تفسير سورة الزمر

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم

تفسير سورة سورة الزمر من كتاب الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
لمؤلفه الكَازَرُوني . المتوفي سنة 923 هـ

إلَّا آية:﴿ قُلْ يٰعِبَادِيَ ﴾[الزمر: ٥٢] لمَّا قال:﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ ﴾[يوسف: ١٠٤] بين أنه تنزيل من الله تعالى فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ ﴾: القرآن كائن ﴿ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ ﴾: في فعله ﴿ إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ ﴾: القرآن ملتبسا ﴿ بِٱلْحَقِّ فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ ﴾: من الشرك والرياء ﴿ أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ ﴾: أي: هو واجب الاختصاص بإخلاص الطاعة له، فإنه المطلع على السرائر ﴿ وَ ﴾: الكفار ﴿ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ ﴾: قائلين ﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ ﴾: قربة ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ﴾: وبين الموحدين ﴿ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾: بمجازاتهم ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ﴾: لا يوفق للاهتداء ﴿ مَنْ هُوَ ﴾: في عمله تعالى ﴿ كَاذِبٌ ﴾: عليه ﴿ كَـفَّارٌ ﴾: بآياته ﴿ لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً ﴾: كما زعموا ﴿ لاَّصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ ﴾: إذ كل موجود سواه مخلوقه لكن اللازم باطلٌ لاستحالة كون المخلوق من جنس الخالق، فكذا الملزوم، وقيل: أي لاختاره من جنس ﴿ يَخْلُقُ ﴾: كل ﴿ مَا يَشَآءُ ﴾: ، وهو محال، إذ وجود ذلك محال، وأما عيسى عليه الصلاة والسلام فما كان يخلق كل ما يشاء على إنه كان يقدر الطير من الطين، ثم الله تعالى يخلقه بنفخة إظهارا لمعجزته ﴿ سُبْحَانَهُ ﴾: عن اتخاذ الولد ﴿ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ ﴾: لخلقه والوحدة تنافي المماثلة فضلاً عن التوالد، والقهارية المطلقة تنافي قبول الزوال المحوج إلى الولد ﴿ خَلَقَ ﴾: الله ﴿ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ ﴾: ملتبسا ﴿ بِٱلْحَقِّ يُكَوِّرُ ﴾: يفشى ويلف ﴿ ٱللَّيْـلَ عَلَى ٱلنَّهَـارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّـهَارَ عَلَى ٱللَّيْلِ ﴾: كلف اللباس للابس ﴿ وَسَخَّـرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُـلٌّ يَجْرِي لأَجَـلٍ مُّسَـمًّى ﴾: القيامة ﴿ أَلا هُوَ ٱلْعَزِيزُ ﴾: في قهر اعدائه ﴿ ٱلْغَفَّارُ ﴾: لأوليائه ﴿ خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾: آدم ﴿ ثُمَّ ﴾: للتفاوت بين الآيتين، وقيل: أخرج من ظهره ذريته كالذر، ثم خلق منه حواء ﴿ جَعَلَ مِنْهَا ﴾: من ضلعها ﴿ زَوْجَهَا ﴾: حواء ﴿ وَأَنزَلَ لَكُمْ ﴾: بأسباب سماوية ﴿ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ﴾: الإبل والبقر والضأن والمعز ذكرا وأنثى ﴿ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ ﴾: حيوانا بعد عظام بعد مضغة بعد نطفة ﴿ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ ﴾: من البطن والرحم والمشيمة أو الصلب ﴿ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ ﴾: فكيف ﴿ تُصْرَفُونَ ﴾: عن عبادته ﴿ إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلاَ يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلْكُفْرَ ﴾: مع أنه أراده ببعضهم، والفرق بينهما: ان في الرضا شبه استحسان يعبر عنه بترك الاعتراض، وأن مراد الله تعالى كائن بخلاف مرضاته، وتقابل الإرادة بالكراهة، والرضا بالسخط، وفي قوله ﴿ وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ ﴾: أي: الشكر ﴿ لَكُمْ ﴾: والرضا جزاء مؤخر عن الشرط وهو شكرنا، فلو اتحدا لزم تقدم شكرنا على إرادته القديمة ﴿ وَلاَ تَزِرُ ﴾: تحمل نفس ﴿ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُـمْ فَيُنَبِّئُكُـمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾: بجزائه ﴿ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ﴾: أي: بما في ﴿ ٱلصُّدُورِ * وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ﴾: جنسه ﴿ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً ﴾: راجعا ﴿ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ ﴾: أعطاه ﴿ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا ﴾: من ﴿ كَانَ يَدْعُوۤ إِلَيْهِ مِن قَبْلُ ﴾: وهو الله تعالى ﴿ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً ﴾: أمثالا ﴿ لِّيُضِلَّ ﴾: لام العاقبة ﴿ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً ﴾: إلى أجلك ﴿ إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ ﴾: هذا الكافر خير ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ﴾: قائم بالطاعات ﴿ آنَآءَ ﴾: ساعات ﴿ ٱلَّيلِ سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ ﴾: أي: عذابها ﴿ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ ﴾: وبتخفيف الميم بعكس التقدير ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ ﴾: وهو القانتون ﴿ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾: غيرهم أو لا يستوى الأولان كالأخيرين ﴿ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ ﴾: بذلك ﴿ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ ﴾: العقول ﴿ قُلْ يٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ ﴾: بطاعته ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ﴾: بطاعته ﴿ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةٌ ﴾: الجنة ﴿ وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ ﴾: فهاجروا إلى حيث يتيسر في الإحسان ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ ﴾: على البلاء كالهجرة ﴿ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾: في الحديث:" لا يُنصبُ لهم الميزانُ، بل يصبُّ عليهم الأجر صَباًّ "﴿ قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ ﴾: بأن ﴿ أَعْبُدَ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ * وَأُمِرْتُ ﴾: بذلك أن، أي: ﴿ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلْمُسْلِمِينَ ﴾: مقدمهم في الدين، فإن السبق في الدين بالإخلاص أو اللام مزيدة ﴿ قُلْ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾: مع قربتي ﴿ قُلِ ٱللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي * فَٱعْبُدُواْ مَا شِئْتُمْ مِّن دُونِهِ ﴾: أمر تهديد ﴿ قُلْ إِنَّ ٱلْخَاسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ ﴾: بالضلال إذ جعلها أهلا للعذاب ﴿ وَأَهْلِيهِمْ ﴾: بالإضلال أو بتركه الحذر ونحوها ﴿ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ * لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ ﴾: أطباق ﴿ مِّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ﴾: فوق الآخرين ﴿ ذَلِكَ يُخَوِّفُ ٱللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ ﴾: ليتجنبوه ﴿ يٰعِبَادِ فَٱتَّقُونِ ﴾: بالطاعة ﴿ وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّاغُوتَ ﴾: الشيطان ﴿ أَن يَعْبُدُوهَا ﴾: بإطاعته ﴿ وَأَنَابُوۤاْ ﴾: أقبلو ﴿ إِلَى ٱللَّهِ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ ﴾: في الدارين ﴿ فَبَشِّرْ عِبَادِ * ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ ﴾: أي: فبشرهم ﴿ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ﴾: كاتباع العزائم والعفو، لا الرخص والقصاص ﴿ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَاهُمُ ٱللَّهُ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمْ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ ﴾: العقول السليمة ﴿ أَ ﴾: أنت مالك أمرهم ﴿ فَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي ٱلنَّارِ ﴾: أي: تنقذه، كرر الهمزة تأكيدا للإنكار ﴿ لَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ ﴾: محكمة كالأسافل بخلاف الدنيا ﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَعْدَ ٱللَّهِ ﴾: مصدر مؤكد لنفسه ﴿ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ ٱلْمِيعَادَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَلَكَهُ ﴾: أدخله ﴿ يَنَابِيعَ ﴾: أمكنه النبع ﴿ فِي ٱلأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِـيجُ ﴾: ييبس ﴿ فَـتَرَاهُ مُصْفَـرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً ﴾: فتاتا ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ ﴾: يستدل به على كمال قدرته
﴿ أَفَمَن شَرَحَ ﴾: أي: وسع ﴿ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ ﴾: بقبوله كحمزة وعلي رضي الله تعالى عنهما ﴿ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ﴾: يهتدي به كمن قسى قلبه ﴿ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ﴾: ترك ﴿ ذِكْرِ ٱللَّهِ ﴾: أو من أجله يعني إذا ذكر الله أو آياته عندهم، اشمأزوا كأبي لهب وولده ﴿ أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ ﴾: القرآن ﴿ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً ﴾: بعضه بعضا في البلاغة وغيرها ﴿ مَّثَانِيَ ﴾: مكررة الأحكام وغيرها كما مر ﴿ تَقْشَعِرُّ ﴾: تنقبض ﴿ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ﴾: هذا مثل في شدة الخوف ﴿ ثُمَّ تَلِينُ ﴾: تسكن ﴿ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ ﴾: عند تلاوته متأملا، أي: يكونون بين الخوف والرجاء، وذكر القلوب لتقدم الخشية التي هي من عوارضها، وأفاد بإطلاقه بلا ذكر رجمة أن أصل أمره الرحمة ﴿ ذَلِكَ ﴾: الكتاب ﴿ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ ﴾: لأنه يده مغلولة ﴿ سُوۤءَ ﴾: أي: أشد ﴿ ٱلْعَذَابِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ﴾: كمنْ أَمِنَ مِنْهُ ﴿ وَ ﴾: قد ﴿ قِيلَ لِلظَّالِمِينَ ﴾: أي: لهم ﴿ ذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ * كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾: رسلهم ﴿ فَأَتَاهُمُ ٱلْعَـذَابُ مِنْ حَيْثُ ﴾: أي: جهة ﴿ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾: إتيان منه فاعتبروا ﴿ فَأَذَاقَهُمُ ٱللَّهُ ٱلْخِزْيَ ﴾: الذل من المسخ وغيره ﴿ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ ﴾: لهم ﴿ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ﴾: لاعتبروا ﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا ﴾: جعلنا ﴿ لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ﴾: يحتاج إليه ﴿ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ﴾: اختلال، كما مر ﴿ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾: به ﴿ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً ﴾: للمشرك والمخلص ﴿ رَّجُلاً ﴾: بدل منه أي: عبدا ﴿ فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ ﴾: متنازعون في استخدامه وهو متحير في الاعتماد على واحد منهم كعابد الصنم المتوزع قلبه لها ﴿ وَرَجُلاً سَلَماً ﴾: خالصًا ﴿ لِّرَجُلٍ ﴾: واحد يخدمه ويتعتمدُ عليه ﴿ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ﴾: صفة ﴿ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ﴾: وحده لأنه المنعم الحقيقى ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾: فيشركون من جهلهم ﴿ إِنَّكَ ﴾: يا محمد ﴿ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ ﴾: كلكم في عداد الموتى فلا شماته فيه، نزلت لما استبطأوا موته صلى الله عليه وسلم ﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ﴾: في التبليغ والتكذيب
﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى ٱللَّهِ ﴾: بالشرك وغيره ﴿ وَكَذَّبَ بِٱلصِّدْقِ ﴾: القرآن ﴿ إِذْ جَآءَهُ ﴾: بلا تدبر ﴿ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى ﴾: منزلا ﴿ لِّلْكَافِرِينَ ﴾: أي: لهم، استدل به مكفورا المبتدعة فإنهم يكذبون بما علم صدقه، وضعَّفوه لأنه مخصوص بمن فَاجَأَ مَا عَلمَ مجيء النبيّ صلى الله عليه وسلم به بالتكذيب ﴿ وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدْقِ ﴾: هو النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ وَصَدَّقَ بِهِ ﴾: أبو بكر أو المؤمنون ﴿ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ * لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْمُحْسِنِينَ * لِيُكَـفِّرَ ٱللَّهُ ﴾: علة للمتقين ﴿ عَنْهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ ﴾: فغير الأَسْوإ أولى ﴿ وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ٱلَّذِي كَـانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾: وعد الحسن بالأحسن في الجزاء ﴿ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾: النبي أو جنسه ﴿ وَيُخَوِّفُونَكَ ﴾: قريش ﴿ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ ﴾: كانوا يخوفونه من آلهتهم ﴿ وَمَن يُضْـلِلِ ٱللَّهُ ﴾: كهؤلاء ﴿ فَمَا لَهُ مِنْ هَـادٍ * وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِعَزِيزٍ ﴾: غالب ﴿ ذِي ٱنتِقَامٍ ﴾: من أعدائه ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ ﴾: تعبدونه ﴿ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾: من الأصنام ﴿ إِنْ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ ﴾: الأصنام ﴿ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ ﴾: فكيف تخوفونني بها، وأفاد بالتأنيث كمال ضعفهن ﴿ قُلْ حَسْبِيَ ﴾: كافي ﴿ ٱللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّـلُ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ * قُلْ يٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُـمْ ﴾: حالتكم ﴿ إِنِّي عَامِلٌ ﴾: على حالتي ﴿ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ ﴾: بالقتل ﴿ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ﴾: دائم في النار ﴿ إِنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ لِلنَّـاسِ ﴾: لنفعهم ملتبسا ﴿ بِٱلْحَقِّ فَـمَنِ ٱهْتَـدَىٰ ﴾: به ﴿ فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَـلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ ﴾: وبال ضلاله ﴿ عَلَيْهَا وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِـيلٍ ﴾: فتجبرهم ﴿ ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ﴾: يقبض ﴿ ٱلأَنفُسَ ﴾: من الأبدان ﴿ حِينَ مَوْتِـهَا ﴾: يمنع تصرفها فيها ظاهرا وباطنا، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها غير الروح، إذ العقل والتمييز منها، والنفس والحياة منه، وقيل: هما متحدان ﴿ وَ ﴾: يقبض الأنفس ﴿ ٱلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِـهَا ﴾: يمنع تصرفها فيها ظاهرا فقط، وحينئذ قد تجتمع كل النفوس في الملأ كما في الحديث ﴿ فَيُمْسِكُ ﴾: النفس ﴿ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ وَيُرْسِلُ ٱلأُخْرَىٰ ﴾: النائمة إلى جسدها ﴿ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾: وقت موتها، وعم عليّ رضي الله تعالى عنه: الرُّؤيا من النفس في السماء، والأضغاث منها قبل الاستقرار في الجسد يلقيها الشيطان ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾: في عجائب قدرته ﴿ أَمِ ﴾: بل ﴿ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُفَعَآءَ ﴾: عنده بزعمهم ﴿ قُلْ ﴾: ﴿ أَ ﴾ يشفعون ﴿ وَلَوْ كَـانُواْ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلاَ يَعْقِلُونَ ﴾: لأنهم جماد ﴿ قُل لِلَّهِ ٱلشَّفَاعَةُ جَمِيعاً ﴾: لا يشفع إلا بإذنه ﴿ لَّهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ﴾: دون آلهتهم ﴿ ٱشْمَأَزَّتْ ﴾: انقبضت ﴿ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ ﴾: كالأصنام ﴿ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾: يسرون ﴿ قُلِ ﴾: إذا تحيرت في أمرهم ﴿ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ عَالِمَ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ * وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾: بالشرك ﴿ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ ﴾: بمجموعهما ﴿ مِن سُوۤءِ ٱلْعَذَابِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَبَدَا ﴾: ظهر ﴿ لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ ﴾: من الوبال ﴿ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَـسَبُواْ ﴾: بعرض صحائفهم ﴿ وَحَاقَ ﴾: أحاط ﴿ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾: من العذاب ﴿ فَإِذَا ﴾: عطف إذ ذكر الله بيانا لمناقضتهم في حق الله تعالى ﴿ مَسَّ ٱلإِنسَانَ ﴾: جنسه ﴿ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ ﴾: أعطيناه ﴿ نِعْمَةً مِّنَّا ﴾: تفضلا ﴿ قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ ﴾: الضمير لما ﴿ عَلَىٰ عِلْمٍ ﴾: مني بوجوه كسبه، أو من الله باستحقاقي ﴿ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ ﴾: اختبار ﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * قَدْ قَالَهَا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾: كقارون ﴿ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ ﴾: من سخط الله ﴿ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ ﴾: وبال ﴿ مَا كَسَبُواْ وَٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ هَـٰؤُلاَءِ ﴾: المشركين ﴿ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ ﴾: أي: فائتين الله عز وجل فقحطوا سبع سنين ﴿ أَوَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ ﴾: أي: يضيقه على من يشاء كما ضيق عليهم ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾: به
﴿ قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ﴾: بالمعاصي، أفهم بالإضافة تخصيص المؤمنين، كما هو عرف القرآن ﴿ لاَ تَقْنَطُواْ ﴾: لا تيأسوا ﴿ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ ﴾: مغفرته أولا وتفضيله ثانيا ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً ﴾: ولو بلا توبة إلا الشرك للنص ﴿ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ * وَأَنِـيبُوۤاْ ﴾: ارجعوا ﴿ إِلَىٰ رَبِّكُمْ ﴾: بالتوبة ﴿ وَأَسْلِمُواْ ﴾: أطيعوا ﴿ لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ ﴾: بدفعة إن لم تتوبوا ﴿ وَٱتَّبِعُـوۤاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُـمْ ﴾: القرآن أو عزائمه ﴿ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُـمُ ٱلْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ ﴾: بمجيئة، اتبعوا قبل ﴿ أَن تَقُولَ نَفْسٌ ﴾: كافرة ﴿ يٰحَسْرَتَا ﴾: ندامتي كما مر ﴿ عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ ﴾: قصرت ﴿ فِي جَنبِ ٱللَّهِ ﴾: جانبه أي: حقه ﴿ وَإِن ﴾: إني ﴿ كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّاخِرِينَ ﴾: بدينه ﴿ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَانِي ﴾: فاهتديت ﴿ لَكُـنتُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى ٱلْعَذَابَ لَوْ ﴾: أي: ليت ﴿ أَنَّ لِي كَـرَّةً ﴾: رجعة إلى الدنيا ﴿ فَأَكُونَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾: فيجاب ﴿ بَلَىٰ قَدْ جَآءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَٱسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ * وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ ﴾: بالشرك وغيره ﴿ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى ﴾: مقام ﴿ لِّلْمُتَكَبِّرِينَ ﴾: عن عبادته ﴿ وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ ﴾: ملتبسين ﴿ بِمَفَازَتِهِمْ ﴾: فلاحهم ﴿ لاَ يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوۤءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾: عند الفزع الأكبر ﴿ ٱللَّهُ خَالِقُ كُـلِّ شَيْءٍ ﴾: خيرا وشرا إيمانا وكفرا ﴿ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾: يتولى التصرف فيه ﴿ لَّهُ مَقَالِيدُ ﴾: جمع مقليد أو مقلاد، من قلدته لزمته إقليد معرب إكليد، أي: مفاتيح ﴿ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾: لا يتصرف فيهما غيره إلا بإرادته ﴿ وَٱلَّذِينَ ﴾: متصل بقوله:﴿ وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِين ﴾[الزمر: ٦١] إلى آخره ﴿ كَفَرُواْ بِـآيَاتِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ * قُلْ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَأْمُرُونِّيۤ أَعْبُدُ أَيُّهَا ٱلْجَاهِلُونَ ﴾: بعد هذه الدلائل ﴿ وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ ﴾: أي: إلى كل واحد منكم ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ ﴾: فرضا كما مر ﴿ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ ﴾: أي: وإن رجعت إلى التوحيد، وهذا مختص بالأنبياء ﴿ بَلِ ٱللَّهَ فَٱعْبُدْ وَكُن مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ ﴾: لنعمه ﴿ وَمَا قَدَرُواْ ﴾: أي: عظموه ﴿ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾: تعظيمه، فوصفوه بما لا يليق به ﴿ وَٱلأَرْضُ ﴾: حال كونها ﴿ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ ﴾: اسم المقدار المقبوض بالكف ﴿ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ ﴾: بيان لحقارة الأفعال العظام لدى قدرته ﴿ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطْوِيَّاتٌ ﴾: كالسجل المطوي ﴿ بِيَمِينِهِ ﴾: نؤمن بالقبضة واليمين ونكل كيفيتهما إلى علمه ﴿ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾: معه ﴿ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ﴾: النفخة الأولى وكذا الثانية عند من قال: هي ثلاثة كما مر ﴿ فَصَعِقَ ﴾: مات أو غشي عليه ﴿ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ ﴾: كما مر ﴿ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ ﴾: نفخة ﴿ أُخْرَىٰ ﴾: بعد أربعين سنة ﴿ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ ﴾: إلى الجوانب نظر المبهوت ﴿ وَأَشْرَقَتِ ﴾: أضاءت ﴿ ٱلأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا ﴾: بلا توسط أجسام مضيئة أو بإقامة العدل ﴿ وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ ﴾: كتاب الأعمال للجزاء أو صحائفنا في أيدينا ﴿ وَجِـيءَ بِٱلنَّبِيِّيْنَ وَٱلشُّهَدَآءِ ﴾: للأمم وعليهم، أو هم هذه الأمة كما مر ﴿ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِٱلْحَقِّ ﴾: بالعدل ﴿ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾: شيئا ﴿ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ﴾: جزاء ﴿ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ ﴾: تعالى ﴿ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ * وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ ﴾: سوق الأسارى إلى القتل ﴿ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَراً ﴾: أفواجا متتابعة ﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ﴾: فلا تفتح إلا بعد مجيئهم لما سيأتي ﴿ وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ ﴾: توبيخا ﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَـآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنْ حَقَّتْ ﴾: وجبت ﴿ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ ﴾: هي﴿ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ ﴾[الأعراف: ١٨] إلى آخره ﴿ قِيلَ ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى ﴾: مأوى ﴿ ٱلْمُتَكَـبِّرِينَ ﴾: هي، وهذا لا ينافي دخولهم لسبق الكلمة، فإنه سبب تكبرهم كما بينته الأخبار ﴿ وَسِيقَ ﴾: مراكب ﴿ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى ٱلّجَنَّةِ زُمَراً ﴾: أفواجا متتابعة ﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا ﴾: ﴿ وَ ﴾ الحال أنه ﴿ فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ﴾: الثمانية تكرمه وانتظارا ولأن في الوقوف على الباب المغلق نوع ذل لأن الكريم يعجل المثوبة ويؤخر العقوبة ﴿ وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ ﴾: مقاما أو من دنس المعاصي ﴿ فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴾: جواب إذا، فازوا بما فازوا ﴿ وَقَـالُواْ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ ﴾: أرض الجنة من أهل النار كما مر ﴿ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ ﴾: من ملكنا مستغنين عن ملك غيرنا ﴿ فَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ ﴾: الجنة ﴿ وَتَرَى ٱلْمَلاَئِكَةَ حَآفِّينَ ﴾: مُطِيْفين ﴿ مِنْ حَوْلِ ٱلْعَرْشِ ﴾: متعلق ترى ﴿ يُسَبِّحُونَ ﴾: الله ملتبسين ﴿ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ﴾: أفاد أن منتهى درجات العليين ولذَّاتهم الاستغراق في صفاته تعالى ﴿ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ﴾: بين الخلائق ﴿ بِٱلْحَقِّ ﴾: بالعدل ﴿ وَقِيلَ ﴾: تقول الملائكة أو المؤمنون ﴿ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾: على عدله.
سورة الزمر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الزُّمَر) من السُّوَر المكية، وقد جاءت بدلائلَ كثيرةٍ على وَحْدانية الله، واستحقاقه للألوهية، وذكَرتْ آياتٍ لله عز وجل في هذا الكون، وبيَّنت مآلَ مَن آمن واتقى، ومآلَ من عصى وكفَر بالله؛ مِن تقسيمِ الله لهم إلى زُمَرٍ: زُمْرة إلى الجنة والسعادة، وزُمْرة إلى النار والشقاء، وقد أُثِر عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لسورة (الزُّمَر) قبل النوم.

ترتيبها المصحفي
39
نوعها
مكية
ألفاظها
1177
ترتيب نزولها
59
العد المدني الأول
72
العد المدني الأخير
72
العد البصري
72
العد الكوفي
75
العد الشامي
73

* قوله تعالى: {يَٰعِبَادِيَ اْلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اْللَّهِۚ إِنَّ اْللَّهَ يَغْفِرُ اْلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ اْلْغَفُورُ اْلرَّحِيمُ ٥٣ وَأَنِيبُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُۥ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ اْلْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ٥٤ وَاْتَّبِعُوٓاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ اْلْعَذَابُ بَغْتَةٗ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الزمر: 53-55]:

عن عُمَرَ بن الخطَّابِ رضي الله عنه، قال: «لمَّا اجتمَعْنا للهجرةِ، اتَّعَدتُّ أنا وعيَّاشُ بنُ أبي ربيعةَ وهشامُ بنُ العاصِ المِيضأةَ، مِيضأةَ بني غِفَارَ فوقَ سَرِفَ، وقُلْنا: أيُّكم لم يُصبِحْ عندها فقد احتبَسَ؛ فَلْيَمضِ صاحِباه، فحُبِسَ عنَّا هشامُ بنُ العاصِ.

فلمَّا قَدِمْنا مَنزِلَنا في بني عمرِو بنِ عوفٍ، وخرَجَ أبو جهلِ بنُ هشامٍ والحارثُ بنُ هشامٍ إلى عيَّاشِ بنِ أبي ربيعةَ، وكان ابنَ عَمِّهما وأخاهما لأُمِّهما، حتى قَدِمَا علينا المدينةَ، فكلَّماه، فقالا له: إنَّ أُمَّك نذَرتْ ألَّا تَمَسَّ رأسَها بمُشْطٍ حتى تَراكَ، فرَقَّ لها، فقلتُ له: يا عيَّاشُ، واللهِ، إن يريدُك القومُ إلا عن دِينِك؛ فاحذَرْهم؛ فواللهِ، لو قد آذى أمَّك القَمْلُ لَامتشَطتْ، ولو قد اشتَدَّ عليها حرُّ مكَّةَ، أحسَبُه قال: لاستَظلَّتْ، قال: إنَّ لي هناك مالًا فآخُذُه، قال: قلتُ: واللهِ، إنَّك لَتَعلَمُ أنِّي مِن أكثَرِ قُرَيشٍ مالًا؛ فلك نصفُ مالي، ولا تَذهَبْ معهما، فأبى إلا أن يخرُجَ معهما، فقلتُ له لمَّا أبى عليَّ: أمَا إذ فعَلْتَ ما فعَلْتَ، فخُذْ ناقتي هذه؛ فإنَّها ناقةٌ ذَلُولٌ؛ فالزَمْ ظَهْرَها، فإن رابَك مِن القومِ رَيْبٌ، فانْجُ عليها.

فخرَجَ معهما عليها، حتى إذا كانوا ببعضِ الطريقِ، قال أبو جهلِ بنُ هشامٍ: واللهِ، لقد استبطأتُ بعيري هذا، أفلا تَحمِلُني على ناقتِك هذه؟ قال: بلى، فأناخَ وأناخَا؛ ليَتحوَّلَ عليها، فلمَّا استوَوْا بالأرضِ عَدَيَا عليه، فأوثَقاه، ثم أدخَلاه مكَّةَ، وفتَنَاه فافتتَنَ، قال: فكنَّا نقولُ: واللهِ، لا يَقبَلُ اللهُ ممَّن افتتَنَ صَرْفًا ولا عَدْلًا، ولا يَقبَلُ توبةَ قومٍ عرَفوا اللهَ ثم رجَعوا إلى الكفرِ لبلاءٍ أصابهم.

قال: وكانوا يقولون ذلك لأنفسِهم، فلمَّا قَدِمَ رسولُ اللهِ ﷺ المدينةَ، أنزَلَ اللهُ عز وجل فيهم وفي قولِنا لهم وقولِهم لأنفسِهم: {يَٰعِبَادِيَ اْلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اْللَّهِۚ إِنَّ اْللَّهَ يَغْفِرُ اْلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ اْلْغَفُورُ اْلرَّحِيمُ} [الزمر: 53] إلى قولِه: {وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الزمر: 55].

قال عُمَرُ: فكتَبْتُها في صحيفةٍ، وبعَثْتُ بها إلى هشامِ بنِ العاصِ، قال هشامٌ: فلَمْ أزَلْ أقرَؤُها بذِي طُوًى أصعَدُ بها فيه حتى فَهِمْتُها، قال: فأُلقِيَ في نفسي أنَّها إنَّما نزَلتْ فينا، وفيما كنَّا نقولُ في أنفسِنا، ويقالُ فينا، فرجَعْتُ فجلَسْتُ على بعيري، فلَحِقْتُ برسولِ اللهِ ﷺ بالمدينةِ». أخرجه البزار (١٥٥).

* قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُواْ اْللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِۦ وَاْلْأَرْضُ جَمِيعٗا قَبْضَتُهُۥ يَوْمَ اْلْقِيَٰمَةِ وَاْلسَّمَٰوَٰتُ مَطْوِيَّٰتُۢ بِيَمِينِهِۦۚ سُبْحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67]:

عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجُلٌ مِن أهلِ الكتابِ، فقال: يا أبا القاسمِ، أبلَغَك أنَّ اللهَ عز وجل يَحمِلُ الخلائقَ على إصبَعٍ، والسَّمواتِ على إصبَعٍ، والأرَضِينَ على إصبَعٍ، والشَّجَرَ على إصبَعٍ، والثَّرى على إصبَعٍ، قال: فضَحِكَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حتى بدَتْ نواجذُه، قال: فأنزَلَ اللهُ تعالى: {وَمَا قَدَرُواْ اْللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِۦ وَاْلْأَرْضُ جَمِيعٗا قَبْضَتُهُۥ يَوْمَ اْلْقِيَٰمَةِ} [الزمر: 67] إلى آخرِ الآيةِ». أخرجه البخاري (٧٤١٥).

* سورة (الزُّمَر):

سُمِّيت سورةُ (الزُّمَر) بهذا الاسم؛ لأنَّ اللهَ ذكَر فيها زُمْرة السُّعداء من أهل الجنة، وزُمْرة الأشقياء من أهل النار.

* كان صلى الله عليه وسلم لا ينامُ حتى يَقرأَ (الزُّمَر):

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «كان النبيُّ ﷺ لا ينامُ حتى يَقرأَ الزُّمَرَ، وبني إسرائيلَ». أخرجه الترمذي (٣٤٠٥).

1. القرآن تنزيلٌ من الله تعالى، والعبادة له وَحْده (١-٤).

2. آيات الله تعالى في الآفاق والأنفس (٥-٧).

3. مقارنة بين المؤمن والكافر (٨-٩).

4. إرشادٌ للمؤمنين، ووعيد لعبَدةِ الأصنام (١٠-٢٠) .

5. دلائل وَحْدانية الله تعالى، وقُدْرته (٢١).

6. حال المؤمنين مع القرآن، عذاب الكافرين (٢٢-٢٦).

7. ضَرْبُ الأمثال للتذكير (٢٧-٣١).

8. وعيدٌ للمشركين، ووعد للمؤمنين (٣٢-٣٧).

9. ضَلال المشركين، وتهديد الله لهم (٣٨-٤٠).

10. مظاهر قدرة الله تعالى (٤١-٤٨).

11. الإنسان بين الضَّراء والسَّراء (٤٩-٥٢).

12. دعوة للرجوع إلى الله تعالى (٥٣-٥٩).

13. دلائلُ ألوهية الله تعالى، ووَحْدانيته (٦٠-٦٧).

14. أهوال الآخرة، ومآل الأشقياء والسُّعداء (٦٨-٧٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (6 /478).

مقصدُ سورة (الزُّمَر) هو الدَّلالة على صِدْقِ الله عزَّ وجلَّ في وعدِه؛ فحاشاه أن يفُوتَه شيء، أو أن يُخلِفَ وعدَه، وقد أعذَرَ إلى الكفار بإنذارِهم بالحشر، وهو واقعٌ حاصل بتقسيم الناس إلى زُمَرٍ على ما يستحِقُّون من أعمالهم: زُمْرة المتقين الأبرار، وزُمْرة الكفار الأشرار.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /423).