تفسير سورة ق

حومد

تفسير سورة سورة ق من كتاب أيسر التفاسير المعروف بـحومد.
لمؤلفه أسعد محمود حومد .

﴿قَافْ﴾ ﴿والقرآن﴾
(١) - قَاف - اللهُ أعْلَمُ بِمُرادِهِ.
يُقسِمُ تَعَالى بالقُرآنِ المَجِيدِ، الكَثِير الخَيْرِ والبَرَكَةِ، عَلَى أنَّ مُحَمَّداً هُوَ مِنَ المُرسَلِينَ.
(وَقَدْ حُذِفَ المُقَسمُ عَلَيهِ لِوُضُوحِ الدَّلاَلَةِ عَلَيه، وَلِوُرُودِهِ في غَيْرِ مَكَانٍ مِنَ القُرآنِ، فَقَدْ جَاء في سُورة يس: ﴿يسا والقرآن الحكيم إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين﴾ وَقَوُلُهُ تَعَالى: ﴿بلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ.﴾
﴿الكافرون﴾
(٢) - لَقَدْ تَعَجَّبَ المُشْرِكُونَ مِنْ إرْسَالِ رَسُولٍ إليهْم مِنَ البَشَرِ، وَعَدُّوا ذَلِكَ مِنْ عَجَائِبِ الأمُورِ التي تَسْتَحِقُّ الدَّهْشَةَ والتَّامُّلَ. وَقال المُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيشٍ: إنَّهُ لَشَيءٌ عَجِيبٌ أنْ يأتِيَ رَجُلٌ مِنْهُمْ بِرِسَالَةٍ مِنَ اللهِ إليهِمْ.
﴿أَإِذَا﴾
(٣) - أبَعْدَ أنْ نَمُوتَ وَتَبْلَى عِظَامُنا، وَتُصبحَ تُراباً نَرْجِعُ إلى الحَيَاةِ، وَتَرجِعُ أجسَامُنَا كَما كَانَتْ عَلَيهِ مِن بُنْيةٍ وَتَركِيبٍ؟ إنَّ ذَلِكَ الرُّجوعَ بَعدَ الموتِ أمرٌ بَعيدُ الوُقُوعِ، وَلا يُصَدِّقُه العَقْلُ.
رَجْعٌ بَعِيدٌ - رُجُوعٌ إلى الحِيَاةِ غيرُ مُمكِنٍ.
﴿كِتَابٌ﴾
(٤) - وَيَرُدُّ اللهُ تَعَالى عَلَى هَؤُلاءِ المُشْرِكينَ المُكَذِّبِينَ بِالبَعْثِ والنَّشُورِ مُخبِراً أنَّهُ يَعْلَمُ مَا تأكُلُ الأَرْضُ مِنْ أجْسَادِ مَوْتَاهُمْ، وَعِظْامِهمْ، وَلاَ يَخْفى عَليهِ أينَ تَفَرَّقتْ ذَرَّاتُ أجْسَادِهِمْ، وأنَّ لَدَيهِ تَعالى كِتَاباً يَحْفَظُ كُلَّ شَيءٍ، وَيَضْبُطُ مَا يَعْلَمُ أتمَّ الضَّبْطِ.
(٥) - لَقَدْ كَذَّبُوا بِالنُّبُوَّةِ الثَّابِتَةِ بِالأدِلَّةِ وَالآياتِ مِنْ فَوْرِهِم، دُونَ تَفَكُّرٍ وَلا تَدَبُّرٍ، وَمَنْ كَذَّبَ بِالنُّبُوَّةِ فَقَدْ كَذَّبَ بِمَا أنْبَأ بهِ النَّبِيُّ مِنَ البَعْثِ والنَّشُورِ، فَهُم في قَلَقَ وأمْرٍ، مُضْطَرِبٍ، فَتَارَةً يَنْفُونَ الرِّسَالةَ عَنِ البَشَرِ، وَأخْرى يَقُولُونَ إنَّها سِحْرٌ وَكِهَانةٌ.
مَرِيجٍ - قَلِقٍ مُضْطَرِبٍ.
﴿بَنَيْنَاهَا﴾ ﴿زَيَّنَّاهَا﴾
(٦) - وَيَلْفِتُ اللهُ تَعَالى نَظَرَ هَؤُلاءِ المُشْرِكِينَ المُكَذِّبِينَ بِوُقُوعِ البَعْثِ إلى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَمَا فِيها مِنْ كَواكِبَ تُزَيِّنُها وَمَا في خَلْقِها مِن إِتْقَانٍ وَإِبْداعٍ، وَيَقُولُ لَهُمْ: أفَلَمْ يَنْظُرُوا إلى السَّماءِ فَوْقَهُم كَيفَ رَفَعَها اللهُ بِلا عَمَدٍ، وَزَيَّنَها بالكَواكِبِ لِيُدِرْكُوا أنَّ مَنْ أحْسَنَ خَلْقَها لَقَادِرٌ على إحْياءِ المَوْتى بَعْدَ فَنَاءِ أجْسَادِهِمْ لأنَّ خَلْقَ السَّماواتِ أكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ، كَمَا جَاءَ في آيةٍ أخْرَى.
فُرُوجٍ - شُقُوقٍ وَفُتُوقٍ.
﴿مَدَدْنَاهَا﴾ ﴿رَوَاسِيَ﴾
(٧) - ثُمَّ لَفَتَ اللهُ تَعَالى نَظَرَ هَؤُلاءِ المُشْرِكِين إلى خَلْقِ الأرْضِ وَمَا فِيها مِنْ بِحَارٍ وَجِبَالٍ وأنْهارٍ وَنَبَاتَاتٍ، فَقَالَ: أفَلَم يَنْظُرْ هؤُلاَءِ المُكَذِّبُونَ بِالبَعْثِ، إلى الأرضِ، كَيفَ مَدَّهَا اللهُ، وَبَسَطَها أمَامَ الأعيُنِ، وَجَعَل فِيها جِبَالاً ثَوابِتَ لِئلاَّ تَمِيدَ بِمَنْ عَلَيها مِنَ الخَلْقِ، وَلَكِيْلاَ تَضْطَربَ بِهِمْ، وَكَيفَ أنْبَتَ فِيها مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ أصْنَافِ النَّبَاتَاتِ، بَهيجٍ حَسَنِ المَنْظَرِ.
زَوْجٍ - صِنْفٍ.
بَهِيجٍ - حَسَنِ المَنْظَرِ يُبْهِجُ النُّفُوسَ.
مَدَدْنَاهَا - بَسَطْنَاهَا.
رَوَاسِيَ - جِبَالاً ثَوَابِتَ.
(٨) - وَقَدْ خَلَقَ اللهُ تَعَالى جَمِيعَ ذَلِكَ لِيَتَبَصَّرَ، بِهَذا الخَلْقِ البَدِيعِ، العَبْدُ المُنِيبُ للهِ وَيَعْتَبِرَ.
عَبْدٍ مُنِيبٍ - مُذْعِنٍ لِرَبِّهِ أوْ رَاجِعٍ إليهِ.
تَبْصِرَةً - وَسِيلَةً لِلتَّبَصُّرِ - عِظَةً وَعِبْرَةً.
﴿مُّبَارَكاً﴾ ﴿جَنَّاتٍ﴾
(٩) - وَأنْزَلَ اللهُ تَعَالى مِنَ السَّماءِ مَاءً كَثِيرَ النَّفْعِ والخَيرِ (مُبَارَكاً)، فَأنبَتَ بهِ البَسَاتِينَ، وَالحَدَائِقَ، وَالنَّبَاتَاتِ التي تُزرَعُ لِتُحْصَدَ ويُجمَعَ حَبُّها كَالحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ..
حَبَّ الحَصِيدِ - حَبَّ الزَّرْعِ الذِي يُحْصَدُ.
﴿بَاسِقَاتٍ﴾
(١٠) - وَأنْبَتَ اللهُ تَعَالى بِهَذَا المَاءِ الذِي أنْزَلَهُ مِنَ السَّماءِ أيْضاً أشْجَارَ النَّخِيلِ البَاسِقَةَ العَالِيَةَ التي لَهَا طَلْعٌ مَنْضُودٌ يَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضاً.
النَّخْلَ بَاسِقَاتٍ - طِوَالاً أوْ حَوَامِلَ.
طَلْعٌ - ثَمَرٌ في وِعَائِهِ.
نَضِيدٌ - مُنَضَّدٌ وَمُتَرَاكِمٌ، بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ؟
(١١) - وَقَدْ أخْرَجَ اللهُ تَعَالى، بِهذا المَاءِ، الحَبَّ والنَّخِيلَ وَالبَسَاتِينَ، لِيَكُونَ ذَلِكَ كُلُّهُ رِزْقاً لِلْعِبَادِ يأكُلُونَ مِنْهُ هُمْ وَأنْعَامُهُم، وأحْيا اللهُ بِهذا المَاءِ المُنَزَّلِ مِنَ السَّمَاءِ الأرْضَ المَوَاتَ المُجْدِبَةَ التي لا نَبَاتَ فِيها، فَأنْبَتَتْ وَاخْضَرَّتْ فَانْتَفَعَ بِها النَّاسُ والأنْعَامُ.
وَكَمَا أخْرَجَ اللهُ النَّبَاتَاتِ وَالأشْجَارَ مِنَ الأرْضِ المَواتِ بإنزالِ المَطَرِ عَلَيها، كَذَلِكَ يُخْرِجُ اللهُ الأموَاتَ مِنْ قُبُورِهِمْ، وَيُحيِيِهمْ، وَيُعِيدُ خَلْقَ أجْسَادِهِمْ، وَلا شَيءَ يَسْتَعْصِي عَلَى قُدْرَةِ اللهِ تَعَالى.
كَذِلِكَ الخُرُوجُ - كَذَلِكَ يُخْرِجُ الأمواتَ مِنْ قُبُورِهِمْ يَوَمَ القِيَامَةِ.
﴿أَصْحَابُ﴾
(١٢) - بَعْدَ أنْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالى تَكْذِيبَ الأمَمِ الخَالِيَةِ، أشَارَ هُنَا إلى مَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ عِقَابٍ، جَزَاءً لَهُمْ عَلَى كُفْرِهِم، وَتَمادِيهِمْ في الضَّلاَلَةِ والتَّكْذِيبِ لِرُسُلِ اللهِ، واسْتَهْزائِهِم بِمَا أنْذَرَهُم بهِ رُسُلُهُمْ مِنْ عَذاب اللهِ، وَهُوَ بِذَلِكَ يُهدِّدُ مُشْرِكي قُريشٍ، وَيُحَذِّرُهُمْ مِنْ أنْ يَحِلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ بالمُكَذِّبِينَ مِنَ الأمَمِ الخَالِيَةِ.
وَأخبَرَ تَعَالى: أنّ قَوَمَ نُوح كَذَّبُوا رَسُولَهُم نُوحاً فأغْرَقَهُم اللهُ بالطُّوفَان. وَكَذَّبَ أصْحَابُ الرَّسَّ رَسُولَهُمْ فَأهلَكَهُمُ اللهُ. وَكَذَّبَتْ ثَمُودُ رَسُولَهُمْ صَالِحاً فأهْلَكَهُمُ اللهُ بالصِّيَحَةِ.
أصْحَابُ الرَّسَّ - أصْحَابُ البِئْرِ.
﴿إِخْوَانُ﴾
(١٣) - وَكَذَّبَتْ عَادٌ رسُولَهُم هُوداً فأهْلَكَهُم اللهُ، بالرِّيحِ العَقِيم، وَكَذَّبَ فِرْعَونُ مُوسَى وَهَارُونَ فأغْرقَه اللهُ وَقَوْمَهُ في البَحْرِ. وَأهْلَكَ اللهُ تَعَالى قَوْمَ لُوطٍ بَعْدَ أنْ أصَرَّوا عَلَى الكُفْرِ والفُسُوقِ وَإتيَانِ الفَاحِشَةِ، فَجَعلَ اللهُ عَاليَ بِلادِهِمْ سَافِلَهَا.
﴿أَصْحَابُ﴾
(١٤) - وَكَذَّبَ أصْحَابُ الأيْكَةِ (وَهُمْ قَوْمُ شُعَيِبٍ)، رَسُولَهم شُعَيْباً فَأهْلَكَهُمُ اللهُ بالرَّجْفَةِ، وَعَذَابِ يَوْمِ الظُّلَّةِ. وَكَذَلِكَ أهْلَكَ اللهُ تَعَالى قَوْمَ تُبَّعٍ لِتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَ رَبَّهِمْ، وَإقَامَتِهِمْ عَلَى الكُفْرِ وَالضَّلالِ.
وَكُلُّ هَؤلاءِ الأقوَامِ كَذَّبوا رَسُلَ اللهِ فيما جَاؤُوهُمْ بِهِ، فَحَقَّ عَلَيهِمْ أنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مَا أوْعَدَهُمْ بهِ اللهُ مِنْ عَذَابٍ أليمٍ.
أصْحَابُ الأيْكَةِ - أصْحَابُ الغَيظَةِ الكَثِيفَةِ المُلْتَفَّةِ الأشْجَارِ وَهُمْ قَوْمُ شُعَيبٍ.
(١٥) - وَيَسْألُ اللهُ تَعَالى المُكَذِّبينَ مِنْ قُرَيشٍ مُسْتَنكِراً ظَنَّهُمُ استِحَالَةَ البَعْثِ بَعْدَ المَوْتِ: هَلْ أعْجَزَ اللهَ خَلْقَ النَّاسِ ابتِدَاءً، حَتَّى يَشُكَّ هَؤلاءِ في قُدْرَتِهِ عَلى إعَادَةِ الخَلْقِ مِنْ جِديدٍ؟ وَمَا دَامَ أنَّهُ تَعَالى لَمْ يَصْعُبْ عَليهِ خَلْقُ البَشَرِ ابتِدَاءً، لِذَلِكَ فَإِنَّهُ لا يَصْعُبُ عَلَيهِ إعَادَةُ بَعْثِهمْ، لأنَّ الإعَادَةَ أسْهَلُ مِنَ الابْتِدَاءِ.
(وَجَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: يَقُولُ اللهُ تَعَالى: " يُؤْذِيني ابْنُ آدَمَ يَقُولُ: لَنْ يَعِيدَنِي كَمَا بَدأني، وَلَيسَ أوَّلُ الخَلْقِ بأهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إعَادَتِهِ ").
أَفَعَيِينَا - أفَعَجِزْنَا عَنْهُ؟ كَلاَّ.
في لَبْسٍ - في شَكٍّ وَشُبَهَةٍ.
﴿الإنسان﴾
(١٦) - يُؤَكِّدُ اللهُ تَعَالى قُدْرَتَهُ عَلَى بَعْثِ الأمْواتِ مِنَ القُبُورِ يَوْمَ القيَامَةِ، بأنَّهُ الذِي خَلَقَ الإنسَانَ، وأنْشَأهُ مِنْ عَدَمٍ، وَأنَّهُ عَالِم بِجَمِيعِ أحْوَالِهِ وَأعْمَالِهِ وَأمُورِهِ، حَتَّى إنَّه لَيَعْلَمُ مَا يَتَرَدَّدُ في نَفْسِهِ مِنْ فِكْرٍ، وَمَا تُحَدَّثُهُ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ عَمَلٍ، خَيْراً كَانَ أوْ شَرّاً.
(وَقَدْ جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: " إنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لأمَّتي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أنْفُسَها مَا لَم تَقُلْ أوْ تَفْعَلْ ").
ثُمَّ يَقُولُ تَعَالى: إنَّ الإِنسَانَ تَحْتَ سُلْطَانِ اللهِ وَقَهْرِهِ، وَإِنَّ مَلاَئِكَةَ الرَّحْمَنِ المُكَلَّفِينَ بِحِفْظِ الإِنسَانِ وَإِحْصَاءِ أعْمَالِهِ هُمْ مُلازِمُونَ لَهُ دَائماً، حَتَّى إنَّهم بِالنِّسْبَةِ إليهِ أقْرَبُ مِنَ الوَرِيدِ الذِي يَمْتَدُّ في عُنُقهِ.
حَبْلِ الوَرِيدِ - عِرْقٍ كَبيرٍ في العُنُقِ.
(١٧) - إنَّ اللهَ تَعَالى عَالِمٌ بِجَمِيعِ أحْوَالِ الإِنْسَانِ. وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ وَكَّلَ بِهِ مَلَكِينِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ يَرْقُبَانِهِ وَيَتَرَصَّدَانِهِ، وَيُحْصِيَانِ عَليهِ كُلَّ قَوْلٍ أوْ عَمَلٍ وَيْكْتُبَانِهِ. مَلكٌ عَنِ اليَمِينِ يَكْتُبُ الحَسَنَاتِ، وَمَلكُ عَنِ الشِّمالِ يَكْتُبُ السَّيِّئاتِ.
قَعِيدٌ - قَاعِدٌ.
(١٨) - وَلاَ يَصْدُرُ عَن الإِنسَانِ لَفْظ أوْ كَلمَةٌ إلاَّ وَلَديهِ مَلكٌ حَاضِرٌ مَعَهُ، مُرَاقِبٌ لأعْمالِه يُثبتُها في صَحِيفَتِهِ.
عَتِيدٌ - جَاهِزٌ وَمُهَيَّأ لِلْكِتَابَةِ.
رَقيبٌ - مُرَاقِبٌ.
(١٩) - وَإِنَّ الكُفَّارَ المُكَذِّبينَ بالبَعْثِ لِيَعْلَمُونَ صِدْقَ ذَلِكَ حِينَ المَوْتِ، وَحِينَ قِيَامِ السَّاعَةِ، فَإِذا جَاءتْ سَكْرَةُ المَوتِ كَشَفَتْ للإِنسَانِ عَن اليَقينِ الذِي كَانَ يَمْتَرِي فيهِ، وَعَلِمَ أنَّ البَعْثَ حَقٌّ لاَ شَكَّ فِيهِ. وَسَكْرَةُ المَوْتِ وَمَا تَكْشِفُهُ لِلإنْسَانِ مِنْ يَقِينٍ، وَحَقَائِقَ، هِيَ الحَقُّ الذِي كُنْتَ يَا أيُّها الإِنسَانُ تَفِرُّ مِنْهُ وَتَتَجَنَّبُهُ (تَحِيدُ)، وَهَا قَدْ جَاءَكَ، فَلا مَحِيدَ لَكَ عَنْهُ، وَلا مَهْرَبَ وَلاَ مَنَاصَ.
سَكُرَةُ المَوْتِ - شِدَّتُهُ وَغَمْرَتُهُ.
تَحِيدُ - تَفِرُّ مِنْهُ وَتَهرُبُ.
(٢٠) - وَنُفِخَ في الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ، فَذَلِكَ هُو يَوْمُ القِيَامَةِ قَدْ جَاءَكَ بأهْوالِهِ، وَهُوَ اليَوْمُ الذِي أوْعَدَ اللهُ الكَافِرِينَ بأنَّهُ سَيْجزِيهِمْ فِيهِ عَلَى كِفْرِهِمْ بِالعَذَابِ الأَلِيمِ.
﴿سَآئِقٌ﴾
(٢١) - وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ في ذَلِكَ اليَوْمِ رَبَّها وَمَعَهَا سَائِقٌ يَسُوقُها إليهِ، وَشَاهِدٌ يَشْهَدُ عَلَيها بِمَا عَمِلَتْ في الدُّنيا مِنْ خَيرٍ وَشَرٍّ.
(٢٢) - وَيُقَالُ للإِنسَانِ في ذَلِكَ اليَوْمِ: إنَّكَ كُنْتَ في غفْلَةٍ عَنْ هَذا اليَومِ، وََمَا فيهِ مِنْ أهْوالٍ وشَدَائدَ وَقَدِ انْجَلَى لَكَ ذَلِكَ، وَظَهَرَ لَكَ، حَتَّى رَأيتَهُ عِيَاناً فَزَالَتْ عَنْكَ هَذِهِ الغَفْلَةُ.
الغْطَاءُ - الحِجَابُ - وَهُوَ حِجَابُ الغَفْلَةِ عَنِ الآخِرَةِ.
(٢٣) - وَيُقَدِّمُ المَلكُ المُكَلَّفُ بِمُراقَبةِ الإِنسَانِ صَحِيفَةَ أعْمالِهِ إِلى الرَّبِّ العَظِيمِ، وَيَقُولُ: هذا الذِي وَكَّلْتَني بهِ يَا رَبِّ قَدْ أَحْضَرْتُهُ وَأَحْضَرْتُ صَحِيفةَ أعْمالِهِ في حَياتِهِ الدُّنيا، فَهُوَ مُهَيّأٌ لاَ يَحْتَاجُ إِلى تَهْيِئةٍ وَإِعْدادٍ.
(وَقَيْلَ إِنَّ المُرادَ بالقَرِينِ هُنَا الشَّيطَانُ الذِي كَانَ مُقَيَّضاً لهُ في الحَيَاةِ الدُّنيا. وَهُوَ مَا تَدُلُّ عَليهِ الآيةُ ٢٧ التَّالِيةُ).
عَتِيدٌ - مُعَدٌّ - حَاضِرٌ وَمُهَيَّأٌ لِلْعَرْضِ.
(٢٤) - وَبَعْدَ أنْ يَقْضِيَ اللهُ تَعَالى بَيْنَ الخَلاَئِقِ بَعدِلِهِ التَّامِّ، يَأمرُ تَعَالى السَّائقَ وَالشَّهِيدَ بأنْ يُلْقِيَا في جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ شَدِيدِ الكُفْرِ والتَّكْذِيبِ، مُعَانَدٍ لِلحَقِّ، مُعَارِضٍ لَهُ بِالبَاطِلِ.
عَنِيدٍ - شَدِيدِ العِنَادِ وَالمُجَافَاةِ لِلْحَقِّ.
(٢٥) - كَانَ لاَ يُؤدِّي مَا عَليهِ مِنَ الحُقُوقِ، وَلاَ يُنفِقُ في سَبيلِ البِرِّ، والصَّدَقةِ، وَصِلةِ الرَّحِمِ، وَكَانَ مُعْتَدياً عَلَى خَلْقِ اللهِ يُؤْذِيهِم بِلِسَانِهِ وَيَدِهِ ظُلْماً وَعُدْواناً، وَهُوَ يُثيرُ الرِّيبَةَ والشَّكَّ لمنْ نَظَر إليهِ.
مُعْتَدٍ - ظَالِمٍ مُتَجَاوِزٍ الحَدَّ.
مُرِيبٍ - شَاكٍّ في اللهِ وَدِينِهِ - أوْ مُثِيرٍ للشَّكِّ والرِّيبَةِ.
﴿آخَرَ﴾
(٢٦) - وَقَدْ أشْرَكَ باللهِ فَعَبَدَ مَعَهُ غَيْرهُ. ثُمَّ يُكَرِّرُ تَعَالَى الأمْرَ لِلْمَلكَينِ، السَّائِقِ والشَّهِيدِ، بأنْ يَقْذِفا هَذا المُسْتَحِقَّ لِلعَذابِ في نارِ جَهَنَّمَ لِيَذُوقَ العِذَابَ الشَّدِيدَ المُؤْلِمَ.
﴿ضَلاَلٍ﴾
(٢٧) - وَيُحَاوِلُ الكَافِرُ أنْ يَعْتَذِرَ للرَّبِّ العَظِيمِ عَنْ كُفْرِهِ وَمُعَانَدَتِهِ وَطُغْيَانِهِ، فَيَقُولُ للرَّبِّ: إنَّ قَرِينَهُ الشَّيْطَانَ أطغَاهُ، وَزَيَّنَ لهُ الكُفْرَ وَالمَعَاصِيَ، فَيَرُدُّ عَليهِ قرينهُ قَائِلاً للرَّبِ الكَريمِ: إنَّه لم يَحْمِلْهُ عَلى الضَّلالِ والطُّغْيَانِ، وَإنَّما كَانَ هُوَ نَفْسُهُ مُغْرِقاً في الضَّلاَلةِ ومُعَانَدَةِ الحَقِّ، فَسَارَ في الطَّرِيقِ الذِي يَتَّفِقُ مَعَ هَوَى نَفْسِهِ.
أطْغَيْتُهُ - حَمَلْتُهُ عَلَى الطُّغْيَانِ.
(٢٨) - وَيَقُولُ اللهُ تَعَالى لِلكَافِرِ المُعَانِدِ مِنَ الإِنسِ، ولِقَرينِهِ مِنَ الجِنِّ: لا تَتَخَاصَما عِنْدِي وَلاَ تَتَجَادلا، فَقَدْ أرْسَلتُ الرُّسُلَ إليكم مُحذِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ أهْوَالَ هذا اليَوْمِ، وَأنَُّكُمْ سَتُحَاسَبُونَ عَلَى أعْمَالِكُمْ جَميعاً، فَلاَ عُذْرَ لَكُمُ اليَوَمَ، وَقَدْ قَامَتْ عَلَيكُمُ الحُجَّةُ.
﴿بِظَلاَّمٍ﴾
(٢٩) - لا يُبَدِّلُ القَضَاءُ الذِي قَضَيْتُهُ بَيْنَ العِبَادِ، وَأنَا لاَ أظْلمُ أحَداً من عِبَادِي، فَلا أُعَذِّبُ أحَداً بِذَنْبِ غَيْرِهِ، وَلا أُحمِّلُ نَفْساً ذَنْباً ارْتَكَبَهُ غَيْرُها، وَلاَ أعذِّبُ أحَداً إلاَّ بِذَنْبِهِ، وَبَعْدَ قِيَامِ الحُجَّةِ عَلَيهِ.
(٣٠) - وَيَحْدُثُ كُلُّ مَا تَقَدَّمَ في يَوْمِ القِيَامَةِ، وَهُوَ اليَوْمُ الذِي يَسْألُ فِيهِ الرَّبُّ تَعَالى جَهَنَّمَ وَيَقُولُ لَها: هَلِ امْتلأت بِمَنْ دَخَلَهَا مِنْ أفْوَاجِ الكُفَّارِ والمُجْرِمِينَ وَالعُصَاةِ؟ وَتَرُدُّ جَهَنَّمُ قَائِلَةً: وَهَلْ بقِيَ شَيءٌ تَزِيدُونَنِي بِهِ مِنْ هَؤُلاءِ الظَّالِمِينَ.
(٣١) - وَأُدنِيَتِ الجَنَّةُ مِنَ المُتَّقِين، الذِين آمَنُوا بِرَبِّهِم وَخَافُوهُ، وَاجْتَنَبُوا مَعَاصِيَه، حَتَّى أصْبَحَتْ على مرآى العِينِ مِنْهُم، وَذَلِكَ لِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُهم، وَهُمْ يَرَوْنَ فيها مَا أُعِدَّ لَهُمْ مِنْ لَهُمْ مِنْ نَعِيمٍ لا نَفَاذَ لَهُ.
أُزْلِفَتْ - قُرِّبَتْ وأدنِيَتْ.
(٣٢) - وَيُقَالَ للْمُتَّقِينَ - يَقُولُهُ الرَّبُّ تَعَالى أوْ يَقُولُه المَلاَئِكَةُ الأطْهَارُ - هَذا هُوَ النَّعِيمُ الذِي وَعَدَكُم بِهِ رَبُّكُمْ على ألسنةِ رُسُلِهِ الكِرَامِ، وَجَاءَتْ بِهِ كُتُبُهُ، وَقَدْ أعَدَّهُ اللهُ تَعَالى لِكُلِّ رِجَّاعٍ ثَوَّابٍ إلى رَبِّهِ، مُقْلعٍ عَنْ مَعَاصِيهِ، رَجَّاعٍ إلى اللهِ بالتَّوبَةِ.
(٣٣) - مَنْ خَافَ اللهَ في سِرِّهِ في الوَقْتِ الذِي لَمْ يَكُنْ أحَدٌ يَرَاهُ غَيرَ اللهِ، وَجَاء اللهَ يَومَ القِيَامةِ بِقَلْبِ مُنِيبٍ خَاضِعٍ لَهُ.
مُنِيبٍ - مُخْلِصٍ مُقْبِلٍ على طَاعَةِ اللهِ.
﴿بِسَلاَمٍ﴾
(٣٤) - وَيُقَالُ لهؤلاءِ الأبرارِ المُكَرَّمِينَ: ادْخُلُوا الجَنَّةَ سَالِمِينَ مِنَ العَذَابِ وَالهُمُومِ وَالخَوفِ، واطْمَئِنُّوا وَقَرُّوا عَيناً فَهَذا يَوْمُ الخُلُودِ في هذا النَّعِيمِ، فَهُو دَائِمٌ عَلَيكُم لاَ تَحُولُونَ عَنْهُ وَلا تَزُولُونَ، وَلاَ أَنْتُمْ مِنْهُ تُخْرَجُونَ.
﴿يَشَآءُونَ﴾
(٣٥) - وَلَهُم فيها مَا يَطْلُبُونَ وَمَا يَشْتَهُونَ، ثُمَّ يَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ فَوْقَ مَا سَألوا ممَّا لمْ يَخْطُرْ لَهُمْ عَلَى بَالٍ.
﴿البلاد﴾
(٣٦) - وَكَثيراً مِنَ الأمَمِ الخَالِيَةِ أهْلَكَها اللهُ تَعَالَى، وَكَانُوا أشَدَّ مِنْ كُفَّارِ قُريشٍ بَطْشاً، وأكثرَ مِنْهُم قُوَّةً، وَسَلَكُوا في الأرضِ كُلَّ مَسْلَكٍ، وَسَاروا في كلِّ طَريقٍ يَطُوفُونَ في البِلاَدِ طَلباً للرِّزقِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَهْربٌ مِنْ قَضَاءِ اللهِ وأمْرهِ حِينَما جَاءَهُمْ، فَلْيَحْذَرَ كُفَّارُ قُريشٍ أنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مِثْلُمَا نَزَلَ بِتْلِكَ الأُمَمِ الخَالِيَةِ مِنَ العِذَابِ والدَّمَارِ.
كَمْ أهْلَكْنا - كَثِيراً مَا أهْلَكْنا.
قرْنٍ - أمَّةٍ.
بَطْشاً - قُوَّةً أوْ أخْذاً شَدِيداً.
نَقَّبُوا - طَوَّفُوا.
مَحيصٍ - مَهْرَبٍ.
(٣٧) - وَفيما تَقَدَّمَ مِنَ الأخْبَارِ وَالدَّعْوةِ إلى الاعْتِبَارِ والاتِّعَاظِ لَتَذْكِرَةٌ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلبٌ يَعي به، وَأُذْنٌ يَسْمَعُ بها، وَهُوَ حَاضرُ القَلْبِ.
شَهِيدٌ - حَاضِرُ القَلْبِ.
﴿السماوات﴾
(٣٨) - يُؤَكِّدُ اللهُ تَعَالى لِهؤُلاءِ المُكَذَّبِينَ بالبَعْثِ أنَّهُ قَادِرٌ عَلَى بَعْثِهِمْ مِنْ قُبُورِهِمْ بَعْدَ أنْ يَصِيرُوا عِظَاماً نَخِرَةً بَالِيَةً، فَهُوَ الذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأرْضَ في سِتَّةِ أيَّامٍ، وَلَم يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ، وَلم يُعْجِزهُ خَلْقُ شَيءٍ فِيهِنَّ، وَلَمْ يَمَسَّهُ تَعَالى إعياءٌ وَلاَ تَعَبٌ.
(وفي هذا تَكْذِيبٌ لمَا يَعْتَقِدُهُ اليَهُودُ مِنْ أنَّهُ تَعَالى خَلَقَ السَّمَاوِاتِ وَالأرضَ في سِتَّةِ أيامٍ، وَاسْتَرَاحَ في اليَومِ السَّابعِ).
لَغُوبٍ - تَعَبٍ وَإعْيَاءٍ.
(٣٩) - فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُهُ المُكَذِّبُونَ مْنَ قومِكَ، واهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً، وَنَزِّهْ ربَّكَ عَمّا لا يَلِيقُ بِجَلالِهِ، واحْمَدْهُ عَلَى مَا أنْعَمَهُ عَلَيكَ، وَقْتَ الفَجْرِ، وَوَقْتَ العَصْرِ، لِعِظَمِ العِبَادَةِ في هذينِ الوَقْتَينِ.
﴿الليل﴾ ﴿أَدْبَارَ﴾
(٤٠) - وَسَبِّحْ رَبَّكَ وَنَزِّهْهُ واحْمَدْهُ في آنَاءِ اللْيلِ، وَبَعْدَ أدَاءِ الصَّلَواتِ أدْبَارَ السُّجُودِ - أعْقَابَ الصَّلَوَاتِ.
(٤١) - واسْتَمِعْ يَا مُحمَّدُ إلى ما أُخْبِرُكَ بِهِ ممَّا يَجْرِي يَوْمَ القِيَامةِ، فَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ يَقُومُ مُنادِي اللهِ في مِكَانٍ قَريبٍ، فَيُنَادِي فَيَصِلُ نِدَاؤهُ إلى جَمِيعِ الخَلاَئِقِ، وَيَقُولُ: هَذا يَوُمُ الحِسَابِ فأسْرِعُوا في الخُروجِ.
(٤٢) - وَيَوْمَ يَسْمَعُ الأمْواتُ صَوْتَ المُنَادِي (وَقيلَ إنَّهُمْ يَسْمَعُونَ النَّفْخَةَ الثَّانِيَةَ التي تُنفَخُ في الصُّورِ) يَخْرُجُونَ مُسْرِعِينَ في الأرْضِ كَأنَّهُم جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ، فَيُقَالُ لَهُم هَذا هُوَ يَوْمُ البَعْثِ وَالخُرُوجِ مِنَ القُبُورِ.
الصَّيْحَةَ - النِّدَاءَ أوْ صَيْحَةَ البَعْثِ أوِ النَّفْخَةَ الثَّانِيَةَ في الصُّورِ.
(٤٣) - يُعْلِمُ اللهُ تَعَالى العِبَادَ بأنَّهُ هُوَ الذِي خَلَقَ الخَلْقَ وأحيَاهُم، وَأنَّهُ هُو الذِي يُمِيتُهُمْ حِينَ تَنْقَضِي آجَالُهُمْ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ إليهِ يَوْمَ القِيَامَةِ ليُحَاسِبَهُم عَلَى أعْمَالِهِمْ.
(٤٤) - وَفي يَوْمِ القِيَامَةِ تَتَشَقَّقُ الأرْضُ فَيخْرُجُ الموتى مُسْرِعِينَ، وَيَكُونُ ذلِكَ الحَشْربُ لِلْعِبادِ هَيِّناً يَسيراً عَلَى اللهِ تَعَالى، لاَ عُسْرَ فِيهِ، وَلاَ مَشَقَّةَ.
تَشَقَّثُ - تَتَصَدَّعُ.
سِراعاً - مُسْرِعينَ إلى الدَّاعِي.
﴿بالقرآن﴾
(٤٥) - يُسلِّي اللهُ تَعَالى رَسُولَهُ الكَريمَ عَمّا يُلاقيهِ مِنْ تَكْذِيبِ المُكَذِّبينَ، وَمُعَانَدَةِ المُعَانِدِينَ، فَيَقُولُ لَهُ: إنَّ عِلْمَهُ مُحِيطٌ بِمَا يَقُولُهُ المُشْرِكُونَ مِن افتراءٍ، وَتَكذِيبٍ، واستِهْزاءٍ، وَمِنْ إنكَارٍ لِلبَعْثِ، وَمَا أَنْتَ إلا رَسُولٌ مُكَلَّفٌ بإبلاغِهِم مَا أمرَكَ بِهِ رَبُّكَ، وَمَا أنتَ بِمُسَلَّطٍ عَلَيهِم لِتُجْبِرَهُم عَلَى الإِيمانِ، فَذَكِّر بالقُرآنِ مِنْ يَخَافُ وَعِيدَ اللهِ، الذِي أنْذَرَ بهِ العُصَاةَ، فَهُو الذِي يَتضذَكَّررُ وَيَنْتَفِعُ بالتَّذَكُّر.
جِبَّارٍ - مَنْ يَسْتَطِيعُ غَيْرِهِ عَلَى فِعْلِ مَا يُرِيدُ.
سورة ق
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (ق) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (المُرسَلات)، وقد افتُتحت بالتنويه بهذا الكتابِ، وتذكيرِ الكفار بأصل خِلْقتهم، وقدرة الله عز وجل على الإحياء من عدمٍ؛ وذلك دليلٌ صريح على قُدْرته على بعثِهم وحسابهم بعد أن أوجَدهم، وفي ذلك دعوةٌ لهم إلى الإيمان بعد أن بيَّن اللهُ لهم مصيرَ من آمن ومصيرَ من كفر، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقرؤها في صلاةِ الفجر.

ترتيبها المصحفي
50
نوعها
مكية
ألفاظها
373
ترتيب نزولها
34
العد المدني الأول
45
العد المدني الأخير
45
العد البصري
45
العد الكوفي
45
العد الشامي
45

* سورةُ (ق):

سُمِّيت سورةُ (ق) بهذا الاسمِ؛ لافتتاحها بهذا الحرفِ.

* كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقرأُ سورة (ق) في صلاةِ الفجر:

عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه، قال: «إنَّ النبيَّ ﷺ كان يَقرأُ في الفجرِ بـ {قٓۚ وَاْلْقُرْءَانِ اْلْمَجِيدِ}، وكان صلاتُه بعدُ تخفيفًا». أخرجه مسلم (٤٥٨).

* وكذلك كان صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة (ق) في عيدَيِ الفطرِ والأضحى:

عن عُبَيدِ اللهِ بن عبدِ اللهِ: «أنَّ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ سألَ أبا واقدٍ اللَّيْثيَّ: ما كان رسولُ اللهِ ﷺ يَقرأُ في الفِطْرِ والأضحى؟ قال: كان النبيُّ ﷺ يَقرأُ بـ {قٓۚ وَاْلْقُرْءَانِ اْلْمَجِيدِ}، و{اْقْتَرَبَتِ اْلسَّاعَةُ وَاْنشَقَّ اْلْقَمَرُ}». أخرجه ابن حبان (٢٨٢٠).

1. إنكار المشركين للبعث (١-٥).

2. التأمُّل في الآيات (٦-١٥).

3. التأمل في الأنفس خَلْقًا ومآلًا (١٦-٣٨).

4. توجيهات للرسول، وتهديد للمشركين (٣٩-٤٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /402).

مقصودُ السورة الدَّلالة على قدرة الله عز وجل أن يَبعَثَ الناسَ بعد موتهم، وأكبَرُ دليلٍ على ذلك خَلْقُهم من عدمٍ، وهو أصعب من بعثِهم من موجود، وفي ذلك يقول البِقاعيُّ رحمه الله: «مقصودها: الدلالةُ على إحاطة القدرة، التي هي نتيجة ما خُتمت به الحُجُرات من إحاطةِ العلم؛ لبيانِ أنه لا بد من البعث ليوم الوعيد؛ لتنكشفَ هذه الإحاطةُ بما يحصل من الفصل بين العباد بالعدل؛ لأن ذلك سِرُّ المُلك، الذي هو سرُّ الوجود.

والذي تكفَّلَ بالدلالة على هذا كلِّه: ما شُوهِد من إحاطة مجدِ القرآن بإعجازه في بلوغه - في كلٍّ من جمعِ المعاني وعلوِّ التراكيب، وجلالة المفرَدات وجزالةِ المقاصد، وتلاؤم الحروف وتناسُبِ النظم، ورشاقة الجمع وحلاوة التفصيل - إلى حدٍّ لا تُطيقه القُوَى من إحاطةِ أوصاف الرسل، الذي اختاره سبحانه لإبلاغِ هذا الكتاب، في الخَلْقِ والخُلُق، وما شُوهِد من إحاطة القدرة بما هدى إليه القرآنُ من آيات الإيجاد والإعدام». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور " للبقاعي (3 /15).