ﰡ
وَقَوله: ﴿تِلْكَ آيَات الْقُرْآن﴾ أَي: هَذِه آيَات الْقُرْآن.
﴿وَكتاب﴾ أَي: وآيات كتاب مُبين، وَأما اشتقاق الْقُرْآن وَالْكتاب قد بَينا، قَالَ أهل الْمعَانِي: أظهر الْآيَات بِالْقِرَاءَةِ تَارَة، وبالكتبة تَارَة أُخْرَى، فالآيات مظهرة بِكَوْنِهَا كتابا، وبكونها قُرْآنًا.
وَقَوله: ﴿للْمُؤْمِنين﴾ أَي: للمصدقين.
وَقَوله: (وَيُؤْتونَ الزَّكَاة) أَي: يُعْطون الزَّكَاة، وَالزَّكَاة هِيَ زَكَاة المَال، وَقيل: زَكَاة الْفطر.
وَقَوله: (وَهُوَ بِالآخِرَة هُوَ يوقنون) أَي: يصدقون.
وَقَوله: ﴿فهم يعمهون﴾ أَي: يتحيرون ويترددون، وَيُقَال: يعمون.
وَقَوله: ﴿وهم فِي الْآخِرَة هم الأخسرون﴾ أَي: حظا ونصيبا.
وَقَوله: ﴿من لدن حَكِيم عليم﴾ أَي: من عِنْده.
قَوْله تَعَالَى: ﴿سآتيكم مِنْهَا بِخَبَر﴾ أَي: بِخَبَر عَن الطَّرِيق.
وَقَوله: ﴿أَو آتيكم بشهاب قبس﴾ قرئَ بِالتَّنْوِينِ، وَقُرِئَ على الْإِضَافَة: " بشهاب قبس " والشهاب والقبس مَعْنَاهُمَا متقاربان، فالعود إِذا كَانَ فِي أحد طَرفَيْهِ نَار، وَلَيْسَ فِي الطّرف الآخر نَار سمي: شهابا، وَيُسمى: قبسا، وَقَالَ بَعضهم: الشهَاب هُوَ شَيْء ذُو نور مثل العمود، وَالْعرب تسمي كل أَبيض ذِي نور: شهابا، والقبس هُوَ الْقطعَة من النَّار، قَالَ الشَّاعِر: (فِي كَفه صعدة مثقفة
(لَهَا) سِنَان كشعلة القبس) وَأما قِرَاءَة التَّنْوِين فقد جعل القبس نعتا لِلشِّهَابِ، وَأما قِرَاءَة الْإِضَافَة هُوَ إِضَافَة
وَقَوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تصطلون﴾ فِيهِ دَلِيل على أَنهم كَانُوا شَاتين، وَإنَّهُ أَصَابَهُ الْبرد وَالْعرب تَقول: هَلُمَّ إِلَى الصلى والقرى.
وَقَوله: ﴿من فِي النَّار﴾ فِيهِ أَقْوَال: أَكثر الْمُفَسّرين على أَنه نور الرب، وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة وَسَعِيد بن جُبَير وَغَيرهم، وَذكر أَبُو بكر الْهُذلِيّ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه الله تَعَالَى، وَذكر الْفراء أَن من فِي النَّار هُوَ الْمَلَائِكَة، وَمن حولهَا الْمَلَائِكَة أَيْضا (على القَوْل الأول، وَمن حولهَا الْمَلَائِكَة أَيْضا).
وَفِي الْآيَة قَوْله رَابِع: وَهُوَ أَن من فِي النَّار مُوسَى، فَإِن قيل: لم يكن مُوسَى فِي النَّار. قُلْنَا: قد كَانَ قَرِيبا من النَّار، وَالْعرب تسمي من قرب من الشَّيْء فِي الشَّيْء يَقُولُونَ: إِذا بلغت ذَات عرق فَأَنت فِي مَكَّة، قَالُوا هَذَا لأجل الْقرب من مَكَّة، ومُوسَى قد كَانَ قرب من النَّار فَجعله كَأَنَّهُ فِي النَّار.
وَفِي الْآيَة قَول خَامِس: وَهُوَ أَن " من " بِمَعْنى " مَا " وَمعنى الْآيَة: أَن بوركت النَّار وَمَا حولهَا، وَذكر بَعضهم، أَن فِي قِرَاءَة أبي: " بوركت النَّار وَمن حولهَا " وَالْعرب تَقول: بَارك الله، وَبَارك الله عَلَيْك، وبورك فِيك بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَوله: ﴿وَسُبْحَان الله رب الْعَالمين﴾ نزه الله نَفسه، وَهُوَ المنزه عَن كل سوء
وَقَوله: ﴿كَأَنَّهَا جآن﴾ الجآن هِيَ الْحَيَّة الصَّغِيرَة الَّتِي يكثر اضطرا بهَا، وَقد بَينا التَّوْفِيق بَين هَذِه الْآيَة وَبَين قَوْله: ﴿فَإِذا هِيَ ثعبان مُبين﴾.
وَقَوله: ﴿ولى مُدبرا﴾ : أَي: هرب، وَيُقَال: رَجَعَ إِلَى الطَّرِيق الَّتِي جَاءَ مِنْهَا.
وَقَوله: ﴿وَلم يعقب﴾ أَي: لم يلْتَفت.
وَقَوله: ﴿يَا مُوسَى لَا تخف﴾ (فِي بعض التفاسير: أَن مُوسَى لما فزع وهرب قَالَ الله تَعَالَى لَهُ: ﴿أقبل﴾ فَلم يرجع، فَقَالَ: ﴿لَا تخف﴾ إِنَّك من الْآمنينَ) فَلم يرجع، فَقَالَ: ﴿سنعيدها سيرتها الأولى﴾ فَلم يرجع حَتَّى جعلهَا عَصا كَمَا كَانَت، ثمَّ رَجَعَ وَأَخذهَا، وَالله أعلم.
قَوْله: ﴿إِنِّي لَا يخَاف لَدَى المُرْسَلُونَ﴾ يَعْنِي: إِذا أمنتهم، وَقيل: لَا يخَافُونَ من عقوبتي، فَإِنِّي لَا أعاقبهم.
فَإِن قيل: أَلَيْسَ أَن جَمِيع الْأَنْبِيَاء خَافُوا الله، وَقد كَانَ النَّبِي يخْشَى الله، وَقد قَالَ: " أَنا أخشاكم "؟ وَالْجَوَاب عَنهُ: أَن الْخَوْف الَّذِي هُوَ شَرط الْإِيمَان لَا يجوز
وَقَوله: ﴿فِي تسع آيَات﴾ أَي: مَعَ تسع آيَات، وَقيل: من تسع آيَات، قَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
[وَهل] ينعمن من كَانَ آخر عَهده | [ثَلَاثِينَ] شهرا فِي ثَلَاثَة أَحْوَال |
وَقَوله: ﴿إِلَى فِرْعَوْن وَقَومه إِنَّهُم كَانُوا قوما فاسقين﴾ أَي: خَارِجين من الطَّاعَة.
قَوْله: ﴿قَالُوا هَذَا سحر مُبين﴾ أى: سحر ظَاهر.
وَقَوله: ﴿واستيقنتها أنفسهم﴾ يَعْنِي: وَقد علمُوا أَنَّهَا من قبل الله تَعَالَى.
وَقَوله: ﴿ظلما وعلوا﴾ أَي: شركا وتكبرا.
وَقَوله: ﴿فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة المفسدين﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿وَقَالا الْحَمد لله الَّذِي فضلنَا على كثير من عباده الْمُؤمنِينَ﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَفِي بعض المسانيد: عَن أبي هُرَيْرَة أَن الله تَعَالَى أَمر دَاوُد أَن يسْأَل سُلَيْمَان عَن عشر مسَائِل: فَإِن أجَاب فَهُوَ خَلِيفَته. وروى أَن الله تَعَالَى بعث إِلَى دَاوُد
وَفِي هَذَا الْخَبَر: أَن سُلَيْمَان لما أجَاب بِهَذِهِ الْأَجْوِبَة سَأَلته الْأَحْبَار عَن مَسْأَلَة أُخْرَى فَقَالُوا: مَا الشَّيْء الَّذِي إِذا صلح صلح الْجَسَد كُله، وَإِذا فسد فسد الْجَسَد كُله؟ فَقَالَ: هُوَ الْقلب. فَقَالَت الْأَحْبَار لَهُ: حق لَك الْخلَافَة يَا سُلَيْمَان، فَحِينَئِذٍ اسْتَخْلَفَهُ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام.
فَإِن قيل: إِذا كَانَ دَاوُد اسْتَخْلَفَهُ، فَكيف يَسْتَقِيم قَوْله تَعَالَى: {وَورث سُلَيْمَان دَاوُد﴾ ؟ قُلْنَا: المُرَاد من الْإِرْث هَاهُنَا هُوَ قِيَامه مقَام دَاوُد فِي الْملك والنبوة وَالْعلم، وَلَيْسَ المُرَاد من الْإِرْث الَّذِي يعلم فِي الْأَمْوَال، وَهَذَا مثل قَوْلهم: الْعلمَاء وَرَثَة الْأَنْبِيَاء، وَالْمرَاد مِنْهُ مَا بَينا.
وَقَوله: {وَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس علمنَا منطق الطير﴾ سمى صَوته منطقا لحُصُول الْفَهم بِمَعْنَاهُ، كَمَا يفهم معنى كَلَام النَّاس، إِلَّا أَن صَوت الطير على صِيغَة وَاحِدَة، وأصوات النَّاس على صِيغ مُخْتَلفَة، وَيحْتَمل أَن ذَلِك فِي زمَان سُلَيْمَان خَاصَّة معْجزَة لَهُ أَنه جعل لأصواتهم مَعَاني مفهومة كَمَا يفهم النَّاس بَعضهم من بعض.
وَقد روى نَافِع، عَن ابْن عمر أَن النَّبِي قَالَ: " الديك الْأَبْيَض صديقي، وصديق صديقي وعدو عدوى، فَقيل: يَا رَسُول الله، وماذا يَقُول؟ قَالَ: يَقُول اذْكروا الله يَا غافلين ". وَهَذَا خبر غَرِيب.
وَفِي بعض المسانيد: أَن جمَاعَة من الْيَهُود أَتَوا عبد الله بن عَبَّاس: فَقَالُوا لَهُ: إِنَّا سائلوك عَن أَشْيَاء فَإِن أجبتنا أسلمنَا، فَقَالَ: سلوا تفقها، وَلَا تسألوا تعنتا، فَقَالُوا: مَاذَا يَقُول القس فِي صفيره؟ والديك فِي صقيعه؟ والضفدع فِي نقيقه؟ وَالْحمار فِي نهيقه؟ وَالْفرس فِي صهيله؟ وماذا يَقُول الزرزور أَو الدراج؟ فَقَالَ: أما القس يَقُول: اللَّهُمَّ الْعَن مبغضي مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد، وَأما الديك يَقُول: اذْكروا الله يَا غافلين، وَأما الضفدع يَقُول: سُبْحَانَ المعبود فِي لجج الْبحار، وَأما الْحمار فَيَقُول: اللَّهُمَّ الْعَن العشارين، وَأما الْفرس إِذا حمحم عِنْد التقاء الصفين فَإِنَّهُ يَقُول: سبوح قدوس رب الْمَلَائِكَة وَالروح، وَأما الزرزور فَإِنَّهُ يَقُول: اللَّهُمَّ أَسأَلك قوت يَوْم بِيَوْم يارزاق، وَأما
وَقد ثَبت عَن النَّبِي أَنه قَالَ فِي الْحمار: " إِذا نهق فَإِنَّهُ قد رأى شَيْطَانا ".
وَقَوله: {وأوتينا من كل شَيْء﴾ أَي: من كل شَيْء يُؤْتى الْأَنْبِيَاء والملوك، وَقيل: إِنَّه قَالَ هَذَا على طَرِيق الْكَثْرَة وَالْمُبَالغَة، مثل قَول الْقَائِل: كلمت كل أحد فِي حَاجَتك.
وَقَوله: ﴿إِن هَذَا لَهو الْفضل الْمُبين﴾ أَي: الزِّيَادَة الظَّاهِرَة على جَمِيع الْخلق.
وَعَن سعيد بن جُبَير: كَانَ يوضع لِسُلَيْمَان سِتّمائَة ألف كرْسِي، يجلس الْإِنْس فِيمَا يَلِيهِ، ثمَّ يليهن الْجِنّ، ثمَّ تظلهم الطير ثمَّ تقلهم الرّيح. قَالَ رَضِي الله عَنهُ: أخبرنَا بِهَذَا الحَدِيث أَبُو عَليّ الشَّافِعِي، أخبرنَا أَبُو الْحسن بن فراس، أخبرنَا الديبلي، أخبرنَا سعيد بن عبد الرَّحْمَن المَخْزُومِي، أخبرنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن ابْن سَلام، عَن سعيد بن جُبَير... الْأَثر.
وَقَوله: ﴿فهم يُوزعُونَ﴾ أَي: يساقون، وَقيل: يجمعُونَ، وَالْقَوْل الْمَعْرُوف: يكفون، وَمَعْنَاهُ: يكف أَوَّلهمْ حَتَّى يلْحق آخِرهم، قَالَ الشَّاعِر:
(على حِين عاتبت المشيب على الصِّبَا... فَقلت ألما أصح والشيب وازع)
وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ: لابد للنَّاس من وزعة. قَالَ هَذَا حِين ولى الْقَضَاء، وازدحم عَلَيْهِ النَّاس.
وَعَن عُثْمَان قَالَ: مَا يَزع السُّلْطَان أَكثر مِمَّا يَزع الْقُرْآن. وَمَعْنَاهُ: مَا يمْتَنع النَّاس مِنْهُ خوفًا من السُّلْطَان أَكثر مِمَّا يمْتَنع النَّاس مِنْهُ خوفًا من الْقُرْآن.
وَعَن بَعضهم فِي الْفرق بَين عمر وَعُثْمَان: أَن عمر أَسَاءَ الظَّن فَشدد فِي الْأَمر فصلحت رَعيته، وَعُثْمَان أحسن الظَّن فساهل الْأَمر ففسدت رَعيته.
وَفِي الْقِصَّة: أَنه كَانَ على كل صنف من الْإِنْس وَالْجِنّ وَالطير وَالدَّوَاب لِسُلَيْمَان صلوَات الله عَلَيْهِ، وزعة.
وَعَن عدي بن حَاتِم انه كَانَ يفت الْخبز للنمل. قَالَ رَضِي الله عَنهُ: أخبرنَا بِهِ أَبُو على الشَّافِعِي بذلك الْإِسْنَاد، وَالَّذِي بَينا عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن مَسْعُود، عَن رجل، عَن عدي بن حَاتِم.
وَقَوله: ﴿قَالَت نملة﴾ يحْتَمل أَن الله تَعَالَى خلق للنمل فِي ذَلِك الْوَقْت كلَاما مفهوما، والنمل عِنْد الْعَرَب من الحكل، والحكل مَالا صَوت لَهُ، قَالَ الشَّاعِر:
(علم سُلَيْمَان الحكل)
وَقَوله: ﴿يَا أَيهَا النَّمْل ادخُلُوا مَسَاكِنكُمْ﴾ وَلم يقل: ادخلي، وَحقّ اللُّغَة أَن يَقُول: ادخلي، وَإِنَّمَا يُقَال: ادخُلُوا لبني آدم، لكِنهمْ لما تكلمُوا بِمثل كَلَام الْآدَمِيّين خوطبوا مثل خطاب الْآدَمِيّين.
وَقَوله: ﴿لَا يحطمنكم﴾ أَي: لَا يسكرنكم كسر الْهَلَاك، ﴿سُلَيْمَان وَجُنُوده﴾ (وَقيل: لَا يطأنكم، فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ يَسْتَقِيم هَذَا، وَإِنَّمَا الرّيح كَانَت تحمل سُلَيْمَان
وَقَوله: ﴿وهم لَا يَشْعُرُونَ﴾ قَالَ أهل التَّفْسِير: علم النَّمْل أَن سُلَيْمَان ملك لَيْسَ لَهُ جبرية وظلم، وَمعنى الْآيَة: أَنكُمْ لَو لم تدْخلُوا المساكن وطئوكم، وَلم يشعروا بكم، وَلَو عرفُوا لم يطئوا، وَفِي الْقِصَّة [أَيْضا] : أَن سُلَيْمَان لما بلغ وَادي النَّمْل حبس جنده حَتَّى دخل النَّمْل بُيُوتهم، وَفِي الْقِصَّة أَيْضا: أَن سُلَيْمَان سمع كَلَام النَّمْل على ثَلَاثَة أَمْيَال، وَكَانَ الله تَعَالَى أَمر الرّيح أَن تَأتيه بِكُل خبر وكل كَلَام، وَفِي الْآيَة دَلِيل على أَن النَّمْل يكره قَتلهَا، وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ فِي قَوْله: ﴿إِن الْأَبْرَار لفي نعيم﴾ قَالَ: هم الَّذين لَا يؤدون الذَّر، وَهُوَ صغَار النَّمْل. فَإِن قيل: كَيفَ يَصح أَن يثبت للنمل مثل هَذَا الْعلم؟ وَالْجَوَاب عَنهُ: يجوز أَن يخلق الله تَعَالَى فِيهِ هَذَا النَّوْع من الْفَهم وَالْعلم، وَيُقَال: إِنَّه أسْرع جسة إدراكا، وَهُوَ إِذا أَخذ الْحبَّة من الْحِنْطَة قطعهَا بنصفين لِئَلَّا تنْبت، وَإِذا أَخذ الكزبرة قطعهَا أَربع قطع؛ لِأَن الكزبرة إِذا قطعت قطعتين تنْبت، فَإِذا قطعت أَربع قطع لم تنْبت.
وَقَوله: ﴿ضَاحِكا﴾ أَي: مُتَبَسِّمًا، وَيُقَال: كَانَ أَوله التبسم وَآخره الضحك، فَإِن قيل: لم ضحك؟ وَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: فَرحا بثناء النملة عَلَيْهِ، وَالْآخر: سمع عجبا، وَمن سمع عجبا يضْحك، وَرُبمَا يغلب فِي ذَلِك.
وَقَوله: {وَقَالَ رب أوزعني﴾ أَي: ألهمني.
وَقَوله: ﴿أَن أشكر نِعْمَتك الَّتِي أَنْعَمت على﴾ يُقَال: الشُّكْر انفتاح الْقلب لرؤية الْمِنَّة، وَيُقَال: هُوَ الثَّنَاء على الله تَعَالَى بإنعامه.
قَوْله: ﴿وعَلى وَالِدي﴾ أَي: أَبَاهُ دَاوُد وَأمه آيسا.
وَقَوله: ﴿وَأَن أعمل صَالحا ترضاه﴾ أَي: من طَاعَتك.
وَقَوله: ﴿وأدخلني بِرَحْمَتك فِي عِبَادك الصَّالِحين﴾ أَي: مَعَ عِبَادك الصَّالِحين الْجنَّة.
وَقَوله: ﴿مَا لي لَا أرى الهدهد﴾ الهدهد طير مَعْرُوف، فَإِن قيل: لم طلبه؟ وَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن الطير كَانَت تظل سُلَيْمَان وجنده من الشَّمْس، فَنظر فَرَأى مَوضِع الهدهد خَالِيا تصبيه الشَّمْس مِنْهُ، فَطلب لهَذَا، وَالثَّانِي: مَا روى عَن ابْن عَبَّاس أَن الهدهد كَانَ يعرف مَوضِع المَاء فِي الأَرْض، وَكَانَ يبصر المَاء فِيهَا كَمَا يبصر فِي الزجاجة، وَكَانَ يذكر قدر قرب المَاء وَبعده، فَاحْتَاجَ سُلَيْمَان إِلَى المَاء فِي مسيره، فَطلب الهدهد لذَلِك. فروى أَن نَافِع بن الْأَزْرَق كَانَ عِنْد ابْن عَبَّاس وَهُوَ يذكر هَذَا فَقَالَ: يَا وصاف انْظُر مَا تَقول، فَإِن الصَّبِي منا يضع الفخ ويحثو عَلَيْهِ التُّرَاب، فيجئ الهدهد فَيَقَع فِي الفخ. فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس: إِن الْقدر يحول دون الْبَصَر، وروى أَنه قَالَ: إِذا جَاءَ الْقَضَاء وَالْقدر ذهب اللب وَالْبَصَر.
وَقَوله: ﴿أم كَانَ من الغائبين﴾ يَعْنِي: أَكَانَ من الغائبين؟ وَالْمِيم فِيهِ صلَة، كَأَنَّهُ أعرض عَن الْكَلَام الأول، وَذكر هَذَا على طَرِيق الِاسْتِفْهَام، وَيُقَال: إِنَّه لما قَالَ: ﴿مَالِي لَا أرى الهدهد﴾ دخله شكّ، فَقَالَ: أحاضر هُوَ أم غَائِب؟.
وَقَوله: ﴿أَو لأذبحنه﴾ مَعْلُوم الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿أَو ليأتيني بسُلْطَان مُبين﴾ أَي: بِعُذْر ظَاهر، وَيُقَال: بِحجَّة بَيِّنَة، وَفِي الْقِصَّة: أَن أَمِير الطير كَانَ هُوَ الكركر، فَسَأَلَهُ سُلَيْمَان عِنْد الهدهد أَنه حَاضر أم غَائِب؟.
وَقَوله: ﴿فَقَالَ أحطت بِمَا لم تحط بِهِ﴾ فِيهِ حذف، وَمَعْنَاهُ: أَن الهدهد جَاءَ وَسَأَلَهُ سُلَيْمَان - عَلَيْهِ السَّلَام - عَن غيبته فَقَالَ: ﴿أحطت بِمَا لم تحط بِهِ﴾.
وَفِي الْقِصَّة: أَن الهدهد قَالَ لما أخبر بمقالة سُلَيْمَان: ﴿لأعذبنه عذَابا شَدِيدا أَو لأذبحنه﴾ قَالَ الهدهد: هَل اسْتثْنى نَبِي الله؟ قَالُوا: نعم، قد قَالَ: (أَو ليأتيني بسُلْطَان مُبين) قَالَ: فنجوت إِذا.
فَإِن قَالَ قَائِل: التعذيب إِنَّمَا يكون بعد التَّكْلِيف، والهدهد لم يكن مُكَلّفا، وَإِذا لم يكن مُكَلّفا لم يكن عَاصِيا بالغيبة، وَإِذا لم يكن عصيا لَا يسْتَحق الْعَذَاب؟ وَالْجَوَاب عَنهُ: يحْتَمل أَن الطير أَعْطَاهَا الله تَعَالَى فِي ذَلِك الْوَقْت مَا يعْقلُونَ بِهِ الْأَمر، فصح نهيهم عَن الْغَيْبَة والإخلال بمركز الْخدمَة، فَإِذا غبن استحققن الْعَذَاب.
وَأما قَوْله: ﴿أحطت بِمَا لم تحط بِهِ﴾ الْإِحَاطَة هُوَ الْعلم بالشَّيْء من جَمِيع جهاته.
وَقَوله: ﴿وجئتك من سبأ﴾ وَقُرِئَ: " سبأ " بِغَيْر صرف، فَمن صرف سبأ صرفه على أَنه اسْم رجل، وَفِي بعض التفاسير: عَن النَّبِي أَنه سُئِلَ عَن سبأ فَقَالَ: " هُوَ
وَمن لم يصرفهُ جعله اسْما للبقعة، وَاعْلَم أَن الْعَرَب قد صرفت سبأ مرّة وَلم تصرفه مرّة، قَالَ الشَّاعِر فِي صرف سبأ:
(الواردون وتيم فِي ذرى سبأ... قد عض أَعْنَاقهم جلد الجواميس﴾ وَقَالَ آخر: فِي ترك صرفه:
(من سبأ الْحَاضِرين مأرب إِذْ | يبنون من دون سيله العرما) |
وَقد ثَبت عَنهُ بِرِوَايَة أبي بكرَة حِين بلغه أَن الْعَجم ولوا عَلَيْهِم بنت كسْرَى،
وَعَن خَالِد بن صَفْوَان فِي ذمّ الْيمن: هم من بَين دابغ جلد، وسايس قرد، وحائك برد، ملكتهم امْرَأَة، وَدلّ عليم هدهد وغرقتهم فَأْرَة.
وَاعْلَم أَن أهل الْيمن ممدوحون على لِسَان النَّبِي، وَإِنَّمَا الذَّم الَّذِي ذكرنَا لأهل الشّرك مِنْهُم.
وَقَوله: ﴿وَأُوتِيت من كل شَيْء﴾ أَي: من كل شَيْء يُؤْتى مثلهَا.
وَقَوله: ﴿وَلها عرش عَظِيم﴾ أَي: سَرِير ضخم، وَفِي الْقِصَّة: أَنه كَانَ طول السرير [ثَمَانِينَ] ذِرَاعا فِي عرض ثَمَانِينَ، وَقيل: أقل من ذَلِك، وَالله أعلم.
قَالُوا: وَكَانَ مكللا بالجواهر واليواقيت والزبرجد، وَمَا أشبه ذَلِك.
وَقَوله: ﴿فهم لَا يَهْتَدُونَ﴾ أَي: الطَّرِيق الْحق.
(أَلا يسلمى يادارمي على البلى | وَلَا زَالَ منهلا بجرعائك الْقطر﴾ |
(أَلا يسلمى يَا هِنْد هِنْد بنى | بدر وَإِن كَانَ حيانا غَدا آخر الدَّهْر) |
وَقَوله: ﴿الله الَّذِي يخرج الخبء﴾ أَي: مَا غَابَ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض، وَالَّذِي غَابَ فِي السَّمَاء هُوَ الْمَطَر، وَالَّذِي غَابَ فِي الأَرْض هُوَ النَّبَات، وَقيل: [كل] مَا غَابَ.
وَقَوله: ﴿وَيعلم مَا تخفون وَمَا تعلنون﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿أم كنت من الْكَاذِبين﴾ أَي: أم أَنْت من الْكَاذِبين.
قَالُوا: فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير وَمَعْنَاهُ: ألقه إِلَيْهِم فَانْظُر مَاذَا يرجعُونَ ثمَّ تول عَنْهُم، وَقيل مَعْنَاهُ: تول عَنْهُم أَي: تَنَح عَنْهُم ثمَّ أنظر مَاذَا يرجعُونَ. قَالَ بَعضهم: علم الهدهد أدب الدُّخُول على الْمُلُوك يَعْنِي: إِذا دخل الدَّاخِل على الْملك يَنْبَغِي أَن لَا يقف، بل يذهب فِي الْحَال ثمَّ يرجع وَيطْلب الْجَواب.
وَقَوله: ﴿إِنِّي ألقِي إِلَيّ كتاب كريم﴾ أَي: حسن، وَيُقَال: مختوم. وَفِي الْأَخْبَار عَن النَّبِي بِرِوَايَة ابْن عَبَّاس: " من كَرَامَة الْكتاب خَتمه "، وَالْقَوْل الثَّالِث: كتاب كريم أَي: كريم كَاتبه ومرسله.
قَالَ أهل الْعلم: وَهَذَا الْكتاب أوجز مَا يكون من الْكتب، فَإِنَّهُ جمع العنوان وَالْكتاب وَالْمَقْصُود فِي سطرين، وَكتب الْأَنْبِيَاء على غَايَة الإيجاز.
وَعَن الشّعبِيّ: " كَانَ رَسُول يكْتب أَولا بِاسْمِك اللَّهُمَّ، فَلَمَّا أنزل الله تَعَالَى قَوْله: ﴿بِسم الله مجريها وَمرْسَاهَا﴾ كتب بِسم الله، فَلَمَّا أنزل الله تَعَالَى: ﴿قل ادعوا الله أَو ادعوا الرَّحْمَن﴾ كتب بِسم الله الرَّحْمَن، فَلَمَّا أنزل الله تَعَالَى فِي سُورَة النَّمْل: ﴿إِنَّه من سُلَيْمَان وَإنَّهُ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾ كتب بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم ".
قَالَ عَاصِم: قلت لِلشَّعْبِيِّ: رَأَيْت كتابا للنَّبِي فِي ابْتِدَائه بِسم الله الرَّحْمَن، فَقَالَ: ذَلِك هُوَ الْكتاب الثَّالِث.
وَعَن بُرَيْدَة - رَضِي الله عَنهُ - أَن رَسُول الله قَالَ لَهُ: " إِنِّي أعلم آيَة أنزلت عَليّ لم تنزل على نَبِي بعد سُلَيْمَان بن دَاوُد، وَالله لَا أخرج من الْمَسْجِد حَتَّى أخْبرك بهَا. قَالَ: فَقَامَ وَأخرج إِحْدَى رجلَيْهِ من الْمَسْجِد، فَقلت فِي نَفسِي: إِنَّه قد حلف، فَالْتَفت إِلَيّ، وَقَالَ لي: بِمَ تفتتح صَلَاتك ؟ يَعْنِي قراءتك؟ قلت: بِسم الله الرَّحْمَن
وَقَوله: ﴿وأتوني مُسلمين﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: هُوَ من الْإِسْلَام، وَالْآخر: من الاستسلام.
وَقَوله: ﴿مَا كنت قَاطِعَة أمرا﴾ أَي: قاضية ومبرمة أمرا ﴿حَتَّى تَشْهَدُون﴾ أَي: تحضرون، وَقَرَأَ ابْن مَسْعُود: " مَا كنت قاضية أمرا ".
وَقَوله: ﴿وَالْأَمر إِلَيْك﴾ ثمَّ ردوا الْأَمر إِلَيْهَا لتقاتل أَو تتْرك الْقِتَال، فَهُوَ معنى قَوْله: ﴿فانظري مَاذَا تأمرين﴾.
وَقَوله: ﴿وَجعلُوا أعزة أَهلهَا أَذِلَّة﴾ الأعزة هُوَ الْقَوْم الَّذين يمتنعون من قبُول الذل بقوتهم وقدرتهم، فجعلهم أَذِلَّة فِي هَذَا الْموضع إِنَّمَا هُوَ بالاستعباد والاستسخار.
وَقَوله: ﴿وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ أَكثر الْمُفَسّرين على أَن هَذَا من قَول الله تَعَالَى على طَرِيق التَّصْدِيق لَهَا، لَا على طَرِيق الْحِكَايَة عَنْهَا.
وَقد ثَبت عَن النَّبِي: " كَانَ يقبل الْهَدِيَّة، وَيرد الصَّدَقَة ".
وروى عَنهُ أَنه قَالَ: " هَدَايَا الْأُمَرَاء غلُول ".
وروى أَن رجلا أهْدى إِلَى عمر - رَضِي الله عَنهُ - رجل جزور، وَكَانَ بَينه وَبَين
وَقَوله: {فناظرة بِمَ يرجع المُرْسَلُونَ﴾ روى أَنَّهَا قَالَت: إِن كَانَ سُلَيْمَان ملكا فأرضيه بِالْمَالِ، وَإِن كَانَ نَبيا فَلَا يرضى بِالْمَالِ.
وَأما الْهَدِيَّة الَّتِي بعثتها إِلَى سُلَيْمَان، فَعَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: كَانَت مائَة وصيف وَمِائَة وصيفة.
وَعَن مُجَاهِد أَنه قَالَ: مِائَتَا غُلَام وَمِائَتَا جَارِيَة.
وَكَانَ بَعضهم يشبه الْبَعْض فِي الصُّورَة وَالصَّوْت والهيئة، وَقَالَت للرسول: قل لَهُ: ليميز بَين الغلمان [والجواري].
وَعَن سعيد بن جُبَير أَنه قَالَ: أَهْدَت إِلَيْهِ لبنة من ذهب ملفوفة فِي الدبياج. وروى أَنَّهَا أَهْدَت إِلَيْهِ من الْحَرِير والكافور والمسك وَالطّيب شَيْئا كثيرا.
وَفِي الْقِصَّة: أَنَّهَا بعثت إِلَيْهِ بخرزتين، أَحدهمَا لَا ثقب لَهَا، وَالْأُخْرَى لَهَا ثقب معوج، وَطلبت أَن يدْخل الْخَيط فِي الثقب المعوج من غير علاج إنس وَلَا جن، وَأَن يثقب الخرزة الْأُخْرَى من غير علاج إنس وَلَا جن، وَبعثت إِلَيْهِ بقدح، وَطلبت مِنْهُ أَن يملأه من مَاء لم ينزل من السَّمَاء وَلَا نبع من الأَرْض.
وَقَوله: ﴿فَمَا آتَانِي الله خير مِمَّا آتَاكُم﴾ مَا أَعْطَانِي الله من النُّبُوَّة وَالْملك وَالْمَال أفضل مِمَّا آتَاكُم.
وَقَوله: {بل أَنْتُم بهديتكم تفرحون﴾ مَعْنَاهُ: أَن بَعْضكُم يفرح بالإهداء إِلَى بعض، فَأَما أَنا فَلَا أفرح بهداياكم.
وَفِي الْقِصَّة: أَن الْمَرْأَة كَانَت قَالَت للرسل: إِن كَانَ سُلَيْمَان ملكا فَلَا يجلسكم، وَإِن كَانَ نَبيا فيجلسكم، فروى أَن (الرَّسُول) لما جَاءُوا وقربوا من سُلَيْمَان، جَاءَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَأخْبرهُ بمجيئهم وَمَا مَعَهم، فَأمر سُلَيْمَان بلبنات من ذهب وَفِضة، حَتَّى جعلت تَحت أرجل الدَّوَابّ، وَجعلت الدَّوَابّ تروث وتبول عَلَيْهَا؟، فَلَمَّا رأى الرُّسُل ذَلِك استحقروا مَا عِنْدهم.
وَفِي الْقِصَّة: أَنهم لما دخلُوا قَامُوا قيَاما، فَقَالَ لَهُم سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: إِن الله تَعَالَى رفع السَّمَاء وَبسط الأَرْض، فَمن شَاءَ جلس وَمن شَاءَ قَامَ.
وروى أَنه أَمرهم بِالْجُلُوسِ ودعا بالغلمان والجواري بِأَن يتوضئوا، فَمن صب المَاء على بطن ساعده قَالَ: هِيَ جَارِيَة، وَمن صب المَاء على ظهر ساعده قَالَ: هُوَ غُلَام.
وروى انه جعل من بَدَأَ بالمرفق فِي الْغسْل غُلَاما، وَمن بَدَأَ بالزند فِي الْغسْل جَارِيَة، وروى أَنه جعل من أغرف الأناء غُلَاما، وَمن صب على يَده جَارِيَة.
ودعا بالخرزتين فَجَاءَت دودة تكون فِي الرّطبَة، وَقيل: فِي الصفصاف، فَقَالَت: أَنا أَدخل الْخَيط فِي هَذَا الثقب على أَن يكون رِزْقِي فِي الصفصاف، فَجعل لَهَا ذَلِك فَربط الْخَيط عَلَيْهَا، وَقيل: أخذت الْخَيط بفيها وَدخلت فِي الثقب [فَخرجت] من الْجَانِب الآخر. وَأما الخرزة الْأُخْرَى فَجَاءَت دودة تكون فِي الْفَوَاكِه، وثقبت الخرزة على أَن يكون رزقها فِي الْفَوَاكِه، فَجعل لَهَا ذَلِك، ثمَّ دَعَا بالقدح وَأمر بإجراء الْخَيل، وملأ الْقدح من عرقها، ثمَّ رد الْهَدَايَا على الرُّسُل حَتَّى ردوهَا على الْمَرْأَة.
قَالَ أهل الْعلم: وَقد كَانَ الْأَنْبِيَاء لَا يقبلُونَ هَدَايَا الْمُشْركين.
وَقَوله: ﴿ولنخرجهم مِنْهَا أَذِلَّة﴾ أَي: من بِلَادهمْ. وَقَوله: ﴿وهم صاغرون﴾ أَي: نخرجهم على وَجه الذلة وَالصغَار، وَذَلِكَ يكون بالأسر والاستعباد، وَمَا أشبه ذَلِك.
وَالْوَجْه الثَّانِي: أَنه أحب أَن يرَاهُ فَإِنَّهُ كَانَ قيل لَهُ: إِنَّه من ذهب وقوائمه من جَوْهَر وَهُوَ مكلل بِاللُّؤْلُؤِ.
وَالْوَجْه الثَّالِث: أَنه أَرَادَ أَن يريها معْجزَة عَظِيمَة، فَإِنَّهُ روى أَنَّهَا جعلت ذَلِك الْعَرْش فِي سَبْعَة أَبْيَات بَعْضهَا دَاخل فِي الْبَعْض، وغلقت الْأَبْوَاب واستوثقت مِنْهَا، فَأَرَادَ أَن يريها عرشها عِنْده حَتَّى إِذا رَأَتْ هَذِه المعجزة الْعَظِيمَة آمَنت.
وَقَوله: ﴿أَيّكُم يأتيني بِعَرْشِهَا﴾ قد بَينا. وَقَوله: ﴿قبل أَن يأتوني مُسلمين﴾ أَي: مستسلمين، وَقيل: هُوَ من الْإِسْلَام. وَفِي الْقِصَّة: أَن بلقيس أَقبلت فِي جنودها إِلَى سُلَيْمَان - عَلَيْهِ السَّلَام - طلبا للصلح ودخولا فِي طَاعَته.
وَقَوله: ﴿أَنا آتِيك بِهِ قبل أَن تقوم من مقامك﴾ يَعْنِي: قبل أَن تقوم من مجلسك
وَقَوله: {وَإِنِّي عَلَيْهِ لقوي أَمِين﴾ على حمل الْعَرْش، أَمِين على مَا عَلَيْهِ من الْجَوَاهِر.
وَاخْتلف القَوْل فِي الَّذِي كَانَ عِنْده علم من الْكتاب، فأشهر الْأَقَاوِيل: أَنه آصف ابْن برخيا بن سمعيا، وَكَانَ رجلا صديقا فِي بني إِسْرَائِيل، وَكَانَ يعلم اسْم الله الْأَعْظَم.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه الْخضر، ذكره ابْن لَهِيعَة، وَالْقَوْل الثَّالِث: أَنه ملك من الْمَلَائِكَة، أوردهُ ابْن بخر، وَالْقَوْل الرَّابِع: أَنه سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام، وَهَذَا قَول مَعْرُوف، وَالأَصَح هُوَ القَوْل الأول.
وَاخْتلف القَوْل فِي أَنه بِمَاذَا دَعَا الله؟ فَقَالَ بَعضهم: إِنَّه قَالَ: يَا إلهي وإله الْخلق إِلَهًا وَاحِدًا، لَا إِلَه إِلَّا أَنْت، ائْتِ بِهِ، وروى أَنه قَالَ: يَا حَيّ يَا قيوم، وروى أَنه قَالَ: يَا ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام، وَالله أعلم.
وَقَوله: ﴿قبل أَن يرْتَد إِلَيْك طرفك﴾ فِيهِ أَقْوَال: أَحدهَا: أَن يرفع بَصَره إِلَى السَّمَاء، فَقبل أَن يردهُ إِلَى الأَرْض يرى الْعَرْش عِنْده، وَقَالَ بَعضهم: هُوَ أَن يطرف طرفَة، وَقَالَ بَعضهم: هُوَ أَن ينظر إِلَى رجل يَأْتِي، فَقبل أَن يصل إِلَيْهِ ذَلِك الرجل، يكون قد وصل الْعَرْش إِلَيْهِ، وَقَالَ بَعضهم: هُوَ أَن ينظر إِلَى رجل يذهب، فَقبل أَن
وَقَوله: {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقرًّا عِنْده﴾ قَالَ السّديّ: جزع سُلَيْمَان حِين رأى ذَلِك، وَكَانَ جزعه أَنه كَيفَ قدر ذَلِك الرجل على مَا لم يقدر هُوَ عَلَيْهِ؟ ثمَّ إِنَّه رَجَعَ إِلَى نَفسه، فَقَالَ: ﴿هَذَا من فضل رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أم أكفر﴾.
وَقَوله: ﴿وَمن شكر فَإِنَّمَا يشْكر لنَفسِهِ وَمن كفر فَإِن رَبِّي غَنِي كريم﴾ أَي: غنى عَن شكره، كريم فِي قبُول شكره وإثابته عَلَيْهِ.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿نَنْظُر أتهتدي أم تكون من الَّذين لَا يَهْتَدُونَ﴾ يَعْنِي: أتعرف عرشها أم لَا تعرف؟
وَقَوله: {وأوتينا الْعلم من قبلهَا﴾ هَذَا من قَول سُلَيْمَان أَي: علمنَا حَالهَا وأمرها وَحَال عرشها قبل أَن تعلم. قَوْله: ﴿وَكُنَّا مُسلمين﴾ أَي: مُسلمين لله طائعين لَهُ.
وَقَوله: ﴿إِنَّهَا كَانَت من قوم كَافِرين﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقد كَانَت عَرَبِيَّة من مُلُوك الْيمن. وَقَالَ بَعضهم: قَوْله: (أَنَّهَا كَانَت من قوم كَافِرين) قَالَ هَذَا؛ لِأَنَّهَا كَانَت من قوم مجوس يعْبدُونَ الشَّمْس. وَعَن بَعضهم: قَالَ معنى قَوْله: ﴿وصدها مَا كَانَت تعبد من وَدون الله﴾ أَي: صدها عَن عبَادَة الله نُقْصَان عقلهَا، بل مَا كَانَت تعبد من دون الله، لِأَن الْجِنّ كَانُوا قَالُوا لِسُلَيْمَان: إِن فِي عقلهَا [شَيْئا].
وَأما الصرح هَاهُنَا فَفِيهِ أَقْوَال: قَالَ مُجَاهِد: هُوَ بركَة من المَاء ألبس قَوَارِير.
وَقَالَ الزّجاج: الصرح والصرحة والساحة والباحة بِمَعْنى وَاحِد، وَهُوَ الصحن. وَعَن بَعضهم: أَن الصرح هُوَ الْقصر، وَقيل: هُوَ الْبَيْت. وَفِي الْقِصَّة: أَن الْجِنّ قَالُوا لِسُلَيْمَان: إِن مُؤخر رجلهَا كحافر الْحمار، وَهِي هلباء شعراء، وَكَانُوا خَشوا أَن يَتَزَوَّجهَا سُلَيْمَان فتطلعه على أسرار الْجِنّ، وَكَانَت أمهَا جنية، فَأَرَادَ سُلَيْمَان - عَلَيْهِ السَّلَام - أَن يرى رجلهَا، فَأمر باتخاذ بركَة عَظِيمَة، وَجعل فِيهَا من الْحيتَان والضفادع
وَذكر بَعضهم: أَنه رأى قدما لطيفا وساقا حسنا وَعَلِيهِ شعر.
فَإِن قَالَ قَائِل: لم طلب سُلَيْمَان هَذِه الرُّؤْيَة؟ وَالْجَوَاب عَنهُ من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه أَرَادَ أَن يعرف صدق الْجِنّ وكذبهم، وَالْآخر: أَنه أَرَادَ أَن يتَزَوَّج بهَا، فقصد أَن ينظر إِلَى سَاقيهَا، وَقد كَانُوا قَالُوا: إِن عَلَيْهِ شعرًا.
وَقد ذكر أهل التَّفْسِير: أَن سُلَيْمَان - عَلَيْهِ السَّلَام - قَالَ للشياطين: مَا الَّذِي يذهب الشّعْر؟ فاتخذوا النورة، وَهُوَ أول من اتخذ الْحمام والنورة.
[وَقَوله: ﴿فَلَمَّا رَأَتْهُ حسبته لجة وكشفت عَن سَاقيهَا قَالَ إِنَّه صرح] ممرد﴾.
أَي: مملس، وَقيل: الممرد هُوَ الْوَاسِع طولا وعرضا، قَالَ الشَّاعِر:
(غَدَوْت صباحا باكرا فوجدتهم... قبيل الضحا والبابلي الممرد) أَي: وَقَوله: ﴿ [من قَوَارِير]. قَالَت رب إِنِّي ظلمت نَفسِي﴾ أَي: بالشرك، وَيُقَال: إِنَّهَا لما بلغت الصرح وظنته لجة، وَهُوَ مَاء لَهُ عمق، قَالَت فِي نَفسهَا: إِن سُلَيْمَان يُرِيد أَن يغرقني، وَقد كَانَ الْقِتَال أَهْون من هَذَا.
وَقَوله: ﴿ظلمت نَفسِي﴾ يَعْنِي، بِذَاكَ الظَّن.
وَقَوله: ﴿وَأسْلمت مَعَ سُلَيْمَان لله رب الْعَالمين﴾ ظَاهر الْمَعْنى. وكل من أسلم
وَأما مُدَّة ملك سُلَيْمَان: اخْتلفُوا فِيهِ، فروى أَن الْملك وصل إِلَيْهِ وَهُوَ ابْن ثَلَاث [عشرَة] سنة، وَمَات وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَخمسين، وَفِي بعض الرِّوَايَات عَن أبي جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ: أَنه ملك سَبْعمِائة سنة، وَهَذِه رِوَايَة غَرِيبَة.
وَقَوله: ﴿فَإِذا هم فريقان يختصمون﴾ أَي: مُؤمن وَكَافِر، وَعَن قَتَادَة: مُصدق ومكذب.
وَقَوله: ﴿لَوْلَا تستغفرون لله﴾ أَي: هلا تستغفرون الله، وَالِاسْتِغْفَار هَاهُنَا بِمَعْنى التَّوْبَة.
قَوْله: ﴿لَعَلَّكُمْ ترحمون﴾ ظَاهر [الْمَعْنى].
وَاعْلَم أَن الطَّيرَة مَنْهِيّ عَنْهَا، وَفِي بعض الْأَخْبَار عَن النَّبِي: " لَا عدوى
وَعنهُ: " أَنه كَانَ يحب الفأل وَيكرهُ الطَّيرَة ".
ووفي بعض المسانيد عَن النَّبِي قَالَ: " لَا ينج ابْن آدم من ثَلَاث: من الظَّن، والحسد، والطيرة، فَإِذا ظَنَنْت فَلَا تحقق، وَإِذا حسدت فَلَا تَبْغِ، وَإِذا تطيرت فامضه ".
وَفِي بعض الْأَخْبَار: ﴿لَا ينجو من الطَّيرَة أحد، ويذهبها التَّوَكُّل على الله ".
وَقد كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة، يَتَطَيَّرُونَ، وَكَانَ الرجل مِنْهُم إِذا خرج لحَاجَة فطار طَائِر، أَو لَقِي شَيْئا، أَو سمع كلَاما يتطير بِذَاكَ، إِمَّا فِي الِامْتِنَاع من ذَلِك الْفِعْل، أَو فِي الدُّخُول فِي ذَلِك الْفِعْل، وَقد قَالَ بعض الشُّعَرَاء شعرًا:
(لعمرك مَا تدرى الطوارق بالحصى | وَلَا زاجرات الطير مَا الله صانع﴾ |
(أبلغوا عني المنجم أَنِّي | كَافِر بِالَّذِي قضته الْكَوَاكِب) |
(عَالم أَن مَا يكون وَمَا كَانَ | حتم من الْمُهَيْمِن وَاجِب) |
وَقَوله: ﴿بل أَنْتُم قوم تفتنون﴾ أَي: تبتلون وتختبرون، وَقيل: تعذبون.
وَقَوله: ﴿يفسدون فِي الأَرْض وَلَا يصلحون﴾ قَالَ سعيد بن الْمسيب: بِكَسْر الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير. وَعَن قَتَادَة: بتتبع عورات النَّاس. وَقيل: بِالْمَعَاصِي وَفعل الْمَنَاكِير.
وَقَوله: ﴿لنبيتنه﴾ أَي: لنقتلته بياتا أَي: لَيْلًا، قَالُوا ذَلِك لصالح.
وَقَوله: ﴿وَأَهله﴾ أَي: وَقَومه الَّذين أَسْلمُوا مَعَه.
وَقَوله: ﴿ثمَّ لنقولن لوَلِيِّه مَا شَهِدنَا مهلك أَهله﴾ وَقُرِئَ: " مهلك " بِنصب الْمِيم: فَيجوز أَن يكون بِمَعْنى الإهلاك، وَيجوز أَن المُرَاد مِنْهُ مَوضِع الْهَلَاك.
وَقَوله: ﴿وَإِنَّا لصادقون﴾ أَي: ننكر قتل صَالح، وَقَالُوا ذَلِك؛ لأَنهم خَافُوا من عشيرته.
وَقَوله: ﴿وهم لَا يَشْعُرُونَ﴾ أَي: لَا يعلمُونَ كَيفَ مكرنا بهم.
وَقَوله: ﴿أَنا دمرناهم وقومهم أَجْمَعِينَ﴾ أَي: أهلكنام وقومهم أَجْمَعِينَ.
وَقَوله: ﴿إِن فِي ذَلِك لآيَة لقوم يعلمُونَ﴾ أَي: يعلمُونَ تدبيرنا ومكرنا بالكفار.
وَقَوله: ﴿فسَاء مطر الْمُنْذرين﴾ أَي: بئس مطر الْمُنْذرين، والمنذرون هم الَّذين خوفوا بِالْهَلَاكِ.
وَقَوله: ﴿آللَّهُ خير أما يشركُونَ﴾ أَي: عبَادَة الله خير أم عبَادَة مَا يشركُونَ؟ فَإِن قيل: لَيْسَ فِي عبَادَة غير الله خير أصلا، فَكيف يَسْتَقِيم معنى الْآيَة؟ وَالْجَوَاب: أَنهم كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَن فِي ذَلِك خيرا، فَخرجت الْآيَة على ذَلِك. وَقَالَ بَعضهم: كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَن الْأَصْنَام آلِهَة، وَلَوْلَا اعْتِقَادهم لم يستقم قَوْله: ﴿آللَّهُ خير أما يشركُونَ﴾. وَقد حكى سِيبَوَيْهٍ أَن الْعَرَب تَقول: أَيهَا الرجل، الشقاوة خير أم السَّعَادَة؟ وَهُوَ يعلم أَن لَا خير فِي الشقاوة، وَأَن كل الْخَيْر فِي السَّعَادَة.
وَقَالَ حسان بن ثَابت:
(أتهجوه وَلست لَهُ بند | فشركما لخيركما الْفِدَاء) |
وَقَوله: ﴿وَأنزل لكم من السَّمَاء مَاء فَأَنْبَتْنَا بِهِ حدائق ذَات بهجة﴾ كل بُسْتَان محوط عَلَيْهِ فَهُوَ حديقة. وَقَوله: ﴿ذَات بهجة﴾ أَي: ذَات منظر حسن، وَقيل: الْبَهْجَة مَا يبتهج بِهِ.
وَقَوله: ﴿مَا كَانَ لكم أَن تنبتوا شَجَرهَا﴾ أَي: مَا يَنْبَغِي لكم أَن تَفعلُوا ذَلِك؛ لأنكم لَا تقدرون عَلَيْهِ.
وَقَوله: ﴿أإله مَعَ الله﴾ اسْتِفْهَام بِمَعْنى الْإِنْكَار أَي: لَا إِلَه مَعَ الله.
وَقَوله: ﴿بل هم قوم يعدلُونَ﴾ أَي: عَن الْحق، وَقيل: يشركُونَ مَعَه غَيره، ويجعلونه عدلا لَهُ أَي: مثلا
وَقَوله: ﴿وَجعل خلالها أَنهَارًا﴾ أَي: خلال الأَرْض.
وَقَوله: ﴿وَجعل لَهَا رواسي﴾ أَي: جبالا ثوابت.
وَقَوله: ﴿وَجعل بَين الْبَحْرين حاجزا﴾ اخْتلف القَوْل فِي الْبَحْرين، (مِنْهُم من قَالَ: بَحر السَّمَاء وَالْأَرْض)، وَمِنْهُم من قَالَ: بَحر فَارس وَالروم، وَمِنْهُم من قَالَ: الْبَحْر المالح والعذب. وَقَوله: ﴿حاجزا﴾ قد بَينا معنى الحاجز، وَيُقَال: يكف الْملح عَن العذب، والعذب عَن المالح بقدرته، وَهَذَا دَلِيل على أَنه يجوز أَن يكف النَّار عَن الإحراق، وَالسيف عَن الْقطع.
وَقَوله: ﴿أإله مَعَ الله﴾ قد بَينا.
وَقَوله: ﴿بل أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ﴾ أَي: لَا يعلمُونَ مَالهم وَعَلَيْهِم.
وَقَوله: ﴿ويكشف السوء﴾ أَي: الضّر.
وَقَوله: ﴿ويجعلكم خلفاء الأَرْض﴾ أَي: يَجْعَل بَعْضكُم خلفاء بعض، وَقيل: يَجْعَل أَوْلَادكُم خلفاءكم، وَقَالَ بَعضهم مَعْنَاهُ: يجعلكم خلفاء الْجِنّ فِي الأَرْض.
وَقَوله: ﴿أإله مَعَ الله قَلِيلا مَا تذكرُونَ﴾ وَقُرِئَ: " يذكرُونَ) فَقَوله: ﴿تذكرُونَ﴾، على المخاطبة. وَقَوله: " يذكرُونَ " على المغايبة.
وَقَوله: ﴿وَمن يُرْسل الرِّيَاح بشرا بَين يَدي رَحمته﴾ أَي: مبشرة، قرئَ: " نشرا " أَي: نَاشِزَة.
وَقَوله: ﴿بَين يَدي رَحمته﴾ أَي: الْمَطَر. وَقَوله: ﴿أإله مَعَ الله تَعَالَى الله عَمَّا يشركُونَ﴾ أَي: تقدس وارتفع عَمَّا يشركُونَ.
وَقَوله: ﴿وَمن يرزقكم من السَّمَاء وَالْأَرْض﴾ مَعْنَاهُ: من السَّمَاء بالمطر، وَمن الأَرْض بالنبات.
وَقَوله: ﴿أإله مَعَ الله قل هاتوا برهانكم إِن كُنْتُم صَادِقين﴾ أَي: مَعَ الله إِلَهًا آخر؟.
(وَأدْركَ علمي فِي سواءة أَنَّهَا | تقيم على الأوتار وَالْمشْرَب الكدر) |
وَقَوله: ﴿بل هم فِي شكّ مِنْهَا﴾ أَي: هم فِي شكّ مِنْهَا الْيَوْم.
وَقَوله: ﴿بل هم مِنْهَا عمون﴾ أَي: لَا يَهْتَدُونَ إِلَيْهَا، وَيُقَال: بل الأولى بِمَعْنى لَو على مَا بَينا، وبل الثَّانِيَة على معنى أم، وبل الثَّالِثَة على حَقِيقَتهَا. وَذكر بعض أهل الْعلم أَن قَوْله: ﴿بل ادارك علمهمْ﴾ أَي: تدارك ظنهم فِي الْآخِرَة (وتتابع) بالْقَوْل بِالظَّنِّ والحدس.
وَقَوله: ﴿بل هم مِنْهَا عمون﴾ أَي: هم جهلة بِالآخِرَة.
(عَاد السوَاد بَيَاضًا فِي مفارقه | لَا مرْحَبًا ببياض الشيب إِذْ ردفا) |
وَقَوله: {وَلَكِن أَكْثَرهم لَا يشكرون﴾ أَي: نعم الله.
وَقَوله: ﴿وَمَا يعلنون﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿إِلَّا فِي كتاب مُبين﴾ هُوَ: اللَّوْح الْمَحْفُوظ.
وَقَوله: ﴿وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم﴾ أَي: المنيع فِي ملكه، الْعَلِيم بِأَمْر خلقه.
(لقد أسمعت لَو ناديت حَيا | وَلَكِن لَا حَيَاة لمن (أنادي)) |
وَقَوله: ﴿إِذا ولوا مُدبرين﴾ أَي: معرضين، فَإِن قيل: إِذا كَانُوا صمًّا، فَمَا معنى قَوْله: ﴿إِذا ولوا مُدبرين﴾ فَإِذا كَانُوا صمًّا فهم لَا يسمعُونَ، سَوَاء ولوا مُدبرين أَو لم يولوا؟ قُلْنَا: الْأَصَم إِذا كَانَ حَاضرا فقد يسمع إِذا شدد فِي الصَّوْت، وَقد يعلم بِنَوْع إِشَارَة؛ فَإِذا ولى مُدبرا لم يسمع أصلا، وَيجوز ن يكون ذكره على طَرِيق التَّأْكِيد وَالْمُبَالغَة.
وَقَوله: ﴿فهم مُسلمُونَ﴾ أَي: لله.
وَقَوله: ﴿أخرجنَا لَهُم دَابَّة من الأَرْض﴾ رُوِيَ عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: لَيست بِدَابَّة لَهَا ذَنْب، وَلَكِن لَهَا لحية. كَأَنَّهُ يُشِير إِلَى أَنه رجل وَلَيْسَت بِدَابَّة، وَالْأَكْثَرُونَ على أَنَّهَا دَابَّة، (وَهِي) تخرج فِي آخر الزَّمَان.
وَيُقَال: إِن أول أَشْرَاط السَّاعَة طُلُوع لشمس من مغْرِبهَا وَخُرُوج دَابَّة الأَرْض.
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: لَهَا زغب وَرِيش وَأَرْبع قَوَائِم.
وَعَن ابْن الزبير قَالَ: هِيَ دَابَّة رَأسهَا من رَأس ثَوْر، وعينها عين خِنْزِير، وأذنها أذن فيل، وقرنها قرن إبل، وعنقها عنق نعَامَة، وصدرها صدر أَسد، وجلدها جلد نمر، وخاصرتها خاصرة هر، وقوائمها قَوَائِم بعير، بَين كل مفصلين مِنْهَا اثْنَا عشر ذِرَاعا.
وَقَالَ ابْن مَسْعُود: تخرج من الصَّفَا تجْرِي كجري الْفرس ثَلَاثَة أَيَّام لَا يخرج إِلَّا ثلثهَا، ويبلغ رَأسهَا السَّمَاء.
وَفِي بعض المسانيد: عَن النَّبِي أَنه قَالَ: (" بئس الشّعب شعب جِيَاد، قيل: وَلم يَا رَسُول الله؟ قَالَ) : تخرج مِنْهُ الدَّابَّة، وتصرخ ثَلَاث صرخات يسْمعهَا من بَين الْخَافِقين ".
وَعَن حُذَيْفَة بن أسيد قَالَ: تخرج الدَّابَّة ثَلَاثًا، تخرج الخرجة الأولى بِبَعْض الأودية، ثمَّ تكمن، ثمَّ تخرج فِي قبائل الْعَرَب، ثمَّ تخرج فِي جَوف، وَأَشَارَ إِلَى أَنَّهَا تخرج فِي الْمَسْجِد الْحَرَام.
وَعَن عبد الله بن عَبَّاس أَنه صعد الصَّفَا وقرع بعصاه الْحجر وَقَالَ: إِن الدَّابَّة لتسمع قرع عصاي هَذِه. وروى قَرِيبا من هَذَا عَن عبد الله بن عَمْرو.
وَقد روى حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَليّ بن زيد، عَن خَالِد بن أَوْس، عَن أبي هُرَيْرَة
وَفِي التَّفْسِير: أَن دَابَّة الأَرْض تسم وَجه الْمُؤمن بنكتة بَيْضَاء، فيبيض بهَا وَجهه، وَتَسِم وَجه الْكَافِر بنكتة سَوْدَاء، فيسود بهَا وَجهه. وَعَن عبد الله بن مَسْعُود أَنه قَرَأَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذا وَقع لقَوْل عَلَيْهِم﴾ ثمَّ قَالَ: طوفوا بِالْبَيْتِ قبل أَن يرفع، واقرءوا الْقُرْآن قبل أَن يرفع، وَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله قبل أَن تنسى، ثمَّ ذكر أَنه يَأْتِي زمَان ينسى النَّاس فِيهِ قَول لَا إِلَه إِلَّا الله، وَتَقَع النَّاس فِي أشعار الْجَاهِلِيَّة.
وَقَوله: ﴿تكلمهم﴾ وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس وَسَعِيد بن جُبَير وَعَاصِم الجحدري: " تكلمهم " أَي: تجرحهم، والكلم هُوَ الْجراحَة، وَيُقَال: تسمهم، قَالَ الشَّاعِر:
((فِي الْكَلم مطرقا يكذب عَن إعرابه | بِنَقص الْآيَة الْكَلم إِذا الْكَلم التَّام)) |
وَقُرِئَ: " أَن " و " إِن " بِنصب الْألف وكسره، فَمن قَرَأَ " أَن " بِنصب الْألف فَمَعْنَاه: بِأَن، وَمن قَرَأَ: " إِن " فعلى الِاسْتِئْنَاف، وَقَرَأَ أبي بن كَعْب: " دَابَّة تنبئهم "، وَفِي بعض
وَقَوله: ﴿فهم يُوزعُونَ﴾ أَي: يساقون إِلَى النَّار، فَإِن قيل: وَغير المكذبين أَيْضا يحشرون؟ قُلْنَا: الْحَشْر الَّذِي يساق فِيهِ إِلَى النَّار إِنَّمَا يكون للمكذبين.
وَقَوله: ﴿أماذا كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾ اسْتِفْهَام على طَرِيق الْإِنْكَار.
وَقَوله: ﴿فهم لَا ينطقون﴾ قَالَ قَتَادَة: كَيفَ ينطقون وَلَا حجَّة لَهُم؟
وَقَوله: ﴿وَالنَّهَار مبصرا﴾ أَي: ذَا إبصار، قَالَ الشَّاعِر:
(كلينى لَهُم [يَا أُمَيْمَة] ناصب... )
أَي: ذَا نصب، وَقيل: مبصرا أَي: تبصر فِيهِ، كَمَا يُقَال: ليل نَائِم أَي: ينَام فِيهِ قَالَ الشَّاعِر:
(تَقول سليمى لَا تعرض ببلغة | وليلك عَن ليل الصعاليك نَائِم) |
وَقَوله: ﴿إِن فِي ذَلِك لآيَات لقوم يُؤمنُونَ﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿إِلَّا من شَاءَ الله﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن المُرَاد من ذَلِك جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَملك الْمَوْت صلوَات الله عَلَيْهِم، وَالْقَوْل الآخر: أَن المُرَاد مِنْهُ الشُّهَدَاء. وَفِي بعض الْآثَار: الشُّهَدَاء ثنية الله أَي: الَّذين استثناهم الله تَعَالَى، وَإِنَّمَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاء فيهم؛ لأَنهم أَحيَاء كَمَا قَالَ الله تَعَالَى. وَفِي بعض الْأَخْبَار: " هم أَحيَاء متقلدوا السيوف يدورون حول الْعَرْش.
وَقَوله: ﴿وكل آتوه داخرين﴾ أَي: صاغرين وَقُرِئَ: " وكل أَتَوْهُ " على الْمَاضِي، وَالْمعْنَى مُتَقَارب.
وَقَوله: ﴿وَهِي تمر مر السَّحَاب﴾ أَي: تسير سير السَّحَاب، وَهَذَا كَمَا أَن سير السَّحَاب لَا يرى لعظمه، كَذَلِك سير الْجبَال يَوْم الْقِيَامَة لَا يرى لكثرتها، قَالَ الشَّاعِر:
(بأرعن مثل الطود تحسب أَنهم | وقُوف لحاج والركاب تهملج) |
وَقَوله: ﴿صنع الله الَّذِي أتقن كل شَيْء﴾ أَي: أحكم كل شَيْء.
وَقَوله: ﴿إِنَّه لخبير بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ أَي: بِمَا تَصْنَعُونَ.
وَقَوله: ﴿وهم فِي فزع يَوْمئِذٍ آمنون﴾ قد بَينا معنى الْفَزع من قبل، وَقُرِئَ: " فزع يَوْمئِذٍ " على الْإِضَافَة، وَقُرِئَ: " فزع يَوْمئِذٍ " على التَّنْوِين، قَالَ أَبُو على الفارسى: ((فزع يَوْمئِذٍ)) على التَّنْوِين، يدل على التكثير، و: " فزع يَوْمئِذٍ " على الْإِضَافَة لَا يدل على التكثير.
وَقَالَ بَعضهم فِي قَوْله: ﴿خير مِنْهَا﴾ : إِنَّمَا قَالَ هَذَا؛ لِأَن جَزَاء الْحَسَنَات مضاعف أَي: أَن يبلغ الْعشْر وَزِيَادَة فَقَوله: ﴿خير مِنْهَا﴾ أَي: أَكثر مِنْهَا.
وَقَوله: ﴿وَله كل شَيْء﴾ أَي: وَللَّه كل شَيْء. وَقَوله: ﴿وَأمرت أَن أكون من الْمُسلمين﴾. أَي: من الْمُسلمين لله.
وَقَوله: ﴿فَمن اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لنَفسِهِ﴾ أَي: نفع اهتدائه رَاجع إِلَيْهِ.
وَقَوله: ﴿وَمن ضل فَقل إِنَّمَا أَنا من الْمُنْذرين﴾ أَي: المخوفين.
وَقَوله: ﴿سيريكم آيَاته﴾ أَي: دلالاته.
وَقَوله: ﴿فتعرفونها﴾ أَي: تعرفُون الدلالات.
وَقَوله: ﴿وَمَا رَبك بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقد ورد خبر فِي الْآيَة الْمُتَقَدّمَة، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: ﴿من جَاءَ بِالْحَسَنَة﴾، فَإِن أَكثر الْمُفَسّرين على أَن المُرَاد من الْحَسَنَة الْإِيمَان، وَمن السَّيئَة الشّرك، وَقد روى صَفْوَان بن عَسَّال الْمرَادِي، أَن النَّبِي قَالَ: " يَأْتِي الْإِيمَان والشرك يَوْم الْقِيَامَة (فيجثوان بَين يَدي الرَّحْمَن، وَيطْلب كل وَاحِد مِنْهُمَا أَهله)، فَيَقُول الله تَعَالَى للْإيمَان: انْطلق بأهلك إِلَى الْجنَّة، وَيَقُول الله تَعَالَى للشرك: انْطلق بأهلك إِلَى النَّار، وتلا قَوْله تَعَالَى: ﴿من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ خير مِنْهَا﴾ الْآيَة ". وَالْخَبَر غَرِيب، وَالله أعلم.
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
﴿طسم (١) تِلْكَ آيَات الْكتاب الْمُبين (٢) نتلو عَلَيْك من نبأ مُوسَى وَفرْعَوْن بِالْحَقِّ لقوم يُؤمنُونَ (٣) إِن فِرْعَوْن علا فِي الأَرْض وَجعل أَهلهَا شيعًا يستضعف طَائِفَة مِنْهُم﴾تَفْسِير سُورَة الْقَصَص
وَهِي مَكِّيَّة إِلَّا قَوْله تَعَالَى: ﴿الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب﴾ إِلَى قَوْله تَعَالَى: ﴿لَا نبتغي الْجَاهِلين﴾.
وَفِي هَذِه السُّورَة آيَة لَيست بمكية وَلَا مَدَنِيَّة، وَهِي قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن الَّذِي فرض عَلَيْك الْقُرْآن لرادك إِلَى معاد﴾ نزلت هَذِه الْآيَة بَين مَكَّة وَالْمَدينَة، وَرَسُول الله بِالْجُحْفَةِ، وَهُوَ منزل من الْمنَازل، وَذَلِكَ حِين هَاجر النَّبِي من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة.
سورة النمل
سورةُ (النَّمْلِ) من السُّوَر المكية التي جاءت ببيانِ إعجاز القرآن الكريم، ووصفِه بالهداية والإرشاد، وأشارت السورةُ إلى ذِكْرِ دلائل وَحْدانية الله عز وجل وقُدْرته، وجاء فيها ذكرُ قِصَصِ عددٍ من الأنبياء؛ من ذلك: قصَّةُ سيدنا سُلَيمانَ عليه السلام عندما مرَّ بالنمل، وفي ذلك عِبَرٌ ومواعظُ كثيرة؛ منها: إظهارُ علمِ الله وحِكْمته من خلال تدبيره في خَلْقه.
ترتيبها المصحفي
27نوعها
مكيةألفاظها
1160ترتيب نزولها
48العد المدني الأول
195العد المدني الأخير
195العد البصري
94العد الكوفي
93العد الشامي
94* سورة (النَّمْلِ):
سُمِّيت سورة (النَّمْلِ) بهذا الاسم؛ لذِكْرِ النَّمْلة التي خاطبت النَّمْلَ في تضاعيفِ قصة سليمان، ولِما للنَّمْلِ من ارتباطٍ بمقصد السورة؛ كما أشرنا.
جاءت سورةُ (النَّمْلِ) على ذكرِ الموضوعات الآتية:
1. بيان إعجاز القرآن الكريم (١-٢).
2. صفات المؤمنين والكافرين، وجزاؤهم (٣-٦).
3. نداء الله تعالى لموسى عليه السلام بوادي طُوًى (٧-١٤).
4. قصة داود وسليمان عليهما السلام (١٥-٤٤).
5. قصة صالح عليه السلام (٤٥-٥٣).
6. قصة لوط عليه السلام (٥٤-٥٨).
7. البراهين الدالة على وَحْدانية الله تعالى (٥٩-٦٦).
8. إنكار المشركين للبعث، والردُّ عليهم (٦٧-٧٥).
9. إخبار القرآن عن أنباء السابقين (٧٦-٨١).
10. علامات الساعة، ومشاهد يوم القيامة (٨٢-٩٣).
ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /420).
مقصدُ سورة (النَّمْلِ): هو وصفُ هذا الكتاب بالكفاية لهدايةِ الخَلْقِ أجمعين؛ بالفصل بين الصراط المستقيم، وطريق الحائرين، والجمعِ لأصول الدِّين؛ لإحاطة علم مُنزِله بالخَفِيِّ والمُبِين، وبشارة المؤمنين ونِذارة الكافرين؛ بيوم اجتماع الأوَّلين والآخِرين، وكلُّ ذلك يرجع إلى العلمِ المستلزم للحكمة.
فالمقصودُ الأعظم منها: إظهار العلم والحكمة، وأدلُّ ما فيها على هذا المقصود: ما للنَّمل من حُسْنِ التَّدبير، وسَداد المذاهب في العيش، ولا سيما ما ذكَر عنها سبحانه من صِحَّةِ القصد في السِّياسة، وحُسْنِ التَّعبير عن ذلك القصد، وبلاغة التأدية، و(النَّمْلُ) آيةٌ من آيات الله في كونه، ضرَبه الله تعالى ليتأمَّلوا عجيبَ خَلْقه.
ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /333).