تفسير سورة الزمر

مجاز القرآن

تفسير سورة سورة الزمر من كتاب مجاز القرآن
لمؤلفه أبو عبيدة . المتوفي سنة 210 هـ

﴿ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ ﴾ يدخل، مجازها : يولج.
﴿ في ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ ﴾ في أصلاب الرجال ثم في الرحم ثم في البطن وقال بعضهم في الحولاء وفي الرحم وفي البطن.
﴿ ثُمَّ إذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ ﴾ كل مالك وكل شيء أعطيته فقد خولته قال أبو النجم :
أَعْطى فلم يَبْخَلْ وَلم يُبْخَّلِ *** كُوْمَ الذُّرى من خَوَلِ المُخَوِّل
يريد الله تبارك وتعالى : وسمعت أبا عمرو يقول في بيت زهير :
هنالك إن يُستخولوا المال يُخْوِلوا *** وإن يُسْئَلوا يُعطوا وإن يَيسْرُوا يُغْلوا
قال يونس : إنما سمعنا :
هنالك إن يُسْتَخبلوا المال يُخْبلُوا ***............................
وهي معناها.
﴿ وَعْدَ اللّهِ لاَ يُخْلِفُ اللّه الْمِيعَادَ ﴾ نصبٌ مجازه مجاز المصدر الذي ينصبه فعلٌ من غير لفظه والوعد والميعاد والوعيد واحد، قال ابو عبيدة إذا قلت : وعدت الرجل، فالوجه الخير ويكون الشر قال الله ﴿ النّارُ وَعَدَهَا الله الذِينَ كَفَرُوا ﴾ وإذا قلت : أوعدت فالوجه الشر ولا يكون الخير.
﴿ فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرْضِ ﴾ واحدها ينبوع وهو ما جاش من الأرض.
﴿ ثُمّ يَهِيجُ فَتَراُه مُصْفَرّاً ﴾ إذا ذوى الرطب كله فقد هاج ويقال : هاجت الأرض وهو إذا ذوى ما فيها من الخضر.
﴿ ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً ﴾ بعد صفرته أي رفاتاً والحطام والرفات والدرين واحد في كلام العرب وهو ما يبس فتحات من النبات.
﴿ مُتَشَابهاً ﴾ يصدق بعضه بعضاً ويشبه بعضه بعضاً.
﴿ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيه شُرَكاَء مُتَشَاكِسُونَ ﴾ مجازها من الرجل الشكس.
﴿ سلماً ﴾ خالصاً وسلماً لرجل أي صلحاً.
﴿ وَالذِي جَاءَ بِالصَّدْقِ ﴾ في موضع الجميع وصدق به قال الأشهب ابن رميلة :
وإن الذي حانتْ بِفَلجٍ دِمَاؤهم هم القوم كل القوم يا أُمَّ خالدِ
﴿ قُلْ أَفَرَاَيتُم مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ أَرَادَنِي اللّهُ بِضُرّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ ﴾ ما ها هنا في موضع الجميع مجازها مجاز الذي مثل بيت الأشهب هذا وقوله ﴿ هل هن كاشفات ضره ﴾ يعني ما تعبدون من حجر ووثن، وأنت لأنهن موات كما قال ﴿ إِنْ يَدْعُونَ مِن دُونِه إلاّ إِنَاثاً ﴾ إلا مواتاً.
﴿ اللهُ يَتَوَفى الانْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتي لَمْ تَمُتْ في مَنَامِهَا فُيُمْسِكَ التي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ ويَرْسِلَ الأُخْرَى إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ فجعل النائم متوفى أيضاً إلا أنه يرده إلى الدنيا.
﴿ اشْمَأَزَّتْ قُلُوب ﴾ تقول العرب : اسمأزَّ قلبي عن فلان أي نفر.
﴿ وَحَاقَ بِهِمْ ﴾ مثل أحاط بهم ولزمهم.
﴿ فيِ جَنْبِ اللّه ﴾ وفي ذات الله واحد.
﴿ وَيُنَجِّي اللّه الذِينَ اتّقَوْا بِمَفَازَاتِهِمْ ﴾ بنجاتهم من الفوز.
﴿ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالْأرْضِ ﴾ أي المفاتيح واحدها مقليد وواحد الأقاليد إقليد، وقال الأعشى :
فَتىً لَوْ يُجَارِي الشَّمسَ أَلْقتْ قِنَاعَهَا أو القمر السارِي لأَلْقى المقَالِدَا
﴿ وَلَقَدْ أُوِحيَ إِلَيْكَ وإِلَى الذِينَ مِنْ قَبلِكَ لَئنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَّنَ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخْاسِرِينَ ﴾ مجازها ولقد أوحي إليك لئن اشركت ليحبطن عملك وإلى الذين من قبلك مجازها مجاز الأمرين اللذين يخبر عن أحدهما ويكف عن الآخر وهو داخل في معناه.
﴿ زُمَراً ﴾ جماعات في تفرقة وبعضهم على أثر بعض واحدتها زمرة قال الأخطل :
شوقاً إليهم ووجداً يوم أَتبعُهْم طَرْفِي ومنهم بجني كوكبٍ زُمَرُ
﴿ وَسِيقَ الذين اتّقَوْا رَبَّهُمْ إِلى الَجْنَّةِ زُمَرَاً حَتَّى إذَا جَاؤُهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُها وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلاَمٌ عَلَيْكُم طِبْتُمْ فادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴾ مكفوفٌ عن خبره والعرب تفعل مثل هذا، قال عبد مناف بن ربع في آخر قصيدة :
حتى إذا أَسلكُوُهمْ في قُتَائِدِةٍ شَلاًّ كما تَطْرد الْجَمَّالةُ الشُّرَدا
وقال الأخطل أيضاً في آخر قصيدة :
خلا إن حياً من قريش تفضلوا على الناس أو أن الأكارم نَهْشَلا
﴿ حاَفِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ﴾ أطافوا به بحفافيه.
﴿ يُسَبِّحُون بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ﴾ والعرب قد تخلى الباء منها في القرآن ﴿ سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الأعْلى ﴾.
سورة الزمر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الزُّمَر) من السُّوَر المكية، وقد جاءت بدلائلَ كثيرةٍ على وَحْدانية الله، واستحقاقه للألوهية، وذكَرتْ آياتٍ لله عز وجل في هذا الكون، وبيَّنت مآلَ مَن آمن واتقى، ومآلَ من عصى وكفَر بالله؛ مِن تقسيمِ الله لهم إلى زُمَرٍ: زُمْرة إلى الجنة والسعادة، وزُمْرة إلى النار والشقاء، وقد أُثِر عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لسورة (الزُّمَر) قبل النوم.

ترتيبها المصحفي
39
نوعها
مكية
ألفاظها
1177
ترتيب نزولها
59
العد المدني الأول
72
العد المدني الأخير
72
العد البصري
72
العد الكوفي
75
العد الشامي
73

* قوله تعالى: {يَٰعِبَادِيَ اْلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اْللَّهِۚ إِنَّ اْللَّهَ يَغْفِرُ اْلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ اْلْغَفُورُ اْلرَّحِيمُ ٥٣ وَأَنِيبُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُۥ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ اْلْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ٥٤ وَاْتَّبِعُوٓاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ اْلْعَذَابُ بَغْتَةٗ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الزمر: 53-55]:

عن عُمَرَ بن الخطَّابِ رضي الله عنه، قال: «لمَّا اجتمَعْنا للهجرةِ، اتَّعَدتُّ أنا وعيَّاشُ بنُ أبي ربيعةَ وهشامُ بنُ العاصِ المِيضأةَ، مِيضأةَ بني غِفَارَ فوقَ سَرِفَ، وقُلْنا: أيُّكم لم يُصبِحْ عندها فقد احتبَسَ؛ فَلْيَمضِ صاحِباه، فحُبِسَ عنَّا هشامُ بنُ العاصِ.

فلمَّا قَدِمْنا مَنزِلَنا في بني عمرِو بنِ عوفٍ، وخرَجَ أبو جهلِ بنُ هشامٍ والحارثُ بنُ هشامٍ إلى عيَّاشِ بنِ أبي ربيعةَ، وكان ابنَ عَمِّهما وأخاهما لأُمِّهما، حتى قَدِمَا علينا المدينةَ، فكلَّماه، فقالا له: إنَّ أُمَّك نذَرتْ ألَّا تَمَسَّ رأسَها بمُشْطٍ حتى تَراكَ، فرَقَّ لها، فقلتُ له: يا عيَّاشُ، واللهِ، إن يريدُك القومُ إلا عن دِينِك؛ فاحذَرْهم؛ فواللهِ، لو قد آذى أمَّك القَمْلُ لَامتشَطتْ، ولو قد اشتَدَّ عليها حرُّ مكَّةَ، أحسَبُه قال: لاستَظلَّتْ، قال: إنَّ لي هناك مالًا فآخُذُه، قال: قلتُ: واللهِ، إنَّك لَتَعلَمُ أنِّي مِن أكثَرِ قُرَيشٍ مالًا؛ فلك نصفُ مالي، ولا تَذهَبْ معهما، فأبى إلا أن يخرُجَ معهما، فقلتُ له لمَّا أبى عليَّ: أمَا إذ فعَلْتَ ما فعَلْتَ، فخُذْ ناقتي هذه؛ فإنَّها ناقةٌ ذَلُولٌ؛ فالزَمْ ظَهْرَها، فإن رابَك مِن القومِ رَيْبٌ، فانْجُ عليها.

فخرَجَ معهما عليها، حتى إذا كانوا ببعضِ الطريقِ، قال أبو جهلِ بنُ هشامٍ: واللهِ، لقد استبطأتُ بعيري هذا، أفلا تَحمِلُني على ناقتِك هذه؟ قال: بلى، فأناخَ وأناخَا؛ ليَتحوَّلَ عليها، فلمَّا استوَوْا بالأرضِ عَدَيَا عليه، فأوثَقاه، ثم أدخَلاه مكَّةَ، وفتَنَاه فافتتَنَ، قال: فكنَّا نقولُ: واللهِ، لا يَقبَلُ اللهُ ممَّن افتتَنَ صَرْفًا ولا عَدْلًا، ولا يَقبَلُ توبةَ قومٍ عرَفوا اللهَ ثم رجَعوا إلى الكفرِ لبلاءٍ أصابهم.

قال: وكانوا يقولون ذلك لأنفسِهم، فلمَّا قَدِمَ رسولُ اللهِ ﷺ المدينةَ، أنزَلَ اللهُ عز وجل فيهم وفي قولِنا لهم وقولِهم لأنفسِهم: {يَٰعِبَادِيَ اْلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اْللَّهِۚ إِنَّ اْللَّهَ يَغْفِرُ اْلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ اْلْغَفُورُ اْلرَّحِيمُ} [الزمر: 53] إلى قولِه: {وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الزمر: 55].

قال عُمَرُ: فكتَبْتُها في صحيفةٍ، وبعَثْتُ بها إلى هشامِ بنِ العاصِ، قال هشامٌ: فلَمْ أزَلْ أقرَؤُها بذِي طُوًى أصعَدُ بها فيه حتى فَهِمْتُها، قال: فأُلقِيَ في نفسي أنَّها إنَّما نزَلتْ فينا، وفيما كنَّا نقولُ في أنفسِنا، ويقالُ فينا، فرجَعْتُ فجلَسْتُ على بعيري، فلَحِقْتُ برسولِ اللهِ ﷺ بالمدينةِ». أخرجه البزار (١٥٥).

* قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُواْ اْللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِۦ وَاْلْأَرْضُ جَمِيعٗا قَبْضَتُهُۥ يَوْمَ اْلْقِيَٰمَةِ وَاْلسَّمَٰوَٰتُ مَطْوِيَّٰتُۢ بِيَمِينِهِۦۚ سُبْحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67]:

عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجُلٌ مِن أهلِ الكتابِ، فقال: يا أبا القاسمِ، أبلَغَك أنَّ اللهَ عز وجل يَحمِلُ الخلائقَ على إصبَعٍ، والسَّمواتِ على إصبَعٍ، والأرَضِينَ على إصبَعٍ، والشَّجَرَ على إصبَعٍ، والثَّرى على إصبَعٍ، قال: فضَحِكَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حتى بدَتْ نواجذُه، قال: فأنزَلَ اللهُ تعالى: {وَمَا قَدَرُواْ اْللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِۦ وَاْلْأَرْضُ جَمِيعٗا قَبْضَتُهُۥ يَوْمَ اْلْقِيَٰمَةِ} [الزمر: 67] إلى آخرِ الآيةِ». أخرجه البخاري (٧٤١٥).

* سورة (الزُّمَر):

سُمِّيت سورةُ (الزُّمَر) بهذا الاسم؛ لأنَّ اللهَ ذكَر فيها زُمْرة السُّعداء من أهل الجنة، وزُمْرة الأشقياء من أهل النار.

* كان صلى الله عليه وسلم لا ينامُ حتى يَقرأَ (الزُّمَر):

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «كان النبيُّ ﷺ لا ينامُ حتى يَقرأَ الزُّمَرَ، وبني إسرائيلَ». أخرجه الترمذي (٣٤٠٥).

1. القرآن تنزيلٌ من الله تعالى، والعبادة له وَحْده (١-٤).

2. آيات الله تعالى في الآفاق والأنفس (٥-٧).

3. مقارنة بين المؤمن والكافر (٨-٩).

4. إرشادٌ للمؤمنين، ووعيد لعبَدةِ الأصنام (١٠-٢٠) .

5. دلائل وَحْدانية الله تعالى، وقُدْرته (٢١).

6. حال المؤمنين مع القرآن، عذاب الكافرين (٢٢-٢٦).

7. ضَرْبُ الأمثال للتذكير (٢٧-٣١).

8. وعيدٌ للمشركين، ووعد للمؤمنين (٣٢-٣٧).

9. ضَلال المشركين، وتهديد الله لهم (٣٨-٤٠).

10. مظاهر قدرة الله تعالى (٤١-٤٨).

11. الإنسان بين الضَّراء والسَّراء (٤٩-٥٢).

12. دعوة للرجوع إلى الله تعالى (٥٣-٥٩).

13. دلائلُ ألوهية الله تعالى، ووَحْدانيته (٦٠-٦٧).

14. أهوال الآخرة، ومآل الأشقياء والسُّعداء (٦٨-٧٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (6 /478).

مقصدُ سورة (الزُّمَر) هو الدَّلالة على صِدْقِ الله عزَّ وجلَّ في وعدِه؛ فحاشاه أن يفُوتَه شيء، أو أن يُخلِفَ وعدَه، وقد أعذَرَ إلى الكفار بإنذارِهم بالحشر، وهو واقعٌ حاصل بتقسيم الناس إلى زُمَرٍ على ما يستحِقُّون من أعمالهم: زُمْرة المتقين الأبرار، وزُمْرة الكفار الأشرار.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /423).