تفسير سورة ق

تفسير ابن أبي زمنين

تفسير سورة سورة ق من كتاب تفسير القرآن العزيز المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين.
لمؤلفه ابن أبي زَمَنِين . المتوفي سنة 399 هـ
تفسير سورة ق وهي مكية كلها.

قَوْله ﴿ق﴾ تَفْسِير بَعضهم: هُوَ جبل مُحِيط بالدنيا.
268
قَالَ محمدٌ: وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: هُوَ جبل أَخْضَر من زمرد، خضرَة السَّمَاء مِنْهُ. وَذكر قطرب أَن قِرَاءَة الْحسن ﴿ق﴾ بِالْجَزْمِ.
قَالَ يحيى: وبَعْضُهم يجر قَاف وَالْقُرْآن الْمجِيد؛ يَجعله على الْقسم، وَمعنى (الْمجِيد): الْكَرِيم على اللَّه، وَمن جزم جعل الْقسم من (وَالْقُرْآن الْمجِيد).
قَالَ الْحسن: وَقع الْقسم على تعجْب الْمُشْركين مِمَّا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد.
269
قَوْله: ﴿بل عجبوا﴾ أَي: لقد عجبوا؛ يَعْنِي: الْمُشْركين ﴿أَن جَاءَهُم مُنْذر مِنْهُم﴾ يَعْنِي: النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم فِي النّسَب ينذر من عَذَاب اللَّه ﴿فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ﴾ أَي: عجب
﴿أئذا متْنا وَكُنَّا تُرَابا﴾ على الِاسْتِفْهَام ﴿ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ﴾ يُنكرُونَ الْبَعْث؛ أَي: إِنَّه لَيْسَ بكائن،
قَالَ اللَّه: ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا تنقص الأَرْض مِنْهُم﴾ مَا تَأْكُل الأَرْض مِنْهُم إِذا مَاتُوا، تَأْكُل كل شيءٍ إِلَّا عَجْبَ الذَّنَب ﴿وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ﴾ تَفْسِير بَعضهم: يَقُول: هُوَ اللَّوْح الْمَحْفُوظ
﴿فهم فِي أَمر مريج﴾ مُلْتبسٍ؛ يَعْنِي: فِي شّكٍ من الْبَعْث.
﴿كَيفَ بنيناها وزيناها﴾ يَعْنِي: بالكواكب ﴿وَمَا لَهَا من فروج﴾ من شقوق.
﴿وألقينا فِيهَا رواسي﴾ الرواسِي: الْجبَال أَثْبَتَ بهَا الأرضَ ﴿وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بهيج﴾ حسن، وكل مَا ينْبت فِي الأَرْض فالواحد مِنْهُ زوج
﴿تبصرة﴾
269
أَي: يتفكر فِيهِ الْمُؤمن، فَيعلم أَن الَّذِي خلق هَذَا قادرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى، وَأَنْ مَا وعد اللَّه من الْآخِرَة حق.
قَالَ مُحَمَّد: (تبصرة) منصوبٌ بِمَعْنى: فصَّلنا ذَلِك للتبصرة، وليدل على الْقُدْرَة.
﴿وَذِكْرَى لِكُلِّ عبد منيب﴾ مقبل إِلَى اللَّه بإخلاص لَهُ
270
﴿فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ﴾ وَهُوَ كل مَا يحصد؛ فِي تَفْسِير الْحسن.
قَالَ محمدٌ: (حب الحصيد) الْمَعْنى: الْحبّ الحصيد، فأضاف الْحبّ إِلَى الحصيد؛ كَمَا يُقَال: صَلَاة الأولى؛ يُرَاد الصَّلَاة الأولى، وَمَسْجِد الْجَامِع؛ يُرَاد المسجدُ الْجَامِع.
قَوْله: ﴿وَالنَّخْل باسقات﴾ يَعْنِي: طوَالًا.
قَالَ محمدٌ: يُقَال: بسق الشَّيْء بُسُوقًا إِذا طَال.
﴿لَهَا طلع نضيد﴾ أَي: منضودٌ بعْضُه فَوق بعض
﴿رزقا للعباد﴾ أَي: أنبتناه رزقا للعباد ﴿وَأَحْيَيْنَا بِهِ﴾ بالمطر ﴿بَلْدَة مَيتا﴾ يابسة لَيْسَ فِيهَا نَبَات فأنبتت ﴿كَذَلِك الْخُرُوج﴾ الْبَعْثَ. يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا مَنِيًّا كمني الرِّجَال ينْبت بِهِ جسمانهم ولحمانهم، كَمَا ينْبت الأَرْض الثرى.
تَفْسِير الْآيَات من ١٢ وَحَتَّى ١٥ من سُورَة ق.
﴿كذبت قبلهم﴾ قبل يَوْمك يَا محمدُ ﴿قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرس﴾ الرس: بِئْر كَانَ (ل ٣٣٥) عَلَيْهَا قوم فنسبوا إِلَيْهَا.
﴿وإخوان لوط﴾ إخْوَان فِي النّسَب لَا فِي الدّين ﴿وَأَصْحَاب الأيكة﴾ الغيضة وَقد فسرنا أَمرهم فِي سُورَة الشُّعَرَاء
﴿وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحق وَعِيد﴾ يَقُول: جَاءَتْهُم الرُّسُل يَدعُونَهُمْ إِلَى الْإِيمَان، ويحذرونهم الْعَذَاب، فكذبوهم فَجَاءَهُمْ الْعَذَاب، يحذر بِهَذَا مُشْركي الْعَرَب
﴿أفعيينا بالخلق الأول﴾ تَفْسِير الْحسن: يَعْنِي: خلق آدمَ، أَي: لم يعي بِهِ ﴿بَلْ هم فِي لبس﴾ فِي شكٍّ ﴿مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ يَعْنِي: الْبَعْث.
قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى: لم يعي بالخلق الأول، وَكَذَلِكَ لَا يعيى بالخلق الثَّانِي وَهُوَ الْبَعْث، وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ الْحسن، وَيُقَال: عَيِيَ بأَمْره يَعْيَى عَيَاءً، وأعيا فِي الْمَشْي إعياء.
تَفْسِير الْآيَات من ١٦ وَحَتَّى ٢٢ من سُورَة ق.
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا توسوس بِهِ نَفسه﴾ مَا تحدث بِهِ نَفسه
271
﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد﴾ وَهُوَ نِيَاط الْقلب.
قَالَ محمدٌ: الوريد عرقٌ فِي بَاطِن الْعُنُق، وَالْحَبل هُوَ الوريد؛ فأضيف إِلَى نَفسه لاخْتِلَاف لَفْظِي اسْمه.
272
قَوْله: ﴿إِذْ يتلَقَّى المتلقيان﴾ يَعْنِي: الْملكَيْنِ الكاتبيْن. قَالَ محمدٌ: يَعْنِي: يَلْتَقِيَانِ مَا يعمله ويَكْتُبَانه.
﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قعيد﴾ أَي: رصيده يرصده
﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيب عتيد﴾ أَي: حَافظ حَاضر يكتبان كل مَا يلفظ بِهِ.
قَالَ محمدٌ: ﴿قعيد﴾ أَرَادَ قعيدًا من كل جَانب، فَاكْتفى بِذكر وَاحِد إِذْ كَانَ دَلِيلا على الآخر، وقعيد بِمَعْنى قَاعد، كَمَا يُقَال: قدير وقادر.
﴿وَجَاءَت سكرة الْمَوْت بِالْحَقِّ﴾ بِالْبَعْثِ؛ أَي: يَمُوت ليَبْعَث. قَوْله: ﴿ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾ تهرب، قَالَ الْحسن: هُوَ الْكَافِر لم يكن شَيْء أبْغض إِلَيْهِ من الْمَوْت
﴿ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعيد﴾ يَعْنِي: الْمَوْعُود
﴿وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وشهيد﴾ سائق يَسُوقهَا إِلَى الْجنَّة أَو النَّار، وَشَاهد يشْهد عَلَيْهَا بعملها، وَتَفْسِير بَعضهم: هُوَ ملكه الَّذِي كتب عمله فِي الدُّنْيَا هُوَ شَاهد عَلَيْهِ بِعَمَلِهِ.
﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فكشفنا عَنْك غطاءك﴾ غطاء الْكفْر ﴿فبصرك الْيَوْم﴾ يَعْنِي: يَوْم الْقِيَامَة ﴿حَدِيد﴾ أَي: بصيرٌ.
272
قَالَ مُحَمَّد: ﴿حَدِيد﴾ فِي معنى: حاد، كَمَا يُقَال: حفيظٌ وحافظ: وَيُقَال: حدَّ بَصَره.
تَفْسِير الْآيَات من ٢٣ وَحَتَّى ٣٠ من سُورَة ق.
273
﴿وَقَالَ قرينه﴾ هُوَ الْملك الَّذِي كَانَ يكْتب عمله ﴿هَذَا مَا لدي﴾ أَي: عِنْدِي ﴿عتيد﴾ أَي: حَاضر؛ يَعْنِي: مَا كتب عَلَيْهِ.
قَالَ مُحَمَّد: (عتيد) يجوز الرّفْع فِيهِ بِمَعْنى هُوَ عتيد.
قَالَ اللَّه: ﴿أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كل كفار عنيد﴾ أَي: معاند للحق مجتنبه
﴿مناع للخير﴾ لِلزَّكَاةِ (مُعْتَد) هُوَ من قِبَل العُدوان ﴿مُرِيبٍ﴾ أَيْ: فِي شَكٍّ مِنَ الْبَعْثِ.
قَالَ محمدٌ: قَوْله: ﴿أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم﴾ قيل: يحْتَمل - وَالله أعلم - أَن يكون عَنَى السَّائِق والشهيد؛ لقَوْله: ﴿مَعهَا سائق وشهيد﴾ فيكونا هما المأمورين، وَيحْتَمل أَن يكون وَاحِدًا، وَهِي لُغَة بني تَمِيم تَقول: اذْهبا يَا رجل، واذهبا يَا قوم، وَقَالَ الشَّاعِر:
273
(فَإِنْ تَزْجُراني يَا ابْنَ مَرْوَان أَزْدَجِرْ وإنْ تَدَعَانِي أَحْمِ عِرْضًا ممنعا)
وَجَاء ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: ﴿فَقُلْنَا اذْهَبَا﴾ قَالَ: يُرِيد مُوسَى وَحده. قَالَ ابْن عَبَّاس: وَقَوله: ﴿أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم﴾ هُوَ من هَذَا.
274
﴿قَالَ قرينه﴾ يَعْنِي: شَيْطَانه ﴿رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ﴾ أَي: مَا أضللته بسُلْطان كَانَ لي عَلَيْهِ ﴿وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ﴾ {من الْهدى
٢ - ! (قَالَ لاَ تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ) ﴿عِنْدِي﴾ (وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ) {فِي الدُّنْيَا
٢ - ! (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} أَي: قد قضيت مَا أَنا قَاض
﴿يَوْمَ يَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ﴾ تَفْسِير مُجَاهِد: وعدها ليملأها، فَقَالَ: أوفيتُكِ؟ فَقَالَت: أَو هَل من مَسْلَك؟ أَي: قد امْتَلَأت.
قَالَ مُحَمَّد: ﴿يَوْم﴾ نصب على معنى [وَاذْكُرْ] يَوْم يَقُول، وَقد يكون على معنى: مَا يُبَدَّل القَوْل لدي فِي ذَلِك الْيَوْم. وَالله أعلم بِمَا أَرَادَ.
تَفْسِير الْآيَات من ٣١ وَحَتَّى ٣٥ من سُورَة ق.
﴿وأزلفت الْجنَّة﴾ أَي: أدنيت ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾.
﴿هَذَا مَا توعدون﴾ يَعْنِي: الْجنَّة ﴿لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ﴾ (ل ٣٣٦) الأواب: الرَّاجِع عَن ذَنبه
﴿وَجَاء بقلب منيب﴾ أَي: لَقِي الله.
﴿ادخلوها بِسَلام﴾ تَفْسِير السُّدي: تَقوله لَهُم الْمَلَائِكَة ﴿ذَلِك يَوْم الخلود﴾.
يَحْيَى: عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: " إِذَا دَخَلَ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلَ النَّارِ النَّارَ، نَادَى مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، خُلُودٌ فَلا مَوْتٌ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلا مَوْتٌ ".
﴿لَهُم مَّا يَشَاءُونَ﴾ إِذا اشتهوا الشَّيْء جَاءَهُم من غير أَن يدعوا بِهِ ﴿وَلَدَيْنَا مزِيد﴾.
يَحْيَى: عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بن عبد الله ابْن عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: " سَارِعُوا إِلَى الْجَمْعِ فِي الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ اللَّهَ -
275
عَزَّ وَجَلَّ - يَبْرُزُ لأَهْلِ الْجَنَّةِ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ فِي كَثِيبٍ مِنْ كَافُورٍ أَبْيَضَ، فَيَكُونُونَ مِنْهُ فِي الْقُرْبِ كَمُسَارَعَتِهِمْ إِلَى الْجَمْعِ فِي الدُّنْيَا، فَيُحْدِثُ لَهُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ شَيْئًا لَمْ يَكُونُوا رَأَوْهُ قَبْلَ ذَلِكَ ".
قَالَ يحيى: وسمعتُ غير المَسْعُودِيّ يزِيد فِيهِ: وَهُوَ قَوْله: ﴿ولدينا مزِيد﴾.
يحيى: عَن خَالِد، عَن عَمْرو بْن عُبيد، عَن بكر بْن عبد الله الْمُزنِيّ، قَالَ:
276
" إِن أهل الْجنَّة ليَروْن رَبهم فِي مِقْدَار كل عيد هُوَ لكم - كَأَنَّهُ يَقُول: فِي كل سَبْعَة أَيَّام - مرّة، فَيَأْتُونَ ربَّ الْعِزَّة فِي حُلَلٍ خُضر (وُجُوههم مشرقة) وأساور من ذهب مُكَلَّلةٍ بالدُّر والزُّمُرُّد وَعَلَيْهِم أكاليل (الدّرّ) ويركبون نجائبهم ويستأذنون على رَبهم فَيدْخلُونَ عَلَيْهِ؛ فيأمر لَهُم رَبنَا بالكرامة ".
قَالَ يَحْيَى: وَأَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَنْظُرُونَ إِلَى رَبِّهِمْ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ فِي كَثِيبٍ مِنْ كَافُورٍ لَا يُرَى طَرْفَاهُ، وَفِيهِ نَهْرٌ جَارٍ حَافَّتَاهُ الْمِسْكُ عَلَيْهِ جَوَارٍ يَقْرَأْنَ الْقُرْآنَ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ سَمِعَهَا الأَوَّلُونَ وَالآخِرُونَ؛ فَإِذَا انْصَرَفُوا إِلَى مَنَازِلِهِمْ أَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مَا شَاءَ مِنْهُنَّ، ثُمَّ يَمُرُّونَ عَلَى قَنَاطِرَ مِنْ لُؤْلُؤٍ إِلَى مَنَازِلِهِمْ، فَلَوْلا أَنَّ اللَّهَ يَهْدِيهِمْ إِلَى مَنَازِلِهِمْ مَا اهْتَدَوْا إِلَيْهَا؛ لِمَا يُحْدِثُ اللَّهُ لَهُمْ فِي كل يَوْم جُمُعَة ".
تَفْسِير الْآيَات من ٣٦ وَحَتَّى ٣٨ من سُورَة ق.
277
وَقَوله: ﴿وَكم أهلكنا قبلهم﴾ يَعْنِي: قبل مُشْركي الْعَرَب (مِّن قَرْنٍ هُمْ
277
أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا} يَعْنِي: قُوَّة ﴿فَنَقَّبُوا فِي الْبِلاَدِ﴾ أَي: جوّلوا؛ فِي قِرَاءَة من قَرَأَهَا بالتثقيل، يَقُول: جوَّلوا فِي الْبِلَاد حِين جَاءَهُم الْعَذَاب، وَمن قَرَأَهَا بِالتَّخْفِيفِ يَقُول: فجالوا فِي الْبِلَاد ﴿هَلْ مِن مَّحِيصٍ﴾ هَل من ملْجأ يلجئون إِلَيْهِ من عَذَاب اللَّه، فَلم يَجدوا ملْجأ حَتَّى هَلَكُوا.
قَالَ محمدٌ: (نقبوا فِي الْبِلَاد) أَي: طافوا وفتَّشوا، وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ يحيى، وَمثله قَول امْرِئ الْقَيْس:
278
قَوْله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾ وَهُوَ الْمُؤمن ﴿أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ تَفْسِير مُجَاهِد: أَو ألْقى السّمع، وَالْقلب شَهِيد.
قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى: اسْتمع كتاب اللَّه وَهُوَ شاهدُ الْقلب والفهم، لَيْسَ بغافلٍ وَلَا ساهٍ، وَهَذَا مَا أَرَادَ مُجَاهِد.
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ وَالْيَوْم مِنْهَا ألف سنة ﴿وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ﴾ من إعياء؛ وَذَلِكَ أَن الْيَهُود - أعداءُ اللَّه - قَالَت: لما فرغ اللَّه من خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض أعيى فاستلقى وَوضع إِحْدَى رجليْه على الْأُخْرَى استراح. فَأنْزل اللَّه: ﴿وَلَقَد خلقنَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ الْآيَة، لَيْسَ كَمَا قَالَت الْيَهُود.
قَالَ مُحَمَّدٌ: الْأَجْوَدُ فِي الْقِرَاءَةِ (لغوب) بِضَم اللَّام يُقَال مِنْهُ: لَغَبَ -
278
بِفَتْح الْغَيْن - لَغَبًا ولُغُوبًا، وَفِيه لُغَة أُخْرَى: لَغِبَ - بِكَسْر الْغَيْن - واللغوب: الإعياء.
تَفْسِير الْآيَات من ٣٩ وَحَتَّى ٤٠ من سُورَة ق.
279
﴿فاصبر على مَا يَقُولُونَ﴾ مَا يَقُول لَك قَوْمك: أَنَّك سَاحِرٌ، وَإِنَّكَ شَاعِرٌ، وَإِنَّكَ كَاهِنٌ، وَأَنَّك مَجْنُون، وَأَنَّك كَاذِب ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقبل الْغُرُوب﴾ تَفْسِير الْحسن: يَعْنِي: صَلَاة الصُّبْح وَالظّهْر وَالْعصر
﴿وَمن اللَّيْل فسبحه﴾ يَعْنِي: صَلاةَ الْمَغْرِبِ وَصَلاةَ الْعِشَاءِ (ل ٢٣٧) ﴿وأدبار السُّجُود﴾.
يَحْيَى: عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ ﴿أدبار السُّجُود﴾ فَقَالَ: هُمَا (الرَّكْعَتَيْنِ) بَعْدَ صَلاةِ الْمَغْرِبِ، وَسُئِلَ عَنْ (إِدْبَارَ النُّجُومِ) فَقَالَ: هُمَا الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ صَلاةِ الصُّبْحِ ".
279
قَالَ محمدٌ: وَمن قَرَأَ ﴿وإدبار﴾ بكسْر الْألف فعلى الْمصدر، يَقُول: أدبر إدباراً.
تَفْسِير الْآيَات من ٤١ وَحَتَّى ٤٥ من سُورَة ق.
280
قَوْله: ﴿واستمع﴾ أَي: إِنَّك ستستمع ﴿يَوْمَ يُنَادِ المناد من مَكَان قريب﴾ والمنادي: صَاحب الصُّور، يُنَادي من الصَّخْرَة من بَيت الْمُقَدّس؛ فِي تَفْسِير
280
قَتَادَة. قَالَ: وَهِي أقرب الأَرْض إِلَى السَّمَاءِ بِثَمَانِيَةَ عَشْرَ مِيلًا.
281
﴿تشقق الأَرْض عَنْهُم سِرَاعًا﴾ إِلَى الْمُنَادِي - صَاحِبِ الصُّورِ - إِلَى بَيت الْمُقَدّس قَالَ عز وَجل: ﴿ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ﴾ هَين
﴿نَحن أعلم بِمَا يَقُولُونَ﴾ أَنَّك شاعرٌ، وَأَنَّك ساحرٌ، وَأَنَّك كاهِنٌ، وَأَنَّك كاذبٌ، وأنّك مجْنُونٌ؛ أَي: فسيجزيهم بذلك النَّار ﴿وَمَا أَنْت عَلَيْهِم بجبار﴾ بربٍّ تجبرهم على الْإِيمَان.
قَالَ محمدٌ: وَقد قيل: لَيْسَ هُوَ من: أجبرت الرَّجُل على الْأَمر إِذا قهرته عَلَيْهِ، لَا يُقَال من ذَلِك فعَّال؛ والجبار: الْملك، سمي بذلك؛ لتجبره، فَالْمَعْنى على هَذَا: لست عَلَيْهِم بِمَلِكٍ مسلَّطٍ، إِنَّمَا يُؤْمِنُ مَنْ يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُؤمن، وَهَذِه مَنْسُوخَة نسختها الْقِتَال.
﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِي﴾ وَهُوَ الْمُؤمن يقبل التَّذْكِرَة، أَي: إِنَّمَا يقبل نَذَارتك بِالْقُرْآنِ من يخَاف وعيدي؛ أَي: وعيدي بالنَّار.
281
تَفْسِير سُورَة والذاريات وَهِي مَكِّيَّة كلهَا

بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

تَفْسِير الْآيَات من ١ وَحَتَّى ١٤ من سُورَة الذاريات.
282
سورة ق
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (ق) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (المُرسَلات)، وقد افتُتحت بالتنويه بهذا الكتابِ، وتذكيرِ الكفار بأصل خِلْقتهم، وقدرة الله عز وجل على الإحياء من عدمٍ؛ وذلك دليلٌ صريح على قُدْرته على بعثِهم وحسابهم بعد أن أوجَدهم، وفي ذلك دعوةٌ لهم إلى الإيمان بعد أن بيَّن اللهُ لهم مصيرَ من آمن ومصيرَ من كفر، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقرؤها في صلاةِ الفجر.

ترتيبها المصحفي
50
نوعها
مكية
ألفاظها
373
ترتيب نزولها
34
العد المدني الأول
45
العد المدني الأخير
45
العد البصري
45
العد الكوفي
45
العد الشامي
45

* سورةُ (ق):

سُمِّيت سورةُ (ق) بهذا الاسمِ؛ لافتتاحها بهذا الحرفِ.

* كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقرأُ سورة (ق) في صلاةِ الفجر:

عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه، قال: «إنَّ النبيَّ ﷺ كان يَقرأُ في الفجرِ بـ {قٓۚ وَاْلْقُرْءَانِ اْلْمَجِيدِ}، وكان صلاتُه بعدُ تخفيفًا». أخرجه مسلم (٤٥٨).

* وكذلك كان صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة (ق) في عيدَيِ الفطرِ والأضحى:

عن عُبَيدِ اللهِ بن عبدِ اللهِ: «أنَّ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ سألَ أبا واقدٍ اللَّيْثيَّ: ما كان رسولُ اللهِ ﷺ يَقرأُ في الفِطْرِ والأضحى؟ قال: كان النبيُّ ﷺ يَقرأُ بـ {قٓۚ وَاْلْقُرْءَانِ اْلْمَجِيدِ}، و{اْقْتَرَبَتِ اْلسَّاعَةُ وَاْنشَقَّ اْلْقَمَرُ}». أخرجه ابن حبان (٢٨٢٠).

1. إنكار المشركين للبعث (١-٥).

2. التأمُّل في الآيات (٦-١٥).

3. التأمل في الأنفس خَلْقًا ومآلًا (١٦-٣٨).

4. توجيهات للرسول، وتهديد للمشركين (٣٩-٤٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /402).

مقصودُ السورة الدَّلالة على قدرة الله عز وجل أن يَبعَثَ الناسَ بعد موتهم، وأكبَرُ دليلٍ على ذلك خَلْقُهم من عدمٍ، وهو أصعب من بعثِهم من موجود، وفي ذلك يقول البِقاعيُّ رحمه الله: «مقصودها: الدلالةُ على إحاطة القدرة، التي هي نتيجة ما خُتمت به الحُجُرات من إحاطةِ العلم؛ لبيانِ أنه لا بد من البعث ليوم الوعيد؛ لتنكشفَ هذه الإحاطةُ بما يحصل من الفصل بين العباد بالعدل؛ لأن ذلك سِرُّ المُلك، الذي هو سرُّ الوجود.

والذي تكفَّلَ بالدلالة على هذا كلِّه: ما شُوهِد من إحاطة مجدِ القرآن بإعجازه في بلوغه - في كلٍّ من جمعِ المعاني وعلوِّ التراكيب، وجلالة المفرَدات وجزالةِ المقاصد، وتلاؤم الحروف وتناسُبِ النظم، ورشاقة الجمع وحلاوة التفصيل - إلى حدٍّ لا تُطيقه القُوَى من إحاطةِ أوصاف الرسل، الذي اختاره سبحانه لإبلاغِ هذا الكتاب، في الخَلْقِ والخُلُق، وما شُوهِد من إحاطة القدرة بما هدى إليه القرآنُ من آيات الإيجاد والإعدام». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور " للبقاعي (3 /15).

(وَقَدْ نَقَّبْتُ فِي الآفاقِ حَتَّى رَضِيتُ مِنَ الغَنِيمَةِ بِالإِيَابِ)