تفسير سورة الجن

تفسير ابن أبي زمنين

تفسير سورة سورة الجن من كتاب تفسير القرآن العزيز المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين.
لمؤلفه ابن أبي زَمَنِين . المتوفي سنة 399 هـ
تفسير سورة الجن وهي مكية١.
١ بياض في الأصل..

قَوْلُهُ: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتمع نفر من الْجِنّ﴾ وهم (ل ٣٧٥) ﴿فَقَالُوا إِنَّا سمعنَا قُرْآنًا عجبا﴾
﴿يهدي إِلَى الرشد﴾ أَيْ: يُبَيِّنُ سَبِيلَ الْهُدَى ﴿فَآمَنَّا بِهِ﴾ وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ على الْيَهُودِيَّة.
﴿وَأَنه تَعَالَى﴾ ارْتَفع ﴿جد رَبنَا﴾ عَظمته وكبرياؤه
﴿وَأَنه كَانَ يَقُول سفيهنا﴾ وَهُوَ الْمُشْرِكُ مِنْهُمْ ﴿عَلَى اللَّهِ شططا﴾ أَي: جورًا وكذبًا
قَالَ اللَّهُ: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنّ فزادوهم رهقا﴾ تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: أَنَّ رِجَالًا مِنَ الْإِنْسِ كَانَ أَحَدُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا كَانَ مُسَافِرًا، فَأَمْسَى فِي الْأَرْضِ الْقَفْرِ نَادَى: أَعُوذُ بَسَيِّدِ هَذَا الْوَادِي مِنْ سُفَهَاءِ قَوْمِهِ، فَيَبِيتُ فِي مَنَعةٍ مِنْهُ حَتَّى يصبح ﴿فزادوهم رهقا﴾ زَادَتِ الْجِنُّ لتعوُّذهم بِهِمْ إِثْمًا.
﴿وَأَنَّهُمْ ظنُّوا﴾ ظَنَّ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْجِنِّ ﴿كَمَا ظننتم﴾ يَقُولُهُ لِلْمُشْرِكِينَ مِنَ الْإِنْسِ ﴿أَنْ لن يبْعَث الله أحدا﴾
43
يجحدون الْبَعْث. تَفْسِير سُورَة الْجِنّ من آيَة (٨ - ١٣)
44
﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حرسا شَدِيدا وشهبا﴾ هَذَا قَوْلُ الْجِنِّ مَنْ كَانَ يفعل ذَلِك مِنْهُم
﴿وَأَنا كُنَّا نقعد مِنْهَا﴾ مِنَ السَّمَاءِ ﴿مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رصدا﴾ أَيْ: حَفَظة تَمْنَعُ مِنَ الِاسْتِمَاعِ.
قَالَ محمدٌ: (الشهَاب الرَّصد): أَي: قد أُرصِدَ بِهِ للرَّجْم، و (شُهُبًا) جَمْعُ شِهَابٍ.
قَالَ يَحْيَى: وَكَانُوا يَسْتَمِعُونَ أَخْبَارًا مِنْ أَخْبَارِ السَّمَاءِ، وأمَّا الْوَحْيُ فَلَمْ يَكُونُوا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَسْتَمِعُوهُ.
يَحْيَى: عَنْ عُبَيْدِ الصَّمَدِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا رجاءٍ العُطَاردي يَقُولُ: ((كُنَّا قَبْلَ أَنْ يُبعث النَّبِيُّ مَا نَرَى نَجْمًا يَرْمَى بِهِ؛ فَبَيْنَمَا نَحْنُ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِذَا النُّجُومُ قَدْ رُمِيَ بِهَا فَقُلْنَا: مَا هَذَا؟ إِنْ هَذَا إِلَّا أمرٌ حَدَثٌ. فجاءنا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم بُعِثَ)).
﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بهم رَبهم رشدا﴾ تَفْسِيرُ
44
الْحَسَنِ: أَنَّهُمْ قَالُوا: هَذَا أمرٌ حَدَثٌ حِينَ رُمِيَ بِالنُّجُومِ، فَلا نَدْرِي أشرٌّ أَرَادَ اللَّهُ بِأَهْلِ الْأَرْضِ أَنْ يُهْلِكَهُمْ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا، أَمْ أَحْدَثَ لَهُم مِنْهُ نعْمَة وكرامة؟:
45
﴿وَأَنا منا الصالحون﴾ الْمُؤْمِنُونَ ﴿وَمنا دون ذَلِك﴾ يَعْنُونَ: الْمُشْرِكِينَ ﴿كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا﴾ وَفِي الْجِنِّ مَؤْمِنُونَ ويهودٌ وَنَصَارَى ومجوسٌ وَعَبَدَةُ الْأَوْثَانِ.
قَالَ محمدٌ: (طَرَائِقُ) أَيْ: كُنَّا فِرَقًا، والقِدَدُ: جَمْعُ قِدّة، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ قِطْعَةٍ وقطعٍ.
قَوْله: ﴿وَأَنا ظننا﴾ عَلِمْنَا ﴿أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ﴾ أَنْ نَسْبِقَ اللَّهَ حَتَّى لَا يَقْدِرُ عَلَيْنَا؛ فَيَبْعَثَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
﴿وَأَنا لما سمعنَا الْهدى﴾ الْقُرْآن ﴿آمنا بِهِ﴾ صَدَّقْنَا بِهِ. ﴿فَلا يَخَافُ بَخْسًا﴾ يَعْنِي: أَنْ يُنْقَصَ مِنْ عَمَلِهِ ﴿وَلَا رهقا﴾ ظُلْمًا أَنْ يُزَادَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَعْمَلْ.
قَالَ محمدٌ: أَصْلُ (الرَّهَق) فِي اللُّغَةِ العيْبُ وَالظُّلْمُ؛ يُقَالُ: رَهَقَ وَتَرَهَّقَ فِي دِينِهِ إِذا ظلم. تَفْسِير سُورَة الْجِنّ من آيَة (١٤ - ١٧)
45
تَفْسِير سُورَة الْجِنّ من آيَة (١٧ - ٢٠)
46
﴿وَأما القاسطون﴾ الْجَائِرُونَ عَنِ الْهُدَى. قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: قَسَطَ إِذَا جَارَ، وأقْسَط إِذَا عَدل. ﴿فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا﴾ أَصَابُوا الرُّشْدَ.
﴿وألَّوا استقاموا على الطَّرِيقَة﴾ عَلَى الْإِيمَانِ ﴿لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ أَيْ: لَأَوْسَعْنَا لَهُمْ مِنَ الرِّزْقِ؛ فِي تَفْسِير الْحسن
﴿لنفتنهم فِيهِ﴾ لِنَخْتَبِرَهُمْ فِيهِ فَنَعْلَمَ كَيْفَ شُكْرُهُمْ.
قَالَ محمدٌ: قَالُوا: غَدِقَت الْأَرْضُ وأَغْدقت إِذَا ابتلّتْ، وَقَالُوا: مطرٌ غَيْداق؛ أَيْ: كَثِيرٌ، وَسَنَةٌ غَيْدَاق إِذَا أَخْصَبَتْ.
﴿نَسْلُكُهُ﴾ نُدْخِلُهُ ﴿عَذَابًا صعدا﴾ تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: لَا رَاحَةَ فِيهِ.
قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: تصعَّدني الْأَمْرُ إِذا شقَّ عليَّ.
﴿وَأَن الْمَسَاجِد لله﴾
قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: وَلِأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ. ﴿فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أحدا﴾ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: قَالَ: يَقُولُ: لَيْسَ مِنْ قَوْمٍ غَيْرَ الْمُسْلِمِينَ يَقُومُونَ فِي مَسَاجِدِهِمْ إِلَّا وَهُمْ يُشْرِكُونَ بِاللَّه فِيهَا، فأخلصُوا لله.
﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ﴾ ﴿يَدعُوهُ﴾ يَدْعُو الله ﴿كَادُوا﴾ كَادَ الْمُشْرِكُونَ ﴿يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ تَفْسِيرُ مِنَ الْحَرْدِ عَلَيْهِ.
قَالَ محمدٌ: كُلُّ شيءٍ أَلْصَقْتَهُ بشيءٍ إلصاقًا شَدِيدا [فقد لبّدته]. تَفْسِير سُورَة الْجِنّ من آيَة (٢١ - ٢٨)
﴿قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضرا﴾ أَنْ أُدْخِلَكُمْ فِي الْكُفْرِ ﴿وَلا رشدا﴾ أَن أكرهكم على الْهدى
﴿قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ﴾ ﴿وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دونه ملتحدا﴾ ملْجأ ألجأ إِلَيْهِ (ل ٣٧٦)
﴿إِلا بَلاغًا مِنَ اللَّهِ﴾.
﴿فسيعلمون من أَضْعَف ناصرا﴾ أَيْ: أَنَّكُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ لَا نَاصِر لكم ﴿وَأَقل عددا﴾ أَيْ: يُفْرَدُ كُلُّ إِنْسَانٍ بِعَمَلِهِ.
﴿قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا توعدون﴾ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ مِنْ مَجِيءِ السَّاعَةِ ﴿أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا﴾
﴿عَالم الْغَيْب﴾ والغيب هَا هُنَا فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ: الْوَحْيُ (فَلا
47
يظْهر على غيبه أحدا}
48
﴿إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمن خَلفه رصدًا﴾ مِنَ الْمَلائِكَةِ يَحْفَظُونَهُ حَتَّى يُبَلِّغَ عَن الله الرسَالَة
﴿لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبهم﴾ لِيَعْلَمَ ذَلِكَ الرَّسُولُ أَنَّ الرُّسُلَ قَبْلَهُ قَدْ بلَّغوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ ﴿وأحاط﴾ ﴿الله﴾ (بِمَا لديهم} يَعْنِي: مَا أُرْسِلُوا بِهِ فَلا يُوصَلُ إِلَيْهِمْ؛ حَتَّى يُبَلِّغُوا عَنِ اللَّهِ الرِّسَالَةَ ﴿وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ﴾ ﴿من خلقه﴾ (عددا}.
قَالَ محمدٌ: (عددا) حَالٌ؛ الْمَعْنَى: وأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ فِي حَالِ الْعَدَدِ.
48
تَفْسِيرُ سُورَةِ الْمُزَّمِّل وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كلهَا
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَفْسِير سُورَة المزمل من آيه (١ - ١٣)
49
سورة الجن
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الجِنِّ) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الأعراف)، وقد جاءت على ذِكْرِ شرفِ النبي صلى الله عليه وسلم، وتحقُّقِ الكرامة له بعد أن رفَضه أهلُ الأرض وآذَوْهُ، فليَّنَ اللهُ له قلوبَ عالَم الجِنِّ؛ فاستمَعوا لهذا القرآن، وآمنوا به، وبرسالة مُحمَّد صلى الله عليه وسلم؛ لِما لهذا القرآن من عظمة وهداية وبيان واضح، والإنس أدعى أن يؤمنوا بهذا الكتابِ العظيم.

ترتيبها المصحفي
72
نوعها
مكية
ألفاظها
285
ترتيب نزولها
40
العد المدني الأول
28
العد المدني الأخير
28
العد البصري
28
العد الكوفي
28
العد الشامي
28

قوله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اْسْتَمَعَ نَفَرٞ مِّنَ اْلْجِنِّ} [الجن: 1]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «انطلَقَ النبيُّ ﷺ في طائفةٍ مِن أصحابِه عامِدِينَ إلى سُوقِ عُكَاظَ، وقد حِيلَ بَيْنَ الشياطينِ وبَيْنَ خَبَرِ السماءِ، وأُرسِلتْ عليهم الشُّهُبُ، فرجَعتِ الشياطينُ إلى قومِهم، فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حِيلَ بَيْننا وبَيْنَ خَبَرِ السماءِ، وأُرسِلتْ علينا الشُّهُبُ، قالوا: ما حالَ بَيْنَكم وبَيْنَ خَبَرِ السماءِ إلا شيءٌ حدَثَ، فاضرِبوا مشارقَ الأرضِ ومغاربَها، فانظُروا ما هذا الذي حالَ بَيْنَكم وبَيْنَ خَبَرِ السماءِ، فانصرَفَ أولئك الذين توجَّهوا نحوَ تِهامةَ إلى النبيِّ ﷺ، وهو بنَخْلةَ، عامِدِينَ إلى سُوقِ عُكَاظَ، وهو يُصلِّي بأصحابِه صلاةَ الفجرِ، فلمَّا سَمِعوا القرآنَ استمَعوا له، فقالوا: هذا واللهِ الذي حالَ بَيْنَكم وبَيْنَ خَبَرِ السماءِ، فهنالك حينَ رجَعوا إلى قومِهم، وقالوا: يا قومَنا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًا عَجَبٗا ١ يَهْدِيٓ إِلَى اْلرُّشْدِ فَـَٔامَنَّا بِهِۦۖ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَدٗا} [الجن: 1-2]؛ فأنزَلَ اللهُ على نبيِّه ﷺ: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اْسْتَمَعَ نَفَرٞ مِّنَ اْلْجِنِّ} [الجن: 1]، وإنَّما أُوحِيَ إليه قولُ الجِنِّ». أخرجه البخاري (٧٧٣).

* سورة (الجِنِّ):

سُمِّيت سورة (الجِنِّ) بهذا الاسم؛ لاشتمالها على أحوالهم وأقوالهم، وعلاقتهم بالإنس.

* سورة {قُلْ أُوحِيَ}:

سُمِّيت بذلك؛ لافتتاحها بهذا اللفظِ.

1. الافتتاحية (١-٢).

2. الجِنُّ ورحلة الإيمان (٣-١٥).

3. من صفاتِ الرَّكْبِ، والداعي إليه (١٦-٢٥).

4. الخاتمة (٢٦-٢٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /397).

يقول البِقاعيُّ: «مقصودها: إظهارُ شرفِ هذا النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث لُيِّنَ له قلوبُ الجِنِّ والإنس وغيرِهم، فصار مالكًا لقلوب المُجانِس وغيره؛ وذلك لعظمة هذا القرآنِ، ولُطْفِ ما له من عظيم الشأن.
هذا، والزمانُ في آخره، وزمان لُبْثِه في قومه دون العُشْرِ من زمن قوم نوح عليهما السلام، أولِ نبيٍّ بعثه اللهُ إلى المخالفين، وما آمن معه من قومه إلا قليلٌ.
وعلى ذلك دلَّت تسميتُها بـ(الجِنِّ)، وبـ {قُلْ أُوحِيَ}». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /127).