تفسير سورة ق

أحكام القرآن

تفسير سورة سورة ق من كتاب أحكام القرآن
لمؤلفه الجصاص . المتوفي سنة 370 هـ

قوله تعالى :﴿ بَلْ كَذَّبُوا بالحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ في أَمْرٍ مَرِيجٍ ﴾ حدثنا عبدالله بن محمد قال : حدثنا الحسن بن أبي الربيع الجرجاني قال : أخبرنا عبدالرزاق عن معمر عن قتادة في قوله :﴿ فَهُمْ في أَمْرٍ مَرِيجٍ ﴾ قال :" من ترك الحق مرج عليه رأيه والتبس عليه دينه ".
قوله تعالى :﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الغُرُوبِ ﴾، روى جرير بن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لا تُغْلَبُوا عَلَى صَلاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها فافْعَلُوا "، ثم قرأ :﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الغُرُوبِ ﴾.
ورُوي عن ابن عباس وقتادة أن المراد صلاة الفجر وصلاة العصر.
قوله تعالى :﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ ﴾ قال مجاهد :" صلاة الليل ". قال أبو بكر : يجوز أن يريد صلاة المغرب والعتمة.
وقوله تعالى :﴿ وأَدْبَارَ السُّجُودِ ﴾، قال علي وعمر والحسن بن علي وابن عباس والحسن البصري ومجاهد والنخعي والشعبي :﴿ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ﴾ ركعتان بعد المغرب، ﴿ وإدبار النجوم ﴾ [ الطور : ٤٩ ] ركعتان قبل الفجر.
وعن ابن عباس مثله. وعن مجاهد عن ابن عباس :﴿ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ﴾ :" إذا وضعت جبهتك على الأرض أن تسبح ثلاثاً ". قال أبو بكر : اتفق من ذكرنا قوله بديّاً أن قوله :﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الغُرُوبِ ﴾ أراد به الصلاة، وكذلك :﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ ﴾ هو صلاة الليل وهي العتمة والمغرب، فوجب أن يكون قوله :﴿ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ﴾ هو الصلاة ؛ لأن فيه ضمير " فسبّحه ".
وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم التسبيح في دبر كل صلاة ولم يذكر أنه تفسير الآية.
ورَوَى محمد بن سيرين عن كثير بن أفلح عن زيد بن ثابت قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسبِّح في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين ونحمد ثلاثاً وثلاثين ونكبر أربعاً وثلاثين، فأتى رجل من الأنصار في المنام فقال : أمركم محمد صلى الله عليه وسلم أن تسبحوا في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين وتحمدوا ثلاثاً وثلاثين وتكبروا أربعاً وثلاثين فلو جعلتموها خمساً وعشرين خمساً وعشرين فاجعلوا فيها التهليل، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال :" افعلوا ".
ورَوَى سُميّ عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قالوا : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالدرجات والنعيم المقيم ! قال :" كَيْفَ ذَاكَ ؟ " قالوا : صلّوا كما صلينا وجاهدوا كما جاهدنا وأنفقوا من فضول أموالهم وليست لنا أموال، فقال :" أَنَا أُخْبِرُكُمْ بأَمْرٍ تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ، لا يَأْتِي أَحَدٌ بِمِثْلِ ما جِئْتُمْ بِهِ إِلاّ مَنْ جَاءَ بِمِثْلِهِ، تُسَبِّحُونَ الله في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ عَشْراً وتَحْمِدُونَ الله عَشْراً وتُكَبِّرُونَ عَشْراً ".
ورُوي نحوه عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه قال :" تُسَبِّحُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثاً وثَلاثِينَ وتَحْمَدُ ثلاثاً وثَلاثِينَ وتُكَبِّرُ أَرْبعاً وثَلاثينَ ".
ورَوَى كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، وقال :" وتُكَبِّرُ أَرْبعاً وثَلاثِينَ ".
وروى أبو هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في آخر صلاته عند انصرافه :" سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسلامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ وَالحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ ".
قال أبو بكر : فإن حمل معنى الآية على الوجوب كان قوله :﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ﴾ على صلاة الفجر، ﴿ وَقَبْلَ الغُرُوبِ ﴾ على صلاة الظهر والعصر ؛ وكذلك رُوي عن الحسن :﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ ﴾ " صلاة العتمة والمغرب "، فتكون الآية منتظمة للصلوات الخمس، وعبَّر عن الصلاة بالتسبيح لأن التسبيح تنزيه لله عما لا يليق به، والصلاة تشتمل على قراءة القرآن وأَذْكَارٌ هي تنزيه لله تعالى.
سورة ق
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (ق) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (المُرسَلات)، وقد افتُتحت بالتنويه بهذا الكتابِ، وتذكيرِ الكفار بأصل خِلْقتهم، وقدرة الله عز وجل على الإحياء من عدمٍ؛ وذلك دليلٌ صريح على قُدْرته على بعثِهم وحسابهم بعد أن أوجَدهم، وفي ذلك دعوةٌ لهم إلى الإيمان بعد أن بيَّن اللهُ لهم مصيرَ من آمن ومصيرَ من كفر، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقرؤها في صلاةِ الفجر.

ترتيبها المصحفي
50
نوعها
مكية
ألفاظها
373
ترتيب نزولها
34
العد المدني الأول
45
العد المدني الأخير
45
العد البصري
45
العد الكوفي
45
العد الشامي
45

* سورةُ (ق):

سُمِّيت سورةُ (ق) بهذا الاسمِ؛ لافتتاحها بهذا الحرفِ.

* كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقرأُ سورة (ق) في صلاةِ الفجر:

عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه، قال: «إنَّ النبيَّ ﷺ كان يَقرأُ في الفجرِ بـ {قٓۚ وَاْلْقُرْءَانِ اْلْمَجِيدِ}، وكان صلاتُه بعدُ تخفيفًا». أخرجه مسلم (٤٥٨).

* وكذلك كان صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة (ق) في عيدَيِ الفطرِ والأضحى:

عن عُبَيدِ اللهِ بن عبدِ اللهِ: «أنَّ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ سألَ أبا واقدٍ اللَّيْثيَّ: ما كان رسولُ اللهِ ﷺ يَقرأُ في الفِطْرِ والأضحى؟ قال: كان النبيُّ ﷺ يَقرأُ بـ {قٓۚ وَاْلْقُرْءَانِ اْلْمَجِيدِ}، و{اْقْتَرَبَتِ اْلسَّاعَةُ وَاْنشَقَّ اْلْقَمَرُ}». أخرجه ابن حبان (٢٨٢٠).

1. إنكار المشركين للبعث (١-٥).

2. التأمُّل في الآيات (٦-١٥).

3. التأمل في الأنفس خَلْقًا ومآلًا (١٦-٣٨).

4. توجيهات للرسول، وتهديد للمشركين (٣٩-٤٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /402).

مقصودُ السورة الدَّلالة على قدرة الله عز وجل أن يَبعَثَ الناسَ بعد موتهم، وأكبَرُ دليلٍ على ذلك خَلْقُهم من عدمٍ، وهو أصعب من بعثِهم من موجود، وفي ذلك يقول البِقاعيُّ رحمه الله: «مقصودها: الدلالةُ على إحاطة القدرة، التي هي نتيجة ما خُتمت به الحُجُرات من إحاطةِ العلم؛ لبيانِ أنه لا بد من البعث ليوم الوعيد؛ لتنكشفَ هذه الإحاطةُ بما يحصل من الفصل بين العباد بالعدل؛ لأن ذلك سِرُّ المُلك، الذي هو سرُّ الوجود.

والذي تكفَّلَ بالدلالة على هذا كلِّه: ما شُوهِد من إحاطة مجدِ القرآن بإعجازه في بلوغه - في كلٍّ من جمعِ المعاني وعلوِّ التراكيب، وجلالة المفرَدات وجزالةِ المقاصد، وتلاؤم الحروف وتناسُبِ النظم، ورشاقة الجمع وحلاوة التفصيل - إلى حدٍّ لا تُطيقه القُوَى من إحاطةِ أوصاف الرسل، الذي اختاره سبحانه لإبلاغِ هذا الكتاب، في الخَلْقِ والخُلُق، وما شُوهِد من إحاطة القدرة بما هدى إليه القرآنُ من آيات الإيجاد والإعدام». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور " للبقاعي (3 /15).