تفسير سورة لقمان

الوجيز للواحدي

تفسير سورة سورة لقمان من كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المعروف بـالوجيز للواحدي.
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ
مكية وهي خمسون وتسع آيات
بسم الله الرحمن الرحيم هذه السورة مفسرة فيما مضى إلى قوله ﴿ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ﴾

﴿الم﴾
﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ﴾
﴿هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ﴾
﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هم يوقنون﴾
﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ المفلحون﴾
﴿ومن الناس من يشتري لهو الحديث﴾ يعني: النَّضر بن الحارث كان يخرج تاجراً إلى فارس فيشتري أخبار الأعاجم ثمَّ يأتي بها فيقرؤها في أندية قريش فيستملحونها ويتركون استماع القرآن وقوله: ﴿ويتخذها هزواً﴾ أَيْ: يتَّخذ آيات الكتاب هزوا وقوله:
﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بعذاب أليم﴾
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النعيم﴾
﴿خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الحكيم﴾
﴿خلق السماوات بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾
﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ﴾ أَيْ: وقلنا له: أن اشكر الله وقوله:
﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عظيم﴾
﴿حملته أمه وهناً على وهن﴾ أَيْ: لزمها بحملها إيَّاه أن تضعف مرَّةً بعد مرَّةً ﴿وفصاله﴾ وفطامه ﴿في عامين﴾ لأنَّها ترضع الولد عامين ﴿أن اشكر لي ولوالديك﴾ المعنى: وصَّينا الإِنسان أن اشكر لي ولوالديك
﴿وإن جاهداك﴾ مُفسَّرٌ فيما مضى وقوله: ﴿وصاحبهما في الدنيا معروفاً﴾ أَيْ: مُصَاحَباً معروفاً وهو المستحسن ﴿واتبع سبيل من أناب﴾ رجع ﴿إليَّ﴾ يعني: اسلك سبيل محمد ﷺ وأصحابه نزلت في سعد بن أبي وقاص وقد مرَّ
﴿يا بني إنها إن تك مثقال﴾ رُوي أنَّ ابنه قال له: إنْ علمت بالخطيئة حيث لا يراني أحدٌ كيف يعلمها الله عزوجل؟ فقال: ﴿إنها﴾ أي: الخطيئة ﴿إن تك مثقال حبة من خردل﴾ أو: السَّيِّئة ثمَّ كانت ﴿في صخرة﴾ أي: ي أخفى مكان ﴿أو في السماوات أو في الأرض﴾ أينما كانت أتى الله بها ولن تخفى عليه ومعنى ﴿يأت بها الله﴾ أَيْ: للجزاء عليها ﴿إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ﴾ باستخراجها ﴿خبير﴾ بمكانها وقوله:
﴿إنَّ ذلك من عزم الأمور﴾ أي: الأمور الواجبة
﴿ولا تصعر خدِّك للناس﴾ لا تُعرض عنهم تكبُّراً ﴿ولا تمش في الأرض مرحاً﴾ مُتَبختراً مختالاً
﴿واقصد في مشيك﴾ ليكن مشيك قصداً لا بِخُيلاء ولا بإسراع ﴿واغضض﴾ واخفض ﴿من صوتك إنَّ أنكر الأصوات﴾ أقبحها ﴿لصوت الحمير﴾
﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا في السماوات﴾ من الشَّمس والقمر والنُّجوم لتنتفعوا بها ﴿وما في الأرض﴾ ومن البحار والأنهار والدَّوابِّ ﴿وأسبغ﴾ وأوسعَ وأتمَّ ﴿عليكم نعمة ظاهرة﴾ وهي حسن الصُّورة وامتداد القامة ﴿وباطنة﴾ وهي المعرفة والباقي قد مضى تفسيره إلى قوله تعالى:
﴿أو لو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير﴾ أَيْ: موجباته فيتَّبعونه
﴿ومن يسلم وجهه إلى الله﴾ يُقبل على طاعته وأوامره ﴿وهو محسن﴾ مؤمنٌ موحِّدٌ ﴿فقد استمسك بالعروة الوثقى﴾ بالطَّرفِ الأوثق الذي لا يخاف انقطاعه ﴿وإلى الله عاقبة الأمور﴾ مرجعها
﴿وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور﴾
﴿نمتعهم قليلاً﴾ بالدُّنيا ﴿ثمَّ نضطرهم﴾ نُلجئهم ﴿إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾
﴿ولئن سالتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله﴾ الذي خلقها ﴿بل أكثرهم لا يعلمون﴾ إذ أشركوا به بعد إقرارهم بأنه خالقها
﴿لله ما في السماوات والأرض إن الله هو الغني الحميد﴾
﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ﴾ الآية وذلك أنَّ المشركين قالوا في القرآن: هذا كلام سيفذ وينقطع فأعلم الله سبحانه أن كلامه لا ينفذ ﴿والبحر يمده﴾ أَيْ: يزيد فيه ثمَّ كتبت به كلمات الله ﴿ما نفدت﴾
﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ أَيْ: كخلق وكبعث نفسٍ واحدةٍ لأنَّ قدرة الله سبحانه على بعث الخلق كقدرته على بعث نفسٍ واحدةٍ وقوله:
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ الله بما تعملون خبير﴾
﴿ذلك﴾ أَيْ: فعل الله ذلك لتعلموا ﴿بأن الله هو الحق﴾ الذي لا إله إلا غيره وقوله:
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شكور﴾ أَيْ: لكلِّ مؤمنٍ بهذه الصِّفة
﴿وإذا غشيهم﴾ علاهم ﴿موج كالظلل﴾ كالجبال وقيل: كالسَّحاب وقوله: ﴿فمنهم مقتصد﴾ أَيْ: مؤمنٌ مُوفٍ بما عاهد الله في البحر وقوله: ﴿كل ختار﴾ عذار ﴿كفور﴾ جحودٍ وقوله:
﴿لا يجزي والد عن ولده﴾ لا يكفي ولا يُغني عنه شيئاً و ﴿الغَرُور﴾ الشَّيطان
﴿إنَّ الله عنده علم الساعة﴾ متى تقوم ﴿وينزل الغيث﴾ المطر ﴿ويعلم ما في الأرحام﴾ ذكرا أو أنثى
سورة لقمان
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (لُقْمانَ) من السُّوَر المكية، وقد جاءت ببيانِ عظمة هذا الكتاب، واتصافه بالحِكْمة، ومن ثَمَّ إثبات صفة الحِكْمة لله عز وجل، كما ذكرت السورةُ الكريمة وصايا (لُقْمانَ) الحكيمِ لابنه، التي يجدُرُ بكلِّ مَن آمَن بهذا الكتاب أن يأخذ بها، وقد تعرَّضتِ السورةُ لدلائلِ وَحْدانية الله وعظمته في هذا الكون، وبيان أقسام الناس، وموقفهم من الكتاب؛ من مؤمنٍ به وكافر.

ترتيبها المصحفي
31
نوعها
مكية
ألفاظها
550
ترتيب نزولها
57
العد المدني الأول
33
العد المدني الأخير
33
العد البصري
34
العد الكوفي
34
العد الشامي
34

* قوله تعالى: {يَٰبُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاْللَّهِۖ إِنَّ اْلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٞ} [لقمان: 13]:

عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا نزَلتِ: {اْلَّذِينَ ‌ءَامَنُواْ ‌وَلَمْ ‌يَلْبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82]، شَقَّ ذلك على المسلمين، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، أيُّنا لا يَظلِمُ نفسَه؟ قال: «ليس ذلك؛ إنما هو الشِّرْكُ؛ ألَمْ تَسمَعوا ما قال لُقْمانُ لابنِهِ وهو يَعِظُه: {يَٰبُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاْللَّهِۖ إِنَّ اْلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٞ} [لقمان: 13]؟!»». أخرجه البخاري (٣٤٢٩).

* سورة (لُقْمانَ):

سُمِّيتْ سورةُ (لُقْمانَ) بهذا الاسم؛ لذكرِ (لُقْمانَ) فيها، ولم يُذكَرْ في سورة أخرى.

* قراءة النبيِّ صلى الله عليه وسلم لها في صلاة الظُّهْرِ:

عن البَراء بن عازبٍ رضي الله عنهما، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُصلِّي بنا الظُّهْرَ، فنَسمَعُ منه الآيةَ بعد الآياتِ مِن سورةِ لُقْمانَ، والذَّاريَاتِ». أخرجه النسائي (٩٧١).

اشتمَلتْ سورةُ (لُقْمانَ) على الموضوعات الآتية:

1. المحسِنون: تعريفٌ وجزاء (١-٥).

2. فريق اللَّهْوِ من الناس (٦-٧).

3. آية الحِكْمة والقُدْرة (٨-١١).

4. نعمة الحِكْمة، والدعوةُ إلى شُكْرها (١٢-١٩).

5. إسباغ النِّعَم (٢٠-٢١).

6. الإنسان بين الكفرِ والإيمان (٢٢-٢٦).

7. كلمات الله التى لا تَنفَدُ (٢٧- ٢٨).

8. نعمة التسخير (٢٩- ٣٢).

9. المُغيَّبات وغُرور الحياة (٣٣-٣٤).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (6 /27).

جاءت سورةُ (لُقْمانَ) بمقاصِدَ عظيمةٍ؛ منها: إثباتُ الحِكْمة للكتاب، التي يلزم منها حِكْمةُ مُنزِلِه في أقواله وأفعاله؛ وهو اللهُ عزَّ وجلَّ.

ومنها: تذكيرُ المشركين بدلائلِ وَحْدانية الله تعالى، وبنِعَمِه عليهم؛ من خلال وصايا (لُقْمانَ) عليه السلام لابنه، وذكَرتْ مزيَّةَ دِين الإسلام، وتسليةَ الرسول صلى الله عليه وسلم بتمسُّك المسلمين بالعُرْوة الوثقى، وأنه لا يُحزِنه كفرُ مَن كفروا.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /356)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (21 /139).