ﰡ
والعامَّةُ على تشديد «لَمَّا» وهي: إمَّا حرفُ وجوبٍ لوجوب، أو ظرفٌ بمعنى حين، كما عَرَفْتَه. وقرأ الجحدريُّ بكسرِ اللام وتخفيفِ الميمِ على أنَّها لامُ الجرِّ دَخَلَت على «ما» المصدرية، وهي نظيرُ قولِهم: «كتبْتُه لخمسٍ خَلَوْن» أي: عندها.
قوله: ﴿مَّرِيجٍ﴾ أي: مُخْتَلِط. قال أبو واقد:
٤٠٨٩ - مَرِجَ الدِّيْنُ فأَعْدَدْتُ له | مُشْرِفَ الأَقْطارِ مَحْبوكَ الكَتَدْ |
٤٠٩٠ - فجالَتْ والتمسْتُ به حَشاها | فَخَرَّ كأنَّه خُوْطٌ مَرِيْجُ |
٤٠٩١ - يا بنَ الذين بمَجْدِهمْ | بَسَقَتْ على قَيْسٍ فَزارَهْ |
٤٠٩٢ - لنا خَمْرٌ وليسَتْ خمرَ كَرْمٍ | ولكنْ مِنْ نِتاجِ الباسِقاتِ |
كِرامٌ في السماءِ ذَهَبْنَ طُوْلاً | وفاتَ ثمارَها أيدي الجُناةِ |
قوله: ﴿لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ﴾ يجوزُ أَنْ تكونَ الجملةُ حالاً من النخل أو من الضمير في «باسِقاتٍ»، ويجوزُ أَنْ يكونَ الحالُ وحدَه لها، و «طَلْعٌ» فاعلٌ به، ونَضِيْدٌ بمعنى مَنْضود.
قوله: ﴿بِهِ﴾ أي: بالماءِ. و «مَيْتاً» صفةٌ ل «بَلْدة». ولم يُؤَنَّثْ حَمْلاً على معنى المكانِ. والعامَّةُ على التخفيف. وأبو جعفر وخالد بالتثقيل.
قوله: ﴿كُلٌّ﴾ التنوينُ عِوَضٌ من المضافِ إليه. وكان بعضُ النحاةِ يُجيز حَذْفَ تنوينِها وبناءَها على الضم كالعامَّةِ نحو: قبل وبعد.
قوله: ﴿مِنْ حَبْلِ الوريد﴾ هذا كقولهم: مسجد الجامع أي: حبلِ
٤٠٩٣ - كأنْ وَرِيْدَيْهِ رِشاءُ خُلْبِ... وقال الأثرم: «هو نهرُ الجسدِ: هو في القلبِ الوَتينُ، وفي الظهر الأَبْهَرِ، وفي الذِّراعِ والفَخِذِ الأَكْحَلُ والنَّسا، وفي الخِنْصِرِ الأَسْلَم».
قوله: ﴿عَنِ اليمين وَعَنِ الشمال قَعِيدٌ﴾ يجوز أَنْ يكونَ مفرداً على بابِه، فيكون بمعنى مُفاعِل كخليط بمعنى مُخالِط، أو يكونَ عَدَلَ مِنْ فاعِل إلى فعيل مبالغةً ك عليم. وجوَّز الكوفيون أَنْ يكونَ فعيل واقعاً مَوْقِعَ
٤٠٩٤ - رَماني بأَمْرٍ كنتُ منه ووالدي | بَريئاً ومِنْ أجل الطَّوِيِّ رَماني |
٤٠٩٥ - فإن تَزْجُراني يا بنَ عَفَّانَ أَزْدَجِرْ | وإنْ تَدَعاني أَحْمِ عِرْضاً مُمَنَّعا |
٤٠٩٦ - فقُلْتُ لصاحبي لا تَحْبِسانا | ............................. |
قوله: ﴿وَقَدْ قَدَّمْتُ﴾ جملةٌ حاليةٌ. ولا بُدَّ مِنْ تأويلِها. وذلك أنَّ النهيَ في الآخرةِ وتَقْدِمةَ الوعيدِ في الدنيا، فاختلف الزمنان، فكيف يَصِحُّ جَعْلُها حاليةً؟ وتأويلها: هو أن المعنى وقد صَحَّ أني قَدََّمْتُ، وزمانُ الصحةِ وزمانُ النهيِ واحدٌ، و «قَدَّمْتُ» يجوزُ أَنْ يكونَ بمعنى تَقَدَّمْتُ، فتكون التاءُ للحال، ولا بُدَّ من حَذْفِ مضافٍ أي: وقد تقدَّم قولي لكم مُلْتبساً بالوعيد. ويجوزُ أن يكونَ «قَدَّمْتُ» على حاله متعدِّياً، والباءُ مزيدةٌ في المفعولِ أي: قَدَّمْتُ إليكم الوعيدَ.
قوله: ﴿هَلْ مِن مَّزِيدٍ﴾ سؤالُ تقريرٍ وتوقيفٍ. وقيل: معناه النفيُ. وقيل: السؤالُ لخَزَنَتِها. والجوابُ منهم، فلا بُدَّ مِنْ حذفِ مضافٍ أي: نقولُ لخزنةِ جهنمَ ويقولون، ثم حَذَفَ. وقرأ نافع وأبو بكر «يقول لجهنمَ» بياء الغَيْبة، والفاعلُ اللَّهُ تعالى لتقدُّم ذِكْرِه في قولِه: «مع الله»، والباقون بنونِ المتكلِّمِ المعظِّم نفسَه لتقدُّم ذِكْرِه في قوله: «لديَّ»، «وقد قَدَّمْتُ». والأعمش «يُقال» مبنياً للمفعول. والمزيد يجوز أَنْ يكونَ مصدراً، وأن يكونَ اسمَ مفعولٍ أي: مِنْ شيءٍ تَزيدونَنِيْه أَحْرقه.
وجَوَّز ابنُ عطية في «مَنْ خَشِي» أَنْ يكونَ نعتاً لِما تقدَّم، وهو مردودٌ بما تقدَّم، ويجوز أَنْ يكونَ يرتفع «مَنْ خَشِي» على خبر ابتداءٍ مضمرٍ، أو يُنْصَبُ بفعلٍ مضمرٍ، وكلاهما على القطع المُشْعِرِ بالمدح، وأن يكونَ مبتدأ خبرُه قولٌ مضمرٌ ناصبٌ لقولِه: «ادْخُلوها» أي: مَنْ خَشِي الرحمنَ يُقال لهم: ادْخُلوها. وحُمِل أولاً على اللفظِ، وفي الثاني على المعنى، وقيل: «مَنْ خَشي» منادى حُذِفُ منه حرفُ النداءِ أي: يا مَنْ خَشِي ادْخلُوها باعتبار الحَمْلَيْن المتقدِّمَيْنِ، وأَنْ تكونَ شرطيةً، وجوابُها محذوفٌ وهو ذلك القولُ، ولكن رُدَّ معه فاءٌ أي: فيقال لهم: و «بالغيب» حالٌ أي: غائباً عنه، فيُحتمل أَنْ يكونَ حالاً من الفاعل
قوله: ﴿ذَلِكَ يَوْمُ الخلود﴾ قال أبو البقاء: «أي زمنُ ذلك يومُ الخلود» كأنه جَعَلَ ذلك إشارةً إلى ما تقدَّم مِنْ إنعام اللَّهِ عليهم بما ذُكِرَ. ولا حاجةَ إلى ذلك؛ بل ذلك مُشارٌ به لما بعدَه من الزمانِ كقولك «هذا زيدٌ».
قوله: ﴿فِيهَا﴾ يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ ب يَشاؤُون، ويجوزُ أَنْ يكونَ حالاً من الموصول، أو مِنْ عائِده والأولُ أَوْلى.
قوله: ﴿فَنَقَّبُواْ﴾ الفاءُ عاطفةٌ على المعنى كأنه قيل: اشتدَّ بَطْشُهم
٤٠٩٧ - نَقَّبوا في البلاد مِنْ حَذَرِ الموْ | تِ وجالُوا في الأرض كلَّ مجَالِ |
٤٠٩٨ - وقد نَقَّبْتُ في الآفاقِ حتى | رَضِيْتُ مِن الغنيمة بالإِياب |
قوله: ﴿هَلْ مِن مَّحِيصٍ﴾ مبتدأٌ، وخبرُه مضمرٌ تقديرُه: هل لِمَنْ
٤٠٩٩ - على دُبُرِ الشهرِ الحَرامِ فأَرْضُنا | وما حولَها جَدْبٌ سِنونَ تَلْمَعُ |
وقيل: استمعْ ما أقولُ لك. فعلى هذا يكون «يومَ يُنادي». منصوباً ب «يَخْرجون» مقدَّراً مدلولاً عليه بقوله: ﴿ذَلِكَ يَوْمُ الخروج﴾ [ق: ٤٢]، وعلى الثاني يكون «يومَ ينادي» مفعولاً به أي: انتظرْ ذلك اليومَ.
ووقف ابن كثير على «يُنادي» بالياء، والباقون دونَها. ووجهُ إثباتِها أنه لا مُقْتضٍ لحذفِها، ووجهُ حَذْفِها وَقْفاً اتِّباعُ الرسمِ، وكان الوقفُ مَحَلَّ تخفيفٍ. وأمَّا «المنادي» فأثبتَ ابنُ كثير أيضاً ياءَه وصلاً
قوله: ﴿ذَلِكَ يَوْمُ الخروج﴾ يجوز أَنْ يكونَ التقديرُ: ذلك الوقتُ أي: وقتُ النداءِ والسماع يومُ الخروجِ. ويجوز أَنْ يكونَ «ذلك» إشارةً إلى النداء، ويكونُ قد اتُّسِع في الظرف فأُخْبِرَ به عن المصدر، أو يُقَدَّرَ مضافٌ إلى ذلك النداءِ والاستماع: نداء يومِ الخروجِ واستماعِه.
قوله: ﴿سِرَاعاً﴾ حالٌ من الضمير في «عنهم»، والعاملُ فيها «تَشَقَّقُ».
قوله: ﴿عَلَيْنَا﴾ متعلق ب «يَسير» ففَصَل بمعمولِ الصفة بينها وبين موصوفِها، ولا يَضُرُّ ذلك. ويجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ منه. لأنه في الأصلِ يجوزُ أَنْ يكونَ نعتاً. وقال الزمخشري: «التقديمُ للاختصاصِ، أي: لا يتيسَّر ذلك إلاَّ على الله وحده». وقد تقدَّم الخلافُ في ياء «وعيد» إثباتاً وحَذْفاً.
سورة ق
سورةُ (ق) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (المُرسَلات)، وقد افتُتحت بالتنويه بهذا الكتابِ، وتذكيرِ الكفار بأصل خِلْقتهم، وقدرة الله عز وجل على الإحياء من عدمٍ؛ وذلك دليلٌ صريح على قُدْرته على بعثِهم وحسابهم بعد أن أوجَدهم، وفي ذلك دعوةٌ لهم إلى الإيمان بعد أن بيَّن اللهُ لهم مصيرَ من آمن ومصيرَ من كفر، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقرؤها في صلاةِ الفجر.
ترتيبها المصحفي
50نوعها
مكيةألفاظها
373ترتيب نزولها
34العد المدني الأول
45العد المدني الأخير
45العد البصري
45العد الكوفي
45العد الشامي
45* سورةُ (ق):
سُمِّيت سورةُ (ق) بهذا الاسمِ؛ لافتتاحها بهذا الحرفِ.
* كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقرأُ سورة (ق) في صلاةِ الفجر:
عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه، قال: «إنَّ النبيَّ ﷺ كان يَقرأُ في الفجرِ بـ {قٓۚ وَاْلْقُرْءَانِ اْلْمَجِيدِ}، وكان صلاتُه بعدُ تخفيفًا». أخرجه مسلم (٤٥٨).
* وكذلك كان صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة (ق) في عيدَيِ الفطرِ والأضحى:
عن عُبَيدِ اللهِ بن عبدِ اللهِ: «أنَّ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ سألَ أبا واقدٍ اللَّيْثيَّ: ما كان رسولُ اللهِ ﷺ يَقرأُ في الفِطْرِ والأضحى؟ قال: كان النبيُّ ﷺ يَقرأُ بـ {قٓۚ وَاْلْقُرْءَانِ اْلْمَجِيدِ}، و{اْقْتَرَبَتِ اْلسَّاعَةُ وَاْنشَقَّ اْلْقَمَرُ}». أخرجه ابن حبان (٢٨٢٠).
1. إنكار المشركين للبعث (١-٥).
2. التأمُّل في الآيات (٦-١٥).
3. التأمل في الأنفس خَلْقًا ومآلًا (١٦-٣٨).
4. توجيهات للرسول، وتهديد للمشركين (٣٩-٤٥).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /402).
مقصودُ السورة الدَّلالة على قدرة الله عز وجل أن يَبعَثَ الناسَ بعد موتهم، وأكبَرُ دليلٍ على ذلك خَلْقُهم من عدمٍ، وهو أصعب من بعثِهم من موجود، وفي ذلك يقول البِقاعيُّ رحمه الله: «مقصودها: الدلالةُ على إحاطة القدرة، التي هي نتيجة ما خُتمت به الحُجُرات من إحاطةِ العلم؛ لبيانِ أنه لا بد من البعث ليوم الوعيد؛ لتنكشفَ هذه الإحاطةُ بما يحصل من الفصل بين العباد بالعدل؛ لأن ذلك سِرُّ المُلك، الذي هو سرُّ الوجود.
والذي تكفَّلَ بالدلالة على هذا كلِّه: ما شُوهِد من إحاطة مجدِ القرآن بإعجازه في بلوغه - في كلٍّ من جمعِ المعاني وعلوِّ التراكيب، وجلالة المفرَدات وجزالةِ المقاصد، وتلاؤم الحروف وتناسُبِ النظم، ورشاقة الجمع وحلاوة التفصيل - إلى حدٍّ لا تُطيقه القُوَى من إحاطةِ أوصاف الرسل، الذي اختاره سبحانه لإبلاغِ هذا الكتاب، في الخَلْقِ والخُلُق، وما شُوهِد من إحاطة القدرة بما هدى إليه القرآنُ من آيات الإيجاد والإعدام». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور " للبقاعي (3 /15).