تفسير سورة الجن

غريب القرآن لابن قتيبة

تفسير سورة سورة الجن من كتاب غريب القرآن المعروف بـغريب القرآن لابن قتيبة.
لمؤلفه ابن قتيبة الدِّينَوري . المتوفي سنة 276 هـ

سورة الجن «١»
١- نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ يقال: «النفر» ما بين الثلاثة إلى العشرة.
٣- وَأَنَّهُ- تَعالى جَدُّ رَبِّنا! - مَا اتَّخَذَ... قال مجاهد: جلال ربنا.
وقال قتادة: عظمته.
وقال أبو عبيدة ملكه وسلطانه.
٤-[يَقُولُ] سَفِيهُنا: جاهلنا، عَلَى اللَّهِ شَطَطاً أي جورا في المقال.
٦- فَزادُوهُمْ رَهَقاً أي ضلالا.
وأصل «الرّهق» : العيب. ومنه يقال: يرهّق في دينه «٢».
٨- (والشهب) : جمع «شهاب»، وهو: النجم المضيء.
٩- و (الشهاب الرصد) : الذي قد أرصد به للرّجم.
١١- كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً أي كنا فرقا مختلفة أهواؤنا.
(١) هي مكية.
(٢) الرهق في كلام العرب: الإثم وغشيان المحارم.
و «القدد» : جمع «قدة»، وهي بمنزلة قطعة وقطع [في التقدير والمعنى].
١٢- وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ أي استيقنا.
١٣- فَلا يَخافُ بَخْساً، أي نقصا من الثواب، وَلا رَهَقاً أي ظلما.
وأصل «الرهق» : ما رهق الإنسان من عيب أو ظلم.
١٤- والْقاسِطُونَ: الجائرون. يقال: قسط، إذا جاز.
وأقسط: إذا عدل.
فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً أي توخّوه وأمّوه.
١٦- وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ يقال: طريقة الكفر، لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً. و «الغدق» : الكثير. وهذا مثل «لزدناهم في أموالهم ومواشيهم». ومثله: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً [سورة الزخرف آية: ٣٣]، أي كفرة كلهم. هذا بمعنى قول الفراء.
وقال غيرة: «وأن لو استقاموا على الهدى جميعا: لأوسعنا عليهم».
١٧- لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ أي لنختبرهم، فنعلم كيف شكرهم.
يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً، أي عذابا شاقا. يقال: تصعدني الأمر، إذا شقّ عليّ.
ومنه قول عمر: «ما تصعّدني شيء ما تصعّدتني خطبة النكاح».
ومنه قوله: سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً [سورة المدثر آية: ١٧] أي عقبة شاقة.
ونرى أصل هذا كلّه من «الصّعود» : لأنه شاقّ، فكنّي به عن المشقات.
١٨- وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ أي السّجود لله. هو جمع «مسجد»، يقال: سجدت سجودا ومسجدا، كما يقال: ضربت في البلاد ضربا ومضربا. ثم يجمع فيقال: المساجد لله. كما يقال: المضارب في الأرض لطلب الرزق.
١٩- وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ أي لمّا قام النبي- صلّى الله عليه وسلم- يدعو إليه، كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً أي يلبدون به [ويتراكبون] : رغبة في القرآن، وشهوة لأستماعه.
وهو جمع «لبدة»، يقال: غشيته لبة من الحرام، أي قطعة لبدت به.
٢٢- وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً أي معدلا وموئلا.
٢٣- إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ هذا استثناء من لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً [٢١] : إلا أن أبلغكم.
٢٥- أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً أي غاية.
٢٦- و ٢٧- عالِمُ الْغَيْبِ، فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً. إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ أي اصطفي للنبوة والرسالة: فإنه يطلعه على ما شاء من غيبه، فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أي يجعل بين يديه وخلقه رَصَداً من الملائكة: يدفعون عنه الجن أن يسمعوا ما ينزل به الوحي، فيلقوه إلى الكهنة قبل أن يخبر [به] النبيّ- صلّى الله عليه وسلم- الناس.
٢٨- لِيَعْلَمَ محمد أن الرسل قد بلّغت عن الله عز وجل، وأن الله حفظها ودفع عنها، وأحاط بما لديها.
ويقال: ليعلم محمد أن الملائكة- يريد جبريل- قد بلّغ رسالات ربه.
ويقرأ: لتعلم بالتاء. يريد: لتعلم الجنّ ان الرسل قد بلّغت [عن] إلههم بما ودّوا: من استراق السمع.
سورة الجن
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الجِنِّ) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الأعراف)، وقد جاءت على ذِكْرِ شرفِ النبي صلى الله عليه وسلم، وتحقُّقِ الكرامة له بعد أن رفَضه أهلُ الأرض وآذَوْهُ، فليَّنَ اللهُ له قلوبَ عالَم الجِنِّ؛ فاستمَعوا لهذا القرآن، وآمنوا به، وبرسالة مُحمَّد صلى الله عليه وسلم؛ لِما لهذا القرآن من عظمة وهداية وبيان واضح، والإنس أدعى أن يؤمنوا بهذا الكتابِ العظيم.

ترتيبها المصحفي
72
نوعها
مكية
ألفاظها
285
ترتيب نزولها
40
العد المدني الأول
28
العد المدني الأخير
28
العد البصري
28
العد الكوفي
28
العد الشامي
28

قوله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اْسْتَمَعَ نَفَرٞ مِّنَ اْلْجِنِّ} [الجن: 1]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «انطلَقَ النبيُّ ﷺ في طائفةٍ مِن أصحابِه عامِدِينَ إلى سُوقِ عُكَاظَ، وقد حِيلَ بَيْنَ الشياطينِ وبَيْنَ خَبَرِ السماءِ، وأُرسِلتْ عليهم الشُّهُبُ، فرجَعتِ الشياطينُ إلى قومِهم، فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حِيلَ بَيْننا وبَيْنَ خَبَرِ السماءِ، وأُرسِلتْ علينا الشُّهُبُ، قالوا: ما حالَ بَيْنَكم وبَيْنَ خَبَرِ السماءِ إلا شيءٌ حدَثَ، فاضرِبوا مشارقَ الأرضِ ومغاربَها، فانظُروا ما هذا الذي حالَ بَيْنَكم وبَيْنَ خَبَرِ السماءِ، فانصرَفَ أولئك الذين توجَّهوا نحوَ تِهامةَ إلى النبيِّ ﷺ، وهو بنَخْلةَ، عامِدِينَ إلى سُوقِ عُكَاظَ، وهو يُصلِّي بأصحابِه صلاةَ الفجرِ، فلمَّا سَمِعوا القرآنَ استمَعوا له، فقالوا: هذا واللهِ الذي حالَ بَيْنَكم وبَيْنَ خَبَرِ السماءِ، فهنالك حينَ رجَعوا إلى قومِهم، وقالوا: يا قومَنا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًا عَجَبٗا ١ يَهْدِيٓ إِلَى اْلرُّشْدِ فَـَٔامَنَّا بِهِۦۖ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَدٗا} [الجن: 1-2]؛ فأنزَلَ اللهُ على نبيِّه ﷺ: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اْسْتَمَعَ نَفَرٞ مِّنَ اْلْجِنِّ} [الجن: 1]، وإنَّما أُوحِيَ إليه قولُ الجِنِّ». أخرجه البخاري (٧٧٣).

* سورة (الجِنِّ):

سُمِّيت سورة (الجِنِّ) بهذا الاسم؛ لاشتمالها على أحوالهم وأقوالهم، وعلاقتهم بالإنس.

* سورة {قُلْ أُوحِيَ}:

سُمِّيت بذلك؛ لافتتاحها بهذا اللفظِ.

1. الافتتاحية (١-٢).

2. الجِنُّ ورحلة الإيمان (٣-١٥).

3. من صفاتِ الرَّكْبِ، والداعي إليه (١٦-٢٥).

4. الخاتمة (٢٦-٢٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /397).

يقول البِقاعيُّ: «مقصودها: إظهارُ شرفِ هذا النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث لُيِّنَ له قلوبُ الجِنِّ والإنس وغيرِهم، فصار مالكًا لقلوب المُجانِس وغيره؛ وذلك لعظمة هذا القرآنِ، ولُطْفِ ما له من عظيم الشأن.
هذا، والزمانُ في آخره، وزمان لُبْثِه في قومه دون العُشْرِ من زمن قوم نوح عليهما السلام، أولِ نبيٍّ بعثه اللهُ إلى المخالفين، وما آمن معه من قومه إلا قليلٌ.
وعلى ذلك دلَّت تسميتُها بـ(الجِنِّ)، وبـ {قُلْ أُوحِيَ}». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /127).