تفسير سورة النّمل

تفسير ابن عباس

تفسير سورة سورة النمل من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس.
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿طس﴾ يَقُول ط طوله وسين سناؤه وَيُقَال قسم أقسم بِهِ ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآن وَكِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ إِن هَذِه السُّورَة آيَات وَالْقُرْآن وَكتاب مُبين بالحلال وَالْحرَام
﴿هُدىً﴾ من الضَّلَالَة ﴿وبشرى﴾ بِالْجنَّةِ ﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ المصدقين فى إِيمَانهم
ثمَّ بَين نعتهم فَقَالَ ﴿الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة﴾ يتمون الصَّلَوَات الْخمس بوضوئها وركوعها وسجودها وَمَا يجب فِيهَا من مواقيتها ﴿وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة﴾ يُعْطون زَكَاة أَمْوَالهم ﴿وهم بِالآخِرَة﴾ بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت وَالْجنَّة وَالنَّار ﴿هُمْ يُوقِنُونَ﴾ يصدقون
﴿إِنَّ الَّذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَة﴾ بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت أَبَا جهل وَأَصْحَابه ﴿زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ﴾ فِي الْكفْر ﴿فَهُمْ يَعْمَهُونَ﴾ يمضون عمهة لَا يبصرون
﴿أُولَئِكَ﴾ أهل هَذِه الصّفة ﴿الَّذين لَهُم سوء الْعَذَاب﴾ شدَّة الْعَذَاب فِي النَّار ﴿وَهُمْ فِي الْآخِرَة﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿هُمُ الأخسرون﴾ المغبونون بذهاب الْجنَّة وَدخُول النَّار
﴿وَإِنَّكَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿لَتُلَقَّى الْقُرْآن﴾ يَقُول ينزل عَلَيْك جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ ﴿مِن لَّدُنْ﴾ من عِنْد ﴿حَكِيمٍ﴾ فِي أمره وقضائه ﴿عَلِيمٍ﴾ بخلقه
﴿إِذْ قَالَ مُوسَى لأَهْلِهِ﴾ حَيْثُ تحير فِي الطَّرِيق ﴿إِنِّي آنَسْتُ نَاراً﴾ رَأَيْت نَارا عَن يسَار الطَّرِيق امكثوا هَهُنَا ﴿سَآتِيكُمْ﴾ حَتَّى آتيكم ﴿مِّنْهَا﴾ من عِنْد النَّار ﴿بِخَبَرٍ﴾ عَن الطَّرِيق ﴿أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ﴾ بشعلة مقتبسة ﴿لَعَلَّكُمْ تصطلون﴾ لكى تدفئوا وَكَانَ فِي شدَّة من الشتَاء
﴿فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّار﴾ يَقُول بوركت النَّار ﴿وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ من الْمَلَائِكَة وَهَكَذَا قِرَاءَة أبي عبد الله بن مَسْعُود وَيُقَال تبَارك من نور هَذَا النُّور وَيُقَال بورك من فِي الطّلب يَعْنِي مُوسَى من أَقَامَ حوله من الْمَلَائِكَة ﴿وَسُبْحَانَ الله﴾ نزه نَفسه ﴿رَبِّ الْعَالمين﴾ سيد الْجِنّ وَالْإِنْس
﴿يَا مُوسَى إِنَّهُ﴾ الَّذِي دعَاك ﴿أَنَا الله الْعَزِيز﴾ بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِي ﴿الْحَكِيم﴾ فِي أَمْرِي وقضائي أمرت أَن لَا يعبد غَيْرِي
﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ﴾ من يدك فألقاها ﴿فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ﴾ تتحرك ﴿كَأَنَّهَا جَآنٌّ﴾ حَيَّة لَا صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة ﴿ولى مُدْبِراً﴾ أدبر هَارِبا مِنْهَا ﴿وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾ لم يلْتَفت إِلَيْهَا من خوفها قَالَ الله ﴿يَا مُوسَى لاَ تَخَفْ﴾ مِنْهَا ﴿إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ﴾ عندى ﴿المُرْسَلُونَ﴾
﴿إَلاَّ مَن ظَلَمَ﴾ وَلَا من ظلم ﴿ثُمَّ بدل حسنا بعد سوء﴾ ثمَّ تَابَ بعد ذَلِك فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَن لَا يخَاف أَيْضا ﴿فَإِنِّي غَفُورٌ﴾ متجاوز لمن تَابَ ﴿رَحِيم﴾ لمن مَاتَ على التَّوْبَة
﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ﴾ فِي إبطك ﴿تَخْرُجْ بَيْضَاء من غير سوء﴾ من غير برص اذْهَبْ ﴿فِي تِسْعِ آيَاتٍ﴾ مَعَ تسع آيَات ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ﴾ القبط ﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ﴾ كَافِرين
﴿فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا﴾ مُوسَى بِآيَاتِنَا ﴿مُبْصِرَةً﴾ مبينَة بَعْضهَا على أثر بعض ﴿قَالُواْ هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ كذب بَين مَا جئتنا بِهِ يَا مُوسَى
﴿وَجَحَدُواْ بِهَا﴾ بِالْآيَاتِ كلهَا ﴿واستيقنتهآ أَنفُسُهُمْ﴾ بعد مَا استيقنت أنفسهم أَنَّهَا من الله ﴿ظُلْماً﴾ خلافًا واعتداء ﴿وَعُلُوّاً﴾ يَقُول عتواً وتكبراً ﴿فَانْظُر﴾ يَا مُحَمَّد ﴿كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المفسدين﴾ آخر أَمر الْمُشْركين فِرْعَوْن وَقَومه كَيفَ أهلكناهم فِي الْبَحْر
﴿وَلَقَد آتَيْنَا﴾ أعطينا ﴿دَاوُد﴾ ابْن إيشا ﴿وَسليمَان﴾ ابْن دَاوُد ﴿عِلْماً﴾ وفهماً بِالنُّبُوَّةِ وَالْقَضَاء ﴿وَقَالاَ﴾ كِلَاهُمَا ﴿الْحَمد لِلَّهِ﴾ الشُّكْر والْمنَّة لله ﴿الَّذِي فَضَّلَنَا﴾ بِالْعلمِ والنبوة ﴿على كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤمنِينَ﴾
﴿وَورث سُلَيْمَان دَاوُد﴾ ملك دَاوُد من بَين أَوْلَاده وَكَانَ لداود تِسْعَة عشر بَنِينَ ﴿وَقَالَ﴾ سُلَيْمَان ﴿يَا أَيهَا النَّاس عُلِّمْنَا﴾ فهمنا ﴿مَنطِقَ الطير﴾ كَلَام الطير ﴿وَأُوتِينَا﴾ أعطينا ﴿مِن كُلِّ شَيْءٍ﴾ علم كل شَيْء فِي مملكتي ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفضل الْمُبين﴾ الْمَنّ الْعَظِيم من الله عَليّ
﴿وَحُشِرَ﴾ سخر وَجمع ﴿لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ﴾ جموعه ﴿مِنَ الْجِنّ وَالْإِنْس وَالطير فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ يحبس أَوَّلهمْ على آخِرهم حَتَّى اجْتَمعُوا
﴿حَتَّى إِذا أَتَوا على وَادي النَّمْل﴾ بِأَرْض الشَّام مضوا على وَاد فِيهِ النَّمْل ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ﴾ عرجاء يُقَال لَهَا منذرة ﴿يَا أَيهَا النَّمْل ادخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ﴾
316
جحركم ﴿لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ﴾ لَا يكسرنكم وَلَا يدوسنكم ﴿سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ بكم وَيُقَال وهم يعْنى جنود سُلَيْمَان لم يشعروا بقول النملة
317
﴿فَتَبَسَّمَ﴾ سُلَيْمَان ﴿ضَاحِكاً﴾ تَعَجبا ﴿مِّن قَوْلِهَا﴾ من قَول النملة لِأَنَّهُ علم كَلَامهَا دون جُنُوده ﴿وَقَالَ رَبِّ أوزعني﴾ ألهمني ﴿أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ﴾ أؤدي شكر نِعْمَتك ﴿الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ﴾ مننت عَليّ بِالتَّوْحِيدِ ﴿وعَلى وَالِدَيَّ﴾ بِالتَّوْحِيدِ ﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً﴾ خَالِصا ﴿تَرْضَاهُ﴾ تقبله ﴿وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ﴾ فضلك ﴿فِي عِبَادِكَ الصَّالِحين﴾ مَعَ عِبَادك الْمُرْسلين الْجنَّة
﴿وَتَفَقَّدَ الطير﴾ طلب الطير فَلم ير الهدهد مَكَانَهُ ﴿فَقَالَ مَا لي لاَ أَرَى الهدهد﴾ مَكَانَهُ ﴿أَمْ كَانَ مِنَ الغآئبين﴾ يَقُول إِن كَانَ من الغائبين من بَين الطُّيُور
﴿لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً﴾ لأنتفن ريشه فَكَانَ عَذَاب الطير هَذَا ﴿أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ﴾ بالسكين ﴿أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾ بِعُذْر بَين
﴿فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ فَلبث غير طَوِيل حَتَّى جَاءَهُ ﴿فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ بلغت إِلَى مَا لم تبلغ وَعلمت مالم تعلم أَيهَا الْملك ﴿وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ﴾ من مَدِينَة سبأ ﴿بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾ بِخَبَر حق عَجِيب
﴿إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَة تَمْلِكُهُمْ﴾ يُقَال لَهَا بلقيس ﴿وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ﴾ أَعْطَيْت علم كل شَيْء فِي بَلَدهَا ﴿وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾ حسن كَبِير عَلَيْهِ من الْجَوَاهِر واللؤلؤ وَالذَّهَب وَالْفِضَّة كَذَا وَكَذَا
﴿وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ﴾ يعْبدُونَ الشَّمْس ﴿مِن دُونِ الله وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَان أَعْمَالَهُمْ﴾ عِبَادَتهم للشمس ﴿فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيل﴾ فصرفهم الشَّيْطَان عَن طَرِيق الْحق الْهدى ﴿فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ﴾ سَبِيل الْحق وَالْهدى
﴿أَلاَّ يَسْجُدُواْ لِلَّهِ الَّذِي﴾ وَقد قلت لَهُم أَلا يَا هَؤُلَاءِ اسجدوا لله وَيُقَال هَذَا قَول سُلَيْمَان يَقُول لم لَا يَسْجُدُونَ لله الذى ﴿يخرج الخبء﴾ مَا خبىء ﴿فِي السَّمَاوَات﴾ من الْمَطَر ﴿وَالْأَرْض﴾ من النَّبَات ﴿وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ﴾ مَا يسرون من الْخَيْر وَالشَّر ﴿وَمَا يعلنون﴾ يظهرون من الْخَيْر وَالشَّر
﴿الله لاَ إِلَه إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْش الْعَظِيم﴾ السرير الْكَبِير
﴿قَالَ﴾ سُلَيْمَان للهدهد ﴿سَنَنظُرُ﴾ فِي مَقَالَتك ﴿أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبين﴾
﴿اذْهَبْ بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ﴾ عَلَيْهِم ﴿ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ تَنَح عَنْهُم حَيْثُ لَا يرونك ﴿فَانْظُر مَاذَا يَرْجِعُونَ﴾ يَقُولُونَ ويردون ويجيبون كتابي فَفعل كَمَا أمره سُلَيْمَان فَأخذت بلقيس كتاب سُلَيْمَان وَخرجت إِلَى قَومهَا
﴿قَالَت يَا أَيهَا الْمَلأ﴾ الرؤساء ﴿إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ﴾ مختوم
﴿إِنَّهُ﴾ عنوانه ﴿مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ﴾ أول سطره ﴿بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾
﴿أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ﴾ أَن لَا تتكبروا عَليّ ﴿وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ مستسلمين مصالحين وَأَشْيَاء كَانَت فِيهِ مَكْتُوبَة
﴿قَالَت يَا أَيهَا الْمَلأ﴾ الرؤساء ﴿أَفْتُونِي فِي أَمْرِي﴾ أخبروني عَن أَمْرِي وَيُقَال شاوروا لي ﴿مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً﴾ فاعلة أمرا ﴿حَتَّى تَشْهَدُونِ﴾ تحضروني وتشاوروني
﴿قَالُوا نَحن أولُوا قُوَّةٍ﴾ بِالسِّلَاحِ ﴿وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ بِالْقِتَالِ ﴿وَالْأَمر إِلَيْكِ﴾ يَقُول أمرنَا لأمرك تبع ﴿فانظري مَاذَا تَأْمُرِينَ﴾ حَتَّى نَفْعل مَا تأمريننا ثمَّ نطقت بحكمة
﴿قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوك﴾ مُلُوك الأَرْض ﴿إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً﴾ عنْوَة بِالْحَرْبِ والقتال ﴿أَفْسَدُوهَا﴾ خربوها ﴿وَجعلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً﴾ بِالضَّرْبِ وَالْقَتْل وَغير ذَلِك ﴿وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ قَالَ الله كَذَلِك يَفْعَلُونَ يَعْنِي مُلُوك الأَرْض بالكبرياء
﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ﴾ إِلَى سُلَيْمَان ﴿بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ﴾ فأنتظر ﴿بِمَ يَرْجِعُ المُرْسَلُونَ﴾ الرُّسُل
﴿فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ﴾ رسولها إِلَى سُلَيْمَان ﴿قَالَ﴾ سُلَيْمَان ﴿أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ﴾ هَدِيَّة ﴿فَمَآ آتَانِي الله﴾ أعطانى الله من الْملك والنبوة ﴿خَيْرٌ﴾ أفضل ﴿مِّمَّآ آتَاكُمْ﴾ أَعْطَاكُم من المَال ﴿بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ﴾ إِن ردَّتْ إِلَيْكُم
﴿ارْجع إِلَيْهِمْ﴾ بهديتهم ﴿فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ﴾ بجموع ﴿لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا﴾ لَا طَاقَة لَهُم بهَا ﴿وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ﴾ من سبأ ﴿أَذِلَّةً﴾ مغلولة أَيْمَانهم إِلَى أَعْنَاقهم ﴿وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ ذليلون
﴿قَالَ﴾ سُلَيْمَان ﴿يَا أَيهَا الْمَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا﴾ بسريرها ﴿قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ مستسلمين مصالحين
﴿قَالَ عِفْرِيتٌ﴾ شَدِيد ﴿مِّن الْجِنّ﴾ يُقَال لَهُ عَمْرو ﴿أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ﴾ من مجلسك للْقَضَاء وَكَانَ مجْلِس قَضَائِهِ إِلَى انتصاف النَّهَار ﴿وَإِنِّي عَلَيْهِ﴾ على حمله ﴿لَقَوِيٌّ أَمِينٌ﴾ على مَا فِيهِ من الْجَوَاهِر واللؤلؤ وَالذَّهَب وَالْفِضَّة قَالَ سُلَيْمَان بل أُرِيد أسْرع من هَذَا
﴿قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكتاب﴾ اسْم الله الْأَعْظَم يَا حَيّ يَا قيوم وَهُوَ آصف بن برخيا ﴿أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ قبل أَن يبلغ الشَّيْء الَّذِي رَأَيْته من بعيد ﴿فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً﴾ ثَابتا ﴿عِندَهُ﴾ يَعْنِي عرشها عِنْد عَرْشه ﴿قَالَ﴾ لآصف ﴿هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي﴾ من منَّة ربى ﴿لِيَبْلُوَنِي﴾ ليختبرني ﴿أَأَشْكُرُ﴾ نعْمَته ﴿أَمْ أَكْفُرُ﴾ أم أترك شكر نعْمَته ﴿وَمَن شَكَرَ﴾ نعْمَته ﴿فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ﴾ ثَوَاب ربه ﴿وَمَن كَفَرَ﴾ ترك شكر نعْمَته ﴿فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ﴾ عَن شكره ﴿كَرِيمٌ﴾ متجاوز لمن تَابَ لَا يعجل بالعقوبة
﴿قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا﴾ غيروا سريرها فزيدوا فِيهِ وانقصوا مِنْهُ ﴿نَنْظُر أتهتدي﴾ أتعرف ﴿أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذين لاَ يَهْتَدُونَ﴾ لَا يعْرفُونَ
﴿فَلَمَّا جَآءَتْ قِيلَ﴾ قَالَ لَهَا سُلَيْمَان ﴿أَهَكَذَا عَرْشُكِ﴾ سريرك شبهوه عَلَيْهَا ﴿قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ﴾ شبهتموه عَليّ ﴿وَأُوتِينَا الْعلم مِن قَبْلِهَا﴾ فَقَالَ سُلَيْمَان قد أَعْطَانِي الله بتغيير سريرها ومجيئه من قبل مجيئها
318
﴿وَكُنَّا مُسْلِمِينَ﴾ أَي مُخلصين من قبل مجيئها
319
﴿وَصَدَّهَا﴾ صرفهَا سُلَيْمَان وَيُقَال صرفهَا الله ﴿مَا كَانَت﴾ عَمَّا كَانَت ﴿تَّعْبُدُ مِن دُونِ الله﴾ يَعْنِي الشَّمْس ﴿إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ﴾ الْمَجُوس
﴿قِيلَ لَهَا ادخلي الصرح﴾ الْقصر ﴿فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً﴾ مَاء غمراً يَعْنِي كثيرا ﴿وَكَشَفَتْ﴾ رفعت ثِيَابهَا ﴿عَن سَاقَيْهَا قَالَ﴾ لَهَا سُلَيْمَان ﴿إِنَّهُ صَرْحٌ﴾ قصر ﴿مُّمَرَّدٌ﴾ أملس ﴿مِّن قَوارِيرَ﴾ تَحْتَهُ مَاء فَلَا تخافي واعبري عَلَيْهِ ﴿قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي﴾ بعبادتي الشَّمْس ﴿وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ﴾ على يَد سُلَيْمَان ﴿لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمين﴾ سيد الْجِنّ وَالْإِنْس
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ﴾ نَبِيّهم ﴿صَالِحاً أَنِ اعبدوا الله﴾ أَن قل لَهُم وحدوا الله وتوبوا إِلَيْهِ من الْكفْر والشرك ﴿فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ﴾ فصاروا فرْقَتَيْن مُؤمنَة وكافرة ﴿يَخْتَصِمُونَ﴾ يتخاصمون فِي الدّين
﴿قَالَ﴾ صَالح للفرقة الْكَافِرَة ﴿يَا قوم لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ﴾ بِالْعَذَابِ ﴿قَبْلَ الْحَسَنَة﴾ قبل الْعَافِيَة وَالرَّحْمَة ﴿لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ الله﴾ هلا تتوبون من الشّرك وَالْكفْر وتوحدون الله ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ لكَي ترحموا فَلَا تعذبوا
﴿قَالُواْ اطيرنا بِكَ﴾ تشاءمنا بك ﴿وَبِمَن مَّعَكَ﴾ من قَوْمك يعنون شدتنا من شؤمك وَمن شوم من آمن بك ﴿قَالَ﴾ صَالح ﴿طَائِرُكُمْ﴾ شدتكم ورخاؤكم ﴿عِندَ الله﴾ من عِنْد الله ﴿بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ﴾ تختبرون بالشدة والرخاء وَيُقَال تخذلون وَلَا توفقون
﴿وَكَانَ فِي الْمَدِينَة تِسْعَةُ رَهْطٍ﴾ نفر من الْفُسَّاق من أَبنَاء رُؤَسَائِهِمْ قدار بن سالف ومصدع ابْن دهو وأصحابهما ﴿يُفْسِدُونَ فِي الأَرْض﴾ بِالْمَعَاصِي ﴿وَلاَ يُصْلِحُونَ﴾ لَا يأمرون بالصلاح وَلَا يعْملُونَ بِهِ
﴿قَالُوا تقاسموا بِاللَّه﴾ يَقُول توافقوا وتخلفوا بِاللَّه ثمَّ قَالَ ﴿لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ﴾ لندخلن عَلَيْهِ وعَلى أَهله لَيْلًا ولنقتلنه وَأَهله ﴿ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ﴾ لوَرثَته وقرابته ﴿مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ﴾ قتل صَالح وَأَهله ﴿وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ يصدقوننا فِي قَوْلنَا وَلَا يرد قَوْلنَا أحد
﴿وَمَكَرُواْ مَكْراً﴾ أَرَادوا قتل صَالح وَمن آمن مَعَه ﴿وَمَكَرْنَا مَكْراً﴾ أردنَا قَتلهمْ ﴿وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ بمكرنا وَيُقَال قَتلتهمْ الْمَلَائِكَة فِي دَار صَالح بِالْحِجَارَةِ وهم لَا يَشْعُرُونَ من الْمَلَائِكَة
﴿فَانْظُر﴾ يَا مُحَمَّد ﴿كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ﴾ عُقُوبَة مَكْرهمْ بِصَالح ﴿أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ﴾ أهلكناهم بِالْحِجَارَةِ ﴿وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ وأهلكنا قَومهمْ أَجْمَعِينَ
﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً﴾ خَالِيَة سَاقِطَة ﴿بِمَا ظلمُوا﴾ أشركوا ﴿إِنَّ فِي ذَلِك﴾ فِيمَا فعلنَا بهم ﴿لآيَةً﴾ لعلامة وعبرة ﴿لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ يصدقون مَا فعل بهم
﴿وَأَنجَيْنَا الَّذين آمَنُواْ﴾ بِصَالح ﴿وَكَانُواْ يَتَّقُونَ﴾ الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش وَقتل النَّاقة
﴿وَلُوطاً﴾ أرسلنَا لوطاً إِلَى قومه ﴿إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَة﴾ اللواط ﴿وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ تعلمُونَ أَنَّهَا فَاحِشَة
﴿أئنكم لَتَأْتُونَ الرِّجَال﴾ أدبار الرِّجَال ﴿شَهْوَةً﴾ اشتهاء لكم
319
﴿مِّن دُونِ النسآء﴾ من فروج النِّسَاء ﴿بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ أَمر الله
320
﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ﴾ فَلم يكن جَوَاب قومه ﴿إِلاَّ أَن قَالُوا أخرجُوا آلَ لُوطٍ﴾ لوطاً وابنتيه زعورا وريثا ﴿مِّن قَرْيَتِكُمْ﴾ سدوم ﴿إِنَّهُم أنَاس يتطهرون﴾ يتنزهون عَن أدبار الرِّجَال
﴿فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ﴾ ابْنَتَيْهِ ﴿إِلاَّ امْرَأَته﴾ المنافقة ﴿قَدَّرْنَاهَا مِنَ الغابرين﴾ يَقُول قَدرنَا عَلَيْهَا أَن تكون من المتخلفين بِالْهَلَاكِ
﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم﴾ على شذاذهم ومسافريهم ﴿مَّطَراً﴾ حِجَارَة ﴿فَسَآءَ﴾ فبئس ﴿مَطَرُ الْمُنْذرين﴾ من أَنْذرهُمْ لوط فَلم يُؤمنُوا
﴿قُلِ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿الْحَمد لِلَّهِ﴾ الشُّكْر والْمنَّة لله على هلاكهم ﴿وَسَلاَمٌ﴾ سَعَادَة وسلامة ﴿على عِبَادِهِ الَّذين اصْطفى﴾ اخْتَارَهُمْ الله بِالنُّبُوَّةِ وَيُقَال اصطفاهم لله بِالْإِسْلَامِ وهم أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿الله خير﴾ قل يَا مُحَمَّد لأهل مكى أعبادة الله أفضل ﴿أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ أم عبَادَة مَا يشركُونَ بِاللَّه من الْأَوْثَان
﴿أم من خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ السمآء مَآءً﴾ مَطَرا ﴿فَأَنبَتْنَا بِهِ﴾ بالمطر ﴿حَدَآئِقَ﴾ بساتين مَا أحيط عَلَيْهَا من النّخل وَالشَّجر ﴿ذَاتَ بَهْجَةٍ﴾ ذَات منظر حسن ﴿مَّا كَانَ لَكُمْ﴾ مقدرَة ﴿أَن تنبتوا شَجَرهَا﴾ شجر الْبَسَاتِين ﴿أإله مَّعَ الله﴾ سوى الله فعل ذَلِك ﴿بَلْ هم قوم يعدلُونَ﴾ بِهِ الْأَصْنَام
﴿أم من جَعَلَ الأَرْض قَرَاراً﴾ مسكنا ﴿وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً﴾ وَسطهَا أَنهَارًا ﴿وَجَعَلَ لَهَا﴾ للْأَرْض ﴿رَوَاسِيَ﴾ الْجبَال الثوابت أوتادا لَهَا ﴿وَجعل بَين الْبَحْرين﴾ الْعَذَاب والمالح ﴿حاجزا﴾ مَانِعا لَا يختلطان ﴿أإله مَّعَ الله﴾ سوى الله فعل ذَلِك ﴿بَلْ أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ﴾ لَا يصدقون
﴿أم من يُجِيبُ الْمُضْطَر﴾ فِي الْبلَاء ﴿إِذَا دَعَاهُ﴾ بِدفع الْبلَاء ﴿ويكشف السوء﴾ بِدفع الْبلَاء ﴿وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ الأَرْض﴾ سكان الأَرْض بعد هَلَاك أَهلهَا ﴿أإله مَّعَ الله﴾ سوى الله فعل ذَلِك ﴿قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ﴾ مَا تتعظون قَلِيلا وَلَا كثيرا
﴿أم من يَهْدِيكُمْ﴾ ينجيكم ﴿فِي ظُلُمَاتِ الْبر وَالْبَحْر﴾ من شَدَائِد الْبر وَالْبَحْر إِذا سافرتم ﴿وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاح بُشْراً﴾ طيبَة ﴿بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ قُدَّام الْمَطَر ﴿أإله مَّعَ الله﴾ سوى الله فعل ذَلِك ﴿تَعَالَى الله﴾ تَبرأ الله ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ بِهِ من الْأَوْثَان
﴿أم من يَبْدَأُ الْخلق﴾ يبتدئه من النُّطْفَة ﴿ثُمَّ يُعيدُهُ﴾ بعد الْمَوْت ﴿وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السمآء﴾ بالمطر ﴿وَالْأَرْض﴾ بالنبات ﴿أإله مَّعَ الله﴾ سوى الله فعل ذَلِك ﴿قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ﴾ حجتكم ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ أَن مَعَ الله آلِهَة شَتَّى
﴿قُل﴾ يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة ﴿لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَات﴾ من الْمَلَائِكَة ﴿وَالْأَرْض﴾ من الْخلق ﴿الْغَيْب﴾ مَتى قيام السَّاعَة ونزول الْعَذَاب
320
﴿إِلاَّ الله وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ وَمَا يعلم الْخلق ﴿أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ مَتى يبعثون من الْقُبُور
321
﴿بَلِ ادارك عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَة﴾ يَقُول اجْتمع علمهمْ على أَن الْآخِرَة لَا تكون ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا﴾ من قيام السَّاعَة ﴿بل هم مِّنْهَا﴾ من قيام السَّاعَة ﴿عَمُونَ﴾ عمي لَا يبصرون
﴿وَقَالَ الَّذين كفرُوا﴾ كفار مَكَّة ﴿أئذا كُنَّا﴾ صرنا ﴿تُرَاباً﴾ رميماً ﴿وَآبَآؤُنَآ﴾ قبلنَا ﴿أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ﴾ من الْقُبُور لمحيون
﴿لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا﴾ الَّذِي تعدنا ﴿نَحْنُ وَآبَآؤُنَا من قبل﴾ من قبلنَا ﴿إِن هَذَا﴾ مَا هَذَا الَّذِي تعدنا يَا مُحَمَّد ﴿إِلاَّ أَسَاطِيرُ﴾ أَحَادِيث ﴿الْأَوَّلين﴾
﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة ﴿سِيرُواْ﴾ سافروا ﴿فِي الأَرْض﴾ فانظروا فاعتبروا ﴿كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الْمُجْرمين﴾ آخر أَمر الْمُشْركين
﴿وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾ يَا مُحَمَّد إِن لم يُؤمنُوا وَيُقَال وَلَا تحزن عَلَيْهِم بِالْهَلَاكِ ﴿وَلاَ تَكُن فِي ضَيْقٍ﴾ وَلَا تضيق صدرك يَا مُحَمَّد ﴿مِّمَّا يَمْكُرُونَ﴾ مِمَّا يَقُولُونَ ويصنعون
﴿وَيَقُولُونَ مَتى هَذَا الْوَعْد﴾ الَّذِي تعدنا يَا مُحَمَّد ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ إِن كنت من الصَّادِقين بمجيء الْعَذَاب
﴿قُلْ﴾ لَهُم يَا مُحَمَّد ﴿عَسى﴾ وَعَسَى من الله وَاجِب ﴿أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم﴾ قرب لكم ﴿بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ﴾ من الْعَذَاب يَوْم بدر
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿لَذُو فَضْلٍ﴾ لذُو من ﴿على النَّاس﴾ بِتَأْخِير الْعَذَاب ﴿وَلَكِن أَكْثَرهم لاَ يَشْكُرُونَ﴾ بِتَأْخِير الْعَذَاب
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ﴾ تضمر قُلُوبهم من البغض والعداوة ﴿وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ مَا يظهرون من الْكفْر والشرك والقتال
﴿وَمَا مِنْ غَآئِبَةٍ﴾ من سر خَفِي ﴿فِي السمآء وَالْأَرْض﴾ من أهل السَّمَاء وَالْأَرْض ﴿إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ إِلَّا مَكْتُوب فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ
﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآن﴾ الَّذِي تقْرَأ عَلَيْهِم يَا مُحَمَّد ﴿يَقُصُّ على بني إِسْرَائِيلَ﴾ يبين لبني إِسْرَائِيل الْيَهُود وَالنَّصَارَى ﴿أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ كل الَّذِي هم فِيهِ فِي الدّين يخالفون
﴿وَإِنَّهُ﴾ يَعْنِي الْقُرْآن ﴿لَهُدىً﴾ من الضَّلَالَة ﴿وَرَحْمَةٌ﴾ من الْعَذَاب ﴿للْمُؤْمِنين﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن
﴿إِن رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم﴾ بَين الْيَهُود وَالنَّصَارَى ﴿بِحُكْمِهِ﴾ وقضائه يَوْم الْقِيَامَة ﴿وَهُوَ الْعَزِيز﴾ بالنقمة مِنْهُم ﴿الْعَلِيم﴾ بهم وبعقوبتهم
﴿فَتَوَكَّلْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿عَلَى الله إِنَّكَ عَلَى الْحق الْمُبين﴾ على الدّين الظَّاهِر وَهُوَ الْإِسْلَام
﴿إِنَّكَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ بالقلوب وَيُقَال كَأَنَّهُ ميت ﴿وَلاَ تُسْمِعُ الصم﴾ بالقلوب وَيُقَال المتصامم ﴿الدعآء﴾ دعوتك إِلَى الْحق وَالْهدى ﴿إِذَا وَلَّوْاْ﴾ أَعرضُوا ﴿مُدْبِرِينَ﴾ عَن الْحق وَالْهدى
﴿وَمَآ أَنتَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿بِهَادِي الْعمي عَن ضلالتهم﴾ إِلَى الْهدى ﴿إِن تسمع﴾ مَا تسمع دعوتك ﴿إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا﴾ بكتابنا ورسولنا ﴿فَهُم مُّسْلِمُونَ﴾ مخلصون بِالْعبَادَة والتوحيد
﴿وَإِذَا وَقَعَ﴾ وَجب ﴿القَوْل عَلَيْهِم﴾ بالسخط وَالْعَذَاب
321
﴿أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ الأَرْض﴾ بَين الصَّفَا والمروة وَهِي عَصا مُوسَى وَيُقَال مَعهَا عَصا مُوسَى ﴿تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاس كَانُوا بِآيَاتِنَا﴾ بآيَات رَبنَا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَيُقَال بِخُرُوج الدَّابَّة ﴿لاَ يُوقِنُونَ﴾ لَا يصدقون وَإِن قَرَأت بِنصب التَّاء تضربهم وتجرحهم
322
﴿وَيَوْمَ﴾ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة ﴿نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ﴾ من كل أهل دين ﴿فَوْجاً﴾ جمَاعَة ﴿مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا﴾ بكتابنا ورسولنا ﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ يَقُول يحبس أَوَّلهمْ على آخِرهم
﴿حَتَّى إِذا جاؤوا﴾ اجْتَمعُوا ﴿قَالَ﴾ الله لَهُم ﴿أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي﴾ بكتابي ورسولي ﴿وَلَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْماً﴾ يَقُول جحدتم وَلم تعلمُوا أَنَّهَا لَيست منى ﴿أم مَاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ فِي الْكفْر والشرك
﴿وَوَقَعَ القَوْل﴾ وَجب القَوْل ﴿عَلَيْهِمْ﴾ بالسخط وَالْعَذَاب ﴿بِمَا ظَلَمُواْ﴾ بكفرهم وشركهم ﴿فَهُمْ لاَ يَنطِقُونَ﴾ لَا يجيبون
﴿أَلَمْ يَرَوْاْ﴾ كفار مَكَّة ﴿أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْل﴾ مسكنا ﴿لِيَسْكُنُواْ﴾ ليستقروا ﴿فِيهِ وَالنَّهَار مُبْصِراً﴾ مضيئاً مطلباً لمعايشتهم ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ فِيمَا فعلنَا بهم ﴿لآيَاتٍ﴾ لعلامات ﴿لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ يصدقون
﴿وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّور﴾ وَهِي نفخة الْمَوْت ﴿فَفَزعَ﴾ مَاتَ مَن ﴿فِي السَّمَاوَات﴾ من الْمَلَائِكَة ﴿وَمَن فِي الأَرْض﴾ من الْخلق ﴿إِلاَّ مَن شَآءَ الله﴾ من أهل السَّمَاء جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَملك الْمَوْت فَإِنَّهُم لَا يموتون فِي النفخة الأولى وَلَكِن يموتون بعد ذَلِك ﴿وَكُلٌّ﴾ يَعْنِي أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض ﴿أَتَوْهُ دَاخِرِينَ﴾ يأْتونَ إِلَى الله يَوْم الْقِيَامَة صاغرين ذليلين
﴿وَتَرَى الْجبَال﴾ يَا مُحَمَّد فِي النفخة الأولى ﴿تَحْسَبُهَا جَامِدَةً﴾ سَاكِنة مُسْتَقِرَّة ﴿وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَاب﴾ فِي الْهَوَاء ﴿صُنْعَ الله﴾ هَذَا فعل الله بخلقه ﴿الَّذِي أَتْقَنَ﴾ أحكم ﴿كُلَّ شَيْءٍ﴾ من الْخلق ﴿إِنَّهُ خَبِيرٌ﴾ عَالم ﴿بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ من الْخَيْر وَالشَّر
﴿مَن جَآءَ بِالْحَسَنَة﴾ من جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة بِلَا إِلَه إِلَّا الله مخلصاً بهَا ﴿فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا﴾ فخيره كُله مِنْهَا وَمن قبلهَا ﴿وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾ وهم آمنون من الْفَزع وَالْعَذَاب إِذا أطبقت النَّار
﴿وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ﴾ بالشرك بِاللَّه ﴿فَكُبَّتْ﴾ قلبت ﴿وُجُوهُهُمْ فِي النَّار هَلْ تُجْزَوْنَ﴾ فِي الْآخِرَة ﴿إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ فِي الدُّنْيَا قل يَا مُحَمَّد
﴿إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ﴾ أوحد ﴿رَبِّ هَذِهِ الْبَلدة﴾ يَعْنِي مَكَّة ﴿الَّذِي حَرَّمَهَا﴾ جعلهَا حرما ﴿وَلَهُ كُلُّ شَيءٍ﴾ من الْخلق ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسلمين﴾ مَعَ الْمُسلمين على دينهم
﴿وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآن﴾ أمرت أَن أَقرَأ عَلَيْكُم الْقُرْآن ﴿فَمَنِ اهْتَدَى﴾ آمن بِمَا فِي الْقُرْآن ﴿فَإِنَّمَا يَهْتَدِي﴾ يُؤمن ﴿لِنَفْسِهِ﴾ ثَوَاب ذَلِك لنَفسِهِ ﴿وَمَن ضَلَّ﴾ كفر بِالْقُرْآنِ ﴿فَقُلْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿إِنَّمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُنْذرين﴾ المخوفين من النَّار بِالْقُرْآنِ
ثمَّ أمره بعد ذَلِك بِالْقِتَالِ فَقَالَ ﴿وَقُلِ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿الْحَمد لِلَّهِ﴾ الشُّكْر لله والوحدانية لله ﴿سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ﴾ عَلَامَات وحدانيته وَقدرته بِالْعَذَابِ يَوْم بدر ﴿فَتَعْرِفُونَهَا﴾ فتعلمون أَن مَا يَقُول لكم مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حق وَصدق ﴿وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ﴾ بساه ﴿عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ فِي الْكفْر والشرك يَعْنِي كفار قُرَيْش هَذَا وَعِيد لَهُم من الله فِي الْكفْر والشرك وَيُقَال بتارك عُقُوبَة مَا تَعْمَلُونَ من الْمَكْر والخيانة وَالْفساد
322
tit/٢ وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْقَصَص وهى كلهَا مَكِّيَّة إِلَّا قَوْله تَعَالَى ﴿إِن الَّذِي فرض عَلَيْك الْقُرْآن لرادك إِلَى معاد﴾ فانها نزلت بِالْجُحْفَةِ بَين مَكَّة وَالْمَدينَة آياتها ثَمَان وَثَمَانُونَ وكلماتها أَرْبَعمِائَة وَإِحْدَى وَأَرْبَعُونَ وحروفها خَمْسَة آلَاف وَثَمَانمِائَة {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {/ tit
323
سورة النمل
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (النَّمْلِ) من السُّوَر المكية التي جاءت ببيانِ إعجاز القرآن الكريم، ووصفِه بالهداية والإرشاد، وأشارت السورةُ إلى ذِكْرِ دلائل وَحْدانية الله عز وجل وقُدْرته، وجاء فيها ذكرُ قِصَصِ عددٍ من الأنبياء؛ من ذلك: قصَّةُ سيدنا سُلَيمانَ عليه السلام عندما مرَّ بالنمل، وفي ذلك عِبَرٌ ومواعظُ كثيرة؛ منها: إظهارُ علمِ الله وحِكْمته من خلال تدبيره في خَلْقه.

ترتيبها المصحفي
27
نوعها
مكية
ألفاظها
1160
ترتيب نزولها
48
العد المدني الأول
195
العد المدني الأخير
195
العد البصري
94
العد الكوفي
93
العد الشامي
94

* سورة (النَّمْلِ):

سُمِّيت سورة (النَّمْلِ) بهذا الاسم؛ لذِكْرِ النَّمْلة التي خاطبت النَّمْلَ في تضاعيفِ قصة سليمان، ولِما للنَّمْلِ من ارتباطٍ بمقصد السورة؛ كما أشرنا.

جاءت سورةُ (النَّمْلِ) على ذكرِ الموضوعات الآتية:

1. بيان إعجاز القرآن الكريم (١-٢).

2. صفات المؤمنين والكافرين، وجزاؤهم (٣-٦).

3. نداء الله تعالى لموسى عليه السلام بوادي طُوًى (٧-١٤).

4. قصة داود وسليمان عليهما السلام (١٥-٤٤).

5. قصة صالح عليه السلام (٤٥-٥٣).

6. قصة لوط عليه السلام (٥٤-٥٨).

7. البراهين الدالة على وَحْدانية الله تعالى (٥٩-٦٦).

8. إنكار المشركين للبعث، والردُّ عليهم (٦٧-٧٥).

9. إخبار القرآن عن أنباء السابقين (٧٦-٨١).

10. علامات الساعة، ومشاهد يوم القيامة (٨٢-٩٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /420).

مقصدُ سورة (النَّمْلِ): هو وصفُ هذا الكتاب بالكفاية لهدايةِ الخَلْقِ أجمعين؛ بالفصل بين الصراط المستقيم، وطريق الحائرين، والجمعِ لأصول الدِّين؛ لإحاطة علم مُنزِله بالخَفِيِّ والمُبِين، وبشارة المؤمنين ونِذارة الكافرين؛ بيوم اجتماع الأوَّلين والآخِرين، وكلُّ ذلك يرجع إلى العلمِ المستلزم للحكمة.

فالمقصودُ الأعظم منها: إظهار العلم والحكمة، وأدلُّ ما فيها على هذا المقصود: ما للنَّمل من حُسْنِ التَّدبير، وسَداد المذاهب في العيش، ولا سيما ما ذكَر عنها سبحانه من صِحَّةِ القصد في السِّياسة، وحُسْنِ التَّعبير عن ذلك القصد، وبلاغة التأدية، و(النَّمْلُ) آيةٌ من آيات الله في كونه، ضرَبه الله تعالى ليتأمَّلوا عجيبَ خَلْقه.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /333).