تفسير سورة آل عمران

معاني القرآن

تفسير سورة سورة آل عمران من كتاب معاني القرآن
لمؤلفه الأخفش . المتوفي سنة 215 هـ

أما قوله ﴿ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [ ٢ ] فان ﴿ الْقَيُّومُ ﴾ : " الفَيْعُول " ولكن الياء الساكنة إذا كانت قبل واو متحركة قلبت الواو ياء. وأصله " القَيْوُومُ " و( الدَّيَّانُ ) : " الفَيْعَال " و " الدَّيَّارُ " : " الفَيْعال " وهي من " دَارَ " يَدُورُ " وأصله " الدَيْوارُ " ولكن الواو قلبت ياء.
وأما ﴿ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾ [ ٣ ] فنصب على الحال.
وقال ﴿ هُدىً لِّلنَّاسِ ﴾ [ ٤ ] ف﴿ هُدَىً ﴾ في موضع نصب على الحال ولكن ﴿ هُدَىً ﴾ مقصور فهو متروك على حال واحد.
وقال ﴿ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ [ ٧ ] ولم يقل : " أُمَهاتُ " كما تقول للرجل : " مالِي نَصيرٌ " فيقول : " نَحْنُ نَصِيرُكَ " وهو يشبه " دَعْنِي من تمْرَتان ". قال :[ من الرجز وهو الشاهد الثاني والخمسون بعد المائة ] :
تَعَرَّضْتِ لي بِمَكانٍ حِلِّ تَعَرُّضَ المُهْرَةِ في الطِوَلِّ
* تَعْرُّضاً لَمْ تَأْلُ عَنْ قَتْلا لِي *
فجعله على الحكاية لأنه كان منصوباً قبل ذلك كما ترى، كما تقول : " نُودِيَ " " الصلاةَ الصلاة " " أي : تحكى قوله : " الصلاةَ الصلاةَ " وقال بعضهم : إنَّما هِيَ " أَنْ قَتْلاً لِي " ولكنه جعله عينا [ ٨٢ب ] لأَنَّ مِنْ لُغته في " أَنْ " " عَنْ ". والنصب على الأَمر كأنك قلت : ضَرْباً لزَيْدٍ ".
وقال ﴿ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ﴾ [ ٧ ] لأن " كُلّ " قد يضمر فيها كما قال ﴿ إِِنَّا كُلٌّ فِيهَا ﴾ يريد : كُلُّنا فِيها. ولا تكون " كلّ " مضمرا فيها وهي صفة إنما تكون مضمرا فيها إذا جعلتها اسما [ ف ] لو كان " إِنَّا كُلاَّ فِيها " على الصفة لم يَجُزْ لأن الإضمار فيها ضعيف لا يتمكن في كل مكان.
وقال ﴿ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ ﴾ [ ١١ ] يقول : " كَدَأْبِهِِم في الشَرِّ " من " دَأَبَ " " يَدْأَبُ " " دَأَباً ".
وقال ﴿ قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ ﴾ [ ١٢ ] أي : إنَّكُمْ سَتُغْلَبُون. كما تقول : " قُلْ لِزيد " : " سَوْفَ تَذْهَبُ " أي : إنَّكَ سَوْفَ تَذْهَبُ. وقال بعضهم ﴿ سَيُغْلَبُون ﴾ أي : قل لهم الذي أقول. والذي أقُول لهم " سيُغْلَبُونَ ". وقال ﴿ قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ ﴾ فهذا لا يكون إلا بالياء في القرآن لأنه قال ﴿ يُغْفَرْ لَهُمْ ﴾ ولو كان بالتاء قال ﴿ يُغْفَرْ لَكُم ﴾ وهو في الكلام جائز بالتاء. وتجعلها " لَكُمْ " كما فسرت لك.
وقال ﴿ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ ﴾ ( ١٣ ) على الابتداء رفع كأنه قال " إحداهُما فئةٌ تقاتل في سبيلِ اللّهِ " وقُرِئَت جرا على أول الكلام على البدل وذلك جائز. قال الشاعر :[ من الطويل وهو الشاهد الثالث والخمسون بعد المائة ] :
[ ٨٣ء ] وَكُنْتُ كَذِي رِجْلَيْنِ رِجْلٌ صَحِيحَةٌ وَرِجْلٌ بِها رَيْبٌ مِنَ الحَدَثان
فرفع. ومنهم من يجرّ على البدل ومنهم من يرفع على إحداهما كذا وإحداهما كذا. وقال :[ من الطويل وهو الشاهد الرابع والخمسون بعد المائة ].
[ و ] إنَّ لها جارَيْنِ لَنْ يَغْدرا بها ربيبُ النَبِيِّ وابنُ خَيْرِ الخَلائِفِ
رفع، والنصب على البدل.
وقال تعالى ﴿ هذا[ ذِكْرٌ ]* وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ ﴾ ﴿ جَنَّاتِ عَدْنٍ ﴾ وان شئت جعلت " جنات " على البدل أيضا. وان شئت رفعت على خبر " إنَّ "، أو على " هُنَّ جناتُ " فيبتدئ به. وهذا لا يكون على " إحداهما كذا " لأن ذلك المعنى ليس فيه هذا ولم يقرأ أحد بالرفع. وقال تعالى ﴿ وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ ﴾ فنصب على البدل وقد يكون فيه الرفع على " هُم الجِنّ ". وقال تعالى ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنْسِ ﴾ على البدل ورفع على " هُمْ شَيَاطِينُ " كأنه إذا رفع قيل له، أوْ عُلِمَ أَنه يقال له " ما هُمْ " ؟ أوْ " مَنْ هُمْ " فقال : " هُمْ كَذا وكَذا ". وإذا نصب فكأنه قيل له أو علم أنه يقال له " جَعَلَ ماذا " أو جَعَلُوا ماذا " أو يكون فعلاً واقعاً بالشياطين [ و ] ﴿ عَدُوّاً ﴾ حالا ومثله ﴿ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ﴾ ﴿ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ ﴾ كأنه قيل أو علم ذلك فقال " بناصية " [ ٨٣ب ] وقد يكون فيه الرفع على قوله : " ما هي " فيقول ﴿ نَاصِيَةٌ ﴾ والنصب على الحال. قال الشاعر :[ من البسيط وهو الشاهد الخامس والخمسون بعد المائة ] :
إنّا وَجَدْنا بَنِي جُلاَّنَ كُلَّهُمُ كَسَاعِدِ الضَّبِّ لا طُولٌ وَلا عِظَمُ
على البدل أي ك " لا طول ولا عظم " ومثل الابتداء ﴿ قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذالِكُمُ النَّارُ ﴾.
قالَ تَعالَى ﴿ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ ( ١٤ ) مهموز منها موضع الفاء لأنه من " آبَ " " يَؤوُبُ " وهي معتلة العين مثل " قُلْتَ " تَقُولُ " " والمَفْعَلُ " " مَقال ". تقول : " آبَ " " يَؤوبُ " " إياباً " قال الله تعالى ﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ﴾ وهو الرجوع. قال الشاعر :[ من الطويل وهو الشاهد السادس والخمسون بعد المائة ] :
فَأَلْقَتْ عَصاها وَاسْتَقَرَّ بِها النَّوى كَما قَرَّ عَيْناً بالإِيابِ المُسافِرُ
وأمَّا " الأوّابُ " فهو الراجع إلى الحق وهو من : " آبَ " " يَؤوبُ " [ أيْضاً ]. وأمّا قوله تعالى ﴿ يا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ ﴾ فهو كما يذكرون التسبيح أوْ هو - واللّهُ أَعْلَمُ - مثلُ الأَوَّلِ يقول : " ارْجَعِي إلى الحَقِّ " و " الأوّابُ " الراجعُ إلى الحَقِّ ".
وقوله ﴿ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ﴾ ( ١٥ ) كأنه قيل لهم : " ماذا لهَم " ؟ و " ماذاكَ " ؟ فقيل : " هُوَ كَذا وَكَذَا ". وأمَّا ﴿ بِشَرٍّ مِّن ذلك مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ ﴾ فإنما هو على " أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ حَسَباً " و " بِخَيْرٍ مِنْ ذلك َ حسبا ". وقوله ﴿ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ ﴾ موضع جرّ على البدل من قوله ﴿ بِشَرٍّ ﴾ ورفع على " هُوَ مَنْ لَعَنهُ اللّهُ ".
وقال تعالى ﴿ الصَّابِرِينَ ﴾ ( ١٧ ) [ ٨٤ء ] إلى قوله ﴿ بِالأَسْحَارِ ﴾ ( ١٧ ) موضع جر على ﴿ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ﴾ ( ١٥ ) فجر بهذه اللام الزائدة.
وقال ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ اله إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ ﴾ ( ١٨ ) إنما هُوَ " شَهِدُوا أَنَّهُ لا إلهَ إلاّ هُوَ قائِماً بالقِسْطِ " نصب ﴿ قَائِماً ﴾ على الحال.
وقال ﴿ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياَ بَيْنَهُمْ ﴾ ( ١٩ ) يقول ﴿ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ ﴾ ( ١٩ ) ﴿ بَغْياَ بَيْنَهُمْ ﴾﴿ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ ﴾.
وقال ﴿ لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ ﴾ ( ٢٨ ) بكسر ﴿ يَتَّخِذِ ﴾ لأنه لقيته لام ساكنة وهي نهي فكسرته.
وقال تعالى ﴿ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تَقِيَّةً ﴾ ( ٢٨ ) وقال بعضهم ﴿ تُقَاةً ﴾ وكلٌّ عربي و﴿ تُقَاةٌ ﴾ أجْوَدُ، مثل : " اِتَّكَأَ " " تُكَأَةً " و " اِتَّخم " " تُخَمَةً " و " اِتَّحَفَ " " تُحْفَةً ".
وقال الله تعالى ﴿ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً ﴾ ( ٣٠ ) لأَنَّ " البَيْنَ " ها هنا ظرف وليس باسم. ولو كان اسماً لارتفع " الأمَدُ ". فإذا جئت بشيء هو ظرف للآخر وأوقعت عليه حروف النصب فانصب نحو قولك : " إنَّ عِنْدَنا زَيْداً " لان " عِنْدَنا " ليس باسم ولو قلت : " إنَّ الذِي عِنْدَنا " قلت : " زَيْدٌ " لأن " الذي عندَنا " اسم. قال ﴿ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدَ سَاحِرٍ ﴾ فجعل " إنَّ " و " ما " حرفاً واحداً واعمل " صَنَعُوا " كما تقول : " إنَّما ضَرَبُوا زَيْداً ". ومن جعل " ما " بمنزلة " الذي " يرفع الكيد*.
وقال تعالى ﴿ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ﴾ ( ٣٤ ) فنصبه على الحال : ويكون على البدل على قوله ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ ﴾ ( ٣٣ ) [ ٨٤ب ] [ وقال تعالى ]**
﴿ إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً ﴾ ( ٣٥ ) فقوله ﴿ مُحَرَّراً ﴾ على الحال.
وقال تعالى ﴿ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ﴾ ( ٣٧ ) وقال بعضهم ﴿ وَكَفَلَها زكرياء ﴾ و﴿ كَفِلَها ﴾ أيضا ﴿ زَكَريّا ﴾ وبه نقرأُ وهما لُغَتَانِ. وقال بعضهم ﴿ وَكَفِلَها زَكَرياء ﴾ بكسر الفاء. ومن قال : " كَفَلَ " قال " يَكْفُلُ " ومن قال " كَفِلَ " [ قال ] " يَكْفَلُ ". وأما " كَفُلَ " فلم أسمعها وقد ذكرت.
وقال تعالى ﴿ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ ( ٣٧ ) فهذا مثل كلام العرب " يأكُلُ بِغَيْرِ حسابٍ " أي : لا يَتَعصَّبُ عَلَيْه ولا يُضَيِّقُ عَلَيْهِ. و﴿ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ و﴿ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾ يقول : " ليس في حسابه فكر ولا روية ولا تذّكر ".
وقال الله تعالى ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ﴾ ( ٣٨ ) لأن النون [ في " لَدُنْ " ] ساكنة مثل نون " مَنْ " وهي تترك على حال جزمها في الإضافة لأنها ليست من الأسماء التي تقع عليها الحركة، ولذلك قال ﴿ مِنْ لَدُنّا ﴾، وقال تعالى ﴿ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ﴾ فتركت ساكنة.
وقال تعالى ﴿ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ ( ٣٨ ) مثل " كثيرُ الدُّعاء " لأنه يجوز فيه الألف واللام تقول : " أنتَ السَّمِيعُ الدُّعاءِ " ومعناه " إِنَّكَ مَسْمُوعُ الدُّعاءِ " أي : " إِنَّكَ تَسْمَعُ ما يُدْعَى بِهِ ".
وقال تعالى ﴿ فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ [ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ* ] أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ ﴾ ( ٣٩ ) لأَنَّهُ كأنه قال ﴿ نَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ ﴾ فقالت :﴿ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ ﴾ وما بعد القول حكاية [ ٨٥ء ]. وقال بعضهم ﴿ أَنَّ اللّهَ ﴾ يقول : " فنادته الملائكة بذلك ".
وقال تعالى ﴿ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً ﴾ ( ٣٩ ) وقوله ﴿ وَسَيِّداً وَحَصُوراً ﴾ معطوف على " مُصَدِّقاً " على الحال.
وقال تعالى ﴿ وَقَدْ بَلَغَنِي الْكِبَرُ ﴾ ( ٤٠ ) كما تقول " وَقَدْ بَلَغَنِي الجَهْدُ " أي : أَنَا في الجَهْدِ والكِبَر.
وقال ﴿ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً ﴾ ( ٤١ ) يريد : " أَنْ لا تُكَلِّمَ الناسَ إلاَّ رَمْزاً " وجعله استثناء خارجاً من أول الكلام. والرمز : الإيماء.
وقال ﴿ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يا مَرْيَمُ ﴾ ( ٤٢ ) ف " إذْ " ها هنا ليس له خبر في اللفظ.
وقال الله تعالى ﴿ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ﴾ ( ٤٤ ) لأنَّ كل ما كان من طلب العلم فقد يقع بعده الاستفهام. تقول : " أَزَيْدٌ في الدّارِ " ؟ و : " لَتَعْلَمَنَّ أَزَيْدٌ فِي الدّار ". وقال ﴿ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ ﴾ أي : لننظر. وقال تعالى ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ وأَمَّا قوله ﴿ ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَانِ عِتِيّاً ﴾ فلم يرتفع على مثل ما ارتفع عليه الأول [ ٨٥ب ] لأن قوله ﴿ لَنَنزِعَنَّ ﴾ ليس بطلب علم. ولكن لما فتحت " مَنْ " و " الذي " في غير موضع " أي " صارت غير متمكنة إذ فارقت أخواتها تركت على لفظ واحد وهو الضم وليس بإعراب. وجعل ﴿ أَشَدّ ﴾ من صلتها وقد نصبها قوم وهو قياس. وقالوا : " إذا تُكُلِّمَ بها فإنَّه لا يكونُ فيها إلاَّ الأعمال ". وقد قرئ ﴿ تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنُ ﴾ فرفعوا وجعلوه من صلة " الذي " وفتحه على الفعل أحسن. وزعموا أن بعض العرب قال : " ما أَنَا بالّذِي قائلٌ لكَ شَيْئاً " فهذا الوجه لا يكون للاثنين إلا " ما نَحْنُ بالَّلذَيْنِ قائِلانِ لَكَ شَيْئاً ".
وقوله ﴿ إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ ﴾ ( ٤٥ ) و﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً ﴾ وأَشْباهُ هذا في " إذْ " و " الحِين " وفي " يَوْم " كثير. وإنما حسن ذلك للمعنى، لأن القرآن إنما أنزل على الأمر والذي كأنه قال لهم : " أذْكُروا كذا وكذا " وهذا في القرآن في غير موضع و " اتَّقُوا يومَ كذا " أو " حينَ كذا ".
وقال تعالى ﴿ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً ﴾ ( ٤٥ ) نصبه على الحال ﴿ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ ( ٤٥ ) عطف على ﴿ وَجِيهاً ﴾ وكذلك ﴿ وَكَهْلاً ﴾ ( ٤٦ ) معطوف على ﴿ وَجِيهاً ﴾ لأن ذلك منصوب. وأما قوله تعالى ﴿ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ ﴾ ( ٤٥ ) فانه جعل " الكلمة " هي " عيسى " لأنه في المعنى كذلك كما قال ﴿ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتَا ﴾ ثم قال ﴿ بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا ﴾ وكما قالوا : " ذو الثُدَيَّة " لأن يَدَهُ كانت مثل الثدي. كانت قصيرة قريبة من ثديه فجعلها كأن اسمها " ثُدَيَّة " ولولا ذلك لم تدخل الهاء في التصغير.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٥:وقوله ﴿ إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ ﴾ ( ٤٥ ) و﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً ﴾ وأَشْباهُ هذا في " إذْ " و " الحِين " وفي " يَوْم " كثير. وإنما حسن ذلك للمعنى، لأن القرآن إنما أنزل على الأمر والذي كأنه قال لهم :" أذْكُروا كذا وكذا " وهذا في القرآن في غير موضع و " اتَّقُوا يومَ كذا " أو " حينَ كذا ".
وقال تعالى ﴿ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً ﴾ ( ٤٥ ) نصبه على الحال ﴿ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ ( ٤٥ ) عطف على ﴿ وَجِيهاً ﴾ وكذلك ﴿ وَكَهْلاً ﴾ ( ٤٦ ) معطوف على ﴿ وَجِيهاً ﴾ لأن ذلك منصوب. وأما قوله تعالى ﴿ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ ﴾ ( ٤٥ ) فانه جعل " الكلمة " هي " عيسى " لأنه في المعنى كذلك كما قال ﴿ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتَا ﴾ ثم قال ﴿ بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا ﴾ وكما قالوا :" ذو الثُدَيَّة " لأن يَدَهُ كانت مثل الثدي. كانت قصيرة قريبة من ثديه فجعلها كأن اسمها " ثُدَيَّة " ولولا ذلك لم تدخل الهاء في التصغير.

وأما قوله ﴿ كَذَلِكِ اللَّهُ ﴾ ( ٤٧ ) فكسر الكاف لأنها مخاطبة امرأة وإذا كانت الكاف للرجل فتحت. قال للمؤنث ﴿ وَاسْتَغْفِرِي [ ٨٦ء ] لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ ﴾.
وقوله ﴿ وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ ( ٤٨ ) موضع نصب على ﴿ وَجِيهاً ﴾. و﴿ رَسُولاً ﴾ ( ٤٩ ) معطوف على ﴿ وَجِيهاً ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٨:وقوله ﴿ وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ ( ٤٨ ) موضع نصب على ﴿ وَجِيهاً ﴾. و﴿ رَسُولاً ﴾ ( ٤٩ ) معطوف على ﴿ وَجِيهاً ﴾.
وقال تعالى ﴿ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ ﴾ ( ٥٠ ) على قوله ﴿ وَجِئْتُكُمْ ﴾ ( ٥٠ ) ﴿ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيّ ﴾ ( ٥٠ )لأَنَّهُ قالَ ﴿ قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ ( ٤٩ ).
وقال ﴿ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ ﴾ ( ٥١ ) ف﴿ إنَّ ﴾ على الابتداء. وقال بعضُهم ﴿ أَنَّ ﴾ فنصب على " وَجِئْتُكُم بأَنَّ اللّهَ رَبِّي ورَبُّكُم " هذا معناه.
وقال تعالى ﴿ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ ﴾ ( ٥٢ ) لأنَّ هذا من " أَحَسَّ " " يُحِسُّ " " إحْساساً " وليس من قوله ﴿ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ ﴾ [ إذ ] ذلك من " حَسَّ " " يَحُسُّ " " حَسَّاً " وهو في غير معناه لأن معنى " حَسَسْتُ " قتلت. و " أَحْسَسْتُ " هو : ظَنَنْتُ.
[ وقال تعالى ] ﴿ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ ( ٥٩ ) رفع على الابتداء ومعناه : " كُنْ " " فكانَ " كأَنَّهُ قال : " فإذا هُوَ كائِنٌ ".
وقال ﴿ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ ( ٦٠ ) يقول : " هو الحقُّ منْ ربِّكَ ".
وقال سبحانه وتعالى ﴿ يا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ﴾ ( ٦٤ ) فجر ﴿ سَوَاءٍ ﴾ لأنها من صفة الكلمة وهو " العَدْل ". أراد " مُسْتَوِيَةٍ " ولو أراد " استواءً " لكانَ النَصْب. وإنْ شاءَ أن يجعله على الاستواء ويجرّ جاز، ويجعله من صفة الكلمة مثل " الخَلْق "، لأن " الخَلْق " قد يكون صفة ويكون اسما، قال الله تعالى ﴿ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ﴾ لأن " السَّواء " للآخر وهو اسم ليس بصفة [ ٨٦ب ] فيُجْرى على الأول، وذلك إذا أراد به الاستواء فان أراد " مُسْتوِياً " * جاز أن يجري على الأول، فالرفع في ذا المعنى جيد لأنها صفة لا تغير عن حالها ولا تثنى ولا تجمع على لفظها ولا تؤنث، فأشبهت الأسماء. وقال تعالى ﴿ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ﴾ ف " السواءُ " للمَحْيا والمَمَاتِ، فهذا المبتدأ. وإنْ شِئْتَ أَجْرَيْتَهُ على الأول وجعلته صفة مقدمة من سبب الأول فجرى عليه، فهذا إذا جعلته في معنى مستو فالرفع وجه الكلام كما فسرته لك من قوله ﴿ أَلاَّ نَعْبُدَ** إِلاَّ اللَّهَ ﴾ ( ٦٤ ) فهو بدل كأنه قال " تَعَالَوْا إلى أنْ لا نَعْبُدَ إلاّ اللّهُ ".
وقال تعالى ﴿ آمِنُواْ بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ ﴾ ( ٧٢ ) جعله ظرفا.
وقال تعالى ﴿ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ ﴾ ( ٧٣ ) يقول " لا تُؤْمِنُوا أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُم وأَنْ يُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ " أي : وَلا تُؤْمِنُوا أَنْ يُحَاجُّوكُمْ.
وقال تعالى ﴿ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً ﴾ ( ٧٥ ) لأَنَّها مِنْ " دُمْتُ " " تَدُومُ ". ولغةٌُ لِلْعَرَبِ " دِمْتَ " وهي قراءة مثل " مِتَّ " " تَمُوتُ " جعله على " فَعِلَ " " يَفْعُلُ " فهذا قليل.
وقال تعالى ﴿ بِدِينَارٍ ﴾ ( ٧٥ ) أي : على دينار [ ٨٧ء ] كما تقول : " مررتُ بِهِ " و " عليه ".
قال عز وجل ﴿ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ ﴾ ( ٧٧ ) فهذا مثل قولك للرجل " ما تَنْظُرُ إِلَيَّ " إذا كان لا ينيلك شيئاً.
وقال تعالى ﴿ يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ ﴾ ( ٧٨ ) بفتح الياء. وقال ﴿ يُلَوّوُنَ ﴾ بضم الياء واحسبها ﴿ يَلْووُنَ ﴾ لأَنَّه قال ﴿ لَيّاً بألسنتهم ﴾ فلو كان من ﴿ يُلَوُّونَ ﴾ لكانت " تَلْوِيَةً بألسنتهم ".
وقال تَعالى ﴿ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ ﴾ ( ٧٩ ) نصبٌ على ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيهُ اللَّهُ ﴾ ( ٧٩ ) ﴿ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ ﴾ لأَنَّ " ثُمَّ " من حُروف العطف.
و﴿ وَلاَ يَأْمُرَكُمْ ﴾ ( ٨٠ ) أيضاً معطوفٌ بالنَّصب على ﴿ أَنْ ﴾ وإنْ شئت رفعت ؛ تقول ﴿ وَلاَ يَأْمُرُكُمْ ﴾ لا تعطفه على الأوَّل تريد : هُوَ لا يَأْمُرُكُمْ.
قال الله تعالى ﴿ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ ﴾ ( ٨١ ) فاللام التي مع " ما " في أول الكلام هي لام الابتداء نحو " لزَيدٌ أَفضَلُ مِنكَ "، لأن ﴿ مَا آتَيْتُكُمُ ﴾ اسم والذي بعده صلة. واللام التي في ﴿ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ﴾ لام القسم كأنه قال " واللّهِ لَتُؤمِنُنَّ بِهِ " فوكد في أول الكلام وفي آخره، كما تقول : " أَمَا واللّهِ أَنْ لَوْ جِئْتَني لَكان كذا وكذا "، وقد يستغنى عنها. ووكّد في ﴿ لَتُؤْمِنُنَّ ﴾ باللام في آخر الكلام وقد يستغنى عنها. جعل خبر ﴿ مَا آتَيْتُكُمْ مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ﴾ ﴿ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ ﴾ مثل " ما لِعَبْدِ الله ؟ واللّهِ لَتْأتِيَنَّه ". وان شئت جعلت خبر ( ما ) ﴿ مِنْ كِتابٍ ﴾ تريد ﴿ لَما آتَيْتُكُمْ كتابٌ وحِكْمَةٌ ﴾ وتكون " مِنْ " زائدة.
وقال تعالى ﴿ مِّلْءُ الأَرْضِ ذَهَباً ﴾ ( ٩١ ) مهموزة من [ ٨٧ب ] " مَلأْتُ " وانتصب ( ذَهَبا ) كما تقول : " لِي مثلُكَ رَجُلاً " أي : لي مثلك من الرجال، وذلك لأنك شغلت الإضافة بالاسم الذي دون " الذهب " وهو " الأرض " ثم جاء " الذهب " وهو غيرها فانتصب كما ينتصب المفعول إذا جاء من بعد الفاعل، وهكذا تفسير الحال، لأنك إذا قلت : " جاء عبدُ الله راكباً " فقد شغلت الفعل* ب " عبد الله " وليس " راكب " من صفته لأن هذا نكرة وهذا معرفة. وإنما جئت به لتجعله اسما للحال التي جاء فيها. فهكذا تفسيره، وتفسير " هذا أحسنُ منكَ وَجْهاً "، لأن " الوجه " غير الكاف التي وقعت عليها " مِنْ " و " أحسنُ " في اللفظ إنما هو الذي تفضله ف " الوجهُ " غير ذينك في اللفظ فلما جاء بعدهما وهو غيرهما انتصب انتصاب ( ** ) المفعول به بعد الفاعل.
وقال تعالى ﴿ كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيل ﴾ ( ٩٣ ) لأنه يقال : " هذا حَلالٌ " و : " هذا حِلٌّ "، و " هذا حَرام " و " هذا حِرْمٌ " ويقال* ﴿ وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ ﴾ [ ويقال ] ﴿ وحِرْمٌ على قرية ﴾ وتقول : " حِرْمٌ عَليّكُم ذاك " ولو قال ﴿ وحُرْمٌ على قريةٍ ﴾ كان جائزا [ ولو قال ] ﴿ وحَرْمٌ على قريةٍ ﴾ كان جائزاً أيضاً.
قال الله ﴿ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً ﴾ ( ٩٥ ) نصب على الحال.
وقال تعالى ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ ﴾ ( ٩٦ ) فهذا خبر " إنَّ ".
ثم قال ﴿ مُبارَكاً ﴾ ( ٩٦ ) لأنه [ ٨٨ء ] قد استغنى عن الخبر*، وصار ﴿ مُبارَكاً ﴾ نصبا على الحال. ﴿ وَهُدىً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ ( ٩٦ ) في موضع نصب عطف عليه. والحال في القرآن كثير ولا يكون إلا في موضع استغناء.
وقال تعالى ﴿ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ﴾ ( ٩٧ ) فرفع ﴿ مَّقَامُ إِبْراهِيمَ ﴾ لأنه يقول :﴿ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ ﴾ منها ﴿ مَّقَامُ إِبْراهِيمَ ﴾ على الإِضمار.
وقال الله تعالى ﴿ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً ﴾ ( ١٠٣ ) على التفسير بقطع الكلام عند قوله ﴿ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾ ثم فسر آية التأليف بين قلوبهم وأخبر بالذي كانوا فيه قبل التأليف كما تقول " أسمك الحائِطَ أَنْ يَميل ".
﴿ وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ ﴾ ( ١٠٣ ) ف " الشَّفا " متصور مثل " القَفا " وتثنيته بالواو تقول : " شَفَوانِ " لأنه لا يكون فيه الإمالة*، فلما لم تجيء فيه الإِمالة عرفت أَنَّهُ من الواو.
وقال تعالى ﴿ وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ﴾ ( ١٠٤ ) و " أُمَّةٌ " في اللفظ واحد وفي المعنى جمع فلذلك قال ﴿ يَدْعُونَ ﴾ [ وفي ] ﴿ وَلْتَكُنْ ﴾ جزم السلام بعضهم أيضا.
وأما قوله ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ ( ١٠٦ ) على " فيُقالُ لَهُمْ أَكَفَرْتُم ". مثل قوله ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ ﴾ وهذا في القرآن كثير.
وقال عز وجل ﴿ وَللَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ ﴾ ( ١٠٩ ) فثنى الاسم وأظهره، وهذا مثل " أمَّا زَيْدٌ فقد ذَهَبَ زَيْدٌ ". قال الشاعر :[ من الخفيف وهو الشاهد السابع والخمسون بعد المائة ] :
لا أرَى المَوْتَ يَسْبِقُ الموتَ شَيءٌ نَغَّصَ المَوْتُ ذا الغِنى والفَقِيرا
[ ٨٨ب ] فأَظْهَرَ في موضع الإضمار.
وقال تعالى ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ﴾ ( ١١٠ ) يُريدُ " أَهْلَ أُمَّةٍ " لأنَّ الأُمَّةَ [ ٨٩ء ] الطريقة. والأمَّة أَيْضاً لُغة. قال النابغة :[ من الطويل وهو الشاهد التاسع والخمسون بعد المائة ] :
حَلفْتُ فَلَمْ أَتْرُكْ لِنَفْسِكَ رِيبَةً وَهَلْ يَأْثَمَنْ ذُو أُمَّةٍ وَهُوَ طائِعُ
وقال ﴿ لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى ﴾ ( ١١١ ) استثناء يخرج من أول الكلام. وهو كما روى يونس عن بعض العرب انه قال : " ما أَشْتَكِي شيئاً إلاَّ خَيْراً ". ومثلُه ﴿ لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً ( ٢٤ ) إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً ﴾.
[ وقال ] ﴿ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللَّهِ ﴾ ( ١١٢ ) فهذا مثل ﴿ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذَى ﴾ استثناء خارج من أول الكلام في معنى " لكنّ " وليس بأشد من قوله ﴿ لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً ﴾.
وقال ﴿ لَيْسُواْ سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾ ( ١١٣ ) لأنه قد ذكرهم ثم فسره فقال :﴿ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ ﴾ ( ١١٣ ) ولم يقل " وَأُمَّةٌ على خلافِ هذهِ الأُمَّةِ " لأنه قد ذكر كل هذا قبل. وقال تعالى ﴿ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾ فهذا قد دل على أمة خلاف هذه.
وقال تعالى ﴿ آنَاءَ اللَّيْلِ ﴾ ( ١١٣ ) وواحد " الآناءِ " مقصور " إنَى " فاعلم وقال بعضهم : " إِنْي " كما ترى و " إنْوٌ " وهو ساعاتُ اللَيْل. قال الشاعر :[ من البسيط وهو الشاهد الثامن والخمسون بعد المائة ] :
السَّالِكُ الثَّغْرَ مَخْشِيّاً مَوارِدُهُ فِي كُلِّ إنيٍ قَضاهُ اللَّيلُ يَنْتَعِلُ
قال : وَسِمْعُته " يَخْتَعِلُ " *.
وقال تعالى ﴿ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً ﴾ ( ١١٨ ) لأنها من " ألَوْتُ " و " ما آلُو " " أَلْواً ".
وقال تعالى ﴿ وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ ﴾ ( ١١٨ ) يقول ﴿ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً ﴾ ﴿ وَدُّواْ ﴾ أي : أحَبُّوا ﴿ مَا عَنِتُّمْ ﴾ جعله من صفة " البِطانةَ "، جعل ﴿ مَا عَنِتُّمْ ﴾ في موضع " العَنَتِ ".
قال ﴿ لاَ يَضِرْكُمْ كَيْدُهُمْ ﴾ ( ١٢٠ ) لأنه من " ضار " " يَضِير " و " ضِرْتُه " خفيفة " فَأَنَا أَضِيرُه "، قال بعضهم ﴿ لا يضُرُّكُمْ ﴾ جعله من " ضَرَّ " " يَضُرُّ " وحرّك للسكون الذي قبله لأن الحرف الثقيل بمنزلة حرفين الأول منهما ساكن. وقال بعضهم ﴿ لا يَضُرْكم ﴾ جعلها من " ضار " " يضُور " وهي لغة.
وقال تعالى ﴿ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ( ١٢١ ) لأنها من " بَوَّأت " و " إذْ " ها هنا إنَّما خَبَرُها في المعنى كما فسرت لك.
وقال ﴿ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُسِوِّمِينَ ﴾ ( ١٢٥ ) لأنهم سَوَّمُوا الخيل. وقال بعضُهم ﴿ مُسَوَّمينَ ﴾ مُعَلِمينَ لأَنَّهُمْ هْم سُوِّمُوا وبها نقرأ.
﴿ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ ﴾ ( ١٢٨ ) على ﴿ لِيَقْطَعَ طَرَفاً ﴾ ( ١٢٧ )عطفه على اللام.
وقال تعالى ﴿ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ ﴾ ( ١٤٠ ) قال بعضهم ﴿ قُرْحٌ ﴾ مثل " الضَعْف " و " الضُعْف " وتقول منه " قَرِحَ " " يَقْرَح " " قَرْحا " و " هو قَرِح ". وبعض العرب يقول [ ٨٩ب ] " قَرِيح " مثل " مَذِل " و " مَذِيل ".
وقال تعالى ﴿ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ ﴾ ( ١٤٣ ) توكيداً كما تقول : " قَدْ رأيتُه واللّهِ بِعّيْني " و " رَأَيْتُهُ عِيانا ".
وقال تعالى ﴿ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ ﴾ ( ١٤٤ ) ولم يقل ﴿ انْقَلَبْتُمْ ﴾ فيقطع الألف لأنه جواب المجازاة الذي وقعت عليه ﴿ إِنْ ﴾ وحرف الاستفهام قد وقع على ﴿ إِنْ ﴾ فلا يحتاج خبره إلى الاستفهام لأن خبرها مثل خبر الابتداء. ألا ترى انك تقول : " أأَزَيْدٌ حَسَنٌ " ولا تقول : " أَزَيْدٌ أَحَسَنٌ " وقال الله تعالى ﴿ أَفَإِنْ مِّتَّ* فَهُمُ الْخَالِدُونَ ﴾ ولم يقل " أََفهُمُ اْلْخالِدوُنَ " لأنه جواب المجازاة.
وقال الله تعالى ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً ﴾ ( ١٤٥ ) فقوله سبحانه ﴿ كِتَاباً مُّؤَجَّلاً ﴾ توكيد، ونصبه على " كَتَبَ اللّهُ ذلك َ كِتاباً مُؤَجَّلاً ". وكذلك كل شيء في القرآن من قوله ﴿ حَقّا ﴾ إنما هو " أُحِقُّ ذلِكَ حَقّاً ". وكذلك ﴿ وَعْدَ اللَّهِ ﴾ و﴿ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ﴾ و﴿ صُنْعَ اللَّهِ ﴾ و﴿ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾ إنما هو من " صَنَعَ اللّهُ ذلك َ صُنْعاً " فهذا تفسير كل شيء في القرآن من نحو هذا وهو كثير.
وقال تعالى ﴿ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ ﴾ ( ١٤٦ ) يجعل النبيّ هو الذي قُتِلَ وهو أحسنُ الوَجهين لأَنَّه [ ٩٠ء ] قد قال ﴿ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ ﴾ ( ١٤٤ ) وقال بعضهم ﴿ قَاتَلَ مَعَهُ ﴾ وهي أكثر وبها نقرأ. لأَنَّهم كانوا يجعلون ﴿ قُتِلَ ﴾ على ﴿ رِبِّيُّون ﴾. ونقول : " فكيف نقول " فكيف نقول ﴿ فَمَا وَهَنُواْ ﴾ وقد قلنا أنهم قد قتلوا فانه كما ذكرت لك أن القتل على النبي صلى الله عليه. وقوله ﴿ رِبِّيُّونَ ﴾ يعني : الذين يعبدون الرب تعالى وواحدها " رِبِّيّ ".
وقال تعالى ﴿ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ﴾ ( ١٤٧ ) وقال ﴿ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ﴾ و [ قال ] ﴿ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ﴾ ف﴿ أَنْ قَالُواْ ﴾ هو الاسم الذي يرفع ب﴿ وَكَانَ ﴾ لأن ﴿ أَنْ ﴾ الخفيفة وما عملت فيه بمنزلة اسم تقول : " أعْجَبَنِي أَنْ قالوا " وإنْ شئت رفعت أول هذا كله وجعلت الآخر في موضع نصب على خبر كان. قال الشاعر :[ من الطويل وهو الشاهد الستون بعد المائة ] :
لَقَدْ عَلِمَ الأَقْوامُ ما كانَ دَاءَها بِثَهْلانَ إلاَّ الخِزْيُ مِمَّنْ يَقُودُها
وإن شئت " ما كانَ داؤُها إلا الخِزْيَ ".
وقال تعالى ﴿ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ ﴾ ( ١٥٣ ) لأنك تقول : " أَصْعَد " أي : مَضَى وَسارَ و " أَصْعَدَ الوُادي " أي : انْحدر فيه. وأما " صَعِدَ " فانه : ارتقى.
وقال ﴿ فَأَثَابَكُمْ غُمّاً بِغَمٍّ ﴾ ( ١٥٣ ) أي : عَلى غَمٍّ. كما قال ﴿ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ﴾ ومعناه على جذوع النخل وكما قال : " ضَرَبَني فِي السيفِ " يريد " بِالسيف " وتقول : نزلت في أبيك " [ ٩٠ب ] أي : على أَبيك.
وقال تعالى ﴿ إِنَّ الأَمْرَ كُلُّهُ للَّهِ ﴾ ( ١٥٤ ) إذا جعلت " كُلاًّ " اسما كقولك : " إنَّ الأَمْرَ بَعْضُهُ لِزَيْدٍ " وان جعلته صفة نصبت. وان شئت نصبت على البدل، لأنك لو قلت " إنَّ الأَمْرَ بَعْضَهُ لِزَيْدٍ " لجاز على البدل، والصفة لا تكون في " بَعْض ". قال الشاعر :[ من الكامل وهو الشاهد الحادي والستون بعد المائة ] :
إنَّ السُّيُوفَ غُدُوُّها وَرَواحُها تَركا فَزارَةَ مثلَ قَرْنِ الأَعْضَبِ
فابتدأ " الغُدُوّ " و " الرواحَ " وجعل الفعل لهما. وقد نصب بعضهم " غُدُوَّها " وَرَواحَا " وقال : " تركتْ هَوازِنَ " فجعل " التركَ " ل " السيوف " وجعل " الغدوَّ " و " الرواح " تابعا لها كالصفة حتى صار بمنزلة " كلّهَا ". وتقول ﴿ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ ﴾ على التوكيد أجود وبه نقرأ.
وقال تعالى ﴿ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ﴾ ( ١٥٤ ) وقد قال بعضهم ﴿ القِتالُ ﴾ و " القَتْلُ " [ أصوب ] فيما نرى، وقال بَعْضُهُم ﴿ إلى قِتالِهِم ﴾ و﴿ القَتْلُ ﴾ أصوبهما إن شاء الله لأنه قال ﴿ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ﴾.
وقال ﴿ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ ﴾ ( ١٥٤ ) : أيْ : كَيْ يَبْتَلِيَ اللّهُ.
وقال تعالى ﴿ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ ﴾ ( ١٥٦ ) [ ٩١ء ] وواحد " الغُزَّى " " غاز " مثل " شاهِد " و " شُهَّد ".
وقال تعالى ﴿ وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ ﴾ ( ١٥٧ ) الآية. فان قيل كيف يكون ﴿ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ ﴾ ( ١٥٧ ) جواب ذلك الأول ؟ فكأنه حين قال ﴿ وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ ﴾ تذكر لهم مغفرة ورحمة إذ كان ذلك في السبيل فقال ﴿ لَمَغْفِرَةٌ ﴾ يقول : " لَتِلْكَ المغفرة ﴿ خَيْرٌ مِمّا تَجْمَعُونَ ﴾ ".
وقال ﴿ وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ ﴾ ( ١٥٨ ) وان شئت قلت ﴿ قُتِّلْتُمْ ﴾.
وقال تعالى ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ ﴾ ( ١٥٩ ) يقول : " فَبِرَحْمَةٍ " و ﴿ ما ﴾ زائدة.
وقال تعالى ﴿ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ ﴾ ( ١٦١ ) وقال بعضهم ﴿ يُغَلُّ ﴾ وكلٌّ صواب و الله أعلم لأنَّ المعنى " أَنْ يَخُون " أوْ " يُخانَ ".
وقال ﴿ أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ ﴾ ( ١٦٥ ) فهذه الألف ألف الاستفهام دخلت على واو العطف، فكأنه قال : " صَنَعْتُم كَذا وكذا وَلمَّا أصابتكم " ثم ادخل على الواو ألف الاستفهام.
قال تعالى ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ ( ١٦٦ ) فجعل الخبر بالفاء لأَنَّ ﴿ ما ﴾ بمنزلة " الذي " وهو في معنى " مَنْ "، و " مَنْ " تكون في المجازاة ويكون جوابها بالفاء.
وقال ﴿ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ( ١٦٦ ) فجعل الخبر بالفاء لأنّ ﴿ مَا أَصَابَكُمْ ﴾ : الذي أصابكم. وقال ﴿ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ لأنَّ معناه : " فَهُوَ بإِذن اللّهِ " " وَهُوَ لِيَعْلَم ".
وقال ﴿ الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ ﴾ ( ١٦٨ ) أي : قُلْ لَهُمْ ﴿ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ ﴾ وأضمر " لَهُمْ ".
وقال تعالى ﴿ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً ﴾ ( ١٧٣ ) [ ٩١ب ] يقول : " فَزادَهُمْ قَوْلُهُم إيمانا ".
وقال ﴿ إِنَّمَا ذالِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ﴾ ( ١٧٥ ) يقول : " يُرْهِبُ النَّاسَ أولِياءَهُ " أي : بِأَوّلِيائِهِ ".
وقال ﴿ وَلاَ تحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ ﴾ ( ١٨٠ ) فأراد " وَلا تَحْسَبَنَّ البُخْلَ هُوَ خَيْراً لَهُمْ " فألقى الاسم الذي أوقع عليه الحسبان وهو " البُخْل "، لأنّه قد ذكر الحسبان وذكر ما آتاهم الله من فضله فأضمرهما إذا ذكرهما. وقد جاء من الحذف ما هو أشد من ذا، قال الله تعالى ﴿ لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ﴾ ولم يقل " وَمَنْ أَنْفَقَ مِنْ بَعْد " لأنه لما قال ﴿ أُوْلَائِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ ﴾ كان فيه دليل على أنه قد عناهم.
وقال تعالى ﴿ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ﴾ ( ١٨١ ) وقد مضى لذلك دهر، فإنما يعني : سنكتب ما قالوا على من رضي به من بعدهم أيام يرضاه ".
وقال ﴿ لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ يَكْتُمُونَهُ ﴾ ( ١٨٧ ) يقول : " استحلفهم لَيُبَيِّنُنَّه ولا يَكْتُمُونَهُ " وقال ﴿ لَتُبيِّنَنَّهُ وَلا تَكْتُمونَهُ ﴾ أي : قُلْ لَهُم : " وَاللّهِ لَتُبَيِّنُنَّهُ ولا تَكْتُمُونَه ".
وأما قوله ﴿ ولاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ [ ٩٢ء ] بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ ﴾ ( ١٨٨ ) فإِنَّ : الآخِرَةَ بَدَلٌ من الأولى والفاء زائدة. ولا تعجبني قراءة من قرأ الأولى بالياء [ إذ ] ليس لذلك مذهب في العربية لأنه إذا قال ﴿ لاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ ﴾ فإنَّه لَمْ يوقِعْه على شيء.
وقال ﴿ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ﴾ ( ١٩٥ ) أيْ : فَاستجاب : بِأَنّي لا أُضيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُم. أدخل فيه ﴿ مِنْ ﴾ زائدة كما تقول " قَدْ كانَ مِنْ حَدِيثٍ " و﴿ مِنْ ﴾ ها هنا لغو لأَنَّ حرف النفي قد دخل في قوله ﴿ لا أُضِيعُ ﴾.
سورة آل عمران
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

اتصَلتْ سورةُ (آلِ عِمْرانَ) من حيث الفضلُ بسورةِ (البقرة)؛ فقد وصَفهما الرسولُ ﷺ بـ (الزَّهْراوَينِ)؛ لِما احتوتا عليه من نورٍ وهداية.

وجاءت هذه السُّورةُ ببيانِ هداية هذا الكتابِ للناس، متضمِّنةً الحوارَ مع أهل الكتاب، مُحاجِجَةً إياهم في صِدْقِ هذا الدِّين وعلوِّه على غيره، مبرهنةً لصِدْقِ النبي ﷺ بهذه الرسالة، وهَيْمنةِ هذا الدِّينِ على غيره، ونَسْخِه للأديان الأخرى؛ فمَن ابتغى غيرَ الإسلام فأمرُه ردٌّ غيرُ مقبولٍ، كما أشارت إلى غزوةِ (أُحُدٍ)، وأمرِ المسلمين بالثَّبات على هذا الدِّين.

ترتيبها المصحفي
3
نوعها
مدنية
ألفاظها
3501
ترتيب نزولها
89
العد المدني الأول
200
العد المدني الأخير
200
العد البصري
200
العد الكوفي
200
العد الشامي
200

* قوله تعالى: {إِنَّ اْلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اْللَّهِ وَأَيْمَٰنِهِمْ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَٰٓئِكَ لَا خَلَٰقَ لَهُمْ فِي اْلْأٓخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اْللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ اْلْقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٞ} [آل عمران: 77]:

ورَد عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ - رضي الله عنه -، عن النبيِّ ﷺ، قال: «مَن حلَفَ على يمينٍ يقتطِعُ بها مالَ امرئٍ مسلمٍ، وهو فيها فاجرٌ: لَقِيَ اللهَ وهو عليه غضبانُ»، ثم أنزَلَ اللهُ تصديقَ ذلك: {إِنَّ اْلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اْللَّهِ وَأَيْمَٰنِهِمْ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَٰٓئِكَ لَا خَلَٰقَ لَهُمْ فِي اْلْأٓخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اْللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ اْلْقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٞ} [آل عمران: 77]، ثم إنَّ الأشعَثَ بنَ قيسٍ خرَجَ إلينا، فقال: ما يُحدِّثُكم أبو عبدِ الرَّحمنِ؟ قال: فحدَّثْناه، قال: فقال: صدَقَ؛ لَفِيَّ نزَلتْ، كانت بيني وبين رجُلٍ خصومةٌ في بئرٍ، فاختصَمْنا إلى رسولِ اللهِ ﷺ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «شاهِدَاكَ أو يمينُهُ»، قلتُ: إنَّه إذًا يَحلِفُ ولا يُبالي، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «مَن حلَفَ على يمينٍ يستحِقُّ بها مالًا، وهو فيها فاجرٌ: لَقِيَ اللهَ وهو عليه غضبانُ»، ثم أنزَلَ اللهُ تصديقَ ذلك، ثم اقترَأَ هذه الآيةَ: {إِنَّ اْلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اْللَّهِ وَأَيْمَٰنِهِمْ ثَمَنٗا قَلِيلًا} إلى قوله: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٞ} [آل عمران: 77]. أخرجه البخاري (٢٣٥٦).

* قوله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اْللَّهُ قَوْمٗا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَٰنِهِمْ وَشَهِدُوٓاْ أَنَّ اْلرَّسُولَ حَقّٞ وَجَآءَهُمُ اْلْبَيِّنَٰتُۚ وَاْللَّهُ لَا يَهْدِي اْلْقَوْمَ اْلظَّٰلِمِينَ ٨٦ أُوْلَٰٓئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اْللَّهِ وَاْلْمَلَٰٓئِكَةِ وَاْلنَّاسِ أَجْمَعِينَ ٨٧ خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ اْلْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ ٨٨ إِلَّا اْلَّذِينَ تَابُواْ مِنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ اْللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} [آل عمران: 86-89]:

صحَّ عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ - رضي الله عنهما -، قال: «كان رجُلٌ مِن الأنصارِ أسلَمَ، ثم ارتَدَّ ولَحِقَ بالشِّرْكِ، ثم نَدِمَ، فأرسَلَ إلى قومِه: سَلُوا رسولَ اللهِ ﷺ: هل لي مِن توبةٍ؟ فجاء قومُهُ إلى رسولِ اللهِ ﷺ، فقالوا: إنَّ فلانًا قد نَدِمَ، وإنَّه قد أمَرَنا أن نسألَك: هل له مِن توبةٍ؟ فنزَلتْ: {كَيْفَ يَهْدِي اْللَّهُ قَوْمٗا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَٰنِهِمْ} [آل عمران: 86] إلى {غَفُورٞ رَّحِيمٌ} [آل عمران: 89]، فأرسَلَ إليه قومُهُ، فأسلَمَ». أخرجه النسائي (٤٠٧٩).

* قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ءَايَٰتُ اْللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُۥۗ وَمَن يَعْتَصِم بِاْللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسْتَقِيمٖ ١٠١ يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ اْتَّقُواْ اْللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ١٠٢ وَاْعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اْللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ وَاْذْكُرُواْ نِعْمَتَ اْللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِۦٓ إِخْوَٰنٗا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٖ مِّنَ اْلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَاۗ} [آل عمران: 101-103]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ - رضي الله عنهما -، قال: «كان الأَوْسُ والخَزْرجُ يَتحدَّثون، فغَضِبوا، حتى كان بينهم حربٌ، فأخَذوا السِّلاحَ بعضُهم إلى بعضٍ؛ فنزَلتْ: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ءَايَٰتُ اْللَّهِ} [آل عمران: 101] إلى قوله تعالى: {فَأَنقَذَكُم مِّنْهَاۗ} [آل عمران: 103]. "المعجم الكبير" للطبراني (١٢٦٦٦).

* قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ اْلْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَٰلِمُونَ} [آل عمران: 128]:

صحَّ عن أبي هُرَيرةَ - رضي الله عنه - أنَّه قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يقولُ حين يفرُغُ مِن صلاةِ الفجرِ مِن القراءةِ ويُكبِّرُ ويَرفَعُ رأسَه: «سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَه، ربَّنا ولك الحمدُ»، ثم يقولُ وهو قائمٌ: «اللهمَّ أنْجِ الوليدَ بنَ الوليدِ، وسلَمةَ بنَ هشامٍ، وعيَّاشَ بنَ أبي ربيعةَ، والمستضعَفِينَ مِن المؤمنين، اللهمَّ اشدُدْ وَطْأتَك على مُضَرَ، واجعَلْها عليهم كَسِنِي يوسُفَ، اللهمَّ العَنْ لِحْيانَ، ورِعْلًا، وذَكْوانَ، وعُصَيَّةَ؛ عصَتِ اللهَ ورسولَه»، ثم بلَغَنا أنَّه ترَكَ ذلك لمَّا أُنزِلَ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإنَّهُمْ ظالِمُونَ}». أخرجه مسلم (675).

وعن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أنَّه سَمِعَ رسولَ اللهِ ﷺ إذا رفَعَ رأسَه مِن الرُّكوعِ مِن الركعةِ الآخِرةِ مِن الفجرِ يقولُ: «اللهمَّ العَنْ فلانًا وفلانًا وفلانًا» بعدما يقولُ: «سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَه، ربَّنا ولك الحمدُ»؛ فأنزَلَ اللهُ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ اْلْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَٰلِمُونَ} [آل عمران: 128]. أخرجه البخاري (٤٠٦٩).

* قوله تعالى: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنۢ بَعْدِ اْلْغَمِّ أَمَنَةٗ نُّعَاسٗا يَغْشَىٰ طَآئِفَةٗ مِّنكُمْۖ وَطَآئِفَةٞ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ} [آل عمران: 154]:

عن أنسِ بن مالكٍ - رضي الله عنه -، أنَّ أبا طَلْحةَ قال: «غَشِيَنا النُّعَاسُ ونحن في مَصافِّنا يومَ أُحُدٍ، قال: فجعَلَ سيفي يسقُطُ مِن يدي وآخُذُه، ويسقُطُ وآخُذُه؛ وذلك قولُه عز وجل: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنۢ بَعْدِ اْلْغَمِّ أَمَنَةٗ نُّعَاسٗا يَغْشَىٰ طَآئِفَةٗ مِّنكُمْۖ وَطَآئِفَةٞ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ} [آل عمران: 154]، والطائفةُ الأخرى: المنافقون، ليس لهم إلا أنفسُهم؛ أجبَنُ قومٍ وأرعَبُهُ، وأخذَلُهُ للحقِّ». أخرجه البخاري (٤٠٦٨).

* قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ اْلْقِيَٰمَةِۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٖ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [آل عمران: 161]:

صحَّ عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ - رضي الله عنهما - أنَّه قال: «نزَلتْ هذه الآيةُ: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ} في قَطيفةٍ حَمْراءَ فُقِدتْ يومَ بدرٍ، فقال بعضُ الناسِ: لعلَّ رسولَ اللهِ - ﷺ - أخَذَها؛ فأنزَلَ اللهُ: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ اْلْقِيَٰمَةِۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٖ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [آل عمران: 161]». أخرجه أبو داود (٣٩٧١).

* قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اْلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اْللَّهِ أَمْوَٰتَۢاۚ بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169]:

عن مسروقٍ، قال: سأَلْنا عبدَ اللهِ - هو ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه - عن هذه الآيةِ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اْلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اْللَّهِ أَمْوَٰتَۢاۚ بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}، قال: «أمَا إنَّا قد سأَلْنا عن ذلك، فقال: أرواحُهم في جوفِ طيرٍ خُضْرٍ، لها قناديلُ معلَّقةٌ بالعرشِ، تَسرَحُ مِن الجَنَّةِ حيث شاءت، ثم تَأوي إلى تلك القناديلِ، فاطَّلَعَ إليهم ربُّهم اطِّلاعةً، فقال: هل تشتهون شيئًا؟ قالوا: أيَّ شيءٍ نشتهي ونحن نَسرَحُ في الجَنَّةِ حيث شِئْنا؟! ففعَلَ ذلك بهم ثلاثَ مرَّاتٍ، فلمَّا رأَوْا أنَّهم لن يُترَكوا مِن أن يَسألوا، قالوا: يا ربُّ، نريدُ أن ترُدَّ أرواحَنا في أجسادِنا؛ حتى نُقتَلَ في سبيلِك مرَّةً أخرى، فلمَّا رأى أنْ ليس لهم حاجةٌ، تُرِكوا». أخرجه مسلم (١٨٨٧).

سُمِّيتْ (آلُ عِمْرانَ) بهذا الاسم لذِكْرِ (آلِ عِمْرانَ) فيها، وثبَت لها اسمٌ آخَرُ؛ وهو (الزَّهْراءُ):

لِما جاء في حديث أبي أُمامةَ الباهليِّ رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رسولَ الله ﷺ يقولُ: «اقرَؤُوا الزَّهْراوَينِ: البقرةَ، وسورةَ آلِ عِمْرانَ». أخرجه مسلم (804).

يقول ابنُ منظورٍ: «والزَّهْراوانِ: أي: المُنِيرتانِ المُضِيئتانِ، واحدتها: زَهْراءُ». لسان العرب (4 /332).

وقد عدَّ بعضُ العلماء أنَّ ذِكْرَ (الزَّهْراوانِ) في هذا الحديثِ هو من بابِ الوصف، لا التسمية. انظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (3 /143)، "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (1 /20).

* تُحاجُّ عن صاحبِها:

صحَّ عن أبي أُمامةَ الباهليِّ رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: «اقرَؤُوا القرآنَ؛ فإنَّه يأتي يومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابِه؛ اقرَؤُوا الزَّهْراوَينِ: البقرةَ، وسورةَ آلِ عِمْرانَ؛ فإنَّهما تأتيانِ يومَ القيامةِ كأنَّهما غَمَامتانِ، أو كأنَّهما غَيَايتانِ، أو كأنَّهما فِرْقانِ مِن طيرٍ صوافَّ، تُحاجَّانِ عن أصحابِهما، اقرَؤُوا سورةَ البقرةِ؛ فإنَّ أَخْذَها برَكةٌ، وتَرْكَها حَسْرةٌ، ولا تستطيعُها البَطَلةُ». أخرجه مسلم (804).

* كان يعظُمُ بين الصحابةِ قارئُ سورةِ (آلِ عِمْرانَ):

فعن أنسٍ رضي الله عنه، قال: «كان الرَّجُلُ إذا قرَأ البقرةَ وآلَ عِمْرانَ، جَدَّ فينا - يعني: عظُمَ -»، وفي روايةٍ: «يُعَدُّ فينا عظيمًا»، وفي أخرى: «عُدَّ فينا ذا شأنٍ». أخرجه أحمد (12236).

* ورَدتْ قراءتُه ﷺ لسورة (آل عِمْران) في قيام الليل:

فعن حُذَيفةَ بن اليمانِ رضي الله عنهما، قال: «صلَّيْتُ مع رسولِ اللهِ ﷺ ذاتَ ليلةٍ، فاستفتَحَ بسورةِ البقرةِ، فقرَأَ بمائةِ آيةٍ لم يَركَعْ، فمضى، قلتُ: يَختِمُها في الرَّكعتَينِ، فمضى، قلتُ: يَختِمُها ثم يَركَعُ، فمضى حتى قرَأَ سورةَ النِّساءِ، ثم قرَأَ سورةَ آلِ عِمْرانَ، ثم ركَعَ نحوًا مِن قيامِهِ، يقولُ في ركوعِهِ: سبحانَ ربِّيَ العظيمِ، سبحانَ ربِّيَ العظيمِ، سبحانَ ربِّيَ العظيمِ، ثم رفَعَ رأسَهُ، فقال: سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَه، ربَّنا لك الحمدُ، وأطال القيامَ، ثم سجَدَ، فأطال السُّجودَ، يقولُ في سجودِهِ: سبحانَ ربِّيَ الأعلى، سبحانَ ربِّيَ الأعلى، سبحانَ ربِّيَ الأعلى، لا يمُرُّ بآيةِ تخويفٍ أو تعظيمٍ للهِ عز وجل إلا ذكَرَهُ». أخرجه النسائي (١١٣٢).

* كان النبيُّ ﷺ يَقرأُ خواتمَها منتصَفَ الليلِ عندما يستيقظُ مِن نومِه:

فممَّا صحَّ عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما: أنَّه باتَ عند مَيْمونةَ زَوْجِ النبيِّ ﷺ - وهي خالتُهُ -، قال: «فاضطجَعْتُ في عَرْضِ الوِسادَةِ، واضطجَعَ رسولُ اللهِ ﷺ وأهلُهُ في طُولِها، فنامَ رسولُ اللهِ ﷺ حتى انتصَفَ الليلُ - أو قَبْله بقليلٍ، أو بعده بقليلٍ -، ثم استيقَظَ رسولُ اللهِ ﷺ، فجعَلَ يَمسَحُ النَّوْمَ عن وجهِهِ بيدَيهِ، ثم قرَأَ العَشْرَ الآياتِ الخواتِمَ مِن سُورةِ آلِ عِمْرانَ، ثم قامَ إلى شَنٍّ معلَّقةٍ، فتوضَّأَ منها، فأحسَنَ وُضُوءَهُ، ثم قامَ يُصلِّي، فصنَعْتُ مِثْلَ ما صنَعَ، ثُمَّ ذهَبْتُ فقُمْتُ إلى جَنْبِهِ، فوضَعَ رسولُ اللهِ ﷺ يَدَهُ اليُمْنى على رَأْسي، وأخَذَ بأُذُني بيدِهِ اليُمْنى يَفتِلُها، فصلَّى ركعتَينِ، ثم ركعتَينِ، ثم ركعتَينِ، ثم ركعتَينِ، ثم ركعتَينِ، ثم ركعتَينِ، ثم أوتَرَ، ثم اضطجَعَ حتى جاءه المؤذِّنُ، فقامَ فصلَّى ركعتَينِ خفيفتَينِ، ثم خرَجَ فصلَّى الصُّبْحَ». أخرجه البخاري (٤٥٧١).

جاءت مواضيعُ سورةِ (آل عِمْرانَ) مُرتَّبةً على النحوِ الآتي:

مقدِّمات للحوار مع النَّصارى (١-٣٢).

إنزال الكتاب هدايةً للناس (١-٩).

تحذير الكافرين وحقيقةُ الدنيا (١٠-١٨).

انتقال الرسالة لأمَّة الإسلام (٢٩-٣٢).

اصطفاء الله تعالى لرُسلِه (٣٣-٤٤).

حقيقة عيسى عليه السلام (٤٥-٦٣).

الإسلام هو دِين الحقِّ، وهو دِينُ جميع الأنبياء (٦٤-٩٩).

إبراهيم عليه السلام كان حنيفًا مسلمًا (٦٤-٦٨).

مخاطبة فِرَق أهل الكتاب، وبيان حقائقهم (٦٩-٨٠).

وَحْدة الرسالات، والدِّين الحق هو الإسلام (٨١- ٩٢).

صلة المسلمين بإبراهيم، وافتراء أهل الكتاب (٩٣-٩٩).

بيان خَيْرية هذه الأمَّة، وتحذيرها من أعدائها (١٠٠-١٢٠).

التحذير من الوقوع في أخطاء السابقين (١٠٠-١٠٩).

خيرية هذه الأمَّة وفضلها (١١٠-١١٥).

تحذير الأمَّة من المنافقين (١١٦-١٢٠).

معركة (أُحُد) (١٢١-١٤٨).

مقدِّمات معركة (أُحُد) (١٢١-١٢٩).

أهمية الطاعة ومواعظُ (١٣٠-١٣٨).

تعزية المسلمين، والنهيُ عن الهوان (١٣٩-١٤٨).

دروس مستفادة من الهزيمة (١٤٩-١٨٩).

التحذير من طاعة الأعداء والتنازل (١٤٩-١٥٨).

أهمية الشورى وطاعة الرسول (١٥٩-١٦٤).

أسباب الهزيمة وفوائدها (١٦٥-١٧٩).

تحذير المنافقين والبخلاء (١٨٠-١٨٩).

أولو الألباب يستفيدون من الآيات الكونية (١٩٠-١٩٥).

الأمورُ بخواتيمها (١٩٦-٢٠٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (1 /426).

افتُتِحت السُّورةُ بمقصدٍ عظيمٍ؛ وهو التنويهُ بالقرآن، وبمحمَّدٍ ﷺ، وتقسيمُ آيات القرآن، ومراتبُ الأفهام في تَلقِّيها، والتنويهُ بفضيلة الإسلام، وأنه لا يَعدِله دِينٌ، وأنه لا يُقبَل دِينٌ عند الله بعد ظهور الإسلام غيرُ الإسلام.

ومِن مقاصدِها: مُحاجَّةُ أهلِ الكتابينِ في حقيقة الحنيفيَّة، وأنهم بُعَداءُ عنها، وما أخَذ اللهُ من العهد على الرُّسلِ كلِّهم: أن يؤمنوا بالرسول الخاتم.

واشتملت على أمرِ المسلمين بفضائلِ الأعمال: مِن بذلِ المال في مواساة الأمَّة، والإحسان، وفضائل الأعمال، وتركِ البخل، ومَذمَّةِ الربا.

وخُتِمت السُّورةُ بآياتِ التفكير في ملكوت الله.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (3 /145).