تفسير سورة لقمان

مجاز القرآن

تفسير سورة سورة لقمان من كتاب مجاز القرآن المعروف بـمجاز القرآن.
لمؤلفه أبو عبيدة معمر بن المثنى . المتوفي سنة 209 هـ

«سورة لقمان» (٣١)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

«الم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ» (١- ٢) ساكن لأنه جرى مجرى فواتح سائر السور اللواتى مجازهن مجاز حروف التهجّى ومجاز موضعه فى المعنى كمجاز ابتداء فواتح سائر السور. ومجاز «تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ» أي هذه الآيات من القرآن..
«وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ» (١٠) مجازه: وجعل فيها رواسى أي جبالا قد رست أي ثبتت..
«أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ» (١٠) أي أن تحرّك بكم يمينا وشمالا..
«وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ» (١٠) أي فرّق فى الأرض من الدواب وكل ما أكل وشرب فهو دابة..
«ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ» (١١) أي الذين جعلتم معه تبارك وتعالى عن ذلك..
«حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ» (١٤) مجازه: ضعفا إلى ضعفها وفى آية أخرى «وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي» (١٩/ ٤).
وقال زهير:
فلن يقولوا بحبل واهن خلق لو كان قومك فى أمثاله هلكوا
«١» [٧٠٣].
«وَفِصالُهُ» (١٤) أي فطامه..
«وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ» (١٥) أي طريق من رجع وتاب إلى الله وهذا مما وصّى الله به ثم رجع الخبر إلى لقمان فقال.
«يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ» (١٦) أي زنة حبة..
«وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ» (١٨) مجازه: ولا تقلب وجهك ولا تعرض بوجهك فى ناحية من الكبر ومنه الصعر الذي يأخذ الإبل فى رؤوسها حتى يلفت أعناقها عن رؤوسها قال عمرو بن حنىّ التّغلبىّ:
وكنا إذا الجبار صعّر خدّه أقمنا له من ميله فتقوّما
«٢» [٧٠٤] والصّعر داء يأخذ البعير فى عنقه أو رأسه فيشبّه به الرجل الذي يتكبر على الناس «٣».
«وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً» (١٨) أي لا تمرح فى مشيك من الكبر.
«إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ» (١٩) أي أشدّ الأصوات.
(١). - ٧٠٣: ديوانه ص ١٨٠ والطبري ٢١/ ٤٠.
(٢). - ٧٠٤: أنشده صاحبا اللسان والتاج (صعر) ونسباه للمتلمس وهو من كلمة فى معجم المرزباني (ص ٢٠٦) قال: وهذا البيت يروى فى قصيدة المتلمس التي أولها يعيرنى.. إلخ وأبو عبيدة وغيره يروون هذه الأبيات لجابر بن حى التغلبي والقصيدة فى شعراء الجاهلية ١/ ٣٣٨ والبيت فى الطبري ٢١/ ٤٣ والقرطبي ١٤/ ٦٩.
(٣). - ١١- ١٢ «والصعر... الناس» : كما فى الطبري ٢١/ ٤٣.
«وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ» (٢٧) مجاز البحر هاهنا الماء العذب يقال:
ركبنا هذا البحر وكنا فى ناحية هذا البحر أي فى الريف لأن الملح فى البحر لا ينبت الأقلام «١» يمده من بعده أي من خلفه أي يسيل فيه سبعة أبحر، ومجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير، سبيله: فكتب كتاب الله بهذه الأقلام وبهذه البحور مانفد كتاب الله..
«ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ» (٢٨) مجازه مجاز قولك إلّا كخلق نفس واحدة وإلّا كبعث نفس واحدة أي كإحياء نفس لأنه إذا قدر على ذلك من بعض يقدر على بعث أكثر من ذلك إنما يقول لها: كونى فتكون وإذا قدر على أن يخلق نفسا يقدر على خلق أكثر من ذلك.
«وأن ما تدعون من دونه الباطل» (٣٠) أي تجعلون معه قال:
ألا ربّ من تدعو صديقا وغيبه لك الدهر قد ما غير منشرح الصدر
(٥٢٣).
«وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ» (٣٢) واحدتها ظلّة ومجازه: من شدة سواد كثرة الماء ومعظمه.
(١). - ٢- ٤ «البحر هاهنا... الأقلام» : روى القرطبي (١٤/ ٧٧) هذا الكلام عن أبى عبيدة.
قال النّابغة الجعدىّ وهو يصف البحر:
يماشيهنّ أخضر ذو ظلال على حافاته فلق الدّنان
«١» [٧٠٥] ويروى «يعارضهن»..
«كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ» (٣٢) الختر أقبح الغدر قال الأعشى:
بالأبلق الفرد من تيماء منزله حصن حصين وجار غير ختّار
«٢» [٧٠٦] وقال عمرو بن معديكرب:
وإنك لو رأيت أبا عمير ملأت يديك من غدر وختر
«٣» [٧٠٧].
«لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ» (٣٣) قوم يقولون: جزيت عنك كأنه من الجزاء وهو من أغنيت وقوم يقولون لا يجزئ عنك، يجعلونه من أجزأت عنك يهمزونه ويدخلون فى أوله ألفا..
«وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ» (٣٣) مجازه أن كل من غرّك من أمر الله أو من غير ذلك فهو غرور شيطانا كان أو غيره، تقديره فعول من غررت تغرّ..
«بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ» (٣٤) يقال: بأى أرض كنت وبأيت أرض كنت لغتان.
(١). - ٧٠٥: فى الطبري ٢١/ ٤٩ والقرطين ٢/ ٧٣ والقرطبي ١٤/ ٨٠.
(٢). - ٧٠٦: ديوانه ص ١٢٧ واللسان (ختر) والقرطبي ١٤/ ٨٠.
(٣). - ٧٠٧: فى الطبري ٢١/ ٤٩ والقرطبي ١٤/ ٨٠.
سورة لقمان
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (لُقْمانَ) من السُّوَر المكية، وقد جاءت ببيانِ عظمة هذا الكتاب، واتصافه بالحِكْمة، ومن ثَمَّ إثبات صفة الحِكْمة لله عز وجل، كما ذكرت السورةُ الكريمة وصايا (لُقْمانَ) الحكيمِ لابنه، التي يجدُرُ بكلِّ مَن آمَن بهذا الكتاب أن يأخذ بها، وقد تعرَّضتِ السورةُ لدلائلِ وَحْدانية الله وعظمته في هذا الكون، وبيان أقسام الناس، وموقفهم من الكتاب؛ من مؤمنٍ به وكافر.

ترتيبها المصحفي
31
نوعها
مكية
ألفاظها
550
ترتيب نزولها
57
العد المدني الأول
33
العد المدني الأخير
33
العد البصري
34
العد الكوفي
34
العد الشامي
34

* قوله تعالى: {يَٰبُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاْللَّهِۖ إِنَّ اْلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٞ} [لقمان: 13]:

عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا نزَلتِ: {اْلَّذِينَ ‌ءَامَنُواْ ‌وَلَمْ ‌يَلْبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82]، شَقَّ ذلك على المسلمين، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، أيُّنا لا يَظلِمُ نفسَه؟ قال: «ليس ذلك؛ إنما هو الشِّرْكُ؛ ألَمْ تَسمَعوا ما قال لُقْمانُ لابنِهِ وهو يَعِظُه: {يَٰبُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاْللَّهِۖ إِنَّ اْلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٞ} [لقمان: 13]؟!»». أخرجه البخاري (٣٤٢٩).

* سورة (لُقْمانَ):

سُمِّيتْ سورةُ (لُقْمانَ) بهذا الاسم؛ لذكرِ (لُقْمانَ) فيها، ولم يُذكَرْ في سورة أخرى.

* قراءة النبيِّ صلى الله عليه وسلم لها في صلاة الظُّهْرِ:

عن البَراء بن عازبٍ رضي الله عنهما، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُصلِّي بنا الظُّهْرَ، فنَسمَعُ منه الآيةَ بعد الآياتِ مِن سورةِ لُقْمانَ، والذَّاريَاتِ». أخرجه النسائي (٩٧١).

اشتمَلتْ سورةُ (لُقْمانَ) على الموضوعات الآتية:

1. المحسِنون: تعريفٌ وجزاء (١-٥).

2. فريق اللَّهْوِ من الناس (٦-٧).

3. آية الحِكْمة والقُدْرة (٨-١١).

4. نعمة الحِكْمة، والدعوةُ إلى شُكْرها (١٢-١٩).

5. إسباغ النِّعَم (٢٠-٢١).

6. الإنسان بين الكفرِ والإيمان (٢٢-٢٦).

7. كلمات الله التى لا تَنفَدُ (٢٧- ٢٨).

8. نعمة التسخير (٢٩- ٣٢).

9. المُغيَّبات وغُرور الحياة (٣٣-٣٤).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (6 /27).

جاءت سورةُ (لُقْمانَ) بمقاصِدَ عظيمةٍ؛ منها: إثباتُ الحِكْمة للكتاب، التي يلزم منها حِكْمةُ مُنزِلِه في أقواله وأفعاله؛ وهو اللهُ عزَّ وجلَّ.

ومنها: تذكيرُ المشركين بدلائلِ وَحْدانية الله تعالى، وبنِعَمِه عليهم؛ من خلال وصايا (لُقْمانَ) عليه السلام لابنه، وذكَرتْ مزيَّةَ دِين الإسلام، وتسليةَ الرسول صلى الله عليه وسلم بتمسُّك المسلمين بالعُرْوة الوثقى، وأنه لا يُحزِنه كفرُ مَن كفروا.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /356)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (21 /139).