تفسير سورة ق

أوضح التفاسير

تفسير سورة سورة ق من كتاب أوضح التفاسير المعروف بـأوضح التفاسير.
لمؤلفه محمد عبد اللطيف الخطيب . المتوفي سنة 1402 هـ

﴿وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ﴾ الكريم العظيم؛ ذي المجد والشرف أقسم تعالى بالقرآن المجيد أنه أنزله على رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام؛ فأنذرهم به فلم يؤمنوا، وأكد لهم البعث فلم يصدقوا
﴿بَلْ عَجِبُواْ﴾ حيث لا عجب ﴿أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ﴾ أي من أنفسهم ومن جنسهم
-[٦٣٧]- ﴿فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا﴾ الذي يقوله محمد من أمر البعث ﴿شَيْءٌ عَجِيبٌ﴾ لا يعقل ﴿أَإِذَا مِتْنَا﴾ ودفنا في قبورنا ﴿وَكُنَّا﴾ صرنا ﴿تُرَاباً﴾ وعظاماً: أنحيا بعد ذلك، ونعود من جديد كما كنا؟ ﴿ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ﴾ أي ذلك الرجوع والإحياء أمر مستبعد
﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأَرْضَ مِنْهُمْ﴾ أي ما تأكله من لحومهم، وتبليه من أجسادهم ﴿وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ﴾ هو اللوح المحفوظ؛ يحفظ ما عملوا وما هم عاملون، وما قالوا وما هم قائلون. ولم يكن الأمر قاصراً على العجب من بعثة محمد فحسب
﴿بَلْ﴾ كان ينصب على ما هو أفحش وأقبح؛ لقد ﴿كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ﴾ القرآن وما اشتمل عليه من الحق ﴿لَمَّا جَآءَهُمْ﴾ على لسان محمد ﴿فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ﴾ أي أمر مضطرب؛ فتارة يقولون عن القرآن: ﴿أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ﴾ وتارة يقولون: ﴿إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ﴾ وتارة يقولون عن سيد البشر: إنه ساحر، إنه شاعر. وما هو بساحر ولا بشاعر
﴿أَفَلَمْ يَنظُرُواْ﴾ هؤلاء الجهلاء ﴿إِلَى السَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا﴾ بغير عمد ﴿وَزَيَّنَّاهَا﴾ بالكواكب ﴿وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ﴾ شقوق تعيبها
﴿وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا﴾ بسطناها، ومهدناها للسير عليها، والانتفاع بها ﴿وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ﴾
جبالاً ثوابت؛ لئلا تميد بهم ﴿وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ من كل صنف حسن اللون، والمنظر، والمخبر
﴿تَبْصِرَةً﴾ أي جعلنا ذلك تبصرة لكم ﴿وَذِكْرَى﴾ تذكيراً بقدرة ربكم ﴿لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ﴾ راجع إلى ربه في كل أموره
﴿فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ﴾ أي بساتين وفواكه، والحب الذي يحصد: كالحنطة، والشعير، وما شاكلهما
﴿وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ﴾ أي طوالاً. وبسق النخل: طال ﴿لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ﴾ متراكم؛ بعضه فوق بعض
﴿وَأَحْيَيْنَا بِهِ﴾ أي بالماء ﴿بَلْدَةً مَّيْتاً﴾ مجدبة؛ لا نبات فيها ولا زرع ﴿كَذَلِكَ الْخُرُوجُ﴾ أي مثل إحيائنا الأرض بالنبات: نحيي الموتى، ونخرجهم بعد فناء رسومهم، وبلاء أجسادهم
﴿وَأَصْحَابُ الرَّسِّ﴾ الرس: البئر المطوية بالحجارة. وهو اسم بئر؛ كانوا حولها وقت نزول العذاب بهم. وقيل: هم أصحاب الأخدود ﴿وَثَمُودُ﴾ قوم صالح عليه السلام
﴿وَعَادٌ﴾ قوم هود عليه السلام
﴿وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ﴾ وهي الغيضة: مجتمع الشجر؛ وهم قوم شعيب عليه السلام ﴿وَقَوْمُ تُّبَّعٍ﴾ هو ملك باليمن: أسلم ودعا قومه للإسلام فكذبوه. و «تبع» اسم لكل من ملك اليمن؛ وسموا التبابعة ﴿كُلِّ﴾ من هؤلاء الأمم المذكورة ﴿كَذَّبَ الرُّسُلَ﴾ التي أرسلناها ﴿فَحَقَّ﴾ وجب
-[٦٣٨]- ﴿وَعِيدِ﴾ عذابي الذي أوعدتهم به
﴿أَفَعَيِينَا﴾ أفعجزنا. يقال: عيي بالأمر: إذا لم يهتد لوجه عمله ﴿بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ﴾ خلقتهم أول مرة ﴿بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ﴾ شك ﴿مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ وهو البعث
﴿وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ﴾ أي نعلم خواطره وهواجسه. لأنه تعالى ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾
﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ هو مثل لشدة القرب. والوريدان: عرقان في باطن العنق: يموت الإنسان والحيوان بقطع أحدهما
﴿إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ﴾ هما الملكان الملازمان لكل إنسان؛ لكتابة ما يصدر عنه من خير أو شر ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ﴾ أي قاعدان؛ أحدهما عن يمينه، والآخر عن شماله
﴿مَّا يَلْفِظُ﴾ ما ينطق ﴿رَقِيبٌ﴾ مراقب لأقواله وأفعاله ﴿عَتِيدٌ﴾ حاضر
﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ﴾ أي شدته وغمرته؛ وهي الغرغرة ﴿بِالْحَقِّ﴾ أي جاءت بسعادة الميت أو شقاوته. فقد ورد أنه في هذه الحال يرى مقعده من الجنة، أو من النار. أو ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ﴾ أي جاءت بأمر الله تعالى، وسلطانه، وقهره، وجبروته ﴿ذَلِكَ﴾ الموت ﴿مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾ تهرب من ملاقاته؛ لشعور عقلك الباطن بما أعد لك من عقاب
﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ﴾ القرن؛ وهي نفخة البعث ﴿ذَلِكَ يَوْمَ الْوَعِيدِ﴾ للكفار بالعذاب
﴿وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ﴾ مؤمنة أو كافرة ﴿مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ﴾ هما ملكان: أحدهما يسوقه إلى المحشر، والآخر يشهد عليه بما فعل. ويقال للكافر وقتذاك
﴿لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ﴾ في الدنيا ﴿مِّنْ هَذَا﴾ العذاب النازل بك اليوم ﴿فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ﴾ أزلنا غفلتك، وأريناك عياناً ما كنت تنكره وتكذب به ﴿فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ من الحدة؛ أي قوي: تشاهد به اليوم ما خفي عليك بالأمس؛ من البعث والحساب
﴿وَقَالَ قَرِينُهُ﴾ أي شيطانه المقارن له في الدنيا. أو المراد بقرينه: الملك الذي يسوقه إلى المحشر ﴿هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ﴾ أي هذا الذي عندي حاضر ومهيأ للنار
﴿أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ﴾
يقول ذلك رب العزة؛ مخاطباً السائق والشهيد
﴿مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ﴾ ظالم، شاك في الله وفي دينه
﴿قَالَ قرِينُهُ﴾ الشيطان المقارن له في الدنيا؛ يقول متبرئاً من إضلاله وإغوائه ﴿رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ﴾ بنفسي ﴿وَلَكِن كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ﴾ وذلك كقوله تعالى: «إن كيد الشيطان كان ضعيفاً»
﴿وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم﴾ في الدنيا؛ في كتبي، وعلى لسان رسلي ﴿بِالْوَعِيدِ﴾ بالعذاب الذي ترونه الآن؛ وقد أنكرتموه وكذبتم به في الدنيا
﴿مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ﴾ أي لا يبدل قولي الذي قلته على لسان رسلي؛ من إدخال المؤمنين الجنة، والكافرين النار ﴿وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ حين أحاسبهم على ما جنوه، وأعاقبهم على ما ارتكبوه؛ بل هم الذين ظلموا أنفسهم بتعريضها لغضبي وعذابي
﴿يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ﴾ هو على طريق المجاز: كناية عن سعتها، وأنها تسع سائر الكفار رغم كثرتهم
﴿وَأُزْلِفَتِ﴾ قربت، وأعدت، وهيئت
﴿أَوَّابٍ﴾ رجاع؛ كثير الذكرلله تعالى ﴿حَفِيظٌ﴾ حافظ لحدود الله تعالى
﴿ذَلِكَ يَوْمُ الُخُلُودِ﴾ الدائم؛ الذي لا موت بعده
﴿لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا﴾ أي في الجنة ﴿وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾ من الخير؛ فوق ما يشاءون، وما يطلبون
﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ﴾ أي قبل قريش ﴿مِّن قَرْنٍ﴾ أمة ﴿فَنَقَّبُواْ فِي الْبِلاَدِ﴾ فتشوا فيها عن سبب يمنعهم من الموت ﴿هَلْ مِن مَّحِيصٍ﴾ هل من مهرب من الموت؟ ومثل هؤلاء كمثل من يبحثون - في زمننا هذا - عن إطالة أعمارهم، وبقاء شبابهم. ولا ندري ماذا يكون بعد بقاء الشباب، وإطالة العمر؟ أيكون البقاء حيث لا بقاء، والخلود حيث لا خلود؟ وماذا ينفع الخلود في الدنيا؛ إذا لم تكن طريقاً للآخرة، وسبيلاً موصلاً إلى مرضاة الله تعالى
﴿لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾ واع للإيمان؛ لأن من لا يعي الإيمان؛ كمن لا قلب له ﴿أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ﴾ أي أصغى إلى المواعظ واستمع لها، وعمل بها ﴿وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ حاضر بقلبه
﴿وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ﴾ إعياء
﴿وَأَدْبَارَ السُّجُودِ﴾ أي عقب الصلوات يصيحها فيهم إسرافيل عليه السلام (انظر آية ٥٣ من سورة يس)
﴿ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ﴾ يوم البعث
﴿يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً﴾ يوم تتصدع الأرض؛ فتخرج الموتى مسرعين
﴿وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ﴾ تجبرهم على الإيمان قسراً ﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ﴾ من يخشى عذابي.
640
سورة الذاريات

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

640
سورة ق
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (ق) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (المُرسَلات)، وقد افتُتحت بالتنويه بهذا الكتابِ، وتذكيرِ الكفار بأصل خِلْقتهم، وقدرة الله عز وجل على الإحياء من عدمٍ؛ وذلك دليلٌ صريح على قُدْرته على بعثِهم وحسابهم بعد أن أوجَدهم، وفي ذلك دعوةٌ لهم إلى الإيمان بعد أن بيَّن اللهُ لهم مصيرَ من آمن ومصيرَ من كفر، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقرؤها في صلاةِ الفجر.

ترتيبها المصحفي
50
نوعها
مكية
ألفاظها
373
ترتيب نزولها
34
العد المدني الأول
45
العد المدني الأخير
45
العد البصري
45
العد الكوفي
45
العد الشامي
45

* سورةُ (ق):

سُمِّيت سورةُ (ق) بهذا الاسمِ؛ لافتتاحها بهذا الحرفِ.

* كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقرأُ سورة (ق) في صلاةِ الفجر:

عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه، قال: «إنَّ النبيَّ ﷺ كان يَقرأُ في الفجرِ بـ {قٓۚ وَاْلْقُرْءَانِ اْلْمَجِيدِ}، وكان صلاتُه بعدُ تخفيفًا». أخرجه مسلم (٤٥٨).

* وكذلك كان صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة (ق) في عيدَيِ الفطرِ والأضحى:

عن عُبَيدِ اللهِ بن عبدِ اللهِ: «أنَّ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ سألَ أبا واقدٍ اللَّيْثيَّ: ما كان رسولُ اللهِ ﷺ يَقرأُ في الفِطْرِ والأضحى؟ قال: كان النبيُّ ﷺ يَقرأُ بـ {قٓۚ وَاْلْقُرْءَانِ اْلْمَجِيدِ}، و{اْقْتَرَبَتِ اْلسَّاعَةُ وَاْنشَقَّ اْلْقَمَرُ}». أخرجه ابن حبان (٢٨٢٠).

1. إنكار المشركين للبعث (١-٥).

2. التأمُّل في الآيات (٦-١٥).

3. التأمل في الأنفس خَلْقًا ومآلًا (١٦-٣٨).

4. توجيهات للرسول، وتهديد للمشركين (٣٩-٤٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /402).

مقصودُ السورة الدَّلالة على قدرة الله عز وجل أن يَبعَثَ الناسَ بعد موتهم، وأكبَرُ دليلٍ على ذلك خَلْقُهم من عدمٍ، وهو أصعب من بعثِهم من موجود، وفي ذلك يقول البِقاعيُّ رحمه الله: «مقصودها: الدلالةُ على إحاطة القدرة، التي هي نتيجة ما خُتمت به الحُجُرات من إحاطةِ العلم؛ لبيانِ أنه لا بد من البعث ليوم الوعيد؛ لتنكشفَ هذه الإحاطةُ بما يحصل من الفصل بين العباد بالعدل؛ لأن ذلك سِرُّ المُلك، الذي هو سرُّ الوجود.

والذي تكفَّلَ بالدلالة على هذا كلِّه: ما شُوهِد من إحاطة مجدِ القرآن بإعجازه في بلوغه - في كلٍّ من جمعِ المعاني وعلوِّ التراكيب، وجلالة المفرَدات وجزالةِ المقاصد، وتلاؤم الحروف وتناسُبِ النظم، ورشاقة الجمع وحلاوة التفصيل - إلى حدٍّ لا تُطيقه القُوَى من إحاطةِ أوصاف الرسل، الذي اختاره سبحانه لإبلاغِ هذا الكتاب، في الخَلْقِ والخُلُق، وما شُوهِد من إحاطة القدرة بما هدى إليه القرآنُ من آيات الإيجاد والإعدام». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور " للبقاعي (3 /15).