تفسير سورة آل عمران

مجاز القرآن

تفسير سورة سورة آل عمران من كتاب مجاز القرآن
لمؤلفه أبو عبيدة . المتوفي سنة 210 هـ

﴿ الم ﴾ : افتتاح كلام، شِعار للسورة، وقد مضى تفسيرها في البقرة، ثم انقطع فقلتَ :﴿ اللهُ لاَ إلَه إلاَّ هُوَ ﴾
﴿ اللهُ لاَ إلَه إلاَّ هُوَ ﴾ : استئناف.
﴿ آياتٌ مُحْكمَاتٌ ﴾ : يعنى هذه الآيات التي تُسَمّيها في القرآن.
﴿ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ﴾ : يشبه بعضها بعضاً.
﴿ فِي قُلُوِبهِمْ زَيْغٌ ﴾ أي جور.
﴿ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ﴾ : ما يشبه بعضه بعضاً، فيَطعنون فيه.
﴿ ابْتغَاءَ الْفِتْنَةِ ﴾ : الكفر.
﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ : العلماء، ورَسخ أيضاً في الإيمان.
﴿ تَأوِيَلهُ ﴾ : التأوِيل : التفسير، والمرجع : مَصِيرُه، قال الأعشى :
عَلَى أَنها كانت تَأَوّلُ حُبِّها تأوُّلَ رِبْعِيّ السِّقابِ فأصْحَبا
قوله : تأول حبها : تفسيره : ومرجعه، أي إنه كان صغيراً في قلبه، فلم يزل ينبت، حتى أصحب فصار قديما، كهذا السَقْب الصغير لم يزل يشِبُّ حتى أصحب فصار كبيراً مثل أمِّه.
﴿ مِنْ لَدُنْكَ ﴾ أي من عندك.
﴿ لاَ رَيْبَ فِيهِ ﴾ لا شك فيه.
﴿ لَنْ تُغْنِى عَنْهُم أمْوَالهُم وَلاَ أوْلاَدُهُمْ مِن الله شَيئاً ﴾ : يعنى عند الله.
﴿ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ ﴾ : كسُنة آل فرعون وعادتهم، قال الراجز :
ما زال هذا دأبُها ودأبِي
﴿ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ﴾ أي بكتُبنا وعلاماتنا عن الحق.
﴿ المِهادُ ﴾ الفِراش.
﴿ قَدْ كَانَ لَكمُ آيةٌ ﴾ أي علامةٌ.
﴿ فِي فِئَتَيْنِ ﴾ أي في جماعتين. ﴿ فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ ﴾ : إن شئت، عطفتَها على ﴿ فِي ﴾، فجررتَها وإن شئتَ قطعتها فاستأنفت، قال، كُثَيِّر عَزّة :
فكنتُ كذي رجْلِين رِجْلٍ صحيحةٍ ورِجْلٍ رَمَى فيها الزمانُ فشَلَّتِ
وبعضهم يرفع رجل صحيحة.
﴿ يَرَوْنَهُم مِثْلَيْهم رَأْىَ العَيْنِ ﴾ : مصدر، تقول : فعَل فلان كذا رأْىَ عينى وسَمْعَ أُذِني.
﴿ يُؤَيِّدُ ﴾ يقوّى، من الأيد، وإن شئتَ من الأد.
﴿ لَعِبْرَةً ﴾ : اعتبار.
﴿ والقَناطِير ﴾ : واحدها قِنطار، وتقول العرب : هو قَدْر وزنٍ لا يحدّونه. ﴿ المُقَنْطَرة ﴾ مفنعلة، مثل قولك : ألفٌ مؤلفَّةٌ.
قال الكلبي : مِلء مَسْك ثَوْرٍ من ذهب أو فضة ؛ قال ابن عباس : ثمانون ألف درهم ؛ وقال السُّدِّى مائة رِطلٍ، من ذهب أو فضة ؛ وقال جابر بن عبد الله : ألف دينار ".
﴿ والْخَيْلِ المُسوَّمة ﴾ المُعْلمة بالسيماء، ويجوز أن تكون ﴿ مسوّمة ﴾ مُرعاةً، من أسمتُها ؛ تكون هي سائمة، والسَّائِمة : الراعية، وربُّها يُسيمها.
﴿ اْلأَنْعَام ﴾ : جماعة النَّعَم.
﴿ والحَرْث ﴾ : الزرع.
﴿ مَتاعُ الحَياةِ الدُّنْيا ﴾ يمتِّعهم، أي يقيمهم.
﴿ المَآب ﴾ المرجع، من آب يؤب.
﴿ مُطَهَّرة ﴾ : مهذَّبة من كل عيب.
﴿ والقَانِتيِن ﴾ : القانت المطيع.
﴿ شَهِدَ اللهُ ﴾ : قضَى الله. ﴿ أنَّه لاَ إلهَ إلاَّ هُوَ وَالمَلائِكَةُ ﴾ شُهُودٌ على ذلك.
﴿ بالقِسْطِ ﴾ أقسط : مصدر المقُسِط وهو العادل ؛ والقاسط : الجائر.
﴿ الذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ﴾ : الأمَم الذين أتتْهم الكتُب والأنبياء.
﴿ والأُمِّيِّين ﴾ : الذين لم يأتهم الأنبياءُ بالكتب ؛ والنبيُّ الأميُّ : الذي لا يكتب.
﴿ يَفْتَرُونَ ﴾ يختلقون الكذب.
﴿ تُولِجُ اللَّيلَ فِي النَّهار ﴾ : تَنقُص من الليل فتزيد في النهار، وكذلك النهار من الليل ﴿ وتُخْرِجُ الْحَيَّ مِن المَيِّتِ ﴾ أي الطيِّبَ من الخبيث، والمسلم من الكافر.
﴿ تُقاةً ﴾ وتَقِيّة واحدة.
﴿ أمَداً ﴾ : الأَمد الغاية.
﴿ فإن تَولَّوْا ﴾، في هذا الموضع : فإن كفروا.
﴿ إذْ قَالَتْ امْرَأَةُ عِمْرَانَ ﴾ معناها : قالت : امرأة عِمران.
﴿ مُحَرَّراً ﴾ أي عتيقاً لله، أعتقته وحرّرته واحد.
﴿ فَتَقَبَّلَها رَبُّها بقبَول حَسَنٍ ﴾ : أوْلاَها.
﴿ وكَفَلها زَكَريّا ﴾ أي ضمَّها، وفيها لغتان : كفَلها يكفُل وكَفِلها يكفَل.
﴿ المِحْرابَ ﴾ : سيِّدُ المجالس ومقدَّمها وأشرفها، وكذلك هو من المساجد.
﴿ أَنَّى لَكِ هَذَا ﴾ أي من أين لكِ هذا، قال الكمُيت بن زيد :
أنّيَ ومن أيْن آبك الطُّرَبُ مِن حيث لا صَبْوَةٌ ولا رِيَبُ
﴿ يُبَشِّرُكَ ﴾، ﴿ يَبْشُرُكَ ﴾ واحد.
﴿ بِكَلِمَةٍ مِنَ الله ﴾ أي بكتاب من الله ؛ تقول العرب للرجل : أَنشِدْني كلمة كذَا وكذا، أي قصيدة فلان وإن طالت.
﴿ وحَصَوراً ﴾ : الحصور له غير موضع والأصل واحد ؛ وهو الذي لا يأتي النساء، والذي لا يولد له، والذي يكون مع النَّدامَى فلا يُخرِج شيئاً، قال الأخطل :
وشاربٍ مُرْبِحٍ لِلكأس نادَمَنى لا بالحَصور ولا فيها بسَوّارِ
الذي لا يساور جليسَه كما يساور الأسدُ ؛ والحَصور : أيضاً الذي لا يخرج سِرّا أبَداً، قال جرير :
ولقد تُسقِّطنى الوُشَاةُ فصادفوا حَصِراً بِسرّكِ يا أُمَيْم ضَنِينا
﴿ وقَدَ بلَغَني الكِبَرُ ﴾ أي بلغتُ الكبرَ، والعرب تصنع مثل هذا، تقول : هذا القميص لا يقطعنى أي أنت لا تقطعه، أي إنه لا يبَلغ ما أُريد من تقديرٍ.
﴿ عَاقِرٌ ﴾ العاقِر : التي لا تلد، والرجل العاقر : الذي لا يولد له، قال عامر بن الطُّفَيْل :
لَبئس الفَتَى إن كنتُ أعورَ عاقراً جَباناً فما عُذرى لَدى كل مَحضَرِ
﴿ إلاّ رَمْزاً ﴾ : باللسان من غير أن يُبين، ويخفض بالصوت مثل هَمْسٍ.
﴿ والإبْكَارِ ﴾ : مصدرُ من قال أبكر يُبكر، وأكثرها بكرّ يبكرّ وباكَر.
﴿ وَإِذْ قَالَتْ الَملاَئِكَةُ ﴾ : مثل قالت الملائكة.
﴿ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ ﴾ : من أخبار الغيب، ما غاب عنك.
﴿ وَمَا كُنْتَ لَدَيهِمْ ﴾ أي عندهم.
﴿ أَقْلاَمَهُمْ ﴾ : قداحهم.
﴿ يَكْفُلُ ﴾ أي يَضُمّ.
﴿ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ ﴾ : الرسالة، هو ما أوحَى الله به إلى الملائكة في أن يجعل لمريم ولداً.
﴿ وَجِيهاً ﴾ الوَجِيه : الذي يشرف، ويكون له وجه عند الملوك.
﴿ اْلأكْمَه ﴾ : الذي يولد من أمه أعمى، قال رؤبة :
وكَيْدِ مَطَّالٍ وَخَصْمٍ مِنْدَهٍ هَرَّجْتُ فَارْتدَّ ارْتِدَادَ اْلأكْمَهِ
هرّجته حتى هَرَج، مثل هَرَج الحرّ.
﴿ وَلأحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ﴾ بعض يكون شيئاً من الشيء، ويكون كلَّ الشيء، قال لبيد بن ربيعة :
تَراكُ أمكنةٍ إذا لم أَرْضَهَا أو يَعتِلقْ بعضَ النفوسِ حمامُها
فلا يكون الحمامَ ينزل ببعض النفوس، فيُذهب البعضَ، ولكنه يأتى على الجميع.
﴿ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ ﴾ أي عرف منهم الكفر.
﴿ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إلَى اللهِ ﴾ أي مَن أعْواني في ذات الله.
﴿ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ ﴾ : صفوة الأنبياء الذين اصطفوهم، وقالوا : القصّارون ؛ والحواريات : من النساء اللاتى لا ينزلن البادية، وينزلن القُرَى، قال الحادي :
لما تَضمَّنتِ الحوَاريَّات
وقال أبو جَلْدَة اليَشْكُرِىّ :
وقُلْ لِلْحَواريات تبكين غيرَنا ولا تبكنا إلاَّ الِكلابُ النوابحُ
﴿ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ ﴾ : أهلكهم الله.
﴿ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ : أي هم عند الله خير من الكفار.
﴿ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ : الكافرين.
﴿ فَيَكُونُ. الْحَقُّ مِنْ رَبَكَ { ٥٩، ٦٠ ﴾ : انقضى الكلام الأول، واستأنف فقال :﴿ الحقُّ مِنْ رَبِّكَ. فَلاَ تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ أي الشّاكِّين.
﴿ ثمَّ نَبْتَهِلْ ﴾ أي نَلْتعن ؛ يقال : ماله بهَلَه اللهُ، ويقال : عليه بهْلَةُ الله ؛ والناقة باهلٌ وباهلة، إذا كانت بغير صِرارٍ، والرجل باهل، إذا لم يكن معه عصاً ؛ ويقال : أبهلتُ ناقتى، تركتُها بغير صِرَارٍ.
﴿ إنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُ ﴾ أي الخبر اليقين.
﴿ فإنْ تَوَلَّوْا ﴾ : فإن كفروا، وتركوا أمر الله.
﴿ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ﴾ أي النِّصف، يقال : قد دعاك إلى السواء فاقبلْ منه.
﴿ إلَى كَلِمَةٍ ﴾ مفسرة بعد ﴿ أن لاَ نَعبُدَ إلاّ اللهَ، وَلاّ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً ﴾ بهذه الكلمة التي دعاهم إليها.
﴿ لمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ ﴾ : بكتب الله.
﴿ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ﴾ أي تعرفون.
﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ ﴾ أي لم تَخْلِطون، يقال : لبَست عليّ أمرك.
﴿ وَجْهَ النّهَارِ ﴾ أوله، قال ربيع بن زياد العَبْسِي :
مَن كان مسروراً بمَقْتَل مالكٍ فليأتِ نِسوتَنا بوجهِ نهارِ
كقولك : بصدر نهار.
﴿ وَلاَ تُؤْمِنُوا إلا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ ﴾ : لا تُقِرُّوا : لا تصدِّقوا.
﴿ إّلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائماً ﴾ يقول : ما لم تفارقه.
﴿ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ ﴾ أي لا نصيب لهم.
﴿ وَلاَ يُزَكِّيِهْم ﴾ لا يكونون عنده كالمؤمنين.
﴿ يَلْوُونَ ألْسِنَتَهُمْ بالْكِتَابِ ﴾ أي يقلبونه ويُحرِّفونه.
﴿ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيينَ ﴾ : لم يعرفوا ربانيين.
﴿ عَلَى ذَلِكمُ إِصْرِي ﴾ أي عهدي.
﴿ فَمَنِ افتَرَى عَلَى اللهِ الكَذِبَ ﴾ أي اختلق.
﴿ لَلّذِي ببَكَّةَ ﴾ : هي اسم لبطن مكةَ، وذلك لأنهم يتباكّون فيها ويزدحمون.
﴿ تَبْغُوَنهَا عِوَجاً ﴾ : مكسورة الأول، لأنه في الدِّين، وكذلك في الكلام والعمل ؛ فإذا كان في شيء قائمٍ نحو الحائط، والجِذع : فهو عَوَج مفتوح الأول.
﴿ وَأنْتُمْ شُهَدَاءُ ﴾ أي علماء به.
﴿ عَلَى شَفَا حُفْرةٍ ﴾ أي حرفٍ مثل شَفا الرَّكِيّة وحروفها. ﴿ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ﴾ ترك ﴿ شَفَا ﴾، ووقع التأنيث على ﴿ حفرة ﴾ وتصنع العرب مثل هذا كثيراً، قال جرير :
رَأَتْ مَرَّ السنين أخذن منِي كما أَخذ السِّرَارُ من الهِلاَلِ
وقال العّجاج :
طَولُ الليالِي أسرعتْ في نَقْضِى ***طَوَيْنَ طُولِى وطَوَيْنَ عَرْضِي
﴿ وَلتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الخَيْرِ ﴾، و " كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ }، أما قوله :﴿ إنَّ إبرَهِيمَ كَانَ أُمَّةً قانتاً ﴾ ﴿ ١٦/ ١٢٠ ﴾ أي كان إماماً مُطيعاً، ويقال أنت أُمَّة في هذا الأمر، أي يُؤتم بك. ﴿ وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ ﴾ ﴿ ١٢ /٤٥ ﴾ : بعد قرن، ويقال :﴿ بَعْد أَمَهٍ ﴾ أي نسيان، نسيتُ كذا وكذا : أي أمِهْتُ، وأنا آمَهُهُ، ويقال : هو ذو أمِهٍ. مكسور الميم، وبعُضهم يقول : ذو أُمَّةٍ بمعنًى واحد، أي ذو دين واستقامة ؛ وكانوا بأمةٍ وبإمة، أي استقامة من عيشهم، أي دَوْم منه ؛ ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّة ﴾ أي جماعة ؛ وهو أمَّةٌ على حِدة، أي واحد، ويقال : يُبعَث زيد بن عمرو ابن نُفَيل أمةً وحده، وقال النابغة في أُمة وإِمَّةٍ، معناه الدِّين والإستقامة :
وهل يأثمَنْ ذو أمة وهو طائعُ ***
ذو أمة : بالرّفع والكسر، والمعنى الدِّين، والاستقامة.
﴿ فأمّا الذِينَ اسوَدَّتْ وُجُوههم أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ ﴾ : العرب تختصر لعلم المخاطَبُ بما أريد به، فكأنه خرج مَخرج قولك : فأما الذين كفروا فيقول لهم : أكفرتم، فحذف هذا واختُصر الكلام، وقال الأَسَدِيّ :
كذبتم وبيتِ اللهِ لا تُنكِحُونها بَنِي شابَ قَرْناها تَصُرّ وتَحْلُبُ
أراد : بنى التي شاب قرناها، وقال النابغة الذيبانيّ :
كأنكَ مِن جمال بني أُقَيْشٍ يُقَعْقَع خَلفَ رجْلَيه بشنّ
بني أقَيْشٍ : حَيٌّ من الجن، أراد : كأنك جمل يقعقع خلف الجمل بشنّ، فألقى الجمل، ففُهم عنه ما أراد.
﴿ تِلْكَ آياتُ اللهِ نتْلُوهَا عَلَيْكَ بالْحَقِّ ﴾ أي عجائب الله، ﴿ نتلوها ﴾ : نقصُّهَا.
﴿ إلاَّ بحَبْلِ مِنَ اللهِ ﴾ : إلا بعهد من الله، قال الأعشى :
وَإذا تجوّزُها حِبالُ قبيلَةٍ أخذتْ من الأخرى إليكَ حبالهَا
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٤:﴿ وَلتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الخَيْرِ ﴾، و " كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ }، أما قوله :﴿ إنَّ إبرَهِيمَ كَانَ أُمَّةً قانتاً ﴾ ﴿ ١٦/ ١٢٠ ﴾ أي كان إماماً مُطيعاً، ويقال أنت أُمَّة في هذا الأمر، أي يُؤتم بك. ﴿ وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ ﴾ ﴿ ١٢ /٤٥ ﴾ : بعد قرن، ويقال :﴿ بَعْد أَمَهٍ ﴾ أي نسيان، نسيتُ كذا وكذا : أي أمِهْتُ، وأنا آمَهُهُ، ويقال : هو ذو أمِهٍ. مكسور الميم، وبعُضهم يقول : ذو أُمَّةٍ بمعنًى واحد، أي ذو دين واستقامة ؛ وكانوا بأمةٍ وبإمة، أي استقامة من عيشهم، أي دَوْم منه ؛ ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّة ﴾ أي جماعة ؛ وهو أمَّةٌ على حِدة، أي واحد، ويقال : يُبعَث زيد بن عمرو ابن نُفَيل أمةً وحده، وقال النابغة في أُمة وإِمَّةٍ، معناه الدِّين والإستقامة :
وهل يأثمَنْ ذو أمة وهو طائعُ ***
ذو أمة : بالرّفع والكسر، والمعنى الدِّين، والاستقامة.

﴿ وَبَاءوا بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ﴾ أي أحرزوه وبانوا به.
﴿ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِم المَسْكَنَةُ ﴾ : أي أُلزِمُوا المسكنة.
﴿ لَيْسُوا سَوَءاً منْ أَهْلِ الكِتَابِ أمّةٌ قَائمةٌ ﴾ : العرب تجوّز في كلامهم مثل هذا أن يقولوا : أكلوني البراغيثُ، قال أبو عبيدة : سمعتُها من أبي عمرو والهذلي في منطقه، وكان وجْهُ الكلام أن يقول : أكلني البراغيث. وفي القرآن :﴿ عَمُوا وصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ ﴾ : وقد يجوز أن يجعله كلامين، فكأنك قلت :﴿ ليسوا سواءً من أهل الكتاب ﴾، ثم قلتَ :﴿ أُمَّةٌ قَائمةٌ ﴾، ومعنى ﴿ قَائمة ﴾ مستقيمة.
﴿ آناءَ اللَّيْلِ ﴾ : ساعاتِ الليل، واحدُها ﴿ إنْيٌ ﴾، تقديرها :﴿ جِثْىٌ ﴾، والجميع ﴿ أجْثاء ﴾، قال أبو أثَيْلة :
حُلْوٌ ومُرٌّ كعِطْف القِدْح مِرَّته في كل إنْيٍ قضَاه الليلُ يَنتعلُ
﴿ كمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ﴾ : الصّر : شدة البرد، وعصوفٌ من الريح.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِن دُونِكُمْ ﴾ : البِطَانة : الدُّخلاء من غيركم.
﴿ لا يَألُوَنكُمْ خَبَالاً ﴾ أي لا تألوكم هذه البطانة خبالاً، أي شّراً.
﴿ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ ﴾ أي الأعلام.
﴿ إنَّ الله عَليمٌ بِذَات الصُّدُورِ ﴾ أي بما في الصدور.
﴿ مِن أَهْلِكَ تُبَوِّئُ المُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ للقِتَالِ ﴾ : مُتّخِذاً لهم مصافاً مُعَسكراً.
﴿ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ مِن المَلاَئِكَةِ مُسَوَّمِينَ ﴾ أي مُعْلَمين. هو مِن المُسَوَّم الذي له سِيماء بعمامة أو بصوفة أو بما كان.
﴿ لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِن الذِينَ كَفَرُوا ﴾ أي ليهلك الذين كفروا.
﴿ أو يَكْبِتَهُمْ ﴾ تقول العرب : كبتَه الله لوجهه : أي صرَعه الله.
﴿ قَدْ خَلَتْ ﴾ : قد مضت، ﴿ سُنَنٌ ﴾ أي أعلامٌ.
﴿ وَلاَ تَهِنُوا ﴾ أي لا تَضْعفوا، هو من الوَهن.
﴿ إنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ ﴾، القَرْح : الجراح، والقتل.
﴿ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أعْقَابِكُمْ ﴾ : كل مَن رجع عما كان عليه، فقد رجع على عقبيه.
﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أنْ تَمُوتَ ﴾ معناها : ما كانت نفسِ لتَموتَ إلاَّ بإذن الله.
﴿ رِبِّيُّون ﴾ الرِّبِّيُّون : الجماعة الكثيرة، والواحد منها رِبِّي.
﴿ وإسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا ﴾ : تفريطنا.
﴿ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً ﴾ أي بياناً.
﴿ إذْ تَحُسُّونَهم ﴾ : تستأصلونهم قَتْلاً، يقال : حسسناهم من عند آخرهم، أي استأصلناهم، قال رؤبة :
إذا شكَوْنا سَنَةً حَسوسا تأكلُ بَعْدَ الأخضرِ اليَبيِسَا
﴿ ثُمَّ صَرَفكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ﴾ أي ليبلوكم : ليختبركم، ويكون ﴿ ليبتليكم ﴾ بالبلاء.
﴿ إذْ تُصْعِدُونَ ﴾ في الأرض، قال الحادي :
قد كنتِ تبكين على الإصعادِ فاليوم سُرّحتِ وصاحَ الحادي
وأصل ﴿ الإصعاد ﴾ الصعود في الجبل، ثم جعلوه في الدَّرَج، ثم جعلوه في الإرتفاع في الأرض، أصعد فيها : أي تباعد.
﴿ أُخْرَاكُمْ ﴾ آخِركم.
جاء موضع رفعٍ :﴿ وَطائِفةُ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أنْفُسهُمْ ﴾ ولو نصبتَ على الأول إذ كانت مفعولاً بها لجازت إن شاء الله، كقولك : رأيت زيداً، وزيداً أعطاه فلان مالاً، ومثلُها في القرآن :﴿ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالميِنَ أَعَدَّ لَهمُ عَذَاباً أَلِيماً ﴾ فنصب ﴿ الظالمين ﴾ بنصب الأول على غير معنى : " يُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ".
﴿ ضَرَبُوا فِي اْلأَرْضِ ﴾ يقال : ضربتُ في الأرض : أي تباعدتُ.
﴿ أَوْ كَانُوا غُزّىً ﴾ لا يدخلها رفع ولا جرّ لأن واحدها : غازٍ، فخرجت مخرج قائل وقُوَّل، فُعَّل، وقال رؤبة :
وقُوَّلٍ إلاَّ دَهِ فلا دَهِ ***
يقول : إن لم يكن هذا فلا ذا. ومثل هذا قولهم : إن لم تتركه هذا اليوم فلا تتركه أبداً، وإن لم يكن ذاك الآن لم يكن أبداً.
﴿ حَسْرَةً ﴾ الحسرة : الندامة.
﴿ فَبمِا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ ﴾ : أعملْتَ الباء فيها فجررتَها بها كما نصبت هذه الآية :﴿ إنَّ الله لاَ يَسْتَحْيى أنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضةً ﴾.
﴿ لاَ نْفَضُّوا مِن حَوْلِكَ ﴾ أي تفرَّقوا على كل وجه.
﴿ فَإذَا عَزَمْتَ ﴾ أي إذا أجمعتَ.
﴿ وَمَا كَانَ لنَبِيٍّ أنْ يُغَلَّ ﴾ : أن يُخان.
﴿ هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللهِ ﴾ أي هم مَنَازلُ، معناها : لهم دَرَجات عند الله، كقولك : هم طبقات، قال ابن هَرْمة :
أرَجْماً لِلمَنُونِ يَكونُ قَوْمِي لرِيبِ الدَّهر أم دَرَجُ السُيُولِ
تفسيرها : أم هُم على درج السيول. ويقال للدرجة التي يصعَد عليها : دَرَجة، وتقديرها : قَصَبة، ويقال لها أيضاً : دُرَجة.
﴿ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ أي إنكم أذنبتم فعُوقبتم.
﴿ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً ﴾ أي لو نعرف قتالا.
﴿ فَادْرَءُوا عَنْ أنْفُسِكُمْ ﴾ أي ادفعوا عن أنفسكم.
﴿ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ ﴾ أي بل هم أحياء.
﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمعُوا لَكُمْ ﴾ : وقع المعنى على رجل واحد، والعرب تفعل ذلك، فيقول الرجل : فعلنا كذا وفعلنا، وإنما يعنى نفسه، وفي القرآن :﴿ إنَّا كُلَّ شَيءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ والله هُوَ الخالق.
﴿ يُرِيدُ اللهُ أنْ لاَ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً ﴾ أي نصيباً.
﴿ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أنَّ مَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لأنْفُسِهِمْ ﴾ : ألف ﴿ أن ﴾ مفتوحة، لأن ﴿ يحسبن ﴾ قد عمِلت فيها، ﴿ وما ﴾ : في هذا الموضع بمعنى ﴿ الذي ﴾ فهو اسم، والمعنى من الإملاء ومن الإطالة، ومنها قوله :﴿ واهْجُرْني مَلِيّاً ﴾ : أي دهراً ؛ وتمليت حبيبك ؛ والمَلَوَان : النهار والليل كما ترى، قال ابن مُقْبِل :
ألا يا دِيارَ الحَيّ بالسَّبُعانِ *** أمَلَّ عليها بالبِلَى المَلَوَانِ
يعنى الليل والنهار، و " أملّ عليها بالبلى } : أي رجع عليها حتى أبلاها، أي طال عليها، ثم أستأنفتَ الكلام فقلت :﴿ إنّمَا تمَلي لهُمْ ليزْدَادُوا إثماً ﴾ فكسرتَ ألف ﴿ إنما ﴾ للابتداء فإنما أبقيناهم إلى وقت آجالهم ليزدادوا إثماً ؛ وقد قيل في الحديث : المَوْتُ خيْرٌ لِلُمْؤِمن لِلنَّجَاةِ مِن الفِتْنةِ، وَالمَوْتُ خيرٌ لِلكَافِرِ لِئَلاَّ يزْدَادَ إثماً.
﴿ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ : فذلك من الهَوَان.
﴿ يَجْتِبي مِن رُسُلِهِ ﴾ : يختار.
﴿ وَلاَ يَحْسَبنَّ الّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا أتَاهُمُ الله مِنْ فَضلِهِ هُوَ خيْراً لَهمُ ﴾ : انتَصَب، ولم تَعمل ﴿ هو ﴾ فيه، وكذلك كل ما وقفتَ فيه فلم يتمَّ إّلا بخبر نحو : ما ظننتُ زيداً هو خيراً منك، وإنما نصبتَ ﴿ خيراً ﴾، لأنك لا تقول : ما ظننت زيداً، ثم تسكت ؛ وتقول : رأيت زيداً فيتم ﴿ الكلام ﴾، فلذلك قلت : هو خير منك فرفعتَ وقد يجوز في هذا النصبُ.
﴿ سَيُطوَّقُونَ ﴾ : يُلزَمون، كقولك طوَّقته الطوقَ.
﴿ سَيُكْتَبُ مَا قَالُوا ﴾ : سيُحْفَظ.
﴿ عَذَابَ الْحَرِيق ﴾ : النارُ اسم جامع ؛ تكون ناراً وهي حريق وغير حريقٍ، فإذا التَهبت فهي حريق.
﴿ إنَّ اللهَ عَهِدَ إلَيْنَا ﴾ : أمرنا، ﴿ أَلاَّ نُؤمِنَا لِرَسُولٍ ﴾ : أن لا نَدِين له فنقرَّ به.
﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقةُ المَوْتِ ﴾ : أي ميّتة، قال :
الموتُ كأسٌ والمَرْء ذائقُها في هذا الموضع شاربها.
﴿ فنَبَذُوه وَراءَ ظُهُورِهم ﴾ أي لم يلتفتوا إليه يقال : نبذتَ حاجتي خلف ظهرك، إذا لم يلتفت إليها، قال أبو الأسْود الدُّؤَلِيّ :
نظَرْتَ إلى عنوانه فنَبذتُه كنبذك نَعْلاً أخلقت مِن نِعالكا
﴿ بِمَفَازَةٍ مِن العَذَاب ﴾ : أي تزَحْزُحٍ زِحْزَحٍ بعيدٍ.
﴿ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَاْلأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً ﴾ : العرب تختصر الكلام ليخففوه لعلم المستمع بتمامه فكأنه في تمام القول : ويقولون : ربنا ما خلقتَ هذا باطلا.
﴿ يُنَادِىِ لْلإِيمانِ ﴾ أي ينادى إلى الإيمان، ويجوز : إننا سمعنا منادياً للإِيمان ينادى.
﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَني لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ ﴾ : فتحت ألف ﴿ أن ﴾ لأنك أعملتَ ﴿ فاستجاب لهم ربهم بذلك، ولو كان مختصراً على قولك. وقال إني لا أضيع أجْرَ العامِلين فكسرت الألف. { لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ﴾ ﴿ لأذهبنّها عنهم أي لأمحونَّها عنهم ؛ { فاستجاب لهم ﴾ أي أجابهم، وتقول العرب : استجبتك، في معنى استجبت لك، قال الغَنَوِيّ :
وداعٍ دعا يا مَن يُجيب إلى النَّدَى فلم يستجبه عند ذاك مُجيبُ
﴿ نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ ﴾ أي ثواباً، ويجوز مُنْزَلاً من عند الله من قولك : أنزلتُه منزلاً.
﴿ وَرَابِطُوا ﴾ أي اثْبتُوا ودُوموا، قال الأخطل :
ما زال فينا رِباطُ الخيل مُعْلَمةً وفي كُلَيْبٍ رِباطُ الُّلوم والعارِ
سورة آل عمران
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

اتصَلتْ سورةُ (آلِ عِمْرانَ) من حيث الفضلُ بسورةِ (البقرة)؛ فقد وصَفهما الرسولُ ﷺ بـ (الزَّهْراوَينِ)؛ لِما احتوتا عليه من نورٍ وهداية.

وجاءت هذه السُّورةُ ببيانِ هداية هذا الكتابِ للناس، متضمِّنةً الحوارَ مع أهل الكتاب، مُحاجِجَةً إياهم في صِدْقِ هذا الدِّين وعلوِّه على غيره، مبرهنةً لصِدْقِ النبي ﷺ بهذه الرسالة، وهَيْمنةِ هذا الدِّينِ على غيره، ونَسْخِه للأديان الأخرى؛ فمَن ابتغى غيرَ الإسلام فأمرُه ردٌّ غيرُ مقبولٍ، كما أشارت إلى غزوةِ (أُحُدٍ)، وأمرِ المسلمين بالثَّبات على هذا الدِّين.

ترتيبها المصحفي
3
نوعها
مدنية
ألفاظها
3501
ترتيب نزولها
89
العد المدني الأول
200
العد المدني الأخير
200
العد البصري
200
العد الكوفي
200
العد الشامي
200

* قوله تعالى: {إِنَّ اْلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اْللَّهِ وَأَيْمَٰنِهِمْ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَٰٓئِكَ لَا خَلَٰقَ لَهُمْ فِي اْلْأٓخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اْللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ اْلْقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٞ} [آل عمران: 77]:

ورَد عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ - رضي الله عنه -، عن النبيِّ ﷺ، قال: «مَن حلَفَ على يمينٍ يقتطِعُ بها مالَ امرئٍ مسلمٍ، وهو فيها فاجرٌ: لَقِيَ اللهَ وهو عليه غضبانُ»، ثم أنزَلَ اللهُ تصديقَ ذلك: {إِنَّ اْلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اْللَّهِ وَأَيْمَٰنِهِمْ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَٰٓئِكَ لَا خَلَٰقَ لَهُمْ فِي اْلْأٓخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اْللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ اْلْقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٞ} [آل عمران: 77]، ثم إنَّ الأشعَثَ بنَ قيسٍ خرَجَ إلينا، فقال: ما يُحدِّثُكم أبو عبدِ الرَّحمنِ؟ قال: فحدَّثْناه، قال: فقال: صدَقَ؛ لَفِيَّ نزَلتْ، كانت بيني وبين رجُلٍ خصومةٌ في بئرٍ، فاختصَمْنا إلى رسولِ اللهِ ﷺ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «شاهِدَاكَ أو يمينُهُ»، قلتُ: إنَّه إذًا يَحلِفُ ولا يُبالي، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «مَن حلَفَ على يمينٍ يستحِقُّ بها مالًا، وهو فيها فاجرٌ: لَقِيَ اللهَ وهو عليه غضبانُ»، ثم أنزَلَ اللهُ تصديقَ ذلك، ثم اقترَأَ هذه الآيةَ: {إِنَّ اْلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اْللَّهِ وَأَيْمَٰنِهِمْ ثَمَنٗا قَلِيلًا} إلى قوله: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٞ} [آل عمران: 77]. أخرجه البخاري (٢٣٥٦).

* قوله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اْللَّهُ قَوْمٗا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَٰنِهِمْ وَشَهِدُوٓاْ أَنَّ اْلرَّسُولَ حَقّٞ وَجَآءَهُمُ اْلْبَيِّنَٰتُۚ وَاْللَّهُ لَا يَهْدِي اْلْقَوْمَ اْلظَّٰلِمِينَ ٨٦ أُوْلَٰٓئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اْللَّهِ وَاْلْمَلَٰٓئِكَةِ وَاْلنَّاسِ أَجْمَعِينَ ٨٧ خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ اْلْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ ٨٨ إِلَّا اْلَّذِينَ تَابُواْ مِنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ اْللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} [آل عمران: 86-89]:

صحَّ عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ - رضي الله عنهما -، قال: «كان رجُلٌ مِن الأنصارِ أسلَمَ، ثم ارتَدَّ ولَحِقَ بالشِّرْكِ، ثم نَدِمَ، فأرسَلَ إلى قومِه: سَلُوا رسولَ اللهِ ﷺ: هل لي مِن توبةٍ؟ فجاء قومُهُ إلى رسولِ اللهِ ﷺ، فقالوا: إنَّ فلانًا قد نَدِمَ، وإنَّه قد أمَرَنا أن نسألَك: هل له مِن توبةٍ؟ فنزَلتْ: {كَيْفَ يَهْدِي اْللَّهُ قَوْمٗا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَٰنِهِمْ} [آل عمران: 86] إلى {غَفُورٞ رَّحِيمٌ} [آل عمران: 89]، فأرسَلَ إليه قومُهُ، فأسلَمَ». أخرجه النسائي (٤٠٧٩).

* قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ءَايَٰتُ اْللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُۥۗ وَمَن يَعْتَصِم بِاْللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسْتَقِيمٖ ١٠١ يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ اْتَّقُواْ اْللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ١٠٢ وَاْعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اْللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ وَاْذْكُرُواْ نِعْمَتَ اْللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِۦٓ إِخْوَٰنٗا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٖ مِّنَ اْلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَاۗ} [آل عمران: 101-103]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ - رضي الله عنهما -، قال: «كان الأَوْسُ والخَزْرجُ يَتحدَّثون، فغَضِبوا، حتى كان بينهم حربٌ، فأخَذوا السِّلاحَ بعضُهم إلى بعضٍ؛ فنزَلتْ: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ءَايَٰتُ اْللَّهِ} [آل عمران: 101] إلى قوله تعالى: {فَأَنقَذَكُم مِّنْهَاۗ} [آل عمران: 103]. "المعجم الكبير" للطبراني (١٢٦٦٦).

* قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ اْلْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَٰلِمُونَ} [آل عمران: 128]:

صحَّ عن أبي هُرَيرةَ - رضي الله عنه - أنَّه قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يقولُ حين يفرُغُ مِن صلاةِ الفجرِ مِن القراءةِ ويُكبِّرُ ويَرفَعُ رأسَه: «سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَه، ربَّنا ولك الحمدُ»، ثم يقولُ وهو قائمٌ: «اللهمَّ أنْجِ الوليدَ بنَ الوليدِ، وسلَمةَ بنَ هشامٍ، وعيَّاشَ بنَ أبي ربيعةَ، والمستضعَفِينَ مِن المؤمنين، اللهمَّ اشدُدْ وَطْأتَك على مُضَرَ، واجعَلْها عليهم كَسِنِي يوسُفَ، اللهمَّ العَنْ لِحْيانَ، ورِعْلًا، وذَكْوانَ، وعُصَيَّةَ؛ عصَتِ اللهَ ورسولَه»، ثم بلَغَنا أنَّه ترَكَ ذلك لمَّا أُنزِلَ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإنَّهُمْ ظالِمُونَ}». أخرجه مسلم (675).

وعن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أنَّه سَمِعَ رسولَ اللهِ ﷺ إذا رفَعَ رأسَه مِن الرُّكوعِ مِن الركعةِ الآخِرةِ مِن الفجرِ يقولُ: «اللهمَّ العَنْ فلانًا وفلانًا وفلانًا» بعدما يقولُ: «سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَه، ربَّنا ولك الحمدُ»؛ فأنزَلَ اللهُ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ اْلْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَٰلِمُونَ} [آل عمران: 128]. أخرجه البخاري (٤٠٦٩).

* قوله تعالى: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنۢ بَعْدِ اْلْغَمِّ أَمَنَةٗ نُّعَاسٗا يَغْشَىٰ طَآئِفَةٗ مِّنكُمْۖ وَطَآئِفَةٞ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ} [آل عمران: 154]:

عن أنسِ بن مالكٍ - رضي الله عنه -، أنَّ أبا طَلْحةَ قال: «غَشِيَنا النُّعَاسُ ونحن في مَصافِّنا يومَ أُحُدٍ، قال: فجعَلَ سيفي يسقُطُ مِن يدي وآخُذُه، ويسقُطُ وآخُذُه؛ وذلك قولُه عز وجل: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنۢ بَعْدِ اْلْغَمِّ أَمَنَةٗ نُّعَاسٗا يَغْشَىٰ طَآئِفَةٗ مِّنكُمْۖ وَطَآئِفَةٞ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ} [آل عمران: 154]، والطائفةُ الأخرى: المنافقون، ليس لهم إلا أنفسُهم؛ أجبَنُ قومٍ وأرعَبُهُ، وأخذَلُهُ للحقِّ». أخرجه البخاري (٤٠٦٨).

* قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ اْلْقِيَٰمَةِۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٖ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [آل عمران: 161]:

صحَّ عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ - رضي الله عنهما - أنَّه قال: «نزَلتْ هذه الآيةُ: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ} في قَطيفةٍ حَمْراءَ فُقِدتْ يومَ بدرٍ، فقال بعضُ الناسِ: لعلَّ رسولَ اللهِ - ﷺ - أخَذَها؛ فأنزَلَ اللهُ: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ اْلْقِيَٰمَةِۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٖ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [آل عمران: 161]». أخرجه أبو داود (٣٩٧١).

* قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اْلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اْللَّهِ أَمْوَٰتَۢاۚ بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169]:

عن مسروقٍ، قال: سأَلْنا عبدَ اللهِ - هو ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه - عن هذه الآيةِ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اْلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اْللَّهِ أَمْوَٰتَۢاۚ بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}، قال: «أمَا إنَّا قد سأَلْنا عن ذلك، فقال: أرواحُهم في جوفِ طيرٍ خُضْرٍ، لها قناديلُ معلَّقةٌ بالعرشِ، تَسرَحُ مِن الجَنَّةِ حيث شاءت، ثم تَأوي إلى تلك القناديلِ، فاطَّلَعَ إليهم ربُّهم اطِّلاعةً، فقال: هل تشتهون شيئًا؟ قالوا: أيَّ شيءٍ نشتهي ونحن نَسرَحُ في الجَنَّةِ حيث شِئْنا؟! ففعَلَ ذلك بهم ثلاثَ مرَّاتٍ، فلمَّا رأَوْا أنَّهم لن يُترَكوا مِن أن يَسألوا، قالوا: يا ربُّ، نريدُ أن ترُدَّ أرواحَنا في أجسادِنا؛ حتى نُقتَلَ في سبيلِك مرَّةً أخرى، فلمَّا رأى أنْ ليس لهم حاجةٌ، تُرِكوا». أخرجه مسلم (١٨٨٧).

سُمِّيتْ (آلُ عِمْرانَ) بهذا الاسم لذِكْرِ (آلِ عِمْرانَ) فيها، وثبَت لها اسمٌ آخَرُ؛ وهو (الزَّهْراءُ):

لِما جاء في حديث أبي أُمامةَ الباهليِّ رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رسولَ الله ﷺ يقولُ: «اقرَؤُوا الزَّهْراوَينِ: البقرةَ، وسورةَ آلِ عِمْرانَ». أخرجه مسلم (804).

يقول ابنُ منظورٍ: «والزَّهْراوانِ: أي: المُنِيرتانِ المُضِيئتانِ، واحدتها: زَهْراءُ». لسان العرب (4 /332).

وقد عدَّ بعضُ العلماء أنَّ ذِكْرَ (الزَّهْراوانِ) في هذا الحديثِ هو من بابِ الوصف، لا التسمية. انظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (3 /143)، "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (1 /20).

* تُحاجُّ عن صاحبِها:

صحَّ عن أبي أُمامةَ الباهليِّ رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: «اقرَؤُوا القرآنَ؛ فإنَّه يأتي يومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابِه؛ اقرَؤُوا الزَّهْراوَينِ: البقرةَ، وسورةَ آلِ عِمْرانَ؛ فإنَّهما تأتيانِ يومَ القيامةِ كأنَّهما غَمَامتانِ، أو كأنَّهما غَيَايتانِ، أو كأنَّهما فِرْقانِ مِن طيرٍ صوافَّ، تُحاجَّانِ عن أصحابِهما، اقرَؤُوا سورةَ البقرةِ؛ فإنَّ أَخْذَها برَكةٌ، وتَرْكَها حَسْرةٌ، ولا تستطيعُها البَطَلةُ». أخرجه مسلم (804).

* كان يعظُمُ بين الصحابةِ قارئُ سورةِ (آلِ عِمْرانَ):

فعن أنسٍ رضي الله عنه، قال: «كان الرَّجُلُ إذا قرَأ البقرةَ وآلَ عِمْرانَ، جَدَّ فينا - يعني: عظُمَ -»، وفي روايةٍ: «يُعَدُّ فينا عظيمًا»، وفي أخرى: «عُدَّ فينا ذا شأنٍ». أخرجه أحمد (12236).

* ورَدتْ قراءتُه ﷺ لسورة (آل عِمْران) في قيام الليل:

فعن حُذَيفةَ بن اليمانِ رضي الله عنهما، قال: «صلَّيْتُ مع رسولِ اللهِ ﷺ ذاتَ ليلةٍ، فاستفتَحَ بسورةِ البقرةِ، فقرَأَ بمائةِ آيةٍ لم يَركَعْ، فمضى، قلتُ: يَختِمُها في الرَّكعتَينِ، فمضى، قلتُ: يَختِمُها ثم يَركَعُ، فمضى حتى قرَأَ سورةَ النِّساءِ، ثم قرَأَ سورةَ آلِ عِمْرانَ، ثم ركَعَ نحوًا مِن قيامِهِ، يقولُ في ركوعِهِ: سبحانَ ربِّيَ العظيمِ، سبحانَ ربِّيَ العظيمِ، سبحانَ ربِّيَ العظيمِ، ثم رفَعَ رأسَهُ، فقال: سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَه، ربَّنا لك الحمدُ، وأطال القيامَ، ثم سجَدَ، فأطال السُّجودَ، يقولُ في سجودِهِ: سبحانَ ربِّيَ الأعلى، سبحانَ ربِّيَ الأعلى، سبحانَ ربِّيَ الأعلى، لا يمُرُّ بآيةِ تخويفٍ أو تعظيمٍ للهِ عز وجل إلا ذكَرَهُ». أخرجه النسائي (١١٣٢).

* كان النبيُّ ﷺ يَقرأُ خواتمَها منتصَفَ الليلِ عندما يستيقظُ مِن نومِه:

فممَّا صحَّ عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما: أنَّه باتَ عند مَيْمونةَ زَوْجِ النبيِّ ﷺ - وهي خالتُهُ -، قال: «فاضطجَعْتُ في عَرْضِ الوِسادَةِ، واضطجَعَ رسولُ اللهِ ﷺ وأهلُهُ في طُولِها، فنامَ رسولُ اللهِ ﷺ حتى انتصَفَ الليلُ - أو قَبْله بقليلٍ، أو بعده بقليلٍ -، ثم استيقَظَ رسولُ اللهِ ﷺ، فجعَلَ يَمسَحُ النَّوْمَ عن وجهِهِ بيدَيهِ، ثم قرَأَ العَشْرَ الآياتِ الخواتِمَ مِن سُورةِ آلِ عِمْرانَ، ثم قامَ إلى شَنٍّ معلَّقةٍ، فتوضَّأَ منها، فأحسَنَ وُضُوءَهُ، ثم قامَ يُصلِّي، فصنَعْتُ مِثْلَ ما صنَعَ، ثُمَّ ذهَبْتُ فقُمْتُ إلى جَنْبِهِ، فوضَعَ رسولُ اللهِ ﷺ يَدَهُ اليُمْنى على رَأْسي، وأخَذَ بأُذُني بيدِهِ اليُمْنى يَفتِلُها، فصلَّى ركعتَينِ، ثم ركعتَينِ، ثم ركعتَينِ، ثم ركعتَينِ، ثم ركعتَينِ، ثم ركعتَينِ، ثم أوتَرَ، ثم اضطجَعَ حتى جاءه المؤذِّنُ، فقامَ فصلَّى ركعتَينِ خفيفتَينِ، ثم خرَجَ فصلَّى الصُّبْحَ». أخرجه البخاري (٤٥٧١).

جاءت مواضيعُ سورةِ (آل عِمْرانَ) مُرتَّبةً على النحوِ الآتي:

مقدِّمات للحوار مع النَّصارى (١-٣٢).

إنزال الكتاب هدايةً للناس (١-٩).

تحذير الكافرين وحقيقةُ الدنيا (١٠-١٨).

انتقال الرسالة لأمَّة الإسلام (٢٩-٣٢).

اصطفاء الله تعالى لرُسلِه (٣٣-٤٤).

حقيقة عيسى عليه السلام (٤٥-٦٣).

الإسلام هو دِين الحقِّ، وهو دِينُ جميع الأنبياء (٦٤-٩٩).

إبراهيم عليه السلام كان حنيفًا مسلمًا (٦٤-٦٨).

مخاطبة فِرَق أهل الكتاب، وبيان حقائقهم (٦٩-٨٠).

وَحْدة الرسالات، والدِّين الحق هو الإسلام (٨١- ٩٢).

صلة المسلمين بإبراهيم، وافتراء أهل الكتاب (٩٣-٩٩).

بيان خَيْرية هذه الأمَّة، وتحذيرها من أعدائها (١٠٠-١٢٠).

التحذير من الوقوع في أخطاء السابقين (١٠٠-١٠٩).

خيرية هذه الأمَّة وفضلها (١١٠-١١٥).

تحذير الأمَّة من المنافقين (١١٦-١٢٠).

معركة (أُحُد) (١٢١-١٤٨).

مقدِّمات معركة (أُحُد) (١٢١-١٢٩).

أهمية الطاعة ومواعظُ (١٣٠-١٣٨).

تعزية المسلمين، والنهيُ عن الهوان (١٣٩-١٤٨).

دروس مستفادة من الهزيمة (١٤٩-١٨٩).

التحذير من طاعة الأعداء والتنازل (١٤٩-١٥٨).

أهمية الشورى وطاعة الرسول (١٥٩-١٦٤).

أسباب الهزيمة وفوائدها (١٦٥-١٧٩).

تحذير المنافقين والبخلاء (١٨٠-١٨٩).

أولو الألباب يستفيدون من الآيات الكونية (١٩٠-١٩٥).

الأمورُ بخواتيمها (١٩٦-٢٠٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (1 /426).

افتُتِحت السُّورةُ بمقصدٍ عظيمٍ؛ وهو التنويهُ بالقرآن، وبمحمَّدٍ ﷺ، وتقسيمُ آيات القرآن، ومراتبُ الأفهام في تَلقِّيها، والتنويهُ بفضيلة الإسلام، وأنه لا يَعدِله دِينٌ، وأنه لا يُقبَل دِينٌ عند الله بعد ظهور الإسلام غيرُ الإسلام.

ومِن مقاصدِها: مُحاجَّةُ أهلِ الكتابينِ في حقيقة الحنيفيَّة، وأنهم بُعَداءُ عنها، وما أخَذ اللهُ من العهد على الرُّسلِ كلِّهم: أن يؤمنوا بالرسول الخاتم.

واشتملت على أمرِ المسلمين بفضائلِ الأعمال: مِن بذلِ المال في مواساة الأمَّة، والإحسان، وفضائل الأعمال، وتركِ البخل، ومَذمَّةِ الربا.

وخُتِمت السُّورةُ بآياتِ التفكير في ملكوت الله.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (3 /145).