تفسير سورة الأحزاب

تفسير ابن عباس

تفسير سورة سورة الأحزاب من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس.
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿يَا أَيهَا النَّبِي اتَّقِ الله﴾ يَقُول اخش الله فِي نقض الْعَهْد قبل أَجله ﴿وَلاَ تُطِعِ الْكَافرين﴾ من أهل مَكَّة أَبَا سُفْيَان ابْن حَرْب وَعِكْرِمَة بن أبي جهل وَأَبا الْأَعْوَر الْأَسْلَمِيّ ﴿وَالْمُنَافِقِينَ﴾ من أهل الْمَدِينَة عبد الله بن أَبى سلول ومعتب بن قُشَيْر وجد بن قيس فِيمَا يأمرونك من الْمعْصِيَة ﴿إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً﴾ بمقالتهم وإرادتهم قَتلك ﴿حَكِيماً﴾ حكم الْوَفَاء بالعهد ونهاكم عَن نقض الْعَهْد
﴿وَاتبع﴾ يَا مُحَمَّد ﴿مَا يُوحى إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ﴾ اعْمَلْ بِمَا تُؤمر بِالْقُرْآنِ ﴿إِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من وَفَاء الْعَهْد ونقضه ﴿خَبِيرا﴾
﴿وَتَوَكَّلْ على الله وَكفى بِاللَّه وَكِيلاً﴾ كَفِيلا بِمَا وعد لَك من النُّصْرَة والدولة وَيُقَال حفيظا مِنْهُم
﴿مَّا جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾ فِي صَدره نزلت فِي أبي معمر جميل بن أَسد كَانَ يُقَال لَهُ ذُو قلبين من حفظ حَدِيثه ﴿وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللائي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ﴾ بِالْيَمِينِ ﴿أُمَّهَاتِكُمْ﴾ كأمهاتكم فِي الْحَرَام نزلت فِي أَوْس بن الصَّامِت أخي عبَادَة ابْن الصَّامِت وَامْرَأَته خَوْلَة ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ﴾ الَّذين تبنيتم فى العون والنصرة ﴿أبناءكم﴾ كأبناءكم من النّسَب ﴿ذَلِكُم قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ﴾ بألسنتكم فِيمَا بَيْنكُم ﴿وَالله يَقُولُ الْحق﴾ يبين الْحق ﴿وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيل﴾ يدل إِلَى الصَّوَاب
﴿ادعوهُمْ لآبَآئِهِمْ﴾ انسبوهم إِلَى آبَائِهِم ﴿هُوَ أَقْسَطُ﴾ هُوَ أفضل وأصوب وَأَعْدل ﴿عِندَ الله﴾ فِي النِّسْبَة ﴿فَإِن لَّمْ تعلمُوا آبَاءَهُمْ﴾ نِسْبَة آبَائِهِم ﴿فَإِخوَانُكُمْ فِي الدّين﴾ فادعوهم باسم إخْوَانكُمْ فِي الدّين عبد الله وَعبد الرَّحْمَن وَعبد الرَّحِيم وَعبد الرَّزَّاق ﴿وَمَوَالِيكُمْ﴾ وباسم مواليكم ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ﴾ مأثم ﴿فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ﴾ من النِّسْبَة ﴿وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ﴾ بِهِ عقدت بِهِ ﴿قُلُوبُكُمْ﴾ بالفرية أَن تنسبوهم إِلَى غير آبَائِهِم يُؤَاخِذكُم الله بذلك ﴿وَكَانَ الله غَفُوراً﴾ فِيمَا مضى ﴿رَّحِيماً﴾ فِيمَا يكون
نزلت هَذِه الْآيَة فِي شَأْن زيد بن حَارِثَة وَكَانَ قد تبناه النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانُوا يَقُولُونَ زيد بن مُحَمَّد فنهاهم الله عَن ذَلِك ودلهم إِلَى الصَّوَاب فَقَالَ
﴿النَّبِي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ أَحَق بِحِفْظ أَوْلَاد الْمُؤمنِينَ ﴿مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ من بعد مَوْتهمْ لقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَاتَ وَترك كلا فالى أودينا فعلي أَو مَالا فلورثته ﴿وَأَزْوَاجُهُ﴾ أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿أُمَّهَاتُهُمْ﴾ كأمهاتهم فِي الْحُرْمَة ﴿وَأُوْلُو الْأَرْحَام﴾ ذُو الْقَرَابَة فِي النّسَب ﴿بَعْضُهُمْ أولى﴾ أَحَق ﴿بِبَعْضٍ﴾ بِالْمِيرَاثِ ﴿فِي كِتَابِ الله﴾ هَكَذَا مَكْتُوب فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَيُقَال فِي التَّوْرَاة وَيُقَال فِي الْقُرْآن ﴿مِنَ الْمُؤمنِينَ والمهاجرين إِلاَّ أَن تَفعلُوا إِلَى أَوْلِيَآئِكُمْ﴾ فِي الدّين أَو أصدقائكم ﴿مَّعْرُوفاً﴾ وَصِيَّة من الثُّلُث ﴿كَانَ ذَلِكَ﴾ الْمِيرَاث لِلْقَرَابَةِ وَالْوَصِيَّة للأولياء ﴿فِي الْكتاب مَسْطُوراً﴾ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ مَكْتُوبًا وَيُقَال فِي التَّوْرَاة مَكْتُوبًا يعْمل بِهِ بَنو إِسْرَائِيل
﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيين مِيثَاقَهُمْ﴾ إقرارهم على عهودهم أَن يبلغ بَعضهم بَعْضًا ﴿وَمِنْكَ﴾ أَوله أَخذنَا مِنْك أَن تبلغ قَوْمك خبر
350
الرُّسُل والكتب قبلك وتأمرهم أَن يُؤمنُوا بِهِ ﴿وَمِن نُّوحٍ﴾ وأخذنا من نوح ﴿وَإِبْرَاهِيمَ﴾ وأخذنا من إِبْرَاهِيم ﴿ومُوسَى﴾ وأخذنا من مُوسَى ﴿وَعِيسَى ابْن مَرْيَمَ﴾ وأخذنا من عِيسَى بن مَرْيَم ﴿وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً﴾ وثيقاً أَن يبلغ الرسَالَة الأول الآخر وَأَن يصدق الآخر الأول وَأَن يأمروا قَومهمْ أَن يُؤمنُوا بِهِ
351
﴿لِّيَسْأَلَ الصَّادِقين عَن صِدْقِهِمْ﴾ المبلغين عَن تبليغهم الوافين عَن وفائهم وَالْمُؤمنِينَ عَن إِيمَانهم ﴿وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ﴾ بالكتب وَالرسل ﴿عَذَاباً أَلِيماً﴾ وجيعاً فِي النَّار يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ اذْكروا نِعْمَةَ الله﴾ احْفَظُوا نعْمَة الله منَّة الله ﴿عَلَيْكُمْ﴾ بِدفع الْعَدو عَنْكُم بِالرِّيحِ ريح الصِّبَا وَالْمَلَائِكَة
﴿إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ﴾ جموع الْكفَّار ﴿فَأَرْسَلْنَا﴾ فسلطنا ﴿عَلَيْهِمْ رِيحاً﴾ ريح الصِّبَا ﴿وَجُنُوداً﴾ صفا من الْمَلَائِكَة ﴿لَّمْ تَرَوْهَا﴾ يَعْنِي الْمَلَائِكَة ﴿وَكَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من الخَنْدَق وَغَيره ﴿بَصِيراً إِذْ جاؤوكم﴾ كفار مَكَّة ﴿مِّن فَوْقِكُمْ﴾ من فَوق الْوَادي طَلْحَة بن خويلد الْأَسدي وَأَصْحَابه ﴿وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ﴾ من أَسْفَل الْوَادي أَبُو الْأَعْوَر الْأَسْلَمِيّ وَأَصْحَابه وَأَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه ﴿وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَار﴾ مَالَتْ أبصار الْمُنَافِقين فِي الخَنْدَق عَن موضعهَا ﴿وَبَلَغَتِ الْقُلُوب﴾ قُلُوب الْمُنَافِقين ﴿الْحَنَاجِر﴾ انتفخت عِنْد الْحَنَاجِر من الْخَوْف الرئة ﴿وَتَظُنُّونَ بِاللَّه الظنونا﴾ وظننتم بِاللَّه يَا معشر الْمُنَافِقين أَن الله لَا ينصر نبيه
﴿هُنَالِكَ﴾ عِنْد ذَلِك الْخَوْف ﴿ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ اختبر الْمُؤْمِنُونَ بالبلاء ﴿وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً﴾ أجهدوا جهداً شَدِيدا وحركوا تحريكاً شَدِيدا
﴿وَإِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ﴾ عبد الله بن أبي ابْن سلول وَأَصْحَابه ﴿وَالَّذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ شكّ ونفاق معتب بن قُشَيْر وَأَصْحَابه ﴿مَّا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ﴾ من فتح الْمَدَائِن ومجيء الْكفَّار ﴿إِلاَّ غُرُوراً﴾ بَاطِلا
﴿وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ﴾ من بني حَارِثَة بن الْحَرْث لأصحابهم فى الخَنْدَق ﴿يَا أهل يَثْرِبَ﴾ يعنون يَا أهل الْمَدِينَة ﴿لاَ مُقَامَ لَكُمْ﴾ لَا مَكَان لكم فِي الخَنْدَق عِنْد الْقِتَال ﴿فَارْجِعُوا﴾ إِلَى الْمَدِينَة ﴿وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ﴾ من الْمُنَافِقين بنى حَارِثَة ﴿النَّبِي﴾ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالرُّجُوعِ إِلَى الْمَدِينَة ﴿وَيَقُولُونَ﴾ ائْذَنْ لنا يَا نَبِي الله بِالرُّجُوعِ إِلَى الْمَدِينَة ﴿إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ﴾ خَالِيَة من الرِّجَال نَخَاف عَلَيْهَا سرق السراق ﴿وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ﴾ بخالية ﴿إِن يُرِيدُونَ﴾ مَا يُرِيدُونَ بذلك ﴿إِلاَّ فِرَاراً﴾ من الْقَتْل
﴿وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ﴾ على الْمُنَافِقين بِالْمَدِينَةِ ﴿مِّنْ أَقْطَارِهَا﴾ من نَوَاحِيهَا ﴿ثُمَّ سُئِلُواْ الْفِتْنَة﴾ دعوا إِلَى الشّرك ﴿لآتَوْهَا﴾ لأجابوها سَرِيعا ﴿وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ﴾ وَمَا مَكَثُوا بإجابتها وَيُقَال بِالْمَدِينَةِ بعد إجابتهم إِلاَّ يَسِيراً ﴿قَلِيلا﴾
﴿وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ الله مِن قَبْلُ﴾ من قبل الخَنْدَق يَوْم الْأَحْزَاب ﴿لاَ يُوَلُّونَ الأدبار﴾ منهزمين من الْمُشْركين ﴿وَكَانَ عَهْدُ الله﴾ نَاقض عهد الله ﴿مسؤولا﴾ يَوْم الْقِيَامَة عَن نقضه
﴿قُل﴾ يَا مُحَمَّد لبني حَارِثَة ﴿لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَار إِن فَرَرْتُمْ مِّنَ الْمَوْت أَوِ الْقَتْل وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ﴾ لَا تعيشون فِي الدُّنْيَا ﴿إِلاَّ قَلِيلاً﴾ يَسِيرا
﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد لبني حَارِثَة ﴿مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ﴾ يمنعكم ﴿مِّنَ الله﴾ من عَذَاب الله ﴿إِن أَرَادَ بكم سوءا﴾ عذَابا بِالْقَتْلِ ﴿أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً﴾ عَافِيَة من الْقَتْل ﴿وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ﴾ لبني حَارِثَة ﴿من دون الله﴾ من عَذَاب الله ﴿وليا﴾ حَافِظًا يحفظهم من عَذَاب الله ﴿وَلاَ نَصِيراً﴾ مَانِعا يمنعهُم من عَذَاب الله
﴿قَدْ يَعْلَمُ الله المعوقين﴾ المانعين بِالرُّجُوعِ إِلَى الخَنْدَق ﴿مِنكُمْ﴾ يَعْنِي الْمُنَافِقين ﴿والقآئلين لإِخْوَانِهِمْ﴾ لأصحابهم الْمُنَافِقين ﴿هَلُمَّ إِلَيْنَا﴾ بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ هَؤُلَاءِ عبد الله بن أبي وجد بن قيس ومعتب بن قُشَيْر ﴿وَلاَ يَأْتُونَ الْبَأْس﴾ الْقِتَال عَن عبد الله بن أبي وصاحباه ﴿إِلاَّ قَلِيلاً﴾ رِيَاء وَسُمْعَة
﴿أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ﴾ أشفقة عَلَيْكُم قَالُوا ذَلِك وَيُقَال بخلا بِالنَّفَقَةِ عَلَيْكُم
351
﴿فَإِذَا جَآءَ الْخَوْف﴾ خوف الْعَدو ﴿رَأَيْتَهُمْ﴾ يَا مُحَمَّد الْمُنَافِقين فِي الخَنْدَق ﴿يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدورُ أَعْيُنُهُمْ﴾ تتقلب أَعينهم فِي الجفون ﴿كَالَّذي يغشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْت﴾ كمن هُوَ فِي غشيان الْمَوْت ونزعاته ﴿فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْف﴾ خوف الْعَدو ﴿سَلَقُوكُمْ﴾ طعنوكم وعابوكم ﴿بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ﴾ ذُرِّيَّة سليطة أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْر بخيلة بِالنَّفَقَةِ فِي سَبِيل الله ﴿أُولَئِكَ﴾ أهل هَذِه الصّفة ﴿لَمْ يُؤْمِنُواْ﴾ لم يصدقُوا فِي إِيمَانهم ﴿فَأَحْبَطَ الله أَعْمَالهم﴾ فَأبْطل الله بسيآتهم حسناتهم ﴿وَكَانَ ذَلِكَ﴾ إبِْطَال حسناتهم ﴿عَلَى الله يَسِيرا﴾ هينا
352
﴿يَحْسَبُونَ الْأَحْزَاب﴾ يظنّ عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه أَن كفار مَكَّة ﴿لَمْ يَذْهَبُواْ﴾ بعد مَا ذَهَبُوا من الْخَوْف والجبن وَيُقَال ظنُّوا أَن لَا يذهبوا حَتَّى يقتلُوا مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام ﴿وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَاب﴾ كفار مَكَّة ﴿يَوَدُّواْ﴾ يتَمَنَّى عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه ﴿لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَاب﴾ خارجون من الْمَدِينَة من خوفهم وجبنهم ﴿يَسْأَلُونَ﴾ فِي الْمَدِينَة ﴿عَنْ أَنبَآئِكُمْ﴾ عَن أخباركم فِي الخَنْدَق ﴿وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ﴾ مَعكُمْ فِي الخَنْدَق ﴿مَّا قَاتلُوا إِلاَّ قَلِيلاً﴾ رِيَاء وَسُمْعَة
﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ سنة حَسَنَة واقتداء صَالح بِالْجُلُوسِ مَعَه فِي الخَنْدَق ﴿لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله﴾ يَرْجُو كَرَامَة الله وثوابه وَيُقَال يخَاف الله ﴿وَالْيَوْم الآخر﴾ وَيخَاف عَذَاب الْآخِرَة ﴿وَذكروا الله كَثِيراً﴾ بِاللِّسَانِ وَالْقلب
ثمَّ ذكر نعت الْمُؤمنِينَ المخلصين فَقَالَ ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ﴾ المخلصون ﴿الْأَحْزَاب﴾ كفار مَكَّة أَبَا سُفْيَان وَأَصْحَابه ﴿قَالُواْ هَذَا مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ﴾ لعدة الْأَيَّام ﴿وَصَدَقَ الله وَرَسُولُهُ﴾ فِي الميعاد وَكَانَ قد وعدهم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يأتى الْأَحْزَاب تسعا أَو عشر يَعْنِي إِلَى عشرَة أَيَّام ﴿وَمَا زَادَهُمْ﴾ بِرُؤْيَة الْكفَّار ﴿إِلاَّ إِيمَاناً﴾ يَقِينا بقول الله تَعَالَى وَبقول رَسُوله ﴿وَتَسْلِيماً﴾ خضوعاً لأمر الله وَأمر الرَّسُول
﴿مِّنَ الْمُؤمنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ﴾ وفوا ﴿مَا عَاهَدُواْ الله عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قضى نَحْبَهُ﴾ نَذره وَيُقَال قضى أَجله وَهُوَ حَمْزَة بن عبد الْمطلب عَم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه ﴿وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ﴾ الْوَفَاء إِلَى الْمَوْت ﴿وَمَا بدلُوا﴾ غيروا الْعَهْد ﴿تبديلا﴾ تغيرا بِالنَّقْضِ
﴿لِّيَجْزِيَ الله الصَّادِقين بِصِدْقِهِمْ﴾ الوافين بوفائهم ﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقين إِن شَآءَ﴾ إِن مَاتُوا على النِّفَاق ﴿أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ قبل الْمَوْت ﴿إِنَّ الله كَانَ غَفُوراً﴾ لمن تَابَ ﴿رَّحِيماً﴾ لمن مَاتَ على التَّوْبَة
﴿وَرَدَّ الله﴾ صرف الله ﴿الَّذين كَفَرُواْ﴾ كفار مَكَّة أَبَا سُفْيَان وَأَصْحَابه ﴿بغيظهم﴾ بحتفهم ﴿لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً﴾ لم يُصِيبُوا سُرُورًا وَلَا غنيمَة وَلَا دولة ﴿وَكَفَى الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال﴾ رفع الله مُؤنَة الْقِتَال عَن الْمُؤمنِينَ بِالرِّيحِ وَالْمَلَائِكَة ﴿وَكَانَ الله قَوِيّاً﴾ بنصر الْمُؤمنِينَ ﴿عَزِيزاً﴾ بنقمة الْكَافرين
﴿وَأَنزَلَ الَّذين ظَاهَرُوهُم﴾ أعانوا كفار مَكَّة ﴿مِّنْ أَهْلِ الْكتاب﴾ وهم بَنو قُرَيْظَة وَالنضير كَعْب بن الْأَشْرَف حيى بن أَخطب وأصحابهما ﴿مِن صَيَاصِيهِمْ﴾ من قصورهم وحصونهم ﴿وَقَذَفَ﴾ وَجعل ﴿فِي قُلُوبِهِمُ الرعب﴾ الْخَوْف من مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه وَكَانُوا قبل ذَلِك لَا يخَافُونَ ويقاتلون ﴿فَرِيقاً تَقْتُلُونَ﴾ يَقُول تقتلون فريقاً مِنْهُم وهم الْمُقَاتلَة ﴿وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً﴾ مِنْهُم وهم الذَّرَارِي وَالنِّسَاء
﴿وأورثكم﴾ أنزلكم
352
﴿أَرْضَهُمْ﴾ قصورهم ﴿وَدِيَارَهُمْ﴾ مَنَازِلهمْ ﴿وَأَمْوَالَهُمْ﴾ جعل أَمْوَالهم غنيمَة لكم ﴿وأرضا﴾ أَرض خَيْبَر ﴿لم تطؤوها﴾ تملوكها بعد سَتَكُون لكم ﴿وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْء﴾ من الْفَتْح والنصرة ﴿قَدِيرًا﴾
353
﴿يَا أَيهَا النَّبِي﴾ يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿قُل لأَزْوَاجِكَ﴾ لنسائك ﴿إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ مَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا ﴿وَزِينَتَهَا﴾ زهرتها ﴿فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ﴾ مُتْعَة الطَّلَاق ﴿وَأُسَرِّحْكُنَّ﴾ أطلقكن ﴿سَرَاحاً جَمِيلاً﴾ طَلَاقا حسنا بِالسنةِ
﴿وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الله وَرَسُولَهُ﴾ طَاعَة الله وَطَاعَة رَسُوله ﴿وَالدَّار الْآخِرَة﴾ يَعْنِي الْجنَّة ﴿فَإِنَّ الله أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ﴾ الصَّالِحَات ﴿مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً﴾ ثَوابًا وافرا فى الْجنَّة
﴿يَا نسَاء النَّبِي مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ﴾ بزنا ظَاهِرَة بالشهود ﴿يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَاب ضِعْفَيْنِ﴾ بِالْجلدِ وَالرَّجم و ﴿كَانَ ذَلِكَ﴾ الْعَذَاب ﴿عَلَى الله يَسِيراً﴾ هيناً
﴿وَمَن يَقْنُتْ﴾ يطع ﴿مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً﴾ خَالِصا فِيمَا بَينهَا وَبَين رَبهَا ﴿نُؤْتِهَآ﴾ نعطها ﴿أَجْرَهَا﴾ ثَوَابهَا ﴿مَرَّتَيْنِ﴾ ضعفين ﴿وَأَعْتَدْنَا لَهَا رزقا كَرِيمًا﴾ ثَوابًا حسنا فى الْجنَّة
﴿يَا نسَاء النَّبِي لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النسآء﴾ لستن كَسَائِر النِّسَاء بالمعصية وَالطَّاعَة وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب ﴿إِنِ اتقيتن﴾ إِن أطعتن الله وَرَسُوله ﴿فَلاَ تَخْضَعْنَ بالْقَوْل﴾ فَلَا ترققن بالْقَوْل وتليين الْكَلَام مَعَ الْغَرِيب ﴿فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾ شَهْوَة الزِّنَا ﴿وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً﴾ صَحِيحا بِلَا رِيبَة
﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ استقررن فِي بيوتكن وَلَا تخرجن من الْبيُوت وَليكن عليكن الْوَقار ﴿وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّة الأولى﴾ وَلَا تتزين بزينة الْكفَّار فِي الثِّيَاب الرقَاق الملونة ﴿وَأَقِمْنَ الصَّلَاة﴾ أتممن الصَّلَوَات الْخمس ﴿وَآتِينَ الزَّكَاة﴾ أعطين زَكَاة أموالكن ﴿وَأَطِعْنَ الله وَرَسُولَهُ﴾ فِي الْمَعْرُوف ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الله﴾ بذلك ﴿لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس﴾ الْإِثْم ﴿أَهْلَ الْبَيْت﴾ يَا أهل بَيت النُّبُوَّة ﴿وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ من الذُّنُوب
﴿واذكرن﴾ واحفظن ﴿مَا يُتْلَى﴾ مَا يقْرَأ عليكن ﴿فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ الله﴾ الْقُرْآن ﴿وَالْحكمَة﴾ الْأَمر وَالنَّهْي والحلال وَالْحرَام ﴿إِنَّ الله كَانَ لَطِيفاً﴾ عَالما بِمَا فِي قلوبهن ﴿خَبِيراً﴾ بأعمالهن وَيُقَال لطيفا إِذْ أَمر النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُطَلِّقهُنَّ خَبِيرا بصلاحهن ثمَّ نزلت فِي قَول أم سَلمَة زوج النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونسيبة بنت كَعْب الْأَنْصَارِيَّة لقولهما يَا رَسُول الله مَا نرى الله يذكر النِّسَاء فِي شَيْء من الْخَيْر إِنَّمَا ذكر الرِّجَال فَنزل
﴿إِنَّ الْمُسلمين﴾ الْمُوَحِّدين من الرِّجَال ﴿وَالْمُسلمَات﴾ الموحدات من النِّسَاء ﴿وَالْمُؤمنِينَ﴾ المقرين من الرِّجَال ﴿وَالْمُؤْمِنَات﴾ المقرات من النِّسَاء ﴿والقانتين﴾ المطيعين من الرِّجَال ﴿والقانتات﴾ المطيعات من النِّسَاء ﴿والصادقين﴾ فِي إِيمَانهم من الرِّجَال ﴿والصادقات﴾ فِي إيمانهن من النِّسَاء ﴿وَالصَّابِرِينَ﴾ على مَا أَمر الله والمرازي من الرِّجَال
353
﴿والصابرات﴾ على مَا أَمر الله والمرازي من النِّسَاء ﴿والخاشعين﴾ المتواضعين من الرِّجَال ﴿والخاشعات﴾ المتواضعات من النِّسَاء ﴿والمتصدقين﴾ بِأَمْوَالِهِمْ من الرِّجَال ﴿والمتصدقات﴾ بأموالهن من النِّسَاء ﴿والصائمين﴾ من الرِّجَال ﴿والصائمات﴾ من النِّسَاء ﴿والحافظين فُرُوجَهُمْ﴾ عَن الْفُجُور من الرِّجَال ﴿والحافظات﴾ فروجهن من النِّسَاء ﴿والذاكرين الله كَثِيراً﴾ بِاللِّسَانِ وَالْقلب وَيُقَال بالصلوات الْخمس من الرِّجَال ﴿وَالذَّاكِرَات﴾ من النِّسَاء ﴿أَعَدَّ الله لَهُم﴾ للرِّجَال وَالنِّسَاء ﴿مَّغْفِرَةً﴾ لذنوبهم فِي الدُّنْيَا ﴿وَأَجْراً عَظِيماً﴾ ثَوابًا وافراً فى الْجنَّة
354
﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ﴾ زيد ﴿وَلاَ مُؤْمِنَةٍ﴾ زَيْنَب ﴿إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْراً﴾ تزويجاً بَينهمَا ﴿أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخيرَة﴾ الِاخْتِيَار ﴿مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ خلاف مَا اخْتَار الله وَرَسُوله لَهما ﴿وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ﴾ فِيمَا أمره ﴿فَقَدْ ضَلَّ ضلالا مُبينًا﴾ فقد أَخطَأ خطأ بَينا عَن أَمر الله
﴿وَإِذْ تَقُولُ للَّذي أَنعَمَ الله عَلَيْهِ﴾ بِالْإِسْلَامِ يَعْنِي زيدا ﴿وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ﴾ بِالْعِتْقِ ﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ﴾ وَلَا تطلقها ﴿وَاتَّقِ الله﴾ واخش الله وَلَا تخل سَبِيلهَا ﴿وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ﴾ تسر فِي نَفسك حبها وتزويجها ﴿مَا الله مُبْدِيهِ﴾ مظهره فِي الْقُرْآن ﴿وَتَخْشَى النَّاس﴾ تَسْتَحي من النَّاس من ذَلِك ﴿وَالله أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ﴾ أَن تَسْتَحي مِنْهُ ﴿فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً﴾ حَاجَة يَقُول إِذا خرجت من عدتهَا من زيد ﴿زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤمنِينَ﴾ بعْدك ﴿حَرَجٌ﴾ مأثم ﴿فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ﴾ فِي تَزْوِيج نسَاء من تبنوهم ﴿إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً﴾ حَاجَة إِذا خرجن من عدتهن بعد مَوْتهمْ أَو طلاقهن ﴿وَكَانَ أَمْرُ الله﴾ تَزْوِيج زَيْنَب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿مَفْعُولاً﴾ كَائِنا وَيُقَال كَانَ أَمر الله قَضَاء الله مَفْعُولا كَائِنا
﴿مَّا كَانَ عَلَى النَّبِي مِنْ حَرَجٍ﴾ من مأثم وضيق ﴿فِيمَا فَرَضَ الله﴾ فِيمَا رخص الله ﴿لَهُ﴾ من التَّزْوِيج ﴿سُنَّةَ الله﴾ هَكَذَا كَانَ قَضَاء الله ﴿فِي الَّذين خَلَوْاْ﴾ مضوا ﴿من قبل﴾ من قبل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي دَاوُد فِي تَزْوِيج امْرَأَة أوريا وَيُقَال سُلَيْمَان فِي تَزْوِيج بلقيس ﴿وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَّقْدُوراً﴾ كَانَ قَضَاء الله قَضَاء كَائِنا
﴿الَّذين﴾ فِي تَزْوِيج الَّذين ﴿يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ الله﴾ يعْنى دَاوُد وَسليمَان وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿وَيَخْشَوْنَهُ﴾ يخَافُونَ الله فِي تَبْلِيغ الرسَالَة ﴿وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ الله وَكفى بِاللَّه حَسِيباً﴾ شَهِيدا
﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ﴾ يَعْنِي زيدا ﴿وَلَكِن رَّسُولَ الله﴾ وَلَكِن كَانَ مُحَمَّد رَسُول الله ﴿وَخَاتَمَ النَّبِيين﴾ ختم الله بِهِ النَّبِيين قبله فَلَا يكون نَبِي بعده ﴿وَكَانَ الله بِكُلِّ شَيْءٍ﴾ من قَوْلكُم وفعلكم ﴿عليما﴾
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿اذْكروا الله ذِكْراً كَثِيراً﴾ بِاللِّسَانِ وَالْقلب عِنْد الْمعْصِيَة وَالطَّاعَة
﴿وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ صلوا لَهُ غدْوَة وعشياً
﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ﴾ يغْفر لكم ﴿وَمَلاَئِكَتُهُ﴾ يَسْتَغْفِرُونَ لكم ﴿لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ الظُّلُمَات إِلَى النُّور﴾ وَقد أخرجكم من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً﴾ رَفِيقًا
﴿تَحِيَّتُهُمْ﴾ تَحِيَّة الْمُؤمنِينَ ﴿يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ﴾ يلقون الله ﴿سَلاَمٌ﴾ من الله وتسلم عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة عِنْد أَبْوَاب الْجنَّة ﴿وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً﴾ ثَوابًا حسنا فى الْجنَّة
﴿يَا أَيهَا النَّبِي﴾ يعْنى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً﴾ على أمتك بالبلاغ ﴿وَمُبَشِّراً﴾ بِالْجنَّةِ لمن آمن بِاللَّه ﴿وَنَذِيراً﴾ من النَّار لمن كفر بِهِ
﴿وَدَاعِياً إِلَى الله﴾ إِلَى دين الله وطاعته ﴿بِإِذْنِهِ﴾ بأَمْره ﴿وَسِرَاجاً مُّنِيراً﴾ مضيئاً يقْتَدى بك فَلَمَّا نزل قَوْله ﴿إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر﴾ قَالَ الْمُؤْمِنُونَ هَنِيئًا لَك يَا رَسُول الله بالمغفرة فَمَا لنا عِنْد الله فَقَالَ الله
﴿وَبَشِّرِ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿الْمُؤمنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ الله فَضْلاً كِبِيراً﴾ ثَوابًا عَظِيما فِي الْجنَّة
ثمَّ رَجَعَ إِلَى أول السُّورَة فَقَالَ ﴿وَلاَ تُطِعِ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿الْكَافرين﴾ من أهل مَكَّة أَبَا سُفْيَان وَأَصْحَابه ﴿وَالْمُنَافِقِينَ﴾ من أهل الْمَدِينَة عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه ﴿وَدَعْ أَذَاهُمْ﴾ وَلَا تقتلهم يَا مُحَمَّد ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الله﴾ ثق بِاللَّه ﴿وَكفى بِاللَّه وَكِيلاً﴾ كَفِيلا فِيمَا وعد لَك من النُّصْرَة وَيُقَال حفيظا
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ﴾ أَي إِذا تزوجتم ﴿الْمُؤْمِنَات﴾ وَلم تسموا مهورهن ﴿ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ﴾ تجامعوهن ﴿فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا﴾ بالشهور أَو الْحيض ﴿فَمَتِّعُوهُنَّ﴾ مُتْعَة الطَّلَاق درعاً وخماراً وَمِلْحَفَة أدنى شَيْء ﴿وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً﴾ طلقوهن طَلَاقا حسنا بِغَيْر أَذَى
﴿يَا أَيهَا النَّبِي إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ﴾ أَعْطَيْت ﴿أُجُورَهُنَّ﴾ مهورهن ﴿وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ﴾ مَارِيَة الْقبْطِيَّة ﴿مِمَّآ أَفَآءَ الله عَلَيْكَ﴾ مِمَّا فتح الله عَلَيْك ﴿وَبَنَاتِ عَمِّكَ﴾ وَأحل لَك تَزْوِيج بَنَات عمك ﴿وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ﴾ من بني عبد الْمطلب ﴿وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ﴾ من بني عبد منَاف بن زهرَة ﴿اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ﴾ من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة ﴿وَامْرَأَة مُّؤْمِنَةً﴾ مصدقة بتوحيد الله وَهِي أم شريك بنت جَابر العامرية ﴿إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا﴾ مهرهَا ﴿لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِي أَن يَسْتَنكِحَهَا﴾ أَن يتَزَوَّج بهَا بِغَيْر مهرهَا ﴿خَالِصَةً لَّكَ﴾ خُصُوصِيَّة لَك ورخصة لَك ﴿مِن دُونِ الْمُؤمنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ﴾ مَا أَحللنَا لَهُم وأوجبنا عَلَيْهِم على الْمُؤمنِينَ ﴿فِي أَزْوَاجِهِمْ﴾ الْأَرْبَع بِمهْر وَنِكَاح ﴿وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ بِغَيْر عدد ﴿لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ﴾ مأثم وضيق فِي تَزْوِيج مَا أحل الله لَك ﴿وَكَانَ الله غَفُوراً﴾ لما كَانَ مِنْك ﴿رَّحِيماً﴾ فِيمَا رخص لَك
﴿تُرْجِي﴾ تتْرك ﴿مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ﴾ من بَنَات عمك وَبَنَات خَالك وَلَا تتَزَوَّج بهَا ﴿وَتُؤْوِي إِلَيْكَ﴾ تضم إِلَيْك ﴿مَن تَشَآءُ﴾ فتتزوج بهَا ﴿وَمَنِ ابْتَغَيْت﴾ اخْتَرْت بِالتَّزْوِيجِ ﴿مِمَّنْ عَزَلْتَ﴾ تركت ﴿فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ﴾ فَلَا حرج عَلَيْك وَيُقَال فِيهَا وَجه آخر تُرْجِي توقف من تشَاء مِنْهُنَّ من نِسَائِك وَلَا تأتيها تؤوى إِلَيْكَ تضم إِلَيْك مَن تَشَآءُ وتأتيها وَمَنِ ابتغت اخْتَرْت بالإتيان إِلَيْهَا مِمَّنْ عَزَلْتَ عَن الْإِتْيَان إِلَيْهَا فَلَا جنَاح فَلَا حرج عَلَيْك وَلَا مأثم عَلَيْك ﴿ذَلِكَ﴾ التَّوَسُّع والرخصة
355
﴿أدنى﴾ أَي أَحْرَى ﴿أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ﴾ تطيب أَنْفسهنَّ إِن علِمْنَ أَن ذَلِك التَّوَسُّع من الله ﴿وَلاَ يَحْزَنَّ﴾ بمخافة الطَّلَاق ﴿وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ﴾ أَعطيتهنَّ من قسْمَة الْبدن ﴿كُلُّهُنَّ﴾ مقدم ومؤخر ﴿وَالله يَعْلَمُ مَا فِي قلُوبِكُمْ﴾ من الرِّضَا والسخط ﴿وَكَانَ الله عَلِيماً﴾ بصلاحكم وصلاحهن ﴿حَلِيماً﴾ فِيمَا بيَّن لكم وَتجَاوز عَنْكُم
356
﴿لاَّ يَحِلُّ لَكَ النسآء﴾ تَزْوِيج النِّسَاء ﴿مِن بَعْدُ﴾ هَذِه الصّفة وَيُقَال من بعد نِسَائِك التسع وَكَانَت عِنْده تسع نسْوَة عَائِشَة بنت أبي بكر وَحَفْصَة بنت عمر بن الْخطاب وَزَيْنَب بنت جحش الأَسدِية وَأم سَلمَة بنت أبي أُميَّة المَخْزُومِي وَأم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان بن حَرْب وَصفِيَّة بنت حيى ابْن أَخطب ومَيْمُونَة بنت الْحَارِث الْهِلَالِيَّة وَسَوْدَة بنت زَمعَة بن الْأسود وَجُوَيْرِية بنت الْحَارِث الْمُصْطَلِقِيَّة ﴿وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ﴾ مِمَّا بيّنت لَك من بَنَات عمك وخالك وَيُقَال وَلَا أَن تبدل بِهن من بَنَات عمك أَزْوَاجًا مِمَّا عنْدك من النِّسَاء يَقُول لَا يحل لَك أَن تطلق وَاحِدَة مِنْهُنَّ وتتزوج بِأُخْرَى ﴿وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ﴾ حسن الْمَرْأَة فَلَيْسَ لَك أَن تتَزَوَّج بهَا ﴿إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ﴾ مَارِيَة الْقبْطِيَّة ﴿وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْء﴾ من أَعمالكُم ﴿رقيبا﴾ حفيظا
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِي﴾ نزلت هَذِه الْآيَة فِي قوم كَانُوا يدْخلُونَ فِي بيُوت النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غدْوَة وَعَشِيَّة فَيَجْلِسُونَ وينتظرون حِين الطَّعَام حَتَّى يَأْكُلُوا ثمَّ يتحدثون مَعَ نسَاء النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاغتنم بذلك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسلمواستحيا أَن يَأْمُرهُم بِالْخرُوجِ وينهاهم عَن الدُّخُول فنهاهم الله عَن ذَلِك فَقَالَ ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِي﴾ بِغَيْر إِذن النَّبِي إِلَى طَعَام غير ناظرين إناه نضجه وحينه ﴿إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ بِالدُّخُولِ ﴿إِلَى طَعَام غير ناظرين إناه﴾ نضجه وحينه ﴿وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فادخلوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ﴾ أكلْتُم ﴿فَانْتَشرُوا﴾ فاخرجوا ﴿وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ﴾ وَلَا تجلسوا مستأنسين لحَدِيث مَعَ أَزوَاج النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ﴾ الدُّخُول وَالْجُلُوس والْحَدِيث مَعَ أَزوَاج النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿كَانَ يُؤْذِي النَّبِي﴾ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ﴾ أَن يَأْمُركُمْ بِالْخرُوجِ وينهاكم عَن الدُّخُول ﴿وَالله لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحق﴾ من أَن يَأْمُركُمْ بِالْخرُوجِ وينهاكم عَن الدُّخُول ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ﴾ كلمتموهن يعْنى أَزوَاج النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿مَتَاعاً﴾ كلَاما لَا بُد لكم مِنْهُ ﴿فَاسْأَلُوهُنَّ﴾ فكلموهن ﴿مِن وَرَآءِ حِجَابٍ﴾ من خلف السّتْر ﴿ذَلِكُم﴾ الَّذِي ذكرت ﴿أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾ من الرِّيبَة ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ الله﴾ بِالدُّخُولِ عَلَيْهِ بِغَيْر إِذْنه والْحَدِيث مَعَ أَزوَاجه ﴿وَلاَ أَن تنْكِحُوا﴾ تتزوجوا ﴿أَزْوَاجَهُ مِن بعده﴾ من مَوته ﴿أَبَداً﴾ نزلت هَذِه الْآيَة فِي طَلْحَة بن عبيد الله أَرَادَ أَن يتَزَوَّج بعائشة بعد موت النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿إِنَّ ذَلِكُم﴾ الَّذِي قُلْتُمْ وتمنيتم من تَزْوِيج أَزوَاجه بعد مَوته ﴿كَانَ عِندَ الله عَظِيماً﴾ ذَنبا عِنْده عَظِيما فِي الْعقُوبَة
﴿إِن تُبْدُواْ شَيْئاً﴾ تظهروا شَيْئا من ذَلِك ﴿أَوْ تُخْفُوهُ﴾ تسروه ﴿فَإِنَّ الله كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ﴾ من الاسرار والإبداء ﴿عَلِيماً﴾ يُؤَاخِذكُم بِهِ
﴿لَا جنَاح عَلَيْهِنَّ﴾ على أَزوَاج النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَزْوَاج الْمُؤمنِينَ ﴿فِي آبَآئِهِنَّ﴾ عَلَيْهِنَّ وَكَلَام آبائهن مَعَهُنَّ ﴿وَلاَ أَبْنَآئِهِنَّ وَلاَ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ أَخَوَاتِهِنَّ﴾ من كلا الْوَجْهَيْنِ ﴿وَلاَ نِسَآئِهِنَّ﴾ نسَاء أهل دينهن وَلَا يحل لمسلمة أَن تتجرد عِنْد يَهُودِيَّة أَو نَصْرَانِيَّة أَو مَجُوسِيَّة ﴿وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ الْإِمَاء دون العبيد ﴿واتقين الله﴾ فِي دُخُول هَؤُلَاءِ عَلَيْهِنَّ وكلامكن مَعَهم ﴿إِنَّ الله كَانَ على كُلِّ شَيْءٍ﴾ من أَعمالكُم ﴿شَهِيداً﴾
﴿إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ﴾ بِالدُّعَاءِ ﴿وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً﴾ لأَمره
﴿إِنَّ الَّذين يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ﴾
356
بالفرية عَلَيْهِمَا نزلت هَذِه الْآيَة فِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى ﴿لَعَنَهُمُ الله﴾ عذبهم الله ﴿فِي الدُّنْيَا﴾ بِالْقَتْلِ والإجلاء ﴿وَالْآخِرَة﴾ فِي النَّار ﴿وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً﴾ يهانون بِهِ
357
﴿وَالَّذين يُؤْذُونَ الْمُؤمنِينَ﴾ يَعْنِي صَفْوَان ﴿وَالْمُؤْمِنَات﴾ يَعْنِي عَائِشَة بالفرية ﴿بِغَيْرِ مَا اكتسبوا﴾ يَعْنِي مَا كَانَ مِنْهُم ذَلِك ﴿فَقَدِ احتملوا﴾ قَالُوا ﴿بُهْتَاناً وَإِثْماً﴾ كذبا ﴿مُّبِيناً﴾ بَينا وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي حق زناة الْمَدِينَة كَانُوا يُؤْذونَ بذلك الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات فنهاهم الله عَن ذَلِك فَانْتَهوا
﴿يَا أَيهَا النَّبِي قُل لأَزْوَاجِكَ﴾ لنسائك ﴿وَبَنَاتِكَ﴾ يَعْنِي بَنَات النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿وَنِسَآءِ الْمُؤمنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ﴾ يرخين عَلَيْهِنَّ على نحورهن وجيوبهن ﴿مِن جَلاَبِيبِهِنَّ﴾ من جلبابهن وَهِي المقنعة والرداء ﴿ذَلِك﴾ الَّذِي ذكرت من أَمر الجلباب ﴿أدنى﴾ أَحْرَى ﴿أَن يُعْرَفْنَ﴾ بالحرائر ﴿فَلاَ يُؤْذَيْنَ﴾ فَلَا يؤذونهن الزناة ﴿وَكَانَ الله غَفُوراً﴾ بِمَا كَانَ مِنْهُنَّ ﴿رَّحِيماً﴾ فِيمَا يكون مِنْهُنَّ
﴿لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ المُنَافِقُونَ﴾ عبد الله بن أُبي وَأَصْحَابه عَن الْمُنكر والخيانة ﴿وَالَّذين فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ﴾ شَهْوَة الزِّنَا وهم الزناة ﴿والمرجفون فِي الْمَدِينَة﴾ الطالبون عُيُوب الْمُؤمنِينَ فِي الْمَدِينَة وهم الْمُؤَلّفَة ﴿لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ﴾ لنسلطنك عَلَيْهِم ﴿ثُمَّ لَا يجاورونك فِيهَا﴾ لَا يساكنون مَعَك فى الْمَدِينَة ﴿إِلاَّ قَلِيلاً﴾ يَسِيرا
﴿مَّلْعُونِينَ﴾ مقتولين ﴿أَيْنَمَا ثقفوا﴾ وجدوا ﴿أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تقتيلا﴾
﴿سُنَّةَ الله﴾ هَكَذَا كَانَ عَذَاب الله فِي الدُّنْيَا ﴿فِي الَّذين خَلَوْاْ﴾ مضوا ﴿مِن قَبْلُ﴾ من قبلهم من الْمُنَافِقين لما كابروا النَّبِيين وَالْمُؤمنِينَ أَمر الله أنبياءهم أَن يقتلوهم ﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله﴾ لعذاب الله ﴿تَبْدِيلاً﴾ تغييراً فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة فيهم فَانْتَهوا عَن ذَلِك
﴿يَسْأَلُكَ النَّاس﴾ أهل مَكَّة ﴿عَنِ السَّاعَة﴾ عَن قيام السَّاعَة ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿إِنَّمَا عِلْمُهَا﴾ علم قِيَامهَا ﴿عِندَ الله وَمَا يُدْرِيكَ﴾ وَلم تدر ﴿لَعَلَّ السَّاعَة تَكُونُ قَرِيباً﴾ سَرِيعا
﴿إِنَّ الله لَعَنَ﴾ عذب ﴿الْكَافرين﴾ كفار مَكَّة يَوْم بدر ﴿وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً﴾ نَارا وقوداً
﴿خَالِدِينَ فِيهَآ﴾ فِي النَّار ﴿أَبَداً﴾ لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا ﴿لاَّ يَجِدُونَ وَلِيّاً﴾ حَافِظًا يحفظهم من عَذَاب الله ﴿وَلاَ نَصِيراً﴾ مَانِعا يمنعهُم من عَذَاب الله
﴿يَوْمَ تُقَلَّبُ﴾ تجر ﴿وُجُوهُهُمْ فِي النَّار يَقُولُونَ﴾ يعْنى القادة والسفلة ﴿يَا ليتنا أَطَعْنَا الله﴾ بِالْإِيمَان ﴿وَأَطَعْنَا الرسولا﴾ بالإجابة
﴿وَقَالُواْ﴾ يَعْنِي السفلة ﴿رَبَّنَآ﴾ يَا رَبنَا ﴿إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا﴾ رؤساءنا ﴿وَكُبَرَآءَنَا﴾ أشرافنا وعظماءنا ﴿فَأَضَلُّونَا السبيلا﴾ فصرفونا الدّين
﴿رَبَّنَآ﴾ يَقُولُونَ يَا رَبنَا ﴿آتِهِمْ﴾ أعطهم يَعْنِي الرؤساء ﴿ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَاب﴾ مِمَّا علينا ﴿والعنهم لعنا كَبِيرا﴾ عذبهم عذَابا كَبِيرا
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ﴾ فِي إِيذَاء مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿كَالَّذِين آذَوْاْ مُوسَى﴾ قَالُوا إِنَّه آدر ﴿فَبرَّأَهُ الله مِمَّا قَالُواْ﴾
357
﴿وَكَانَ عِندَ الله وَجِيهاً﴾ لَهُ الْقدر والمنزلة
358
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ اتَّقوا الله﴾ أطِيعُوا الله فِيمَا أَمركُم ﴿وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً﴾ عدلا لَا إِلَه إِلَّا الله
﴿يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ يقبل أَعمالكُم بِالتَّوْحِيدِ ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ بِالتَّوْحِيدِ ﴿وَمَن يُطِعِ الله﴾ فِيمَا أمره ﴿وَرَسُولَهُ﴾ فِيمَا أمره ﴿فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾ فقد فَازَ بِالْجنَّةِ وَنَجَا من النَّار نجاة وافرة
﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَة﴾ الطَّاعَة وَالْعِبَادَة ﴿عَلَى السَّمَاوَات﴾ على أهل السَّمَوَات ﴿وَالْأَرْض وَالْجِبَال﴾ على وَجه الِاخْتِيَار والتخصيص ﴿فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا﴾ بالثواب وَالْعِقَاب ﴿وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا﴾ خفن مِنْهَا من حملهَا ﴿وَحَمَلَهَا الْإِنْسَان﴾ آدم بالثواب وَالْعِقَاب ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً﴾ بحملها وَيُقَال بِأَكْلِهِ من الشَّجَرَة ﴿جَهُولاً﴾ بعاقبتها
فَلَمَّا نزلت بشرى الْمُؤمنِينَ بِالْفَضْلِ قَالَ المُنَافِقُونَ وَمَا لنا يَا رَسُول الله فَنزل ﴿لِّيُعَذِّبَ الله الْمُنَافِقين﴾ وَيُقَال قبل آدم الْأَمَانَة ليعذب الله الْمُنَافِقين لكَي يعذب الْمُنَافِقين من الرِّجَال ﴿والمنافقات﴾ من النِّسَاء ﴿وَالْمُشْرِكين﴾ من الرِّجَال ﴿والمشركات﴾ من النِّسَاء بتركهم الْأَمَانَة لأَنهم كَانُوا فِي صلب آدم حَيْثُ قبل آدم الْأَمَانَة ﴿وَيَتُوبَ الله﴾ لكَي يَتُوب الله ﴿عَلَى الْمُؤمنِينَ﴾ المخلصين من الرِّجَال ﴿وَالْمُؤْمِنَات﴾ المخلصات من النِّسَاء بِمَا يكون مِنْهُم من تَقْصِير الْأَمَانَة ﴿وَكَانَ الله غَفُورًا﴾ لمن تَابَ مِنْهُم ﴿رحِيما﴾ بِالْمُؤْمِنِينَ
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا سبأ وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها أَربع وَخَمْسُونَ آيَة وكلمها ثَمَانمِائَة وَثَلَاثَة وَثَمَانُونَ كلمة وحروفها ألف وخمسائة وَاثنا عشر حرفا ﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾
سورة الأحزاب
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الأحزاب) من السُّوَر المدنيَّة، وقد تعرَّضتْ لذِكْرِ كثيرٍ من الأحداث والأحكام؛ على رأسِ تلك الأحداثِ قصةُ غزوة (الأحزاب)، وما تعلق بها مِن عِبَرٍ وعِظات؛ كحُسْنِ الظن بالله، والاعتماد عليه، مشيرةً إلى غَدْرِ اليهود، وأخلاقهم الشائنة، كما اشتملت السورةُ على ذكرِ آية الحِجاب، وذكرِ آداب الاستئذان، والدخول على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وخُتِمت السورةُ بكثيرٍ من التوجيهات والعِظات للمؤمنين.

ترتيبها المصحفي
33
نوعها
مدنية
ألفاظها
1303
ترتيب نزولها
90
العد المدني الأول
73
العد المدني الأخير
73
العد البصري
73
العد الكوفي
73
العد الشامي
73

* قوله تعالى: {اْدْعُوهُمْ لِأٓبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اْللَّهِۚ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوٓاْ ءَابَآءَهُمْ فَإِخْوَٰنُكُمْ فِي اْلدِّينِ وَمَوَٰلِيكُمْۚ} [الأحزاب: 5]:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها: «أنَّ أبا حُذَيفةَ بنَ عُتْبةَ بنِ ربيعةَ بنِ عبدِ شمسٍ - وكان ممَّن شَهِدَ بَدْرًا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم - تَبنَّى سالمًا، وأنكَحَه بنتَ أخيه هندَ بنتَ الوليدِ بنِ عُتْبةَ بنِ ربيعةَ، وهو مولًى لامرأةٍ مِن الأنصارِ؛ كما تَبنَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم زيدًا، وكان مَن تَبنَّى رجُلًا في الجاهليَّةِ، دعَاه الناسُ إليه، ووَرِثَ مِن ميراثِه، حتى أنزَلَ اللهُ: {اْدْعُوهُمْ لِأٓبَآئِهِمْ} إلى قولِه: {وَمَوَٰلِيكُمْۚ} [الأحزاب: 5]؛ فرُدُّوا إلى آبائِهم؛ فمَن لم يُعلَمْ له أبٌ، كان مولًى وأخًا في الدِّينِ، فجاءت سَهْلةُ بنتُ سُهَيلِ بنِ عمرٍو القُرَشيِّ ثم العامريِّ - وهي امرأةُ أبي حُذَيفةَ بنِ عُتْبةَ - النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسولَ اللهِ، إنَّا كنَّا نرى سالمًا ولدًا، وقد أنزَلَ اللهُ فيه ما قد عَلِمْتَ...» فذكَر الحديثَ. أخرجه البخاري (5088).

* قوله تعالى: {مِّنَ اْلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٞ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ اْللَّهَ عَلَيْهِۖ} [الأحزاب: 23]:

عن حُمَيدٍ الطَّويلِ، عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «غابَ عَمِّي أنسُ بنُ النَّضْرِ عن قتالِ بَدْرٍ، فقال: يا رسولَ اللهِ، غِبْتُ عن أوَّلِ قتالٍ قاتَلْتَ المشرِكين، لَئِنِ اللهُ أشهَدَني قتالَ المشرِكين لَيَرَيَنَّ اللهُ ما أصنَعُ، فلمَّا كان يومُ أُحُدٍ، وانكشَفَ المسلمون، قال: اللهمَّ إنِّي أعتذِرُ إليك ممَّا صنَعَ هؤلاء - يعني أصحابَه -، وأبرَأُ إليك ممَّا صنَعَ هؤلاء - يعني المشرِكين -، ثم تقدَّمَ، فاستقبَلَه سعدُ بنُ مُعاذٍ، فقال: يا سعدُ بنَ مُعاذٍ، الجَنَّةَ ورَبِّ النَّضْرِ! إنِّي أجدُ رِيحَها مِن دُونِ أُحُدٍ، قال سعدٌ: فما استطَعْتُ يا رسولَ اللهِ ما صنَعَ». قال أنسٌ: «فوجَدْنا به بِضْعًا وثمانينَ ضَرْبةً بالسَّيفِ، أو طَعْنةً برُمْحٍ، أو رَمْيةً بسَهْمٍ، ووجَدْناه قد قُتِلَ، وقد مثَّلَ به المشرِكون، فما عرَفَه أحدٌ إلا أختُه ببنانِه». قال أنسٌ: كنَّا نُرى أو نظُنُّ أنَّ هذه الآيةَ نزَلتْ فيه وفي أشباهِه: {مِّنَ اْلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٞ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ اْللَّهَ عَلَيْهِۖ} [الأحزاب: 23] إلى آخرِ الآيةِ». وقال: «إنَّ أختَه - وهي تُسمَّى الرُّبَيِّعَ - كسَرتْ ثَنِيَّةَ امرأةٍ، فأمَرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالقِصاصِ، فقال أنسٌ: يا رسولَ اللهِ، والذي بعَثَك بالحقِّ، لا تُكسَرُ ثَنِيَّتُها، فرَضُوا بالأَرْشِ، وترَكوا القِصاصَ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مِن عبادِ اللهِ مَن لو أقسَمَ على اللهِ لَأبَرَّه»». أخرجه البخاري (٢٨٠٥).

* قوله تعالى: {وَكَفَى اْللَّهُ اْلْمُؤْمِنِينَ اْلْقِتَالَۚ} [الأحزاب: 25]:

عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه، قال: «شغَلَنا المشرِكون يومَ الخَنْدقِ عن صلاةِ الظُّهْرِ حتى غرَبتِ الشَّمْسُ، وذلك قبل أن يَنزِلَ في القتالِ ما نزَلَ؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {وَكَفَى اْللَّهُ اْلْمُؤْمِنِينَ اْلْقِتَالَۚ} [الأحزاب: 25]، فأمَرَ بِلالًا فأذَّنَ وأقامَ فصلَّى الظُّهْرَ، ثمَّ أمَرَه فأقامَ فصلَّى العصرَ، ثمَّ أمَرَه فأقامَ فصلَّى المغربَ، ثمَّ أمَرَه فأقامَ فصلَّى العِشاءَ». أخرجه النسائي (٦٦١).

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلنَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَٰجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اْلْحَيَوٰةَ اْلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحٗا جَمِيلٗا ٢٨ وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اْللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَاْلدَّارَ اْلْأٓخِرَةَ فَإِنَّ اْللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَٰتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمٗا} [الأحزاب: 28-29]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لم أزَلْ حريصًا على أن أسألَ عُمَرَ رضي الله عنه عن المرأتَينِ مِن أزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّتَينِ قال اللهُ لهما: {إِن ‌تَتُوبَآ إِلَى اْللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَاۖ} [التحريم: 4]، فحجَجْتُ معه، فعدَلَ وعدَلْتُ معه بالإداوةِ، فتبرَّزَ حتى جاءَ، فسكَبْتُ على يدَيهِ مِن الإداوةِ فتوضَّأَ، فقلتُ: يا أميرَ المؤمنين، مَن المرأتانِ مِن أزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّتانِ قال اللهُ عز وجل لهما: {إِن ‌تَتُوبَآ إِلَى اْللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَاۖ} [التحريم: 4]؟ فقال: واعجبي لك يا بنَ عبَّاسٍ! عائشةُ وحَفْصةُ، ثمَّ استقبَلَ عُمَرُ الحديثَ يسُوقُه، فقال:

إنِّي كنتُ وجارٌ لي مِن الأنصارِ في بني أُمَيَّةَ بنِ زيدٍ، وهي مِن عوالي المدينةِ، وكنَّا نتناوَبُ النُّزولَ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فيَنزِلُ يومًا وأنزِلُ يومًا، فإذا نزَلْتُ جِئْتُه مِن خَبَرِ ذلك اليومِ مِن الأمرِ وغيرِه، وإذا نزَلَ فعَلَ مِثْلَه، وكنَّا مَعشَرَ قُرَيشٍ نَغلِبُ النِّساءَ، فلمَّا قَدِمْنا على الأنصارِ إذا هم قومٌ تَغلِبُهم نساؤُهم، فطَفِقَ نساؤُنا يأخُذْنَ مِن أدبِ نساءِ الأنصارِ، فصِحْتُ على امرأتي، فراجَعتْني، فأنكَرْتُ أن تُراجِعَني، فقالت: ولِمَ تُنكِرُ أن أُراجِعَك؟! فواللهِ، إنَّ أزواجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لَيُراجِعْنُه، وإنَّ إحداهنَّ لَتهجُرُه اليومَ حتى اللَّيلِ، فأفزَعَني، فقلتُ: خابَتْ مَن فعَلَ منهنَّ بعظيمٍ، ثم جمَعْتُ عليَّ ثيابي، فدخَلْتُ على حَفْصةَ، فقلتُ: أيْ حَفْصةُ، أتُغاضِبُ إحداكنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اليومَ حتى اللَّيلِ؟ فقالت: نَعم، فقلت: خابَتْ وخَسِرتْ! أفتأمَنُ أن يَغضَبَ اللهُ لغضَبِ رسولِه صلى الله عليه وسلم فتَهلِكِينَ؟! لا تَستكثري على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ولا تُراجِعيه في شيءٍ، ولا تهجُريه، واسأليني ما بدا لكِ، ولا يغُرَّنَّكِ أن كانت جارتُك هي أوضأَ منك، وأحَبَّ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم - يريدُ عائشةَ -.

وكنَّا تحدَّثْنا أنَّ غسَّانَ تُنعِلُ النِّعالَ لغَزْوِنا، فنزَلَ صاحبي يومَ نَوْبتِه، فرجَعَ عِشاءً، فضرَبَ بابي ضربًا شديدًا، وقال: أنائمٌ هو؟! ففَزِعْتُ، فخرَجْتُ إليه، وقال: حدَثَ أمرٌ عظيمٌ، قلتُ: ما هو؟ أجاءت غسَّانُ؟ قال: لا، بل أعظَمُ منه وأطوَلُ، طلَّقَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نساءَه، قال: قد خابَتْ حَفْصةُ وخَسِرتْ، كنتُ أظُنُّ أنَّ هذا يُوشِكُ أن يكونَ، فجمَعْتُ عليَّ ثيابي، فصلَّيْتُ صلاةَ الفجرِ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فدخَلَ مَشرُبةً له، فاعتزَلَ فيها، فدخَلْتُ على حَفْصةَ فإذا هي تَبكِي، قلتُ: ما يُبكِيكِ؟ أوَلَمْ أكُنْ حذَّرْتُكِ؟! أطلَّقَكنَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟! قالت: لا أدري! هو ذا في المَشرُبةِ، فخرَجْتُ، فجِئْتُ المِنبَرَ، فإذا حَوْلَه رَهْطٌ يَبكِي بعضُهم، فجلَسْتُ معهم قليلًا، ثم غلَبَني ما أجدُ، فجِئْتُ المَشرُبةَ التي هو فيها، فقلتُ لغلامٍ له أسوَدَ: استأذِنْ لِعُمَرَ، فدخَلَ، فكلَّمَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ثم خرَجَ، فقال: ذكَرْتُك له فصمَتَ، فانصرَفْتُ حتى جلَسْتُ مع الرَّهْطِ الذين عند المِنبَرِ، ثمَّ غلَبَني ما أجدُ، فجِئْتُ، فذكَرَ مِثْلَه، فجلَسْتُ مع الرَّهْطِ الذين عند المِنبَرِ، ثمَّ غلَبَني ما أجدُ، فجِئْتُ الغلامَ، فقلتُ: استأذِنْ لِعُمَرَ، فذكَرَ مِثْلَه، فلمَّا ولَّيْتُ منصرِفًا، فإذا الغلامُ يَدْعوني، قال: أَذِنَ لك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فدخَلْتُ عليه، فإذا هو مضطجِعٌ على رمالِ حصيرٍ ليس بَيْنه وبَيْنه فِراشٌ قد أثَّرَ الرِّمالُ بجَنْبِه، متَّكِئٌ على وسادةٍ مِن أَدَمٍ حَشْوُها لِيفٌ، فسلَّمْتُ عليه، ثم قلتُ وأنا قائمٌ: طلَّقْتَ نساءَك؟ فرفَعَ بصَرَه إليَّ، فقال: «لا»، ثم قلتُ وأنا قائمٌ أستأنِسُ: يا رسولَ اللهِ، لو رأَيْتَني وكنَّا مَعشَرَ قُرَيشٍ نَغلِبُ النِّساءَ، فلمَّا قَدِمْنا على قومٍ تَغلِبُهم نساؤُهم، فذكَرَه، فتبسَّمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ثم قلتُ: لو رأَيْتَني، ودخَلْتُ على حَفْصةَ، فقلتُ: لا يغُرَّنَّكِ أنْ كانت جارتُكِ هي أوضأَ منكِ وأحَبَّ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم - يريدُ عائشةَ -، فتبسَّمَ أخرى، فجلَسْتُ حينَ رأَيْتُه تبسَّمَ، ثم رفَعْتُ بصَري في بيتِه، فواللهِ ما رأَيْتُ فيه شيئًا يرُدُّ البصَرَ غيرَ أَهَبَةٍ ثلاثةٍ، فقلتُ: ادعُ اللهَ فَلْيُوسِّعْ على أُمَّتِك؛ فإنَّ فارسَ والرُّومَ وُسِّعَ عليهم، وأُعطُوا الدُّنيا وهم لا يعبُدون اللهَ، وكان متَّكِئًا، فقال: «أوَفِي شكٍّ أنتَ يا بنَ الخطَّابِ؟! أولئك قومٌ عُجِّلتْ لهم طيِّباتُهم في الحياةِ الدنيا»، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، استغفِرْ لي، فاعتزَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مِن أجلِ ذلك الحديثِ حينَ أفشَتْهُ حَفْصةُ إلى عائشةَ، وكان قد قال: «ما أنا بداخلٍ عليهنَّ شهرًا»؛ مِن شِدَّةِ مَوْجِدتِه عليهنَّ حينَ عاتَبَه اللهُ، فلمَّا مضَتْ تِسْعٌ وعشرون، دخَلَ على عائشةَ، فبدَأَ بها، فقالت له عائشةُ: إنَّك أقسَمْتَ ألَّا تدخُلَ علينا شهرًا، وإنَّا أصبَحْنا لِتِسْعٍ وعِشْرينَ ليلةً أعُدُّها عدًّا؟! فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وعِشْرون»، وكان ذلك الشَّهْرُ تِسْعًا وعِشْرينَ، قالت عائشةُ: فأُنزِلتْ آيةُ التَّخييرِ، فبدَأَ بي أوَّلَ امرأةٍ، فقال: «إنِّي ذاكرٌ لكِ أمرًا، ولا عليكِ ألَّا تَعجَلي حتى تَستأمري أبوَيكِ»، قالت: قد أعلَمُ أنَّ أبوَيَّ لم يكُونا يأمُرانِي بفِراقك، ثم قال: «إنَّ اللهَ قال: {يَٰٓأَيُّهَا اْلنَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَٰجِكَ} [الأحزاب: 28] إلى قولِه: {عَظِيمٗا} [الأحزاب: 29]»، قلتُ: أفي هذا أستأمِرُ أبوَيَّ؟! فإنِّي أريدُ اللهَ ورسولَه والدارَ الآخرةَ، ثم خيَّرَ نساءَه، فقُلْنَ مِثْلَ ما قالت عائشةُ». أخرجه البخاري (٢٤٦٨).

* قوله تعالى: {إِنَّ اْلْمُسْلِمِينَ وَاْلْمُسْلِمَٰتِ وَاْلْمُؤْمِنِينَ وَاْلْمُؤْمِنَٰتِ وَاْلْقَٰنِتِينَ وَاْلْقَٰنِتَٰتِ وَاْلصَّٰدِقِينَ وَاْلصَّٰدِقَٰتِ وَاْلصَّٰبِرِينَ وَاْلصَّٰبِرَٰتِ وَاْلْخَٰشِعِينَ وَاْلْخَٰشِعَٰتِ وَاْلْمُتَصَدِّقِينَ وَاْلْمُتَصَدِّقَٰتِ وَاْلصَّٰٓئِمِينَ وَاْلصَّٰٓئِمَٰتِ وَاْلْحَٰفِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَاْلْحَٰفِظَٰتِ وَاْلذَّٰكِرِينَ اْللَّهَ كَثِيرٗا وَاْلذَّٰكِرَٰتِ أَعَدَّ اْللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةٗ وَأَجْرًا عَظِيمٗا} [الأحزاب: 35]:

عن أُمِّ عطيَّةَ نُسَيبةَ بنتِ كعبٍ رضي الله عنها: أنَّها أتت النبيَّ ﷺ، فقالت: «ما أرى كلَّ شيءٍ إلا للرِّجالِ، وما أرى النِّساءَ يُذكَرْنَ بشيءٍ»؛ فنزَلتْ هذه الآيةُ: {إِنَّ اْلْمُسْلِمِينَ وَاْلْمُسْلِمَٰتِ وَاْلْمُؤْمِنِينَ وَاْلْمُؤْمِنَٰتِ} [الأحزاب: 35] الآيةَ. أخرجه الترمذي (٣٢١١).

* قوله تعالى: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اْللَّهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب: 37]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «جاء زيدُ بنُ حارثةَ يشكو زَيْنَبَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أمسِكْ عليك أهلَك»؛ فنزَلتْ: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اْللَّهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب: 37]». أخرجه ابن حبان (٧٠٤٥).

* قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٞ مِّنْهَا وَطَرٗا زَوَّجْنَٰكَهَا} [الأحزاب: 37]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا نزَلتْ هذه الآيةُ في زَيْنَبَ بنتِ جحشٍ {فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٞ مِّنْهَا وَطَرٗا زَوَّجْنَٰكَهَا} [الأحزاب: 37]، قال: فكانت تَفخَرُ على أزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ تقولُ: زوَّجَكنَّ أهلُكنَّ، وزوَّجَني اللهُ مِن فوقِ سَبْعِ سمواتٍ». أخرجه الترمذي (3213).

* قوله تعالى: {تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُـْٔوِيٓ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُۖ وَمَنِ اْبْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَۚ} [الأحزاب: 51]:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «كنتُ أغارُ على اللاتي وهَبْنَ أنفُسَهنَّ لرسولِ اللهِ ﷺ، وأقولُ: تَهَبُ المرأةُ نفسَها؟ فلمَّا أنزَلَ اللهُ: {تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُـْٔوِيٓ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُۖ وَمَنِ اْبْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَۚ} [الأحزاب: 51]، قالت: قلتُ: واللهِ، ما أرى رَبَّك إلا يُسارِعُ في هواك». أخرجه البخاري (٤٧٨٨).

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدْخُلُواْ بُيُوتَ اْلنَّبِيِّ إِلَّآ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَٰظِرِينَ إِنَىٰهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَاْدْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَاْنتَشِرُواْ وَلَا مُسْتَـْٔنِسِينَ لِحَدِيثٍۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي اْلنَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِۦ مِنكُمْۖ وَاْللَّهُ لَا يَسْتَحْيِۦ مِنَ اْلْحَقِّۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَٰعٗا فَسْـَٔلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٖۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُواْ رَسُولَ اْللَّهِ وَلَآ أَن تَنكِحُوٓاْ أَزْوَٰجَهُۥ مِنۢ بَعْدِهِۦٓ أَبَدًاۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اْللَّهِ عَظِيمًا} [الأحزاب: 53]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا تزوَّجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَيْنَبَ بنتَ جَحْشٍ، دعَا القومَ، فطَعِموا ثمَّ جلَسوا يَتحدَّثون، وإذا هو كأنَّه يَتهيَّأُ للقيامِ، فلَمْ يقُوموا، فلمَّا رأى ذلك قامَ، فلمَّا قامَ قامَ مَن قامَ، وقعَدَ ثلاثةُ نفَرٍ، فجاءَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لِيدخُلَ فإذا القومُ جلوسٌ، ثمَّ إنَّهم قاموا، فانطلَقْتُ فجِئْتُ فأخبَرْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنَّهم قد انطلَقوا، فجاءَ حتى دخَلَ، فذهَبْتُ أدخُلُ، فألقى الحِجابَ بَيْني وبَيْنه؛ فأنزَلَ اللهُ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدْخُلُواْ بُيُوتَ اْلنَّبِيِّ} [الأحزاب: 53] الآيةَ». أخرجه البخاري (٤٧٩١).

* سورةُ (الأحزاب):

سُمِّيت سورةُ (الأحزاب) بذلك؛ لأنَّ فيها ذِكْرَ أحزابِ المشركين مِن قُرَيشٍ وغطَفانَ وبعضِ العرب، الذين تَحزَّبوا واجتمعوا لغَزْوِ المسلمين بالمدينة، فردَّ اللهُ كيدهم في غزوة (الأحزاب) المعروفة.

اشتمَلتْ سورةُ (الأحزاب) على الموضوعات الآتية:

1. أمرُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بتقوى الله، والتوكل عليه (١-٣).

2. تصحيح مفاهيمَ اجتماعية خاطئة (٤-٥).

3. وَلاية النبيِّ صلى الله عليه وسلم العامة، وأخذُ اللهِ الميثاقَ من النبيِّين عليهم السلام (٦-٨).

4. قصة غزوة (الأحزاب) (٩-٢٠).

5. الرسول صلى الله عليه وسلم هو الأُسوة الحسنة، وأصحابه نجومٌ يُهتدى بها (٢١-٢٤).

6. نتيجة المعركة، وغدر اليهود (٢٥-٢٧).

7. النبي مُحمَّد صلى الله عليه وسلم (٢٨-٥٩) .

8. مع زوجاته رضوان الله عليهم (٢٨-٣٤) .

9. المساواة بين الرجال والنساء في التكليف والجزاء (٣٥).

10. قصته صلى الله عليه وسلم مع زينبَ رضي الله عنها (٣٦-٣٩).

11. خاتمُ النبيِّين وبعض صفاته (٤٠-٤٨) .

12. خصائصه في أحكام الزواج (٤٩-٥٢).

13. آداب دخول بيته، والأمر بالحِجاب (٥٣-٥٥).

14. مكانتُه، وحرمة إيذائه (٥٦- ٥٨).

15. حِجاب زوجاته والمرأة المسلمة (٥٩).

16. جزاء المنافقين والكفار (٦٠-٦٨).

17. توجيهاتٌ وعِظات للمؤمنين (٦٩-٧١).

18. عظمة تكليف الإنسان، وحملُه الأمانة (٧٢-٧٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (6 /68).

حثَّتْ سورةُ (الأحزاب) على حُسْنِ الظنِّ بالله، والتوكُّلِ عليه؛ فالله هو صاحبُ الحِكْمة والقوَّة والقُدْرة، وهو المتصرِّفُ في الكون، يَعلَم ما يصلحُ للخلائق، ويُدبِّر لهم أحسَنَ تدبير؛ فيُعلِي شأنَ من يشاء، ويَخفِض شأنَ من يشاء.

وتسميتُها بـ(الأحزاب) أوضحُ دليلٍ على ذلك؛ بتأمُّل القصة التي أشارت إليها، ودلَّتْ عليها.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /370).