ اْبْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَۚ} [الأحزاب: 51]، قالت: قلتُ: واللهِ، ما أرى رَبَّك إلا يُسارِعُ في هواك». أخرجه البخاري (٤٧٨٨).

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدْخُلُواْ بُيُوتَ اْلنَّبِيِّ إِلَّآ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَٰظِرِينَ إِنَىٰهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَاْدْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَاْنتَشِرُواْ وَلَا مُسْتَـْٔنِسِينَ لِحَدِيثٍۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي اْلنَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِۦ مِنكُمْۖ وَاْللَّهُ لَا يَسْتَحْيِۦ مِنَ اْلْحَقِّۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَٰعٗا فَسْـَٔلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٖۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُواْ رَسُولَ اْللَّهِ وَلَآ أَن تَنكِحُوٓاْ أَزْوَٰجَهُۥ مِنۢ بَعْدِهِۦٓ أَبَدًاۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اْللَّهِ عَظِيمًا} [الأحزاب: 53]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا تزوَّجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَيْنَبَ بنتَ جَحْشٍ، دعَا القومَ، فطَعِموا ثمَّ جلَسوا يَتحدَّثون، وإذا هو كأنَّه يَتهيَّأُ للقيامِ، فلَمْ يقُوموا، فلمَّا رأى ذلك قامَ، فلمَّا قامَ قامَ مَن قامَ، وقعَدَ ثلاثةُ نفَرٍ، فجاءَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لِيدخُلَ فإذا القومُ جلوسٌ، ثمَّ إنَّهم قاموا، فانطلَقْتُ فجِئْتُ فأخبَرْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنَّهم قد انطلَقوا، فجاءَ حتى دخَلَ، فذهَبْتُ أدخُلُ، فألقى الحِجابَ بَيْني وبَيْنه؛ فأنزَلَ اللهُ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدْخُلُواْ بُيُوتَ اْلنَّبِيِّ} [الأحزاب: 53] الآيةَ». أخرجه البخاري (٤٧٩١).

* سورةُ (الأحزاب):

سُمِّيت سورةُ (الأحزاب) بذلك؛ لأنَّ فيها ذِكْرَ أحزابِ المشركين مِن قُرَيشٍ وغطَفانَ وبعضِ العرب، الذين تَحزَّبوا واجتمعوا لغَزْوِ المسلمين بالمدينة، فردَّ اللهُ كيدهم في غزوة (الأحزاب) المعروفة.

اشتمَلتْ سورةُ (الأحزاب) على الموضوعات الآتية:

1. أمرُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بتقوى الله، والتوكل عليه (١-٣).

2. تصحيح مفاهيمَ اجتماعية خاطئة (٤-٥).

3. وَلاية النبيِّ صلى الله عليه وسلم العامة، وأخذُ اللهِ الميثاقَ من النبيِّين عليهم السلام (٦-٨).

4. قصة غزوة (الأحزاب) (٩-٢٠).

5. الرسول صلى الله عليه وسلم هو الأُسوة الحسنة، وأصحابه نجومٌ يُهتدى بها (٢١-٢٤).

6. نتيجة المعركة، وغدر اليهود (٢٥-٢٧).

7. النبي مُحمَّد صلى الله عليه وسلم (٢٨-٥٩) .

8. مع زوجاته رضوان الله عليهم (٢٨-٣٤) .

9. المساواة بين الرجال والنساء في التكليف والجزاء (٣٥).

10. قصته صلى الله عليه وسلم مع زينبَ رضي الله عنها (٣٦-٣٩).

11. خاتمُ النبيِّين وبعض صفاته (٤٠-٤٨) .

12. خصائصه في أحكام الزواج (٤٩-٥٢).

13. آداب دخول بيته، والأمر بالحِجاب (٥٣-٥٥).

14. مكانتُه، وحرمة إيذائه (٥٦- ٥٨).

15. حِجاب زوجاته والمرأة المسلمة (٥٩).

16. جزاء المنافقين والكفار (٦٠-٦٨).

17. توجيهاتٌ وعِظات للمؤمنين (٦٩-٧١).

18. عظمة تكليف الإنسان، وحملُه الأمانة (٧٢-٧٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (6 /68).

حثَّتْ سورةُ (الأحزاب) على حُسْنِ الظنِّ بالله، والتوكُّلِ عليه؛ فالله هو صاحبُ الحِكْمة والقوَّة والقُدْرة، وهو المتصرِّفُ في الكون، يَعلَم ما يصلحُ للخلائق، ويُدبِّر لهم أحسَنَ تدبير؛ فيُعلِي شأنَ من يشاء، ويَخفِض شأنَ من يشاء.

وتسميتُها بـ(الأحزاب) أوضحُ دليلٍ على ذلك؛ بتأمُّل القصة التي أشارت إليها، ودلَّتْ عليها.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /370).