تفسير سورة الجن

اللغة العربية - المختصر في تفسير القرآن الكريم

تفسير سورة سورة الجن من كتاب المختصر في تفسير القرآن الكريم المعروف بـاللغة العربية - المختصر في تفسير القرآن الكريم.
لمؤلفه مركز تفسير للدراسات القرآنية .

قل - أيها الرسول - لأمتك: أوحى الله إليّ أنه استمع إلى قراءتي للقرآن جماعة من الجن ببطن نَخْلة، فلما رجعوا إلى قومهم قالوا لهم: إنا سمعنا كلامًا مقروءًا مُعْجِبًا في بيانه وفصاحته.
هذا الكلام الذي سمعناه يدلّ على الصواب في الاعتقاد والقول والعمل، فآمنا به، ولن نشرك بربنا الذي أنزله أحدًا.
وآمنّا بأنه - تعالت عظمة ربنا وجلاله - ما اتخذ زوجة ولا ولدًا كما يقول المشركون.
وأنه كان إبليس يقول على الله قولًا منحرفًا من نسبة الزوجة والولد إليه سبحانه.
وأنا حَسِبْنا أن المشركين من الإنس والجنّ لا يقولون الكذب حين كانوا يزعمون أن له صاحبة وولدًا، فصدّقنا قولهم تقليدًا لهم.
وأنه كان في الجاهلية رجال من الإنس يستجيرون برجال من الجنّ عندما ينزلون بمكان مَخُوف، فيقول أحدهم: أعوذ بسيّد هذا الوادي من شرّ سفهاء قومه، فازداد رجال الإنس خوفًا ورعبًا من رجال الجنّ.
وأن الإنس ظنوا كما ظننتم - أيها الجن - أن الله لن يبعث أحدًا بعد موته للحساب والجزاء.
وأنا طلبنا خبر السماء، فوجدنا السماء مُلئِت حرسًا قويًّا من الملائكة يحرسونها من استراق السمع الذي كنا نقوم به، ومُلِئت نارًا مشتعلة يُرْمى بها كل من يقرب السماء.
وأنا كنا في السابق نتخذ من السماء مواقع نستمع منها ما يتداوله الملائكة، فنخبر به الكهنة من أهل الأرض، وقد تغير الأمر، فمن يستمع منا الآن يجد نارًا مشتعلة معدة له، فإذا اقترب أرسلت عليه فأحرقته.
وأنّا لا نعلم ما سبب هذه الحراسة الشديدة؛ أأريد شرٌّ بأهل الأرض، أم أن الله أراد بهم خيرًا، فقد انقطع عنا خبر السماء.
وأنَّا - معشر الجنّ -: منّا المتقون الأبرار، ومنّا من هم كفار وفساق؛ كنّا أصنافًا مختلفة وأهواء متباينة.
وأنَّا أيقنا أنا لن نفوت الله سبحانه إذا أراد بنا أمرًا، ولن نفوته هربًا لإحاطته بنا.
وأنَّا لما سمعنا القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم آمنّا به، فمن يؤمن بربه فلا يخاف نقصًا لحسناته، ولا إثمًا يضاف إلى آثامه السابقة.
وأنَّا منا المسلمون المنقادون لله بالطاعة، ومنا الجائرون عن طريق القصد والاستقامة، فمن خضع لله بالطاعة والعمل الصالح فأولئك الذين قصدوا الهداية والصواب.
وأما الجائرون عن طريق القصد والاستقامة فكانوا لجهنّم حطبًا توقَدُ به مع أمثالهم من الإنس.
وكما أوحى إليه أنه استمع نفر من الجن أوحى إليه أنه لو استقام الجنّ والإنس على طريق الإسلام، وعملوا بما فيه، لسقاهم الله ماءً كثيرًا، وأمدَّهم بنعم متنوعة.
لنختبرهم فيه أيشكرون نعمة الله أم يكفرونها؟ ومن يُعْرِض عن القرآن، وعما فيه من المواعظ، يدخله ربه عذابًا شاقًّا لا يستطيع تحمّله.
وأن المساجد له سبحانه لا لغيره، فلا تدعوا مع الله فيها أحدًا، فتكونوا مثل اليهود والنصارى في كنائسهم وبِيَعهم.
وأنه لما قام عبد الله محمد صلّى الله عليه وسلّم يعبد ربه ببطن نَخْلة، كاد الجن يكونون مُتَراكِمين عليه من شدّة الزحام عند سماعهم قراءته للقرآن.
قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين: إنما أدعو ربي وحده، ولا أشرك به غيره في العبادة كائنًا من كان.
قل لهم: إنّي لا أملك لكم دفع ضرّ قدّره الله عليكم، ولا أملك جلب نفع منعكم الله إياه.
قل لهم: لن ينجيني من الله أحد إن عصيته، ولن أجد من دونه مُلْتَجأً ألجأ إليه.
لكنّ الذي أملكه أن أبلغكم ما أمرني الله بتبليغه إليكم، ورسالته التي بعثني بها إليكم، ومن يعص الله ورسوله فإن مصيره دخول نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها، لا يخرج منها أبدًا.
ولا يزال الكفار على كفرهم حتى إذا عاينوا يوم القيامة ما كانوا يوعدون به في الدنيا من العذاب، حينئذ سيعلمون من أضعف ناصرًا، وسيعلمون من أقلّ أعوانًا.
قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين المنكرين للبعث: لا أدري أقريب ما توعدون من العذاب، أم أن له أجلًا لا يعلمه إلا الله.
هو سبحانه عالم الغيب كله، لا يخفى عليه منه شيء، فلا يُطْلِعُ على غيبه أحدًا، بل يبقى مختصًّا بعلمه.
إلا من ارتضاه سبحانه من رسول، فإنه يطلعه على ما شاء، ويرسل من بين يدي الرسول حرسًا من الملائكة يحفظونه حتى لا يطّلع غير الرسول على ذلك.
رجاء أن يعلم الرسول أن الرسل من قبله قد بلَّغوا رسالات ربهم التي أمرهم بتبليغها لما أحاطها الله به من العناية، وأحاط الله بما لدى الملائكة والرسل علمًا، فلا يخفى عليه من ذلك شيء، وأحصى عدد كل شيء، فلا يخفى عليه سبحانه شيء.
سورة الجن
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الجِنِّ) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الأعراف)، وقد جاءت على ذِكْرِ شرفِ النبي صلى الله عليه وسلم، وتحقُّقِ الكرامة له بعد أن رفَضه أهلُ الأرض وآذَوْهُ، فليَّنَ اللهُ له قلوبَ عالَم الجِنِّ؛ فاستمَعوا لهذا القرآن، وآمنوا به، وبرسالة مُحمَّد صلى الله عليه وسلم؛ لِما لهذا القرآن من عظمة وهداية وبيان واضح، والإنس أدعى أن يؤمنوا بهذا الكتابِ العظيم.

ترتيبها المصحفي
72
نوعها
مكية
ألفاظها
285
ترتيب نزولها
40
العد المدني الأول
28
العد المدني الأخير
28
العد البصري
28
العد الكوفي
28
العد الشامي
28

قوله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اْسْتَمَعَ نَفَرٞ مِّنَ اْلْجِنِّ} [الجن: 1]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «انطلَقَ النبيُّ ﷺ في طائفةٍ مِن أصحابِه عامِدِينَ إلى سُوقِ عُكَاظَ، وقد حِيلَ بَيْنَ الشياطينِ وبَيْنَ خَبَرِ السماءِ، وأُرسِلتْ عليهم الشُّهُبُ، فرجَعتِ الشياطينُ إلى قومِهم، فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حِيلَ بَيْننا وبَيْنَ خَبَرِ السماءِ، وأُرسِلتْ علينا الشُّهُبُ، قالوا: ما حالَ بَيْنَكم وبَيْنَ خَبَرِ السماءِ إلا شيءٌ حدَثَ، فاضرِبوا مشارقَ الأرضِ ومغاربَها، فانظُروا ما هذا الذي حالَ بَيْنَكم وبَيْنَ خَبَرِ السماءِ، فانصرَفَ أولئك الذين توجَّهوا نحوَ تِهامةَ إلى النبيِّ ﷺ، وهو بنَخْلةَ، عامِدِينَ إلى سُوقِ عُكَاظَ، وهو يُصلِّي بأصحابِه صلاةَ الفجرِ، فلمَّا سَمِعوا القرآنَ استمَعوا له، فقالوا: هذا واللهِ الذي حالَ بَيْنَكم وبَيْنَ خَبَرِ السماءِ، فهنالك حينَ رجَعوا إلى قومِهم، وقالوا: يا قومَنا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًا عَجَبٗا ١ يَهْدِيٓ إِلَى اْلرُّشْدِ فَـَٔامَنَّا بِهِۦۖ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَدٗا} [الجن: 1-2]؛ فأنزَلَ اللهُ على نبيِّه ﷺ: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اْسْتَمَعَ نَفَرٞ مِّنَ اْلْجِنِّ} [الجن: 1]، وإنَّما أُوحِيَ إليه قولُ الجِنِّ». أخرجه البخاري (٧٧٣).

* سورة (الجِنِّ):

سُمِّيت سورة (الجِنِّ) بهذا الاسم؛ لاشتمالها على أحوالهم وأقوالهم، وعلاقتهم بالإنس.

* سورة {قُلْ أُوحِيَ}:

سُمِّيت بذلك؛ لافتتاحها بهذا اللفظِ.

1. الافتتاحية (١-٢).

2. الجِنُّ ورحلة الإيمان (٣-١٥).

3. من صفاتِ الرَّكْبِ، والداعي إليه (١٦-٢٥).

4. الخاتمة (٢٦-٢٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /397).

يقول البِقاعيُّ: «مقصودها: إظهارُ شرفِ هذا النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث لُيِّنَ له قلوبُ الجِنِّ والإنس وغيرِهم، فصار مالكًا لقلوب المُجانِس وغيره؛ وذلك لعظمة هذا القرآنِ، ولُطْفِ ما له من عظيم الشأن.
هذا، والزمانُ في آخره، وزمان لُبْثِه في قومه دون العُشْرِ من زمن قوم نوح عليهما السلام، أولِ نبيٍّ بعثه اللهُ إلى المخالفين، وما آمن معه من قومه إلا قليلٌ.
وعلى ذلك دلَّت تسميتُها بـ(الجِنِّ)، وبـ {قُلْ أُوحِيَ}». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /127).