تفسير سورة لقمان

أسباب نزول القرآن - الواحدي

تفسير سورة سورة لقمان من كتاب أسباب نزول القرآن - الواحدي
لمؤلفه .

قوله تعالى: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ...﴾ الآية. [٦].
قال الكلبي ومقاتل: نزلت في النَّضر بن الحارث، وذلك أنه كان يخرج تاجراً إلى فارس فيشتري أخبار الأعاجم فيرويها ويحدث بها قريشاً ويقول لهم: إن محمداً يحدثكم بحديث عاد وثمود، وأنا أحدثكم بحديث رُسْتُم وإِسْفِنْدِيَار وأخبار الأكاسرة، فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن. فنزلت فيه هذه الآية.
وقال مجاهد: نزلت في شراء القيان والمغنيات.
أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المقرىء، قال: أخبرنا محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة، قال: حدَّثنا جدي، قال: حدَّثنا علي بن حُجْر، قال: حدَّثنا مِشْمَعِل بن مِلْحان الطائي، عن مُطَّرِح بن يزيد، عن عُبَيْد الله بن زَحْر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل تعليم المغنيات ولا بيعهنّ، وأثمانهن حرام. وفي مثل هذا نزلت هذه الآية: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ﴾ إلى آخر الآية، وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله تعالى عليه شيطانين أحدهما على هذا المنكب، والآخر على هذا المنكب؛ فلا يزالان يضربان بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت".
وقال ثُوَير بن أبي فاخِتَةَ عن أبيه، عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في رجل اشترى جارية تغنيه ليلاً ونهاراً.
قوله تعالى: ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي...﴾ الآية. [١٥].
نزلت في سعد بن أبي وَقَّاص، على ما ذكرناه في سورة العنكبوت.
قوله تعالى: ﴿وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ...﴾ الآية. [١٥].
نزلت في أبي بكر رضي الله عنه. قال عطاء عن ابن عباس: يريد أبا بكر، وذلك أنه حين أسلم أتاه عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وعثمان، وطلحة، والزبير؛ فقالوا لأبي بكر رضي الله عنه: آمنت وصدقت محمداً؟ فقال أبو بكر: نعم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فآمنوا وصدقوا، فأنزل الله تعالى - يقول لسعد -: ﴿وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ﴾ يعني أبا بكر رضي الله عنه.
قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ...﴾ الآية. [٢٧].
قال المفسرون: سألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح، فأنزل الله [بمكة] ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ فلما هاجر رسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. أتاه أحبار اليهود فقالوا: يا محمد بلغنا عنك أنك تقول: ﴿وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ أفَتَعْنِينا أو قومَك؟ فقال: كُلاًّ قد عَنَيْتُ، قالوا: ألست تتلو فيما جاءك أنا قد أوتينا التوراة، وفيها علم كل شيء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي في علم الله سبحانه قليل، وقد آتاكم الله تعالى ما إن عملتم به انتفعتم به. فقالوا: يا محمد، كيف تزعم هذا وأنت تقول: ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾ فكيف يجتمع هذا: علم قليل وخير كثير؟ فأنزل الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ﴾ الآية.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ...﴾ الآية. [٣٤].
نزلت في الحارث بن عمرو بن حارثة بن محارب بن حفصة، من أهل البادية، أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الساعة ووقتها، وقال: إن أرضنا أجدبت فمتى ينزل الغيث؟ وتركت امرأتي حبلى فماذا تلد؟ وقد علمت بأي أرض ولدتُ، فبأي أرض أموت؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد المؤذن، قال: أخبرنا محمد بن حمدون بن الفضل، قال: أخبرنا أحمد بن الحسن الحافظ، قال: أخبرنا حمدان السلمي، قال: حدَّثنا النَّضْر بن محمد، قال: حدَّثنا عكرمة، قال: حدَّثنا إِياس بن سلمة، قال:
حدَّثني أبي أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل بفرس له يقودها عَقُوق ومعها مهر له يتبعها فقال له: من أنت؟ قال: أنا نبي الله، قال: ومن نبي الله. قال: رسول الله، قال: متى تقوم الساعة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غيب، ولا يعلم الغيب إلا لله. قال: متى تمطر السماء؟ قال: غيب، ولا يعلم الغيب إلا الله. قال: ما في بطن فرسي هذه؟ قال: غيب ولا يعلم الغيب إلا الله. فقال: أرني سيفك، فأعطاه النبي صلى الله عليه سلم سيفه، فهزَّه الرجل ثم رده إليه. فقال [له] النبي صلى الله عليه وسلم: أما إنك لم تكن تستطيع الذي أردت. قال: وقد كان الرجل قال: أذهب إليه فأسائل عن هذه الخصال، ثم أضرب عنقه.
أخبرنا أبو عبد الله بن [أبي] إسحاق، قال: أخبرنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر، قال: أخبرنا محمد بن عثمان بن أبي سويد، قال: حدَّثنا أبو حذيفة، قال: أخبرنا سفيان الثوري، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله تعالى: لا يَعلم متى تقوم الساعة إلا الله، ولا يَعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يَعلم ما في غد إلا الله، ولا تعلم [نفس] بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى ينزل الغيث إلا الله".
رواه البخاري عن محمد بن يوسف، عن سفيان.
سورة لقمان
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (لُقْمانَ) من السُّوَر المكية، وقد جاءت ببيانِ عظمة هذا الكتاب، واتصافه بالحِكْمة، ومن ثَمَّ إثبات صفة الحِكْمة لله عز وجل، كما ذكرت السورةُ الكريمة وصايا (لُقْمانَ) الحكيمِ لابنه، التي يجدُرُ بكلِّ مَن آمَن بهذا الكتاب أن يأخذ بها، وقد تعرَّضتِ السورةُ لدلائلِ وَحْدانية الله وعظمته في هذا الكون، وبيان أقسام الناس، وموقفهم من الكتاب؛ من مؤمنٍ به وكافر.

ترتيبها المصحفي
31
نوعها
مكية
ألفاظها
550
ترتيب نزولها
57
العد المدني الأول
33
العد المدني الأخير
33
العد البصري
34
العد الكوفي
34
العد الشامي
34

* قوله تعالى: {يَٰبُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاْللَّهِۖ إِنَّ اْلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٞ} [لقمان: 13]:

عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا نزَلتِ: {اْلَّذِينَ ‌ءَامَنُواْ ‌وَلَمْ ‌يَلْبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82]، شَقَّ ذلك على المسلمين، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، أيُّنا لا يَظلِمُ نفسَه؟ قال: «ليس ذلك؛ إنما هو الشِّرْكُ؛ ألَمْ تَسمَعوا ما قال لُقْمانُ لابنِهِ وهو يَعِظُه: {يَٰبُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاْللَّهِۖ إِنَّ اْلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٞ} [لقمان: 13]؟!»». أخرجه البخاري (٣٤٢٩).

* سورة (لُقْمانَ):

سُمِّيتْ سورةُ (لُقْمانَ) بهذا الاسم؛ لذكرِ (لُقْمانَ) فيها، ولم يُذكَرْ في سورة أخرى.

* قراءة النبيِّ صلى الله عليه وسلم لها في صلاة الظُّهْرِ:

عن البَراء بن عازبٍ رضي الله عنهما، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُصلِّي بنا الظُّهْرَ، فنَسمَعُ منه الآيةَ بعد الآياتِ مِن سورةِ لُقْمانَ، والذَّاريَاتِ». أخرجه النسائي (٩٧١).

اشتمَلتْ سورةُ (لُقْمانَ) على الموضوعات الآتية:

1. المحسِنون: تعريفٌ وجزاء (١-٥).

2. فريق اللَّهْوِ من الناس (٦-٧).

3. آية الحِكْمة والقُدْرة (٨-١١).

4. نعمة الحِكْمة، والدعوةُ إلى شُكْرها (١٢-١٩).

5. إسباغ النِّعَم (٢٠-٢١).

6. الإنسان بين الكفرِ والإيمان (٢٢-٢٦).

7. كلمات الله التى لا تَنفَدُ (٢٧- ٢٨).

8. نعمة التسخير (٢٩- ٣٢).

9. المُغيَّبات وغُرور الحياة (٣٣-٣٤).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (6 /27).

جاءت سورةُ (لُقْمانَ) بمقاصِدَ عظيمةٍ؛ منها: إثباتُ الحِكْمة للكتاب، التي يلزم منها حِكْمةُ مُنزِلِه في أقواله وأفعاله؛ وهو اللهُ عزَّ وجلَّ.

ومنها: تذكيرُ المشركين بدلائلِ وَحْدانية الله تعالى، وبنِعَمِه عليهم؛ من خلال وصايا (لُقْمانَ) عليه السلام لابنه، وذكَرتْ مزيَّةَ دِين الإسلام، وتسليةَ الرسول صلى الله عليه وسلم بتمسُّك المسلمين بالعُرْوة الوثقى، وأنه لا يُحزِنه كفرُ مَن كفروا.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /356)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (21 /139).