تفسير سورة ق

التفسير القيم

تفسير سورة سورة ق من كتاب التفسير القيم
لمؤلفه ابن القيم . المتوفي سنة 751 هـ

إذا أردت الانتفاع بالقرآن، فاجمع قلبك عند تلاوته. وألق سمعك. وأحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه، منه إليه، فإنه خطاب منه سبحانه لك على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى :﴿ إن في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ﴾.
وذلك أن تمام التأثير لما كان موقوفا على مؤثر مقتض، ومحل قابل، وشرط لحصول الأثر، وانتفاء المانع الذي يمنع منه : تضمنت الآية بيان ذلك كله بأوجز لفظ وأبينه. وأدلة على المراد.
فقوله :﴿ إن في ذلك لذكرى ﴾ إشارة إلى ما تقدم من أول السورة إلى هاهنا. وهذا هو المؤثر.
وقوله :﴿ لمن كان له قلب ﴾ فهذا هو المحل القابل. والمراد به : القلب الحي الذي يعقل عن الله، كما قال تعالى :﴿ إن هو إلا ذكر وقرآن مبين * لينذر من كان حيا ﴾ [ يس : ٦٩. ٧٠ ] أي حي القلب.
وقوله :﴿ أو ألقى السمع ﴾ أي : وجه سمعه، وأصغى حاسة سمعه إلى ما يقال له، وهذا شرط التأثر بالكلام.
وقوله :﴿ وهو شهيد ﴾ أي : شاهد القلب حاضر، غير غائب.
قال ابن قتيبة : استمع لكتاب الله وهو شاهد القلب والفهم، ليس بغافل ولا ساه. وهو إشارة إلى المانع من حصول التأثر. وهو سهو القلب وغيبته عن تعقل ما يقال له، والنظر فيه وتأمله.
فإذا حصل المؤثر، ( وهو القرآن )، والمحل القابل، ( وهو القلب الحي )، ووجد الشرط، ( وهو الإصغاء )، وانتفى المانع، ( وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب وانصرافه عنه إلي شيء آخر ) : حصل الأثر، ( وهو الانتفاع بالقرآن والتذكر ).
فإن قيل : إذا كان التأثير إنما يتم بمجموع هذه. فما وجه دخول أداة ( أو ) في قوله تعالى ﴿ أو ألقى السمع ﴾ والموضع موضع واو الجمع، لا موضع «أو » التي هي لأحد الشيئين ؟
قيل : هذا سؤال جيدا. والجواب عنه أن يقال :
خرج الكلام بأو باعتبار حال المخاطب المدعو. فإن من الناس من يكون حي القلب واعيه، تام الفطرة. فإذا فكر بقلبه وجال بفكره دله قلبه وعقله على صحة القرآن، وأنه الحق، وشهد قلبه بما أخبر به القرآن. فكان ورود القرآن على قلبه نورا على نور الفطرة. وهذا وصف الذين قيل فيهم :﴿ ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ﴾ [ سبأ : ٦ ] وقال في حقهم :﴿ الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ﴾ [ النور : ٣٥ ].
فهذا نور الفطرة على نور الوحي. وهذا حال صاحب القلب الحي الواعي.
فصاحب القلب الحي، بين قلبه وبين معاني القرآن أتم الاتصال، فيجدها كأنها قد كتبت فيه، فهو يقرؤها عن ظهر قلب.
ومن الناس من لا يكون تام الاستعداد، واعي القلب، كامل الحياة فيحتاج إلى شاهد يميز له بين الحق والباطل، ولم تبلغ حياة قلبه لتأمله والتفكير فيه، وتعقل معانيه، فيعلم حينئذ انه الحق.
فالأول : حال من رأى بعينه ما دعا إليه وأخبر به.
والثاني : حال من علم صدق الخبر وتيقنه. وقال : يكفيني خبره، فهو في مقام الإيمان، والأول في مقام الإحسان.
هذا قد وصل إلى علم اليقين، وترقي قلبه منه إلى منزلة عين اليقين. وذاك معه التصديق الجازم الذي خرج به من الكفر ودخل به في الإسلام.
فعين اليقين نوعان : نوع في الدنيا، ونوع في الآخرة.
فالحاصل في الدنيا نسبته إلى القلب، كنسبة الشاهد إلى العين، وما أخبرت به الرسل من الغيب يعاين في الآخرة بالأبصار. وفي الدنيا بالبصائر. فهو عين يقين في المرتبتين.
سورة ق
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (ق) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (المُرسَلات)، وقد افتُتحت بالتنويه بهذا الكتابِ، وتذكيرِ الكفار بأصل خِلْقتهم، وقدرة الله عز وجل على الإحياء من عدمٍ؛ وذلك دليلٌ صريح على قُدْرته على بعثِهم وحسابهم بعد أن أوجَدهم، وفي ذلك دعوةٌ لهم إلى الإيمان بعد أن بيَّن اللهُ لهم مصيرَ من آمن ومصيرَ من كفر، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقرؤها في صلاةِ الفجر.

ترتيبها المصحفي
50
نوعها
مكية
ألفاظها
373
ترتيب نزولها
34
العد المدني الأول
45
العد المدني الأخير
45
العد البصري
45
العد الكوفي
45
العد الشامي
45

* سورةُ (ق):

سُمِّيت سورةُ (ق) بهذا الاسمِ؛ لافتتاحها بهذا الحرفِ.

* كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقرأُ سورة (ق) في صلاةِ الفجر:

عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه، قال: «إنَّ النبيَّ ﷺ كان يَقرأُ في الفجرِ بـ {قٓۚ وَاْلْقُرْءَانِ اْلْمَجِيدِ}، وكان صلاتُه بعدُ تخفيفًا». أخرجه مسلم (٤٥٨).

* وكذلك كان صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة (ق) في عيدَيِ الفطرِ والأضحى:

عن عُبَيدِ اللهِ بن عبدِ اللهِ: «أنَّ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ سألَ أبا واقدٍ اللَّيْثيَّ: ما كان رسولُ اللهِ ﷺ يَقرأُ في الفِطْرِ والأضحى؟ قال: كان النبيُّ ﷺ يَقرأُ بـ {قٓۚ وَاْلْقُرْءَانِ اْلْمَجِيدِ}، و{اْقْتَرَبَتِ اْلسَّاعَةُ وَاْنشَقَّ اْلْقَمَرُ}». أخرجه ابن حبان (٢٨٢٠).

1. إنكار المشركين للبعث (١-٥).

2. التأمُّل في الآيات (٦-١٥).

3. التأمل في الأنفس خَلْقًا ومآلًا (١٦-٣٨).

4. توجيهات للرسول، وتهديد للمشركين (٣٩-٤٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /402).

مقصودُ السورة الدَّلالة على قدرة الله عز وجل أن يَبعَثَ الناسَ بعد موتهم، وأكبَرُ دليلٍ على ذلك خَلْقُهم من عدمٍ، وهو أصعب من بعثِهم من موجود، وفي ذلك يقول البِقاعيُّ رحمه الله: «مقصودها: الدلالةُ على إحاطة القدرة، التي هي نتيجة ما خُتمت به الحُجُرات من إحاطةِ العلم؛ لبيانِ أنه لا بد من البعث ليوم الوعيد؛ لتنكشفَ هذه الإحاطةُ بما يحصل من الفصل بين العباد بالعدل؛ لأن ذلك سِرُّ المُلك، الذي هو سرُّ الوجود.

والذي تكفَّلَ بالدلالة على هذا كلِّه: ما شُوهِد من إحاطة مجدِ القرآن بإعجازه في بلوغه - في كلٍّ من جمعِ المعاني وعلوِّ التراكيب، وجلالة المفرَدات وجزالةِ المقاصد، وتلاؤم الحروف وتناسُبِ النظم، ورشاقة الجمع وحلاوة التفصيل - إلى حدٍّ لا تُطيقه القُوَى من إحاطةِ أوصاف الرسل، الذي اختاره سبحانه لإبلاغِ هذا الكتاب، في الخَلْقِ والخُلُق، وما شُوهِد من إحاطة القدرة بما هدى إليه القرآنُ من آيات الإيجاد والإعدام». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور " للبقاعي (3 /15).